الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فالجواب: أن ذلك لا يجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )، فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف.
قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].
الشيخ: الزكاة في الأقارب الذين هم من أهلها أولى من أن تكون في غير الأقارب؛ لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة، فإذا كان أخوك أو عمك أو أبوك أو أمك من أهل الزكاة فهم أولى بها من غيرهم، لكن إذا كانوا يأخذون الزكاة لحاجتهم وأنت يجب عليك نفقتهم فإنه لا يجوز لك أن تعطيهم من الزكاة في هذه الحال؛ لأنك إذا أعطيتهم من الزكاة رفدت مالك ووقيته مما تعطيهم من الزكاة، فإذا قدرنا أن لك أخاً فقيراً وأنت عندك زكاة ونفقته تجب عليك، فإنه لا يجوز أن تعطيه لفقره؛ لأنك إذا أعطيته لفقره رفدت مالك ووقيته مما تعطيه، إذ لو لم تعطه من الزكاة لوجب عليك الإنفاق عليه.
أما لو كان على أخيك هذا دين لا يستطيع وفاءه، مثل: أن يحصل منه إتلاف شيء، أو جناية على أحد، ويلزمه مال، ففي هذه الحال يجوز أن تقضي دينه من زكاتك؛ لأنه لا يجب عليك قضاء دينه، وإنما الواجب عليك نفقته.
وقاعدة ذلك: أن الأقارب إذا أعطاهم الإنسان زكاة ماله لدفع حاجتهم وهم ممن تجب عليه نفقتهم، فإن ذلك لا يصح، وإن أعطاهم لدفع أمر لا يلزمه القيام به، فإن ذلك جائز، بل هم أحق بذلك من غيرهم.
فإن قال قائل: ما دليلك على هذا؟
قلنا: الدليل عموم الأدلة، بل عموم آية الصدقة التي أشرنا إليها فيما سبق: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، وإنما منعنا إعطاءهم فيما إذا كان إعطاؤهم لدفع حاجتهم التي يجب عليك دفعها؛ لأن هذا من باب إسقاط الواجب على الإنسان بالحيلة، والواجب لا يمكن إسقاطه بالحيل.
المقدم: لكن نريد التمثيل أيضاً لدفع المال للوالد أو الوالدة؟
الشيخ: مثلاً: أبوك اشترى سيارة بخمسة آلاف ريال مثلاً، واحترقت السيارة لزمه خمسة آلاف ريال، وأنت لا يلزمك أن تدفع له؛ لأن هذا ليس من النفقة، فيجوز لك أن تقضي دينه هذا من زكاتك، وكذلك لو لزم أحد من أقاربك الآخرين شيء من أجل جناية أو إتلاف، فإنه يجوز لك أن تدفع زكاتك في قضاء هذا الشيء.
الشيخ: لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة:103] (خذ) والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم )، فقال: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد )، فلابد من أخذ ورد، والإسقاط لا يوجد فيه ذلك، ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الرديء عن الطيب؛ لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاته عنها لنقصه، وقد قال تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267].
ومثال ما سألت عنه: لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريال زكاة، وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريال، فذهب إلى الرجل الفقير وقال: قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريال، وهي زكاتي لهذا العام.
قلنا: هذا لا يصح؛ لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة العين لما أشرنا إليه آنفاً، وهذه مسألة يخطئ فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منهم، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لا يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع.
الشيخ: لا يجوز، يعني: لو كان لك مدين فقير، ودفعت إليه زكاتك فلا بأس ولا حرج حتى لو ردها عليك فيما بعد، لكن أن تشترط عليه ذلك لا يجوز؛ لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير، والزكاة لا يجوز أن يحابي فيها الإنسان أحداً لا نفسه ولا غيره.
الشيخ: الزكاة في الإسلام أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام )، وهي فرض بإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشئاً في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعلم، فإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتداً.
وأما من منعها بخلاً وتهاوناً: ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، لكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: ( حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار )، وإذا كان يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلاً وتهاوناً من الإثم العظيم ما ذكره الله في قوله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180]، وفي قوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]، فعلى المرء المسلم أن يشكر الله على نعمته بالمال، وأن يؤدي زكاته حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء. والله الموفق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر