إسلام ويب

هذا اللقاء هو عبارة عن تفسير بعض الآيات من سورة الفجر والتي احتوت على ذكر قصة فرعون وكيف أنه طغى في البلاد التي كان فيها وهي مصر، وأكثر فيها الفساد؛ وذلك بكثرة المعاصي، كما أن في هذه الآيات بيان سنة الله فيمن يعصونه ويخالفون أمره ويكذبون رسله.

تفسير آيات من سورة الفجر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنكمل ما ابتدأناه من تفسير سورة الفجر، وقد انتهينا من الكلام على قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ [الفجر:6-9].

تفسير قوله تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد)

قال تعالى: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ [الفجر:10] فرعون هو: الذي أرسل الله إليه موسى عليه الصلاة والسلام، وكان قد استذل بني إسرائيل في مصر يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وقد اختلف العلماء في السبب الذي أدى به إلى هذه الفعلة القبيحة، لماذا يُقتل الأبناء ويبقي النساء؟ قال بعض العلماء: إن كهنته قالوا له: إنه سيولد في بني إسرائيل مولود يكون هلاكك على يده، فصار يقتل الأبناء ويستبقي النساء.

ومن العلماء من قال: إنه فعل ذلك من أجل أن يُضْعِفَ بني إسرائيل؛ لأن الأمة إذا قتلت رجالها واستبقيت نساؤها ذلت بلا شك، فالأول تعليل أهل الأثر والثاني تعليل أهل النظر -أهل العقل- ولا يبعد أن يكون الأمران جميعاً قد صارا علةً لهذا الفعل، ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى في نفس بيت فرعون، فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون، الذي استكبر في الأرض وعلا فيها وقال لقومه: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] وقال لهم: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وقال لهم: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [الزخرف:52] أي: موسى وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] فأنكر الألوهية وأنكر الرسالة، قال الله تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] وتعلمون أنه قال لقومه مقرراً لهم عظمته وسلطانه: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] افتخر بالأنهار التي تجري من تحته وهي مياه، فأهلكه الله تعالى بجنسها حيث أغرقه وقومه في البحر الأحمر.

فقوله تعالى: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ أي: ذي القوة؛ لأن جنوده كانوا له بمثابة الوتد، والوتد كما نعلم تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت، فافتخر فرعون بجنوده وملكه.

تفسير قوله تعالى: (الذين طغوا في البلاد)

قال تعالى: الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ [الفجر:11] الطغيان: مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11] أي: لما زاد الماء حملناكم في الجارية يعني: بتلك السفينة التي صنعها نوح عليه الصلاة والسلام، فمعنى (طغوا في البلاد) أي: زادوا عن حدهم، واعتدوا على عباد الله.

تفسير قوله تعالى: (فأكثروا فيها الفساد)

قال تعالى: فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ [الفجر:12] أي: بالمعاصي وقتل الضعفاء، والفساد هنا هو: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي لقول الله تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] ولهذا قال بعض العلماء في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56] قالوا: لا تفسدوها بالمعاصي، وعلى هذا فيكون قوله: فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ [الفجر:12] أي: الفساد المعنوي لكن الفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي.

وكان فيما سبق من الأمم أن الله تعالى يدمر هؤلاء المكذبين عن آخرهم، لكن هذه الأمة رفع الله عنها هذا النوع من العقوبة، وجعل عقوبتها أن يكون بأسهم بينهم حيث يدمر بعضهم بعضاً، وعلى هذا فما حصل من المسلمين من اقتتال ومن تدمير بعضهم بعضاً إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، يسلط الله بعضهم على بعض، ويكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (فصب عليهم ربك سوط عذاب)

قال تعالى: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر:13] صب عليهم: الصب معروف أنه يكون من فوق، والعذاب الذي أتى هؤلاء من فوق من عند الله عز وجل و(سوط عذاب) السوط: هو العصا الذي يضرب به، ومعلوم أن الضرب بالعصا نوع من العذاب، فهذا السوط الذي صبه الله تعالى على عاد وثمود وفرعون ليس كالعصا المعروفة لدينا، وإنما هو عصا عذاب أهلكهم الله تعالى به وأبادهم.

نسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم فيما سبق من الأمم عبرة نتعظ بها، وننتفع بها، ونكون طائعين لله عز وجل غير طاغين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

حكم قول (سمع الله لمن حمده .. ربنا ولك الحمد) بالنسبة للإمام والمأموم والمنفرد

السؤال: فضيلة الشيخ! بالنسبة للذي يصلي منفرداً هل يقول: سمع الله لمن حمده، أو يقول: ربنا ولك الحمد؟

الجواب: الإمام والمنفرد يقولان: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد.

نصيحة لمن يخوضون في أعراض العلماء وولاة الأمور

السؤال: فضيلة الشيخ! في بعض المجالس يخوض بعض الناس في كثير من طلبة العلم والعلماء، يجرحون ويعدلون! فنريد نصيحة لهؤلاء لكي يشتغلوا بما ينفعهم؟

الجواب: من المعلوم أن الغيبة من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، هكذا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حذر الله عنها في كتابه بأبلغ تحذير فقال جل وعلا: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] من الذي يقدم له لحم أخيه ميتاً فيأكله؟ لا أحد يأكله، كلٌ يكرهه، وهذا تمثيلٌ يستفاد منه غاية التحذير من الغيبة، وإذا كانت الغيبة في ولاة الأمور من العلماء أو الأمراء كانت أشد وأشد؛ لأن غيبة العلماء يحصل بها انتقاصهم، وإذا انتقص الناس علماءهم لم ينتفعوا من علمهم بشيء فتضيع الشريعة، وإذا لم ينتفع الناس بعلم العلماء فبماذا ينتفعون؟ أبجهل الجهال؟ أم بضلالة الضلال؟ ولهذا نعتبر الذي يغتاب العلماء قد جنى على الشريعة أولاً، ثم على هؤلاء العلماء ثانياً، ووجه الجناية على الشريعة ما ذكرته أنه يستلزم عدم قبول ما تكلم به هؤلاء العلماء من شريعة الله؛ لأنهم قد نقص قدرهم وسقطوا من أعين الناس فلا يمكن أن ينتفعوا بعلمه، وأما كونه غيبةً للشخص فهذا واضح.

أما الأمراء فغيبتهم أيضاً أشد من غيبة غيرهم؛ لأنها تتضمن الغيبة الشخصية التي هي من كبائر الذنوب، وتتضمن التمرد على الأمراء وولاة الأمور؛ لأن الناس إذا كرهوا شخصاً لم يستجيبوا لتوجيهاته ولا لأوامره، بل يضادونه ويناوئونه، فيحصل بهذا شر عظيم؛ لأن قلوب الرعية إذا امتلأت حقداً وبغضاً لولاة الأمور انفلت الزمام، وحل الخوف بدل الأمان، وهذا شيء مشاهد ومجرب.

ولهذا نرى أن الواجب على عامة الناس وعلى طلبة العلم بالأخص إذا سمعوا عن عالمٍ ما لا يرونه حقاً أن يتثبتوا أولاً من صحة نسبته لهذا العالم، كم من أناس نسبوا إلى العلماء ما لم يقولوه!

ثم إذا ثبت عنده أنه قاله يجب عليه من باب النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين أن يتصل بهذا العالم يقول: بلغني عنك كذا وكذا، فهل هذا صحيح؟ فإما أن ينكر وحينئذٍ نطالب من نقل عنه هذا القول بالبينة، وإما أن يقر فإذا أقر أبين له وجهة نظري، أقول: هذا القول الذي قلته غير صحيح، فإما أن يقنعني وإما أن أقنعه، وإما أن يكون لكلٍ منا وجهٌ فيما قال، فيكون هو معذوراً باجتهاده وأنا معذورٌ باجتهادي وليس أن أتكلم في عرضه؛ لأنني لو استبحت لنفسي أن أتكلم في عرضه لكنت أبحت له أن يتكلم هو أيضاً في عرضي وحينئذٍ يحصل التنافر والعداوة والبغضاء.

أما الأمراء فهم الأمر الثاني أيضاً، فالكلام في الأمراء كثير وتعرفون ذلك، أضرب لكم مثلاً سهلاً: إذا أمر ولي الأمر بشخص أن يؤدب تأديباً شرعياً يستحقه شرعاً فهل هذا المؤدب مع ضعف الإيمان في عصرنا هل سيقبل هذا الأدب ويرى أنه حق؟ أم يرى أنه ظلم وأن هذا الأمير معتدٍ عليه؟

الثاني: هذا الواقع، يعني: لسنا في عصر كعصر الصحابة يأتي الرجل يقول: يا رسول الله! زنيت طهرني.

فإذا أمر ولي الأمر أن يؤدب هذا الرجل صار يشيع -كما قال بعض العلماء عن شخصٍ أشاع عنه قضية معينة فيما سلف، قال: إنك شخصٌ تذيع الشكية وتكتم القضية- ويشكي الناس أنه مظلوم وأن هذا -أي: ولي الأمر- ظالم وما أشبه ذلك.

إذاً: غيبة ولاة الأمور تتضمن محذورين:

المحذور الأول: أنها غيبة رجل مسلم.

والمحذور الثاني: أنها تستلزم إيغار الصدور على الأمراء وولاة أمورهم وكراهتهم وبغضهم وعدم الانصياع لأمرهم؛ وحينئذ ينفلت زمام الأمان، ولهذا ما نرى من المنشورات التي تنشر في سب ولاة الأمور أو الحكومة نرى أن هذا محرم وأنه لا يجوز للإنسان أن ينشرها؛ لأنه إذا نشرها معناه أنها غيبةٌ لإنسان لا نستفيد من نشرها بالنسبة إليه شيئاً، لا نستفيد إلا أن القلوب تبغضهم وتكرههم، لكن هل هذا سيحسن من الوضع إذا كان الوضع سيئاً؟ أبداً. فلا يزيد الأمر إلا شدة، فنرى أن نشر مثل هذه المنشورات أن الإنسان آثمٌ بها؛ لأنه غيبة بلا شك، وأنه يوجب أن تكره الرعية رعاتها وتبغضهم ويحصل بهذا مفسدة عظيمة.

وحتى لو فرضنا صحة ما جاء في هذه المنشورات، مع أننا لا ندري هل هو صحيح أو أنه كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).

لكن على تسليم أنه صحيح وأنه صدق هل يحل لنا نشره وهو غيبة؛ لأن الغيبة: (ذكرك أخاك بما يكره)؟ ثم إننا لو نعلم أن هذا المنشور حق وأنه سيحل المشكلة لكنت أول من ينشر هذا وأول من يوزعه، لكن نعلم أنه يحتاج إلى إثبات من وجه، ويحتاج -أيضاً- إلى أن ننظر: هل نشره من المصلحة أم من المفسدة؟ ربما يترتب على نشره من المفسدة أعظم بكثير من نفس هذا الخطأ؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله أولاً قبل كل شيء، وألا ينشر معايب الناس بدون تحقق، وألا ينشر معايب الناس إلا إذا رأى أن المصلحة في نشرها، أما إذا كان الأمر بالعكس فقد أضاف إلى مفسدة نشر معايب الناس مفسدة أخرى، والله حسيبه، وسوف يلقى جزاءه عند ربه، ونحن نتكلم بهذا عن أدلة فنقول: هل المنشورات في مساوئ الناس سواءً الأمراء أو العلماء هل هي من باب: (ذكرك أخاك بما يكره) أم لا؟ الجواب: نعم، من باب: (ذكرك أخاك بما يكره) وإذا كان من هذا الباب فهذه غيبة أم غير غيبة؟ غيبة، من قال أنها غيبة؟ قالها الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق وأنصح الخلق وأصدق الخلق.

فإذا كانت الغيبة حراماً فهل يترتب على هذه الغيبة إصلاح ما فسد؟ أبداً، لا يترتب عليها إصلاح ما فسد. فتبين بهذا أن نشر المنشورات حرام وتوزيعها حرام، وأن الذي يفعل ذلك آثم وأنه سوف يحاسب على حسب نصوص الكتاب والسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر) وهذا ينافي الصبر لا شك.

قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في كتابه: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] فنقول: نعم. لكن معنى الآية الكريمة: أنه لا يجوز أن تجهر بالسوء إلا إذا ظلمت فتجهر في مظلمتك في الشكاية حتى تزال مظلمتك، فهذا معنى الآية، يعني: إذا ظلمني شخص فهو عاصٍ أذهب إلى أي شخص وأقول: فلان ظلمني واعتدى عليَّ فلا بأس بذلك؛ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] ولم يقل: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا للظالم حتى نقول إنه عام، إلا من ظلم فله أن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه؛ لأنه من طبيعة الإنسان أنه يتكلم مع صديقه فيما جرى له من ظلم إنسانٍ عليه؛ لأن في هذا تفريجاً عنه وإزالة غم ولا حرج في هذا.

أما أن ننشر معايب الناس على وجهٍ نعلم أن مفسدته أكثر بكثير من مصلحته إن كان فيه مصلحة، ولا ندري هل يثبت أم لا؛ فإن هذا لا يشك إنسانٌ عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أن ذلك حرام، فنسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ولاة أمورنا من العلماء والأمراء، وأن يصلح عامتنا إنه على كل شيءٍ قدير.

المفهوم الخاطئ للمنافسة

السؤال: فضيلة الشيخ! إذا أقيمت الصلاة وبدأ المصلون يعتدلون للصلاة فمثلاً يكون في الصف الأول من كان عن يمين الإمام تحركوا إلى اليسار للمكان الذي يوجد فيه بعض الفُرج، والذين كانوا يقفون عن يسار الإمام تحركوا إلى ميامنهم فيدخل بعض الذين في الصف الثاني لسد الفُرج، والتي كان يسعى لسدها أصحاب الصف الأول أنفسهم، وربما حجز هذا الداخل إلى الصف الأمامي بيده الناس في الصف الأمامي ليدخل بينهم فهل يتركه هذا الشخص المحجوز ليأخذ المكان الفاضل منه ويبقى هو في المكان المفضول والله يقول: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]؟

الجواب: هذا لا يجوز، وهذا عدوان على حق الغير، نعم لو فرضنا أنه وقف ولم يدنُ أو نظر إليك يريد أن تسد الفرجة فهذا لا بأس أسقط حقه، وأما أنه متهيئ لأن يدنو فتأتي أنت وتمنعه وتدخل في هذا المكان فهذا لا يجوز فإنه عدوانٌ على حق أخيك، ولأنه يورث العداوة والبغضاء.

وأما الآية الكريمة وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] فالمنافسة ليست هي العدوان على الغير، بل المنافسة أن تنافس غيرك في حقٍ لا تضره في ذلك.

كلمة توجيهية للذين يقضون أيام الإجازة في التسكع في الشوارع أو السفر إلى البلاد الأوروبية

السؤال: فضيلة الشيخ! نريد منكم توجيه كلمة للذين يقضون أيام الإجازة في التسكع في الشوارع والجلوس على الأرصفة ولا يذهبون إلى المراكز الصيفية أو حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وكذلك إلى الذين يذهبون إلى البلاد الأوروبية لقضاء الإجازة هناك جزاك الله خيراً.

الجواب: هذا طلب طيب من هذا السائل جزاه الله خيراً، وهو يتضمن شيئين:

أما الشيء الأول: فهو السفر إلى بلاد خارجية لقضاء هذه الإجازة فيها فنقول: إن السفر إلى بلاد كافرة أو بلاد منهمكة في المعاصي لا يجوز لأمور عدة:

الأمر الأول: أن فيه إضاعةً للمال في قيمة التذاكر، وأجور الفنادق أو الشقق أو غير ذلك، ففيه إضاعة مال كثير، وهذا المال الذي تضيعه في هذه التنـزهات اجعله نافعاً لك يوم القيامة في بناء مسجد، اجعله في إعانة إخوانك المجاهدين في البوسنة والهرسك ، أو في الصومال ، أو في كشمير ، أو المجاهدين في الجمهوريات الإسلامية التي تحررت من الشيوعية ، أو في غير ذلك من أوجه الخير والبر.

ثانياً: أن فيه إضاعة الوقت؛ لأن غالب الذين يذهبون لهذه النزهات لا يذهبون إلى الدعوة إلى الخير، أو إلى تعليم الناس الجاهلين، بل ربما يذهبون لأشياء محرمة لا إشكال في تحريمها، فيكون في ذلك إضاعةً للوقت والمال.

ثالثاً: أنه يخشى على عقيدة المرء، وعلى أخلاقه، وعلى عباداته، وعلى أهله إن كانوا معه.

يخشى عليه في عقيدته أن يقول: كيف أنعم الله على هؤلاء بهذا الترف وهذا النعيم وهم كفار وهو مؤمن؟ وقد قدر عليه رزقه، فيشك هل الإيمان خير أم الكفر خير؟ ولم يعلم المسكين أن هؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا وهذا الترف بالنسبة لهم جنة؛ لأنهم ينتقلون بعده إلى عذاب وجحيم -والعياذ بالله- والفقر بالنسبة إليه إذا كان من المؤمنين يعتبر ابتلاء من الله عز وجل يؤجر عليه ويثاب عليه إذا صبر، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

وأما كونه خطراً على عبادته: فإنه قد يصحب أناساً هناك لا يهتمون بالصلاة، ولا بالأذكار، ولا بالتقرب إلى الله، فيكتسب منهم صفاتهم ويصدونه عن ذكر الله وعن الصلاة.

وأما أنه خطر على أخلاقه فظاهر: لأنه هناك يجد المرأة المتبرجة غاية التبرج، وعلى جمال فاضح، وغالباً تكون متطيبة متبرجة فتفتن من لا يفتتن، وهناك لا حياء ولا دين فيسهل عليه الانزلاق وراء الشهوة.

وأما كونه خطر على أهله فذلك ظاهر أيضاً: فإن الصغار إذا ارتسم في أفكارهم شيء من الصغر لا يتحول عنهم إذا كبروا، فيحصل أن هؤلاء الصغار يتذكرون دائماً في هذه الحال الفظيعة التي كان عليها أهل هذه البلدة التي سافروا إليها.

أما بالنسبة لشبابنا في هذه البلاد فإنني أحثهم على أن يلتحقوا بواحدة من جهات ثلاث:

أولاً: حِلَقْ تحفيظ القرآن، فهي -والحمد لله- متوفرة في المدن الكبيرة والقرى.

ثانياً: الالتحاق بالمساجد في حلق العلماء الذين يدرسون العلم كما يوجد -والحمد لله- منذ سنتين أو نحوها دورات في المدن يسمونها دورات مكثفة، يتكلم فيها علماء موثوقون ينتفع بهم الشباب.

ثالثاً: الالتحاق بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال موثوقون في علومهم وأفكارهم وأخلاقهم، والمراكز الصيفية متنوعة فيها علوم شرعية، وعلوم عربية، وفيها -أيضاً- فنون مباحة، كتعلم نجارة أو كتابة وما أشبه ذلك، وهي تكف الإنسان عن ضياع وقته.

فنحث أبناءنا على الالتحاق بإحدى هذه الجهات الثلاث حتى لا تضيع أوقاتهم وتتبلد أفكارهم فيقعوا في مهاوي الشهوات، وفي المثل السائر الذي قيل نظماً:

إن الشباب والفراغ والجـدة >>>>>مفسدة للمرء أي مفسده

حكم من يدعي أن فوز الرجل أو فشله لحسن الطالع أو سوء الطالع

السؤال: فضيلة الشيخ! نجد في تعليق بعض المعلقين الذين يعلقون على المباريات عندما ينهزم أحد الفريقين يقول: هذا الفريق هزم نتيجة سوء الطالع، فهذه الكلمة أشكلت عليَّ كثيراً، فما رأيكم في هذا التعليق؟

الجواب: نعم. هذه الكلمة يقولها من لا يعرف الشريعة، يقول للشخص إذا نجح: هذا من حسن الطالع، وإذا رسب: هذا من سوء الطالع، وهذا من التنجيم الذي هو نوع من الشرك؛ وذلك لأن الطالع والغارب ليس له تأثير في الحوادث الأرضية بل الأمر بيد الله، سواء ولد الإنسان في هذا الطالع أو في هذا الغارب أو في أي وقت، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة الصبح، ونحن في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني: على أثر مطر- فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) وهذا الذي يدعي أن فوز الرجل أو فشله لحسن الطالع أو سوء الطالع من هذا النوع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كافر بالله؟

فالواجب على من قاله أن يتوب إلى الله من ذلك، وعلى من سمعه أن ينكر عليه وأن يبين ذلك في المجالس العامة والمجالس الخاصة بالشباب؛ لأن بعض الناس لا يعرف معنى هذه الكلمة ولا يعرف على أي شيء بنيت.

حكم من ترك ركناً من أركان الصلاة

السؤال: رجل صلى خلف الإمام فترك الرفع من السجود؛ لأنه لم يسمع صوت الإمام، ولم يأتِ بهذا الركن، فهل يأتي بركعة أم يجلس ويسلم مع الإمام؟

الجواب: نقول: يأتي بركعة؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة، ومن ترك ركناً من أركان الصلاة حتى سلم فإنه يجب عليه أن يأتي بركعة تامة ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.

من نسي التشهد الأول ونهض ولم يستتم قائماً ثم تذكر وجلس

السؤال: إذا ترك رجل التشهد الأول فرفع، ولكن تراجع قبل أن يتم القيام، فهل يشرع له سجود السهو أم لا؟

الجواب: إذا نسي التشهد الأول ونهض ولكن لم يستتم قائماً فإنه يجب عليه أن يرجع إذا ذكر؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولكن هل يجب عيه سجود السهو أم لا؟ من العلماء من قال: إنه لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولحديث ورد في ذلك وفيه شيء من الضعف، ومنهم من قال: ينظر إن كان إلى القيام أقرب وجب عليه سجود السهو، وإن كان إلى الجلوس أقرب لم يجب عيه سجود السهو، فإن سجد فإننا لا ننكر عليه، وإن لم يسجد فإننا لا نأمره بذلك.

أقسام الحركات في الصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ! هناك إمام لا أدري هل به مرض أم ماذا، فهو دائماً إذا كبر للصلاة وانتهى من التكبيرة يتقدم يمشي خطوتين أو ثلاث خطوات، وأصبحت عادة عنده أن جماعة المسجد الذي يصلي فيه لا ينكرون عليه ذلك، لكن لما يأتي إنسان غريب أو إنسان يصلي معه يلاحظ أنه يمشي ويتقدم ويرجع مع أنه الإمام، فما حكم ذلك؟

الجواب: لو أن هذا شيء بغير اختياره فهو معذور؛ لأن بعض الناس قد يكون معه شيء من الدوخة فيحاول أن يتماسك فيتقدم عندئذ أو يتأخر. وإن كان باختياره فإنه ينهى عنه؛ لأن هذه حركة في الصلاة بدون حاجة، وكل حركة في الصلاة بدون حاجة فإنها مكروهة، وهنا يحسن بنا أن نبين أقسام الحركات في الصلاة.

أقسام الحركات في الصلاة خمسة:

حركة واجبة، وحركة محرمة، وحركة جائزة، وحركة مكروهة، وحركة مستحبة.

فالحركة الواجبة:

هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا ضابط الحركة الواجبة ونذكر لذلك مثالين:

المثال الأول: إنسان تذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي، فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة ويستمر في صلاته، والغترة نوع مما يلبس على الرأس.

المثال الثاني: رجل يصلي إلى غير قبلة، فجاءه عالم بالقبلة فقال له: القبلة على يمينك. فهنا يجب عليه أن ينحرف إلى القبلة، ولكل واحدة من هاتين المسألتين دليل.

أما المسألة الأولى: فدليلها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه وفيهما قذر لم يعلم به، فجاءه جبريل فأخبره بذلك، فخلع نعليه واستمر في صلاته.

وأما الثانية: فإن أهل قباء كانوا يصلون صلاة الفجر إلى جهة بيت المقدس ، وكانت مكة وراءهم وأتاهم آت فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانحرفوا إلى جهة الكعبة وهم يصلون.

والحركة المستحبة:

هي التي يتوقف عليها فعل مستحب.. هذا ضابطها. مثال ذلك: انفتحت فرجة أمامك في الصف، وسد الفرجة سنة، فتقدمت لهذه الفرجة، فهذه حركة مستحبة، وكذلك تقارب الصف، فإذا صار بينك وبين جارك فرجة فقربت منه فهذه أيضاً حركة مستحبة.

والحركة المحرمة:

هي الحركة التي تنافي الصلاة، يعني: أنها كثيرة بحيث يقول من رآك تتحرك: إنك لست في صلاة، فهذه محرمة، وضابطها أن تكون كثيرة متوالية.

الحركة المكروهة:

هي الحركة القليلة بلا حاجة، مثل ما يحصل من بعض الناس حيث يعبث في صلاته بقلمه أو ساعته أو عقاله أو مشلحه بدون حاجة، فهذه حركة مكروهة.

الحركة الجائزة:

هي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة، أو الحركة الكثيرة إذا كانت لضرورة.

مثال الحركة اليسيرة للحاجة: إنسان يشق عليه أن يصلي على الأرض مباشرة؛ لأنها حارة، أو لأن فيها شوكاً، أو فيها حصىً يؤلم جبهته، فصار يتحرك، يضع المنديل ليسجد عليه، فهذه حركة جائزة؛ لأنها لحاجة، لكنها يسيرة، والمنديل ينبغي أن يكون واسعاً بحيث يتسع لكفيه وجبهته، هذا هو الأحسن؛ لأنه لو كان لا يسع إلا الجبهة فقط لكان فيه نوع مشابه للرافضة الذين يسجدون على حصىً معين، أو على حجر معين، فالعلماء قالوا: يكره أن يخص جبهته بشيء يسجد عليه، لأن هذا فعل الرافضة ، لكن إذا لم يكن معه إلا منديل صغير لا يتسع إلا للجبهة وهو محتاج إلى أن يسجد عليه فلا بأس.. فهذه حركة يسيرة لحاجة.

وهناك الحركة الكثيرة للضرورة: إن كنت تصلي فهاجمك سبع ففي هذه الحال تحتاج إلى حركات كثيرة وسريعة، فلا بأس بأن تدفع عن نفسك هذا الخطر ولو كنت في صلاتك لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً [البقرة:239] يعني: إن خفتم على أنفسكم فصلوا رجالاً يعني: على أرجلكم، ولو كنت تهرب، أو ركباناً: على الرواحل.

هذه أقسام الحركات في الصلاة، فاحرص على أن يخشع قلبك وجوارحك حتى تكون صلاتك تامة، فقد امتدح الله الذين هم في صلاتهم بأنهم خاشعون.

صلاة الموظفين في مكاتبهم إذا كان المسجد بعيداً

السؤال: فضيلة الشيخ! يبعد المسجد من مقر العمل قرابة أربعمائة متر، فبعض الإخوان في العمل قالوا: نضع مصلى في أحد المكاتب نصلي فيه؛ لأن المسجد بعيد وهم يتأذون من حرارة الشمس عند الذهاب إليه، فهل هذا العمل صحيح؟

الجواب: الذي نرى أنه لا بأس به أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل، أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون، وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم، فالمهم إذا كان هناك مصلحة أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج.

حكم وضوء مَن خرج من دورة المياه وهو ساهٍ فذهب وتوضأ

السؤال: فضيلة الشيخ! رجل خرج من دورة المياه وهو ساه فذهب وتوضأ، فهل وضوءه هذا صحيح علماً بأنه قد لا يكون له نية فيه؟

الجواب: الوضوء صحيح ولو كان ساهياً؛ لأنه ما الذي جعله يذهب إلى الميضأة ويغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه إلى نهاية الوضوء، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؟ فهذا لم يذهب إلى مكان الوضوء إلا وهو ناوٍ له، ولو كان يفكر في شيء آخر فإن ذلك لا يضره ولا يبطل وضوءه.

يقول بعض العلماء رحمهم الله: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، وجاء رجل إلى ابن عقيل -عالم من علماء الحنابلة المتقدمين- قال له: يا سيدي. إنني أذهب أغتسل من الجنابة في نهر دجلة، ثم أخرج ولا زلت أعتقد أني على الجنابة!! قال له ابن عقيل رحمه الله: لا تصل! فقال الرجل: تأمرني بترك الصلاة؟! فقال ابن عقيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق...) ورجل يذهب إلى دجلة يغتسل ثم يقول: أعتقد أنني لا زلت على الجنابة فهذا جنون!!

تعريف العالم

السؤال: فضيلة الشيخ! حصل لبس وخلط عند بعض الشباب في تحديد من هو العالم، فنتج عن ذلك أن وضع من ليس بعالم مثل زاهد أو عابد أو واعظ في مصافِّ العلماء، فجعلوه مصدراً للتلقي والتوجيه والتعليم وما إلى ذلك، فنريد من فضيلتكم تحديد من هو العالم وصفته وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: العالم عرفه ابن القيم رحمه الله في تعريف جامع فقال:

العلم معرفة الهدى بدليله>>>>>ما ذاك والتقليد يستويان

فالعالم هو الذي يعرف العلم الحق بالدليل، والعلم قد يكون علماً واسعاً يعرف الإنسان غالب المسائل، وما لا يعرفه منها فعنده قدرة على معرفتها، وقد يكون الإنسان عالماً في مسألة واحدة، يأخذ الكتب ويبحث فيها وينظر أدلة العلماء، فيصير عالماً بها فقط، ومن هذا ما جاء به الحديث (بلغوا عني ولو آية) لكن غالب الوعاظ يأتون بأدلة لا زمام لها، أدلة ضعيفة يريدون بذلك تقوية الناس في الأمور المطلوبة، وتحذيرهم من الأمور المرهوبة، ويتساهلون في باب الترغيب والترهيب، وهؤلاء فيهم نفع لا شك، لكن ليسوا أهلاً لأن يتلقى عنهم العلم الشرعي، بحيث يعتمد على ما يقولون، إلا إذا قالوا: نحن نقول كذا لقوله تعالى كذا وكذا، ونقول كذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتون بحديث صحيح فمعلوم أن من أتى بعلم وحجة فهو مقبول، لكن ابن مسعود رضي الله عنه حذر من القرَّاء بلا فقه.

والمراد بالفقه أن يكون عند الإنسان حكمة فيضع الأشياء مواضعها، وأن يكون عند الإنسان دليل يكون حجة له عند الله عز وجل وأظن أنه لا يخفى على عامة الناس العالم من طالب العلم.

حكم شرب المشروبات اليهودية

السؤال: فضيلة الشيخ! يوجد مشروب يسمى (الكولا) تنتجه شركة يهودية، فما حكم شراب هذا المشروب؟ وما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان أم لا؟

الجواب: ألم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً لأهله، ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي؟ ألم يبلغك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود؟ ولو أننا قلنا: لا نستعمل ما صنعه اليهود أو لا نأكل ما صنعه اليهود مما لا يشترط فيه الذكاة لفات علينا شيء كثير من استعمال سيارات ما يصنعها إلا اليهود، وأشياء نافعة أخرى لا يصنعها إلا اليهود.

صحيح أن هذا المشروب قد يكون فيه بلاء يضعه اليهود؛ لأن اليهود غير مؤتمنين؛ ولهذا وضعوا للرسول صلى الله عليه وسلم السم في الشاة التي أهدوها إليه ومات صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بـخيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم) يعني: موتي، ولهذا قال الزهري رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم مات بقتل اليهود له، لعنة الله عليهم، ولعنة الله على النصارى، فهم لا يؤتمنون لا اليهود ولا النصارى، لكن في ظني أن هذا الذي يرد إلينا لا بد أن يكون قد اختبر ومُحِّص، وعرف هل فيه خطر أو ضرر أم لا.

حكم من سب الدين في حالة الغضب

السؤال: شيخنا: ما حكم من سب الدين والرب وذلك إذا نشأ بين قوم قد اعتادوا هذا الأمر في ساعة غضب، وكذلك كيف تكون معاملته إذا كان يعتقد نفسه مسلماً؟

الجواب: قال أهل العلم: من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو كافر جاداً أو لاعباً، واستدلوا بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] وجاء رجل منهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنما كنا نتحدث حديث الركب، لنقطع به عنا الطريق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول له: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول، ولهذا لو طلق الإنسان زوجته في غضب شديد لا يملك نفسه عنده فإن زوجته لا تطلق؛ لأنه لم يرد طلاقها، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث عن فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة العبد، وأنه أشد فرحاً بذلك من رجل كان في السفر ومع بعيره عليها طعامه وشرابه، فضلت عنه، فطلبها ولم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت، ما بقي عليه إلا أن يموت، فإذا بخطام الناقة متعلقاً بالشجرة، فأخذه وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يريد أن يقول: أنت ربي وأنا عبدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح) ولم يقل: هذا كافر..فالمهم أن من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جاداً كان أو هازلاً فهو كافر.

أما من فعل ذلك غاضباً وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون، ولكن ينبغي عليه إذا أفاق وذهب عنه الغضب أن يراجع نفسه ويستغفر الله تعالى ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح.

ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك فإنه لن ينطق بالسباب ولو عند الغضب.

حكم من سب الله تعالى وحكم توبته

السؤال: كيف يعامل من كان يعتقد نفسه مسلماً وهو ساب لله؟

الجواب: هذا ليس بمسلم ما دام قصد القول، فإن ساب الله تعالى كافر ولو كان ذلك على وجه اللعب والمزاح، بل إن فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: من سب الله لا تقبل توبته، يعني: لو جاء وقال: أشهد أني مخطئ وأنا تائب، وأن الرب عز وجل له كمال الصفات يقولون: ما نقبل توبتك وحكمك القتل وتوبتك بينك وبين ربك.

لكن الصحيح أنه تقبل إذا علمنا أنه صادق التوبة، وذلك من سيرته واستقامته فيما بعد.

حكم سب الأطفال للدين

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم سب الأطفال للدين؟

الجواب: تعلمون أن الأطفال مرفوع عنهم القلم، ولكنهم ينهون عن سب الدين ويؤدبون.

حكم من يأخذ من بعض الناس مالاً ليحج عنه ولا يحج وكيفية التوبة من ذلك

السؤال: فضيلة الشيخ! حفظك الله، قرية كاملة في جنوب المملكة كانوا ينتظرون موسم الحج بفارغ الصبر؛ لأنهم كانوا يعتبرون أن قوتهم طوال العام لا يكون إلا في هذا الموسم، فكان كل فرد من أفراد هذه القبيلة يبحث عن رجل يحج عنه نظير مبلغ من المال، ويزعمون أن لديهم طلبة علم يعرفون المناسك، فإذا أخذوا تلك المبالغ لا يؤدون الفريضة عن هذا الذي أخذوا منه المال، وكثير منهم تاب من هذا العمل ويسأل ماذا عليه أن يفعل الآن؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: هذا في الواقع عمل محرم مشين، أما كونه محرماً فلأنهم أخذوا المال ولم يؤدوا الأعمال التي أخذوا المال من أجلها، فهذا أكل للمال بالباطل.

وأما كونه مشيناً فإن أخاهم المسلم ائتمنهم ووثق بهم على أداء فريضة من فرائض الإسلام فخانوه بذلك، فالواجب على هؤلاء بعد التوبة أن يحصوا جميع الحجج التي أخذوها، وأن يؤدوها في السنوات التالية، وإذا لم يستطيعوا بأنفسهم فلينيبوا غيرهم ممن يرون أنه أهل للإنابة؛ لأنهم أخذوا أموال الناس بشرط أن يحجوا عنهم، فلا تبرأ ذمتهم إلا بالوفاء بهذا الشرط، فليحجوا بأنفسهم أو لينيبوا غيرهم.

حكم من يصلي الفجر منفرداً في المسجد لعدم وجود المصلين مع وجود مسجد بعيد تقام فيه الجماعة

السؤال: فضيلة الشيخ! جماعة استهموا في بناء مسجد صغير في الحي؛ لأن المسجد الكبير بعيد منهم، وهم يصلون فيه جميع الصلوات إلا صلاة الفجر فلا يصلي في هذا المسجد صلاة الفجر إلا رجل واحد، علماً بأنه هو الذي يؤذن ويصلي، فهل يستمر على هذا الوضع فيصلي صلاة الفجر وحده أم يذهب إلى المسجد البعيد بسيارته؟

الجواب: عليه أولاً أن ينصح جماعة الحي بأن يأتوا لصلاة الفجر، ويرغبهم في ذلك، فقد ييسر الله له من يشاركه في صلاة الجماعة، أما إذا لم يأت أحد وتأكد من ذلك فالأفضل أن يذهب للمسجد الثاني.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [64] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net