إسلام ويب

شرح الشيخ من سورة النجم الآيات المتعلقة بالآلهة المزعومة مع الله، وكيف أن الله عز وجل أبان اللثام عن حقيقتها المزيفة، وكذا بيان أنها لن تشفع لهم يوم القيامة، وضرب الله المثل بالملائكة الذين عنده فكيف بهذه الأحجار؟! وأجاب بعد هذا عن أسئلة متفرقة في أبواب العبادات والمعاملات والإيمان بالغيب.

تفسير آيات من سورة النجم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء التاسع والستون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، لقاءات الباب المفتوح، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل فيها الخير والبركة، وهي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر رجبٍ عام (1418هـ).

وقبل أن نبدأ بموضوع الدرس نزجي الشكر لله عز وجل على نعمه وفضله بهذا الغيث العميم، وهذا المطر القوي الشامل، ونسأل الله تعالى أن يجعل فيه الخير والبركة، وأن يغيث القلوب بالعلم والإيمان إنه على كل شيء قدير.

تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى...)

موضوع اللقاء في هذا اليوم هو الكلام على ما تيسر على آيات من سورة النجم، انتهينا فيما سبق إلى آيات في قول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:18] فلما بين الله سبحانه وتعالى ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه العظيمة في الآفاق قال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19]؟

وهذا الاستفهام للتحقير والانحطاط أي: انحطاط رتبة هذه الأصنام التي ذكرها الله عز وجل يعني: أخبروني بعد أن سمعتم من آيات الله الكبرى ما سمعتم .. أخبرونا عن شأن هذه الأصنام ما قيمتها .. ما مرتبتها .. ما عزتها، أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم:19-20] ثلاثة أصنامٍ مشهورة عند العرب يعبدونها من دون الله، ويخضعون لها كما يخضعون لله، ويتقربون إليها كما يتقربون لله عز وجل، ومع ذلك هم يعتقدون أنها لا تنفعهم عند الشدة، إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، وعلموا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا رب العالمين، لكن الشيطان سَوَّلَ لهم وأملى لهم في عبادة هذه الأصنام التي يدعون أنها تقربهم من الله تعالى، كما قال الله عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] ولكنها في الحقيقة لا تقربهم إلى الله بل تبعدهم منه.

أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم:19-20] الثالثة بالنسبة للاثنتين قبلها، (الأخرى) يعني: المتأخرة وكأنها -والله أعلم- دون اللات والعزى في المرتبة عند العرب.

تفسير قوله تعالى: (ألكم الذكر وله الأنثى ...)

ثم قال تعالى منكراً على هؤلاء المشركين: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى [النجم:21] يعني: أتجعلون لكم الذكور ولله الإناث؟!

وذلك في قولهم: إن الملائكة بنات الله، وهم لم يشهدوا خلق الملائكة ولم يطلعوا على ذلك، كما قال الله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف:19] والجواب: لا، لم يشهدوا خلقهم، لكن مع ذلك ستكتب هذه الشهادة عليهم: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ [الزخرف:19] نسأل الله العافية.

كانوا إذا بشر أحدهم بالأنثى ماذا يصنع؟ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ [النحل:58-59] ومع ذلك يجعلون لرب العالمين الذي خلق الذكر والأنثى .. يجعلون له البنات ويجعلون لأنفسهم البنين، هل هذه القسمة قسمة عدل أو قسمة جور؟

قسمة جور تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم:22] يعني: تلك القسمة وهي أن يجعلوا لله البنات ولهم البنين (قسمة ضيزى) أي: جائرة مائلة عن الحق؛ لأننا لو قلنا: بأنه جائز أن يكون لله ولد، لكان الأولى أن يكون له البنون؛ لأن البنين أعلى من البنات بلا شك، وهو سبحانه وتعالى أعلى من المخلوقين، فيجب أن يكون الأعلى للأعلى والأدنى للأدنى، هذه القسمة العادلة لو كان هناك قسمة.

ثم هناك قسمة أخرى دونها في العدل لكن فيها عدل: أن يجعلوا لله بناتاً ولهم بنات، ولله بنين ولهم بنين، لكن ما فعلوا هذا، جعلوا الأدنى للخالق والأعلى لهم، ولهذا قال عز وجل: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم:22].

تفسير قوله تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ...)

ثم أعاد الله عز وجل بيان حقيقة هذه الأصنام المعبودة، فقال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا [النجم:23].

(إن) هنا نافية بمعنى: ما، وهذا ضابط ينتفع به طالب العلم: أنه إذا أتت (إلا) مثبتة بعد (إن) فـ (إن) هنا تكون نافية، مثل: إن هذا إلا بشر، إن هذا إلا مجتهد، وما أشبه ذلك.

فإن هنا نافية، بمعنى: ما هي إلا أسماء سميتموها، يعني: ما هذه الأصنام إلا مجرد أسماء لا حقيقة لها، أسماء .. سموها إلهاً ومعبوداً ولكن لا حقيقة لذلك، ما هي إلا مجرد أسماء، وهل الاسم يدل على مسماه؟

لا. لو أنك سميت الحديد خشباً ما صار خشباً، ولو سميت الخشب حديداً ما صار حديداً، ولو سميت البغل حماراً لم يكن حماراً ... وهكذا، هذه الأصنام يسمونها آلهة هل تكون إلهاً؟

لا. ما هي إلا مجرد اسم، والاسم بلا مسمى لا فائدة منه، ولهذا قال: إِنْ هِيَ أي: ما هذه الأصنام والمسميات إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ أنتم المخاطبون الذين أدركوا زمن الرسالة والقرآن وآباؤكم يعني: الأجداد السابقين، ما هذه الأصنام إلا مجرد اسم مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ (ما) نافية يعني: أن الله عز وجل لم ينزل بها دليلاً، وسمي الدليل سلطاناً؛ لأن صاحب الدليل معه سلطة يعلو بها على خصمه، ومن ليس له دليل ليس له سلطان، فالسلطان يأتي دائماً بمعنى الحجة أي: الدليل؛ لأن من معه الدليل فهو ذو سلطة على خصمه.

مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ماذا تقولون في (إن)؟

( إن يتبعون إلا الظن) نافية بمعنى: (ما) بناء على الضابط الذي ذكرته لكم، أنه إذا جاءت (إلا) مثبتة بعد (إن) فإن تكون نافية، (إن يتبعون) أي: هؤلاء وآباؤهم (إلا الظن) أي: الوهم الذي لا حقيقة له؛ لأنهم يقولون: هذه آلهة، على أي شيء اعتمدوا؟

على الوهم، فالظن هنا بمعنى الوهم، أي: ما يتبع هؤلاء لقولهم: أنها آلهة (إلا الظن) أي: الوهم والخيال الذي لا حقيقة له، إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23] يعني: وما تميل إليه نفوسهم من الباطل.

ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] الجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المحذوف، واللام، وقد، والتعبير على هذا الوجه كثيرٌ في القرآن الكريم، وهو تأكيدٌ بثلاثة مؤكداتٍ كما قلت لكم: القسم، واللام، وقد.

القسم تقديره: والله! لقد جاءهم من ربهم الهدى، واللام موجودة و(قد) موجودة، فيؤكد الله عز وجل هنا أنه قد جاءهم من ربهم الهدى، وفي قوله: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ لم يقل: (من الله) إشارة إلى أنه لا يجوز تلقي الشريعة إلا من عند الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الرب، والرب هو الخالق المالك المدبر.

الْهُدَى فاعل جاء، والمراد به العلم المقابل بقوله: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ هم يتبعون الظن والعلم جاء من عند الله وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى أي: العلم على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام الذين خُتموا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

تفسير قوله تعالى: (أم للإنسان ما تمنى...)

قال تعالى: أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى [النجم:24] (أم) هنا منقطعة، لأنها تأتي منقطعة وتأتي متصلة، إذا كان هناك مقابل فهي متصلة، وإذا لم يكن مقابل فهي منقطعة، فإذا قلت: أعندك زيدٌ أم عمرو فهي متصلة، وإذا قلت في مثل هذه الآية: أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى فهي بمعنى: بل، وهمزة الاستفهام يعني: بل أللإنسان ما تمنى؟

والاستفهام هنا للإنكار والنفي أي: ليس للإنسان ما تمنى.

كم يتمنى الإنسان من شيء ولكن لا يحصل؛ لأن هناك مدبراً وهو الله عز وجل، فليس للإنسان ما تمنى، إشارة إلى رد صنيع هؤلاء المشركين الذي يعبدون أصناماً يقولون: إنها تقربهم إلى الله، فهل لهم ذلك؟

الجواب: ليس لهم ذلك، لا تقربهم.

أيضاً رداً لقولهم: إن لله البنات ولهم البنين، هل لهم ذلك؟

لا. هم وإن تمنوا هذا وصار في مخيلتهم فإنه لا يحصل ذلك؛ لأن لله الآخرة والأولى، ولهذا قال: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى [النجم:25] وليس للإنسان ما تمنى، كثيراً ما يتمنى الآن في الحياة اليومية .. كثيراً ما يتمنى الإنسان شيئاً ولكن لا يحصل .. كثيراً ما يتمنى الشيء ويسعى في أسبابه ولكن لا يحصل؛ لأن الأمر بيد الله جل وعلا، ولهذا قال: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى وبدأ بالآخرة؛ لأن ملك الله عز وجل في الآخرة يظهر أكثر مما في الدنيا، الدنيا فيها ملوك ورؤساء وزعماء يرى العامة أن لهم تدبيراً، لكن في الآخرة لا يوجد هذا، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] هكذا قال الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (وكم من ملك في السماوات والأرض...)

قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] (كم) تكثيرية؛ لأنها تأتي تكثيرية يعني: كثيراً ما، وتأتي استفهامية، فإذا قلت لك: كم مالك؟ استفهامية، وفي قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها [الأعراف:4] لتكثيرها، هنا وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ يعني: كثيرٌ من الملائكة في السماوات لا تغني شفاعتهم، وهنا يقول: كَمْ مِنْ مَلَكٍ وما أكثر الملائكة كما قال الله تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26].

فِي السَّمَاوَاتِ لا في الأرض، والسماوات أعلى من الأرض، إذا كان هؤلاء الملائكة الكرام الذين مقرهم السماوات -إلا من أذن له أن ينـزل الأرض- إذا كانت شفاعتهم لا تنفع، فهل يمكن أن تنفع شفاعة اللات والعزى ومناة؟!!

الجواب: لا. يعني: كأن الله يقول لهؤلاء: ما أصنامكم هذه التي تستشفعون بها على الله، (كم من ملك) وهو أشرف من هذه الأصنام (في السماوات) وهي أشرف من الأرض (لا تغني شفاعتهم شيئاً) لو شفع ما تغني إلا بشرطين:

(إلا أن يأذن الله لمن يشاء) من الملائكة أن يشفع فيشفع، (ويرضى) أن يرضى عن المشفوع له، وكذلك عن الشافع؛ لأنه لا يمكن أن يأذن للشافع إلا بعد أن يرضى عنه، ولابد أن يرضى عن المشفوع له، وإلا فلا تنفع الشفاعة كما قال عز وجل: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] فأصنامكم هذه لن تنفعكم ولن يقبل الله شفاعتها، فشروط الشفاعة الآن ثلاثة:

الأول: رضا الله عن الشافع: بأن يكون أهلاً للشفاعة لكونه من المقربين إلى الله عز وجل.

والثاني: أن يرضى عن المشفوع له: بأن يكون أهلاً لأن يشفع له، أما الكافر فما تنفعهم شفاعة الشافعين.

الثالث: الإذن: لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255].

فلابد من شروطٍ ثلاثة: رضا الله عن الشافع، وعن المشفوع له، وإذنه في الشفاعة.

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى وهذا فيه تيئيس هؤلاء المشركين من شفاعة آلهتهم لهم.

الأسئلة

حكم قرض المال مع اشتراط نصف أرباحه

السؤال: فضيلة الشيخ: استلف رجلٌ مالاً من آخر مقابل أن يأخذ نصف الربح الذي سيصيبه المدين، فهل هذا الأمر جائز بارك الله فيكم؟

الجواب: رجل استلف من شخص مالاً يتجر به على أن يكون للمقرض نصف الربح، هذا حرام ولا يجوز؛ لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم: أن كل قرض جر منفعة فهو ربا، لكنْ خيرٌ من ذلك أن يقول: خذ هذا المال اتجر به ولك نصف ربحه، إذا قال قائل: ما الفرق بين هذا وهذا؟

الآن فهمنا أنه لو أقرضه عشرة آلاف ريال وقال: هذه عشرة آلاف ريال قرضاً على أن لي نصف الربح.

الجواب: حرام أم حلال؟ حرام؛ لأنه قرضٌ جر نفعاً.

لكن لو قال: خذ عشرة آلاف اتجر بها ولك نصف الربح؟ حلال، ما الفرق؟ الفرق أنه في القرض لو خسر المال تكون الخسارة على المدين؛ لأنه استقرض عشرة آلاف وثبت في ذمته عشرة آلاف، لكن في مسألة المضاربة إذا قال: خذ عشرة آلاف اتجر بها ولك نصف الربح، إذا خسر المال أو تلف يكون ذلك على المضارب الذي دفع المال.

ولا تفصيل إلا هذا الذي قلته، رجل أقرض مالاً عشرة آلاف ريال وقال: اتجر به ولي نصف الربح، اتجر الرجل بالمال وخسر أو تلف، من يضمن العشرة ألف؟ نفس المقترض، سلم عشرة للذي أقرضه.

المسألة الثانية: أعطاه عشرة الآلاف قال: خذ هذه عشرة آلاف مضاربة اتجر بها ولك نصف الربح، ثم إن الله قدر على هذا المال واحترق على من يكون؟ على صاحب المال، وهذا فرق واضح.

حكم تأخير المسافر لصلاة دخل وقتها وهو في الحضر

السؤال: إذا خرج المسافر من بلده بعد دخول وقت صلاة تجمع مع ما بعدها هل له تأخيرها بعد خروج وقتها ليجمعها في وقت التي بعدها؟

الجواب: إذا خرج المسافر بعد دخول وقت صلاة الظهر مثلاً، والظهر تجمع مع العصر، فله إذا خرج أن يجمع ويقصر، حتى وإن كان دخول الوقت في حال الحضر؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بوقت الصلاة، هذا هو الضابط.

وبناء على ذلك: لو وجبت صلاة الظهر وأنت في السفر ثم قدمت بلدك فصل أربعاً مع أنها وجبت عليك ركعتين، لكن تصلي أربعاً لأن العبرة بالفعل، ولو دخل وقت الصلاة وأنت في بلدك ثم سافرت وصليت في البر، صليت ركعتين؛ لأن العبرة بفعل الصلاة.

عورة المرأة بين محارمها وفي مجتمعات النساء

السؤال: فضيلة الشيخ: ما هو الحد الذي يجوز للمرأة أن تخرج من يديها عند المحارم وفي مجتمعات النساء؟

الجواب: الذراع والساق والرقبة والرأس والوجه كل هذا جائز، لكن ليس معنى هذا: أن تتخذ المرأة ثياباً تكون إلى الركبة أو إلى المرفق، لا، لابد أن تتخذ ثياباً ساترة واقية، لكن لو قدر أنها كشفت عن ذراعيها لشغل ما، وحولها نساء أو محارم فلا بأس، أو رفعت ثوبها لسبب وظهر ساقها وعندها محارم أو نساء فلا بأس، ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين اللباس وبين ما يمكن أن يُرى؛ اللباس لابد أن يكون لباس المرأة واقياً ساتراً حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أذن للنساء أن يرخين ثيابهن شبراً إلى الأرض من أجل أن تستتر الأقدام قالوا: يا رسول الله! إذاً: تنكشف أقدامنا، فأذن لهن أن يرخينه إلى ذراعاً، وهذا يدل على أن اللباس شيء والنظر شيء آخر.

السائل: ولو ارتدت ثياباً إلى المرفق وإلى الركبة؟

الشيخ: نرى أنه لا يجوز؛ لأن المرأة يجب أن تتستر، وفتنة المرأة عظيمة، وأنا أقول لك: لو جوزنا أن تلبس المرأة إلى المرفق أمام النساء، أتدري ماذا يحدث؟ سوف يكون بعد زمنٍ قريب إلى الكتف وما أسرع النساء إلى عدم التستر، فنحن نمنع هذا من باب سد الذرائع.

معنى قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله ...)

السؤال: فضيلة الشيخ: ما المراد بقول الله تعالى في سورة الأعراف: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]؟

الشيخ: يعني: أن الشيطان يرانا ونحن لا نراه.

السائل: والمراد بالقبيلة؟

الشيخ: القبيلة هذه من جنسه والمراد ذريته، والمعنى: أن نحذر من الشيطان؛ لأنه يرانا ونحن لا نراه، فربما يكون قريباً منا ونحن لا نشعر، فحذرنا الله عز وجل من ذلك .. أن نأخذ الحيطة في عدم الركون إلى الشيطان وأوامره.

السائل: وهل يفهم من قوله: (من حيث لا ترونهم) عدم إمكانية رؤية الإنس للجن؟

الشيخ: هذا هو الأصل، لكن قد يكشفهم الله عز وجل ويراهم الناس.

حكم استخدام التاريخ الميلادي

السؤال: فضيلة الشيخ: سؤالي يتكون من شقين:

الأول: هو أن بعض الناس يقولون: لا نقدم التاريخ الميلادي على التاريخ الهجري من أجل الموالاة والمناصرة، ولكن التاريخ الميلادي أضبط من التقويم الهجري من ناحية يرونها، ويقولون: إن أغلب الدول تستخدم هذا التقويم؛ فلم نشذ ونخالفهم؟

الجواب: الواقع أن التوقيت بالأهلة هو الأصل لكل البشر، هذا هو الأصل، اقرأ قول الله تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] للناس كلهم، واقرأ قول الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36] فما هذه الأشهر؟ الأشهر بالهلالية، ولهذا فسرها النبي عليه الصلاة والسلام أعني الأربعة، بأنها: رجب مضر، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، هذا هو الأصل، وهذه الشهور التي بين أيدي الناس الآن شهور وهمية، ليست مبنية على أساس، ولو كانت بروجاً لكان لها أساس، البروج واضحة في السماء ومعروفة نجومها وأوقاتها، لكن هذه الوهمية ما لها أساس إطلاقاً بدليل بعضها يكون ثمانية وعشرين، وبعضها يكون واحداً وثلاثين، ليست مبنية على الأصل.

لكن إذا ابتلينا وصار لابد من ذكر التاريخ الميلادي، فلماذا نعدل عن التاريخ الهجري العربي الشرعي إلى هذا التاريخ الوهمي الذي ليس له أساس؟!

بالإمكان جداً أن نؤرخ بالتاريخ العربي ثم نقول: الموافق كذا، نظراً إلى أن كثيراً من البلاد الإسلامية لما استعمرها الكفار حولوا التاريخ إلى تاريخهم استعباداً واستذلالاً للشعوب.

فنقول: إذا ابتلينا وصار لابد أن نذكر التاريخ الميلادي فليكن أولاً بالعربي الهجري الشرعي ثم نقول: الموافق كذا.

السائل: الشق الثاني من السؤال: وهو أن بعض الشركات تقول: نحن لا نستخدم هذا التاريخ الميلادي لأجل الموالاة ولكن الشركات العالمية التي نتعامل معها تعمل بهذا التاريخ، فلابد من أن نتعامل بهذا التقويم وإلا ففيه ضرر علينا من ناحية المواعيد والتسليم والصادر والوارد وما إلى ذلك فما الحكم؟

الجواب: الحكم سهل ألا يمكن أن نجمع بينهما تقول: اتفقت أنا وفلان على كذا وكذا في يوم الأحد الموافق كذا من الشهر الشرعي العربي، ثم تذكر الميلادي، هل هو يمكن؟

السائل: بلى، ممكن.

حكم زيادة (وبركاته) في السلام

السؤال: فضيلة الشيخ: هل الأفضل في السلام من الصلاة زيادة (وبركاته) وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟

الجواب: الحديث الوارد في هذا تكلم فيه العلماء فأنكره بعض أهل العلم كـالنووي رحمه الله وقال: إنه ضعيف، ولا يعتمد عليه ولا يزاد (وبركاته) وهذا هو الأصل: أنك لا تزيد (وبركاته)؛ لأنها لم تصح، والأحاديث كثيرة متكاثرة على الاقتصار على (..ورحمة الله).

مذهب الإمام أحمد في الدعاء للسلطان

السؤال: فضيلة الشيخ: هل ثبت عن الإمام أحمد أنه قال: (إذ رأيت الرجل يدعو لولي الأمر فاعلم أنه صاحب سنة)؟

الجواب: والله! لا أدري، لكنه إن لم يكن ثابتاً عنه بالسند فهو مذهبه في الحقيقة؛ لأنه روي عنه وعن الفضيل بن عياض رحمهما الله أنهما قالا: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان، فلا يبعد أن يكون هذا؛ لأن الذي لا يدعو للسلطان فيه بدعة من بدعة قبيحة، وهي: الخوارج -الخروج على الأئمة- ولو كنت ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لدعوت للسلطان؛ لأن السلطان إذا صلح صلحت الرعية، أما بعض الناس إذا رأى من سلطانه انحرافاً وقيل: ادع الله أن يهديه، قال: لا.. لا.. هذا لن يهديه الله، ولكن أدعو الله أن يهلكه .... إذاً! كيف لا يهديه الله، أليس الله هدى بعض أئمة الكفر؟!!

هداهم، ثم إذا قدر أن الله أهلكه كما تحب أنت الآن من الذي يتولى بعده؟ من البديل؟ الآن الشعوب العربية التي قامت على الثورة اسأل أهل البلدان: أيها أحسن: عندما كانت البلاد ملكية أو لما كانت ثورية؟ سيقولون بلسان واحد بآن واحد قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم: عندما كانت ملكية أحسن بألف مرة، وهذا شيء واضح.

حكم الكلام في خطبتي العيد والاستسقاء

السؤال: فضيلة الشيخ: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (من مس الحصى فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له) هل ينطبق ذلك على خطبة العيد أو الاستسقاء؟

الجواب: العلماء رحمهم الله يقولون: إنه لا ينطبق، تحريم الكلام خاص بخطبة الجمعة، ولا شك أن الوعيد الخاص يكون في العمل الخاص الذي رتب عليه الوعيد، لكن لا أرى أن الإنسان في خطبة العيد أو في خطبة الاستسقاء لا أرى أن يتحدث إلى أحد، نقول: إما أن تنصت وتتبع المسلمين وإما أن تنصرف، خطبة الجمعة لا يمكن الانصراف منها، وخطبة الاستسقاء والعيدين للإنسان أن ينصرف، ولهذا كان من حكمة كونهما بعد الصلاة أن الإنسان يكون بعد الصلاة حراً إن شاء بقي لاستماع الخطبة وإن شاء انصرف، بخلاف خطبة الجمعة يجب حضورها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9].

وجوب الإيمان بالغيب دون العلم بالكيف

السؤال: فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونبهنا كثيراً على أن السائل إذا سأل لا يحتاج إلى تقديم السلام؛ لأنه جالس معنا، والسلام إنما يكون من القادم.

السؤال: يقول الله عز وجل: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133] فإذا كانت الجنة عرضها كعرض السماء والأرض فأين تكون النار؟

الجواب: أولاً هذا السؤال غير وارد يا أخي! لم يورده إلا يهودي على الرسول عليه الصلاة والسلام، والمسلم لا يورد هذا السؤال، المسلم إذا أخبره الله بخبر يقول: آمنا وصدقنا ولا يعترض.

