إسلام ويب

في هذه المادة تحدث الشيخ عن الظن، وحذر من ظن السوء، ثم انتقل إلى التجسس على المسلمين وبين حرمة ذلك في دين الله، وبين معنى الغيبة وما يحرم وما يجوز فيها، ثم أجاب عن أسئلة تتعلق بموضوع المادة، وأسئلة فقهية أخرى.

تفسير آيات من سورة الحجرات

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء العشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بالباب المفتوح والتي تتم كل خميس من كل أسبوع, وهذا هو الخميس الثاني من شهر ذي القعدة عام (1416هـ).

نبدأ هذا اللقاء بالكلام بما يسره الله عز وجل من تفسير سورة الحجرات.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن...)

قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12].

تصدير الخطاب بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على العناية به, ولهذا روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [إذا سمعت الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه] وإما خبر تحصل به العبرة والاتعاظ, كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111].

يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) الظن: هو أن يكون لدى الإنسان احتمالان يترجح أحدهما على الآخر, وهنا عبر الله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل: اجتنبوا الظن كله, لأن الظن ينقسم إلى قسمين:

1- القسم الأول: ظن خير للإنسان، وهذا مطلوب أن تظن بإخوانك خيراً ما داموا أهلاً لذلك, وهو المسلم الذي ظاهره العدالة, فإن هذا يظن به خيراً, ويثنى عليه بما ظهر لنا من إسلامه وأعماله.

2- القسم الثاني: ظن السوء، وهذا يحرم بالنسبة للمسلم الذي ظاهره العدالة، فإنه لا يحل لأحد أن يظن به ظن السوء, كما صرح بذلك العلماء, فقالوا رحمهم الله: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة.

والثاني: ظن سوء بمن قامت القرينة على أنه أهلٌ لذلك, فهذا لا حرج على الإنسان أن يظن السوء به, ولهذا من الأمثال المضروبة المشهورة السائرة: احترسوا من الناس بسوء الظن, ولكن هذا ليس على إطلاقه كما هو معلوم, وإنما المراد: احترسوا من الناس الذين هم أهل لظن السوء فلا تثقوا بهم.

المهم أن الإنسان لا بد أن يقع في قلبه شيء من الظن بأحد من الناس, بقرائن تحتف بذلك, إما لظهور علامات في وجهه يظهر من وجهه العبوس والكراهية لمقابلته أو ما أشبه ذلك, أو من أحواله التي يعرفها الإنسان منه, أو من أقوال تصدر منه, فيظن به ظن السوء, وهذا إذا قامت القرينة على وجوده فلا حرج على الإنسان من أن يظن به ظن السوء.

فإذا سئل: أيهما أكثر: الظن المنهي عنه أو الظن المباح؟

قلنا: الظن المباح أكثر, لأنه يشمل نوعاً كاملاً من أنواع الظن, وهو ظن الخير, ويشمل كثيراً من ظن السوء؛ لأنه إذا لم يكن هناك قرينة تدل على هذا الظن السيئ فإنه لا يجوز للإنسان أن يتصف بهذا الظن, ولهذا قال: (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل: أكثر الظن ولا كل الظن, بل قال: (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ).

ثم قال: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وقد توحي هذه الجملة بأن أكثر الظن ليس بإثم, وهو منطبق تماماً على ما بيناه وقسمناه, أن الظن نوعان: ظن خير وظن سوء, ثم ظن السوء لا يجوز إلا إذا قامت القرينة على وجودها, ولذا قال: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فما هو الظن الذي ليس بإثم؟ هو ظن الخير، وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا ليس بإثم؛ لأن ظن الخير هذا هو الأصل, وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا أيضاً عينته القرينة.

تفسير قوله تعالى: (ولا تجسسوا)

قال تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] (التجسس) طلب المعايب من الغير. أي: أن الإنسان ينظر ويتنصت ويتسمع لعله يسمع شراً من أخيه, أو لعله ينظر سوءاً من أخيه, والذي ينبغي للإنسان أن يعرض عن معايب الناس وألا يحرص على الاطلاع عليها, ولهذا روي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخبرني أحد عن أحد شيئاً -أي: شيء مما يوجب ظن السوء- فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس, بل يأخذ الناس على ظاهرهم ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر, وفي هذه الجملة من الآية قراءة أخرى: (تحسسوا) فقيل معناهما واحد, وقيل: لكل واحدة منهما معنى, فالتجسس: أن يحاول الإنسان الاطلاع على العيب بنفسه. والتحسس: أن يلتمسه من غيره. فيقول للناس -مثلاً-: ماذا تقولون في فلان؟ وعلى هذا فتكون القراءتان مبينتين لمعنيين كليهما مما نهى الله عنه.

