إسلام ويب

في الكون آيات عظيمة تدل على عظمة الخالق وحكمته، ولقد كان للقرآن الكريم دور كبير في إبراز هذه الآيات وتبصير المشركين بها. وفي هذا اللقاء تفسير لتلك الآيات القرآنية التي وردت في سورة (ق) والدالة على عظمة الخالق وحكمته سبحانه وتعالى، ثم الإجابة عن أسئلة الجمهور.

تفسير آيات من سورة (ق)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فإنه يسرنا أن نلتقي في هذا الشهر، شهر جمادى الآخرة، عام (1413هـ) في لقائنا الشهري الذي وافق في هذا الشهر ليلة الأحد التاسع عشر من جمادى الآخرة، ولقد كنا نتوقع أن ترد إلى هذا اللقاء أسئلة عن مشاكل اجتماعية تتعلق بالعمال، أو تتعلق بما قد يوجد في بعض الأسواق أو ما أشبه ذلك، ولكن حتى الآن لم يرد إلينا شيء، فنبقى على الأصل وهو الكلام على تفسير سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1].

لأننا اخترنا أن يكون التفسير من سورة (ق)؛ لأن سورة (ق) وما بعدها من السور إلى آخر القرآن هو الذي يتكرر دائماً بين المصلين ويسمعونه من الأئمة.

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا..)

أظن أننا وقفنا على قول الله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:6-8].

ففي قوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ [ق:6] الضمير يعود إلى هؤلاء الذين كذبوا بالبعث وقالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] فحثهم الله عز وجل حثاً بتوبيخ إلى أن ينظروا إلى السماء التي فوقهم: كَيْفَ بَنَيْنَاهَا [ق:6] أي: بنيناها بقوة وجعلناها سقفاً محفوظاً، وجعلناها سقفاً مستوياً سليماً: رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [المرسلات:28] وليس فيها من فروج ولا شقوق ولا عيب على طول الأزمنة التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.

وقوله تعالى: كَيْفَ بَنَيْنَاهَا [ق:6] أضاف البناء إليه؛ لأنه عز وجل هو الذي خلقها، وبناؤه إياها ليس كبناء الناس للسقوف، يأتون بالعمال والزنابيل والمعاول واللبنات.

بناؤه إياها أنه: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11] كلمة واحدة تم بها كل شيء.

وَزَيَّنَّاهَا [ق:6] بماذا زينها؟

زينها الله عز وجل بالمصابيح، بالنجوم، فما أجمل السماء!

لو كنت في بر وكنت بعيداً عن الأضواء الكهربائية، ورأيت هذه النجوم اللماعة لعرفت مقدار هذه الزينة، فزينها الله بالنجوم، وخلق الله هذه النجوم لثلاث:

الأول: زينة للسماء.

الثاني: ورجوماً للشياطين.

والثالث: علامات يهتدى بها، كما قال تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16].

قال تعالى: وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6] أي: ليس للسماء (من فروج) أي: من شقوق تعيبها وتئول بها إلى الدمار بل هي قوية محكمة، كما قال الله تعالى: (فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:3-4].

وهنا نسأل: كم عدد السماوات؟

الجواب: عددها سبع بنص القرآن: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [المؤمنون:86] بعضها فوق بعض والمسافات بينها بعيدة جداً ، وكل سماء لها سكان يسكنونها من الملائكة بأمر الله، وفي حديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى آدم ورأى الأنبياء في السماوات على درجات مختلفة، فالسماء كلها معمورة من الدنيا إلى السابعة، وليس فيها شيء من الخلل أو الفطور أو النقص، بل هي محكمة إلى أن يطويها الله عز وجل يوم القيامة: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104].

تفسير قوله تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ

قال تعالى: وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [ق:7] (الأرض مددناها) أي: جعلناها ممتدة صالحة للسكنى عليها، ليست منحنية إنحناءً يخل بالسكنى عليها ولكنها ممتدة، وهذا الامتداد غير الامتداد المذكور في قوله تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ [الانشقاق:1-4]؛ لأن الامتداد الثاني الذي يكون يوم القيامة امتداد تبسط فيه الأرض، وتمد مد الأديم (أي: الجلد) وليست كرة -كما هي الآن عليه- بل تمتد مداً واحداً وتزال الجبال والأشجار والأودية فيذرها الله: قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه:106-107].

وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [ق:7] أي: وضعنا فيها رواسي وهي: الجبال، كما قال تعالى: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [المرسلات:32] هذه الجبال وصفها الله تعالى بأنها مرساة، ووصفها في موضع آخر بأنها أوتاد.

قال علماء الجولوجيا: إن هذه الجبال لها جذور في داخل الأرض كما أن الوتد في الجدار له جذور تمسكه، وهذه الجبال راسية لا تزعزعها الرياح مهما عصفت، والله عز وجل خلقها لمصالح عظيمة، منها:

1- حماية الأرض من الميدان، قال تعالى: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15].

2- أنها تحمي من وراءها من الرياح العاتية والبرودة القارسة كما هو مشاهد في سفوح الجبال.

3- أن في الجبال من الأشجار الجبلية ما لا ينبت في الصحراء.

4- أن في قمم الجبال من المعادن الثمينة القوية ما ليس في أسفل كما يعرف ذلك علماء طبيعة الأرض، ولهذا قال: وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [ق:7]

قوله تعالى: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:7-8] أنبتنا في الأرض من كل زوج، والزوج هنا بمعنى الصنف، كما قال تعالى: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص:58] أي: أصناف، وقال: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [الصافات:22] أي: أصنافهم، فالزوج الصنف، والبهيج الذي يبهج النفس ويسر القلب.

واخرج إلى الأرض، إلى الأودية، إلى الرياض الناظرة في أيام الربيع، تجد من أصناف النبات ما يدل على قدرة الله عز وجل وما يبهجك، تجد هذا أخضر، وهذا يميل إلى السواد أكثر، وهذه الزهور بعضها حمراء، وبعضها زرقاء، وبعضها بيضاء، مختلفة متنوعة تدل على كمال قدرة الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ

يقول عز وجل: تَبْصِرَةً [ق:8] يتبصر بها الإنسان ويستدل بها على تمام قدرة الله، وعلى كمال حكمته جل وعلا، وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:8] يتذكر بها العبد المنيب فيؤمن بقدرة الله، الأرض قبل أن ينزل عليها المطر قاحلة يابسة هامدة، فإذا نزل عليها المطر وأنبتت من كل زوج بهيج كان ذلك دليلاً على إحياء الموتى.

الموتى في قبورهم لا يتحركون، وربما تكون الأرض قد أكلت أجسادهم؛ لأن الأرض تأكل أجساد بني آدم إلا الأنبياء؛ فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فيخرج هؤلاء الناس يوم القيامة أحياءً كما تحيا الأرض، ولهذا قال: تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:8].

تفسير قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً ..)

قال تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:9-10] (نزلنا) قال علماء اللغة: هناك فرق بين أنزلنا ونزَّلنا وإن كان بعضهما قد يستعمل في مكان الآخر، لكن الفرق الأول أو الأصل: أن التنزيل يكون شيئاً فشيئاً، والإنزال يكون دفعة واحدة، المطر ينزل من السماء شيئاً فشيئاً: وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً [ق:9] والسماء هنا بمعنى العلو، وليس المراد السماء التي هي السقف المحفوظ الذي فوق الأرض، بل المراد به العلو، لأن المطر ينزل من السحاب، والسحاب ليس السماء بل السحاب في العلو، والدليل على أن الماء ينزل من السحاب قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الروم:48]، وقال سبحانه وتعالى: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ البقرة:164]قد يفهم بعض الناس أن المطر ينزل من السماء العليا على السحاب ثم من السحاب على الأرض وليس الأمر كذلك، المطر من السحاب نفسه، قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً [النبأ:14] المعصرات هي السحاب فكأنها تعصر الماء كما تعصر الثوب، فيتساقط المطر منها، فهنا يقول: وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ [ق:9] أي: من السحاب الذي هو في العلو.

مَاءً مُبَارَكاً [ق:9] وهو المطر، ومن بركته: أن الله يحيي به الأرض بعد موتها.

ومن بركته: أن الله يحفظه في الأرض لنشربه ونسقي به بهائمنا، قال الله تبارك وتعالى: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68-70] وبين في آيةٍ أخرى أنه يخزنه في الأرض فيسلكه ينابيع، متى شئنا حفرنا فوجدنا الماء، ولو كان هذا المطر على ظهر الأرض لم تشربه الأرض؛ لتبخر بسرعة ولأفسد الهواء، ولحجب الناس دون مصلحة الأرض من النبات، ولكن الله تعالى جعل الأرض تبتلعه ويخزن فيها إلى الوقت الذي نحتاجه فنستخرجه.

قال الله عز وجل: مَاءً مُبَارَكاً [ق:9] ومن بركته ما يحصل به من العظة في قدرة الله عز وجل؛ لأن الإنسان العاقل يقول: كيف ينزل هذا المطر من هذا السحاب الذي إذا رأيته كأنما ترى قطعاً من القطن، ولكن ربنا عز وجل على كل شيء قدير، وينبغي إذا نزل المطر أن يقول الإنسان: (اللهم صيباً نافعاً) يدعو الله بأن يكون صيباً نافعاً؛ لأن المطر ربما ينزل ولا ينفع، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (ليست السنة ألا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً) (ليس السنة) أي: ليس الجدب أن لا تمطروا، ولكن أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً، وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وينبغي أيضاً إذا نزل المطر أن يحسر الإنسان عن ثوبه حتى يصيبه من المطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك، فسئل: لماذا تحسر عن ثوبك حتى يصيب المطر بدنك؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه) الله أكبر؛ لأنه مخلوق فهو حديث عهد بالله عز وجل.

وينبغي عند المطر أن يخرج الإنسان إذا شاء إلى الوادي فيتطهر بالمطر كما يفعله الناس اليوم، يخرجون بعد المطر إلى الأودية فيتطهرون منه، لكن أكثر الناس لا يحس بذلك الشيء، يخرج من أجل النزهة فقط، والذي ينبغي أن تخرج من أجل أن تتطهر به؛ لأن الله تعالى قال: وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [الفرقان:48] أي: طاهراً في ذاته مطهراً لغيره.

قال تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:9-10] (جنات) أي: أشجاراً كبيرة كثيرة ملتف بعضها إلى بعض، تجن من كان بداخلها، أي: تستره.

(وحب الحصيد) أي: الزرع الذي يحصد وينتفع الناس به، فهذا المطر يخلق الله به الأشجار ويخرج به الزروع.

تفسير قوله تعالى: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا..)

ثم قال: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ [ق:10] والنخل من الجنات، لكنه نصّ عليها تشريفاً لها وتنويها بها، وإلا فإن النخل من الجنة، والجنة هي البستان الكثير الأشجار، قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً [الكهف:32].

قال: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ [ق:10] أي: مرتفعات عاليات ولهذا لا تجد شجرة تعلو كما تعلو النخلة، ويكون فرعها عالياً وأصلها في الأرض، أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم:24]، ولا تجد شجرة أكثر نفعاً من النخلة، كلها نفع، كربها وسعفها وقود، وليفها حبال وزنابيل، وثمرها غذاء، وقد جعل الله سبحانه وتعالى فيها خاصية عجيبة للنفساء، فالمرأة إذا وضعت لو أكثرت من أكل الرطب لانتفعت، والدليل على هذا: أن مريم يسر الله لها نخلة: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً [مريم:23-24] أي نهراً جارياً: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي [مريم:25-26] لو تأملتم في الآية لوجدتم فيها عجائب، امرأة نفساء والنفساء في العادة يلحقها تعب وإعياء وإجهاد، يقول الله لها: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:25] بالجذع، والعادة أن الشيء إذا هز من جذعه لا يتحرك، إذا هز من فوق يتحرك لكن الجذع لا يتحرك، هنا هزت من الجذع؛ لأنها لا تستطيع أن تصعد.

قال: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً [مريم:25] تهزها ولا يسقط إلا الرطب، البلح لا يسقط، لا يسقط إلا الرطب؛ لأنه هو المناسب.

ثم يقول: رُطَباً جَنِيّاً [مريم:25] أي: لا يتمزق بسقوطه على الأرض، والعادة أن الرطب إذا سقط من نخلة ولو قصيرة ماذا يكون؟ يتمزق ويتعجن لكن يسقط على الأرض وكأنه مجني باليد: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً [مريم:25-26] فالنخل كله بركة، ولهذا يفرده الله عز وجل في كثير من الآيات من بين سائر الأشجار.

قال تعالى: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ [ق:10-11] (النضيد) المنضود في شمراخه، وهذا معنى قوله في آية آخرى: طَلْعُهَا هَضِيمٌ [الشعراء:148] (الهضيم) أي: النضيد، وليس معناه كما يفهمه العامة أنه يهضم الأكل وليس كذلك، صحيح أن الحلا من حيث هو يعين على الهضم، لكن لا نفسر الآية بشيء لا تدل عليه، فالهضيم في الآية أي: النضيد، والقرآن يفسر بعضه بعضاً.

تفسير قوله تعالى: (رِزْقاً لِلْعِبَادِ..)

قوله تعالى: رِزْقاً لِلْعِبَادِ [ق:11] أي: عطاءً من فضل الله للعباد، والعباد هنا كل العباد حتى الكفار عباد لله، لكن عباد طاعة أم عباد خلق؟

عباد خلق، أما في الطاعة فهم مستكبرون عن عبادة الله، لكن هم عباد خلق مخلوقون لله خاضعون لأمره؛ قال الله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم:93] أما العباد الذين يحمدون ويمدحون ويثنى عليهم فهم عباد الطاعة الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: (فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:17-18].

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن نكون ممن نالوا هذه البشارة في الدنيا والآخرة: لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الأسئلة

الأسئلة أيها الإخوة تنقسم إلى قسمين:

1- قسم يتعلق بالكلمة.

2- قسم لا يتعلق بها ولكن يحتاج الناس إلى معرفتها.

والإنسان الذي يسأل وهو عالم بالحكم لكن يسأل لينفع المستمعين يعتبر معلماً، فمثلاً: أنا أعرف مسألة وسألت عنها في مثل هذا المجلس من أجل أن يعرف الحاضرون حكمها فيعتبر هذا السائل معلماً، والدليل: أن جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها وعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) مع أنه يسأل والمعلم هو الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لما كان هو السبب جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم معلماً، فمن سأل عن مسألة يقع فيها الناس كثيراً ويحتاجون إلى معرفتها وهو عالم بها فجزاه الله خيراً وهو يعتبر معلماً.

الإضراب في سورة (ق)

السؤال: ذكرت يا فضيلة الشيخ! في الدرس الماضي أن جواب القسم هو جميع ما في هذه السورة والحرف (بل) لأجل الإضراب، فيكون إضراباً من أجل أي شيء؟

الجواب: يكون هذا الإضراب عما يقدر بعد القسم: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا [ق:1-2]أي: والقرآن المجيد أن كلما ذكر في هذه السورة فهو حق، ثم أضرب وقال: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [ق:2] والقول الصحيح: أن هذا القسم لا يحتاج إلى جواب؛ لأن قوله: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] يغني عن الجواب إذ أن المقسم به يكون معظماً لا يقسم إلا بمعظم؛ فيكون المقصود بهذا القسم تعظيم القرآن الكريم.

ضوابط جلب الخادمات إلى البيوت

السؤال: ابتلي كثير من الناس اليوم بوجود خادمات في البيوت فهل يجوز لصاحب البيت أن ينظر إليها وتكشف له وجهها، وكذلك لأولاده، بل ويخلو بها في البيت أو يتركها عند أحد أولاده في البيت ويخرج هو وزوجته والولد في سن البلوغ، وغالباً تكون الخادمة شابة متجملة في أحسن لباس وأحسن هيئة، فما نصيحتكم في هذه البلوى التي لا يخفاكم خطرها وأبعادها على الشباب وتردي الأخلاق؟

وفي نفس المضمون أيضاً يقول: فضيلة الشيخ! يوجد من بعض الملتزمين وممن نتوسم فيهم الصلاح، أنهم يأتون بخادمة أو شغالة بدون محرم وهم يعلمون الحكم باستقدامها بدون محرم، وإذا أتوا بها إلى هنا لا يلزمونها بالحجاب الشرعي وهو ستر وجهها لا عنه ولا عن أولاده في البيت، وإذا خرجت من البيت أمرها بالحجاب فإذا نصح لماذا لا تغطي وجهها؟ قال: إنها شغالة كيف تعمل وتشتغل وهي محجبة فما هو الحكم في ذلك؟

وقريب من هذا الموضوع يقول: إذا كان الإنسان مضطراً لجلب خادمة حيث إن زوجته مضطرة لذلك حيث لديها أربعة أولاد صغار لا يتجاوز الكبير منهم سبع سنين فهل يحل له ذلك أم هو حرام عليه؟

الجواب: هذا سؤال مهم جداً وهو ما ابتلي به الناس من تيسير الحصول على الخدم لكثرة المال واحتياج هؤلاء الخدم للمجيء إلى هذه البلاد، وهذه البلوى قد يبتلي الله سبحانه وتعالى بمثلها لينظر كيف يعمل الناس، ففي عهد الصحابة رضي الله عنهم يسر الله لهم وهم في الإحرام الصيد، مع أن الصيد للمحرم حرام، فصارت أيديهم تناله ورماحهم تناله، رماحهم تنال الطيور وأيديهم تنال الزواحف كالضبا والأرانب، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة:94] فهؤلاء الخدم تيسر لنا الحصول عليهن، وصار بعض الناس يستقدمونهن لا للحاجة ولكن للمباهاة من أجل أن تخرج المرأة ووراءها خادمها أو خادمتها وفي يدها الحقيبة قد علقتها بيدها، ثم إذا وقفت عند المتجر قالت: يا فلانة أحضري لنا هذا، أحضري لنا هذا، مباهاة، وإلا فالبيت لا يحتاجها، ومع هذه البلوى تقدمُ هذه الخادمة بدون محرم، وربما تكون شابة جميلة، وربما يخرج الرجل من بيته وليس فيه إلا ابنه الشاب أو أخوه الشاب الأعزب، فما ظنكم بخلوه بمثل هذه الخادمة، مهما كان على جانب من التقى، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يغريه ويعده (وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً [الإسراء:64] لذلك أرى أنه لا يجوز جلب الخادمة إلا بشروط:

الشرط الأول:

الضرورة إلى وجودها كالمثال الذي ذكره السائل، امرأة ليس في البيت إلا هي ولها أربعة أولاد صغار ماذا تصنع؟ مثل هؤلاء الأولاد الصغار لو دخلت الحمام وهم خارج الحمام كان خطراً عليهم، ربما يعبثون بالنار، وربما يضرب بعضهم بعضاً، وربما يفسدون الأشياء ، فهذه ضرورة فلا بد من وجود الضرورة، أما بدون ضرورة فلا؛ لأن استقدامها بدون ضرورة إضاعة للمال مع كونها سبباً للفتنة.

الشرط الثاني:

أن يكون معها محرمها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ولكن -هذا الشرط- قد يقول بعض الناس: أنا ليس لي حاجة في محرمها وليس عندي مكان لمحرمها، البيت ليس فيه ملحق، وليس عندي شقة أخرى ولا بيت آخر، وهذا الشرط لا أستطيعه، نقول: إذا كنت لا تستطيعه حقيقة فمن الممكن أن تستأجر امرأة من البلد لتقضي حاجتك في النهار وتذهب إلى بيتها في الليل، وأما أن تأتي بها من السفر فلا.

الشرط الثالث:

أن يأمن الفتنة من نفسه ومن عائلته؛ فإن لم يأمن الفتنة فإنه لا يجوز استقدامها، والدليل على أن خوف المحظور سبب للمنع، قوله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] ممنوع التعدد إذا خاف ألا يعدل، وعدم العدل يوقعه في المحظور، فبين الله عز وجل أن الشيء المباح إذا خيف منه المحظور صار ممنوعاً، فلا بد من أن يأمن الإنسان على نفسه وأهله من فتنة هذه الخادمة.

الشرط الرابع:

أن يلزمها بما تقتضيه الشريعة من التستر، وأعظم وأوجب وأحق ما يجب ستره هو الوجه، لأن الوجه هو محل الفتنة وهو محل الرغبة، لا يسأل عن المرأة عند خطبتها إلا عن وجهها، لو كانت بقية أعضائها من أجمل الأعضاء وأحسن الأعضاء ووجهها قبيح ما خطبها أحد، ولو كان وجهها جميلاً وكان عندها عيب أو شيء من عدم الجمال في باقي الأعضاء لخطبت، فإذا كان الوجه هو محل الرغبة ومحط الفتنة فالواجب ستره.

وأما قول السائل: إنها إذ غطت وجهها فكيف تعمل؟

فنقول: هل أنت دائماً عندها في البيت؟ هل أنت عندها في المطبخ؟ هل أنت عندها في المقهى؟

أبداً.. لا تكون عندها إلا إذا حضرت للغداء أو للعشاء أو للفطور، وفي هذه الحالة تأتي مغطية وجهها أو واضعة على وجهها برقعاً، أو واضعة على وجهها نقاباً، وهذا ممكن وليس فيه صعوبة، وكذلك يمنعها من الخلوة بها؛ لأن الخلوة بالمرأة غير المحرم محرمة، فلا يجوز أن يخلو بها في البيت، ولا يجوز أن يمكنها من الخلوة بأحد أبنائه، فإذا تمت الشروط جاز استقدامها، وإذا لم تتم فاستقدامها محرم، ولا يغرنك أيها الإنسان إمهال الله لك بإعطائك العافية والمال والرزق مع إقامتك على معصيته، فإنما ذلك استدراج من الله، فنسأل الله العافية.

حكم استقدام غير المسلم للخدمة

السؤال: هل إسلام الخادمة شرط من الشروط؟

الجواب: إسلام الخادمة ليس من الشروط، ولكنه لا ينبغي أن يأتي الإنسان بخادم أو خادمة غير مسلمين بل ولا عامل غير مسلم، وأنتم تعلمون في هذا الزمن ومنذ عهد قريب تعلمون الهجمة الشرسة من أعداء المسلمين على المسلمين في هذا العصر الذي بدأ المسلمون يتحركون شباباً وكهولاً بل وشيوخاً، ازدادت هجمات النصارى واليهود والوثنيين على المسلمين، ولعلكم تسمعون إلى الإذاعات أكثر مما أسمع تجدون العجب العجاب، كيف ازدادت هجمة الكفار على المسلمين في هذا الوقت لماذا؟

لأنهم يريدون ألا تقوم قائمة للمسلمين، ولقد صرح بعض زعمائهم، قال: (إننا وإن انتهينا من الشيوعية فلم ننته من الأصوليين) وماذا يعنون بالأصوليين؟ المتمسكين بدينهم، هؤلاء هم الأصوليون، ولكن لا يستطيعون أن يعبروا بكلمة الإسلام، لأن كلمة الإسلام توحش صغيرهم وكبيرهم، فقالوا: أصوليين، أي: الذين يرجعون إلى الأصل.

وكلمة أصول من حيث معناها الواسع تشمل حتى الأصولية الكافرة، الكافر المتعصب أصولي لمذهبه ونحلته، فاختار هؤلاء التعبير بكلمة (أصول) عن كلمة (إسلام) لئلا توحشهم.

ولكن بحول الله فإن النصر للإسلام إن قرب الزمن أو بعد، وأن الله تعالى إذا يسر لهذه الأمة قادة مصلحين وشباباً نيشيطين ودعوة إلى الحق قولاً وعقيدة وفعلاً، فإن الله تعالى قد تكفل بنصرهم: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51] والمهم أنني أدعوكم ألا تستقدموا غير المسلم إلا في الحالة الضرورية، إذا كان غير المسلمين عندهم اختصاصات ليست عند المسلمين واضطررنا إلى هذا فيأتون، ولكن يأتون بدون حاجة فلا ينبغي أبداً وبأي حال من الأحوال أن نستقدم غير المسلم وندع المسلم.

واجبنا تجاه إخواننا في الهند من جراء هدم المسجد البابري على أيدي الهندوس

السؤال: تعلمون حفظكم الله ما حصل قبل أيام من هدم المسجد الإسلامي في الهند الذي قام بهدمه الهندوس، أرجو إيضاح ما هو دورنا في هذا المجال، هل هو فقط أن نسفر العمال الهندوسيين لدينا؟ هل يكفي هذا؟

وآخر يقول: تعلمون فضيلة الشيخ ما حصل لإخواننا المسلمين في الهند من هدم المسجد البابري على أيدي الهندوس الحاقدين عباد البقر، ونحن نعلم أن عقيدتهم باطلة حيث يؤمنون بتناسخ الأرواح وغير ذلك، فما هو موقفنا من الهندوس العاملين في بلادنا سواء في محلات خياطة النساء أو في المستشفيات أو في المخابز أو غيرها، نريد موقفاً يظهر فيه تضامننا مع إخواننا المسلمين في أقصى الدنيا وخصوصاً أنه تبع ذلك صدامات بين المسلمين والهندوس قتل حتى الآن نحو ألف وخمسمائة رجل من الطرفين، نرجو إيضاح الموقف الصحيح الذي يوافق هدي نبينا صلى الله عليه وسلم تجاه هؤلاء.

وهل يصح إبقاؤهم لمن كان له قدرة على إبعادهم نرجو توضيح ذلك وفقكم الله؟

الجواب: لا شك أن عداوة الكفار للمسلمين قديمة متأصلة وقد قال الله سبحانه وتعالى: لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:8-9] الواجب علينا تجاه من اعتدى على إخواننا أن ننابذه، وأن نشعر بأن عدوانهم على إخواننا كعدوانهم علينا؛ لأن: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) .. (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) ولعل فيما حصل خيراً، فالأمة الإسلامية في أقطارها أبدت ما تشكر عليه لا سيما في باكستان وبنجلادش ، فإنهم أبدوا سعياً مشكوراً في إظهارهم للغضب مما صنع هؤلاء المعتدون الظالمون.

كذلك أيضاً يرجى أن يكون في هذا تنبيه لعداوة الكفار لنا، وأنهم لا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة، مهما سنحت لهم الفرصة.

ومنها أن دولة الهند تخضع لمشاعر المسلمين؛ ولذلك أقالت رئيس الولاية التي حصل فيها هذا الهدم، والتزمت أمام الناس بأنها ستعيد بناء المسجد وهذه نعمة.

فأنا أقول: ما قدره الله سبحانه وتعالى فستكون عاقبته خيراً، ولا شك أن الواجب على علماء المسلمين الذين لهم قدرة بالاتصال بالمسئولين أن يبينوا حقيقة مثل هذه الأمور، وأنها خطر على الإسلام من جهة أنهم يريدون مكايدة المسلمين وإظهار شعائرهم، نسأل الله لنا ولكم السلامة.

السائل: هل الكفيل الذي عنده عمال يخرجهم؟

الشيخ: الكفيل الذي عنده عمال يجب الوفاء لهم بما عقد لهم عليه، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] وربما يكون هؤلاء العمال يكرهون ما حدث؛ لأنكم تعلمون أن الهند دولة كبيرة واسعة، لكن أقول: كل كافر انتهى عقده فلا ينبغي لنا أن نستقدمه مرة أخرى لا هؤلاء ولا غيرهم؛ لأن وجود الكفار في الجزيرة العربية خطر، قال النبي عليه الصلاة والسلام : (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وقال عليه الصلاة والسلام: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) وقال صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مرضه: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) ولولا أن هناك خطراً عظيماً في وجود غير المسلمين في هذه الجزيرة ما حذر النبي عليه الصلاة والسلام منه، ولا أمر بإخراجهم، فنرجو من إخواننا أن من تمت مدته من غير المسلمين أن يستبدلوه بمسلم وسيجعل الله في رزقهم بركة.

حكم إعادة صلاة الكسوف وبم تدرك؟

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان أن يعيد صلاة الكسوف تطوعاً وحده، وبماذا تدرك صلاة الكسوف بالركعة الأولى أم بالثانية؟

وآخر أيضاً مثله يقول: فاتتني الركعة الأولى فقط فكيف أقضي صلاتي بعد السلام، لأني شاهدت بعضهم سلم بعضهم أتم وما أدري كيف القضاء؟

الجواب: صلاة الكسوف فرض كفاية لا يجوز للمسلمين أن يدعوها، وقال بعض العلماء: إنها فرض عين، وأنه يجب على كل واحد أن يصلي صلاة الكسوف، وأكثر العلماء على أنها سنة مؤكدة، فأصح الأقوال: إنها فرض كفاية، وأنها لا بد أن تصلى، وصلاتها كما هو معلوم لا نظير لها في الصلوات، أولاً: يكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ قراءة طويلة جداً، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يقوم فيعيد القراءة، أي: يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع ويطيل الركوع، ثم يرفع ويطيل القيام، ثم يسجد ويطيل السجود، ثم يرفع ويطيل القعود، ثم يسجد ويطيل السجود، ثم يقوم للركعة الثانية، ويفعل كما فعل في الأولى، إلا أنها دونها في كلما يفعل ثم يسلم ، والمأموم إذا أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، وإن فاته الركوع الأول فاتته الركعة، فمثلاً: إذا جئت والإمام في الركعة الأولى لكن قد رفع من الركوع الأول فلا تحتسب هذه الركعة، هذه فاتتك، فإذا سلم الإمام فقم وصل واقض الركعة الأولى بركوعيها، أي: تقوم ثم تقرأ الفاتحة وسورة ثم تركع ثم ترفع، ثم تقرأ الفاتحة وسورة، ثم تركع ثم ترفع ثم تسجد، فتقضيها على صفة ما فاتك.

فالقاعدة إذاً.. أن من فاته الركوع الأول فقد فاتته الركعة، فيقضيها كلها بركوعيها وسجوديها، وإذا انتهت الصلاة وقد بقي الكسوف فالذي ينبغي أن تبقى في المسجد أو في بيتك لكن تدعو وتستغفر وإن شئت فصل ولكن صلاتها جماعة لا تعاد على القول الصحيح، حتى لو انصرف الناس قبل أن تنجلي فإنهم لا يعيدون الصلاة جماعة، لكن من شاء أن يصلي وحده حتى ينجلي فلا بأس.

سألني بعض الناس وقال: إن السنة التطويل في هذه الصلاة لكن إذا كان يشق على الناس فماذا أصنع؟

نقول: افعل السنة، ولست أرحم بالخلق من رسول الله الحق عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطال في صلاة الكسوف إطالة طويلة، حتى أن بعض الصحابة مع قوتهم ومحبتهم للخير جعل بعضهم يغشى عليه ويسقط من طول القيام، ولهذا انصرف النبي عليه الصلاة والسلام من صلاته وقد تجلت الشمس، مع أن كسوفها كان كلياً، كما ذكره المؤرخون، وهذا يقتضي أن تبقى ثلاث ساعات أو نحوه ووكله الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ ويصلي، ولم يقل: إني سأرحم الخلق وأقصر وأخفف.

أنا أفعل السنة، فمن قدر على أن يتابعني فليتابعني، ومن لم يقدر فليجلس ويكمل الصلاة جالساً، وإذا لم يستطع حتى الجلوس كما لو حصر ببول أو غائط فلينصرف فالأمر واسع، أما أن نترك السنة من أجل ضعف بعض المصلين، فهذا غير صحيح.

ولو اختار الإنسان أن يبقى يصلي حتى تنجلي الشمس فليصل ركعتين ركعتين، وليس هناك سورة معينة ولكن التطويل هو المطلوب.

حكم الدفاية وقاتلة الحشرات في المسجد

السؤال: ما حكم الدفاية في المسجد؟ وهل يجوز أن يستقبلها الإنسان في الصلاة؟ وهل يوجد دليل على الكراهية نرجو التوضيح حيث وقد تنازع الناس في ذلك داخل المساجد؟ وما حكم قاتلة الحشرات التي توضع في المسجد وهي تقتل بالشرر الكهربائي؟

الجواب: الذي ينبغي من العامة ألا يحصل بينهم نزاع في هذه المسألة أو غيرها؛ لأن هناك علماء يمكنهم أن يرجعوا إليهم، وكتب أهل العلم موجودة والحمد لله، فالدفايات في المساجد مما يعين على الطاعة، لأن كون الإنسان يصلي بطمأنينة وفي دفء، خير من كونه يصلي وهو ينفضه البرد ولا يطمئن، وهذه من نعمة الله عز وجل وتسخيره أن يسر لنا مثل هذه المدافئ، وكونها أمام المصلين لا يضر:

أولاً: لأنها ليست أمام الإمام، والإمام هو القدوة في جماعته، ولهذا تكون سترة الإمام سترة لمن خلفه، وهي لو وضعت أمام الإمام لكان الإنسان يتساءل، لكنها الآن ليست بين أيديهم في الواقع بل هي بين أيدي المأمومين، والمأمومون تبع لإمامهم.

ثانياً: أن الصلاة وبين يديك نار ليس فيها دليل من السنة على أن ذلك مكروه، إنما كرهه بعض العلماء؛ لأن فيه مشابهة للمجوس في عبادتهم للنار.

ثالثاً: أن المشابهة للمجوس إنما تكون في نار تلظى تلهب؛ لأن هذه هي التي يعبدها المجوس، أما الجمر كالمبخرة أو الدفايات أمام الناس فلا تدخل في الكراهة، وليس فيها شيء فهي مباحة، ومن ادعى الكراهة أو التحريم فعليه الدليل، ثم لا ينبغي أيضاً أن تكون مسألة من المكروهات -لو سلمنا جدلاً أنها مكروهة- لا ينبغي أن تكون محلاً للنزاع وفي المسجد، بل ينبغي الرجوع في هذا إلى أهل العلم، وعلىكل حال نقول في الجواب عليها: ليس فيها بأس.

وأما وضع قناصة البعوض والطيور في المساجد أو في البيوت فلا بأس به؛ لأن هذا ليس تعذيباً لها بالنار إذ أنها هي لا تحترق ولكنها تصعق، وليست الإضاءة التي في هذه الأنبوبة ناراً، والدليل على هذا: أنك لو وضعت عليها ورقة لم تحترق، ولو كانت ناراً لاحترقت فهي من باب الصعق وليست من باب الإحراق.

حكم التهنئة بأعياد النصارى وتوفير مستلزمات أعيادهم

السؤال: فضيلة الشيخ! يقوم بعض أصحاب المخابز والمكتبات في آخر شهر في السنة الميلادية بتوفير بعض ما يستعمله النصارى في أعياد ميلادهم، سواء بكتابة بعض العبارات على بعض الحلوى أو الكيك، مثل: كل عام وأنتم بخير، أو عام سعيد، أو عام مبارك .. ونحو ذلك، وأصحاب المكتبات يقومون أيضاً بتوفير بطاقات تهانٍ وأفراح فما حكم ذلك؟ وهل من نصيحة لأصحاب المخابز الذين قد يكون العمال لديهم من غير المسلمين فيفعلون ذلك أرجو استيفاء الجواب لإيصاله إليهم وجزاكم الله خيراً؟

وآخر حول نفس الموضوع يقول: ما رأيكم في نشر ما صدر عنكم من فتوى في حكم تهنئة النصارى بأعيادهم؟

الجواب: نبدأ بالسؤال الأخير: نشر ما كتبناه في حكم تهنئة النصارى في أعيادهم أمر مطلوب، والإنسان الذي يساعد في ذلك نرجو الله أن يأجره عليه، حتى يُبِّصر المسلمين بأن تهنئة النصارى بأعيادهم محرمة بالاتفاق كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة؛ لأن المهنئ لهم يهنئهم بشعائر الكفر، كما لو هنأهم بعبادة الصليب، أو بأكل الخنزير، أو بشرب الخمر، أو ما أشبه ذلك،فنشرها حتى يعلم الناس الحكم الشرعي، وحتى لا يغتروا ويطول عليهم الأمد، فعل طيب ويؤجر الإنسان عليه إن شاء الله.

أما مشاركته في أعيادهم بالتهاني وصنع الأطعمة وما أشبه ذلك فإنه حرام وإن كان دون التهنئة ولكنه حرام أيضاً، ولهذا يمنعون من إظهار شعائر أعيادهم في بلاد المسلمين، ولا يحل أن يظهروا شعائر دينهم في بلاد المسلمين.

الرد على من قال: الكسوف أو الخسوف ظاهرة طبيعية

السؤال: فضيلة الشيخ حول موضوع الكسوف والخسوف وأنه آية من الله لتخويف العباد وتذكيرهم بالله عز وجل؛ كي يجتنبوا المعاصي التي يقعون فيها ليلاً ونهاراً، وقد أصبح علماء الفلك يقولون: بأنها حادثة طبيعية تحصل في السنة مرة أو أكثر من مرة بطريقة معينة، فكيف يكون التخويف؟ وأصبحوا -أيضاً- يعلنون عنها سواء في الجرائد أو غيرها، فإذا حدثت أصبح الناس لا يخافون ولا يتعظون وأصبح لديهم تبلد في الحس، فما قولكم في هذا، وكيف يكون التخويف في هذه الآية؟

الجواب: يكون التخويف في هذه الآية لمن كمل إيمانه بالله عز وجل وبما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والكسوف أو الخسوف له سببان:

1- سبب طبيعي: يدرك بالحس والحساب فهذا يعلم لأهل الحساب ويعرفونه ويقدرون ذلك بالدقيقة.

2- سبب شرعي: لا يعلم إلا بطريق الوحي وهو أن الله يقدر هذا الشيء تخويفاً للعباد، فنسأل: من الذي قدر السبب الطبيعي حتى حصل الكسوف أو الخسوف؟ الله..

لماذا؟ ليخاف الناس وليحذروا، ولهذا خرج النبي عليه الصلاة والسلام حين رأى الشمس كاسفة خرج فزعاً حتى لحق بردائه وجعل يجره، وفزع الناس، وأمر من ينادي (الصلاة الجامعة) واجتمع المسلمون في مسجد واحد يدعون الله ويفزعون إليه، فالمؤمن حقاً يفزع، ومن تبلد ذهنه أو ضعف إيمانه؛ فإنه لا يهتم بهذا الشيء.

وأما إخبار الناس بها قبل حدوثها، فأنا أرى أنه لا ينبغي أن يخبروا بها؛ لأنهم إذا أخبروا بها استعدوا لها وكأنها صلاة رغبة، كأنهم يستعدون لصلاة العيد، وصارت تأتيهم على استعداد للفعل لا على تخوف، لكن إذا حدثت فجأة، حصل من الرهبة والخوف ما لا يحصل لمن كان عالماً.

وأضرب لكم مثلاً بأمر محسوس: لو نزلت من عتبة وأنت مستعد متأهب وتعرف أن تحتك عتبة هل تتأثر بشيء؟ لكن لو كنت غافلاً لا تدري ثم وقعت في هذه العتبة صار لها أثر في قلبك وأثر عليك.

فلهذا أتمنى ألا تذكر ولا تنشر بين الناس، حتى لو نشرت في الصحف لا تنشرها بين الناس، دع الناس حتى يأتيهم الأمر وهم غير مستعدين له وغير متأهبين له، ليكون ذلك أوقع في النفوس.

حكم لبس الساعات ذات الألوان الذهبية وأخرى مشابهة لحلي النساء

السؤال: فضيلة الشيخ: انتشر في الفترة الأخيرة بين الشباب خاصة بل وحتى بعض الملتزمين، لبس ساعات ذات ألوان ذهبية وأشكال مشابهة لحلي النساء بشكل كبير، وإن لم تتصور شكلها فاختر خمسة من الحضور، وأظن أنك ستجد مع أحدهم ساعة بهذا الشكل فما حكم لبسها؟ وهل يعد ذلك تشبهاً بالنساء، أرجو توجيه كلمة إلى الشباب حول موضوع الترف وحول موضوع عدم تقليد النساء؟

الجواب: أنا أرجو ألا أجد ذلك في خمسين نفراً منكم أو أكثر، وأظن أنه ليس موجوداً ومن كان معه شيء منها الآن فليرنا إياها من أجل أن نحكم على الشيء بعد تصوره.

لا شك أن الله سبحانه وتعالى فرق بين الرجال والنساء في مسألة التحلي، فقال جل وعلا: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ [الزخرف:19-20] وقال عز وجل : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف:17] ما هو الذي ضربوه مثلاً؟

أنهم جعلوا الملائكة إناثاً، فقال: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:17-18] من الذي ينشأ في الحلية؟ أي: يربى في الحلية وهي المرأة. وهي في الخصام غير مبين، أما الرجل فإنه كامل بنفسه لا يحتاج إلى تكميل، وهو مبين في الخصام ذو فصاحة ومدافعة عن نفسه، فكيف ينزل بنفسه إلى أن يكون مثل الأنثى، ولهذا (لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) فالساعة التي لا تلبسها إلا النساء لا يجوز للرجل أن يلبسها سواء كان لونها أبيض أو أحمر أو أسود، المهم إذا قيل: هذه ساعة نساء؛ فإنه لا يجوز للرجال لبسها، وأما إذا كانت لا تشبه ساعات النساء لكن فيها شيء من الذهب فإننا ننظر: إن كان هذا الذهب مجرد لون فليست حراماً، ولكن ينصح الرجل ألا يلبسها لئلا يتهم ويقتدى به، وأما إذا كان فيها ذهب له جرم قد طليت به، فإن ذلك حرام على الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحرير والذهب: (حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها).

حكم من دخل في الصلاة وحده ثم حضرت جماعة

السؤال: فضيلة الوالد: قدمت إلى الصلاة هنا وقد انتهت الصلاة فصليت لوحدي منفرداً، وفي أثناء الصلاة حضرت جماعة وأقيمت الصلاة فماذا أفعل؟ علماً بأني لم أصل إلا ركعة واحدة؟ وما هو الأفضل؟

الجواب: إذا دخل الإنسان وحده في الصلاة وحضر جماعة فهو في الخيار بين أمور ثلاثة:

-إما أن يستمر في صلاته؛ لأنه معذور.

-وإما أن يقطع صلاته ليدخل مع الجماعة.

-وإما أن يقلبها نفلاً ويخففها من أجل أن يدرك الجماعة.