(عرضها السماوات والأرض) هل هو الآن أم فيما بعد؟

وإذا قدر أنه الآن فالجو واسع ما فوق السماوات فضاء لا يعلم مدى سعته إلا الله عز وجل.

فأولاً: يجب علينا -أيها الإخوة- أن ما أخبر الله به من أمور الغيب أن نقول: آمنا وصدقنا، ولا نورد إيرادات؛ لأن الأمر فوق مستوى عقولنا، وهذه قاعدة في أمور الغيب المتعلقة بالله عز وجل أو بمخلوقاته، أليس الناس في يوم القيامة في صعيدٍ واحد؟

بلى. في صعيدٍ واحد، بعضهم يلجمه العرق حتى يصل إلى فمه، وبعضهم إلى كعبيه وهم في مكانٍ واحد، هل يقول قائل: كيف يصير هذا، أم يقول: آمنا وصدقنا؟

يقول: آمنا وصدقنا، فأمور الغيب أوسع من عقولنا -يا رجل- لا يصح أن تورد مثل هذا الإيراد على أمور الغيب، أمور الغيب إذا صحت في القرآن والسنة فما موقفنا منها إلا السمع والإيمان والتصديق.

أما هذا اليهودي الذي أورد هذا على الرسول فقد قال له: (أين الليل إذا ذهب النهار؟) فأبطل حجته بأمرٍ محسوس.

فعلى كل حال: النصيحة أكبر من هذا السؤال، وهي أن أمور الغيب لا يمكن أن يجرى عليها كلمة (لم) أبداً، ولا كلمة: (كيف) لأن الأمر فوق عقولنا، وما أنت أيها الإنسان! هل أحصيت علم كل شيء؟ أبداً، إذا ما بقي عليك إلا هذه المسألة من العلوم، تلك الساعة نتعب ونبحث عن المخرج، ولهذا لما سألوا الرسول عن الروح ماذا قال الله لهم؟ قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] أمر ما تستطيعون أن تدركوه، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] سبحان الله! يعني: هل عثرتم على كل العلوم إلا علم الروح؟!! أكثر العلوم فاتتكم وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] وهذا عجب! روحك التي بين جنبيك والتي لا قوام لك إلا بها لا تدري ما هي؟! نحن لا نعلم من الروح إلا ما جاءت به النصوص في القرآن والسنة وإلا فلا ندري.

حكم إعادة صلاة المغرب تنفلاً

السؤال: فضيلة الشيخ: شخصٌ صلى المغرب ودخل شخصٌ آخر فأراد أن يتصدق عليه فصلى معه، وبعد الصلاة قال له أحد الإخوان: لابد أن تأتي بركعة لأنك صليت وتر النهار؟

الجواب: الصواب: لا، لا يأت بركعة؛ وذلك أن صلاة المغرب هذه معادة وليست صلاةٍ مستقلة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجلين اللذين تخلفا عن الصلاة معهم في الفجر: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) ولم يقل: إلا المغرب فاشفعوها.

فالمهم أن الإنسان إذا صلى المغرب معادة فإنه لا يشفعها، وإنما يأتي بها ثلاثية.

حكم مس المصحف للصغار بدون وضوء

السؤال: فضيلة الشيخ: وفقكم الله تعالى: هل تشترط الطهارة في مس المصحف، وكذلك قراءة القرآن خصوصاً في المدارس عند الطلاب والطالبات وفقكم الله؟

الجواب: أما قراءة القرآن بلا مس فتجوز بلا وضوء، لكن الوضوء أفضل، وأما مس المصحف بدون حائل فالصحيح أنه لا يجوز ممن لم يتوضأ، لابد من الوضوء، لكن الصغار الذين دون التكليف ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب عليهم الوضوء لعدم تكليفهم، والمقصود بقراءتهم هو التعليم دون القراءة.

فأنا أقول: بالنسبة للصغار كما يقول العامة: (أكرب وجهك وأرخ يديك) يعني: مرهم بالوضوء لكن لا تشدد عليهم.

وإلى هناك ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادمٍ إن شاء الله تبارك وتعالى.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [169] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net