إسلام ويب

شرح الشيخ أوائل سورة الانشقاق، وما فيها من تفسير لتغير نظام الكون يوم القيامة، وعن حال الإنسان في الدنيا وأن نهايته إلى الله لا محالة. ثم أجاب عن أسئلة كان من ضمنها سؤال عن علاقة الرعية بولاة الأمر، ومنهج أهل السنة والجماعة تجاههم، وأسئلة أخرى عن ضوابط بعض الإطلاقات الشرعية كلفظ الشهيد والنفاق وغير ذلك من الأسئلة.

تفسير آيات من سورة الانشقاق

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني لشهر صفر عام (1414هـ)، في يوم الخميس العاشر من شهر صفر.

نبدأ كالعادة بالكلام على ما تيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى، ونحن قد انتهينا من تفسير سورة النبأ إلى آخر المطففين.

يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] وقد تقدم الكلام على البسملة، وبينا أن البسملة آية من كتاب الله مستقلة، وليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، وإنما يؤتى بها في ابتداء السور إلا سورة براءة، وليست آية من الفاتحة، وإن كان المكتوب في المصاحف أنها آية، لكن القول الراجح الذي هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وعليه عامة أصحابه؛ أنها ليست آية من الفاتحة وهو الذي دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين؛ قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم؛ قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين؛ قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم؛ قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

وعلى هذا فتكون الآية الأولى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )، والثانية: ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، والثالثة: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )، والرابعة: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )، والخامسة: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )، والسادسة: ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )، والسابعة: ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ).

وهذا كما أنه الموافق لما دلت عليه السنة فهو الموافق أيضاً للسورة لفظاً ومعنى:

أما لفظاً: فلتناسب الآيات في الطول؛ لأنه لو كانت صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخر السورة آية واحدة لم تتناسب مع ما قبلها في الطول، وأيضاً لو كانت آية؛ لم تكن إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة:5] وسط الآيات بل تقع على هذا التقدير الخامسة؛ فالآيات الثلاث الأولى كلها لحق الله عز وجل، والآيات الثلاث الأخيرة كلها لحق الإنسان، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، والآية الرابعة الوسطى بين الله وبين العبد، هذا هو القول الراجح في أن الفاتحة أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2].

تفسير قوله تعالى: (إذا السماء انشقت)

أما السورة التي نبتدئ بها الآن فهي قوله تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] (انشقت) انفتحت وانفرجت، كقوله تعالى: وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ [المرسلات:9]، وكقوله تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن:37-39]، إذاً فانشقاقها يوم القيامة.

تفسير قوله تعالى: (وأذنت لربها وحقت)

قال تعالى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2] (وأذنت) بمعنى: استمعت وأطاعت أمر ربها عز وجل أن تنشق؛ فانشقت مع أنها كانت كما وصفها الله تعالى سبعاً شداداً قوية، كما قال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] أي: بقوة، وقال: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً [النبأ:12] فهذه السماء القوية العظيمة تنشق يوم القيامة وتنفرج بإذن الله سبحانه وتعالى، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2] أي: وحق لها أن تأذن -أي: تسمع وتطيع- لأن الذي أمرها ربها وخالقها عز وجل، فتسمع وتطيع؛ كما أنها سمعت وأطاعت في ابتداء خلقها، قال الله تبارك وتعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11].

فتأمل أيها الآدمي .. البشر .. الضعيف كيف كانت هذه المخلوقات العظيمة تسمع وتطيع لله عز وجل بهذه الطاعة العظيمة في ابتداء الخلق وفي انتهاء الخلق، ثم قال: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2] تأكيداً لاستماعها لربها وطاعتها له.

تفسير قوله تعالى: (وإذا الأرض مدت)

قال تعالى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ [الانشقاق:3] وهذه الأرض التي نحن عليها الآن هي غير ممدودة:

أولاً: لأنها كروية مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً -أي: ممتدة قليلاً- فهي مدورة الآن، ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً وفيها المنخفض، وفيها الأودية والسهول، والرمال؛ فهي غير مستوية، لكن يوم القيامة تمد مداً واحداً كمد الأديم -أي: كمد الجلد- كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تمد حتى إن الذين عليها -وهم الخلائق- يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لكن الآن لا ينفذهم البصر؛ لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم، لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم كما جاء في الحديث: (يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر).

تفسير قوله تعالى: (وألقت ما فيها وتخلت)

يقول تعالى: وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:4-5] ألقت ما فيها، ما الذي فيها؟ فيها جثث بني آدم تلقيها يوم القيامة؛ تلقي هذه الجثث فيخرجون من قبورهم لله عز وجل كما بدأهم أول الخلق، أي: كما خرجوا من بطون أمهاتهم؛ يخرجون من بطون الأرض، وأنت خرجت من بطن أمك حافياً عارياً أغرل إلا بعض الناس قد يخلق مختوناً، لكن عامة الناس يخرجون من بطون أمهاتهم غرلاً؛ كذلك تخرج من بطن الأرض يوم القيامة حافياً ليس عليك نعال، وعارياً ليس عليك كساء، وأغرل لست مختوناً، ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قالت عائشة : (يا رسول الله! الرجال والنساء؟ قال: الرجال والنساء بادياً عوراتهم، لكن الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) الأمر شديد، فكل إنسان لاهٍ عن غيره بنفسه، يقول تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37].

والإنسان إذا تصور الناس في ذلك الوقت مجرد تصور؛ فإنه يرتعد ويخاف، وإذا كان عاقلاً مؤمناً؛ عمل لهذا اليوم.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)

ثم قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] (الكادح) هو الساعي بجد ونوع مشقة، وقوله: (إلى ربك) يعني: إنك تكدح كدحاً يوصلك إلى ربك، انتبه! كدحاً يوصل إلى الله يعني: أن منتهى كدحك مهما كنت ينتهي إلى الله؛ لأننا سنموت، وإذا متنا رجعنا إلى الله عز وجل، فمهما عملت فإن المنتهى إلى الله عز وجل وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42]، ولهذا قال: كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً [الانشقاق:6] حتى العاصي كادح، غايته الله عز وجل، قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] لكن الفرق بين المطيع والعاصي: أن المطيع يعمل عملاً يرضي الله، يصل به إلى مرضاة الله يوم القيامة، والعاصي يعمل عملاً يغضب الله؛ لكن مع ذلك أين ينتهي؟ إلى الله عز وجل.

إذاً.. قوله تعالى: (يا أيها الإنسان) يعم كل إنسان، مؤمن أو كافر. إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] يقول النحويون: الفاء تدل على الترتيب والتعقيب، أي: فأنت ملاقيه عن قرب، إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134] وكل آتٍ قريب وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى:17].

وإذا شئت أن يتبين لك أن ملاقاة الرب عز وجل قريبة؛ فانظر ما مضى من عمرك الآن، فلو مضى عليك مائة سنة؛ كأنما هذه المائة السنة ساعة واحدة، كل الذي مضى منها كأنه ساعة واحدة، إذاً هو قريب.

وإذا مات الإنسان أتظنون أن البرزخ الذي بين الحياة الدنيا والآخرة طويل؟! هو قريب كاللحظة، فالإنسان إذا نام نوماً هادئاً، ولنقل أربعاً وعشرين ساعة وقام كم يقدر النوم؟ دقيقة واحد، مع أنه يمكن أن يكون نام أربعاً وعشرين ساعة، فإذا كانت مفارقة الروح في الحياة يمضي بها الوقت بهذه السرعة؛ فما بالك إذا كانت الروح بعد خروجها من البدن مشغولة إما بنعيم أو جحيم؟! ستمر ملايين السنين على الإنسان وكأنها لا شيء؛ لأن امتداد الزمان في حالة يقظتنا ليس كامتداد الزمن في حالة نومنا، فالإنسان القائم من طلوع الشمس إلى زوالها يحس بأن الوقت طويل، لكن لو كان نائماً ما أحس بذلك الطول.

ألم تر إلى الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259].

وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وتسعاً، فلما بعثوا قال بعضهم لبعض كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وهذا يدل على أنه لا عجب أن ملايين السنين تذهب على هؤلاء الأموات وكأنها دقيقة واحدة؛ لأن حال الإنسان بعد أن تفارق روحه بدنه سواء كانت مفارقة كلية أو جزئية غير حاله إذا كانت الروح في البدن؛ لأنه يعاني من المشقة والمشاكل والهواجس، والوساوس، أشياء تطيل عليه الزمن، ولكن في النوم يتقلص الزمن كثيراً، وفي الموت يتقلص أكثر وأكثر، فهؤلاء الذين ماتوا ولهم ملايين السنين، أو آلاف السنين؛ كأنهم لم يموتوا إلا اليوم، ولو بعثوا وقيل لهم كم لبثتم؟ لقالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم.

وهذه مسألة قد يرد على الإنسان فيها إشكال، ولكن لا إشكال في الموضوع، مهما طالت المدة لأهل القبور فإنها قصيرة، ولهذا قال: (فملاقيه) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، وما أسرع أن تلاقي الله عز وجل! ثم قسم الله عز وجل الناس إلى قسمين: منهم من يأخذ كتابه بيمينه، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم منهم، ومنهم من يأخذ كتابه وراء ظهره.

الأسئلة

وقوع الأجر لمن فعل فعلاً متعدياً بغير نية

السؤال: هل يثاب المسلم إذا عمل أعمالاً بغير نية، كإماطة الأذى عن الطريق، وكالمصافحة وحضور مجالس الذكر من غير نية يطلب الأجر من الله تعالى؟

الجواب: الأعمال الصالحة قسمان:

النوع الأول: أعمال لازمة لا يتعدى نفعها للغير، فهذه إن عملها الإنسان بنية أثيب ولو بنية القيام بالواجب؛ يعني: ولو لم ينو الاحتساب لكنه نوى القيام بالواجب فإنه يثاب.

والنوع الثاني: عبادات متعدية ينتفع بها الغير، فهذه يؤجر على انتفاع الغير بها، وإن لم يكن له نية عند فعلها، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من زرع زرعاً أو غرس شجرة فأصاب منها حيوان أو سرق منها؛ فإن له بذلك أجراً، مع أنه ربما يغرس ولا ينوي هذه النية، ولكن ما دام فيه انتفاع للناس فله أجر به، ويدل على هذا قوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] وهذا إذا فعله الإنسان ولو لمجرد الإصلاح بدون قصد الثواب ففيه خير، ثم قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] وهذا أمر زائد على الخير الذي ذكره الله في أول الآية.

فإماطة الأذى عن الطريق نفعها متعدٍ؛ فيثاب الإنسان عليه، وإن لم يكن له نية على هذه الإماطة.

منهج أهل السنة في التعامل مع ولاة الأمر

السؤال: كما تعلمون أن من نعم الله تعالى على هذه البلاد أنها على منهج الكتاب والسنة، ولكن هناك من يقحم بعض المناهج أو الدعوات، وربما بعض المذاهب الضالة كمذهب الخوارج فهل ترون بهذا مسوغاً، أم أنه يفرق الأمة ويشتت الصف؟

الجواب: لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبه يوم الجمعة وفي مناسبات أخرى أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا نظرنا إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه يريد أن تكون الأمة أمة واحدة، لا تتفرق، ولا تختلف، ولا يكون في قلوب بعضها شيء على الآخرين؛ حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يترك ما هو اختياره لدرء الفتنة، وحتى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصبر على ولاة الأمور على ظلمهم، وعلى جورهم، وعلى أثرتهم واستبدادهم، وأخبر أن هذا سيكون فقال للأنصار رضي الله عنهم: (إنكم ستلقون بعدي أثرة -أي: استئثاراً عليهم- فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره ما يكره فليصبر)، وقال صلى الله عليه وسلم: حينما سأله رجل عن بعض الأمراء يسألون حقهم ويمنعون حق الرعية فقال: (اسمعوا وأطيعوا؛ فإن عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حُملتم).

ولا شك أن مما يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم إيغار الصدور على ولاة الأمور، والحديث بما يوجب كراهتهم وبغضهم، وذلك لأن الأمة الإسلامية يقوم أمرها على صنفين من الناس: على العلماء، وعلى الأمراء، وهم أولو الأمر الذين قال الله عز وجل فيهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

قال المفسرون وغيرهم من أهل العلم: أولوا الأمر منا هم العلماء والأمراء، فالعلماء قادة الأمة بشريعة الله، والأمراء قادة الأمة بسلطان الله عز وجل، فلولا العلماء والأمراء ما استقامت الأمة؛ لأن العلماء يقودون الناس بالشريعة، والأمراء يقودون الناس بالسلطة والتنفيذ.

فإذا تكلم أحد في الأمراء، أو تكلم في العلماء بما يوجب عداوتهم والحط من قدرهم فإن الأمة تضيع؛ لأنه لا يكون لها علماء تثق بأقوالهم فتضيع الشريعة، وليس لديها أمراء تثق بتصرفاتهم فيضيع الأمن، ولهذا نرى أن من الخطأ الفاحش ما يقوم به بعض الناس من الكلام على العلماء أو على الأمراء فيملأ قلوب الناس عليهم بغضاً وحقداً، وإذا رأى شيئاً من هؤلاء؛ يرى أنه منكر، فالواجب عليه النصيحة، وليس الواجب عليه إفشاء هذا المنكر، أو هذه المخالفة، ونحن لا نشك أنه يوجد خطأ من العلماء، ويوجد خطأ من الأمراء؛ سواء كان متعمداً، أو غير متعمد، لكن ليس دواء المرض بإحداث مرض أعظم منه، ولا زوال الشر بشر أشر منه أبداً، ولم يضر الأمة الإسلامية إلا كلامها في علمائها وأمرائها، وإلا فما الذي أوجب قتل عثمان؟ هو الكلام فيه، تكلموا فيه وأنه يحابي أقاربه، وأنه يفعل كذا، ويفعل كذا، فحملت الناس في قلوبها عليه، ثم تولد من هذا الحمل كراهة، وبغضاء، وأهواء، وعداء؛ حتى وصل الأمر إلى أن قتلوه في بيته وتفرقت الأمة بعد ذلك.

وما الذي أوجب قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طلب إلا هذا؟ خرجوا عليه وقالوا: إنه خالف الشرع وكفروه، وكفروا المسلمين معه، وحصل ما حصل من الشر.

