إسلام ويب

حكم صور التلفاز ولعب الأطفال المجسمة

السؤال: هل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة ولا تمثال) يشمل صور التلفزيون أيضاً ولعب الأطفال الصغار؟

الجواب: لا نشك في ذلك إذا كانت لعبة التلفاز مثبتة، فمن الممكن -مثلاً- أن يكون هناك أمور أو حشد أو ما شابه ذلك نراها بواسطة التلفاز، لكن أن تصور هذه المناظر وتحفظ في شريط ثم تعرض، فلا فرق بين هذه الصور والصور الفوتوغرافية ونحوها؛ لأن كل ذلك يسمى لغة وعرفاً: صورة، وحينذاك تدخل هذه الصور بكل أنواع وسائلها المحدثة في عموم قوله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالمصورين: (كل مصور في النار)، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالصور ذاتها: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة أو كلب) فهذا العام الأول، والعام الآخر يشمل كل المصورين مهما كانت وسائل تصويرهم، وكل الصور بأي وسيلة صورت.. هذا من حيث النقد.

أما من حيث النظر فكلكم يعلم -إن شاء الله- بأن الشارع الحكيم إذا حرم شيئاً فلحكمة بالغة، قد تظهر هذه الحكمة لبعضهم، وقد تخفى على الكثيرين، ومن المعلوم عند أهل العلم أن الله عز وجل حينما حرم التصوير واقتناء الصور، أنه حرم ذلك لحكمتين بالغتين ظاهرتين:

الحكمة الأولى: من باب سد الذريعة بين الناس وبين أن يقعوا في الشرك، كما وقع لقوم نوح عليه السلام، الذين ذكرت قصتهم في السورة المسماة باسمه، وحكى ربنا عز وجل عنهم أن موقفهم كان تجاه أمر نوح عليه السلام إياهم أن يعبدوا الله وحده حيث تناصحوا بينهم فقالوا: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح:23] وقد جاء في تفسير الآية في صحيح البخاري، وفي تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وغيرها من المصادر السلفية: أن سبب وقوع قوم نوح عليه السلام في الشرك وعبادة غير الله عز وجل، إنما هو بدء تعظيمهم لصالحيهم تعظيماً مخالفاً للشرع.

تقول هذه الرواية التي ذكرنا آنفاً بعض مصادرها: أن هؤلاء الخمسة الذين ذكروا في الآية السابقة كانوا عباداً لله صالحين، فلما ماتوا أوحى الشيطان إليهم أن يجعلوا قبورهم في أفنية دورهم.

وهؤلاء كانوا خمسة من عباد الله الصالحين، فأوحى الشيطان إلى قومهم: أن ادفنوهم في أفنية دوركم، ولا تدفنوهم في المقابر التي يدفن فيها عامة الناس؛ حتى تتذكروهم، ومن هنا بدأت فكرة نصب التماثيل في الساحات العامة، التي بدأت تنتشر مع الأسف في بعض بلاد الإسلام في هذا الزمان.

فاستجابوا لوحي الشيطان، ودفنوهم في أفنية دورهم، فتركهم الشيطان برهة من الزمان إلى أن جاء جيل ثان، فوجدوا آباءهم يترددون على هذه القبور بقصد الزيارة، أو ما يسمى اليوم عند بعض دراويش المسلمين بـ: (التبرك) فأوحى إليهم الشيطان أن هذه القبور بقاؤها في هذا المكان قد يعرضها للعواصف والسيول، فتجرفها وتذهب آثارها، وهؤلاء أناس صالحون كما تعلمون، فيجب أن تبقى آثارهم أبد الدهر، إذاً ماذا نصنع؟ قال: انحتوا لهم أصناماً (تماثيل) فاستجابوا ووضعوها في مكان، وأخذ الجيل يتردد على هذا المكان، ثم جاء جيل ثالث، فأوحى إليهم الشيطان أخيراً أنه لا يليق بهؤلاء إلا أن يوضعوا في أماكن رفيعات تليق بصلاحهم ومكانتهم.. وهكذا بدأت عبادة الأصنام من دون الله عز وجل من طريق التماثيل، فكان من حكمة الله عز وجل أن حرم التصاوير، سواء ما كان لها ظل أو ليس لها ظل، هذه الحكمة الأولى الظاهرة من قصة قوم نوح مع نوح عليه السلام.

الحكمة الثانية: وهي أقوى من حيث الرواية، ألا وهي: المضاهاة لخلق الله عز وجل، حيث جاء في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رجع من سفر وأراد الدخول على عائشة وجد هناك ستارة وعليها تماثيل، فلم يدخل ووقف خارج الغرفة، فسارعت إليه السيدة عائشة وقالت: (يا رسول الله! إن كنت أذنبت فإني أستغفر الله، قال: ما هذا القيدام؟ قالت: قيدام اشتريته لك -تعني: أتزين به من أجلك- قال عليه الصلاة والسلام: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة هؤلاء المصورون الذين يضاهون بخلق الله).

فإذاً: التصوير من أسباب تحريمه: أن المصور يضاهي خلق الله عز وجل، وهنا لابد من وقفة يسيرة لرد شبهة عصرية، ألا وهي: زعم كثير من المتفقهة -ولا أقول: من الفقهاء- في هذا الزمان أن الذي يصور بالآلة الفوتوغرافية -الكاميرا مثلاً أو الفيديو- هذا ليس مضاهياً لخلق الله، بل هو يتعاطى الأسباب الكونية التي خلقها الله وذللها للإنسان فتكون هذه الصورة، حتى أغرق بعضهم في الخيال والإبطال في الكلام أن قال: إن هذا الذي يصور بالكاميرا هو لا يصور، وإنما المصور هو الله الذي حبس الظل.

فهذه مكابرة عجيبة جداً لا تخفى على كل ذي بصيرة؛ ذلك لأن المسألة مسألة تصوير، ولو غضضنا النظر عن الجهود التي بذلت في صنع هذا الجهاز، بحيث أنه لا يحتاج إلى قلم، وريشة، ودهان.. إلخ بما كانوا قديماً يستخدمونه من أجل التصوير، وإنما إلى (كبسة) وضغط على زر!

فأقول: سبحان الله! هذه مكابرة عجيبة جداً! فأقول: فإنه لو ترك هذا الجهاز المسمى بالكاميرا هكذا سنين لم يصور شيئاً، فلابد -أولاً- من توجيه الجهاز إلى الهدف المقصود تصويره، ثم لابد من الضغط على الزر، فكيف يقال: إن هذا ما صور؟! هذه مكابرة عجيبة وعجيبة جداً!

لكن الشاهد: أنهم يقولون: إن هذه الوسائل الحديثة ليس فيها مضاهاة، والواقع أن المضاهاة بخلق الله بالتصوير بهذه الأجهزة أدق من التصوير كما كان قديماً سواء بالريشة أو بالنحت، فإذا كان من المتفق عليه بين العلماء قديماً وحديثاً أن الصور المجسمة -أي: الأصنام- هي محرمة لا لشيء إلا لأنها مجسمة ولها ظل، ولكنها هل تضاهي خلق الله من كل الجوانب؟ الأمر واضح جداً؛ ذلك لأن هذا الصنم عبارة عن قطعة حجر، فهو في الظاهر يمثل إنساناً من خلق الله عز وجل، لكن في الباطن ليس هناك شيء مما يوجد في باطن الإنسان الذي خلقه الله عز وجل وسواه وعدله.

إذاًَ: التشبيه هو المضاهاة فيما يظهر من الصور؛ سواء كانت مجسمة، أو كانت على الستارة، أو على الجدار، أو على الورق.

ومن هنا يبدو لنا أننا نعيش في بعض ما نسمع من أحكام العصر الحاضر على نمط المذهب الظاهري، مذهب ابن حزم الظاهري الذي يضرب به المثل في غلوه وتمسكه بظواهر النصوص، وهذا كما يقال: يضحك الثكلى. ونحن الآن في هذا العصر نقع في مثل هذه الظاهرية القديمة، فنحن نعيش ظاهرية عصرية، لماذا؟ لأن الصنم هو المحرم فقط، أما التصوير الذي يتحرك -أي: الفيديو- وتراه كأنه إنسان حي فهذا ليس فيه مضاهاة لخلق الله!!

أما هذا الحجر الأصم الذي لا تسمع منه صوتاً، ولا ترى منه حركة شفوية ونحو ذلك، ولا رمش العين ولا.. فهذا فيه مضاهاة لخلق الله!!

هذه ظاهرية من أغرق في التمسك بظاهرية ابن حزم، الذي وصل به الأمر أن يقول في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد) ظاهر هذا اللفظ العربي كما يقول ابن حزم : نهى عن البول في الماء الراكد، لكنه إذا بال في إناء فارغ، ثم أراق هذا البول من هذا الإناء في الماء الراكد ما بال في الماء الراكد، إذاً هذا يجوز، سبحان الله! مع فضله وعلمه وهو رجل فاضل حقيقة، لكن سبحان الله! أبى الله عز وجل العصمة إلا لأنبيائه ورسله، وله من هذه نماذج أخرى، مثلاً: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في البكر إذا ما استؤذنت في الزواج: (وإذنها صماتها) هذا في منتهى اللطف من الشارع الحكيم ببنات الخدور، والأبكار كن في الزمن الماضي في الخدور يتصنعن الحياء وإلى آخره.

أما اليوم فيسأل الوالد ابنته: فلان يريدك؟ فتقول: لا أريده، بل أريد كذا، وأريد كذا.. إلخ، بالصراحة.

فربنا عز وجل أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي الاكتفاء في استئذان البكر لأنها خجولة حيية أن تصمت. وماذا فهم ابن حزم من هذا الحديث؟ قال: (إذنها صماتها) فإذا قالت: رضيت، فلا ينعقد، فيجب أن تصمت.. ظاهرية!! لا يلاحظ الغرض والهدف من هذا التشريع وذاك التشريع..

النهي عن البول في الماء الراكد واضح؛ وهو المحافظة على هذا الماء الراكد، وما هو الفرق بين أن تصب البول مباشرة أو بالإناء؟ عندنا نهر يسمى نهر عليق في دمشق، القاذورات كلها تنصب إليه، فإذا وصل هذا الماء النجس إلى بحيرة ماء صاف من ماء السماء، سواء صب عليه مباشرة أو بهذه الواسطة، ليس هناك فرق.

الخلاصة: نحن الآن نعيش هذه الظاهرية العصرية، نحت الصنم بـ(الإزميل) ليالي وأياماً هذا حرام! قلت لأحدهم واحتج بأن التصوير بالكاميرا جائز؛ لأن هذه الوسيلة ما كانت موجودة، ثم إن هذا ليس كالتصوير السابق الذي كان، قلت: وماذا تقول في المعامل الضخمة اليوم التي تضغط فيها على زر فتشتغل آلات دقيقة جداً، تُخرج عشرات بل مئات الأصنام الجامدة، هل يجوز هذا؟

قال: لا يجوز.

قلت: لكن هذه كهذه، هذه وسيلة ما كانت والصنم وجد بهذه الوسيلة، كذلك هذه الصورة وجدت بوسيلة، فالعبرة ليست بالوسيلة بل العبرة بالغاية، ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وما يقوم الحرام به فهو حرام، هذه قواعد، فإذاً وجد الصنم نحتاً بـ(الإزميل) أو سعياً إلى إبداع آلة تخرج في لحظات تلك الأصنام فالنتيجة واحدة، كنتيجة صب البول في الماء الراكد مباشرة، أو بالواسطة الأخرى.

إذاً: كل هذه الصور التي اختلفت وسائلها عن الوسائل المعروفة قديماً فهي اسمها صور، فيشملها حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة)، والذين يصنعون هذه الصور بهذه الأجهزة هم مصورون، وكلهم في النار كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار) وقال: (لعن الله المصورين يقال لهم: أحيوا ما خلقتم).

وإذا عرفنا هذه الحقيقة عرفنا أن صور الفيديو على البيان السابق هي من المحرمات أيضاً، ولكن كما يقول الفقهاء: لكل قاعدة شواذ، وهذا معروف في القرآن الكريم: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة:3] إطلاقاً أم هناك استثناء؟ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] من هنا أخذ الفقهاء القاعدة المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات، ولكنهم كان من دقة فقههم وفهمهم في ملاحظتهم للآية السابقة: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] أن أضافوا إلى القاعدة السابقة: الضرورات تبيح المحظورات، ضميمة مهمة جداً وهي: الضرورة تقدر بقدرها. فيجب الجمع بين المضاف والمضاف إليه.. الضرورات تبيح المحظورات، الضرورات تقدر بقدرها.. إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] ما معنى هذا؟

رجل تعرض للموت جوعاً في الصحراء فوجد لحم ميتة، فهل يأخذ من هذا اللحم ويشويه ويأكل منه كما لو كان يأكل من لحم ذبيح طازج؟ لا. إنما ما يدفع به الضرورة، أي: ما يدفع به تعرضه للهلاك، هذا معنى: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] من هنا ضموا تلك الضميمة، نعم. الضرورات تبيح المحظورات، ولكن ليست هكذا على إطلاق، وإنما الضرورة تقدر بقدرها، فما أنت مضطر إليه تأخذه، وما سوى ذلك فهو على الأصل، أي: حرام.

فالآن كما نشاهد مع الأسف توسع الناس جداً جداً في استعمال الصور، حتى أصبح من جملة الملاهي، فتجد طفلاً ابن تسع سنين واضعاً الكاميرا على كتفه وهو يذهب هنا وهناك ويصور ما بدا له، هذا التوسع الأصل فيه التحريم، ولكن ما هو الشيء الذي يمكن استثناؤه من باب الضرورات تبيح المحظورات، والضرورات تقدر بقدرها؟

نلاحظ الآن أنه لابد لتنظيم الدخول والخروج من بلد إلى آخر ما يعرف بالهويات والجوازات ونحو ذلك، فهنا لابد من الصور، فهذا النوع من الصور ممكن أن ندخله في قاعدة الضرورات، وهذا لا نأخذه فقط انطلاقاً من هذه القاعدة، بل ومن نص في السنة الصحيحة هي التي فتحت لنا الباب لاستثناء بعض الصور التي نرى أنها لابد لنا منها في حياتنا المعاصرة، أعني بما أشرت إليه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في لعبها مع البنات؛ فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرب إلى عائشة بعد أن تزوجها -وهي صغيرة السنة كما تعلمون- كان يسرب إليها جواري من أمثالها من البنات تلعب معهن بلعب البنات، أي: التماثيل التي كانت تصنع يومئذ صنعاً بيتياً، ومن هنا نتوصل إلى القول: بأن هذه الصور التي أباح الرسول عليه السلام لـعائشة أن تتعاطاها مع أنها خلاف القاعدة، فنحن نقول: من باب أولى أن نبيح ما هو أضر أو أشد ضرورة للمجتمع الإسلامي من لعب السيدة عائشة في بيتها.. هذا شيء.