التجسس: أن يحاول الاطلاع على معايب الناس بنفسه.

والتحسس: أن يحاول الاطلاع على معايب الناس من غيره، فيقول -مثلاً-: ما تقولون في فلان، أو ما سمعتم عن فلان.. يطلب بذلك معايبه, لما في هذا من إشغال النفس بمعايب الآخرين, وكون الإنسان ليس له هم إلا أن يطلع على المعايب, ولهذا من ابتلي بذلك -أي: بالتجسس أو بالتحسس- تجده في الحقيقة قلقاً دائماً في حياته, وينشغل بعيوب الناس عن عيوبه, ولا يهتم بنفسه, وهذا يوجد كثيراً من بعض الناس الذين يأتون إلى فلان وإلى فلان: ما تقول في كذا.. وما تقول في كذا.. فتجد أوقاتهم ضائعة بلا فائدة, بل ضائعة بمضرة؛ لأن ما وقعوا فيه فهو معصية لله عز وجل, هل أنت وكيل عن الله عز وجل تبحث عن معايب عباده؟

العاقل هو الذي يتحسس عن معايب نفسه؛ ليصلحها, لا أن ينظر إلى معايب الغير ليشيعها والعياذ بالله, ولهذا قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:19].

هذه آداب وتوجيه من الله عز وجل إلى الأخلاق الفاضلة, أخلاق مأمور بها وأخلاق منهي عنها.

تفسير قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً)

قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] الغيبة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ذكرك أخاك بما يكره) وهذا تفسير من الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الناس بمراد الله تبارك وتعالى في كلامه .. (ذكرك أخاك بما يكره) سواء كان ذلك في خلقته، أو في خلقه أو أحواله، أو عقله أو في ذكائه أو غير ذلك, المهم أن تذكره بما يكره, سواء في خلقته مثل أن تقول: فلان قبيح المنظر دميم، وفيه كذا وكذا.. تريد معايب جسمه.

أو في خُلُقه، كأن تقول: فلان أحمق, سريع الغضب, سيئ التصرف, وما أشبه ذلك.

أو في خلقته الباطنة كأن تقول: فلان بليد, فلان لا يفهم, فلان سيئ الحفظ, وما أشبهها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم حدها بحد واضحٍ بين: (ذكرك أخاك بما يكره, قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي: جمعت بين البهتان والغيبة.

وعلى هذا فيجب الكف عن ذكر الناس بما يكرهون, سواء كان ذلك فيهم أو ليس فيهم, واعلم أنك إذا نشرت عيوب أخيك فإن الله سيسلط عليك من ينشر عيوبك (جزاء وفاقا) لا تظن الله غافلاً عما يعمل الظالمون, بل سيسلط عليه من يعامله بمثل ما يعامل الناس.

لكن إذا كانت الغيبة للمصلحة فلا بأس بها ولا حرج فيها, ولهذا لما جاءت فاطمة بنت قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في رجال خطبوها, بين معايب من يرى أن فيه عيباً, فقد خطبها ثلاثة: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه, وأبو جهم بن الحارث, وأسامة بن زيد, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية فصعلوك لا مال له, وأما أبو جهم فضراب للنساء, أنكحي أسامة بن زيد) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عيباً في هذين الرجلين للنصيحة وبيان الحق, ولا يعد هذا غيبة بلا شك, ولهذا لو جاء إنسان يستشيرك في معاملة رجل قال: فلان يريد أن يعاملني ببيع أو شراء أو إجارة أو تريد تزويج من خطب ابنته أو ما أشبه ذلك وأنت تعرف فيه عيباً فإن الواجب عليك أن تبين له ذلك, ولا يعد هذا كما يقول العامة: من قطع الرزق, بل هو من بيان الحق, فإذا عرفت أن في هذا الرجل الذي يريد أن يعامله هذا الشخص ببيع أنه مماطل كذاب محتال فقل له: يا أخي! لا تبع لهذا إنه مماطل .. إنه محتال .. إنه كذاب, ربما يدعي أن في السلعة عيباً وليس فيها عيب, وربما يدعي الغبن وليس مغبوناً, وما أشبه ذلك, فتقع معه في صراع ومخاصمة، إنسان جاء ليستشيرك في شخص خطب منه ابنته, والشخص ظاهره العدالة والاستقامة وحسن الخلق, ولكنك تعرف فيه خصلة معيبة فيجب عليك أن تبين هذا, مثلاً: تعرف أن في هذا الرجل كذباً, تعرف أنه يشرب دخاناً لكنه يجحده ولا يبينه للناس, يجب أن تبين وتقول: هذا الرجل ظاهره أنه مستقيم وخلوق وطيب ولكن فيه العيب الفلاني, حتى لو كان هذا متجهاً إلى أن يزوجه بين له العيب, ثم هو بعد ذلك بالخيار؛ لأنه سيدخل على بصيرة.

فعلى كل حال: يستثنى من الغيبة: إذا كان على سبيل النصيحة, وذكرنا دليل ذلك من السنة, فهل هناك دليل من عمل العلماء؟

نعم هناك دليل, ارجع إلى كتب الرجال -مثلاً- تجده مثلاً يقول: فلان بن فلان سيء الحفظ, فلان بن فلان كذوب, فلان بن فلان فيه كذا وكذا, فيذكرون ما يكره من أوصافه نصيحة لله ورسوله, فإذا كان الغرض من ذكر أخيك بما يكره النصيحة فلا بأس.

كذلك لو كان الغرض من ذلك: التظلم والتشكي فإن ذلك لا بأس به, مثل: أن يظلمك الرجل، وتأتي إلى شخص يستطيع أن يزيل هذه المظلمة فتقول: فلان أخذ مالي, فلان جحد حقي, وما أشبه ذلك فلا بأس, فإن هند بن عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أبا سفيان , تقول: (إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فذكرت وصفاً يكرهه أبو سفيان , ولكنه من التظلم والتشكي, وقد قال الله تعالى في كتابه: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] أي: فله أن يجهر بالسوء من القول لإزالة مظلمته, ولكن هل يجوز مثل هذا إذا كان قصد الإنسان أن يخفف عليه وطأة الحزن والألم الذي في قلبه بحيث يحكي الحال التي حصلت على صديق له, صديقه لا يمكن أن يزيل هذه المظلمة لكنه يفرج عنه، أم لا يجوز؟ الظاهر أنه يجوز, لعموم قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وهذا يقع كثيراً, كثيراً ما يؤذى الإنسان ويجنى عليه بجحد مال أو أخذ مال أو ما أشبه ذلك, فيأتي الرجل إلى صديقه ويقول: فلان قال في كذا.. قال في كذا.. يريد أن يبرد ما في قلبه من الألم والحسرة, أو يتكلم في ذلك مع أولاده أو مع أهله أو مع زوجته أو ما أشبه ذلك, هذا لا بأس به؛ لأن الظالم ليس له حرمة بالنسبة للمظلوم.

الأسئلة

الطريقة السليمة في الاستنابة في الحج

السؤال: توسع الناس في الاستنابة في الحج, فما هي الطريقة السليمة أرجو بيان ذلك بوضوح؟

الجواب: توسع الناس في الاستنابة في الحج أمر يؤسف له في الواقع, وقد يكون غير صحيح شرعاً, وذلك أن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام أحمد , رواية: أن الإنسان لا يجوز أن يستنيب أحداً في النفل أن يحج عنه أو يعتمر عنه, سواء كان مريضاً أو صحيحاً. وما أجدر هذه الرواية بالصحة والقوة؛ لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه, حتى يحصل له من العبادة والتذلل لله تعالى ما يحصل, وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه وإنسان يعطي دراهم ليحج عنه، الثاني ليس له حظ من العبادة في إصلاح قلبه وتذللـه لله عز وجل, وكأنها عقد صفقة بيع وكّل فيها من يشتري له أو يبيع له.

وإن كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل، فيقال: هذا لم تأتِ به السنة وإنما جاءت السنة بالاستنابة في الفرض فقط, والفرق بين الفرض والنفل: أن الفرض أمر لازم على الإنسان، فإذا لم يستطع هو بنفسه وكّل من يحج عنه أو يعتمر, لكن النفل ليس بواجب, فيقال: ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك, وابذل المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر, ابذله في مصارف أخرى, أعن إنساناً فقيراً لم يحج الفرض أعنه بهذا المال فهو خير لك من أن تقول: خذ هذا حج به عني, وإن كنت مريضاً.

أما الفرض فالناس -والحمد لله- لم يتهاونوا به, لا تكاد تجد أحداً يوكل عنه من يحج الفريضة إلا وهو غير قادر, وهذا جاءت به السنة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما, أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم, حجي عنه).

والخلاصة: أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد , إحداهما: أنها لا تصح الاستنابة, والراوية الثانية: أنها تصح الاستنابة من القادر وغير القادر.

والأقرب إلى الصواب لا شك عندي: أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر, وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت به السنة.

الكلام في أهل البدع هل هو من باب الغيبة؟

السؤال: الكلام في أهل البدع, مثل أن يقال مثلاً: أنهم يؤولون الآيات والأحاديث, ويقولون: يفعلون كذا وكذا.. أيعتبر هذا غيبة إذا كان بين الطلبة؟

الجواب: الكلام في أهل البدع ومن عندهم أفكار غير سليمة أو منهج غير مستقيم، هذا من النصيحة وليس من الغيبة, بل هو من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين, فإذا رأينا أحداً مبتدعاً ينشر بدعته, فعلينا أن نبين أنه مبتدع حتى يسلم الناس من شره, وإذا رأينا شخصاً عنده أفكار تخالف ما كان عليه السلف فعلينا أن نبين ذلك حتى لا يغتر الناس به, وإذا رأينا إنساناً له منهج معين عواقبه سيئة علينا أن نبين ذلك حتى يسلم الناس من شره, وهذا من باب النصيحة لله ولكتابه ورسوله ولأئمة والمسلمين وعامتهم.

وسواء كان الكلام في أهل البدع فيما بين الطلبة أو في المجالس الأخرى فليس بغيبة, وما دمنا نخشى من انتشار هذه البدعة أو هذا الفكر أو هذا المنهج المخالف لمنهج السلف يجب علينا أن نبين حتى لا يغتر الناس بذلك.

حكم إنساب الفتاوى إلى غير أصحابها

السؤال: كثير من الناس ينسب بعض الأقوال إلى بعض أهل العلم, وإذا كان هذا العالم ممن كلامه مقبول بين الناس, فأحدهم قال: إنه يجوز للإنسان أن يرى مباراة بظهور أفخاذ الرجال في التلفاز وقال: العالم الفلاني ذلك, فما موقف الإنسان من هذا الرجل الذي يثير الكلام على العلماء؟

الجواب: هذه المسألة كما تفضلت توجد كثيراً من بعض الناس لأسباب متعددة, لكن أولاً: ننصح من سمع عن أي أحد من العلماء شيئاً يستنكره, فالواجب أن يتصل بالعالم ويقول: بلغني عنك كذا وكذا.. هل هذا صحيح أم لا؟! إما أن يكون صحيحاً فيقول: نعم قلت ذلك, حينئذٍ تكون المناقشة بين السائل والعالم, أو يقول: هذا كذب ولم أقله, فإذا قال: هذا كذب ولم أقله، فعلى الذي سمع من شخص هذا القول الذي أنكره العالم أن يتصل بالذي نقل عن العالم هذا القول, ويقول: إنني سألته وأنكر هذا, حتى لا يبثه بين الناس, وكذلك أيضاً يبين للذي نقل عن العالم أن هذا غير صحيح, وأما إذا كان صحيحاً وناقشه فسوف يتبين للمناقش الحق مما يقوله العالم.

ثانياً: بالنسبة لهؤلاء الذين ينقلون أولاً عن العلماء الذين تقبل فتواهم, ويثق الناس بهم, هؤلاء ينقسمون إلى أقسام:

منهم سيئ القصد, يريد أن يضل الناس ولا يجد سبيلاً إلا إذا نسب هذه المقالة إلى عالم يرتضيه الناس, فيشيع هذا عن العالم الفلاني, مثل أن يقول: قال فلان بأن حجاب المرأة وجهها عن الأجانب ليس بواجب, فيشيعه لأنه يريد ألا تستر المرأة وجهها, لكن لو قال: إني قلت أنا أو قال فلان ممن لا يوثق به ما قبل, فينسبه إلى عالم يقبل قوله, فيكون هذا الناقل عن العالم غرضه إثبات القول.

ثانياً: أن يكون غرضه سيئاً بالنسبة للعالم الذي نسب القول إليه, حتى يشوه سمعته بين الناس, ويقول: هذا العالم يقول كذا وكذا.. كيف يصدق؟ كيف يوثق بقوله؟ وما أشبه ذلك, ومعلوم أن الناس إذا رأوا قولاً شاذاً منكراً أن ثقتهم سوف تهبط بهذا العالم.

إذاً.. هذا الناقل عن العالم, إما أن يكون قصده على الوجه الأول: إثبات ما يريده من القول السيئ, وإما أن يكون مراده تشويه سمعة العالم حتى لا يثق الناس به.

ثالثاً: قد ينقل الإنسان القول عن العالم وهو صادق, لكن أخطأ هذا الناقل بعرض السؤال على العالم, فعرض السؤال على وجه فهم منه العالم غير ما أراده هذا السائل, لأنه لم يحسن التعبير مثلاً, ومعلوم أن العالم سوف يفتي بحسب ما سمع, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) فينقل الإنسان عن هذا العالم نقلاً خطأً بناءً على سؤاله حيث عرضه على العالم على وجه غير سليم.

رابعاً: أن يعرض على العالم السؤال ويجيب العالم حسب السؤال, لكن الناقل يفهم الجواب خطأً, فيكون الخطأ في فهم السائل لا في عرضه للسؤال, بل الخطأ في فهمه للجواب, فينقل الجواب من العالم على حسب ما فهمه، فيحصل بذلك الخطأ.

فهذه أربعة أشياء كلها من أسباب النقل عن العلماء.

ولهذا قلت لك في الأول: إذا نقل عن عالم يوثق بعلمه قولاً ينكره الإنسان فالواجب الاتصال بهذا العالم والتفاهم معه.

حكم خروج الحاج من الحرم في أيام التشريق

السؤال: شخص حاج يخرج في الشرائع خارج الحرم في أيام التشريق يزور قريباً له, فيمكث عدة ساعات ويرجع؟

الجواب: لا حرج في هذا لو خرج حاج في أثناء الحج إلى خارج الحرم فلا بأس عليه, لكنه إذا كان قبل التحلل الأول فهو باقٍ على إحرامه, وإن كان بعد التحلل الأول والثاني فمعروف أنه جائز, يجوز له حتى جماع امرأته، وإن كان بين التحليلين جاز له كل شيء إلا النساء.

حكم العمل في حراسة البنوك الربوية

السؤال: رجل يسأل وهو يعمل في المصرف المركزي للدولة, وكما لا يخفى عليكم أن وظيفة المصرف المركزي هو صك الأموال اللازمة للدولة, تجمع أموال البنوك الربوية وتخزينها لديهم مع قيامهم بالمعاملات الربوية, فهذا الرجل يعمل في الحراسة والحماية, فما حكم وظيفته؟

الجواب: أما إذا كان باختياره وهو الذي ذهب وطلب أن يكون حارساً لهذا البنك المركزي الذي يتعامل بالربا فهذا لا يجوز؛ لأن طلبه أن يكون حافظاً لهذا البنك يعني: رضاه به وبمعاملته, أما إذا كان مسخراً من غيره، مثل: الشرطة والجنود الذين يوجهون إلى حماية هذه الأماكن فإنه لا شيء عليه, لأنه لم يرض لكن عمله يقتضي ذلك.

عقيدة أهل السنة والجماعة في حكم قاتل نفسه

السؤال: من المعلوم أن عقيدة أهل السنة والجماعة : أن العاصي إذا دخل النار لا يخلد, لكن ما الجواب عن ما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده ... في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً

الجواب: هذا إشكال, من المعلوم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن من دخل النار بذنب دون الكفر فإنه لا يخلد فيها, وقتل النفس ذنب دون الكفر, فما الجواب عما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) حيث ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام التأبيد, والجواب على هذا من أحد وجهين:

إما ألا تصح كلمة أبداً عن النبي عليه الصلاة والسلام وأن تكون كلفظ الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا [النساء:93] وليس فيها التأبيد, ويكون المراد بالخلود هنا: المكث الطويل.

وإما أن يقال: إن هذا مستثنى ممن يخلد في النار وليس من أهل الكفر, هذا إذا صحت هذه الكلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يبعد لأن الإنسان الذي يقتل نفسه -والعياذ بالله- قد يكون قلبه منسلخاً من الإيمان, أي: لا يقتل نفسه إلا فراراً من قدر الله, وعدم الصبر على قدر الله عز وجل فقد يكون قلبه في تلك اللحظة منسلخاً من الإيمان, كما جاء في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).

فالجواب عندي على أحد وجهين:

1- إما أن يقال: إن كلمة أبداً لم تصح, فيكون لفظ الحديث خالداً مطابقاً للفظ الآية.

2- وإما أن يقال إن هذا مستثنى.

لكن ظاهر مذهب أهل السنة : أن الأبدية هنا لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.

التحذير من غيبة ولاة الأمر

السؤال: كثرت في هذه الأزمان غيبة ولاة الأمور فما حكم غيبة الحاكم الذي لم يحكم بما أنزل الله؟

الجواب: غيبة ولاة الأمور محرمة من وجهين:

الوجه الأول: أنها غيبة مسلم، وقد قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12].

الوجه الثاني: أن غيبة ولاة الأمور يترتب عليها من الشرور والفساد ما لا يترتب على غيبة الرجل العادي؛ لأن الرجل العادي إذا اغتيب فإنما عيبه على نفسه, لكن ولي الأمر إذا اغتيب لزم من ذلك كراهة الناس له, وتمردهم عليه, وعدم تقبل توجيهاته وأوامره, وهذه مضرة عظيمة توجب الفوضى، وربما يصل الحال إلى القتال فيما بين الناس.

وأما من لم يحكم بما أنزل الله, فيقال: ينكر الحكم بغير ما أنزل الله, ولا ينكر علناً؛ لأنه لا فائدة من إنكاره علناً وإنما ينكر على الحاكم نفسه, ويكتب إليه بذلك, فإن كان الإنسان يستطيع أن يصل إلى الحاكم بنفسه فهذا المطلوب, وإلا كتب النصيحة وأعطاها من يوصلها إلى الحاكم.