فالواجب علينا أيها الإخوة! ونحن في هذا البلد -ولله الحمد- كما قال السائل بلد آمنة ومطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وهي من خير ما نعلمه في بلاد المسلمين تطبيقاً للشريعة، وهذا أمر مُشاهد، ولا نقول: إنها تامة مائة في مائة، بل عندهم قصور كثير، ويوجد ظلم، ويوجد استئثار، لكن الظلم إذا نسبته إلى العدل وجدت أنه لا شيء، ومن الظلم أن ينظر الإنسان إلى الخطأ، ويغمض عينيه عن الصواب، فإذا كان كذلك فالواجب أن الإنسان يحكم بالعدل لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [النساء:135] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة:8] وشنئان يعني: بغض، ويجرم بمعنى يحمل -أي: لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:8].

فأقول: إننا -ولله الحمد- في بلاد آمنة ولله الحمد والمنة، وهي خير ما نعلمه في بلاد المسلمين في تطبيق الشريعة، فالواجب علينا أن نحرص على توحيد الكلمة ما استطعنا، وأن نجعل الخلاف الذي يكون بيننا من باب الاجتهاد المأجور صاحبه مع حسن النية؛ إما أجرين إن أصاب أو أجراً واحداً إن أخطأ، وأن نتناقش فيما بيننا -فيما يظن بعضنا أنه خطأ- حتى نصل إلى الصواب جميعاً، وإذا علم الله من نيتنا أننا نريد الحق يسره الله، ويسر لنا الاجتماع عليه، هذا ما أحببت أن أقوله حول هذا الموضوع، وأرى أنه يجب الكف عن نشر مساوئ الناس ولا سيما العلماء والأمراء، وأنه يجب إصلاح الخطأ بقدر الإمكان، ولكن بالطريقة التي يحصل بها المقصود ونسلم فيها من المحذور.

حدود استئذان الوالدين

السؤال: ما هي حدود استئذان الوالدين؟

الجواب: الوالدان الأم والأب برهما واجب، وعقوقهما من كبائر الذنوب، كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور.. ألا وشهادة الزور).

لكن ليس كل شيء يُستأذن فيه الوالدان، فلو أراد الإنسان أن يصلي صلاة فريضة فلا يستأذن والديه، بل لو قالا: لا تصل مع الجماعة مثلاً، وجب عليه معصيتهما لقوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15] ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، ولا يجب استئذانهما أيضاً في صلاة النافلة إلا إذا كان لهما شغل وهما محتاجان إليه، فحينئذٍ يستأذنهما؛ لأنهما إذا احتاجا إليك كان القيام بحاجاتهما من البر، والبر واجب وصلاة النافلة تطوع، وحينئذ تستأذن منهما، وأما إذا كانا لا يحتاجان إليك، ولا ضرر عليهما فيما تفعل من الطاعة، فلا حاجة للاستئذان منهما.

حكم الأماكن التي توجد داخل سور المسجد

السؤال: يوجد في بعض المساجد مكاتب وهي إما أن تكون في الطابق العلوي أو ملاصقة للمصلى، فهل تأخذ حكم المسجد؟

الجواب: يقول العلماء رحمهم الله: ما كان في داخل سور المسجد وبابه من الداخل فهو من المسجد، فتأخذ حكم المسجد يعني: أنه لا يلبث فيها الجنب إلا بوضوء، ولا يصح فيها البيع والشراء، وإذا دخلت فصلِّ ركعتين، أي تأخذ جميع أحكام المسجد المعروفة.

ضابط لباس الشهرة

السؤال: يوجد في مدينتنا بعض الشباب الطيب الذين يلبسون العمامة وخاصة في المناسبات كالجمع والأعياد، وقمنا بالحديث معهم بأن لبسها ليس بسنة، وإنما هذا راجع إلى عرف البلد، وأنها قد يكون لباس شهرة وتميز في الوقت الحالي، وكان جوابهم أن هذا لبس الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فعله ولنا فيه قدوة، والناس لما بعدوا عن الدين استنكروا هذا اللباس، فما رأيكم وتوجيهكم في هذا الأمر حفظكم الله ورعاكم؟

الجواب: رأينا أن هذا القول يحتاج إلى تعمق في الفقه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس العمامة، ولبس الإزار، ولبس الرداء؛ لأن الناس كانوا يلبسونه، ومعنى ذلك: أن لبس ما اعتاده الناس ولم يكن محرماً بعينه فهو سنة.

أما ما كان محرماً بنوعه كالحرير للرجال، أو بصفته كلبس الرجال ما ينزل عن الكعب؛ فهذا لا يجوز ولو اعتاده الناس، لكن ما كان مباحاً وكان من عادة الناس؛ فإن السنة أن تلبس كما يلبسون؛ لأنك لو خرجت عن ذلك لصار شُهرة، ولا يمكن لأي إنسان أن يأتي بدليل على أن الرسول أمر بالعمامة، ولو أمر بها لعلمنا أنها عبادة؛ لأن كل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عبادة إلا في أشياء دل الدليل على أنها للإباحة، ولكن لا يوجد أي حديث يأمر بلبسها، إنما هي من فعل الرسول؛ لأن الناس كانوا يعتادون هذا، وقل لهؤلاء الإخوة: إذاً البسوا إزاراً ورداءً؛ لأن الرسول صلى عليه وسلم كان يلبس إزاراً ورداءً ويلبس القميص أحياناً.

فنقول للإخوة: إن فعلكم هذا شهرة ولا سيما إذا كان في المناسبات، وكأن الفاعل يقول للناس: انظروا إليَّ فإني أنا صاحب السنة، ومن ليس عليه هذا اللباس؛ فليس على السنة، هذا لسان حاله؛ وإن لم يذكره بلسان مقاله.

فنصيحتي لهم أن يلبسوا كما يلبس الناس، وهاهم علماؤنا السابقون واللاحقون ما رأينا أحداً منهم يفعل ذلك، وهم على جانب من الصلاح، والتقى، والعلم، والحرص على التمسك بالسنة، وهم أفقه من هؤلاء بلا شك.

وأقول: بلغهم أننا نشكرهم على حصرهم على اتباع السنة، ولكن أحب أن يتعمقوا في السنة أولاً، ويعرفوا ما يريده الشرع من اتحاد الناس واتفاقهم، وعدم اختلافهم حتى في الزي، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهرة في اللباس فقال: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله ثم ألهب فيه النار).

ضابط إطلاق كلمة (شهيد) في الشرع

السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة...) إلى نهاية الحديث، فما هو الضابط في إطلاق كلمة شهيد؟ أهي على من مات في المعركة، أو على صالح حُبس أو سُجن فمات هل يطلق عليه لفظ شهيد؟

الجواب: كلمة شهيد لا شك أنها لفظ محبوب للنفوس وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، ولكن لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم لوجوه: الوجه الأول: لو رأينا رجلاً يقاتل الكفار فقتل فإننا لا نقول: هذا شهيد، لكن نقول: نرجو أن يكون شهيداً، أو نقول على سبيل العموم: كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، وذلك أن الشهادة تنبني على أمر غير معلوم لنا، تنبني على نية القلب، ونية القلب غير معلومة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله...) وهذا احتراز من أحسن الاحترازات، كأنه يقول: ولا تحكموا على كل من قُتل أو جرح في سبيل الله أنه في سبيل الله؛ لأن الله أعلم بمن يكلم في سبيله، وحينئذ لا نأخذ بالظاهر، أي: لا نشهد بأن هذا شهيد؛ لأنه قد يكون في قلبه شيء لا نعلمه، فالإنسان قد يقاتل شجاعة، وقد يقاتل حمية، وقد يقاتل لعصبية وهي الحمية، وقد يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهذا في سبيل الله، لكن هذا مبني على النية.

الوجه الثاني: أننا لا نقول: فلان شهيد؛ لأننا لو قلنا: فلان شهيد؛ لزم أن نشهد له بأنه من أهل الجنة؛ لأن كل شهيد فهو من أهل الجنة لا شك، ولا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن إذا لم نقل: إنه شهيد، وكان عند الله شهيداً؛ لم تضره عدم شهادتنا له، وإذا قلنا: إنه شهيد، وهو ليس عند الله بشهيد، هل تنفعه شهادتنا له؟ فإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا نطلق ألسنتنا في أمر لا نعلمه؟ ولكن نقول: من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ونرجو أن يكون هذا الرجل ممن قتل في سبيل الله فينال الشهادة.

ارتكاب المعاصي من أسباب عذاب القبر

السؤال: مر الرسول صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير..) الحديث، فشهد أنهما يعذبان وهما من الصحابة، وبالقطع الصحابة أفضل ممن بعدهم، فهل يدل هذا على أن كل من مات منَّا أنه سيعذب؟

الجواب: لا. هذان الرجلان يعذبان في أمر عصيا الله فيه، قال: (أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)، فمن فعل هذا فإنه يعذب في قبره.

ولسنا أفضل من الصحابة قطعاً، ولكن إذا تجنبنا هذا العمل الذي هو من أسباب التعذيب في القبر؛ فإننا لن نعذب إلا أن يكون هناك سبب آخر.

حكم طلاق الحامل عند الغضب

السؤال: رجل نهى زوجته أن تضرب الأولاد ولكنها فعلت، فقال لها غاضباً: أنت طالق طالق طالق، وهي حامل، وبعضهم أفتاه بأنها طلقة واحدة، وبعضهم قال: ثلاث، وآخر قال: إن الطلاق لا يقع على الحامل، فما قولك؟

الجواب: قولنا: إننا في عصر كثر فيه المتكلمون بغير علم، ولهذا يجب على الإنسان ألا يعتمد على أي فُتيا إلا من شخص معروف موثوقٍ، فهذا الذي قال: إن الحامل لا تطلق جاهل جهلاً مركباً، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط؛ لأن الجاهل جهلاً بسيطاً يعلم فيتعلم، لكن الجاهل جهلاً مركباً يرى أنه عالم فيتكلم بما لا يعلم، فالذي قال: إن الحامل لا تطلق، قد خالف القرآن لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ثم قال في نفس السورة: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] إذاً فالحامل تطلق بهذا النص والإجماع، ولم يخالف أحد بذلك، حتى لو جامعها زوجها في الليل وطلقها في النهار فلا بأس.

فنقول للأخ السائل: زوجته طلقت إلا إذا كان غضب غضباً شديداً لم يملك نفسه معه؛ فلا طلاق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق)، لأن الغضب الشديد يحمل الإنسان على أن يقول شيئاً لا يريده، فإن كان في غضب يسير يملك نفسه ثم قال: أنت طالق، طالق، طالق، فالطلاق واحدة حتى على مذهب الحنابلة المشهور عندهم؛ لأن هذا لم يكرر الجملة، إنما كرر جزء الجملة، فالجملة قوله: أنت طالق، لكن هو قال: طالق طالق، فكرر الخبر فقط، قال الفقهاء من الحنابلة: فتطلق واحدة ولا يلزمه أكثر من واحدة إلا بنية، إذا نوى بقوله: طالق طالق طالق، كل واحدة بطلقة؛ فإنها تكون ثلاثاً، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله، ولكن الصحيح أنها لا تطلق إلا واحدة على كل حال، حتى لو قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق فهي واحدة، أو قال: أنت طالق ثلاثاً فهي واحدة، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: [كان الطلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فلما كثر ذلك في الناس قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم] فأمضاه عليهم، فالقول الراجح في هذه المسألة أنها لا تطلق بهذا إلا واحدة فقط، وإذا لم يسبق منه طلقتان فله أن يراجعها فيُشهد اثنين على أنه راجع زوجته وهي في عصمته.

ما يفعله من فاته قيام الليل

السؤال: متى أصلي صلاة القيام إذ لم أقم إلا بعد أذان الفجر؟

الجواب: إذا فات الإنسان قيام الليل لمرض أو نوم غلبه فإنه يصلي في النهار، ولكن إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يجعلها أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس يجعلها ستاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع من الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة.

حكم استعمال الإشارة في أحاديث الصفات لتقريب معنى الصفة ونحوه

السؤال: معلم يعلم الناس، ففي مبحث الصفات في العقيدة تراه يشير لتقريب الفهم، فمثلاً إذا أورد حديثاً في تجلي الرب لموسى أظهر خنصره، فيشير بالخنصر أو نحوه من أحاديث الصفات، فهل هذا العمل يسوغ؟ وإذا كان سائغاً فعلامَ يحمل نهي بعض السلف عن ذلك، كقول الشافعي وغيره، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: هذه مسألة خطيرة، ولسنا أحرص من النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الأمة، ولم يكن من عادته أنه صلى الله عليه وسلم يشير إذا تكلم عن الصفات، فإنه حدث أمته أن الرب عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: (من يدعوني فأستجيب له).

وهل الرسول صلى الله عليه وسلم قدم رجله ليرى الناس كيف ينزل الله؟ أبداً. وقال: (إنه يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة) ولم يقل هكذا وهكذا، وكذلك استوى الله على العرش ولم يقل كاستوائي على السرير، أو يحاول أن يكيف ذلك.

ولا شك أن الذي يُحدِّث العامة ثم يشير بيده إلى معنى الصفة لا شك أنه سوف يجعل في قلوب العامة التمثيل -أي: سينتقلون من المعنى إلى التمثيل- لأن العامي لا يفهم ولا يفكر، فنقول لمن أراد أن يبين أو أن يبلغ عن الله ورسوله ما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات، نقول: يكفيك هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم إنه قد يورد علينا: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ))[النساء:58] ووضع إصبعه على عينه والثانية على أذنه)، فنقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بيان تحقيق هذه الصفة، ثم إنه يحدث قوماً عندهم فهم وعندهم وعي، أما العامة ولا سيما في وقتنا هذا فإنهم لو حدثوا بوصف كل الصفات بالفعل لكان لبعضهم فتنة، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم؛ إلا كان لبعضهم فتنة] .. وقال علي رضي الله عنه: [حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟].

فإذا أورد علينا شخص مثل هذا الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في السمع والبصر، أو في قبض السماوات يوم القيامة، فإنا نقول له: لكل مقام مقال، ثم إننا نقتصر على ما جاء به النص فقط، فلا يشير في شيء آخر؛ لأنه لم يرد فيه النص.

واجب الولد إذا تعارض أمر الوالد والوالدة له

السؤال: ما الحكم إذا تعارض أمر الوالد مع الوالدة؟

الجواب: إذا تعارض أمر الوالد والوالدة فيجب أن تداريهما وأن تقضي شغل الوالد وشغل الوالدة، فإذا تعذر ذلك يُنظر أيهما أكثر ضرراً إذا خالفته، فإن كان الأكثر ضرراً الوالد فاقض حاجة الوالد، وإن كانت الوالدة أكثر ضرراً فاقض حاجة الوالدة، وإن تساويا فقدم الوالدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أحق الناس بحسن صحبتي قال: (أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).

حكم تقسيم الناس إلى درجات من جهة التلقي

السؤال: بعض أهل العلم يقسم الناس من حيث التلقي إلى ثلاث مراتب: مرتبة الاجتهاد وهم العلماء، ومرتبة الاتباع وهم طلبة العلم، ومرتبة التقليد وهم العوام، فما رأي فضيلتكم في هذه القسمة؟

الجواب: نعم. الناس يختلفون، فمنهم من يصل إلى درجة الاجتهاد ومنهم دون ذلك، ومنهم من يكون مجتهداً في مسألة من المسائل، يحققها ويبحث فيها ويعرف الحق فيها دون غيره، ومن الناس من لا يعرف شيئاً.

فالعامة مذهبهم مذهب علمائهم، ولهذا لو قال لنا قائل: إنني أشرب الدخان؛ لأن في البلاد الإسلامية الأخرى من يقول: إنه جائز، وأنا لي حرية التقليد، قلنا: لا يسوغ لك هذا؛ لأن فرضك أنت هو التقليد، وأحق من تقلد علماؤك، ولو قلدت من كان خارج بلادك أدى ذلك إلى الفوضى في أمر ليس عليه دليل شرعي، ولو قال: إنه سيحلق لحيته؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، نقول له: لا يمكن، أنت فرضك التقليد، لا تخالف علماءك، ولو قال: أنا أريد أن أطوف على قبور الصالحين؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، أو قال: أريد أن أتوسل بهم إلى الله، وما أشبه ذلك، قلنا: لا يمكن هذا.

فالعامي يجب عليه أن يقلد علماء بلده الذين يثق بهم، وقد ذكر هذا شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: العامة لا يمكن أن يقلدوا علماء من خارج بلدهم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والنزاع، ولو قال: أنا لا أتوضأ من لحم الإبل؛ لأنه يوجد من علماء الأمصار من يقول: لا يجب الوضوء منه، ولقلنا: لا يمكن، يجب عليك أن تتوضأ لأن هذا مذهب علماءك وأنت مقلد لهم.

لكن العامي إذا استفتاك فأفته بما تراه أنه الراجح، وإذا كان الراجح يخالف ما عليه الناس؛ فأفته به سراً ما دامت المسألة اجتهادية وليس فيها نص، وقل له: هذه فتوى بيني وبينك.

أما إذا كان الذي عليه الناس مخالف للنص؛ فأفته علناً ولا تُبالِ، لكن لا تذكر له الخلاف، فإن العوام يقولون: إذا أردت أن تحيِّر فخيِّر، ولهذا دائماً نقول للطلبة: لا تبينوا الخلاف للعامة فتذبذبوهم، ونقول: أيضاً لمن يعرف القراءات السبع: لا تقرأ بها أمام العامة؛ لأنك لو قرأت بقراءة أخرى غير التي في المصحف عندهم شوش عليهم ذلك.

أقسام النفاق وضوابطه

السؤال: كثيرون هم من يتهمون غيرهم بالنفاق في هذا الزمان، ويستدل بالآية: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] وغيرها، فما هو ضابط النفاق؟

الجواب: النفاق -بارك الله فيك- نوعان: نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، فالنفاق الاعتقادي محله القلب ولا يعلم به إلا الله، ولهذا بعض الصحابة الذين حصل منهم المخالفة، فقال عمر: [إنه نافق] فعارضه الرسول صلى الله عليه وسلم.

فالنفاق الاعتقادي محله القلب، ولا يجوز أن يرمي الإنسان به أحداً من المسلمين، وأهل الولاء لله ورسوله إلا ببينة واضحة.

والنفاق العملي: أن يأتي الإنسان خصلة من خصال المنافقين، فلا بأس أن تقول: هذا منافق لهذا الفعل، فإذا رأينا الرجل يحدث ويكذب؛ قلنا: هذا منافق نفاقاً عملياً في هذه المسألة، وإذا رأيناه قام إلى الصلاة وهو كسلان؛ نقول: هذا فيه خصلة من خصال المنافقين؛ لأنه أشبه بالمنافقين في قيامه إلى الصلاة على وجه الكسل، فالنفاق العملي واسع؛ فكل من وافق المنافقين في خصلة من خصالهم فإنه منافق في هذا العمل خاصة، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، هذه علامة المنافق، لكن هذه العلامات قد يقوم بها أناس من المسلمين؛ فنقول: هو منافق في هذه المسألة.

