الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فقبل أن أجيب على هذا السؤال، أحب أن أبين: أن كل عبادة لابد لقبولها من شرطين:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل؛ بأن يقصد الإنسان بعبادته التعبد لله تعالى وابتغاء ثوابه ومرضاته، فإن هذه هي الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح:29]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:22-24]، ولقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه )، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )، ولقوله صلى الله عليه وسلم لـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها ).. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً، كلها تفيد أن أساس العمل الإخلاص لله عز وجل.
وأما المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهي أيضاً شرط لصحة العمل، لقوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، ولقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، ولقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وفي لفظ: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ).. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً أيضاً، وبناء على ذلك فإن كل من تعبد لله تعالى عبادة غير مخلصٍ فيها فإنها باطلة لفقد الإخلاص منها، وكل من تعبد الله تعالى بشيء يقصد به التعبد ولم يرد به الشرع فإن ذلك مردود عليه؛ لعدم المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبناء على هذه القاعدة العظيمة: أنه من شرط العبادة أن تكون خالصة لله، موافقة لشريعته، وهي ما اتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هناك أخطاءً يفعلها بعض المسلمين في عباداتهم، ومادمنا نتحدث في موضوع الحج، ومادام السؤال الذي ورد منكم يطلب به بيان الأخطاء في الإحرام، فإني أود أن أبين شيئاً منها:
ولتصحيح هذا الخطأ: على الإنسان أن يغتسل في بيته أو في المطار ويتأهب وهو على الطائرة في لباس ثوب الإحرام وخلع ثيابه المعتادة، فإذا حاذى الميقات أحرم منه، فلبى بما يريد أن يحرم به من عمرة أو حج، ولا يحل له أن يؤخر ذلك إلى جدة، فإن فعل فقد أخطأ، وعليه عند جمهور أهل العلم فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من الواجبات.
هذه من الأخطاء التي يخطئ فيها بعض الحجاج، وتلافي هذا كله أن يدعوا هذه الأخطاء، وأن يصححوا المسار على حسب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: هناك أخطاء في الواقع تكون بعد الإحرام من الميقات إلى الوصول إلى الحرم وذلك التلبية، فإن المشروع في التلبية أن يرفع الإنسان صوته بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال يعني: بالتلبية )، ونرى أفواج الحجيج بأعداد ضخمة لا نسمع أحداً يلبي، فلا يكون للحج مظهر في ذكر الله عز وجل، بل إنهم بتلك الأفواج وكأنهم لا ينطقون، والمشهور للرجال أن يرفعوا أصواتهم بقدر ما يستطيعون من غير مشقة بالتلبية؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون هكذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما أشرنا إليه آنفاً.
وخطأ آخر في التلبية: أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف ويلبي، ثم يتبعونه بصوت واحد، وهذا لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم، بل قال أنس بن مالك: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: في حجة الوداع-، فمنا المكبر ومنا المهلل ومنا الملبي )، وهذا هو المشروع للمسلمين أن يلبي كل واحد لنفسه، وأن لا يكون له تعلق بغيره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر