الشيخ: صيام الصبي -كما أسلفنا- ليس بواجبٍ عليه، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده، وهو -أي: الصيام- في حق الصبي الذي لم يبلغ سنة له أجر بالصوم، وليس عليه إثم إذا تركه.
الشيخ: حكم المجنون المتقطع أنه في الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرماً لا صوم عليه، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً، أو يهذي يوماً ويصحو يوماً، ففي اليوم الذي يصحو فيه يلزمه الصوم، وفي اليوم الذي لا يصحو فيه لا يلزمه الصوم.
المقدم: لكن لو حدث له ذلك أثناء النهار بأن كان عاقلاً ثم جن؟
الشيخ: إذا جن في أثناء النهار بطل صومه؛ لأنه صار من غير أهل العبادة، وكذلك إذا هذرم في أثناء اليوم فإنه لا يلزمه الإمساك، ولكنه يلزمه القضاء، وكذلك الذي جن في أثناء النهار يلزمه القضاء؛ لأنه في أول النهار كان من أهل الوجوب.
الشيخ: صيام يوم الشك أقرب الأقوال فيه أنه حرام؛ لقول عمار بن ياسر : (من صام الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)؛ ولأن الصائم في يوم الشك متعدٍ لحدود الله عز وجل؛ لأن حدود الله ألا يصام رمضان إلا برؤية هلاله، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصم)، ثم إن الإنسان الذي تحت ولاية دولة مسلمة يتبع ولايته، إذا ثبت عند ولي الأمر دخول الشهر فليصم تبعاً للمسلمين، وإذا لم يثبت فلا يصم، وقد سبق لنا في أول الحلقات ما إذا رأى الإنسان وحده هلال رمضان هل يصوم أو لا يصوم؟
الشيخ: إذا انتقل الإنسان من بلدٍ إسلامي إلى بلد إسلامي آخر وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطر؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، حتى وإن زاد عليه يوم أو أكثر، فمثلاً: لو سافر إلى بلدٍ تأخر فيه غروب الشمس فإنه قد يزيد على اليوم المعتاد ساعتين أو ثلاث ساعات أو أكثر؛ ولأنه إذا انتقل إلى بلده الثاني فإن الهلال لم ير فيها، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام ألا نصوم إلا لرؤيته، وكذلك قال: (أفطروا لرؤيته).
وأما العكس، بمعنى: انتقل من بلد تأخر ثبوت الشهر عندهم إلى بلدٍ تقدم فيه ثبوت الشهر فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضى يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين.
المقدم: لكن قد يقول المستمع: لماذا يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوماً في الأولى ويقضيه في الثانية؟
الشيخ: يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ويزيد على ثلاثين يوماً لأنه لم ير الهلال، وفي الأول قلنا له: أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلا بد من الفطر، ولا يمكن أن تصوم يوماً من شوال، ولما صمت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين، بخلاف الثاني فإنك لا زلت في رمضان، إذا قدمت إلى بلدٍ ولم ير أهله الهلال فأنت في رمضان فكيف تفطر؟ فلا يجوز الفطر، وإذا زاد عليه الشهر فهو مأجور ولا يضره.
الشيخ: من آداب الصيام: لزوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
ومن آداب الصوم: أن يكثر من الصدقة والبر والإحسان إلى الناس لا سيما في رمضان، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.
ومنها: أن يتجنب ما حرم الله عليه من الكذب والسب والشتم والغش والخيانة والنظر المحرم، والاستماع للشيء المحرم، إلى غير ذلك من المحرمات التي يجب على الصائم وغيره أن يتجنبها، ولكنها في الصائم أوكد.
ومن آداب الصيام: أن يتسحر، وأن يؤخر السحور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة).
ومن آدابه أيضاً: أن يفطر على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد فعلى ماء، وأن يبادر بالفطر من حين يتحقق غروب الشمس أو يغلب على ظنه أنها غربت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر).
الشيخ: يجوز للإنسان أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الفجر؛ لقول الله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] ، فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن، بخلاف من شك في غروب الشمس، فإنه لا يأكل حتى يتيقن غروب الشمس، أو يغلب على ظنه غروب الشمس.