الشيء الثاني: أننا نأخذ من هذا الحديث ما يتعلق بالضميمة التي أشرت إليها: الضرورة تقدر بقدرها. فالآن هل يجوز ما يفعله كثير من الآباء والأمهات، وهو أن يشتروا لبناتهم وأطفالهم اللعب التي تأتي من بلاد الكفر، وهي مصنوعة بطريقة تمثل فيها عاداتهم وأخلاقهم وتقاليدهم، فتجد -مثلاً- تمثال فتاة وهي لابسة (الشورت) وأفخاذها بادية؟ هذا كله مع أنه مخالف للاستثناء الذي أشرنا إليه آنفاً بأنه صنع محلياً بيتياً، وهو بالإضافة إلى ذلك يتضمن عادات وتقاليد تلك البلاد، بحيث أن هؤلاء الصغار الذين يلعبون بها قد يتأثرون، وإذا ما نشئوا على ذلك فإنهم يشتهون أن يتزيوا بتلك الأزياء التي عاشوها في نعومة أظفارهم، فمن هذا الباب لا يجوز اقتناء صور الأطفال والألعاب التي تسمى اليوم بالدمى.

السائل: جزاكم الله خيراً على ما قدمتموه، لكن ما يعرض على التلفزيون من صور، أحياناً نشرة أخبار، نضطر إلى رؤيتها وسماع أحوال الدين، فهل يصح لنا مشاهدة ذلك أم لا؟

الجواب: أنا أجبت أنه إذا كان هذا كاشفاً كهذه المرآة تراها الآن، وأنا أرى في بعض أيام الشتاء الشمس تغرب من هنا، لكن ما أحفظ هذه الصورة.

السائل: أي: ما يرى على التلفزيون باستمرار، أما ما يلتقط ويحتفظ به ثم يعاد فهذا يحرم.

الشيخ: وهذا ما أشرت إليه في أول الكلام.

حكم شركات التأمين

السؤال: عندنا قائدو السيارات عندهم تأمين اضطراري، فلا يقودون السيارة إلا به، وهو التأمين على حياة الآخرين، والآن عندنا تأمين آخر، وهو التأمين ضد الغير، فلو حدث حادث سيارة، وتضرر آخرون كأن يصاب أحدهم بعاهة فلا يستطيع أن يعمل؛ فأنت ملزم بأن تكفله وتكفل معاشه طيلة حياتك طالما أنك أقعدته، وإذا تضررت سيارته فعليك أن تصلحها.

الشيخ: من هو الكفيل؟ الشركة أم صاحب السيارة؟

السائل: صاحب السيارة هو الذي سيتكفل بهذا.

الشيخ: كيف يتكفل؟

السائل: إذا لم يؤمن عند شركة التأمين، أما التأمين الآخر الذي هو ضد الغير، كأن يحدث حادث سيارة، فإذا مات الرجل تدفع الدولة عنك؛ لأنك مؤمن، أما إذا انكسر منه عضو، أو تضررت سيارته فأنت ملزم بذلك. فهل هنا يصح التأمين؟

الجواب: التأمين لا يجوز على أي وجه، والصورة الأخيرة هي أقرب إلى الشرع كقتل الخطأ، مثلاً: واحد صدم شخصاً في الطريق، وكان هو المخطئ، فهو ضامن شرعاً، فهذا أولى من المشاركة في التأمين الذي هو عين المقامرة، أما ما اضطر إليه فعرف الحكم من السابق.

السائل: هذا نحن مضطرون إليه وحسبنا الله فيهم، أما الآخر فهل يجوز؟

الشيخ: لا يجوز.

حكم خلع المرأة ملابسها في محلات الملابس

السؤال: بالنسبة لخلع المرأة ملابسها في محل البيع والشراء، هل ينطبق عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نزعت ثيابها ... الحديث

الجواب: أولاً: أنا أفهم من هذا الحديث بخلع الثياب كلياً، أي: أن تتعرى.

السائل: وهذا لا يحصل في المحل، وإنما خاص بالحمام.

الشيخ: لا تقاطعني، أنا لم أنته بعد، أنا قلت: أولاً، وأولاً تعني أن بعدها ثانياً، وقد تعني أن بعدها ثالثاً والله أعلم.

أولاً: الحديث ينصب على المرأة التي تتجرد عن ثيابها كلياً، ولذلك استدل به على تحريم دخول المرأة الحمام خارج دارها، مع ذلك أنا أقول: إذا اضطرت المرأة لأن تستحم في دار غير دار أهلها وذويها ومحارمها، حينذاك ينبغي النظر في تأمين سد الذريعة؛ لأن هذا الحكم ليس تعبدياً محضاً، لا تعرف الحكمة أو العلة في نهي الرسول عليه السلام أن المرأة تتعرى، بل هذا معقول المعنى؛ لأن ذلك قد يعرضها لأن تفتن في عرضها، فإذا كان هناك محرم يصونها فيما إذا أريد أن يعتدى عليها؛ فحينئذٍ يزول المنع، فإذا وجد مثل هذا المانع ولو بطريق غير المحرم، كأن تكون -مثلاً- في دار هي على يقين أنه ليس فيها رجال؛ فيجوز لها أن تستحم بعد أن تأخذ -أيضاً- الحيطة بأن لا أحد حتى من النساء يطلع على عورتها.. إذا عرفنا النص وفقهه يمكننا الآن أن نتوصل إلى الإجابة عن السؤال مباشرة.

فأقول: هذه الغرف التي تتخذ في أماكن التجارة للألبسة، إذا كانت أولاً: ليس فيها عيون تتجسس وتراقب من يدخل في هذه الغرفة من النساء، فإننا نسمع أن هناك بعض الصالات التي تتخذ في بعض الفنادق الكبيرة والضخمة لإقامة حفلات الزواج والبناء، فيها كاميرات توضع في بعض الزوايا بحيث لا ينتبه لها الجالسون في تلك الصالة، لكنها تصور، ومن كان في الصالة لا يشعر وهم يقولون: لا يوجد أحد. لكن هناك آحاد وعيون لا تُرى ولكنها ترى، فيشترط أن تكون هذه الغرف مؤمنة ولا يوجد فيها مثل هذه العيون المراقبة.

وثانياً: يكون مع هذه المرأة ولو خارج الغرفة من محارمها أو من صديقاتها، بحيث أنها تأمن على نفسها ألا يطرأ عليها طارئ، وبهذه التحفظات يمكن أن يقال بجواز دخول المرأة المسلمة وقياس الثوب الذي تريد أن تشتريه.

لكني أقول: لا أرى للمرأة المسلمة أن تهتم بنوعية لباسها، بحيث أنه لا يمكن أن ترضى به إلا بعد أن تلبسه كتجربة؛ لأنني أفهم أن المقصود من هذا كله أن تكون الثياب ضيقة عليها وألا تكون فضفاضة، وهذا معاكسة لحكم الشرع، حيث يشترط في ثيابها ألا تكون شفافة، وألا تكون مجسمة أيضاً، ولذلك فأنا أتصور أن مجرد الدخول في مثل هذه الغرفة مع كل التحفظات التي اشترطناها لا تخلو من مخالفٍ للشرع.

مداخلة: عفواً يا شيخنا! مصداقاً لما قلتم بارك الله فيك، في عمَّان رجل أتى بأهله لكي يبني بها في فندق، فصورت ليلة الدخلة تصويراً كاملاً، وافتضح الأمر، وتم إغلاق الفندق على إثر هذه الحادثة، فكان يوزع هذا الشريط بمئات الدنانير.

الشيخ: هذا في بلاد الإسلام فما بالك في بلاد الكفر والطغيان؟!!

السائل: يا شيخ! كنت أبحث في هذه المسألة بصفتي بائع ملابس، فيفهم من كلامك أنك ذكرت أن يكون المحل ثقة، وأن يكون المحرم موجوداً، لكن في أستراليا لا تتوفر مثل هذه الثقة من حيث التجار؛ لأن أكثرهم كفار.

السائل: يا شيخ! بعض المتاجر فيها كاميرات التصوير لمراقبة الزبائن، وتوضع الكاميرات كذلك في غرف القياس، حتى لا يسرق الزبون الملابس ويلبسها تحت ملابسه التي دخل بها.

حكم صلاة المرأة بثياب بيتها وحكم ستر قدميها في الصلاة

السؤال: هل تصلي المرأة المسلمة بما تلبسه من ثياب ساترة داخل بيتها، أم لابد من جلباب فوقها؟ وهل يشترط لها أن تستر قدميها في الصلاة؟

الجواب: أما ستر القدمين في الصلاة فهذا لابد منه؛ لأن القدمين من عورة المرأة كما دل على ذلك الكتاب والسنة.

أما هل يجوز للمرأة أن تصلي بثياب بيتها؟

الجواب: يبدو أنه ليس من ثياب بيتها ما تكون ساترة لقدميها، فإذاً الجواب واضح: أنه لا يجوز، ولهذا جاء في بعض الآثار السلفية: أن المرأة إذا قامت تصلي فيجب أن يكون عليها قميص سابغ يستر ظاهر قدميها، إلا إذا افترضنا امرأة -وهذا في الخيال- تعيش في عقر دارها متحجبة متجلببة بجلبابها كما لو كانت تعيش بين الأجانب، قد يكون هناك امرأة في لباسها في بيتها شيء من التحجيم، فإذا صلت وهي فعلاً ساترة لعورتها، ولكنها من جهة أخرى محجمة لعورتها وهذا مخالف لشريعة ربها، ولذلك فلا بد للمرأة أن تتخذ إزاراً أو قميصاً طويلاً تلبسه، ولو كانت حافية القدمين فيكفيها أن تستر ظهور قدميها بهذا الثوب السابغ.

لمحة عن لقاء الشيخ الألباني بعبد الله الحبشي وتقويمه له

السؤال: الإخوة في أستراليا يسمعون أن عبد الله الحبشي قابلك، وقد تحدثنا سابقاً عن هذا، فالإخوة يريدون لمحة بسيطة للقائك مع عبد الله الحبشي وتقويمك له.

الجواب: أولاً: كان لقاؤه معي وليس لقائي معه.

السائل نفسه: نعتذر عن التعبير.

الجواب: لا داعي لذلك، وإنما هذا تفصيل لبيان الواقعة على حقيقتها، فهذا رجل ما كنت أعرفه حينما فاجأني بزيارته، وكنت ألقي يومئذ درساً أسبوعياً في دار بعض إخواني، ولما جاءني هو ومعه طالبان من طلاب الفقه الحنفي، وليس من الغيبة في شيء أن أسميهما لكم وللتأريخ: أحدهما: شعيب الأرناؤوط والآخر عبد القادر أرناؤوط، وكانا يومئذ من أعداء الدعوة السلفية التي استمررنا في الدعوة إليها في سوريا كلها، وبخاصة في دمشق سنين عديدة طويلة، ففوجئت بمجيء الشيخ عبد الله الحبشي ومعه هذان الطالبان، وجلس يستمع، وبحكمة الله كان بحثي يومئذ فيما يتعلق بالعقيدة والأسماء والصفات، وبخاصة في صفة علو الله عز وجل على خلقه، فجلس هو مستمعاً لا يحرك ساكناً.

وبعد الانتهاء قدَّم إليَّ أحد المذكورين وريقة يقول فيها: إن الشيخ يدعوك للمناظرة، وأنا أشك الآن إما أنه ذكر موضوعين أو أحدهما، فالموضوعان في قولي وفي محاضراتي وفي مجالسي وكتاباتي، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، حيث إن الشيخ يقول بأن هناك بدعة حسنة.

والمسألة الثانية: البحث في إنكار التوسل بغير الله عز وجل.. بالذوات، والأشخاص، والجاهات، ونحو ذلك.

لما قرأت عجبت من هذا الطلب العجيب الغريب، ومن شخص لم يسبق له ولا لي أن التقينا معاً!

فبدأت الكلام مع الشيخ، وقلت: يا شيخ! أنت الآن تطلب اللقاء.. لعله فاتني أن أذكر أن من حماقة السؤال أنه طلب مني أن يكون اللقاء في المسجد الأموي الكبير وبعد صلاة الجمعة على مشهد من الناس.

قلت له: أنت ما سبق أن التقيت معي وبحثت معي وعرفت رأيي في هاتين المسألتين أو في غيرهما، فكيف تريد أن نلتقي مباشرة في المسجد الكبير، وعلى مشهد غفير من الناس، وقد يثير هذا فتنة بين الناس، فقد يتعصب بعضهم لك وبعضهم لي وتقع الفتنة، أليس من المشروع والمعقول أن نلتقي مع بعض ونبحث ما تريد؟ فإن اختلفنا ولم نجد بداً من أن نلتقي في مثل ذلك المشهد يومئذٍ يمكن أن يقدم مثل هذا الاقتراح، لكن هذا الاقتراح في ظني شرعاً وعقلاً أنه سابق لأوانه.

فأجاب بالإيجاب، الأمر الذي أشعرني بأن هذا الاقتراح لم يكن منه فعلاً؛ لأن الرجل غريب عن البلد، كيف يتجرأ هذه الجرأة وأنا ابن البلد أولاً، ولكن هؤلاء الذين كانوا معه هم الذين أوحوا إليه بهذا لإشعال فتيل الفتنة كما يقال.

المهم أن الرجل وافق، وفعلاً بدأنا نضع شروط المناضرة، ونحن نضع هذه الشروط:

أولاً: أن تكون كتابياً، ونوقع كل شيء نجيب من السائل والمجيب، وقد وافق.

بعد الانتهاء اقترحت أن يكون البحث في بعض الأصول التي تتعلق بها بعض الفروع، كالمسألتين المشار إليهما آنفاً، أيضاً وافق.

وإذا بأحد الرجلين اللذين كانا معه وظني أنه شعيب قال: هل هناك مانع أن أكون حاضراً؟

قلت: أنا من جهتي ما عندي مانع لكن اسألوا الشيخ، والشيخ ليس عنده مانع.

قام أحد إخواننا المعروفين بذكائهم ورفع إصبعه يقول لي: أيمكن أن أكون حاضراً؟

قلت: أنا ليس عندي مانع إذا الشيخ ليس عنده مانع، فوافق الشيخ.

فقام نفس الطالب وقال: ما رأيك أنا ظروفي لا تساعدني، أفيكون بديلي فلان؟ وأشار إلى أخ لي اسمه منير عبد الله توفي رحمه الله؛ لأنه أقوى منه علماً، فقلت: أنا أيضاً ليس عندي مانع، وعلى ذلك اتفقنا.

وبدأت الجلسات تعقد في داري هناك في دمشق في منطقة اسمها الديوانية، وحضر الشيخ الجلسة والجلستين والثلاث ما عدت أذكر العدد، وفعلاً السؤال يكتب ويوقع والجواب كذلك... إلى آخره، وإذا به انقطع عن النظام المتبع، كان هو من قبل يتردد على المكتبة الظاهرية التي أنا أعتبر ابنها البار، فبعدما اتفقنا لم أعد أراه، وإذا بي أراه في النهار الذي تلا الليلة التي لم يحضرها، وإذا به في المكتبة، فقلت: خيراً إن شاء الله أنت ما جئتنا أمس، قال: آتيك اليوم في الدرس -هو آخذ مع برنامج الدرس تبعي في كل ليلة معينة- قلت له: لكن ما هكذا اتفقنا، اتفقنا أن نستمر في وضع القواعد ثم التفريع عليها.

