إسلام ويب

هذا اللقاء هو عبارة عن تفسير آيات من سورة الأعلى تحدث الشيخ عن سبب إعراض الأشقى للذكرى وعدم الانتفاع بها، وبين ما سيلقاه يوم القيامة من عذاب بسبب إعراضه عن الذكرى.

تفسير آيات من سورة الأعلى

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الرابع والخمسون من اللقاء المسمى بلقاء الباب المفتوح، ونتكلم على ما تبقى من سورة الأعلى.

تفسير قوله تعالى: (ويتجنبها الأشقى)

قال تعالى: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى [الأعلى:11] أي: يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضد: السعادة، كما في سورة هود: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ [هود:107-108] فالأشقى -والعياذ بالله- المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو: البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى.

تفسير قوله تعالى: (الذي يصلى النار الكبرى)

قال تعالى: الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [الأعلى:12-13] الذي يصلى النار الموصوفة بأنها الكبرى وهي: نار جهنم؛ لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم) أي: إن نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسع وستين ضعفاً.

والمراد: نار الدنيا كلها ليست ناراً مخصوصة بل هي أشد ما يكون من نار الدنيا، فإن نار الآخرة فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، ولهذا وصفها الله بقوله: النَّارَ الْكُبْرَى [الأعلى:12] ثم إذا صلاها لا يموت فيها ولا يحيا، المعنى: لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع، لكنهم أحياء معذبون كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا [النساء:56] كما قال الله عز وجل: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ [الزخرف:77] وهو خازن النار لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] أي: يهلكنا ويريحنا من هذا العذاب قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] فيها العذاب المقيم، ويقال لهم: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:78].

هذا معنى قوله: لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [الأعلى:13] لأنه قد يشكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حي ولا ميت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتة يستريح بها، ولا يحيا حياة يسعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذاب وجحيم وشدة، يتمنى الموت ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [الأعلى:13].

الأسئلة

امرأة حصلت على الطلاق بأمر المحكمة وزوجها غير راضٍ

السؤال: رجل تزوج امرأة ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك. فرفعت أمرها للقضاء -قضاء المحاكم الدستورية في الكويت - وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟

الجواب: هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع، والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوض، سواء كان العوض منها أو من أبيها أو من رجل أجنبي.

ونحن نقول:

أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، أما إذا كان هناك سبب شرعي بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين، فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها ثم يفسخ نكاحها.

ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة. فقالت: نعم. يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ أنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها.

أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعياً.

حكم من لا يرى البيعة لولي الأمر

السؤال: ما حكم من لا يرى البيعة لولي الأمر إن كان يترتب على ذلك خروج؟

الجواب: الذي لا يرى البيعة لولي الأمر يموت ميتة جاهلية؛ لأنه ليس له إمام، ومن المعلوم أن البيعة تثبت للإمام إذا بايعه أهل الحل والعقد، ولا يمكن أن نقول: إن البيعة حق لكل فرد من أفراد الأمة، والدليل على هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه ولم يكن ذلك من كل فرد من أفراد الأمة، بل من أهل الحل والعقد، فإذا بايع أهل الحل والعقد لرجل وجعلوه إماماً عليهم صار إماماً، وصار من خرج عن هذه البيعة يجب عليه أن يعود إلى البيعة حتى لا يموت ميتة جاهلية، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر لينظر فيه ما يرى؛ لأن مثل هذا المبدأ مبدأ خطير فاسد يؤدي إلى الفتن والشرور.

فنقول لهذا الرجل ناصحين له: اتق الله في نفسك، واتق الله في أمتك، ويجب عليك أن تبايع لولي الأمر أو تعتقد أنه إمام ثابت، سواء بايعت أنت أم لم تبايع، إذ أن الأمر في البيعة ليس لكل فرد من أفراد الناس ولكنه لأهل الحل والعقد.

السائل: وإذا كان عذره تعدد الولايات الإسلامية، والبيعة تكون للإمام الواحد؟

الجواب: هذا عذر باطل مخالف لإجماع المسلمين، فتعدد الخلافات الإسلامية ثابت من عهد الصحابة رضي الله عنهم، وهي متعددة إلى يومنا هذا، والأئمة من أهل السنة كلهم متفقون على أن البيعة تكون للإمام أو للأمير الذي هم في حوزته، ولا أحد ينكر ذلك، وهذا الذي قاله تلبيس من الشيطان، وإلا فإنه من المعلوم أن طريق المسلمين كلهم إلى يومنا هذا أن يبايعوا لمن كانت له الولاية على منطقتهم، ويرون أنه واجب الطاعة.

فنسأل هذا الرجل: إذا كنت لا ترى أن البيعة إلا لإمام واحد على عموم المسلمين، فمعنى ذلك: أن الناس الآن أصبحوا كلهم بلا إمام، وهذا شيء مستحيل متعذر! لو أننا أخذنا بهذا الرأي لأصبحت الأمور فوضى، كل إنسان يقول: ليس لأحد عليَّ طاعة، ولا يخفى ما في هذا القول من المنكر العظيم.

حكم الصلاة في المساجد التي فيها الصور

السؤال: هناك بعض الرخام المظلل بالأسود والأبيض تزين به جدران المساجد من الداخل، وهو مع الأسف يجلب من دول الشرك والكفر، ولهذا فهو يحتوي على كثير من الصور الظاهرة والمخفية التي تستبين بتدقيق النظر، وهي صور لأشخاص وحيوانات، فما حكم الصلاة في هذه المساجد؟ وحكم وضع هذا الرخام بالمسجد؟

الجواب: حكم وضع هذا الرخام الذي تظهر فيه الصور محرم، يعني: أنه محرم أن نضع في مساجد المسلمين رخاماً فيه الصور، ويجب على أهل الحي الذين سترت جدران مساجدهم بهذا أن يطالبوا بإزالتها، فإن لم يمكن فلا يصلوا في هذا المسجد، بل يطلبوا مسجداً آخر، ولهذا امتنع عمر رضي الله عنه من دخول الكنائس؛ لأن فيها صوراً.

من مات بسبب السرعة وحكم مخالفة إشارات المرور

السؤال: الذي يسير بالسيارة بسرعة تزيد عن مائة وعشرين كيلو متراً في الساعة، أو يقطع الإشارة فيحصل عليه حادث فيموت، أو يموت شخص آخر معه أو في سيارة أخرى، هل يكون هذا القتل عمداً أو شبه عمد؟ وهل يجوز قطع الإشارة إذا كان لا يوجد في جهات أخرى سيارات، أخذاً بالقاعدة الأصولية (الحكم مع علته)؟ أفيدونا وفقكم الله.

الجواب: أما مسألة السرعة، فالسرعة لا يمكن أن نحددها بحد معين؛ لأن ذلك يختلف، فهناك فرق بين خط عام سريع وخط خاص، وهناك فرق أيضاً بين شخص يمشي في البر وآخر يمشي في البلد، فالمهم أن السرعة تتقيد بحسب الحاجة إلى التهدئة، ولا يمكن ضبطها.

ثم إن السيارات نفسها تختلف، فبعض السيارات إذا زادت فيها على مائة وعشرين تكون مخاطراً، وبعض السيارات تكون سرعتها أوسع من هذا بكثير، فكل مقام له مقال.

أما بالنسبة لقطع الإشارة أرى أنه لا يجوز قطع الإشارة؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] وولاة الأمر إذا وضعوا علامات تقول للإنسان: قف، وعلامات تقول للإنسان: سر، فهذه الإشارات بمنزلة القول؛ يعني: كأن ولي الأمر يقول لك: قف، أو يقول: سر، وولي الأمر واجب الطاعة، ولا فرق بين أن تكون الخطوط الأخرى خالية أو فيها من يحتاج إلى أن يفتح له الخط.

وقد سألت المدير العام للمرور هنا بـالمملكة العربية السعودية وقال: إن هذه الإشارات ليست للتنظيم ولكنها للإيقاف والحجز، وإذا كان كذلك فهذا لا ينطبق عليه ما أشار إليه السائل في قوله: الحكم يدور مع علته وجوده أو عدمه؛ لأن هذا أمر بالإيقاف وليس المعنى: قف! إن كانت الخطوط الأخرى مشغولة، بل المعنى قف نهائياً، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يتجاوز.