حكم حلق رأس الغلام المولود

السؤال: ما السنة في المولود، فإننا نسمع سنناً فلا ندري ما صحتها, مثل: حلق رأسه؟

الجواب: حلق رأس الغلام في اليوم السابع سنة، جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحلق ويتصدق بوزنه ورقاً) أي: فضة, لكن بشرط أن يكون هناك حالق حاذق, لا يجرح الرأس, ولا يحصل فيه مضرة على الطفل, فإن لم يوجد فأرى ألا يحلق وأن يتصدق بشيء يكون وزن شعره من الفضة.

واقع المسلمين سبب في صد الناس عن الإسلام

السؤال: رجل يسمع عن الإسلام وهو غير مسلم, ويعرف أن الإسلام يدعو إلى التوحيد وأن هناك إلهاً واحداً, ولكن يرى من ظاهر المسلمين -هذا ما يصل إليه- أنهم شرسون وأنهم قتالون وأن نبيهم هكذا, ولكنه يؤمن بأن هناك إلهاً واحداً, فما جزاء هذا الإنسان يوم القيامة؟

الجواب: هذا كافر, ما دام أنه لم يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر, والواجب على من أراد الإسلام حقيقة -أي: إرادة حقيقية- أن ينظر في تعاليم الإسلام, وتوجيهات الإسلام لا في المسلمين؛ لأن المسلمين عندهم معاصٍ متنوعة, حتى إن بعضهم عنده الشرك الأكبر وهو دعاؤه لغير الله, تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم, حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) وجحر الضب معروف أنه متعرج ليس مستقيماً, حتى لو دخلوا هذا الجحر الضيق المتعرج الذي ليس بمستقيم لدخلتموه, فالواجب أن الإنسان الذي يريد حقاً أن يصل إلى الإيمان بالله عز وجل أن ينظر إلى الإسلام نفسه لا إلى المسلمين.

أما المسلمون فكما ترى الآن, فيهم الكذب والغش والزنا واللواط والسرقة والربا والشرك والعدوان بلا حق ولا ينبغي لهؤلاء, ثم هذه الأوصاف أيضاً ليست عامة لكل المسلمين بل في أناس مسلمين ربما لا يصادف هذا الرجل إلا من تخلق بمثل هذه الأخلاق, وتكون الطائفة المنصورة السليمة في جهة أخرى لا يدري عنها هذا الرجل, والواجب كما قلت وأكرر: إن على الإنسان أن ينظر إلى تعاليم الإسلام فقط لا إلى المسلمين.

حكم الزكاة على المال المقروض

السؤال: شخص سلف شخصاً آخر عشرة آلاف ريال وحال عليها الحول هل تجب عليها الزكاة على المسلف أو الدائن؟

الجواب: إذا كان الذي استسلفها غنياً بحيث يسلمها للمقرض في أي ساعة من طلبها فعليها زكاة, لأن هذه كالدراهم التي في الصندوق متى شاء أخذها, وإن كان فقيراً فلا زكاة عليه, لكن إذا قبضها فمن العلماء من يقول: يزكيها لما مضى, ومنهم من يقول: يزكيها سنة واحدة مما مضى, ومنهم من يقول: يبتدئ بها حولاً جديداً, والاحتياط: أن يزكيها لسنة واحدة مما مضى, يعني: إذا مضى عليها عشر سنوات يزكيها مرة واحدة.

فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة

السؤال: هل ورد حديث في فضل صيام أيام الحج لغير الحاج؟

الجواب: نعم. صوم يوم عرفة قال النبي عليه الصلاة والسلام في صومه: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) هذا يوم عرفة.

أيضاً: صوم تسع ذي الحجة كلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ولا شك أن الصوم من العمل الصالح.

حكم صلاة الغائب على الميت في بلاد المسلمين

السؤال: رجل توفي له أحد أقاربه في جدة وغسلوه وصلوا عليه, ويبعد عن المنطقة نحو (250كم) ولم يحضر خاله, فصلوا صلاة الغائب على الميت, بينما مات أناس كثيرون لم يصلوا عليهم, هل ننكر عليه ونقول: إنه لازم؟ فهل يكون فعله صحيحاً بدليل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي؟

الجواب: نقول له بهدوء: أعندك دليل على هذا؟

إذا قال عندي دليل وهي صلاة النجاشي , نقول: النجاشي ملك في الحبشة , قائد مات في بلد غير إسلامي, لم يعلم أنه صلي عليه فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام, لكن ألم يمت أناس كثيرون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في غير المدينة وما صلّى عليهم؟ سيقول: بلى, إذاً: كيف تصلي أنت على هؤلاء؟

ثم إن الصلاة على خالك أو قريبك في مجتمع الناس بدون إذن ولي الأمر خطأ, صلِّ عليه في بيتك مع أهلك كما تحب, لكن تفرض هذا على المسلمين الذين وراءك ليس بصحيح, قد يكون بعضهم يكره خالك, ولا يرى له فضلاً حتى يصلي عليه صلاة الغائب, فنحن نقول: صلاة الغائب لم تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة, ولم تحصل إلا في قضية واحدة معينة وهي الصلاة على النجاشي, والنجاشي كما قلت لك له ميزة لم تكن لغيره, ثم هو في بلد كفر, يعني الحبشة في ذلك الوقت ما أسلموا, فمن قال: إنه قد صلي عليه وأنه بعد ذلك صلّى عليه صلاة الغائب.

فإن هدى الله هذا الرجل بهذا فهذا المطلوب, وإلا قيل له: اكتب كتاباً إلى دار الإفتاء واستفتهم في ذلك.

السائل: هل ينتفع بصلاة الغائب هذا؟

الجواب: إذا صارت مشروعة ينتفع بها, وإن لم تكن مشروعة فلا ينتفع بها.

مسألة في البيع والشراء

السؤال: رجل أوصى رجلاً آخر أن يشتري له جهازاً إلكترونياً من أجل تحديد الاتجاهات, فذهب هذا الشخص واشتراها بمائة وخمسين ريالاً, فأتى وباعها على الشخص الثاني الذي أوصاه بمائتي ريال, ما حكم هذا يا شيخ؟

الجواب: لا تحل له الخمسون, الخمسون الزائدة حرام عليه, لأنه وكيل, ولقد اشتراها بنية لمن وكله, فالواجب عليه الآن -لو تقول له: جزاك الله خيراً- أن يرد الخمسين إلى من اشتراها له أو يستسمحه.

حكم قراءة الفاتحة من غير تدبر في الصلاة

السؤال: يعرض الشيطان للإنسان في صلاته كثيراً, ومنها في أوقات قراءة الفاتحة والتشهد, فإذا تأكد المصلي أنه قرأ الفاتحة حتى يصل إلى نهايتها, أو في آخر التشهد, فانتبه أنه قرأ الفاتحة من غير تدبر, هل يعيد الفاتحة أم لا يعيدها؟

الجواب: لا يعيدها, إذا غفل الإنسان عن الصلاة بالوساوس والهواجيس فإنه لا يعيد ما فاته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن: الشيطان يأتي للإنسان في صلاته ويقول: اذكر كذا.. اذكر كذا.. فيصلي ولا يدري ما صلّى. ولو قلنا: بأنه يعيد لكان الشيطان يتسلط عليه في الإعادة, ثم نقول: أعد ثانية وثالثة ورابعة، لكن على الإنسان أن يحاول ما استطاع أن يحضر قلبه في صلاته؛ لأن حضور القلب في الصلاة هو لب الصلاة, الذي يصلي وقلبه غير حاضر ما هو إلا آلة متحركة فقط.

مسألة التحاكم إلى الطاغوت

السؤال: هناك أحد الأفاضل من أهل العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -والحمد لله- استدل بآيات من سورة النساء أعرض عليك استدلاله إن شاء الله, في قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:60] إلى آخر الآيات, يقول: إن هذه الآيات تحدد منهجاً في الذين يتحاكمون إلى غير شريعة الله عز وجل وهم بلسانهم يعتذرون باعتذارات هي في ذاتها باللسان, أما الحقيقة في القلب فهي خلاف ذلك, فمن ناحية الفعل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً [النساء:61] لكن ما صدودهم؟ إذا كلمناهم ما صرحوا بعقيدتهم الفاسدة ولكن تلونوا واعتذروا: فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً [النساء:62] وهؤلاء الذين علم الله ما في قلوبهم ومع ذلك لم يأمرنا بقتلهم, ومع ذلك لو كانوا كفاراً لجاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً [النساء:63] فهذا يدلنا في قوله على أن من تحاكم بغير شريعة الله وصرح بأن حكم الله هو الحق وما دونه باطل فموقفنا معه الإعراض والنصيحة وليس التكفير والقتل, هذا الاستدلال فهل صحيح من هذه الآيات؟

الجواب: هذه الآيات يظهر من سياقها أنها نزلت في المنافقين, الذين يظهرون أنهم مسلمون ولكنهم لا يؤمنون بالإسلام, وإنما يضمرون الكفر, فمن كانت هذه حاله فلا شك أنه داخل في المنافقين, وإنما لم يأمر الله بقتلهم؛ لأن المنافق لا يعامل إلا بظاهر الحال, كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن قتل المنافقين: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولو ذهبنا نقتل كل من اتهمناه بالنفاق, لكان في ذلك مفسدة عظيمة, ولهذا قال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فنحن لا نعلم ما في القلوب, فحكمنا على الظاهر.