لم يأبه لكلامي وفعلاً حضر الدرس، وبعد الدرس بدأ يناقش، ومن القواعد التي أردت أن أؤسسها لدفع باطل من أباطيلهم: هم يحتجون بالإجماع، فأنا بدأت معه البحث في تعريف الإجماع الذي هو فعلاً حجة، فوصلنا إلى أن نقول: الإجماع هو إجماع علماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصرٍ من العصور، وليس إجماع الأمة؛ لأنه بهذا ممكن أن يقال لك: يا أخي! لقد أجمع المسلمون مثلاً على الزيادة على الأذان قبل وبعد، فهذا ليس إجماعاً.. إلخ.

فهو في الجلسة أثار هذا الموضوع وقال: أنت قلت كذا، قلت له: لا. أنا ما قلت كذا، وبدأ النقاش بطريقة غير مرضية لا عقلاً ولا شرعاً، فقلت له: يا شيخ! نحن اتفقنا على الكتابة لماذا؟ حتى لا يقال: قلت، لا ما قلت، هذا كتابنا ينطق بالحق، أين الكتابة التي أنا كتبتها جواباً عن هذا السؤال؟ قال: ليس معي، قلت: لماذا أتيت بدونه؟ ولماذا التقينا؟

والخلاصة: أن الجلسة هذه لم نحصل منها على نتيجة؛ لأن الرجل أتى يناقش بناء على ما في ذهنه وليس بناء على ما اتفقنا عليه.

وهذا كل ما وقع لي من اللقاء معه في جلستين فقط.

ثم بعد ذلك بدأ ينشر رداً في مجلة التمدن الإسلامي، وبدأت أنا أرد عليه، وكان من ذلك رسالة ربما رأيتموها: ردة عقيب الحثيث، وقد نشرت في مجلة التمدن الإسلامي مقالات متتابعة، ثم بعد ذلك فصلناها في رسالة، وكنت بدأت منذ سنتين أو ثلاث بإعادة النظر فيها وإضافة فوائد جديدة عليها، ثم سبحان الله! صرفتني الصوارف العلمية الكثيرة؛ لأني كان في عزمي أن أعيد نشرها، خاصة بعد أن وجد له بعض التلامذة الذين لا علم عندهم وإنما هم يتلقفون كل ما يقوله الشيخ، ويبدو أن نشاطه في لبنان واسع.

فنعود أخيراً بناءً على هذا السؤال ونقول: إن أتباعه مضلَّلون منه، ولذلك فأنا أنصح استعمال الصبر والأناة وطول البال في مناقشة الأتباع بالحكمة والموعظة الحسنة.

أنا أخشى ما أخشاه أن يكون الرجل غير مخلص، وأن يكون مدسوساً من جهة أخرى الله أعلم بها؛ لأننا نعلم في التاريخ الإسلامي أن الرءوس إما أصحاب أهواء عن قصد، أو غير قصد أما الأتباع فمضلَّلون، وكثير منهم إذا تبينت لهم الحقيقة عادوا إليها وتمسكوا بها، ولذلك فلا أرى مقاطعتهم ومدابرتهم، وإنما الصبر عليهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، هذا لمن كان على وذا صدرٍ واسع؛ ليتمكن من نقل الكلمة الطيبة إليهم، وما أدري كيف الوضع عندكم هناك؟

السائل: يا شيخ! الحقيقة أنهم يكذبون كثيراً، فلذلك ليس فقط شيخهم يشكك فيه، بل حتى قادتهم الذين بعثوهم -أيضاً- على مثيلتهم، يذهب يناقشك ويقول: والله أنا ذهبت لاستتابة الشيخ فتاب على يدي، وهذا قالوه عني شخصياً، مع أنه خرج من عندي بأسوأ حال، وبعضهم أقسم بالله أنهم يفسقون معاوية عليه الرضوان، فأقسم أحدهم بالله أن هذا ليس صحيحاً، وأنه لو اكتشف ذلك لخرج منهم في الحال، وبعد أسبوع حدثت مناظرة في سدني وهو كان يقرأ لشيخهم، وقال: هذا صحيح، وهو تأكيد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق) فهو سب علياً فهو فاسق.

السائل: وهم سيخرجون كتاباً بكفر الوهابية والهجوم عليهم، فنحن نريد حكم الشرع.. فيهم الحكم النهائي.

الشيخ: نحن لا نعطي حكماً نهائياً بالنسبة لكل الفرق الضالة، الحكم النهائي أنها فرق ضالة، أما أن نعطي حكماً نهائياً في كل فرد من أفراد الفرق الضالة، فهذا جنف وبغي وظلم وعدوان لا يجوز، عندنا مثلاً الشيعة ومن يقال فيهم الرافضة، كثير من علمائهم لا نشك في كفرهم وضلالهم كـالخميني مثلاً؛ لأنه أعلن كفره في رسالته الحكومة الإسلامية.

لكن لا نستطيع أن ندين كل فرد من أفراد الشيعة أنه يتبنى هذه العقيدة، فيمكن أن يكونوا على الفطرة.

مثلاً بالنسبة لمن يسمون بـأهل السنة والجماعة الذين يتعبدون ربنا عز وجل على المذاهب الأربعة، كثير من عامة المسلمين لا يدينون بفلسفة الأشاعرة الذين ينفون عن الله صفة العلو ويقولون: الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، الفلسفة عامة المسلمين ما يعرفونها، بل أنا أعتقد حتى الكفار النصارى واليهود ربما لا يشاركونهم في هذه الضلالة.

فعامة المسلمين لا يزالون على الفطرة؛ لأنهم يرفعون أيديهم ويسألون الله عز وجل، فلا نستطيع أن نقول: إن كل فرد من أفراد أهل السنة.. وأهل السنة من هم الآن؟ الماتردية والأشاعرة، إذاً هؤلاء كهؤلاء، نحن لا نقول هذا، وهذا في أهل السنة فما بالنا في الشيعة؟ الشيعة فيهم كفريات وضلالات، وحسبكم كتذكير بما يزعمونه من مصحف فاطمة، وذاك الذي ألف رسالة عنوانها فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب، المقصود هل كل فرد من أفراد الشيعة العامة يعتقد أن المصحف محرف؟ الجواب: لا والله.

السائل: هل يجوز إطلاق الفتوى فيهم والشدة عليهم؟

الشيخ: لا يجوز إطلاق الفتوى العامة، وإنما من اعتقد بما هو كفر فهو كافر، لكن هنا ضميمة أخرى لابد -أيضاً- أن تكون في بالكم: من اعتقد ما هو كفر فهو كافر بشرط: الإنذار والتبليغ، بهاتين الضميمتين ممكن أن نقول: فلان كافر، أما هكذا بالكم: هؤلاء كفار! فهذا لا يجوز.

السائل: أظن أن أخانا أراد أن يقول: هل يجوز أن نعاملهم بالغلظة؟ لأنهم يفسدون علينا كثيراً، فنحن لدينا دروس كما تعلم وكان الشيخ يدرس عند الأتراك، وكان الدرس للعرب ولكن في مسجد الأتراك، وتعرف أن المساجد هناك تابعة للجمعيات، والجمعية هي التي تحل وتربط في هذا المسجد، فذهبوا ووسوسوا في ذهن رئيس الجمعية أن هذا وهابي، والأتراك تعرف كلمة وهابي، وبالتالي أمروه أن يخرج قبل صلاة العشاء.

الشيخ: قل زنديقاً ولا تقل وهابياً، هذا هو.

السائل: الشيخ أراد أن يقول: هل لنا أن نكسر رءوسهم أحياناً أم لا؟

الشيخ: انظر يا أخي! نحن نريد أن نراعي حكمة الدعوة، إذا كنتم أقوياء فأغلظوا عليهم، أما إذا كنتم ضعفاء فاصبروا.

السائل: الشيخ أبو ليلى أشار عليَّ أن أذكركم بمسائل يدخلون فيها على النساء، مثلاً: الحجاب، فيعطون المرأة حجاباً غريباً، ويجوز لهم المفاخذة، أي: إذا الرجل ألصق فخذه بفخذ المرأة لا بأس، وأشياء كثيرة، ولا يجوز لهم أكل العسل؛ لأن النحل كما يقولون: لا يستأذن من الجيران فيسرق الرحيق.

الشيخ: هل هذه الضلالات والخرافات والسخافات مكتوبة؟

السائل: بعضها مكتوب وبعضها ينشر كلاماً، لكن كتبهم التي فيها الخرافات لا يعطونها للناس.

الشيخ: لكن يا أخي! بارك الله فيك، كل سر جاوز الاثنين -وإن شئت قلت الأسنان- شاع، فكل شيء لا بد أن يشيع، ما دام جاوز وما دام فيه أشياء مسطرة ومطبوعة، فهذه يجب أن توزع على الأقل على الخاصة، لازم يكون عندنا، نحن لا نعرف عن هؤلاء الجماعة إلا بعض ما سمعت من شيئين، ثم هذه أشياء كثيرة وجديدة، وإذا كان لهم نشرة أو مجلة نستفيد منها.

السائل: ليس لهم، هم يتحفظون في هذه كثيراً، ولكن قد يخرج منهم واحد يغضب عليهم فينشر هذه الأشياء، وبعضها مكتوب وبعضها غير مكتوب.

الشيخ: هذا صحيح، لكن ألا نكون مثل تلك الجماعة كل شيء نسمعه يشاع نصدقه، بل نريد أن نكون على بينة، وأن يكون ما نسمعه صحيحاً، أنا كيف أقول لبعض الناس: إن هؤلاء يعتقدون بالمفاخذة التي أشرت إليها؟ لا بد أن يكون عندنا شريط.. رسالة .. نشرة .. أي شيء كان حتى نستند إليها.

السائل: يا شيخنا! تعرف أننا تربينا على التبين، ولا يمكن أن نفتري عليهم، ولا حتى نقول بالظن إلا بعد اليقين، وهناك شريط فيديو لعرس من أعراسهم، وفيه يظهر النساء وحجابهن، وأن الحجاب بحد ذاته زينة، وأنهن يظهرن أمام الكاميرا, وأنهن يضعن العطور... إلخ.

شرح حديث: ( الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهن..)

السؤال: نرجو توضيح الحديث المنسوخ: (الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر) بحديث النهر والدرن. فتوضيحه بارك الله فيك>

الجواب: بارك الله فيك، إن الله عز وجل يتفضل على عباده بما يشاء، والحديث الأول يصرح بأن الصلاة تكفر الذنوب التي كانت قبلها، وكان ذلك التكفير مشروطاً بأن يجتنب المصلي للكبائر، حيث قال: ((ما اجتنبت الكبائر) أي: ما دام المصلي يجتنب الكبائر فالصلاة تكفر الذنوب التي بينها وبين الصلاة الأخرى.

لو كان هذا الحديث وحده لم يجز لنا أن نزيد عليه، لكن إذا زاد الله عز وجل على عباده في الفضل فنقول: حمداً لله حيث أنعم على عباده بأجر أكبر من ذي قبل. وهذا له أمثلة كثيرة في السنة؛ بأن الله عز وجل يزيد عباده فضلاً، وأجراً، وتخفيفاً، ونحو ذلك، هناك حديثان فيما يتعلق بصلاة الجماعة: أحدهما يقول: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)، وحديث آخر يقول: (بسبع وعشرين درجة) فلا تخالف بين هذا وذاك؛ لأن الأجر الأقل يدخل في الأجر الأكثر، والذي ينبغي أن نعتقده أن فضيلة صلاة الجماعة هي بسبع وعشرين درجة وليس فقط بخمس وعشرين؛ لأن الزيادة قد ثبتت في الحديث الصحيح.

مثلاً: هناك الآية الكريمة في خاتمة سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا .. [البقرة:285-286] إلى آخر الآيات الواردة في خاتمة السورة، الشاهد: أن الله عز وجل في هذه الآية أو لعلي سبقتها وما تلفظت بها وهي: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:284] الشاهد: أن الله عز وجل أنزل هذه الآية أول ما أنزلها، وفيه التنصيف بأن الله عز وجل يحاسب الناس على ما يظهرون، وعلى ما يخفون في صدورهم، ثم إذا حاسبهم فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء.

لما نزلت هذه الآية جاءت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتمين بحكم هذه الآية؛ لأنه في الحقيقة إذا تصورتموها أي: لو بقي حكمها لما نجا من الحساب والعذاب إلا القليل من العباد؛ لأن الله عز وجل يقول: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284]، فكم وكم من وساوس تدور في أذهان الناس وتستقر في صدورهم، ثم الله عز وجل في هذه الآية سيحاسبهم عليها، فكبر وعظم هذا الحكم على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فجاءوا جثياً وجلسوا على الركب وقالوا: (يا رسول الله! هانحن أُمرنا بالصلاة وصلينا، وبالصوم فصمنا، وبسائر الأحكام فقمنا، أما أن يحاسبنا الله عز وجل على ما في صدورنا فهذا مما لا طاقة لنا به، فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدون أن تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة:93]؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فأخذوا يقولونها بألسنتهم حتى ذلت وخضعت لها قلوبهم، فأنزل الله عز وجل الآية الناسخة لهذا الحكم الشديد: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت [البقرة:286] ) أي: علمت، فرفعت المؤاخذة على ما في النفوس، هذه المؤاخذة التي ذكرت في الآية السابقة، ثم جاء حديث الرسول عليه السلام مؤكداً لاستقرار الحكم على عدم المؤاخذة بما في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به) فما في النفوس لا مؤاخذة عليه. هذا مثال من أمثلة كثيرة، إذا عرفنا هذا رجعنا إلى الجواب مباشرة عن السؤال فنقول:

كان الحكم السابق في الحديث الأول أن الصلوات مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر، ثم جاء الحديث بل أحاديث كثيرة وكثيرة جداً تؤكد أن الصلوات المفروضة تكفر الذنوب حتى الكبائر، وذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني الذي أشرت إليه في سؤالك وهو: (أرأيتم لو أن نهراً أمام دار أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، أترونه يبقى على بدنه من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا كلها).

وواضح جداً أن هذا الحديث لا يقبل التأويل المعروف عند العلماء بعامة، حيث يقولون: إن العبادات التي جاءت النصوص تترى بأنها مكفرات للذنوب، إنما تكفر الصغائر دون الكبائر. هذا القول لا نتردد في التصريح بأنه قول باطل؛ لأنه ينافي نصوصاً كثيرة وكثيرة جداً، هذا النص أحدها؛ لأن هذا المثل الذي ضربه الرسول عليه السلام رجل قذر وسخ، فإذا انغمس كل يوم في نهر جارٍ وترى هل الأوساخ الكبيرة تبقى والصغيرة هي التي تمحى؟ وإذا كان يبقى هناك شيء فعلى العكس، تذهب الأقذار الكبيرة وتبقى الصغيرة، فهذا المثال الذي ضربه الرسول عليه السلام يؤكد تماماً أن الصلوات مكفرات للذنوب كلها.

كذلك -مثلاً- الحديث المتعلق بالحج، وبعضكم قد جاء من الحج سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يكون قد شملهم قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فهل من إنسان يفهم أن الوليد حينما يسقط من بطن أمه يسقط ممتلئاً بالذنوب الكبائر دون الصغائر، أم التشبيه هنا من أبدع ما يكون أنه نظيف من كل الذنوب كبيرها وصغيرها؟

والأحاديث في هذه القضية كثيرة وكثيرة جداً، وللحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله رسالة خاصة في الخصال المكفرة، من أراد التوسع فيها رجع إليها.

لكني أريد أن أنبه إلى شيئين اثنين:

الشيء الأول: أنه يؤكد أن هذه المكفرات هي مكفرات للكبائر؛ ذلك أن المكفرات للصغائر منصوص في القرآن الكريم السبب الذي يكفر الصغائر قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] فإذاً: اجتناب الكبائر نفسها هي تذهب بالصغائر وتكفرها، فلا بد أن يكون لمثل هذه العبادات كالصلاة والحج ونحو ذلك كرمضان، لا بد أن يكون لها فعل آخر أكثر من فعل اجتناب الكبائر، فاجتناب الكبائر يكفر الصغائر، والإتيان بالفرائض ماذا يفعل؟ أيضاً يكفر الصغائر، فالصغائر ممحوة باجتناب الكبائر، فهذا يؤكد بأن الأحاديث السابقة هي على ظاهرها. هذا هو الأمر الأول من الأمرين.

أما الأمر الثاني والأخير: أن كثيراً من الناس قد يتوهمون أن القول: بأن هذه العبادات كالصلاة والصيام تكفر الكبائر -أيضاً- أن هذا يكون حاملاً للناس بأن يتساهلوا وأن يواقعوا الكبائر؛ أن يسرقوا، وأن يزنوا، وأن يشربوا الخمر .. بدعوى أن الصلوات -مثلاً- تكفر الكبائر، فنحن نقول الآن لكي تفهم المسألة من هذه الزاوية جيداً: نذكر أن الصلاة التي تكفر الكبائر لا يمكننا أن نقول هي صلاتنا نحن، وهذه حقيقة يجب أن نعرفها؛ حتى ننجو من التورط في هذا الترغيب الكبير الذي جاء ذكره في هذه الأحاديث، وكما يقولون عندنا في سوريا : (نحط رجلينا بمي باردة). فنحن نصلي كل يوم الصلوات الخمس، فمهما فعلنا من كبائر فإذاً هي مكفرة بصلواتنا هذه.

نقول: من الذي يستطيع أن يقول بأنه يصلي الصلاة الكاملة؟ لأن الصلاة الكاملة هي التي لها هذه الآثار الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المعروف: (إن الرجل ليصلي الصلاة وما يكتب له إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها... إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ربعها، نصفها) إذاً: لا نستطيع أن نقول: إن هناك صلاة كاملة حتى نقول: إن هذه الصلوات التي نصليها نحن هي مكفرات للكبائر، كل ما نستطيع أن نقول: إننا نأمل بأن نصلي وأن يغفر الله لنا بهذه الصلوات ما شاء من الذنوب؛ سواء كانت من الكبائر أو الصغائر. هذا ما أردت أن أبينه في نهاية الجواب عن هذا السؤال.

حكم التحلق قبل صلاة الجمعة

السؤال: الحديث الذي هو متعلق بالحِلق يوم الجمعة، إن كانت حلق تلاوة أو حلق ذكر؟ وهل ذكر أو خصص في حديث آخر أن هذه الحلق هي خاصة فقط بصلاة الجمعة في وقت صلاة الجمعة في دخول الجمعة، أو قبل الجمعة وبعدها، أم في كامل اليوم بارك الله فيك؟

الجواب: الحديث في السنن : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة).

حكم المصلي إذا وقع له ما يبطل صلاته

السؤال: تكملات في الصلاة.. سمعنا لك أحد الأشرطة ذكرت فيها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام ليؤم أصحابه فتذكر أنه ليس على طهارة، فقال: الزموا أماكنكم، فذهب فرجع وهو يقطر ماءً، فكبر وصلى). فذكرت أنت هناك كلمة البناء أنه بنى، فكيف تتم عملية البناء أولاً؟ ثم هل في هذه الصلاة -في هذا الحديث الذي ذكر- هل كان صلى الله عليه وسلم قد صلى بهم ثم ذهب ليغتسل، أم قبل التكبير؟

الجواب: هناك حديثان اثنان: أحدهما من حديث أبي هريرة، والآخر من حديث أبي بكرة الثقفي، الحديث الأول يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليصلي صلاة الفجر فتذكر قبل أن يكبر أنه على جنابة، فذهب واغتسل وجاء وصلى بهم) هذا الحديث ليس موضوعنا.

الحديث الثاني وهو بحثنا: حديث أبي بكرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر ذات يوم لصلاة الفجر، ثم تذكر، فأشار إليهم أن مكانكم، فذهب وجاء ورأسه يقطر ماءً، فصلى بهم) هذا الحديث الثاني، ونحن نقول: إن هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما صلى من قبل.

وهنا مسألة خلافية بين العلماء: إذا وقع للمصلي ما يبطل صلاته، كأن يكون -مثلاً- وهو يصلي خرج منه ناقض للوضوء على خلاف النواقض المعروفة عند العلماء، مثلاً: رعف، فمن يقول: إن الرعاف ينقض الوضوء، فهذا قد بطل وضوءه، خرج الدم فبطل وضوءه عند من يقول به، أما النواقض كما قال عليه الصلاة والسلام: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فهذه نواقض متفق عليها، فأي ناقض خرج من المصلي ثم ذهب وتوضأ، فهل يبني على صلاته، أي: يعتبر الصلاة الماضية التي صلاها على طهارة ثم انتقضت هذه الطهارة، هذه الطهارة المنتقضة هل نقضت الصلاة السابقة، أم تبقى هذه الصلاة صحيحة؟

فهنا قولان للعلماء:

منهم من يقول: يبني على ما مضى، كأن يكون صلى ركعة -مثلاً- فانتقض وضوءه بناقض من النواقض، فمعنى يبني أي: أن الركعة التي صلاها ما دام صلاها على طهارة فهي ركعة صحيحة، فإذا جدد وضوءه يبني، أي: لو كان يصلي الصبح فلا يأتي بركعتين وإنما يأتي بركعة واحدة.

أما من يقول: إنه يستأنف الصلاة، فمعنى ذلك: أن هذه الركعة لا قيمة لها، فهو يبتدئ الصلاة من جديد.

حديث أبي بكرة من الأحاديث الصحيحة التي ترجح أن من عرض له ما يبطل صلاته فيبني على ما صلى ما دام أنه كان معذوراً، ومن الأعذار النسيان، وهذا ما وقع للرسول عليه السلام في قصة أبي بكرة، حيث دخل في الصلاة وهو جنب، فذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر ماء فصلى، وما قال: ابتدأ الصلاة. هذه ناحية.

والناحية الأخرى: أنه عليه السلام لو كان يريد أن يبين لأمته مثل هذه الحادثة التي وقعت له، لم يكن به من حاجة بأن يشير إليهم، وأن يقول لهم إشارة بيده أن مكانكم، وإنما يقول لهم بلسانه: أنا بطلت صلاتي؛ لأني تذكرت أنني على غير طهارة فاجلسوا استريحوا حتى آتيكم.

وثانياً: أن يوقفهم كأنهم في الصلاة، وهم حقيقة في الصلاة.

فهذه علامات تؤكد أن قوله: فصلى. أي: أتم الصلاة، فإذاًَ وضح لك ما هو المقصود بكلمة البناء هنا.

السائل: أريد إيضاحاً آخر بارك الله فيك: أنه كان على جنابة، فإذا صلى بهم ركعة -على سبيل المثال- أي: أن الإمام صلى بهم ركعة، فكما قلت أنه يبني بهم على الركعة الأولى، ألا نقول: إن هناك القاعدة التي تقول: ما بني على فاسد فهو فاسد. فصلاته أصلاً كانت فاسدة؛ لأنه أصلاً كان على جنابة!

الجواب: ما هو الدليل على أنها فاسدة؟

السائل: لأنه كان جنباً عندما دخل في الصلاة.

الشيخ: ما عليك يا أخي، لكن نحن نقول: هذا غير متعمد رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] هذا السؤال يشبه تماماً: ما حكم من يأكل في رمضان ناسياً هل يبطل صيامه؟ الجواب: لا. لأنه كان ناسياً، فهل يصح أن نقيس الناسي على العامد؟ فنقول: الذي يأكل ناسياً في رمضان كالذي يأكل عامداً في رمضان؟ لا يستويان مثلاً.

فحينما نريد أن نقول: ما بني على فاسد فهو فاسد. القاعدة صحيحة، لكن سنطبق القاعدة نفسها: ما بني على فاسد فهو فاسد. نحن نقول: أنت تبني على فاسد، لماذا؟ لأنه لا دليل على أن الذي يصلي وهو ناسٍ لوضوئه وتذكر هذا الوضوء، أو ناسي لجنابته فتذكرها وهو في الصلاة فبنى عليها، أنه بنى على فاسد، لا. نحن بحاجة إلى دليل، والدليل الآن على خلاف المدعى.

السائل: لماذا نقول: إن الذي يصلي الصلاة تامة على غير طهارة وهو ناسٍ نقول مثلاً: إنه يتبع الحديث، بمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتد بركعة؟

الشيخ: لو كان الحديث بعد الصلاة، ولو كانت القصة كما وقع لـعمر لقلنا بالحديث، لكن الحديث خاص في جزئية طبقناها، فأثر عمر كان في جزئية أعم من ذلك، فطبقناه ووضعنا كل شيء في مكانه.

السائل: شيخنا! هذه المسألة بالذات، بعض المذاهب يشيرون إلى استدبار القبلة، إذاً كيف العمل هنا بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه استدبر القبلة؟

الجواب: لا نقول نحن: لا شك، يمكن هذا هنا، يمكن أن إنساناً إذا تذكر ألا ينحرف عن القبلة، يأتي ويقف هنا ويتوضأ، يمكن هذا، فإذا أمكن فعليه أن يحرص ألا ينحرف عن القبلة، أما إذا كان ولا بد لأن المكان في وضع -مثلاً- دبر القبلة، فلا بد له أن يذهب إليها منحرفاً عن القبلة، فالانحراف عن القبلة كالحدث تماماً، أي: استقبال القبلة شرط، والطهارة شرط، لكن هذه الطهارة إذا اغتفرت بسبب عذر شرعي، فكذلك استدبار القبلة يلحق بنفس الحكم هذا عندما لا يمكن إلا كذلك.

حكم الإمام إذا تذكر في ركوعه أو سجوده أنه على غير طهارة

السؤال: إذا كان الإمام تذكر في ركوعه أو سجوده فهل يبقي المصلين على هذه الهيئة؟ ومن فهمنا من الحديث السابق أنه أشار إليهم، هل يعني هذا أنه لا يجوز له أن يتكلم معهم؟

الشيخ: الصورة فهمتها، هو أنه لا يجوز للإمام أن يتكلم.

السائل: هل يجوز له أن يتكلم معهم، أو يوحي لهم إيحاءً فقط؟

الشيخ: هذا يختلف باختلاف الجماعة الذين يؤمهم، فإذا كانوا ربوا على عينه، ويفهمون عليه إذا أشار إليهم أن مكانكم؛ فلا يجوز له أن يتكلم؛ لأنه لا يزال في صلاة، أما إذا كانوا ليسوا كذلك كما هو واقع اليوم؛ فحينئذٍ لابد أن ينيب أحدهم، وهذا مما يترتب على الحكم السابق، أي: تبقى الصلاة السابقة صحيحة، فيقدم أحدهم ليتم بهم الصلاة، فالمسألة إذاً تختلف من جماعة إلى أخرى.

السائل: حين يرجع الإمام إلى مكانه، على افتراض أنه رجع وأدرك شيئاً من الصلاة، كيف يكون وضعه الآن؟

الجواب: انظر كيف وضعه: نفترض أنه كان يصلي الفجر فصلى بهم ركعة فيأتي هو ويكمل على حسب الوضع، إن كان فيما سبق أكمل الركعة، أي: بركوعها وسجدتيها، فيعتبر أنه أدرك ركعة، وإلا فما يكون صلى ركعة، فيصلي هو ركعتين.

السائل: يا شيخنا! يُحرم من جديد أم؟

الشيخ: لا يحرم.

السائل: إذاً ليس هو في داخل الصلاة؟

الشيخ: إذا لم يتكلم ولم يفعل شيئاً يبطل الصلاة عمداً فهو في صلاة، وما أدري أخذت جواب سؤالك أم لا؟

السائل: إذا أحدث وهو في التشهد؟

الشيخ: يعود إلى التشهد.

السائل: ما يسلم؟

الشيخ: ما يسلم؛ لأن الخروج بالسلام هو ركن من أركان الصلاة.

السائل: ولو كان بعد التسليمة الأولى؟

الشيخ: انتهى الأمر.

رأي ابن عمر في الرعاف أثناء الصلاة

السؤال: روى مالك في الموطأ بإسناد صحيح إلى ابن عمر [أنه أصابه رعاف في الصلاة، ثم خرج فتوضأ فعاد وبنى على صلاته]. فهل يعني من هذا أن ابن عمر يرى بطلان الصلاة بسبب الرعاف؟

الجواب: هذا يفهم، ولكن لا يتم الاستدلال إلا إذا كان هناك دليل على أن ابن عمر يرى أن الرعاف ناقض للوضوء، حينئذٍ يكون هذا نص معنا في الموضوع، لكن يمكن أن يكون هذا ليس دليلاً قاطعاً إذا كان ابن عمر لا يرى أن الرعاف ينقض الوضوء، وإذا كان هناك نص يرى فيه ابن عمر أن الرعاف ناقض فهذا يكون شاهد للحديث المذكور آنفاً.

حديث: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى)

السؤال: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) أي: درءاً للفتنة، وفي عصرنا هذا الناس ما يفقهون في هذه المسألة لو أناب أحداً مكانه.

الجواب: ماذا قلت آنفاً -سامحك الله أين كنت؟- قلت آنفاً جواب لسؤال الأخ هنا: أنه إذا كانوا راكعين هل يشير إليهم أو يكلمهم؟ كان الجواب في حالتين:

إذا تذكر أنه على غير طهارة وهو راكع وهم ركَّع خلفه، وكان الناس الذين يؤمهم، ربوا على عينه -هكذا كان تعبيري- فكيف إذاً سمعت وما فهمت، كيف هذا؟ قلت: إذا ربوا على عينه فهو يكتفي بالإشارة إليهم، فيظلون راكعين حتى يعود إليهم، وإن كانوا ليسوا كذلك فينيب أحدهم كما قلنا.

وبهذا القدر الكفاية، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأجوبة الألبانية على الأسئلة الاسترالية للشيخ : محمد ناصر الدين الألباني

https://audio.islamweb.net