الشيخ: حكم هذا الأكل الذي يكون في أثناء الأذان حسب أذان المؤذن، فإن كان لا يؤذن إلا بعد أن يتيقن طلوع الفجر، فإن الواجب الإمساك من حين أن يؤذن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان
الشيخ: لا بأس أن يغوص الصائم في الماء أو يعوم فيه ويسبح؛ لأن ذلك ليس من المفطرات، والأصل الحل حتى يقوم دليل على الكراهة أو التحريم، وليس هناك دليلٌ على التحريم ولا على الكراهة، وإنما كرهه بعض أهل العلم خوفاً من أن يدخل إلى حلقه شيءٌ وهو لا يشعر به.
الشيخ: لا بأس للصائم أن يكتحل، وأن يقطر في عينه، وأن يقطر كذلك في أذنه، حتى وإن وجد طعمه في حلقه فإنه لا يفطر بهذا؛ لأنه ليس بأكلٍ ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب فلا يلحق بهما ما ليس في معناهما، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب.
الشيخ: أثناء الأذان سبق، أما بعد الأذان فالأصح أن نقول: بعد طلوع الفجر سواءً مباشرةً أو في أثناء النهار فلا بأس أن ينظف الإنسان أسنانه بالفرشة والمعجون، لكن نظراً لقوة نفوذ المعجون فينبغي ألا يستعمله الإنسان في حال الصيام؛ لأنه ينزل إلى الحلق والمعدة من غير أن يشعر به الإنسان، والأمر ليس هناك ضرورة تدعو إليه، فليمسك حتى يفطر، ويكون عمله هذا في الليل لا في النهار، لكنه في الأصل جائزٌ ولا بأس به.
الشيخ: التحليل للصائم لا بأس به، يعني: أخذ عينةً من دمه لأجل الكشف عنها والاختبار لها جائزٌ ولا بأس به، وأما التبرع بالدم فالذي يظهر أنه يكون كثيراً، فيعطى حكم الحجامة، ويقال للصائم: لا تتبرع بدمك إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، فلا بأس بهذا، مثل لو قال الأطباء: إن هذا الرجل الذي أصابه النزيف إن لم نحقنه بالدم الآن مات، ورجل صائم يتبرع بدمه وقال الأطباء: لا بد من التبرع له الآن، فحينئذٍ لا بأس للصائم أن يتبرع بدمه، ويفطر بعد هذا ويأكل ويشرب بقية يومه؛ لأنه أفطر للضرورة كإنقاذ الحريق والغريق.
الشيخ: لا بأس أن يستعمل الإنسان ما يندي الشفتين والأنف من مرهم أو يبله بالماء بخرقة أو شبه ذلك، ولكن يحترز من أن يصل شيءٌ إلى جوفه من هذا الشيء الذي أزال به النشوفة.
المقدم: لكن لو وصل شيء بغير قصد؟
الشيخ: إذا وصل شيء بغير قصد فلا شيء عليه، كما لو تمضمض فوصل شيءٌ إلى جوفه فإنه لا يفطر بهذا.
الشيخ: حقن الإبر في الوريد والعضل ليس فيه بأس، ولا يفطر به الصائم؛ لأن هذا ليس من المفطرات ولا هو بمعنى المفطرات، فهو ليس بأكلٍ ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، فقد سبق لنا في بعض الحلقات السابقة أن ذلك لا يؤثر، وإنما المؤثر حقن المريض بما يغني عن الأكل والشرب.
الشيخ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا دليلٌ على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق، وكذلك لا يبالغ في المضمضة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نزول الماء إلى جوفه فيفسد به صومه، لكن لو فرض أنه بالغ ودخل الماء إلى جوفه دون قصد فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن من شروط الفطر كما سبق في إحدى الحلقات أن يكون الصائم قاصداً بفعل ما يحصل به الفطر.
الشيخ: شم الطيب لا بأس به، سواءٌ كان دهناً أم بخوراً، لكن إذا كان بخوراً فإنه لا يستنشق دخانه؛ لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف، فهو جسمٌ يدخل إلى الجوف فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به.
المقدم: ربما يقال: ما الفرق بين البخور والقطرة التي تنزل إلى الحلق ويتطعم بها؟
الشيخ: الفرق بينهما: أن الذي يستنشقه قد تعمد أن يدخله إلى جوفه، وأما القطرة فلم يقصد أن يصل إلى جوفه، وإنما قصد أن يقطر في أنفه في الخياشيم فقط.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر