إسلام ويب

في هذه المادة أجوبة مفيدة لكلا الشيخين الجليلين الشيخ الألباني والشيخ ابن باز رحمهما الله عن حكم سماع الموسيقى، مع بيان أنها تدخل تحت لفظة المعازف التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف). كما تضمنت أيضاً إجابات عن أسئلة أخرى منها ما يتعلق بهذا الموضوع، ومنها ما يتعلق بمواضيع أخرى.

حكم سماع الموسيقى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ..

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] ..

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

السؤال: ما هو حكم سماع الموسيقى في الإسلام؟ وهل جاءت الأحاديث تحرم بعض الآلات الموسيقية؟

الجواب: هذا السؤال يتكرر كثيراً وحق له أن يتكرر؛ لأن المسلمين اليوم قد ابتلوا ببلاءين اثنين: بلاءٌ مادي، وبلاءٌ علمي.

أما البلاء المادي: فهو الذي أحياه اليوم جماهير المسلمين في بيوتهم، حيث لا يخلو بيت تقريباً إلا وفيه المذياع -الراديو- ويذاع بواسطة هذه الآلة ألوان وأشكال من أغانٍ ومن آلات موسيقية.

وأما البلاء العلمي: فهو أخطر، وذلك أنه يحاول كثير من الكُتّاب الإسلاميين أو المفتين أن يذللوا كل هذه المصائب والبلايا التي تنزل بالمسلمين، فيقولون: (يسروا ولا تعسروا) فيجب أن نعلم أن التيسير على الناس لا يكون على حساب الدين ومخالفة نصوصه، وإنما التيسير على الناس هو بتطبيق الإسلام؛ لأن الإسلام هو في أصوله وفي أسسه بني على اليسر، فإذا حرم الله تبارك وتعالى شيئاً فليس معنى ذلك أنه عسر علينا؛ لأنه حينما يحرم علينا أمراً ما فذلك لصالحنا في الدنيا قبل الأخرى.

فلما حرم علينا الآلات الموسيقية حرمها كلها على اختلاف أشكالها وأنواعها؛ سواءٌ ما كان منها معروفاً، أو ما جد اليوم مما لم يكن معروفاً؛ لأن هذه الآلات كلها:

أولاً: تدخل تحت لفظة المعازف، وقد ذكرنا لكم مراراً حديث البخاري : (ليكونن في أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، يمسون في لهوٍ ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير) فهذا الحديث يفيد تحريم المعازف، وهي آلات الطرب -كما قلنا- كلها من ناحيتين:

الناحية الأولى: قوله عليه السلام: (يستحلون) لأن معنى هذا اللفظ أن هذه الأشياء محرمة فهم يستحلونها، فيكون عقاب بعضهم في آخر الدنيا أن يمسخوا قردة وخنازير، كما مسخ اليهود من قبل، فقوله عليه السلام: (يستحلون) هذا يفيدنا تحريم كل هذه الأشياء التي ذكرت على نسقٍ واحد.

الحر: وهو الفرج، أي: الزنا.

الحرير: أي: الطبيعي.

الخمر: بأنواعه وأشكاله.

المعازف: كذلك بأنواعها وأشكالها.

كل هذه الأشياء محرمة، ويكون عقوبة من يستحلها أن يمسخوا، ولا يقال: ما سمعنا أنه وقع مسخ؛ لأن الحديث لا يعني أن كل من فعل ذلك مسخ، وإنما قال: ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون كذا وكذا يمسخون، ولا يعني أن كل من فعل ذلك مسخ.

وقد اتفقت الأئمة الأربعة وأتباعهم ممن بعدهم على تحريم آلات الطرب، وأجمع كتاب في ذلك لأحد علماء الشافعية وهو أحمد بن حجر الهيتمي، كتاب سماه: كف الرعاع عن السماع، جمع هناك كل ما ورد في هذا الباب، وفيه الصحيح والحسن والضعيف، فلذلك أنصح كل مسلم غيور على دينه ألا يستمع لآلات الطرب إطلاقاً.

وأنه إذا كان في داره عليه أن يمرن أهله كلما فتح الراديو فسمع موسيقى أنه إما أن يغلقه فوراً، أو يخفض صوته حتى لا يفوته من الأخبار إذا كان له برامج في الأخبار، وإلا فيحق فيهم قول أبي بكر الصديق لما دخل على بيت الرسول عليه السلام وفيه جاريتان تغنيان غير هذا الغناء، تغنيان بغناء يوم بُعاث الذي وقع في الجاهلية بين الأوس والخزرج، ولأنهما كانتا تضربان عليه بدفٍ قال أبو بكر: [أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟] .

فماذا يقول أبو بكر لو سمع بهذه المعازف، التي لا يستطيع أن يذكر الآلات التي تجتمع لتطريب الناس -زعموا- إلا من كان خبيراً بهذا اللغو.

لذلك اتقوا الله عز وجل، ولا تفتنوا أنتم وأهلكم بسماع مثل هذه الآلات فكلها محرمة.

حكم سماع الأخبار إذا كان يتخللها شيء من الموسيقى

السؤال: أثناء نشرات الأخبار يتخللها أحياناً موسيقى، فهل يجوز سماع نشرة الأخبار؟

الجواب: يجوز سماع النشرات ولا يجوز سماع الأغنيات، فإذا كان يعرف الإنسان أو سمع صوت موسيقى فيجب أن يظل على الراديو قائماً، دائماً يطالبه بأن ينطق بالحق فقط، فكلما نطق بالباطل أسكته، المسلم هكذا يجب أن يعيش، أنا أعلم أن هذا أمرٌ صعب، ولذلك إذا دار الأمر بين القيام على هذا الأمر الصعب أو أن يخرج الراديو من بيته فيخرجه، كما كان يقول بعض الناس قديماً: إن هذا شيطان يجب إخراجه من البيت، فكنا نضحك منهم؛ لأنهم كانوا يطلقون الكلام، لكن الحقيقة أن الراديو ليس فيه شيطان واحد بل شياطين.

ولذلك إذا لم يتمكن المسلم التحرز من مثل هذه الشياطين، فكان عدم وجود الراديو في الدار أولى، وأولى منه بأن تخلو الدار من مثله هو التلفزيون؛ التلفزيون أثره وإضلاله للمبتلين برؤيته أكثر وأكثر بكثير، يكفي أنهم يأخذون الهجيع الأول من الليل في السهر أمام هذه المعروضات، وليس فيها شيء ينفع الناس، إلا ما ندر جداً والنادر لا حكم له، إنما العبرة بالغالب دائماً وأبداً، فلما كان الغالب اليوم على التلفزيون هو المنكر، وإضاعة الوقت والسهر؛ فلا يجوز إدخال التلفزيون في البيت، فهذا في اعتقادي جازماً.

أما الراديو فممكن التصرف فيه لكن بالشرط السابق، فإذا سمعت موسيقى فأوقفها مباشرة، واصبر إلى أن يأتي وقت نشرة الأخبار، فإذا جاءت فاسمع الأخبار، ولا بد من سماع الأخبار في اعتقادي حتى يعرف المسلم الجو والمحيط والزمن الذي يعيش فيه.

وقد لاحظ هذا علماؤنا القدامى رحمهم الله، فذكروا في شروط المفتي أنه لا يجوز أن يكون مفتياً إلا أن يكون عارفاً بأحوال زمانه -انظروا مقدار دقتهم- (واليوم الأحوال التي تقع في الدنيا لا يمكن إحصاؤها ولا الاطلاع عليها إطلاقاً وأنت جالس في عملك، أو في مكتبتك، لا تتصل بالعالم إطلاقاً بوسيلة من هذه الوسائل المباح استعمالها، لذلك فالراديو إذا استعمله المسلم بهذا، مع القيام عليه -كما ذكرنا- فهذا أمر جائز، بل قد يكون أكثر من ذلك.

حكم سماع الأغاني وبيان أضرارها للشيخ ابن باز

كلام الشيخ/ عبد العزيز بن باز :

هذا هو الواقع الآن! هذه الأغاني ضارة، وهي في التلفاز وفي الإذاعة وفي المسجلات وفي غير ذلك، هذا هو شأنها إلا ما شاء الله، فخطرها كبير وبلاؤها عظيم، فالواجب العلاج بأنجع وسيلة وبأنجع أسلوب، حتى يسلم الناس من شرها، وحتى يحل محلها ما أباح الله من الأشعار الطيبة الناشئة، والقصائد النافعة في لحون الرجال العرب لا في لحون النساء.

فيجب منع النساء منعاً باتاً، وأن تكون قصائد مفيدة في ألحان الرجال، وبلغة العرب، وبالألفاظ الواضحة البعيدة عن كل شر، وهي تحل محل الأغاني المنكرة، والأغاني الخليعة الفاسدة المفسدة.

وأما آلات الملاهي فكلها شر وكلها بلاء، وكلها محرمة بلا شك، وسمعتم ما أجاب به شيخنا عن العرضة النجدية، وأنها بالاسم المحلي حقيقتها تدرب على حمل السلاح والكر والفر، وهي من جنس ما فعل الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم لعبوا في المسجد بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام وبإقراره لهم، وكانوا يلعبون بحرابهم وهي رماحٌ قصيرة، وبالفئوس كراً وفراً؛ حتى يتدرب الناظر والعامل معهم على مثل هذا في الحروب، فكانت الحبشة لها رمي بالحربة، لها رجل شديد يؤثر في الجهاد.

فتدرب مثل هذا في الكر والفر وحمل السلاح كالبندقية والسيف والرماح والحراب، كراً وفراً، وتنوعاً في الرمي وتنوعاً في الكر والفر، هذا له وجهه وله أسلوبه، وله وجه شرعي، ولا حرج فيه ما لم يكن فيه اختلاط بالنساء، ولا فيه منكر آخر، فالحاصل أن ما يؤيد الله به الإسلام ويؤيد به المجاهدين فهو مطلوب بشرط ألا يكون من طريق الحرام، وبشرط ألا يكون فيه آلات محرمة، وبشرط ألا يكون فيه عمل محرم، فتستعمل الآلات الشرعية والآلات الحربية بالطرق الإسلامية، لا بالطرق الشيطانية، ولا بالطرق النسائية، ولا بالطرق المحرمة.

وما يقع من استعمال الرباب والعود والكمان والطبول وأشباه ذلك مع الأغاني كلها من المحرمات، وهي من المنكرات التي تشيع الشر والفساد في القلوب، ولهذا سمعتم قول ابن مسعود رضي الله عنه: [إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع] أي: ينبت بغض الحق وكراهيته، والتلذذ بالباطل، والتلذذ بالفواحش والمنكرات، ينبت في القلب هذا الشر، لأن النفاق أن تبطن خلاف ما تظهر، هذا ما يحدث، المنافق باطنه خراب وظاهره مع المسلمين.

وهذا حال المنافق الذي يكذب الله ورسوله، ويبغض الحق ويؤيد الباطل، وهو في الظاهر مع المسلمين؛ تقية أو لحظٍ عاجل أو لأسبابٍ أخرى يبتغي بذلك ما عند المسلمين، فيتظاهر بالإسلام وهو مع الكفار في الباطن، فالأغاني والملاهي تنبت هذا النفاق والعياذ بالله! تنبت في القلوب كراهية الحق، وكراهية القرآن، ومجالس الذكر ومجالس العلم، وكراهية العبادات والصلوات، والرضا بكل فسقٍ وكل بلاء، هذا من آثارها في القلوب، حتى يقسو القلب ويسود، وحتى ينحرف عن الهدى، نسأل الله السلامة والعافية.

فالواجب عليك - أيها المسلم- أن تتقي الله أينما كنت، وأن تحذر أسباب الهلاك، وأن تحذر ذلك من حولك من أهلٍ وأولادٍ وجيرانٍ وغيرهم، وأن تعين على الحق أينما كنت، وأن تعين على ترك الباطل أينما كنت، وأن تكون صادقاً في ذلك، لا تخف في الله لومة لائم، وعليك أن تحمل السلاح دائماً، وعليك بالجهاد، أي: أن تنكر المنكر، وأن تدعو إلى الحق، وأن تكون أبداً في جهاد وفي صبر ومصابرة لإقرار الحق والدعوة إليه، بكلامك الطيب وأسلوبك الحسن، لا بالعنف والشدة، بل تكون مجاهداً في قولك وجهادك ودعوتك إلى الله وأمرك بالمعروف وإنكارك المنكر؛ فإن الدعوة إلى الله جهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاد، وهذا سلاح المؤمن الذي ينفع الله به العباد، ليس السلاح السيف والبندق فقط، لا.. الدعوة سلاح ينفع الله به العباد، بالحكمة، والكلام الطيب، والأسلوب الحسن، وإقامة الأدلة، كما قال الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .

فلا تيأس، ولا ينبغي اليأس، بل ينبغي للمؤمن أن يكون دائماً حريصاً على الحق، طالباً له، داعياً إليه، راغباً فيه، معجباً به، لا يقول: هذا قد فرط وانتهى الأمر وهلك الناس، لا. الناس فيهم خير وفيهم بقية محبة للخير، وبقية رغبة في الحق، فعليك أن تشارك في الخير، وأن تحذر الباطل، وأن تحذر من الباطل، وألا تيأس من إقامة الحق، ومن القضاء على الباطل منك ومن إخوانك ومن دولتك، ومن سائر إخوانك المسلمين، بالتعاون على البر والتقوى، وبالتواصي بالحق والصبر عليه.

وإذا يئس الناس وأخذوا بالبطالة، وأخذوا باليأس؛ ساد المنكر وانتشر، وقل الخير ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولكن ما داموا يشعرون بواجب، وما داموا يعملون ويكافحون فإن الشر ينقص، ولا يخفى ما وجد الآن -بحمد الله- من الحركات الإسلامية الكثيرة في الشباب وغير الشباب، وهذا يبشر بخيرٍ كثير، وهناك حركاتٌ أخرى شيطانية خبيثة تدعو للشر، فالواجب الكفاح، والواجب تأييد الحق ومن قام به، والحرص على كف الباطل ومن قام به، والقضاء عليه حسب الطاقة والإمكان، بالتعاون على البر والتقوى، وبالتواصي بالحق والصبر عليه.

وهكذا مناصحة ولاة الأمور، ومناصحة أعيان البلاد، ومناصحة من تستطيع أن تنصحه؛ لأن الدين النصيحة، لا تيأس ولا تقل: هذا أمر قد انتهى، بل عليك بالنصيحة والتوجيه إلى الخير، والله جل وعلا يقول: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87] .

فعلينا أن ننصح لله ولعباد الله، يقول الله سبحانه في أوصاف الرابحين وفي أوصاف الناجين: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] .

هذه صفات الرابحين، وهذه العناصر الأربعة هي أصول النجاة، وهي أسباب السعادة، وهي أصول صلاح المجتمع، وكل مجتمع مستقيم على هذه الأصول الأربعة: الإيمان بالله ورسوله، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ فهو مجتمع صالح ومجتمع سعيد ورابح، وإذا تخلى المجتمع عن هذه الأصول الأربعة أو بعضها؛ تأتي إليه الخسارة من كل جانب، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، وجزى الله أصحاب الفضيلة عنا خيراً، ونفعنا جميعاً بما سمعنا وعلِمنا، ورزقنا جميعاً وإياكم صلاح القلوب وصلاح الأعمال والهداية إلى خير طريق، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا إلى رضاه، وأن يعينهم على قمع الباطل، وعلى إظهار الحق، وعلى إصلاح الأوضاع، ويصلح لهم البطانة، ويوفقهم لكل خير ويعينهم عليه، وأن يعيذهم من كل شر، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

التحذير من الرسائل البريدية الداعية إلى الفجور والدعارة

السؤال: سماحة الشيخ! يصلكم مع هذه الورقة رقم تليفون مدرس للموسيقى الغربية، يوجد له إعلانات خاصة موجودة في البقالات في منطقة السليمانية والعليا بـالرياض، نرجو اتخاذ اللازم خوفاً من أن يكون هذا المدرس له اتجاهات ونشاطات أخرى، وعنوان البقالة موجودٌ خلف هذه الورقة، وصندوق البريد والتليفون موجود بها.. هذا شيء، والشيء الآخر: هنا رسالة في مظروف مكتوب عليه بالإنجليزي: إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، هذه الرسائل ترد بالبريد إلى شباب المسلمين، ويقوم بفرزها مسئول البريد، وهذه الرسائل تدعو إلى الاشتراك بنوادي الفجور والدعارة، وأنتم تعرفون مدى هذه الرسائل، فهل نجد عندكم لها حلاً يحمي أبناء المسلمين؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب: هذه الرسائل من النصارى وغيرهم لها مدة طويلة، وقد أُبلغ المسئولون بها غير مرة، ولهم بها جهود نسأل الله أن يعينهم في محاربتها والقضاء عليها، ولا شك أن النصارى واليهود وسائر الكفرة لهم نشاط متواصل في إضلال الناس اتباعاً للشيطان، وهم من شياطين الإنس، وشياطين الإنس قد يكونون في بعض الأحيان أقوى وأشد خطراً من شياطين الجن، نسأل الله العافية.

فينبغي لكل مؤمن أن يحذر شر شياطين الإنس، كما يحذر شياطين الجن أو أكثر، وأن يستعين بالله من شر الجميع، وأن يبذل وسعه في محاربة دعوتهم الباطلة، والتعاون مع إخوانه في مضادتها ومحاربتها، أكثر مما يتعاون أهل الباطل على نشر باطلهم؛ فإن النصارى وغيرهم عندهم تعاون كبير على نشر باطلهم والدعوة إليه، فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يكون نشاطهم أكبر في محاربة الباطل والقضاء عليه، ومحاربة أسبابه ووسائله، نسأل الله للجميع العون والتوفيق والهداية.

معنى حديث: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)

السؤال: نرجو إيضاح وبيان معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وما المقصود بذلك؟

الجواب: قد بيّن العلماء ذلك ومعناه: أن يحسن القارئ صوته بالقرآن ويجهر به، أما كونه يقرأ قراءة ليس فيها تحزن ولا تخشع، وما لها أثر في القلوب فلا يصح، فينبغي للقارئ أن يحسن صوته ويتلذذ بالقراءة ويجهر بها إذا كان حوله من يستمع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا أصواتكم بالقرآن) هكذا جاء الحديث.

فتحسين الصوت بالقراءة، وتجويد القراءة، والتلذذ بالقراءة، والتخشع فيها، مما يؤثر على القارئ ويؤثر على غيره في سماعه كتاب الله، وقد مر النبي ذات ليلة على أبي موسى الأشعري وهو يقرأ، وكان الأشعريون لهم صوت حسن في القرآن رضي الله عنهم، فلما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي موسى وهو يقرأ سمع له فقال عند ذلك: (لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود) فلما أصبح وجاء أبو موسى أخبره النبي بذلك، فقال: (يا رسول الله! لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً).

فالمقصود بأن تحسين الصوت بالقراءة له أثر عظيم، فينبغي للقارئ أن يلاحظ هذا، ولهذا جاء في الحديث: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) قال العلماء: يحسن صوته به، ويزين صوته، ويتلذذ ويتخشع جاهراً به، إذا كان عنده من يسمع ويستمع له، أو كان يتلذذ بذلك ويتأثر به.

حكم تصوير ما لا روح فيه

السؤال: هل يجوز تصوير ما لا روح له، كتصوير الأشجار والمباني والمياه؟ وهل على المصور ذنب في ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب: هذا يذكِّر بما ذكره الإخوان في ندوة عن التصوير، ينبغي لأهل الأعراس أن يحذروا أن يمكنوا أحداً من تصوير النساء، وقد بلغني أن بعض الناس قد يصور النساء في الأعراس، فهذا منكر عظيم -نعوذ بالله- أن يسجل في الأفلام وغير الأفلام وقد ينشر هنا وهنا، وهذا شره عظيم، فلا يجوز أن يمكن من تصوير النساء لا امرأة ولا رجل، يجب الحذر من هذا، وإذا كان في العرس من تصور فيجب أن تخرج، وأن تمنع من الحضور؛ لأن هذا شرٌ كبير، قد تندس بين النساء امرأة تصور حتى تبيع الأفلام بمبالغ كبيرة، نعوذ بالله من ذلك!

فيجب الحذر من هذا، ولا يجوز تصوير العروس والزوج أيضاً؛ لأن هذا منكر عظيم، وفساده كبير، فالتصوير نفسه محرم، و إذا كانت العروس والنساء في زينة كان أشد وأخطر وأعظم، نسأل الله العافية!

فيجب الحذر من هذا البلاء غاية الحذر، سواء من النساء أو من الرجال، أما تصوير جبل وشجرة فلا يضر، وهذه من الجمادات، وقد قال ابن عباس : [إن كنت لا بد فاعلاً فالشجر والحجر] .

التحذير من مقولة: إن الكافر أحسن من المسلم

السؤال: لقد شاع بين الناس في هذا الزمان وخاصة أصحاب الأعمال كلمة: إن الكافر أحسن من المسلم. وهذا غير صحيح، حتى إن معظم الشركات أصبحت تقتصر على الكافرين دون المسلمين، وهذا شيء خطير، نرجو من سماحتكم تعميم خطبة جمعة؛ حتى تكون كافية للرد على مثل هؤلاء الجهلاء، الذين يعتنقون الإسلام اسماً، وحتى يعلم الجميع خطر هذه الكلمة، خاصة أن خطبة الجمعة يحضرها كل الناس.

الجواب: هذا تقدم في المحاضرة الماضية للشيخ/ صالح الفوزان، وقد نبه على هذا الأمر، وأن ما يقول بعض الناس: إن الكافر أحسن من المسلم، أو إن النصارى أحسن من المسلمين، هذا ردة عن الإسلام -والعياذ بالله- وشره عظيم.

من قال: إن الكفار أحسن من المسلمين، فقد شابه اليهود في قولهم للكفرة: أنتم أهدى سبيلاً من محمدٍ وأصحابه، هذا منكر كبير، وإن كان الكافر قد يجتهد في تجديد بضاعته، وتسويق سوقه، لكن عنده من الكفر والضلال والفساد العظيم ما يزيد على خبثه وضلاله وفساده، وأنه من أنجس العباد ومن شرهم.

فالمسلم وإن كان عنده شيء من المعاصي فهو أفضل بكثير من الكافر؛ لأن عنده إيماناً بالله ورسوله، وعنده توحيد الله، فهو خير من الكافر من وجوه كثيرة، وإن كان عنده بعض المعاصي، فالإسلام ينهاه عن المعاصي، وينهاه عن الخيانة، وينهاه عن الكذب، لكن ليس الكفار أحسن منه! بل هو أحسن وأهدى سبيلاً من الكفار، وإن كان عنده ما عنده من المعاصي، والواجب على المسلم أن يتقي الله، وأن يحذر من المعاصي والكذب والخيانة.

وإذا كان الكافر قد يجتهد في الصدق، أو في تحسين البضاعة، أو في جودة الصنعة، لحظه العاجل ولدنياه العاجلة، فأنت -أيها المسلم- يجب عليك أن تجتهد في هذه الصنعة بالأمانة وعدم الخيانة، وبالصدق وعدم الكذب، حتى لا تفتح باباً للشر على المسلمين، بل يجب عليك أن تحذر غاية الحذر من كل ما حرم الله عز وجل، لكن لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يقول: إن الكفار أحسن من المسلمين، أو أهدى من المسلمين، أو أصدق، هذا كله باطل ومنكرٌ عظيم، ومن قال هذا بإطلاق فقد كفر نسأل الله العافية، هذا بلاء عظيم أعوذ بالله!

ثم لا يجوز توريد الكفار لهذه الجزيرة، ولا يجوز استخدامهم للخدمة، سواء كانوا نساء أو رجالاً؛ لأن هذه الجزيرة يجب أن تتطهر من الكفرة، يبعد عنها الكفار، ولا يستورد لها ولا يستخدم لها إلا مسلمون، مع التحري -أيضاً- في المسلمين والحذر، حتى لا يستخدم إلا مسلمٌ طيب ومسلمة طيبة عند الحاجة إلى ذلك.

أما استخدام اليهود أو النصارى أو البوذيين أو غيرهم من الكفرة، فهذا كله منكر لا يجوز في هذه الجزيرة، الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى بإخراج المشركين من الجزيرة، وقال: (لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى منها حتى لا أدع إلا مسلماً). ثم أوصى بذلك عند موته عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن هذه الجزيرة هي حمى الإسلام، وهي مهد الإسلام، لا يجوز أن يكون فيها دينٌ ثانٍ، بل لا يبقى فيها إلا دينٌ واحد، ولا يجوز استقدام الكفرة إليها، اللهم إلا عند الضرورة من طريق ولاة الأمور في شيء ينفع المسلمين، وفي ضرورة للمسلمين كمهندس يحتاج إليه أو طبيب بصورة قليلة نادرة عند الضرورة، كما أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهود في خيبر لحاجة، ثم أجلاهم عمر بعدما أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بإخراجهم .

المقصود أن هذا أمرٌ خطير جداً يجب الحذر منه، ولا يجوز أن تبنى فيها الكنائس، ولا أن تفتح فيها مدارس للنصارى، وإن فعل هؤلاء المقصرون وتساهل بعض الأمراء، فعملهم ليس بحجة.

ضرورة الإنكار بشدة على المنكرات والتحذير من التساهل

السؤال: يا شيخ! غفر الله لك، بالنسبة للشيخ الطنطاوي سأله سائل في برنامج نور على الدرب: أنهم أتوا بمغنية ودفعوا لها مبلغاً من المال وقدره خمسون ألفاً، هل هذا حلال أم حرام؟ فما كان الجواب منه إلا أن قال: لو أن أم كلثوم جاءت وغنت ما ربحت هذا المبلغ في ليلة واحدة، فهل هذه إجابة كافية؟

الجواب: هذا في الحقيقة فيه نوع من التساهل، ويجب إنكار ذلك الأمر؛ لأنه عمل قبيح شنيع.

بيان حقيقة الإسلام

السؤال: الصحابة رضوان الله عليهم عندما اعتنقوا الإسلام قولاً وعملاً كانوا أسياد العالم، وبعض المسلمين اليوم يتكلمون في أشياء لا تتعلق بالإسلام؛ لأنهم في حقيقتهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، فما تعليقكم على هذا؟

الجواب: أرى أنه لا بد من الوقوف عند هذه الكلمة: الإسلام، وأسلم.. فإن كثيراً من الناس اليوم ممن ينتمون إلى الإسلام ويسمون بالمسلمين، كثيرون منهم لا يعرفون حتى اليوم حقيقة إسلامهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يهنئ من هدي للإسلام، فمعنى هذا أنه يشير إلى أنه قد هدي إلى أكبر نعمة معنوية روحية، فما هو هذا الإسلام؟

لا بأس أن أروي لكم حديثاً هو معروف عند بعضكم، ومجهول أو -على الأقل- غير معروف كثيراً عند آخرين منكم، وفيه عبرة، وفيه موعظة، وفيه بيان لهذا الذي نحن في صدده ألا وهو الإسلام.

ذلك الحديث هو المعروف عند علماء الحديث بحديث جبريل عليه الصلاة والسلام الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، الذي لما يرويه عن أبيه حيث قال: حدثني عمر (أنه كان في مجلسٍ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ جاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال السائل: صدقت، قال عمر : فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال عمر : ثم لبثنا ملياً -أي: طويلاً، وفي رواية: ثلاثة أيام- ثم قال عليه الصلاة والسلام: أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال عليه الصلاة والسلام: ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم).

التعليق على هذا الحديث يطول في الكلام، فهو شيء هام جداً، ولكننا لسنا بهذا الصدد، وإنما سقناه لأمرين اثنين:

الأول: تذكيراً لكم به.

والثاني: ربطاً للجواب على السؤال الأول، لما جاء في هذا الحديث ذكر من أسلم ومن هدي للإسلام، حيث سأل جبريل عليه الصلاة والسلام، وهو قد تصور بصورة إنسان، جاء إلى مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، ويبدو أنه كان في المجلس شيءٌ من الوجوم وعدم الانطلاق في البحث والعلم؛ ذلك لأن قوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث من الرواية السابقة: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم).

وقد جاء في رواية أخرى في صحيح مسلم أيضاً، ولكن من رواية أبي هريرة وليس من رواية عمر قال: (هذا جبريل أتاكم يريد أن تعلموا إذ لم تسألوا) الشاهد هنا (أتاكم يريد أن تعلموا -أي: أن تتعلموا- إذ لم تسألوا) فما دام أنكم واجمون وساكتون ولا تسألون، فقد بعث الله عز وجل رسوله جبريل عليه السلام إليكم ليعلمكم طريقة السؤال والجواب.

وهذا الحديث الصحيح من أدلة كثيرة على أن من طرق تعليم العلم في الإسلام طريقة السؤال والجواب، وليس كما يتوهم الكثيرون اليوم الذين لا علم عندهم بالإسلام، أن هذه الطريقة من السؤال والجواب هي طريقة ورقية أجنبية، بل هي طريقة إسلامية شرعها الله عز وجل بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام، حين أرسله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويجلس بين يديه جلوس المتعلم أمام المعلم، قد ألصق ركبتيه بركبتيه، ووضع كفيه على فخذي الرسول، يظهر للناس الحاضرين اهتمامه بالعلم، وما به من حاجة إلى العلم، ولكنه يريد أن يعلم أولئك الذين لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما هم بحاجة إليه من علم، فقال عليه الصلاة والسلام -وهو الشاهد من هذا الحديث- في بيان الإسلام الذي سأل جبريل عنه: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وهذا بمعنى الحديث المشهور المتفق عليه بين الشيخين من حديث ابن عمر نفسه: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) إلى آخر الحديث.

فقد بين الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث أن الإسلام هو: أن تشهد أن لا إله إلا الله، ومعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله، هو كما جاء -أيضاً- في رواية أخرى: أن تعبد الله وحده لا شريك له.

(لا إله إلا الله) معناها: أن تعبد الله وحده لا شريك له، هذا المعنى مأخوذ من الرواية الأخرى التي أشرت إليها آنفاً، إنما المعنى المتوارث التقليدي المعروف عند علماء المسلمين قاطبة هو قولهم، وقولهم حق: معنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحقٍ في الوجود إلا الله، هذا المعنى صحيح، ونحوه الرواية الأخرى لما سئل عن الإسلام أجاب عليه الصلاة والسلام: (أن تعبد الله وحده لا شريك له).

ومعنى هذا وذاك: أن الذي أسلم قديماً أو حديثاً أو وراثة، وهو من جهة أخرى يعبد غير الله عز وجل بأي عبادة من العبادات المعروفة للإسلام فليس مسلماً، ولم يُهدَ للإسلام، فلا طوبى له، كل من عبد سوى الله عز وجل فليس مسلماً، ولو قال: لا إله إلا الله، ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم؛ لأنه قد أخل بالركن الأول من أركان الإسلام الخمسة، وهي: أن تشهد أن لا إله إلا الله، أي: ألا تعبد إلا الله، ولا تشرك به شيئاً.

ولخطورة هذا الموضوع؛ لأنه من العقيدة بل هو أس العقيدة، لاسيما أني أرى في كل يوم وجوهاً جديدة، وأفترض بل أقطع بأن هناك من لم يسمع مطلقاً بحثاً في مثل هذا الموضوع الهام، الذي يجب على كل مسلم قبل أن يقلد أباه وجده في الصلاة والصيام أن يعرف ما هو الإسلام، ثم بعد أن يعرف أن يؤمن به إيماناً جازماً، وبعد ذلك ينطلق إلى العمل لبقية أركان الإسلام.

قد يظن بعض الناس بل قد يتساءل: ما فائدة هذا الكلام؟ وهل هناك من المسلمين من لا يعبدون الله وحده؟ هل فيهم من يشرك بالله شيئاً، والحديث يفسر الإسلام: أن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئاً؟

نقول: مع الأسف الشديد هناك كثيرون وكثيرون جداً يعبدون مع الله غيره، ويشركون به أشياء، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يظن هؤلاء الناس بأن الشرك الذي حذر منه الرسول عليه السلام في هذا الحديث، وجعله مبايناً للتوحيد ولشهادة لا إله إلا الله، هو: أن يعبد إلهاً مع الله كما يعبد الله تماماً، وذلك بأن يصلي له، وأن يصوم له، وأن يحج له، وأن يعبده بكل شيء هو لله وحده! هكذا يتوهمون، وليس الأمر كذلك، إن الشرك أخطر من هذه الدائرة الواسعة.

إن إنساناً إذا عبد الله عز وجل حياة نوحٍ عليه الصلاة والسلام، ثم نادى غير الله يوماً ما، في ساعة ما، دعاه دون الله، بل دعاه مع الله؛ فقد أشرك مع الله وحبط عمله، كما قال عز وجل: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] .

دعاه من دون الله كأن يقول كما تسمعون كثيراً: يا باز! هذا دعاء من دون الله، دعاه مع الله فقال له: يا باز! هذا دعاء مع الله، ولو كان الأمر بالذوق فقط لقلت: إن مناداة غير الله مع الله أقبح، وانتبهوا لما أقول: لو كان الأمر بالذوق -والآن الأمر واحد؛ لأنه كله شرك- لقلت: إن مناداة عبد من عباد الله لا يسمع ولو سمع لا يستجيب، مناداته مع الله أقبح من أن ينادى من دون الله؛ لأن ذكر هذا العبد مع الرب قد يشعر بأن الله وحده لا يكفيه ولا يغنيه، بينما لو نادى العبد وحده فهذا المفهوم الخاطئ لا يخطر في البال، وهو لا شك أشرك حينما نادى الباز، لكن حينما قال: يا الله! يا باز! كأنه يشعر أو يؤكد بأن الله غير كافٍ عبده، فهو يقول: وكأنه يستدرك، يا الله! يا باز! كأن مناداة الله لا تكفي، فيستغيث بعبد الله عز وجل الملقب عندهم بالباز.

فهؤلاء الذين ينادون غير الله عز وجل لم يفقهوا الإسلام الذي ينبغي أن يكونوا عليه، فإذا ما رزقوا كفافاً كان لهم طوبى وحسن مئاب.

لذلك يجب عليكم جميعاً أن تهتموا بفهم كلمة التوحيد التي ينبني عليها علم التوحيد كله، على أساس ما كان عليه السلف الصالح من الكتاب والسنة، حتى إذا ما جاءت بشرى لنا كهذه التي بين أيدينا الآن كنا أهلاً لها.

أما من كان في قلبه شيءٌ من الشرك -والعياذ بالله- فلا تفيده هذه البشرى، بل لا تفيده كل أعماله الصالحة، كما قال ربنا عز وجل في القرآن، في حق المشركين، ولا محاباة عند رب العالمين، لا فرق بين مشرك يقول (لا إله إلا الله) بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه، وبين نصراني أو يهودي أو مجوسي أو ملحد، وكل هؤلاء مشركون، وكلهم يدخلون في عموم قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] .

لذلك نحن نحمد الله أن جعلنا مسلمين ولو بالوراثة، ولكن الحمد الكامل أن نسعى إلى أن نتفقه في الدين، وأول ذلك وأصله وأسَّه أن نعرف هذا الإسلام الذي أصبح مجهولاً عند جماهير المسلمين اليوم، فلا غرابة أن يصبحوا أذلاء، يخشون من كانوا من قبل أذل الأمم، فلا يستطيعون أن يخرجوهم من بلادنا، لا نقول: من بلادهم؛ ذلك لأن هذا العدد الضخم من المسلمين الذي يبلغ ثمانمائة مليوناً أو يزيد، هم كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل). لماذا هذا العدد الكثير غثاء كغثاء السيل؟

إن جماهير المسلمين حتى الكُتّاب والعلماء يتوهمون أن العلة فقط هي عدم عمل المسلمين بإسلامهم، هذه علة. ولكن علة العلل: عدم فهم المسلمين لإسلامهم، وهذا هو الدليل بين أيديكم، إن جماهيرنا اليوم لا يفقهون الإسلام، أي: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، ما فقهوها بعد إلا ما شاء الله، وقليلٌ ما هم.

كيف نستطيع أن نكابر وأن نجحد ما نراه بأعيننا في كل يوم في كثيرٍ من المساجد التي فيها من يعبد من دون الله، ومن ينازع من دون الله، وهذا أم المساجد في بلاد الشام مسجد بني أمية، فيه القبر المزعوم قبر يحيى عليه الصلاة والسلام، فإليه تقدم الهدايا باسم النذور، وإليه ترفع العرائض والشكاوى، كما أنه لو كان هو الإله المعبود، تعالى الله عما يفعلون وعما يقولون!

وهؤلاء يأتون المسجد ليصلوا فيه والله يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18] فهم ينادون مع الله أحداً، ينادون يحيى، لذلك فالمسلمون اليوم كما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق بحق: (غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن! قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

حب الدنيا وكراهية الموت هو من العلل التي أشرت إليها آنفاً، لكن علة هذه العلل هو عدم فهم الإسلام في أسه الأول، ألا وهو شهادة أن لا إله إلا الله، من أجل ذلك نجد المعجزة العجيبة التي ما سبق أن وقعت، وهي أن من كانوا أضل الناس علماً وعقلاً وفهماً وحياةً و.. و.. إلخ، وأضعف الناس صاروا ما بين عشية وضحاها أقوى الأمم، وأعز الأمم، وأعلم الأمم، وأعقل الأمم، وهم الذين نشروا النور والهدى في ربوع كل الأمم، ألا وهم العرب الأولون، ذلك حينما اهتدوا بهذا الإسلام، وعرفوا حقيقة معنى لا إله إلا الله، وأسلموا قلوبهم وعقولهم لله، حين ذلك نصرهم الله، وتطهرت قلوبهم من حب الدنيا، وتعمرت وتيقنت قلوبهم بحب الموت، وليس بكراهية الموت.

ولذلك فإذا ما حل التوحيد الصحيح في قلبٍ ما خرج منه حب الدنيا وكراهية الموت، وحل محلهما الإقبال على الله تبارك وتعالى، إما بحياة سعيدة، أو بشهادة يلقى بها وجه الله تبارك وتعالى.

إذاً حينما نقرأ مثل هذا الحديث، الذي هو من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (طوبى لمن هدي للإسلام) يجب ألا نمر على هذا الإسلام مر الكرام، بل يجب أن نقف عند هذه الكلمة، ونتذكر ما تحت هذه الكلمة من عقيدة حلت في قلب مسلم؛ حين ذاك يمكن أن يكون راضياً وقانعاً بما رزقه الله عز وجل من رزقٍ كفاف.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من هؤلاء الذين هدوا للإسلام، ورزقوا كفافاً، وقنعوا بذلك من الله تبارك وتعالى.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً) رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة؛ نجد ههنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لآل محمدٍ، أي: لنفسه ولأهل بيته -أزواجه وذريته- كل هؤلاء آل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم لغةً، ويمكن أن نوسع لغة الآل ههنا من ناحية اللغة الشرعية، فيدخل فيه كل تابعٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متابعةً صادقة، ليس مجرد ادعاء أو هوى، وإنما يتبعه اتباعاً صادقاً مخلصاً، فحينئذٍ يمكن أن يدخل في قوله: (اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً) كل مسلم على وجه الأرض؛ سواءً كان من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغةً أو لا.

وإذا عرفنا هذا؛ فلا يخفى عليكم جميعاً أن دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه ولأهله ولمحبيه ومتبعيه، بأن يجعل الله رزقهم قوتاً، إنما يدعو لهم بما هو خير لهم في دينهم وفي دنياهم، والسر في هذا كما شرحنا بعض الشيء في الدرس السابق، أن تحصيل المال يتطلب جهوداً جبارة، يتطلب قبل كل شيء أن يسعى إليه من الطريق الحلال المشروع، ثم إذا ما حصل عليه وكثر هذا المال كثرت الواجبات عليه، فوجبت عليه واجبات جديدة، كان في راحةٍ منها لو أنه كان رزق كفافاً وقوتاً.

لذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يختار لنفسه ولأهله ولمحبيه ما هو خيرٌ لهم، ألا وهو الوسط من كل الأمور، لا الزيادة ولا النقص، وإنما هو نصف الكفاف، كما تقدم في الحديث الذي قبله.

والحديث الذي بعد الحديث السابق وهو قوله عليه السلام: (اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً) الحديث الذي بعده ضعيفٌ جداً، أما الذي بعد الضعيف فهو حديث صحيح، وهو قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يتبع الميت ثلاثٌ) وانظروا هذا التصوير لثلث المال في هذه الحياة- قال عليه الصلاة والسلام: (يتبع الميت ثلاث: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله).

إذاً ما دمت أنك ستضطر إلى الاستغناء عنه وأن تخلفه من ورائك لا تستفيد منه شيئاً، فكن خفيف الحمل؛ لأن هذا المال ستضطر أن تتركه، وأكثر من العمل الصالح، قال عليه الصلاة والسلام: (يتبع الميت ثلاثٌ أهله وماله) قد يشتبه على البعض كلمة المال كيف يتبعه؟ يخرج الناس مشيعون فكيف يتبعه المال؟ وقد فُسر قديماً بما كان واقعاً، فيمكن أن نفسره اليوم بواقع جديد، سواء كان متطابقاً للشرع أو مخالفاً؛ لأنه واقع على كل حال، فسر المال هنا الذي يتبع الميت بالعبيد والخدم، وهذا بارز ومشاهد في بعض الملوك الذين لا يزالون يسترقون بعض الناس، فهذا ما كان الواقع عليه يومئذ قال عليه الصلاة والسلام: (يتبعه أهله وماله).

اليوم الأهل يخرجون مشيعين على سياراتهم، وهذه بلا شك يجب أن ننبه عليها خشية أن تصبح سنة، يجب أن ننبه أن تشييع الميت بالسيارات بدعة ضلالة، بل هي بدعة مزدوجة؛ ذلك لأنها من حيث مخالفتها لطريقة تشييع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للجنائز فهي بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إنما كانوا يشيعون الجنائز على أقدامهم مشاةً من جهة، ومن جهة أخرى كانوا يحملون النعش على أكتافهم، فإذا ما وضعنا النعش في سيارة وحبسنا هذا النعش عن النظارة حتى لا ينزعجوا برؤية الموت من على رءوسهم، ثم شيعناه إلى قبره في السيارات أيضاً، لا شك أن في هذه الصورة من التشييع مخالفات كثيرة لتلك الصورة النبوية في التشييع.

هذه بدعة بل بدع، وتأتي الضلالة الأخرى من جهة التشبه بالكفار، فإن تشييع الميت على هذه الطريقة تتناسب مع الأمة التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وهي أمم غير أمة الإسلام، لا تظنوا ولا تخطئوا مع الخاطئين أن تعتقدوا أن النصارى واليهود يؤمنون بالله واليوم الآخر، لا. وهذه حقيقة -أيضاً- من تلك الحقائق الكثيرة والكثيرة جداً، التي يغفل عنها أهل العلم فضلاً عن غيرهم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الإسلام وحكم المعازف والغناء للشيخ : محمد ناصر الدين الألباني

https://audio.islamweb.net