إسلام ويب

كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يقول شيئاً أو يلقي خطاباً يبتدئ كلامه بخطبة الحاجة، وكذلك كانت سنة خلفائه من بعده رضوان الله عليهم، وهذه الخطبة مع أنها صغيرة في الألفاظ لكنها احتوت على معانٍ كثيرة؛ لذلك كان هذا اللقاء عن معاني خطبة الحاجة.

معاني خطبة الحاجة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن مقدمة لقائنا هذا الشهر -شهر جمادى الأولى- أن نتكلم عن معاني هذه الخطبة التي تسمى: (خطبة الحاجة) والتي علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه أن يبتدئوا بها كل أمر ذي اهتمام.

معنى الحمد

قوله: (الحمد): وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً وإجلالاً، فإذا وصفت ربك بالكمال فهذا هو الحمد، لكن لا بد أن يكون مصحوباً بالمحبة والتعظيم والإجلال؛ لأنه إن لم يكن مصحوباً بذلك سمي مدحاً لا حمداً، ومن ثمَّ نجد بعض الشعراء يمدحون بعض الأمراء مدحاً عظيماً بالغاً، لكنك لو فتشت عن قلبه لوجدت أنه خالٍ من محبة هذا الأمير، ولكنه يمدحه إما لرجاء منفعة أو لدفع مضرة.

أما حمدنا لله عز وجل فإنه حمد محبة وتعظيم وإجلال، إذ أن محبة الله تعالى فوق كل محبة، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق محبة كل مخلوق، ولهذا يجب علينا أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، ويجب علينا أن تكون محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوق محبة أنفسنا وأهلينا ووالدينا وأولادنا؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أعظم الناس حقاً علينا، به هدانا الله، وبه أرشدنا، وبه دلنا على كل خير، وبه بين لنا كل شر، وبه نقتدي على منهاج ربنا عز وجل الموصل إلى دار كرامته ورضوانه، فلهذا من لم يكن قلبه مملوءاً من محبة الله ورسوله ومن لم يكن مقدماً لمحبة الله ورسوله على من سواهما فليعلم أن في قلبه مرضاً، وليحرص على أن يصحح هذا المرض، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

إذاً.. الحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم والإجلال، هذا هو الحمد، إذا كررت هذا الوصف سمي ثناءً، وعليه فالثناء تكرار وصف المحمود بالكمال، ويدل على هذا الفرق ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي) تصور يا أخي! يناجيك الله عز وجل وأنت في صلاتك، يسمعك من فوق سبع سماوات، ويرد عليك، (إذا قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قلت: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قلت: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي) والتمجيد: التعظيم، فهل نشعر ونحن نصلي بهذا؟!! الشكوى لله عز وجل، أكثرنا وأكثر أوقاتنا أننا لا نشعر بهذا، نقرأ الفاتحة على أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها، لكننا لا نشعر بهذه المعاني العظيمة أننا نناجي الله سبحانه تعالى، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] يقول الله عز وجل من فوق سماواته: حمدني عبدي!! من يشعر بهذا يجد لذة عظيمة للصلاة، ويجد أن قلبه استنار بها، وأنه خرج منها بقلب غير القلب الذي دخل فيها به.

قوله: (الحمد لله نحمده) جملة: (نحمده) جملة فعلية، (والحمد لله) جملة اسمية، فجاءت الجملة الفعلية بعد الجملة الاسمية لتأكيد تكرار الحمد، كأننا مستمرون بحمد الله عز وجل.

معنى (ونستعينه)

قوله: (ونستعينه) أي: نطلب منه العون، على أي شيء؟ على كل شيء، وأول وأولى ما يدخل في ذلك ما نحن فيه، تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] على كل شيء، ومنها: أن نستعينك على أداء الصلاة على الوجه الذي يرضيك عنا، وعندما تتكلم بهذه الخطبة فإنك تستعين الله تعالى على هذه الخطبة التي ستقولها وتسأله العون، وفي الحديث: (ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله) استعن بالله في كل شيء، إذا أردت أن تُقضى حاجتك فاستعن بالله في كل شيء، لا تحقرن شيئاً، حتى عند الوضوء .. عند الخروج إلى المسجد .. عند أي عمل اجعل قرينك الاستعانة بالله عز وجل.

معنى (ونستغفره)

قوله: (نستغفره) أي: نسأله المغفرة، والمغفرة: هي ستر الذنب مع التجاوز عنه. هذه المغفرة، أن يستر الله عن عباده ذنبك وأن يعفو عنك هذا الذنب، ومعلوم أن الإنسان له ذنوب بينه وبين الله، ذنوب خفية في القلب، وذنوب خفية في الجوارح، لكن لا يعلم بها الناس، أرأيتم لو أن الله كشفها لكانت محنة، ولكن بحمد الله عز وجل أنه سترها عن العباد، فأنت تسأل الله أن يغفر لك، أي: أن يستر عليك الذنوب وأن يتجاوز عنك، فانتبه لهذا المعنى، أنت عندما تقول: أستغفر الله. تسأل الله شيئين هما: الأول: ستر الذنب، والثاني: التجاوز عنه بحيث لا يعاقبك الله عليه، ولهذا إذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى يخلو بعبده المؤمن ويقول: (فعلت كذا فعلت كذا حتى يقر، ثم يقول الله عز وجل: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) اللهم اغفر لنا.

نجد أن في كتب العلماء الذين يبدءون بهذه الخطبة (نستغفره ونتوب إليه) ولكن بعد التحري لم نجد في الحديث: (ونتوب إليه) بل (نستغفره) وبعدها (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا).

معنى (نعوذ بالله من شرور أنفسنا)

قوله: (نعوذ بالله من شرور أنفسنا) أي: نعتصم بالله من شرور أنفسنا، وسؤالنا الآن: هل في النفس شر؟

الجواب: نعم. في النفس شر، قال الله تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53] والنفوس ثلاث: نفس شريرة: وهي الأمارة بالسوء، ونفس خيرة: وهي المطمئنة تأمر بالخير، ونفس لوامة، وكلها مذكورة في القرآن:

النفس الشريرة التي تأمر بالسوء مذكورة في سورة يوسف: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53].

والنفس المطمئنة الخيرة التي تأمر بالخير مذكورة في سورة الفجر: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:28-30].

النفس اللوامة مذكورة في سورة القيامة: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، فهل النفس اللوامة غير النفسين: الخيرة والسيئة، أو هي النفسان؟

من العلماء من يقول: إنها نفس ثالثة، ومنهم من يقول: بل هي وصف للنفسين السابقتين. فمثلاً: النفس الخيرة تلومك متى؟ إذا عملت سوءاً أو فرطت في واجب تلومك.

النفس الشريرة تلومك متى؟ إذا فعلت خيراً، أو تجنبت محرماً، لامتك: كيف تحجر على نفسك؟ لماذا لم تتحرر؟ لماذا لا تفعل كل ما تريد؟ تقولها النفس الأمارة بالسوء.

أما النفس الخيرة فتلومك عند فعل الشر وترك الخير، والنفس الأمارة بالعكس.

وأياً كان الأمر سواء كانت نفساً ثالثة، أو هي وصف للنفسين: الأمارة بالسوء والمطمئنة، فإن للنفس الشريرة علامة، ما علامتها؟

علامتها: أنها تأمرك بالشر .. تأمرك بالكذب .. بالغيبة .. بالغش .. بالسرقة .. بالزنا .. بشرب الخمر، أي نفس هذه؟ الشريرة التي تأمر بالسوء.

النفس الخيرة بالعكس، تأمرك: بالخير .. بالصلاة .. بالذكر .. بقراءة القرآن .. بالصدقة .. بغير ذلك مما يقربك إلى الله، ونحن كلنا نجد في نفوسنا مصارعة بين هاتين النفسين، والموفق من عصمه الله ووقاه شر نفسه، ولهذا نحن نقول: (نعوذ بالله من شرور أنفسنا) فأنفسنا فيها شر، إذا لم يعصمك الله عز وجل من شر نفسك هلكت وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53].

معنى (ومن سيئات أعمالنا)

قوله: (ومن سيئات أعمالنا) الأعمال السيئة لها آثار سيئة: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] والسيئة تجلب السيئة، وتقود الإنسان إلى السيئة الأخرى قهراً، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن المعاصي بريد الكفر. أي: إذا هانت المعاصي في نفسك هانت الصغيرة ثم هانت الكبيرة ثم هون الكفر في نفسك، فكفرت والعياذ بالله، ولهذا يجب على الإنسان من حين أن يشعر بالمعصية أن يستغفر الله منها، وأن يلجأ إلى الله عز وجل بالإنابة والتوبة حتى تمحى آثارها، وحتى لا يختم على القلب، وحتى لا يصل الإنسان إلى هذه الدرجة بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].

نسأل الله أن يصلح لنا ولكم العلانية والسريرة، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

الأسئلة

مشروعية الإتيان بخطبة الحاجة في كل أمرٍ مهم

السؤال: فضيلة الشيخ: ذكرتم خطبة الحاجة، ونحن نسمع أن الذين يعقدون النكاح للناس يبدءون بها، فهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقرأ عند عقد النكاح؟ وما السر في هذا؟

الجواب: لا شك أن من أعظم الحوائج حاجة النكاح، فإن حاجة الإنسان إلى النكاح قد تكون مثل حاجته إلى الطعام والشراب، ولهذا يجب على الإنسان إذا كان له أولاد يحتاجون للنكاح وهو غني يجب أن يزوجهم، كما يجب أن يقيتهم بالطعام والشراب واللباس والمسكن يجب أن يزوجهم، فإن لم يفعل وقدروا على أخذ شيء من ماله ولو خفية ليتزوجوا به فلهم ذلك، كما أذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـهند بنت عتبة حين شكت إليه زوجها الذي لا يعطيها ما يكفيها وولدها، قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فإذا كان النكاح من أعظم حوائج الإنسان فإنه يسن أن تتقدم هذه الخطبة عند عقد النكاح، ولكن ليست شرطاً، فلو أن رجلاً أراد أن يزوج ابنته وأتى بشاهدين، وقال للخاطب: زوجتك بنتي فلانة قال: قبلت بدون خطبة، أيجوز هذا أم لا؟ يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زوج الرجل الذي طلب منه أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون أن تتقدم الخطبة. أتعرفون قصة الواهبة؟ امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: (يا رسول الله! وهبت نفسي لك -هبة مجاناً- فصعَّد فيها النظر وصوَّب ولكنه لم يردها، إلا أنه لحسن خلقه لم يقل: لا أريدك، سكت، فقام رجل من الناس قال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها -وهذا من كمال الأدب في الصحابة، لم يقل مباشرة: زوجنيها قال: إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها- قال: ما تصدقها؟) المرأة لا تحل إلا بصداق لقوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]قال: (ما تصدقها؟ قال: يا رسول الله! أصدقها إزاري -ليس عنده إلا إزار، ما عنده رداء- قال: إزارك إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار، وإن بقي عليك بقيت بدون صداق -لا يصلح- التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب الرجل فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم معي سورة كذا وكذا، قال: زوجتكها بما معك من القرآن) أي: فعلمها ما معك من القرآن، فتزوجها الرجل.

إذاً.. الخطبة التي سمعتم تقال عند عقد النكاح على وجه الاستحباب، فلو لم تخطب وقال: زوجتك ابنتي قال: قبلت. انتهى وصح العقد.

السؤال: ما هي المناسبات التي تقال فيها خطبة الحاجة في غير النكاح؟

الجواب: كل حاجة، فمثلاً: لو أردت أن تصلح بين رجلين، هذه حاجة عظيمة، إذا جلست تصلح اقرأ هذه الخطبة، أو أردت أن تصلح بين زوجين كذلك اقرأ هذه الخطبة، تريد أن تتكلم بأمر هام للناس تقول هذه الخطبة، تريد أن تخطب يوم الجمعة تقول هذه الخطبة؛ لأنها مشروعة في كل أمر هام.

حكم الابتداء بخطبة الحاجة في خطبة الجمعة

السؤال: هل يسن للخطيب أن يكثر من خطبة الحاجة في افتتاح خطب يوم الجمعة أم ينوع؟

الجواب: الأصل أن خطبة الحاجة هي الأفضل، لكن لا حرج أن ينوع؛ لئلا يظن الناس أن هذه الخطبة -أعني: خطبة الحاجة- أمر واجب، ولأنه ربما يمل الناس إذا صار يكرر هذه الخطبة كل جمعة.

حكم إضافة كلمة (ونستهديه) في خطبة الحاجة

السؤال: هل ورد في خطبة الحاجة (ونستهديه) حيث أننا نسمع بعض الناس يقولها، وما صحة الحديث الذي جاء فيه: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به

الجواب: أما الفقرة الأولى وهي: (ونستهديه) فلم ترد في هذه الخطبة، لكن بعض الناس يتصرف فيها يقول: (ونستهديه) ويقول: (من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) ويعدل عن قوله: (ومن يضلل فلا هادي له) وهذا تصرف من بعض الناس، والأمر في هذا فيما أظن واسع.

وأما حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) فهو حديث ضعيف، لكن بعض أهل العلم حسنه، وهو في الحقيقة من حيث المعنى صحيح؛ لأن هوى الإنسان إذا لم يكن تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإيمانه ناقص بلا شك.

تعاريف خاطئة في معنى الحمد

السؤال: فضيلة الشيخ! ذكرتم في تفسير (الحمد) الوارد في الخطبة تعريفاً، فهل يمكن أن نقول بأن تعريف الحمد: هو الثناء على الجميل بالجميل؟

الجواب: لا. هذا غير صحيح، الثناء على الجميل بالجميل قد يكون قريباً من معنى الشكر، أي: تثني على الجميل بجميله الذي فعل لا بجماله، فهذا التعريف غير صحيح، ثم إننا أيدنا ما ذكرناه بأن الحمد ليس هو الثناء، بل الثناء هو تكرار الحمد، أيدناه بالحديث الصحيح الذي ذكرناه أثناء كلامنا على هذا.

حكم نسبة الشر إلى الله تعالى

السؤال: فضيلة الشيخ! ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام فيما معناه: كل يجازى بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. فوصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشر بأنهم سيجازون بالشر، فهل يسمى عذابهم شراً، أو هو -أي: العذاب- شر عليهم بهذا المعنى فينسب الشر إلى الله، وهل هذا جائز أم باطل، نرجو الإجابة على هذا الإشكال؟

الجواب: أولاً: أنا أريد من السائل ألا يردد المعنى: هل كذا هل كذا هل كذا؟ كأنه يريد أن يقول: أنا أعرف كذا وأعرف كذا وأعرف كذا، يسأل يقول: ما المراد بالشر؟ أو أن هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرف عنه هل هو صحيح أم لا؟

الثاني: أن قول القائل: الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر. مأخوذ من قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] أي: يرى الشر، ومجازاة صاحب الشر بالشر أي: أنه يجازى بمثل ما عمل، ومجازاته بمثل ما عمل وإن كانت شراً بالنسبة له هي بالنسبة لله خير؛ لأنها عدل، والعدل كله خير، ولعل هذا السؤال يأخذنا إلى سؤال آخر أهم منه وهو: أننا نؤمن بالقدر خيره وشره، فهل في القدر شر؟

نقول: أما القدر الذي هو تقدير الله فليس فيه شر، بل كله خير، وأما القدر بمعنى المقدور الذي يقدره الله فهذا منه خير ومنه شر.

نقول: أما القدر الذي هو فعل الله فليس فيه شر؛ لأن الله لا يفعل شيئاً إلا لحكمة، حتى وإن كان شراً بالنسبة للناس فهو حكمة ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] الفساد خير أم شر؟ شر، لكن الله قدره لمصلحة عظيمة: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] فقدر الله الذي هو تقديره ليس فيه شر، والمقدور الذي هو المخلوق هذا فيه خير وشر.

فمثلاً: الإبل ينتفع الناس بها أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ [يس:71-73] الذئاب ينتفع الناس بها كما ينتفعون بالإبل؟ لا. بل يجدون منها الشر، تأكل الغنم، وربما تأكل الصبيان، ففيها شر، لكن هذا الشر بالنسبة لفعل الله عز وجل ليس شراً؛ لأن الله أوجد هذا الحيوان المفترس حتى يعرف الإنسان قدر نفسه، ويعرف أن الله تعالى له الحكمة في خلق النافع وخلق الضار، ويحرص على أن يتحصن بالأذكار التي وردت محصنة لقائلها، فتجد الآن أن في خلق الذئاب وأشباهها حكمة عظيمة، وإن كانت في نفسها شراً؛ فالشر في المفعول لا في الفعل بالنسبة لله عز وجل.

اليهود ناقضو العهود على مر التاريخ

السؤال: فضيلة الشيخ! في جمادى الأولى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أجلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى طوائف اليهود من المدينة ، حتى تتابعت طوائف اليهود كلها في نقض العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهل من تعليق على هذه الأحداث؟ وهل هم الذين قال الله عنهم: َكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100] فهل لليهود عهد على مر التاريخ؟

الجواب: نعم. اليهود لهم عهود مع نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام ومن بعده، ومع آخر الرسل وأفضلهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاهدوه ولكنهم نقضوا العهد، وهم ثلاث قبائل حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وآخرهم بنو قريظة، نقضوا العهد حين واطئوا الأحزاب الذين جاءوا لحرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة ، ولما نقضوا العهد وعاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة الأحزاب أتاه جبريل وقال: (اخرج إلى هؤلاء -أي: إلى بني قريظة- الذين نقضوا العهد)، فخرج إليهم وحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان سعد بن معاذ سيد الأوس -القبيلة الثانية من الأنصار- وكان حليفاً لبني قريظة، فقالوا: ننزل على حكمه ظناً منهم أنه سيفعل كما فعل عبد الله بن أبي المنافق الذي خان العهد، لما نزلت بنو النضير على حكمه.

