اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [9] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
أما بعد
أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الأول الذي نلتقي به بعد شهر رمضان، هذا اللقاء الذي كان بعد شهر رمضان لقاء بعد عمل، قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه) وأرجو أن نكون جميعاً ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً حتى يحصل لنا هذا الخير الكثير، أن يغفر لنا ما تقدم من الذنوب، ونسأل الله تعالى أن يقينا من الذنوب بعد هذا الخلاص منها، فإن الإنسان إذا خلص من الذنوب أصبحت صحيفته بيضاء، وأصبح قلبه منيراً، وحسنت أعماله، فإن ثبت على ذلك كان دليلاً على قبول الله سبحانه وتعالى لعمله، وإن كانت الأخرى فليتب إلى الله عز وجل وليصلح ما بقي لعله يستدرك ما مضى.
ثم إن الله تعالى بحكمته ورحمته جعل بعد هذا الشهر مباشرة شهور الحج إلى بيت الله، والحج إلى بيت الله قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) أي من الذنوب؛ خالصاً منها، نقياً منها، كما أنه حين خرج من بطن أمه ليس له ذنب، فهو يرجع من الحج وليس له ذنب، وبهذا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فما انقضى شهر الصيام الذي يكون سبباً لمغفرة الذنوب حتى جاءت شهور الحج التي هي -أيضاً- سبب لمغفرة الذنوب، وإننا في هذا اللقاء نتكلم يسيراً عن شيء مما يتعلق بالحج.
وقد أجمع المسلمون على أن الحج ركن من أركان الإسلام، وأن من أنكر فرضيته فهو مرتد عن الإسلام، ومن تهاون فيه فهو على خطر، يعني: من تركه مع وجوبه عليه فهو على خطر عظيم، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه قال: إنه يكفر كما لو ترك الصلاة، لكن القول الصحيح أنه لا يكفر ولكنه على خطر: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] فالحج فريضة، لكنه لا يجب إلا بشروط أهمها:
الاستطاعة: أن يكون الإنسان مستطيعاً بماله وبدنه، ولا يكون مستطيعاً بالمال إلا أن يكون المال فاضلاً عن حاجاته وقضاء ديونه، فاضلاً عن حاجاته، أي: ما يحتاج إليه في بيته من طعام وشراب وأواني وفرش وغيرها من الحاجات التي لا بد منها، فإذا قدر أن شخصاً عنده مال لكن يحتاج إلى أواني في البيت، فهل يشتري الأواني ويدع الحج، أو يحج ويدع الأواني، الأول أم الثاني؟ الأول.
نقول: اشتر الأواني، لأنها من الحوائج التي لا بد منها، ثم إن بقي شيء فحج به وإلا فلا.
لا بد أن يكون المال الذي عنده فاضلاً عن الدين، والدين: ما وجب في الذمة من ثمن مبيع أو ثمن أرض أو أجرة أو غير ذلك، ليس الدين خاصاً بالمداينة كما هو معروف عند العامة لا.
الدين شرعاً: كل ما ثبت في الذمة حتى القرض الذي يقترضه الشخص يكون ديناً عليه، حتى أجرة البيت للسكنى يكون ديناً، فلا بد أن يكون المال الذي تحج به فاضلاً عن الديون، فإن كان عليك دين؛ فإن الحج لا يجب عليك، حتى الفريضة لا تجب عليك، فإذا قدر أن شخصاً من الناس بيده ألف ريال، وعليه دين ألف ريال، فهل يقضي الدين بالألف ويدع الحج أو يحج ويبقى الدين في ذمته؟ الأول، فنقول: أوف الدين ثم حج؛ لأنك إذا مت وأنت لم تحج وإنما قضيت الدين مت وأنت بريء من الدين، ولكن لو حججت وبقي الدين في ذمتك ومت، فإن نفسك معلقة بالدين بعد الموت، وبهذا نعرف خطأ كثير من الناس الذين يحجون وعليهم ديون، وإذا قلت: يا أخي الدين مقدم، قال: ديني بمائة ألف والحج بألفين، والألفين ما تساوي شيئاً بالنسبة لمائة ألف، هل هذا منطق صحيح؟
لا. إذا كان عليك مائة ألف وأديت ألفين، يبقى عليك ثمانية وتسعون ألفاً، أي: فقد سقط شيء من الدين وليس عليك إثم في عدم الوفاء بالثمانية والتسعين، لأنك لم تقدر، ولكن قد يكون عليك إثم إذا حججت بألفين وتركت الوفاء، وهذه مسألة يجب أن نتنبه لها نحن، وأن ننبه عليها إخواننا؛ لأن كثيراً من محبي الخير الحريصين على الحج يحج وهو غارق في الديون بحجة أن المال الذي عنده لا يفي بالدين، لكنه يفي ببعض الدين، حتى لو فرض أنه ريال واحد، وعليك مائة ألف، فإذا أوفيت كم يبقى عليك؟ مائة ألف إلا ريال، فقد سقط عنك من ذمتك شيء ولا تستهن بالدين فالدين شديد.
ألم تعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا قدم إليه الرجل ليصلي عليه سأل هل عليه دين أم لا؟ إذا قالوا: عليه دين وليس له وفاء ترك الصلاة عليه وقال: (صلوا على صاحبكم) مع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم ومع ذلك كان يترك الصلاة على الميت الذي هو محتاج إلى الصلاة عليه من أجل الدين.
