إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (128)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة، نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العليمة والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: شيخ عبد العزيز اجتمع لي في هذه الحلقة ثلاث رسائل يسأل أصحابها عن تارك الصلاة: فأخونا أحمد عبد الله أحمد علي من جمهورية مصر العربية، ويقيم وقت كتابة رسالته في الطائف، أخونا يقول: سمعت في برنامج نور على الدرب المذاع في (25/ صفر / 1407هـ) من أحد المشايخ، بأنه إذا عقد المسلم عقد النكاح على إحدى الفتيات المسلمات وهي لا تصلي يكون العقد باطلاً ولو صلت بعد الزواج، وعندنا في قرى مصر (50%) لا يصلون قبل الزواج وخاصة البنات، أرجو من سماحتكم توضيحاً كاملاً لهذا السؤال جزاكم الله خيراً.

    أما أخونا (م. ل) من بنجلادش فيسأل أيضاً نفس السؤال عن أولئك الذين لا يصلون ولا سيما إذا كانوا من قرابته.

    ثم هناك مستمعة تقول الراسلة (ع. م) من المملكة، أختنا تسرد جملة صفات في أخت لها ومن أسوئها تركها للصلاة، ثم أيضاً تقول: إن حتى والدتها لا تصلي إلا إذا أتت عندها في البيت. كل هؤلاء يرجون سماحة الشيخ التوجيه بخصوص هذا الركن الثاني من أركان الإسلام لو تكرمتم.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم عبادة وأعظم عبادة بعد الشهادتين، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] الآية من سورة البقرة، وقال سبحانه أيضاً في سورة البقرة: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وقال في سورة براءة (التوبة) لما ذكر قتال المشركين قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله بل يقاتل، قال جل وعلا: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] دل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين.

    والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) وصح عنه أيضاً عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) والتعبير بالرجل لا يخرج المرأة فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل، إلا بدليل يخص أحدهما.

    فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن تارك الصلاة يكون كافراً من الرجال والنساء بعد التكليف.

    وثبت في الحديث الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي هل نقاتلهم؟ قال: (لا، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وفي لفظ آخر قال: (ما أقاموا فيكم الصلاة) فدل على أن من لم يقم الصلاة قد أتى كفراً بواحاً.

    وقد اختلف العلماء في هذه الأحاديث، فقال بعضهم: إنها على الزجر والتحذير والترهيب وليس المراد الكفر الأكبر، بل المراد كفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء، وقالوا: إنه كفر دون كفر.

    وذهب جمع من أهل العلم إلى أن المراد به الكفر الأكبر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) والكفر متى عرف، والشرك متى عرف فالمراد به الكفر الأكبر والشرك الأكبر، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فدل ذلك على أنه أراد الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه عليه الصلاة والسلام على أمر واضح وهو أمر الصلاة، فإن أمر الصلاة أمر عظيم وهي عمود الإسلام فكون تركها كفراً أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. فهذا يدل على أنه يرونه الكفر الأكبر؛ لأن هناك أشياء يعرفون أنها كفر لكنها كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، مثل القتال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) هذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن كفراً بكم تبرؤ من آبائكم) وقوله عليه الصلاة والسلام: (اثنتان في الناس هما بهما كفر: النياحة والطعن بالنسب) هذا كله معناه كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكراً ودلت الأدلة الأخرى على أن المراد به غير الكفر الأكبر.

    بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أول ركن بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل لما شرع قتال الكفار قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فدل على أنهم لا يخلى سبيلهم وهم يتركون الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: (نهيت عن قتل المصلين) فدل على أن من لم يصل يقتل.

    والخلاصة: أن القول الصواب والذي تقتضيه الأدلة هو أن ترك الصلاة كفر أكبر، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة وليس المناط كثرة القائلين، الحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر.

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) فيفسره قوله في الحديث الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام) فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة؛ ولأن من لم يقم الصلاة ما أدى حق التوحيد، فالمراد بقول: لا إله إلا الله وأنها تعصم من قالها إذا التزم بحقها، ومن حقها أن يؤدي الصلاة؛ ولأن الموحد الذي يقول: لا إله إلا الله إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام لم ينفعه قول: لا إله إلا الله، فلو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم جحد وجوب الصلاة كفر إجماعاً، أو جحد وجوب الزكاة كفر إجماعاً، أو جحد وجوب صوم رمضان كفر إجماعاً، أو سب الدين كفر إجماعاً، أو سب الرسول كفر إجماعاً، أو استهزأ بالدين كفر إجماعاً، ولم ينفعه قول: لا إله إلا الله، فعلم بذلك أن إتيانه بالتوحيد والشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة إنما ينفعه إذا لم يأت بناقض من نواقض الإسلام، فأما إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام فإنه لا تنفعه الشهادة، كالأمثلة التي ذكرنا، كسب الدين، كالاستهزاء بالدين، كجحد وجوب الصلاة، كجحد وجوب الزكاة، كالاستهزاء بدين الله.

    ولو أن إنساناً يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم ويتعبد ثم جحد تحريم الزنا، قال: الزنا حلال، كفر عند جميع المسلمين، أو قال: إن الخمر حلال كفر عند جميع المسلمين، أو قال: إن اللواط حلال كفر عند جميع المسلمين، أو بال على المصحف متعمداً أو وطئه برجله متعمداً استهانة له، أو جلس عليه استهانة له كفر عند جميع المسلمين، باستهانته بكتاب الله، ولم ينفعه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فكيف يستنكر أن يكون كافراً بترك الصلاة إذا تركها وتساهل بها، وهي أعظم أركان الدين وأهمها بعد الشهادتين؟!

    ليس هذا بمستغرب؛ ولهذا القول الصواب أن المسلم إذا تزوج امرأة لا تصلي فالنكاح باطل، وهكذا إذا تزوجت المسلمة إنساناً لا يصلي فالنكاح باطل، فمتى تاب إلى الله جدد العقد، متى تاب الذي لا يصلي يجدد العقد.

    أما إذا كانا جميعاً لا يصليان فالنكاح صحيح، لأنهما كافران جميعاً، نسأل الله السلامة، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087529509

    عدد مرات الحفظ

    772828941