كل هذا أجازه العلماء، فأنت بالخيار إن شئت أن تبقى على ما أنت عليه وتسلم وتنصرف، وإن شئت أن تجعلها نفلاً وتخفف وتكملها ركعتين ثم تدخل مع الجماعة، وإن شئت أن تقطعها فلا بأس، ولكن في الأخيرة ربما يقول قائل: كيف أقطعها وهي فريضة والفريضة لا يجوز قطعها؟

أقول: إنني لم أقطعها رغبة عنها، ولكن قطعتها لأنتقل إلى ما هو أفضل وهو الجماعة.

ولم يظهر لي أفضل الحالات، لكن لو أنه نواها نفلاً وخففها لئلا تضيع عليه هذه الصلاة كان خيراً من قطعها.

المقصود بالأرضين السبع

السؤال: فضيلة الشيخ: ما هي الأرضون السبع التي قال الله عنها: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12].

وآخر يقول: المعروف من النصوص الشرعية أن السماوات سبع طباق فهل الأرض طباق أم قارات؟ حيث لم نجد حسب فهمنا الضعيف نصاً صريحاً في هذه المسألة التي يمر بها بعض المفسرين مر الكرام جزاكم الله خير الجزاء؟

الجواب: أولاً: أنا أناقش الأخ على قوله: إن بعض المفسرين يمر بها مر الكرام، وأقول: إن مر الكرام مر دسم، الكريم يعطيك حتى تروى وتشبع، ليس الكريم الذي يمر بك خطفاً، اللهم إلا أن يقول: إن الكريم إذا مر بك ضيفاً صار خفيف الظل، أكل يسيراً وأقام يسيراً، والبخيل إذا مر بك ضيفاً أثقل عليك في الأكل وأكثر عليك في المدة، فكلٍّ المعنى الذي يريد، وهذه الكلمة (مر الكرام) دائماً ترد عند الناس فلا أدري هل هذا صحيح أم لا؟

أما بالنسبة للأرضين فقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها طباق، فقال فيما صح عنه: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين) وهذا يدل على أنها أرضون متطابقة، وأن الذي على الأرض العليا وهي الأرض التي نحن عليها له إلى الأرض السفلى السابعة، وأما أنها هي القارات فلا يصح؛ لأن القارات كلها على وجه الأرض، فهي كلها على الأرض العليا.

حكم من عقد على امرأة وقد رجع من العمرة دون حلق رأسه

السؤال: فضيلة الشيخ: سمعنا أنك سئلت أن رجلاً رجع من عمرته، ولم يحلق إما ناسياً أو جاهلاً ثم عقد على امرأة فلما سئلت قلت: أعد العقد، العقد باطل فهل هذه الفتوى صحيحة؟

الجواب: هذه الفتوى غير صحيحة، لكن من حج ورمى وحلق وطاف وسعى، حل التحلل كله؛ وجاز أن يعقد على النساء.

وأما إذا رمى وطاف وسعى ولم يحلق، فإنه لم يحلل التحلل الثاني، وحينئذ إذا عقد على امرأة كان عقده غير صحيح وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، لكن هناك قولاً يقول بالصحة وأنه إذا حل التحلل الأول حرم عليه جماع النساء دون العقد عليهن، فعلى المذهب نقول: يجب عليك أن تجدد العقد، وعلى القول الثاني: لا يجب، فمن جدد العقد احتياطاً فهو أحسن، ومن لم يجدده فأرجو ألا يكون في نكاحه بأس.

حكم إعطاء العمال للكفيل مبلغاً من أجل البقاء فقط

السؤال: فضيلة الشيخ: أخي عنده عمال من المسلمين، اتفق معهم في العقد على أن يعطيهم راتباً شهرياً ثم لم ير فائدة من ذلك، فأراد تسفيرهم فطلبوا منه البقاء ليعملوا لحسابهم ويعطونه كل شهر ثلاثمائة ريال فهل المال الذي يأخذه منهم حلال أم حرام؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

الجواب: المال الذي يأخذه حرام عليه؛ لأنه لم يعمل عملاً يستحق به أن يأخذ منهم المال، نعم لو فرضنا أن الرجل أبقاهم وقام بكفالتهم وبمئونتهم وصار هو الذي يقاول على الأعمال بسهمٍ مما يحصلون، كالنصف أو الربع أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز لكن بشرط ألا يخالف نظام الحكومة، لأن نظام الحكومة واجب الاتباع ما لم يكن حراماً، وأظن أن الحكومة لا تسمح بأن الإنسان يتفق مع العمال يعملون بسهم من أجرتهم، ولكن كثير من الناس يقول: إذا كانوا بأجرة مقطوعة فإنهم لا ينصحون في العمل، لأن الواحد منهم يقول: إن أجري تام ويتباطئ في العمل والإنتاج، وهذا صحيح قد يقع بلا شك، لكن دواء ذلك أن يقول لهم: أنتم بالأجرة الشهرية التي بيني وبينكم، ولكن على كل متر كذا وكذا إذا كانوا مليسين مثلاً، ولكم على كل نقطة إذا كانوا سباكين أو كهربائيين كذا وكذا، ففي هذه الحالة يزول المحظور الذي هو التهاون من العامل، وتكون الأجرة على حسب ما في نظام الدولة ويكتسب العامل خيراً بما يضاف إليه من هذه المكافأة.

السائل: لو فرض أن واحداً تركه كفيله وقال له: إذا اشتغلت أعطني وإذا لم تشتغل فلا تعطني فهل هذا جائز؟

الجواب: لو قال: إن اشتغلت أعطني ثلاثمائة ريال، وإن لم تشتغل فلا شيء عليك فلا يجوز أيضاً.

حكم مبادلة المرأة بحليها امرأة أخرى

السؤال: ما رأيكم فضيلة الشيخ: أن تبادل المرأة بحليها امرأة أخرى بتراض بينهما؟

الجواب: هذا جائز أن تتبادل النساء الحلي فيما بينهن لكن بشرط أن يكون ذلك وزناً بوزن، وأن يحصل التقابض في مجلس العقد، بمعنى أن نزن هذا الحلي وهذا الحلي، فلا ترجح إحدى الكفتين على الأخرى، وأن يكون التقابض من الجميع في مجلس العقد، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد).



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [6] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net