خرج سعد بن معاذ رضي الله عنه من مقره في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن سعد بن معاذ أصيب يوم الأحزاب بسهم في أكحله، وقال: [اللهم لا تمتني حتى تقر عيني ببني قريظة] وهم حلفاؤه، فلم يمت حتى أقر الله عينه بهم، لما حاصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بني قريظة رضوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فجاء من المسجد من الخيمة التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد ضربها له، فلما وصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه أصحابه، ومعه كبراء بني قريظة، أخبره النبي عليه الصلاة والسلام أنهم حكموه، فقال رضي الله عنه: [حكمي نافذ عليهم وعلى هؤلاء ويشير إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: نعم. فقال: أحكم بأن تقتل مقاتلتهم -أي: الرجال- وتسبى ذراريهم ونساؤهم، وتغنم أموالهم] وكان اليهود يتوقعون خلاف ذلك، كانوا يتوقعون أن يتوسط لهم ويسلمون من القتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ونفذ الحكم، وقتل في يوم واحد أكثر من ستمائة رجل من اليهود في المدينة .

فالمهم أن اليهود أصحاب غدر وأصحاب خيانة، ولا يوثق بعهودهم مهما أكدوها، وهم أذلة: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112] ثم قال: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112] ولم يستثنِ؛ لأنهم دائماً فقراء قلوب، ولهذا كانوا أشد الناس جشعاً وطمعاً وشحاً وبخلاً، ولم نثق بعهودهم أبداً، لكن لنا معهم معركة ستكون الدائرة عليهم، حتى إن الرجل منهم يختبي خلف الشجرة فتقول: يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله. إلا نوعاً واحداً من الشجر وهو الغرقد؛ وهو من أشجار اليهود لا يخبر بهم.

وأما قوله تعالى: َكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100] فاليهود هم أولى الناس بالقرآن في هذه الآية.

التفصيل في حكم العمليات الاستشهادية

السؤال: فضيلة الشيخ: علمت حفظك الله ما حصل في يوم الأربعاء من حادث قتل فيه أكثر من عشرين يهودياً على يد أحد مجاهدي حماس ، وجرح فيه قريباً من خمسين، وذلك أن هذا المجاهد لَفَّ على نفسه متفجرات ودخل في إحدى حافلاتهم ففجرها، وهو إنما فعل ذلك:

أولاً: لأنه إن لم يقتل اليوم فسيقتل غداً؛ لأن أشد شيء على اليهود هو الشباب الملتزم.

ثانياً: أن الحادث الذي مر في الخليل يريد أولئك المجاهدون أن ينتقموا من اليهود منه.

ثالثاً: أنهم يعلمون أن اليهود يخططون هم وغيرهم من النصارى على القضاء على الحماس الموجود في فلسطين ، فهل هذا الفعل منه يعتبر انتحاراً أو جهاداً؟ وما نصيحتك في مثل هذه الحالة لأننا إذا علمنا أن هذا الأمر أمراً محرماً لعلنا نبلغه إلى إخواننا هناك وفقك الله؟

الجواب: هذا الذي وضع على نفسه هذا اللباس الذي يقتل أول من يقتل نفس الرجل، لا شك أنه هو الذي تسبب لقتل نفسه، ولا يجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام، لا لقتل أفراد من الناس لا يمثلون الرؤساء ولا يمثلون القادة لليهود، أما لو كان هناك نفع عظيم للإسلام لكان ذلك جائزاً، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك، وضرب لهذا مثلاً بقصة الغلام المؤمن الذي كان في أمة يحكمها رجل مشرك كافر، فأراد هذا الحاكم المشرك الكافر أن يقتل الغلام، فحاول عدة مرات، مرة يلقى من أعلى جبل -هذا الغلام- ومرة يلقى في البحر، ولكنه كلما فعل ما يهلك به هذا الغلام نجا، فتعجب الملك الحاكم، فقال له يوماً من الأيام: أتريد أن تقتلني؟ قال: نعم، وما فعلت هذا إلا لقتلك، قال: اجمع الناس كلهم، ثم خذ سهماً من كنانتي واجعله في القوس ثم ارمني به، ولكن قل: باسم رب هذا الغلام؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يسموا كانوا يسمون باسم هذا الملك، فجمع الناس ثم أخذ سهماً من كنانته ووضعها في القوس وقال: باسم رب هذا الغلام، وأطلق القوس فضربه فهلك، فصاح الناس كلهم: الرب رب الغلام، الرب رب الغلام، وأنكروا ربوبية هذا الحاكم المشرك؛ لأنهم قالوا: هذا الرجل المشرك -الحاكم- فعل كل ما يمكن أن يهلك به الغلام ولم يهلك، ولما جاءت كلمة واحدة: باسم رب هذا الغلام. هلك، إذاً: مدبر الكون هو هذا الحاكم أم الله؟ الله، فآمن الناس.

يقول شيخ الإسلام : هذا حصل فيه نفع كبير للإسلام، وإلا فإن من المعلوم أن الذي تسبب بقتل نفسه هو هذا الرجل لا شك، لكنه حصل فيه نفع كبير، آمنت أمة كاملة، فإذا حصل مثل هذا فيقول الإنسان: أنا أفدي ديني بنفسي ولا يهمني، أما مجرد أن يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، ثم ربما تأخذ اليهود بالثأر فتقتل مئات، ولولا ما يحاولون اليوم من عقد الصلح والسلام كما يقولون، لرأيت فعالهم في الانتقام من الفلسطينيين لهذه الفعلة التي فعلها هذا الرجل.

حكم الشك في قتل المرأة طفلها

السؤال: فضيلة الشيخ! كان عندي قبل أعوام طفل صغير، فنمت معه في إحدى الليالي وكان بعيداً عني، وعندما أصبحت وجدته يتنفس، فذهبت لبعض حاجتي وعندما رجعت وجدت في فمه دماً ومات بعد دقائق، والآن عندي شك وليس حقيقة بأني ربما كنت أنا السبب، فلعلي نمت عليه في الليل وأنا لم أشعر، فهل عليَّ من شيء وفقك الله؟

الجواب: ليس عليها شيء؛ لأنه لا يجب عليها شيء حتى تتيقن أنها هي التي قتلته، أما الآن وهو مجرد شك فهذا من الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبها لينكد عليها حياتها، وذمتها بريئة منه، وربما أن الصبـي أصابه بل يقيناً أصابه أمر من الله عز وجل فهلك بذلك، وهذا يقع كثيراً، يوقع الشيطان الوساوس في قلوب الأمهات، تقول: لعلي انقلبت عليه، لعلي فعلت كذا وكذا، فنقول: الذمة بريئة حتى تتيقن أنها مسئولة عن هذا الفعل.

نصيحة للآباء في عدم تمكين أبنائهم الصغار من قيادة السيارة

السؤال: فضيلة الشيخ! أمر خطير صار يسري في أوساط الناس اليوم: وهو أننا نرى كثرة الأطفال الصغار الذين أصبحوا يمكنون من قيادة السيارات، وليس معهم أي رخصة تؤهلهم لذلك، فهل من نصيحة للمسئولين بينكم وبينهم، ومن نصيحة لأولياء الأمور ممن حضر في بيان خطر هذا، وهل إذا حدث أن ذلك الطفل توفي بسببه شخص أن الإثم على وليه الذي مكنه من تلك السيارة، حيث أنه سفيه والله قد نهى أن نعطي السفهاء أموالنا فكيف بما تزهق به الأرواح، هل من نصيحة وتوجيه وفقكم الله؟

الجواب: نصيحتي للآباء: ألا يمكنوا أبناءهم الصغار من قيادة السيارة، حتى وإن كان لهم وجهة نظر يظنونها صحيحة، فإن بعضهم يقول: أنا أمكنه من قيادة السيارة لأستغني به عن جلب سائق. لا ندري ما ثقته ولا ندري عن نزاهته، فهو ابني أستغني به عن غيره، وهذه ليست وجهة صحيحة، بل إن هؤلاء الصغار يكون الخطر عليهم ويكون الخطر منهم، وتحصل بسبب ذلك حوادث كثيرة، ولقد شاهدت منذ زمن صبياً يقود سيارة، فلما أراد أن ينعطف يميناً ما استطاع أن يرى الشارع الأيمن، فوقف على قدميه حتى يعطف السيارة، هل هذا يُمكَّن؟ لا يجوز أن نمكن هؤلاء، وكما قال السائل: إذا كان الله تعالى نهانا أن نعطي أموالنا السفهاء، فكيف نعطيهم أو نوليهم قيادة السيارة التي يكون فيها خطر عليهم وعلى غيرهم؟!!