ثم إنه قد يرى الإنسان الخط غير مشغول، فإذا بإنسان يأتي مسرعاً ليتدارك الإشارة التي ترخص له بالسير فيحصل الحادث كما يقع هذا كثيراً، لذلك نرى أن الواجب الوقوف، والمسألة والحمد لله لا تعدو ثلاث دقائق ثم ينفتح له الخط.

أما قولك في أنه قتل عمد أو شبه عمد فليس عمداً ولا شبه عمد.

مجاهدة اليهود في فلسطين

السؤال: بالنسبة لـمنظمة حماس الموجودة الآن في الأرض المحتلة وما تقوم به من عمليات استشهادية وغيرها ضد اليهود، هل هذا العمل شرعي؟ علماً بأنها قد تكون سبباً في انتقام اليهود بأشد مما قام به أعضاء هذه المنظمة، وكذلك قيامهم ضد دولتهم الجديدة هل هو شرعي؟

الجواب: نسمع أنهم يقومون بعمليات ضد اليهود، ونحن نرى أن اليهود أهل غدر وخيانة، ولا يمكن أن يفوا لأحد، وإن تظاهروا بما يتظاهرون به، فوراء هذا التظاهر ما وراءه من الشر، وإذا كانوا لم يفوا بالعهد لأشرف البشر محمد صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه؟!

نفهم أن اليهود أهل غدر وخيانة، وأما عملية حماس أو غيرها فنقول للسائل: إذا كنت مندوباً عنهم فأثبت لنا ذلك ونحن نفتيك إن شاء الله.

ضوابط إمارة الأمير في السفر وحكم مخالفته

السؤال: إذا تأمر شخص على مجموعة أثناء السفر فما هي ضوابط إمارته عليهم؟ كذلك إذا خالفه أحد أفراد المجموعة أثناء السفر هل يكون آثماً، أم لا؟

الجواب: من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسافرين أن يؤمروا عليهم واحداً لئلا تكون أمورهم فوضى، ولابد أن يكون مطاعاً فيما يتعلق بمصالح السفر، أما الأمور الأخرى فلا تلزم طاعته، فمثلاً: لو قال لإنسان من الذين معه: لا تصم وهو يحب أن يصوم يوم الإثنين مثلاً، فلا تلزمه طاعته في ذلك، لكن لو قال: ننزل في هذا المكان الآن لزمه طاعته.

وعلى الأمير أن يتقي الله عز وجل وأن يراعي الأمانة، وألا يتصرف إلا في مصلحة القوم، وكما أشرت إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالتأمير إلا ليطاع، حيث لا فائدة من أمير لا يطاع، ويطاع فيما يتعلق بمصلحة السفر خاصة، ومعلوم أننا إذا قلنا يجب طاعته فإنه يأثم من خالفه.

كيفية النهي عن المنكر إذا كان علناً

السؤال: إذا كان المنكر علانية فهل ينكر علانية؟ وإذا كان الشخص يجاهر بالفسق ويدعو إلى الفسوق والمعاصي فهل يحذر منه الناس حتى يحذروا من شره؟

الجواب: المنكر إذا أعلن فيجب إنكاره علناً، لكن هل يجب تعيين الشخص القائم به؟ هذا ينظر فيه إلى المصلحة، إن اقتضت المصلحة أن نعين الشخص من أجل أن يرتدع عما هو عليه من المنكر فليذكر بعينه، وإذا كانت المصلحة تقتضي أن يعمم القول وأن يقال: يوجد من الناس من يفعل كذا، أو ما بال أقوام يفعلون كذا، أو ما شابه ذلك فهو أحسن، فالمهم أن المنكر إذا أعلن يجب إنكاره علناً، لكن تعيين الفاعل ينظر فيه إلى المصلحة، أما التحذير من هذا الفاعل سراً خوفاً من أن يفتتن به الناس فهذا واجب.

الأشياء التي يبتدئ بها طالب العلم في تعلمه

السؤال: هناك بعض طلبة العلم يبدءون طلب العلم بكتب الحديث ليس بالمتون الفقهية، ويعللون ذلك: بأن المتون الفقهية خالية من أدلة الكتاب والسنة، فهل هذا صحيح؟

الجواب: الذي أرى أن يبدأ الطالب قبل كل شيء بفهم القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ولأن القرآن لا يحتاج إلى أي عناء في ثبوته؛ لأنه ثابت بالتواتر، لكن السنة فيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف وفيها الموضوع، فهي تحتاج إلى عناء، ثم هي أيضاً تحتاج إلى جمع أطرافها، فقد يبلغُ الإنسانَ حديثٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون له مخصص لعمومه، أو مقيد لإطلاقه، أو يكون هذا الحديث منسوخاً وهو لا يعلم، ولهذا تجد أن الذي يعتمد على فهمه من الأحاديث يخطئ كثيراً، ولا شك أن الأحاديث أو السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أصل من الأصول، فهي كالقرآن لوجوب العمل بها إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما دعواه بأن المتون خالية مما قال الله ورسوله فنعم، أكثر المتون الفقهية ليس فيها الدليل، ولكن توجد الأدلة في شروحها، فليست خالية من الأدلة باعتبار شروحها التي تحلل ألفاظها وتبين معانيها.

والذي أرى أن يكون الإنسان بادئاً أولاً بكتاب الله عز وجل، وثانياً: بكتب الفقه المبنية على الكتاب والسنة؛ لأن هذه تضبط تصرفه وتصحح فهمه.

لكن لو سألنا: هل الأفضل أن أحفظ متناً من متون الفقه، أو متناً مختصراً من الحديث؟

رأينا له أن يحفظ متناً مختصراً من الحديث كعمدة الأحكام، وبلوغ المرام، ولكن لا يدع الاستئناس بكلام أهل العلم وأهل الفقه.

التورع عن وصف الناس بألقاب السوء كالفسق أو العلمانية أو الحداثة

السؤال: ما رأيك في رجل تورع أن يرمي إنساناً بالكفر بينما لا يتورع أن يرميه بالعلماني أو الحداثي جزاكم الله خيراً؟

الجواب: معلوم أننا يجب أن نتورع عن وصف الإنسان بالكفر أو الفسق أو بـالعلمانية أو الحداثة أو غير ذلك من ألقاب السوء، حتى نتبين ثم نحكم عليه بما يستحق، والعلمانية والحداثة إذا كانت كفراً فلا فرق بين أن نرميه بأنه علماني حداثي أو نقول هو كافر، لكن كلمة الكفر صريحة واضحة، كل إنسان يعرف أنك إذا قلت: فلان كافر. أنه خارج من الإسلام، لكن إذا قلت علماني أو حداثي ربما يفهم أن فيه شيئاً من العلمانية أو الحداثة الذي لا يوصل به إلى الكفر.

وعلى كل حال: الواجب ألا نتنابز بالألقاب، وألا نصف أحداً بسوء إلا إذا كان متصفاً به حقيقة، وكان في ذلك مصلحة تربو على مفسدة ذكره؛ لأن التسرع في هذه الأمور يؤدي إلى المفاسد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله ولم يكن كذلك رجع على القائل).

حكم صلاة المأموم بجانب الإمام إذا لم يجد مكاناً في الصف

السؤال: ما حكم صلاة المأموم الذي لم يجد مكاناً في الصف ووقف عن يمين الإمام، وإذا حصل عارض للإمام هل يجوز له أن يؤم المصلين؟

الجواب: السنة أن الإمام يتقدم على المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر، ولا ينبغي أن يقف أحد بجانب الإمام إلا للضرورة القصوى، كما لو امتلأ المسجد ولم يجد مكاناً إلا إلى جنب الإمام فلا بأس، وإذا كانوا اثنين واحتاجا إلى أن يكونا جانب الإمام فليكن أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، ولا يكونا جميعاً عن يمينه كما كان هذا هو المشروع أولاً، أنه إذا كان هناك ثلاثة أن يكون الإمام بين الاثنين، ثم نسخ ذلك حتى كان المشروع أن يكون الاثنين خلفه.

وأما ما يظنه بعض العامة الآن من أن الرجلين إذا احتاجا أن يكونا مع الإمام كانا عن يمينه فقط، هذا ليس له أصل، نعم إذا كان واحداً فلا يقف إلا عن يمينه.

أما إذا حدث للإمام حدث وانصرف من الصلاة فله أن يقول لبعض المأمومين: يا فلان! تقدم أتم بهم الصلاة. فإن لم يفعل فللمأمومين أن يقدموا أحدهم، أو أن يكملوا الصلاة فرادى.

حكم بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل وصولها المحل

السؤال: ما حكم الشرع في رأيكم في بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل أن تصل إلى المحل؟

الجواب: هذان سؤالان في سؤال واحد:

السؤال الأول: ما حكم بيع التصريف؟ وصورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة، فما تصرف منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إليَّ، وهذه المعاملة حرام؛ وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولابد، إذ أن كلاً من البائع والمشتري لا يدري ماذا يتصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع الغرر) وهذا لا شك أنه من الغرر.

ولكن إذا كان لابد أن يتصرف الطرفان هذا التصرف فليقل من له السلعة: خذ هذه وبعها بالوكالة، وليجعل له أجراً على وكالته، فيحصل بذلك المقصود للطرفين، فيكون هذا الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك.

أما بيع السلع قبل أن تصل: فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فلا بد أولاً من حيازتها ثم بعد ذلك يبيعها، أما أن يبيعها وهي في بلد آخر ولا يدرى هل تصل سليمة أو غير سليمة فإن هذا لا يجوز.

فإن قال قائل: المشتري رضي بما تكون عليه السلع سواء نقصت أو لم تنقص.

قلنا: ولو رضي بذلك؛ لأنه قد يرضى بهذا عند العقد طمعاً في الربح، ثم إذا حصل ندم وتأسف ربما يحصل بينه وبين البائع نزاع، والشرع -ولله الحمد- قد سدَّ كل باب يؤدي إلى الندم وإلى النزاع والخصومة.

وكذلك أيضاً: لو تلفت قد يحصل نزاع بين الطرفين.

فالمهم أن هذا لا يجوز -بيع السلع- حتى تصل إلى مقرها عند البائع، ثم يتصرف فيها.

الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وحكم التفريق بينهما

السؤال: هل مسألة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة من أصول الدين التي يوالى ويعادى عليها؟ وهل الذي يفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة يكون مبتدعاً؟

الجواب: المعروف عند أهل السنة أن الفرقة الناجية هي المنصورة إلى قيام الساعة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: أما بعد.. فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ، فـالفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة وصفان لموصوف واحد ولا فرق بينهما.

وهذه المسألة ليست من المسائل الكبيرة التي يعادى من أجلها ويوالى من أجلها، إذا اختلف فيها فهم رجلين، فالواجب على كل إنسان يخالف غيره أن يبحث معه بحثاً هادئاً يقصد به الوصول إلى الحق، ثم إذا بقي كل منهم على ما يرى فأمره إلى الله، سوف يحاسبه الله عز وجل على نيته، ولكن نحن لا نلزم غيرنا بما نرى؛ لأننا إذا ألزمنا غيرنا بما نرى فقد وضعنا أنفسنا في غير موضعها؛ وضعناها في مرتبة العصمة لنا والخطأ لغيرنا، وهذا مذهب خطير؛ لأنه لا أحد يقبل قوله في كل حال إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يليق بالإنسان العاقل أن يحاول إلزام غيره برأيه ثم لا يقبل أن يلزمه غيره برأيه؟!

أما مسألة التفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فأرى أن الخلاف في هذه المسألة لا يصل إلى البدعة، بل يجب أن يناقش فيها المخالف مناقشة هادئة، وسوف يتضح الحق إذا استعمل الطرفان أدب الخلاف وكان الحق مطلوباً للطرفين كليهما.

حكم من توضأ وصلى الفجر وعليه حدث أكبر خشية فوات الجماعة

السؤال: في اللقاء الشهري الماضي سئلت عن إنسان صلى الفجر وهو عليه حدث أكبر، فخشي أن تفوته صلاة الجماعة فتوضأ ثم صلى، فلما سئلت في ذلك قلت: الأولى والأحرى أن يعيد الصلاة، فهل معنى قولك (الأولى والأحرى) أنه لا يلزمه إعادة الصلاة على سبيل الوجوب؟

الجواب: الصحيح أنه إذا فعل ذلك عن جهل فإنه يعذر بذلك، كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته ولم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات، وكما عذر المرأة التي استحيضت وكانت تترك الصلاة، وكما عذر عمار بن ياسر حينما تمرغ في الصعيد يظن أن هذا هو الواجب عليه في التيمم، والشواهد على هذا كثيرة.

حكم انتساب الرجل إلى غير أبيه من أجل الحصول على الجنسية أو غيرها ..

السؤال: هناك قضية تحدث الآن كثيراً وخصوصاً بين دول الخليج خاصة، وهي أنه يكون أحد أفراد هذه البلاد ثم يذهب فيتحصل على جنسية أخرى من إحدى دول الخليج ولكن ليست باسمه ولا باسم أبيه، وإنما بإضافته إلى عمه كأحد أولاده أو إلى خاله أو إلى أحد أقاربه، فيحصل بذلك على تلك الجنسية وكل ما يترتب عليها من رواتب وغير ذلك من مصالح، مع أنه هنا لديه جنسية ولديه أوراقه، وليس عنده أي مشكلة إلا أنه يفعل ذلك للحصول على بعض المصالح المادية، ولا يخفى على فضيلتكم خطورة الادعاء لغير الوالد وما ورد في ذلك من النهي الخطير، فما حكم هذا العمل؟

الجواب: هذا العمل محرم، ولا يحل للإنسان أن ينتسب إلى غير أبيه؛ لأنه يترتب عليه الكذب، ويترتب عليه الميراث، ويترتب عليه المحرمية، ويترتب عليه كل ما يترتب على النسب، ولهذا جاءت النصوص بالوعيد على من انتسب لغير أبيه، وهذا العمل أيضاً من كبائر الذنوب بل يجمع بين كبيرتين: وهما الكذب لأكل المال بالباطل، والانتساب إلى غير أبيه.

والواجب على الإنسان أن يعود إلى الحق في هذه المسألة، وأن يمزق التابعية التي ليست حقيقية، هذا الواجب عليه، وإني لأعجب أن يقدم الإنسان على هذا العمل المحرم من أجل طمع الدنيا، وقد قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً [الإسراء:18] فأرجو منك أن تبلغ هذا الأخ أنه يجب عليه أن يمزق هذه التابعية التي ليست حقيقية، وعفا الله عما سلف، وما أخذه بهذه التابعية من الدراهم فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275] يقول هذا في آكل الربا، وما دونه من باب أولى، لكن يجب عليه أن يتلف التابعية التي ليست حقاً.

السائل: يا شيخ! وإذا لم يترتب عليها آثار في المحرمية والميراث؟

الشيخ: شرعاً يترتب عليها، فمثلاً: إذا انتسبت إلى عمي على أنه أبي صار أولاده إخوة لي، هذا لازم ولابد من ذلك.

السائل: لكن يقول: الناس الآن قد يعلمون الحقيقة؟

الشيخ: لو علموا الحقيقة الآن لا يعلمونها في المستقبل، ثم هو كذب ومن كبائر الذنوب، كيف يستمر الإنسان على شيء من الكذب وكبائر الذنوب.

حكم صلاة الإمام إذا صلى بالناس على غير وضوء وحكم صلاة المأمومين

السؤال: إذا كان إنسان صلى بمسجده إماماً وهو ليس على طهارة، فما حكم صلاة المأمومين؟ وهل تلزمهم الإعادة؟ وهل هو آثم بسبب صلاتهم؟

الجواب: إذا صلى الإنسان إماماً وهو على غير طهارة فإن كان متعمداً فهو آثم، ويجب عليه أن يعيد صلاته، وأن يتوب إلى الله ويستغفره، وإذا كان جاهلاً مثل أن يكون أكل لحماً ولا يدري أنه لحم إبل ثم تبين له بعد الصلاة أنه لحم إبل فليس عليه إثم، لكن عليه إعادة الصلاة؛ لأنه صلى بغير وضوء.

وكذلك إن كان ناسياً كما لو كان قد أحدث ونسي أن يتوضأ ثم صلى ثم ذكر؛ فإنه لا إثم عليه، لكن يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة.

أما بالنسبة للمأمومين فليس عليهم إعادة صلاة أبداً، ولا إثم عليهم؛ لأنه ليس لهم إلا الظاهر، وهذا الرجل صلى بهم إماماً على أنه متطهر، وأنه ليس فيه مانع من صلاته، فهم معذورون؛ لأنهم قاموا بما يجب عليهم وليس عليهم شيء، حتى لو فرض أنه ذكر في أثناء الصلاة أنه محدث فإنه ينصرف ويقول لبعض المأمومين: أكمل بهم الصلاة. ويكملون الصلاة التي ابتدءوها مع إمام محدث، ولا شيء عليهم.

حكم غيبة الفاسق

السؤال: ما حكم غيبة الفاسق؟

الجواب: غيبة الفاسق محرمة؛ لأن الفاسق من المؤمنين، ولا يحل للإنسان أن ينتهك عرض أخيه المسلم، والدليل على أن الفاسق من المؤمنين قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] المراد بأخيه المقتول: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] فجعل المقتول أخاً للقاتل، ومعلوم أن القاتل قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب العظيمة التي قال الله عنها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] وقال تعالى في الطائفتين المقتتلتين: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] إلى قوله: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] إلى أن قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].

ومعلوم أن اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض كفر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وإذا تبين أن الفاسق لم يخرج من الإيمان -وإن كان ناقص الإيمان- فإنه لا يجوز اغتيابه إلا إذا كان في ذلك مصلحة، فلا بأس من أن يقال مثلاً: فلان يفعل كذا وكذا تحذيراً مما صنع، وإن لم يكن في ذلك مصلحة فالأصل أن عرضه محتاط؛ لأنه من المؤمنين وقد قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].

كيفية جمع المصلي بين الصلاة خلف سترة والصلاة في الصف الأول

السؤال: رجل دخل المسجد قبل إقامة الصلاة، وأراد أن يصلي تحية المسجد خلف سترة، مع العلم أنه لو صلى خلف السترة يفوت عليه الصف الأول، فهل يصلي خلف السترة، أو يصلي في الصف الأول؟

الجواب: إذا كان يفوت عليه الصف الأول فليتقدم إلى الصف الأول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يقدروا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)، فليتقدم إلى الصف الأول والسترة خفيفة: (إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم) يمكن أن يضع الإنسان سواكه ويكون سترة.

حكم شرب الدخان والحث على نصح المدخنين باللطف والرفق

السؤال: لا يخفى مدى انتشار الدخان المحرم في كل مكان في العمل وفي البيت وفي الأماكن العامة، السؤال: هل يجوز الجلوس معهم؟ وإذا كان المدخن في منزلك أو في مجلس عام فهل تتركه وتخرج؟

الجواب: كما ذكر الأخ أن الدخان حرام للأدلة العامة على تحريمه، وهو ليس فيه نص عن الرسول بعينه؛ لأنه لم يحدث إلا أخيراً، لكن قواعد الشريعة عامة، والإشارة في بعض النصوص إلى تحريمه قاضية بتحريمه، فإذا صار إلى جنبك مدخن وأراد أن يدخن فانصحه بلطف ورفق. قل له: يا أخي! هذا حرام ولا يحل لك.

وفي ظني أنك إذا نصحته بلطف ورفق أنه سوف ينـزجر، كما جرب ذلك غيرنا وجربناه نحن أيضاً، فإن لم ينته عن شرب الدخان فالواجب عليك أن تفارقه لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] ولكن هذا في الأماكن العامة، أما إذا كان في مكان الوظيفة ونصحته فلم ينته فحينئذٍ لا حرج عليك أن تبقى؛ لأنه ضرورة، ولا تستطيع أن تتخلص منه.

فهل يمكن أن نقول: إن الإنسان إذا كان السوق فيه نساء متبرجات ورجال يشربون الدخان فلا تذهب للسوق لقضاء حاجتك؟

لا نقول هذا، إذاً: فالشيء الذي يضطر الناس إليه وهو من الأماكن العامة التي لا يمكن التخلص منها -وإن كان فيه معصية- لا إثم عليهم في ذلك، لكن عليه أولاً أن ينصح صاحب المعصية لعل الله أن يهديه على يديه.

حل إشكال حديث ابن عباس في جمع الرسول للصلاة من غير خوف ولا سفر

السؤال: كيف توجه حديث ابن عباس في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف ولا سفر

الجواب: نعم، (جمع في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف ولا مطر)، وهذه رواية أصح من رواية: (ولا سفر)؛ لأن قوله: (ولا سفر) يغني عنه قوله: (في المدينة )، وعلى كل حال فإن هذا الإشكال الذي أوردته أورده الناس على ابن عباس رضي الله عنهما فقالوا: (ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: لا يلحقها حرج بترك الجمع.

فمتى كان في ترك الجمع حرج فإنه يجوز الجمع، أما إذا لم يكن هناك حرج فإن الجمع حرام ولا يجوز؛ لقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت هذه المواقيت وحدد الظهر من كذا إلى كذا والعصر كذلك، والمغرب والعشاء والفجر، فمن قدم شيئاً على وقته أو أخر شيئاً على وقته بغير عذر شرعي فإنه آثم ولا تقبل منه الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

ولا حجة في هذا الحديث لمن أجاز جمعاً بدون حاجة؛ لأن ابن عباس وضح هذا فقال: (أراد ألا يحرج أمته)، لو قال: أراد أن يوسع لأمته، لكان فيه احتمال أن يكون مراده أن الجمع جائز وتركه أفضل، لكن لما قال: (أراد ألا يحرج أمته)، علمنا أن المراد بذلك ما إذا كان في ترك الجمع حرج ومشقة.

مدى استفادة الذين لا يستطيعون الحضور إلى الدروس من استماعهم للأشرطة المسجلة

السؤال: هناك بعض الشباب الذين عرفوا طريق الهداية إلى الله عز وجل وهم راغبون في طلب العلم، ويريدون صراحة الحضور عند المشايخ حتى يقرءوا عليهم كتباً في العقيدة وكذلك في الحديث، لكنهم لا يستطيعون لظروف أعمالهم وهم في منطقة نائية لكنهم يكتفون بالأشرطة، فهل تكفيهم عن الحضور عند العلماء؟ وهل يكون طالب علم كغيره، أم لا؟ حفظكم الله.

الجواب: أما كونهم تكفيهم فلا شك أنها تكفيهم عن الحضور إلى أهل العلم إذا كان لا يمكنهم الحضور، وإلا فإن الحضور إلى العلماء أفضل وأحسن وأقرب للفهم والمناقشة، لكن إذا لم يمكنهم فهذا يكفيهم للضرورة.

ثم هل يمكن أن يكونوا طلبة علم وهم يقتصرون على هذا؟

نقول: نعم. يمكن إذا اجتهد الإنسان اجتهاداً كثيراً كما يمكن أن يكون عالماً إذا أخذ العلم من الكتب، لكن الفرق بين أخذ العلم من الكتب والأشرطة وبين التلقي من العلماء مباشرة: أن التلقي من العلماء مباشرة أقرب إلى حصول العلم؛ لأنه طريق سهل تمكن فيه المناقشة، بخلاف المستمع أو القارئ فإنه يحتاج إلى عناء كبير في جمع أطراف العلم والحصول عليه.

السائل: وهل يؤثر الاكتفاء بالأشرطة في معتقدهم؟

الشيخ: يؤثر في معتقدهم إذا كانوا يستمعون إلى أشرطة بدعية ويتبعونها، أما إذا كانوا يستمعون إلى أشرطة من علماء موثوق بهم فلا يؤثر على معتقداتهم بل يزيدهم إيماناً واحتساباً واتباعاً للمعتقد الصحيح.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [54] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net