جيء إليه في يوم من الأيام برجل مدين ميت، فقدم إليه، فلما خطا خطوات ليصلي عليه، قال: (هل عليه دين؟ قالوا: لا نعلم عليه إلا دينارين فقط، فقال: صلوا على صاحبكم، وترك الصلاة عليه، فقام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله الديناران علي -التزم بها أبو قتادة في ذمته- قال: حق الغريم وبرئ منها الميت؟ قال: نعم. فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه).
الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين؛ وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشهادة هل تكفر الذنب؟ قال: (نعم كل شيء) فلما أدبر الرجل دعاه وقال له: (إلا الدين؛ أخبرني بذلك جبريل آنفاً).
الدين حتى الشهادة لا تكفره، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نتهاون بالدين، وإني لأعجب من قوم مدينين عليهم ديون كثيرة ثم يذهب أحدهم يستدين، يشتري من فلان أو فلان أثاثاً للبيت زائداً عن الحاجة، يشتري كساء للدرج، لأن الدرج ليس عليه كساء، يفرش الدرج وهو فقير عليه ديون، هذا سفه في العقل وضلال في الدين.
هناك قصة وقعت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام: (جاءت امرأة للرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: إني وهبت نفسي لك) الرسول عليه الصلاة والسلام يجوز له أن يتزوج الهبة، أما نحن فلا يجوز لنا أن نتزوج بالهبة، لو جاءت امرأة تقول لك: إني وهبت نفسي لك فقلت: قبلت ما صارت زوجتك، لكن لو جاءت للرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: وهبت نفسي لك فقال: قبلت فإنها تصير زوجة له، قال الله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50] وهذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، جاءت هذه المرأة تقول: (يا رسول الله! وهبت نفسي لك، فصعد بها النظر وصوبه -نظر إلى أعلى بدنها وأسفل بدنها- ثم لم يرغب فيها، فسكت، فجلست المرأة، فقام رجل قال: يا رسول الله -استمع إلى الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها) ما عمل بالقرائن وقال: إن سكوت الرسول دليل على أنه لا يريدها، ما عمل بهذا تأدباً مع الرسول واحتياطاً، قال: إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: (أمعك شيء -يعني صداق- قال: نعم. إزاري) الرجل ما عليه إلا إزار، يعني أعلى بدنه مكشوف ليس عليه رداء، سبحان الله! إزارك إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار، وإن لبسته بقيت بلا مهر، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (التمس ولو خاتماً من حديد).
انظر ولو خاتماً من حديد، وباللغة العامية (فتخة) فذهب الرجل يبحث فلم يجد، فرجع وقال: (ما وجدت شيئاً، قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم، معي سورة كذا وكذا، قال: زوجتكها بما معك من القرآن) فزوجه بما معه من القرآن.
سؤال: هل قال: اذهب تسلف وتدين؟ لا. مع أن الرجل في حاجة، مع ذلك ما قال: اذهب فتدين أو تسلف واجعله مهراً، كل هذا لتحاشي الدين، الدين كما يقول العامة: الدين ذل في النهار وسهر في الليل، ولكن هذا لمن كان قلبه حياً، أما من كان قلبه ميتاً فالدين عنده شربة ماء فلا يهتم، يستدين من هذا الرجل مائة ألف ويذهب للثاني يستدين مائة ألف، وهو ما عنده ولا قرش، هذا والله سفه في العقول وضلال في الدين، احم ذمتك، ولا تجعل في ذمتك ديناً إلا لضرورة، أقول هذا تفريعاً على قولنا: إنه لا يجب الحج على من كان عليه دين، وأن الواجب أن يقضي دينه أولاً، ثم بعد ذلك يحج، وليحمد الله على تيسيره، فلو كان الله ألزمنا أن نحج ولو بالاستدانة صار الأمر صعباً، فاحمد الله على التيسير.
الجواب: يتزوج بالمال، لأن الزواج من الحوائج، بل أحياناً يكون من الضرورات، فهذا الرجل الذي جاءنا يسأل يقول: أنا عندي مال إن حججت به ما تزوجت، وإن تزوجت ما حججت، نقول: تزوج ولا تحج، ولكنك إذا قلت هذا ثار عليك العامة، والعوام هوام يقولون: يتزوج ويترك الفريضة ما يكمل دينه، وأركان الدين خمسة، الحج منها كيف تتركه يتزوج وينال شهوته ويترك فريضة وركناً من أركان الإسلام؟ العامي يقول هكذا، ماذا نقول له؟
نقول له: حتى الآن لم تكن فريضة عليه، لأنها لا تكن فريضة إلا بعد أن يتخلص من كل شيء، من الديون، ومن حاجاته الأصلية، ومن كل ما يحتاجه.
السؤال: إنسان طالب علم محتاج إلى كتب لا يتم طلبه للعلم إلا بها ولم يحج، وعنده فلوس إن اشترى الكتب ما حج، وإن حج ما اشترى الكتب فماذا يعمل؟
الجواب: يشتري الكتب ولا يحج، نقول: اشتر من الكتب ما تحتاج ولا تجعل مكتبة كبيرة عالمية، بل اشتر ما تحتاج وحج بعد ذلك؛ لأن الله قال: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] والحاجة للكتب كالحاجة للطعام والشراب وقد تكون أشد، طالب العلم الحقيقي الذي يريد العلم يرى أن الكتب له بمنزلة الطعام والشراب بل أشد، فإذا كان الإنسان عليه دين فيقدم الدين على الحج، إذا كان يحتاج حاجات أصلية فيقدم الحاجات الأصلية، وبهذا تحصل للإنسان الطمأنينة.
الجواب: يحج إذن الدين ما يمنع الحج، بعض العوام يظنون أن الذي عليه دين لا يحج؛ لأن الحج ما يصلح منه، وهذا غير صحيح، الدين يمنع وجوب الحج لكن لو حج الإنسان بدون ضرر -يعني بدون أن يبذل مالاً- فإن ذلك لا بأس به، بل قد نقول: إنه فريضة في حقه، لأنه يدخل في قول الله تعالى: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97].
انظر يا أخي! إذا رأيت نفسك إذا أمرك الله ورسوله بشيء تختار غير أمر الله ورسوله فاعلم أنك ناقص الإيمان: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً [الأحزاب:36] إيش أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] بل يقولون: سمعنا وأطعنا، وينقادون أتم انقياد، هكذا المؤمن، فإذا قدر أن المرأة ماتت وعندها أموال عظيمة وليس لها محرم هل تأثم؟ لا. لا تأثم؛ لأنها ستقابل الله عز وجل فإذا قال لها: لماذا لم تؤدي الحج؟ تقول: قال نبيك: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا حج عليها ليس عليها حج لأنها غير قادرة شرعاً، والعجز الشرعي كالعجز الحسي ولا فرق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، والآن يجيء دور الإجابة على الأسئلة.
الجواب: أقول: إن هذا بلا شك خطأ، وأن العز والذل تبع الدين وعدم الدين، فمن لا دين عليه هو العزيز، ومن عليه دين فهو الذليل؛ لأنه في يوم من الأيام قد يطالبه الدائن ويحبسه، وما أكثر المحبوسين الآن في السجون بسبب الديون التي عليهم، فهذا القائل لا شك أنه سخيف العقل، وأنه ضال في كلامه، ولكن الذي يظهر أنه كالإنسان المريض يحب أن يمرض جميع الناس، فهو مريض بالدين ويريد أن يستدين جميع الناس حتى يتسلى بهم؛ لأن البلاء والمصائب إذا شاركك فيها غيرك هانت عليك، كما قال تعالى: وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:39] لكن في الدنيا إذا اشترك الناس معك في البلية هانت عليك، كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
ولولا كثرة الباكين حولي>>>>>على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثلي أخي ولكن>>>>>أسلي النفس عنه بالتأسي
فالذي يظهر أن هذا القائل عليه ديون كثيرة، ويريد أن يكون الناس مثله، فنسأل الله أن يقضي عنه دينه حتى يعرف أن الدين ذل، وأن العز في عدم الدين.
الجواب: أرى أيضاً أن هذا ليس من العقل أن تشتري سيارة فوق مستواك لتباهي بها غيرك، أو تتبع الموديلات كلما ظهر موديل ذهبت تشتري وبعت السيارة الأولى بخسارة، هذا لا شك أنه خطأ وسفه، إذا كنت محتاجاً للسيارة فاشتر على قدر حالك، ويقول العامة في المثل المضروب الصحيح: مد رجلك على قدر لحافك، لأنك إذا مددتها أكثر من لحافك طلعت من اللحاف وأصابك البرد، فنقول لإخواننا: ارفقوا بأنفسكم، لا تشتروا من السيارات إلا ما اضطررتم إليه، ولا تشتروا من السيارات إلا ما كان على مستواكم.
أما الأقساط الشهرية فهي من الدين لا شك؛ لأن الدين كما قلنا أولاً وقررناه كل ما ثبت في الذمة فهو دين.
الجواب: يقول أهل العلم رحمهم الله إن الصدقات تحل حتى للغني، فإذا كان الذين أعطوه من المال أعطوه على أنه صدقة فهو له يتصرف فيه كما يشاء، وإن كان الذي أعطوه من المال من الزكاة لهذا الغرض نفسه -أي غرض الزواج- فإن ما زاد يجب عليه أن يرده لهم؛ لأنه غني عنه، فإن احتاجه لشيء آخر كتأثيث البيت مثلاً فليستأذن من هؤلاء، يقول: المهر وما يتعلق بالزواج انتهى وبقي معي فلوس، ولكني محتاج إلى أشياء أخرى، فهل تسمحون أن أصرفها فيها؟ فإذا قالوا: نعم، فلا بأس، وإلا ردها عليهم، والقاعدة عندنا في هذا: أن من أخذ من الناس أموالاً لشيء معين، فإنه لا يصرفها في غيره إلا بعد استئذانهم.
الجواب: أقول: حتى لو أذن الدائن في الحج هل إذنه هذا إسقاط للدين؟
الجواب: لا. ليس إسقاطاً للدين، فليست العلة في عدم حج المدين أن دائنه يأذن أو لا يأذن، العلة أن ذمته مشغولة بالدين، وسواء أذن أو لم يأذن نقول: لا تحج حتى تقضي دينك، لأن الحج لم يجب عليك، والريال الذي تصرفه في الحج اصرفه في الدين.
الجواب: نعم إذا كان يمكنه أن يعمل في أيام الحج لسداد دينه فهنا نقول: لا تحج، ليس عليك حج؛ لأنك سوف تستغل هذه الأيام بما تقضي به الدين.
الجواب: من يريد أن يتزوج عجوزاً؟
الجواب: لا. لا يجب عليها، لأن القاعدة عند العلماء: أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهذه المرأة هل وجب عليها الحج؟ لا. لكن لو تزوجت وصار لها محرم وجب عليها الحج، فلا يجب عليها أن تحصل على محرم، كما نقول: لا يجب على الرجل أن يتجر من أجل أن تجب عليه الزكاة، ولا يجب عليه أيضاً أن يتجر من أجل أن يجب عليه الحج، فهنا فرق بين ما لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم الوجوب إلا به، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وعليه فنقول: إن هذه المرأة لا يجب عليها أن تطلب الزوج من أجل أن يكون لها محرم فتحج.
الجواب: هذا من حيث إنه لا يضر بأهل الدين قد نقول: إنه جائز؛ لأن هذا الذي أخذ دراهم ليحج بها سينتفع بها في قضاء الدين، لكن يشكل على ذلك مسألة وهي: النية؛ فإن هذا الرجل حج من أجل المال ولم يأخذ المال من أجل الحج، إذا حج الإنسان من أجل المال فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، أي: ما له نصيب من الآخرة؛ لأن الله قال في كتابه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16] فالمشكلة هنا أن هذا الحاج حج ليأخذ المال فصارت نيته بعمل الآخرة الدنيا، فجعل عمل الآخرة وسيلة للدنيا، والعكس هو الصحيح؛ أن تجعل الدنيا وسيلة لعمل الآخرة، إذاً نقول لهذا الأخ: لا تأخذ المال لتحج حتى تقضي دينك؛ لأنك في هذه الحال إنما أردت المال فجعلت الحج كأنه تجارة، وكأنه سلعة تريد أن تتكسب بها.
الجواب: قد أفتانا الله عز وجل في هذا فقال سبحانه وتعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] يعني اختبروهم في البيع والشراء حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] أي: بلغوا الزواج والمعنى أنهم بلغوا حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] آنستم، يعني: أبصرتم ورأيتم أنهم مرشدون؛ فادفعوا إليهم أموالهم، وعلى هذا فنقول: هؤلاء الأيتام الذين أكبرهم من له أربع عشرة سنة لا تعطهم المال إلا إذا بلغوا وعرفت أنهم ذوو رشد بحيث يتصرفون في المال تصرفاً حكيماً فأعطهم المال؛ لأن الله بين ذلك في القرآن: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].
الجواب: إذا كان هذا الأخ في الله يريد أن يتحمل نفقة الحج بحيث لا يضرك الذهاب معه فلا بأس أن تذهب، ولا يجب عليك أيضاً؛ لأن فيه منة عليك، يخشى يوماً من الأيام ألا يكون أخاً لك في الله، بعد ذلك يمن عليك ويقول: هذا جزائي؛ حججت بك في العام الفلاني، والآن تفعل في ما تفعل، فنقول: إذا كان هذا الرجل يريد أن يحج بك على نفقته بحيث لا تخسر شيئاً فلا بأس أن تحج، ومع ذلك لا نقول: إنه يجب عليك أن تحج، وكلامي هذا لا يتناقض مع ما قلته أولاً: أن الرجل يذهب مع جماعة وعليه الدين؛ لكنه يذهب على أنه يخدمهم في القهوة والشاي وما أشبه ذلك؛ لأن هذا الرجل الذي يذهب معهم ليس لهم عليه منة، إذ أنه هو الذي له المنة عليهم لأنه يخدمهم.
الجواب: نعم يحج؛ لأن هذا لن يخسر في حجه شيئاً وكما قال عن نفسه: أنه يستفيد فيكون في الحج فائدتان:
الفائدة الأولى: أنه يسقط الفريضة عن نفسه.
الفائدة الثانية: أنه يكتسب مالاً يستعين به على قضاء دينه.
الجواب: هذا على كل حال دين هين، والدائن جزاه الله خيراً على هذه الأريحية والنفسية أنه يقول للأخ: إذا مت وأنت لم توف فإنني أسقط عنك الدين، ولكن يشكل علينا مسألة: ربما يموت الدائن قبله؛ فمن سيطالب بالدين؟ الورثة؛ فيقع في مشكلة، ولهذا نرى ألا يتهاون الإنسان بالدين أبداً، الدين ذل في النهار وسهر في الليل.
الجواب: الجواب على هذا السؤال مكتوب لنا في ورقة، وأظنه شائعاً بين الناس، والنقاب في الأصل حلال؛ لأن نساء الصحابة كن ينتقبن إلا المرأة المحرمة فلا يحل لها أن تنتقب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاها عن ذلك، فأصل النقاب حلال، لكن الشيء الحلال إذا كان ذريعة إلى أمر منكر فإنه منكر، وما قاله السائل من أن بعض النساء استعملن هذا النقاب الحلال على وجه حرام، بحيث تخرج الحاجب وشيئاً من الجبهة وشيئاً من الوجنتين، فإن هذا يخشى منه أن يتدرج الناس من سيئ إلى أسوأ، وأن يكون هذا العام عام الوجنتين والحاجبين، والعام الذي يليه عام الخدين والجبهة، والعام الذي وراءه عام الشفتين واللحيين وهكذا؛ لأننا نرى أن الشر يقوم به الناس على وجه التدرج، ونضرب لهذا مثلاً فيما يكون في بعض الدول الأخرى، هل الدول التي نسمع عنها ونخبر عنها هل قال لهم علماؤهم: إنه يحل لكن أيتها النساء أن تكشفن الوجوه وتتمكيجن وتكتحلن، وبعضهن يكشفن حتى الرءوس وحتى الرقاب، هل قال لهم علماؤهم ذلك؟ أبداً. ما قالوا هذا، علماؤهم قالوا: إنه يجوز كشف الوجه على رأي لهم، وهو رأي ضعيف، لكن هل اقتصر النساء على ذلك؟
فمن تدبر أحوال العالم وسنة الله عز وجل في الخلق علم أن الشر ينتشر شيئاً فشيئاً، وأن ما حوفظ عليه اليوم لا يحافظ عليه في الغد، لذلك نرى أن المرأة عليها أن تتقي الله عز وجل وألا تكون مفتاحاً للشر والفتنة وألا تنتقب، بل تبقى على حالها الأولى ولن يضرها شيئاً، نساؤنا فيما سبق كن يستعملن الغطاء غطاء الوجه الكامل ولم يضرهن ذلك شيئاً، أما لو فرضنا أن النساء سوف يلتزمن بالنقاب الشرعي الذي لا يخرج منه إلا العين من أجل النظر لم نقل بالمنع، ولكن ما دام رأينا أن المسألة تتوسع توسعاً لا يجوز، فإننا نرى أن على النساء أن يتقين الله عز وجل، وأن يتجنبن هذا الفعل المباح خوفاً من الوقوع في الشيء المحرم.
الجواب: أما اجتماع العائلة في مكان واحد والنساء في جانب والرجال في جانب فهذا لا بأس به ولا حرج فيه، ما لم يكن هناك فتنة خاصة نعرفها من بعض الرجال أو من بعض النساء فهنا يمنع، وإلا فالأصل أن هذا جائز.
أما الاجتماع على الأكل فهذا ليس بصحيح، الاجتماع على الأكل يمكن أن تكون هذه المرأة جنب رجل ليس بمحرم لها ولا زوج، وأيضاً الأكل كيف تأكل المرأة وهي متحجبة الوجه، فلابد أن تكشف؛ لأن المعروف أن الطعام يدخل من الفم ولا بد من كشف الغطاء، لذلك نرى منع هذا الشيء، أما وجودهم في مكان واحد في مجلس أو في بهو أو ما أشبه ذلك، فلا بأس إذا كانت النساء منعزلة عن الرجال.
الجواب: هذا يرجع إلى وزارة الأوقاف، فإذا رأت الأوقاف نقل المسجد من هذا المكان إلى مكان آخر جديد؛ فإنه لا بأس أن يباع المسجد الأول ويتصرف فيه، يجعل بيتاً، يجعل موقفاً للسيارات أو كما يشاءون، لأنه زال عنه حكم المسجد، لكن لا بد من مراجعة إدارة الأوقاف في مثل هذه الأمور؛ لأن ولاة الأمر بالنسبة للمساجد هم الأوقاف فإدارة الأوقاف هي ولي الأمر في هذه الأمور.
الجواب: أولاً: نسأل هل هو حين جامع زوجته لا يصلي أبداً فهذا كافر، وإذا تاب من الكفر فالذنوب التي فعلها في حال كفره تغفر له، أما إذا كان مسلماً ملتزماً بالإسلام لكنه يصلي ويخلي؛ فهذا ليس بكافر فيلزمه حكم الإسلام فيما فعل ويلزمه كفارة الوطء في نهار رمضان، لكن بشرط أن يكون حين الوطء في بلده، أما إذا كان مسافراً فالمسافر له أن يجامع في نهار رمضان.
لو فرضنا أن رجلاً سافر مع أهله في نهار رمضان وصام هو وأهله، ثم في أثناء النهار جامع أهله فليس عليه شيء إلا قضاء هذا اليوم؛ لأن المسافر لا يلزمه أن يصوم؛ لكن هذا إذا صام في البلد وجامع فإنه يلزمه أن يكفر، والكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
أما زوجته ويقول: إنها غير راضية فإن كانت مكرهة وعجزت عن مدافعة الزوج؛ فليس عليها شيء لا قضاء اليوم ولا كفارة، وأما إذا كانت غير مكرهة لكنها غير راضية، يعني: تكره هذا الشيء إلا أنها وافقت فعليها الكفارة.
أما قوله في إعتاق الرقبة: لو أن رجلاً مسلماً دهس نصرانياً فنقول لا يصح أن يعتق المسلم بأداء الدية، أولاً: لأن هذا المسلم الذي دهس الكافر لا يمكن أن يقتل بالكافر حتى لو أخذ السكين وذبحه ذبحاً، فإن المسلم لا يقتل بالكافر لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) وعلى هذا فرقبة المسلم غير مستحقة لواجب الدية.
الغالب أن الدهس حتى لو كان دهس كافر لا يقع عمداً من الناس، الناس ليسوا مجانين ليتعمدوا أن يدهسوا الناس في أسواقهم، وإنما يقع خطأ والخطأ ليس فيه قصاص؛ حتى لو دهس المسلم مسلماً خطأ، فإن الداهس لا يقتل، والقتل في العمد، وعلى هذا فنقول للأخ: لا يمكن أن يكون دفع الدية عن الرجل المسلم مجزئاً عن إعتاق الرقبة؛ لأن معنى إعتاق الرقبة أن تشتري عبداً مملوكاً فتعتقه.
بعض الناس يقول: إنك إذا أنقذت غريقاً من الماء من الغرق فهذا إعتاق رقبة، لا شك أنه إعتاق نفس، لكنه ليس إعتاق رقبة، لا يجزئ عن إعتاق العبد.
وبالمناسبة بعض الناس يقول: إذ أنقذ رجل امرأة من الغرق صار أخاً لها ومحرماً لها هذا صحيح أم غير صحيح؟ غير صحيح، أنقذها من الغرق أو من الحرق لا يكون محرماً لها.