هؤلاء المنافقون يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت لكن قد لا يتسنى لهم ذلك؛ لأنهم في دولة قد سيطر عليها الحكم الإسلامي, لكنهم يحبون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أي: إلى ما يخالف الشرع, وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وقد تمكن منهم, وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ولا يقولون: لا. لكنهم يصدون ويعرضون دون أن يصرحوا بكلمة (لا) لأنهم لو صرحوا بها لكانوا كفاراً صرحاء.

فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي: واطلع عليهم وعلى نفاقهم, (ثم جاءوا يحلفون بالله) جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يحلفون بالله إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً .

والآية صريحة بأن هؤلاء محكومين وليسوا حاكمين, ولهذا يأتون يعتذرون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً .

فهذا الاستدلال صحيح، أن تكون الدعوة بالنسبة للمنافقين بالموعظة والنصيحة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يجد منابذة الولاة إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فنحن لا نعلم ما في قلب ولي الأمر، وتعرف أن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يصرحون لكنهم يعتذرون بأعذار غير صحيحة, وإلا فهم يصرحون, يقولون: نعم نحن نقول هذا ونقول هذا القانون ونعلم أنه يخالف الشرع لكنهم يأتون بأشياء يتأولونها, لكن أولئك المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصرحون يصدون ويعرضون لكن دون أن يقولوا: لا نقبل.

حكم الدعاء بـ (يا من لا تراه العيون، ولا يصفه الواصفون)

السؤال: روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته, يقول الأعرابي: يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه ظنون, ولا يصفه الواصفون, فأقره صلى الله عليه وسلم بإعطائه ذهباً كما تعلم جزاك الله خيراً, فكيف لا يصفه الواصفون, ونعرف منهج أهل السنة والجماعة أن من عقيدة أهل السلف أن الله يوصف بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, وكذلك يرى الله سبحانه وتعالى في الآخرة وهو يقول: يا من لا تراه العيون؟ علماً أننا نسمع بعض الأئمة يردد هذا الدعاء في رمضان؟

الجواب: هذا الحديث منكر, ومكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام, لأنه يخالف الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] ويخالف السنة, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصف ربه بما يصفه به, وكذلك أجمع السلف على وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصف به رسوله.

وأنا أنصحك وغيرك ممن يستمع: ألا تعتمدوا على مجرد السند حتى لو تدبرنا سند هذا مع أني ظان أنك لو رجعت إلى سنده لوجدت أنه لا يعتمد عليه, لكن حتى لو فرضنا أن السند لا بأس به فلا بد أن نعرف المتن, ولهذا من الشرط الصحيح: ألا يكون معللاً ولا شاذاً. وهذا لا شك أنها علة عظيمة إذا خالف ظاهر القرآن فلا عبرة به, ولا يحتاج أن نتأوله ونقول: لا تراه العيون في الدنيا, ولا يصفه الواصفون أي: لا يحيطون بوصفه, لا حاجة أن نتأول حديثاً على هذا الوجه؛ لأن أصل الحديث غير صحيح.

وبالنسبة للدعاء به من قبل الأئمة فهذا لا يجوز، ولو أننا تتبعنا دعاء الأئمة لوجدنا خللاً كثيراً, فلا يجوز الدعاء بهذا.

الحكمة من عدم لبس المخيط في الحج والعمرة

السؤال: ما الحكمة من عدم لبس الثياب غير المخيط في الحج والعمرة؟

الجواب: ما معنى: لبس الثياب غير المخيط في الحج والعمرة؟

المخيط هو القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف, وإنما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن لبس هذه الأشياء من أجل أن يكمل ذل الإنسان لربه عز وجل ظاهراً وباطناً؛ لأن كون الإنسان يبقى في رداء وإزار ذل, تجد أغنى الناس الذي يستطيع أن يلبس أفخر لباس تجده لا يلبس إلا كأفقر الناس لكمال الذل.

وأيضاً من أجل إظهار الوحدة بين المسلمين, وأنهم أمة واحدة, حتى في اللباس, ولهذا يطوفون على بناء واحد, ويقفون في مكان واحد, ويبيتون في مكان واحد, ويرمون في موضع واحد.

الفائدة الثالثة: أن الإنسان يتذكر أنه إذا خرج من الدنيا, فلن يخرج إلا بمثل هذا, لن يخرج بأفخر اللباس, سيخرج في كفن.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه, وأن يجعل عملنا وعملكم في طاعته واجتناب معاصيه, والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [120] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net