فنصيحتي للآباء أن ينتظروا، وإذا كانوا لا يستطيعون أن يقودوا السيارة بأنفسهم ليقودوا البنات إلى المدرسة أو لقضاء الحاجات فليختاروا سائقاً مأموناً يقود السيارة، على أنهم لو اختاروا قائداً مأموناً فإنه لا يجوز لهذا السائق أن يخلو بالمرأة وحدها، بل لا بد أن يكون معها نساء أو محرم بعدها.

حكم زيارة البقيع

السؤال: فضيلة الشيخ! نشر في جريدة الرياض العدد الصادر يوم الثلاثاء في الثالث عشر من الشهر الخامس من هذه السنة: أن فضيلتكم زار البقيع. وقال الناشر: إن هذه الزيارة كانت أمس وذلك من تاريخ النشرة، فهل من كلمة حول هذه الزيارة؟ وهل هي مشروعة، حيث أننا نرى الكلام في هذا الموضوع، فأرجو التوضيح؟

الجواب: أما زيارة البقيع فمشروعة بلا شك؛ لأنها قبور الصحابة رضي الله عنهم وسلف الأمة والصالحين من عباد الله، كما يشرع لنا أن نزور مقابرنا يشرع لنا أن نزور البقيع، ولكنه يقول: بالأمس، إن أراد بالأمس القريب فهذا ليس بصحيح؛ لأن زيارتي للمدينة كانت منذ أكثر من شهر، وإن أراد بالأمس ما قبل اليوم ولو قبل عشر سنين فهذا صحيح، فالله أعلم بنيته، لكن إن كان قد كتب بالأمس، وأراد أني زرتها في يوم الثاني عشرة من هذا الشهر فهذا غير صحيح، لأني ما زرتهم والزيارة كانت قديمة، لكن لعلها والله أعلم نشرت في هذا الوقت؛ لأنهم كانوا يقلبون في أوراقهم يمكن وجدوها وقالوا: ننشرها، فلا أدري ما السبب.

واعلم أن اللغة العربية واسعة، تقول: غداً لليوم الذي يلي يومك، وتقول غداً لليوم الذي بعد يومك بآلاف السنين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]ويعني بغد: يوم القيامة، وبينك وبينه مسافات الله أعلم بها، كذلك الأمس -اللغة العربية واسعة- قد يراد بالأمس ما قبل يومك المباشر، وقد يراد به ما قبل يومك بزمن بعيد.

حكم النظر إلى المرأة المخطوبة واقتناء الصور

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز لي النظر إلى المرأة التي أريد الزواج بها بدون علم أهلها، كأن تحضر إلى قرابة لي فأنظر إليها دون علمها وعلم أهلها، مع العلم أني عازم بإذن الله على التقدم لها، ولكن لم تحصل الخطبة، بل حصل أخذ موافقة منها ومن والدتها قبل أن أتقدم رسمياً إليها، مع أني قد استخرت الاستخارة الشرعية، فهل يجوز لي هذا النظر؟

الجواب: يجوز لك هذا النظر؛ لأن الإنسان إذا عزم على خطبة امرأة، وغلب على ظنه أنه يجاب، فله أن ينظر إليها بل يسن أن ينظر إليها، بشرط: ألا يكون هناك خلوة، وأن يأمن الفتنة على نفسه، فإذا لم يكن خلوة وأمن الفتنة على نفسه ونظر إليها ما يكفي في رغبته فيها كالنظر إلى الوجه والرأس والكفين والقدمين فإن هذا لا بأس به، بل هو من الأمور المشروعة: فإنه أحرى أن يؤدم بين الزوجين. أي: أحرى أن يؤلف بينهما.

ويسأل بعض الناس يقول: هل يجوز أن أطلب صورتها في الفوتوغرافية؟

فنقول: لا يجوز.

أولاً: أن الصورة قد تبقى بيد الخطيب حتى وإن رد.

ثانياً: أن الصورة لا تمثل الواقع والحقيقة، قد تشوه المنظر وقد تحسن المنظر، فينخدع الإنسان.

ثالثاً: أنه لا ينبغي للإنسان أن يمكن أحداً من أن يلتقط صورة أهله .. بناته أو أخواته أو ما أشبه ذلك، بل لا يجوز له هذا؛ لما في ذلك من الفتنة، وربما تقع هذه الصورة بأيدي أناس فساق يعرضون بناتك على الناس، إن كن جميلات صرن فتنة للناس، وإن كن قبيحات صرن مشمتاً للناس.

مسائل في الرضاع

السؤال: رجل متزوج من زوجتين، وله منهما أولاد، ثم قامت إحدى زوجتيه بإرضاع شخص، فهل هذا الشخص يكون من محارم بنات ذلك الرجل صاحب اللبن -أي: بنات كلا الزوجتين- وما هي القاعدة في مسألة الرضاعة حيث أن أمرها يشكل؟

الجواب: الرضاعة تؤثر من جانب الرجل ومن جانب المرأة، بمعنى: أنه إذا كان للرجل زوجتان فأرضعت إحداهما طفلاً الرضاع المحرم وهو خمس رضعات فأكثر، فإن هذا الطفل يكون ولداً للمرضعة وولداً لزوجها، ويكون أولاد زوجها من الزوجة الأخرى إخوة له، لكن إخوة له من الأب؛ لأن أباهم واحد، وأما بالنسبة لأولاد التي أرضعت فهو أخ لهم من الأب والأم، كما أنه ربما يكون هناك إخوة من الأم ترضع هذه المرأة طفلاً في حبال رجل، أي: عندها زوج، ثم تتزوج بزوج آخر، وترضع طفلاً وهي في حبال الزوج الثاني، الطفل الذي أرضعته في حبال الزوج الثاني يكون أخاً لأولادها من الزوج الأول من الأم، فالرضاع حكمه حكم النساب؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فكما أن إخوتك من الأم من النسب إخوة لك، ومحارم لأخواتهم من أمهم، فكذلك في الرضاعة.

لكن ما رأيكم: فيما لو كان الطفل لا يقبل ثدي المرأة، ولكن صب له اللبن أو حلبت المرأة لبنها في فنجان، وأرضعن هذا الطفل منه خمس مرات، مرة في الصباح، ومرة في المساء، ومرة في الليل، ومرة بعد الظهر، المهم خمس مرات، هل يكون ولداً لصاحبة اللبن؟

نعم. لا يشرط أن يرضع من الثدي، المهم أن يرضع من هذا اللبن.

ولو ارتضع طفلان من شاة؟ نحلب هذه الشاة ونسقي هذا وهذا، هل يكونان أخوين من الرضاع؟

نقول: إن كانا خروفين صارا أخوين، وإلا فلا.

واجبنا تجاه إخواننا المجاهدين

السؤال: فضيلة الشيخ: لماذا لا يكون لكم بعض الدروس في مدينة حائل وما حولها، نأمل أن يكون ذلك قريباً، وهل من دعاء لإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك وفلسطين وغيرهم في كل مكان جزاكم الله خير الجزاء؟

الجواب: الدعاء مبذول لإخواننا المسلمين المجاهدين في البوسنة والهرسك وفي فلسطين وفي كشمير وفي كل مكان يضطهد فيه المسلمون، هذا واجب علينا، أقل ما يجب علينا لإخواننا هو الدعاء، إذا لم نشارك بأموالنا وأبداننا فلا أقل من الدعاء.

وأما بالنسبة لإلقاء الدروس في حائل، ففي حائل ولله الحمد من طلبة العلم من فيهم الكفاية والخير، وأنا أشير على إخواننا وشبابنا من أهل حائل ومن غيرهم أن يلتزموا بمن عندهم من أهل العلم، وأن يطلبوا منهم الجلوس، ولو في الأسبوع مرتين أو ثلاث مرات، وإذا يسر الله عز وجل أن نزور حائلاً أو غيرها لمقابلة بعض الإخوة وتنشيطهم فهذا خير، لكن أشغالي كثيرة في الواقع، أكثر من وقتي، وأعلم أنني لو آتي إلى أهل حائل قال أهل البلاد الأخرى: ائت إلينا، إن أرضيت الجميع مشكلة، وإن أغضبت بعضهم مشكلة، وأنا أعتقد أنهم إن شاء الله راضون عني بكل حال، وأنهم يعذرونني، والحمد لله الآن الأشرطة تغني بعض الشيء عن حضور الرجل، الأشرطة الآن منتشرة، وهي من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا في هذا الوقت، لما كان ولله الحمد الصحوة قوية في الشباب، يحبون العلم، ويحبون الخير، ويحبون الوعظ، ويحبون الدعوة إلى الله عز وجل، صارت الأشرطة ولله الحمد منتشرة، يستطيع الإنسان أن يضع الشريط وهو يمشي في سيارته ويستمع إليه ويستفيد منه.

نسأل الله لنا ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجمع القلوب على طاعته وعلى ما فيه الخير، وأن يعيذنا وإياكم من التفرق والاختلاف، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [22] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net