الجواب: هذه الجمعية ليس فيها بأس وهي جائزة ولا إشكال فيها أبداً، بأن يجتمع أناس أو موظفون يقولون: سنعطي واحداً منا ألف ريال، كل واحد منا يعطيه ألف ريال إذا كانوا عشرة سيأخذ الأول تسعة آلاف، في الشهر الثاني يأخذ الثاني تسعة آلاف، وهكذا حتى تدور عليهم جميعاً، هذه ليس فيها بأس إطلاقاً.
ومن توهم من الناس أن هذا من باب القرض الذي جر نفعاً فهو وهم منه، أين النفع الذي جره؟ أنا سلفت هذا الرجل ألفاً وأخذت ألفاً أيضاً. ما جاءني نفع، يقول إنه يعلم أنه سيوفيه وسوف يأخذ عشرة آلاف نقول: نعم، هو يعلم أن هؤلاء الذين تسلفوا منه سوف يوفونه، وهل الإنسان الذي يسلف شخصاً بشرط أن يوفيه هل هذا قرض جر نفعاً؟ أبداً، على كل حال هي لا بأس بها.
والفقرة الثانية من السؤال: هل تجب الزكاة في الديون التي على إخوانك الذين أقرضتهم؟ الجواب: نعم. وذلك لأنهم أغنياء والديون التي على الأغنياء تجب فيها الزكاة، ولكن أنت بالخيار: إن شئت أخرجت زكاتها مع مالك، وإن شئت أخرت زكاتها حتى تقبضها ثم تخرجها عما مضى.
الجواب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكفي منها أن تقول: اللهم صل على محمد، لكن الأفضل أن تقول: اللهم صل وسلم على محمد؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] فهذا هو الأفضل.
أما في الصلاة فإن الأفضل المحافظة على الصلاة المشهورة؛ لأن الصحابة قالوا: (يا رسول الله! علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) والسلام كما علمتم، السلام هو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، تقول: السلام عليك أيها النبي.
وما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي، في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما بعد موته فكانوا يقولون: السلام على النبي، فهذا من رأي ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه ثبت في موطأ الإمام مالك رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان على المنبر يعلم الناس التشهد، فقال في السلام: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ذكر هذا وهو على المنبر بحضرة الصحابة كلهم وبعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم إن الصحابة في حياة الرسول هل هم يقولون: السلام عليك، يخاطبونه؟ لا. لأنهم لا يجهرون بها ولا يسمعهم؛ ولأن المسلمين منهم من يصلي في حيه ومنهم من يصلي في غير المدينة في مكة، يصلون وفي كل مكان ويقولون: السلام عليك، فالكاف هنا ليست لخطاب الحاضر حتى نقول إنها بعد موت الرسول قد زال وصف الحضور في حقه، إنما هي كاف الخطاب في السلام عليك، لقوة استحضار المسلِّم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني كأنك لقوة استحضارك إياه كأنك تخاطب شخصاً بين يديك.
إذاً الصلاة على النبي لا تتقيد بالصلاة التي علمها الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه أن يصلوا عليه في الصلاة، إنما إذا كنت في الصلاة فلتصل كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، أما في غير الصلاة فتقول: اللهم صل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه كتب العلماء بين أيدينا تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم يقول: صلى الله عليه وآله وسلم.
وآخر يقول: أنا رجل علي دين كثير لكن أمي طلبت مني أن نذهب إلى الحج، فما الجواب وهي لم تحج؟
الجواب: السؤال الأول يختلف عن السؤال الثاني بأن السائل الأول يقول: إنه قادر على وفاء الدين فنقول لهذا الأخ: أوف الدين؛ لأن الذي ينبغي للإنسان أن يبادر بوفاء الدين قبل أن يموت ثم يلعب الورثة في ماله ولا يوفون دينه، أوف الدين وحج بأمك وهذا من تمام البر أن تحج بها، ولقد شاهدت بعيني أناساً قد حملوا أمهاتهم على ظهورهم في الحج من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى مع شدة الزحام ومشقة السير والله رأيتهم يحملون أمهاتهم على ظهورهم، والأم حقها كبير وعظيم، سهرها في ليلة من الليالي من أجل أن ترتاح وتنام تساوي الدنيا كلها، ألم تعلم أن الأم تسهر بالليل من أجل أن تنام أنت، تهدك حتى تنام، ثم تنام بعدك، تعبها في الحمل والولادة شيء لا يطاق، فلها حق عظيم عليك، فإذا أمرتك أن تأتي إليها من القصيم إلى بلدها ولو كانت في أمريكا وأنت قادر فاذهب إليها وحج بها وستجد من الله عز وجل كل خير؛ لأن البر شأنه كبير، وأمره عظيم، ومن بر بوالديه بر به أولاده.
أما الثاني الذي عليه الدين فلا نرى أن يحج بأمه وعليه الدين إلا إذا قالت أمه: أنا أتحمل جميع نفقات الحج فحينئذ نقول: حج معها؛ لأنك في هذه الحال لن تضر أصحاب الدين شيئاً وتبر بأمك.
الجواب: ما دمت حاضراً نعطيك الفتوى إن شاء الله نقول: حج عن أمك أولاً؛ لأن الأم أحق بالبر من الأب، وهي وأبوك كلهم فريضة، لو كان للأم نفل والأب فريضة: قلنا ابدأ بالفريضة للأب، لكن كلاهما فريضة فابدأ بالأم، ولا تتدين لتنيب من يحج عن أبيك، إذا كان العام القادم وأنت قادر فحج عن أبيك، وكونك أنت الذي تؤدي الحج خيراً من كونك تنيب غيرك؛ لأن إخلاصك لأبيك أكبر بكثير من إخلاص غيرك لأبيك، لهذا نقول: لا يجوز أن تتدين من أجل أن تنوب من يحج عن أبيك، بل حج عن أمك الآن هذا العام ما دمت قادراً، وفي العام القادم إن كنت قادراً فحج عن أبيك.
الجواب: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له -كما قلنا- لكن لما فتح الله عليه صار يقول: من كان عليه دين فعلي قضاؤه، فصار يقضي عن الناس ديونهم ويصلي عليهم، أما بالنسبة لغيره فالصحيح أن في ذلك تفصيلاً، فإن كان الرجل له قيمته في المجتمع، وإذا ترك الصلاة على هذا المدين اتعظ الناس بذلك وخففوا من الديون عليهم، فليفعل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما إذا كان من عامة الناس، وأنه إذا ترك الصلاة على المدين لم ينته الناس عن الدين ولا يزيده ذلك إلا شماتة به وسباً له فلا يفعل، فهناك فرق بين رجل له قيمته واعتباره في المجتمع إذا فعل الشيء قبله الناس واقتدوا به، وشخص آخر ليس له هذه القيمة ولا يزيده فعل ذلك إلا سباً وشتماً فلا يفعل هو في غنى عن هذا.
الجواب: المسافر لا تلزمه الظهر إلا مقصورة، فإذا أدرك من الجمعة أقل من ركعة وجبت عليه الظهر، والظهر في حقه مقصورة ركعتان فليصل ركعتين فقط، لأنه غير مقيم بل هو مسافر، أما لو أدرك ركعة فإنه يأتي بركعة واحدة وتكون له جمعة.
الجواب: لا نقول: إن عملهم بدعة لكننا نقول: إن عملهم تلاعب بالسنة، إذا كانوا صادقين في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فليفعلوا ما فعل، ولهذا وصف ابن القيم رحمه الله أمثال هؤلاء بالأئمة الجهال، فنحن نقول: إذا كان لديك قوة وشجاعة على أن تقرأ (الم تنزيل السجدة) في الركعة الأولى وهَلْ أَتَى [الإنسان:1] في الركعة الثانية فافعل، وإن لم يكن لديك شجاعة فاقرأ سوراً أخرى؛ لئلا تشطر السنة وتلعب بها، فالسنة محفوظة، كان الرسول عليه الصلاة والسلام في فجر يوم الجمعة يقرأ في الركعة الأولى: (الم تنزيل السجدة) وفي الركعة الثانية: (الم تنزيل السجدة) وفي الركعة الثانية: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1] فإما أن تفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإما أن تقرأ سوراً أخرى، أما أن تشطر ما فعله الرسول وتقسم ما فعله الرسول فهذا خلاف السنة ولا شك أنه تلاعب بالسنة، فافعل هدي نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، وكن شجاعاً؛ لأن بعض الأئمة يقول: إذا قرأت: (الم تنزيل السجدة) في الركعة الأولى وهَلْ أَتَى [الإنسان:1] في الركعة الثانية قالوا: لماذا تطيل علينا؟ لماذا تفعل؟ ثم صاروا فقهاء وهم عوام، يقولون: إن الرسول غضب على معاذ لما أطال بالناس، انظر.. العامي إذا اجتهد أصبح عالماً كبيراً!! يقولون: كيف تطول بنا والرسول غضب على معاذ وعاتبه، لكن نقول: كل ما فعله الرسول فهو تخفيف، حتى لو قرأ: (الم تنزيل السجدة) وهَلْ أَتَى [الإنسان:1] ولهذا قال أنس بن مالك: (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
إذا كانت حراماً فكيف يتصرف من وقع فيها؟ وهل يعتبر دفع القيمة واستلام المفاتيح من حيازة المتاع، أفتونا مأجورين؟
الجواب: الأسلم لهذا الرجل الذي يتعامل هذه المعاملة أن يجعل له حوشاً أي: مكاناً فسيحاً محوطاً، فإذا اشترى السيارات من المعارض نقلها إليه، ثم باعها من مكانه، أي المكان الذي أعده هو بنفسه.
أما أن يبيعها وهي في المعارض فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، والحديث هنا صريح، أما ما وقع من السائل قبل أن يعلم فإن الله تعالى قال في كتابه: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275] فهو إذا انتهى عما كان يعمل يعفى عنه عما سلف؛ لأن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
الجواب: السواك عند الصلاة سنة كما نص على ذلك أهل العلم مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ولا شك أن السواك إذا قرب من الصلاة كان أطهر للفم؛ لأنك لو تسوكت مثلاً قبل أن تدخل المسجد، فإنه فيما بين دخولك المسجد والصلاة قد يتغير الفم، لكن السواك عند الصلاة أطهر للفم، أما قوله: ربما يخرج منه الدم فهذا صحيح، بعض الناس تكون لثته مريضة فإذا استاك خرج منه الدم، فمثل هذا لا يستاك إذا كان يخشى أن يخرج منه الدم ولا يتمكن أن يكون معه منديل ينقي به الدم فنقول لهذا: تسوك عند الوضوء حتى يقلع عنك الدم، وإذا حصرت إلى الصلاة فلا تتسوك.