أجود التفاسير النافعة المختصرة

السؤال: تعلمون حفظكم الله أن الإجازة الصيفية قادمة، فحبذا لو دللتمونا على بعض كتب التفسير تنصحونا بقراءتها، وتكون خالية من الإسرائيليات والموضوعات، وما تعليقكم على تفسير الجلالين من حيث الإسرائيليات جزاكم الله خيراً؟

الجواب: أنا أرى أن من خير التفاسير تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله على ما فيه من بعض الآيات التي يختصر فيها إختصاراً مخلاً، أو ربما يطويها ولا يتكلم عليها لكن هذا قليل، إنما فيه فوائد ما تكاد تجدها في غيره، فهو صالح لطالب العلم، والنقص الذي فيه يمكن للإنسان أن يتلافاه بمراجعة تفسير ابن كثير أو غيره كـفتح القدير للشوكاني ، وإن كان فيه ما فيه لكنه طيب.

والذي يصلح للعوام تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ؛ لأنه ليس فيه إسرائيليات، ولا أسانيد ولا شيء يشوش عليهم، وتفسير الجلالين لطالب العلم جيد؛ لأنه في الحقيقة زبدة، وكما تعلم أنه يتمشى في مسألة الصفات على مذهب الأشاعرة فلا يوثق به فيرد قوله في ذلك، لكن في غير ذلك جيد جداً من حيث سبكه للقرآن، وتنبيهه في كلمات وجيزة على أمور تخفى على بعض طلبة العلم، فإذا اجتمع الفتوحات الإلهية وهو ما يعرف بـحاشية الجمل مع الجلالين كان طيباً.

حكم حمل ما فيه صورة

السؤال: ما حكم حمل الأشياء التي فيها الصور؟

الجواب: إذا كان يحملها للضرورة، أو للحاجة فلا بأس، مثل النقود. فالنقود الآن فيها صور الملوك، لكن هل نحن اخترنا ذلك؟ الجواب: لا. لكننا مضطرون إلى هذا، ماذا نصنع في نقودنا؛ لابد أن ينقلها الإنسان، وكان الناس من قبل يحملون نقوداً فيها صور غير المسلمين، وهي صور مجسمة أيضاً، كانوا يحملون الريال الفرنسي، والريال الفرنسي فيه صورة ملك السويد أو غيرها، وهي صورة مجسمة تلمسها بيدك، ومن ورائها صورة الطير، ويحملون الجنيه الإفرنجي وعليه صورة جورج ملك الإنجليز، وعليها من الجانب الآخر فرس عليه راكب، ويلمس، لكن ماذا يصنع الناس، والحاجة مثل أن يحمل الإنسان بطاقته الشخصية من أجل أن يثبت شخصيته إذا دعت إليه الحاجة، فهذا لا بأس به إن شاء الله.

أما حمل صورة مقصود حملها للذكرى كصورة الصديق وما أشبهها فهذا لا يجوز، وقولي مقصود حملها احترازاً مما يوجد في بعض الصحف من الصور التي هي غير مقصودة -يعني الذي يقرأ الصحيفة ما قصد الصورة ولا يريدها- فهذا لا بأس من حملها؛ لأنها غير مقصودة، لكن لو قال قائل: أريد أن أشق الصورة فقط ويجعلها -أي الصورة- في جيبه فلا يجوز؛ لأنها حينئذٍ مقصودة.

حكم الدعاء بعد الصلاة

السؤال: ما حكم الدعاء بعد الصلاة؟

الجواب: الدعاء بعد الصلاة إذا كان المقصود به رقع الخلل الذي فيها فإنه مشروع، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم استغفر ثلاثاً، قال: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله) أي أسأل الله المغفرة، أما إذا كان دعاء لغير ذلك فالأفضل أن يدعو به قبل أن يسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود : (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء).

وليس من اللائق أن الإنسان إذا انصرف عن ربه بالسلام من الصلاة ذهب يدعو، بل الأليق أنك ما دمت بين يدي الله تناجيه وتدعوه عز وجل، ولهذا لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم من الصلاة دعا، إلا فيما يعتبر ترقيعاً لخللها كالاستغفار.

وما حفظ عنه بعد الفريضة ولا بعد النافلة فيما أعلم إلا مرة واحدة؛ وذلك حين وضع كفار قريش عليه سلى الناقة وهو ساجد تحت الكعبة قبل الهجرة، والقصة مشهورة معروفة، فإنه لما سلم رفع يديه يدعو وكأن هذا والله أعلم من أجل إغاظة هؤلاء الكفار وإدخال الرعب في قلوبهم؛ لأنه لو دعا وهو يصلي ما علموا بذلك، فلما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو، فهذا له سبب، والله تعالى أعلم.

وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [32] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net