الجواب: أقول: من قال إنها من التمائم فقد صدق إذا كانت السيارة مريضة، لكنها هنا معلقة الآن على السيارة وليس على الراكب، ووضعها في السيارات طيب؛ لأنه يذكر الراكب بدعاء الركوب، أو بدعاء السفر، وكل ما أعان على الخير فهو خير، فلا نرى في تعليقها بأساً، وليست من التمائم في شيء إلا كما قلت لكم أولاً: إذا كانت السيارة مريضة وعلق عليها هذا وشفيت بإذن الله فهذا طيب وحينئذ نريح أصحاب الورش.
ثانياً: أترك صلاة الفجر مع أنني ألوم نفسي كثيراً.
فما نصيحتك لي والسلام عليك؟ وأرجو أن تدعو لي ويؤمن الحاضرون والله يحفظك؟
الجواب: نسأل الله له ولنا الثبات، أقول هذا إن شاء الله يرجى له الخير في المستقبل؛ لأنه يحاول أن يتخلص مما ابتلي به من العادة السرية، وهي الاستمناء، ومن حاول شيئاً مع الإخلاص لله عز وجل ودعاء الله عز وجل؛ فإن الله سبحانه وتعالى إذا علم منه صدق النية؛ أعانه على ذلك، فأنا أقول للأخ: اصدق النية مع الله، وادع الله سبحانه وتعالى في حال السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الليل، فإن ذلك يعينك على أن تقلع عن هذه المسألة.
أما بالنسبة لصلاة الفجر فحاول أن تنام مبكراً، لأن الذين يتأخرون عن صلاة الفجر إنما يغلبهم النوم، لأنهم لا ينامون إلا متأخرين، وهذا خلاف ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعله، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يكره النوم قبل العشاء ويكره الحديث بعد العشاء، أي: الكلام، لأن الإنسان إذا سهر بعد العشاء فإنه لا يكاد يقوم لصلاة الفجر، فأنصح هذا الأخ أن يحرص على النوم مبكراً، وأن يوصي أهل البيت بأن يأتوا إليه ويوقظوه، وألا ينصرفوا؛ لأن بعض الناس إذا جاء يوقظ أولاده: يا فلان يا فلان: قم. أذن الفجر، ثم ينصرف الرجل الذي جاء يوقظهم، ولا يدري عنهم، لكن مثل هؤلاء الشباب يحتاجون إلى أن تقول لهم: قم، وتقف على رأسه حتى يقوم، وبعض الشباب لا يكفي أن يقوم أيضاً ربما يقوم ثم يرجع وينام، مثل هذا أمسك يده حتى تدخل الحمام.
الجواب: كما سمعتم في أول كلامنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرشد الذي قال: ليس عندي شيء إلى أن يستدين مع أن الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على الخير، لو طلب من أي واحد منهم وكان غنياً أن يقرضه لأقرضه؛ لكن لم يرشده إلى ذلك؛ لأن الدين مما يكرهه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يحبذه كما عرفتم، فإذا كان محتاجاً إلى الزواج فإن الله عز وجل قال في كتابه: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام.
فالأحسن في حق هذا أن يصبر ويتصبر حتى يفرج الله له، نعم لو كان الرجل عنده راتب ويعرف أن هذا الراتب يمكن أن يوفي منه في خلال سنة مثلاً، فهذا لا بأس أن يستدين لأن الوفاء قريب، وأقول لكم أيضاً: إن الإنسان إذا بلغ به الحد إلى الحاجة الملحة للزواج وليس عنده شيء، وليس له أب ينفق عليه ويزوجه، فإن له أن يأخذ من الزكاة، ويجوز للغني أن يعطيه جميع زكاته حتى يتزوج بها.
الجواب: نصيحتي لك أن تصدق الله في التوبة وسيعينك الله وأقول لك: كلما عملت ذنباً واستغفرت الله وتبت إلى الله توبة نصوحاً خالصة وعزمت ألا تعود في المستقبل، فإن الله يقبل توبتك مهما عملت، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون، فيغفر الله لهم) الحمد لله هذه نعمة كبيرة، فأنت احرص على أن تكون توبتك خالصة، وأن تمتنع من هذه المعصية، ولكن مع ذلك إذا غلبتك نفسك ثم تبت ثانية فإن الله يتوب عليك.
الجواب: في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، وليس لنا أن نخرج عن قول الله ورسوله مهما كان الأمر، لكن الخادمة إذا كانت في البيت وليس معها محرم واضطر الناس إلى السفر بها لأنه لم يبق في البيت أحد، فحينئذ يسمح لها أن تسافر معهم؛ لأن هذا ضرورة، وبقاؤها في البيت وحدها أشد ضرراً مما إذا سافرت معهم، وأشد خطراً، فإذا قال قائل: لماذا لا نقول له: أعطها أقاربك أو أصدقاءك حتى ترجع؟ نقول نفس الشيء أيضاً، ربما إذا أعطيتها أقاربي أو أصدقائي؛ ربما يكون قلبي مشوشاً ماذا حصل على هذه المرأة، فيبقى الإنسان غير مطمئن، فهذه المسألة تجوز في حالة واحدة وهي: إذا كان الناس معهم خادمة ولا يمكن أن يبقوها وحدها في البيت، فهنا تسافر معهم؛ على أني أقول هذا وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.
والحملة من باب أولى ألا تجوز، لكن مع الأسف أن الناس تهاونوا في هذا الأمر، وصاروا يودعون هؤلاء النساء، كأنهن غنم مع راع لا يدرون عنه نسأل الله السلامة..
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [9] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net