اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [26] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
أما بعد:
فهذا هو لقاء شهر ذي القعدة، وهو اللقاء الشهري الذي يتم في ليلة الثالث من كل أحد من كل شهر، وهذه الليلة هي الليلة السادسة عشرة من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) وهو اللقاء المتمم للسادس والعشرين من اللقاءات الماضية، نسأل الله تعالى أن يجعلها لقاءات مباركة نافعة لنا ولكم.
هذا اللقاء سيكون عن شهر ذي الحجة، هذا الشهر -أعني: شهر ذي الحجة- هو أحد الأشهر الثلاثة المتوالية من الأشهر الحرم؛ لأن الأشهر الحرم أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وهذه متوالية، والرابع هو شهر رجب المنفرد الذي بين جمادى الآخر وشعبان.
هذا الشهر هو أفضل الأشهر الثلاثة الحرم، لأنه يعمل فيه من الأعمال الصالحة ما لا يعمل في غيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر -أي: عشر ذي الحجة- قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).
وهذا الحديث يدل على أنه ينبغي لنا أن نكثر من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة:
فمنها: أن نكثر من التسبيح، والتهليل، والتكبير، فنقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .. نكثر من الصدقة؛ لأنها من الأعمال الصالحة .. نكثر من الصلاة؛ لأنها أفضل الأعمال البدنية .. نكثر من قراءة القرآن؛ لأن القرآن أفضل الذكر .. نكثر من كل عمل صالح، ونصوم أيام العشر؛ لأن الصيام من الأعمال الصالحة، وحتى لو لم يرد فيه حديث بخصوصه فهو داخل في العموم؛ لأنه عمل صالح، فنصم هذه الأيام التسعة؛ لأن العاشر هو: يوم العيد ولا يصام.
ويتأكد الصوم يوم عرفة إلا للحجاج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم عرفة: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).
إذاً: الأضحية مشروعة عن الأحياء، يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بشاة واحدة، وما يفعله عوامنا اليوم تجد أهل البيت -مثلاً- عشرة أفراد، كل فرد له وظيفة، فيقول كل واحد: أنا أريد أن أضحي عن أبي، كم يكون لأبيه من أضحية؟ عشر، من قال هذا؟! أين مشروعية هذا في كتاب الله أو سنة رسوله أو عمل السلف الصالح؟ كان الصحابة يضحي الرجل بالواحد عنه وعن أهل بيته، وحتى أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يضحي بأكثر من واحدة عنه وعن أهل بيته، مع أنه أكرم الخلق، ومع أن الله أفاء عليه من الأموال ما أفاء ومع ذلك لم يضحِ بأكثر من واحدة.
نقول لهؤلاء الذين يضحون بعشر ضحايا أو أكثر عن أمواتهم نقول: رويدكم، لا تنفقوا أموالكم في شيء لم يفعله الصحابة مع نبيهم، إذا كان لديكم فضل مال فليضح قيم البيت بواحدة عنه وعن أهل بيته ولتصرف بقية هذه الأموال إلى إخواننا في البوسنة الهرسك والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين الذين هم في حاجة إلى أموالنا، أما أن يبطر الإنسان ويسرف فيضحي بعشر ضحايا لواحد أو لاثنين فهذا غلط، وليس من الشرع في شيء، وأخشى أن يكون الإنسان آثماً لا سالماً؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو سألنا أي أحد: من أكرم الناس؟ لقال: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هل ضحى بأكثر من واحدة عنه وعن أهل بيته؟ أبداً ما ضحى، ضحى باثنتين، واحدة عنه وعن أهل بيته، وواحدة عن الأمة جميعاً.
إذاً: لتكن عباداتنا مبنية على علم وبصيرة وهدى، ليس الشرع عاطفة إذا أحب الإنسان شيئاً فعله وتقرب به إلى الله، الشرع شريعة من الله، فهل شرع الله على لسان رسوله أن يضحي الرجل بأكثر من واحدة؟ أبداً.
فالذي أرى: أن من عنده فضل مال فليجد به على إخوانه المتضررين المشردين الميتمين الذين هم في ضرورة لأموالنا، هذا هو الصواب.
أولاً: إخفاء شعيرة من شعائر الله في بلادك وهي: الأضحية.
ثانياً: يفوتك التقرب إلى الله تعالى بذبحها؛ لأن المشروع في الأضحية أن يباشر الإنسان ذبحها بيده، فإن لم يحسن فقال العلماء: يحضر ذبحها، وهذا يفوته.
ثالثاً: يفوتك ذكر اسم الله عليها؛ لأن الأضحية إذا كانت عندك في البلد، فأنت الذي تذكر اسم الله عليها، وقد أشار الله إلى هذه الفائدة بقوله: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج:34] فتذهب أضحيتك إلى مكان بعيد لا تدري هل يذكر اسم الله عليها أم لا، وتحرم نفسك من ذكر اسم الله عليها.
رابعاً: يفوتك أن تأكل منها، لأنها إذا كانت في البوسنة والهرسك والشيشان والصومال وغيرها هل يمكن أن تأكل منها؟! لا. يفوتك الأكل منها وقد قال الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28].. فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36] فبدأ بالأكل، ولهذا ذهب بعض علماء المسلمين إلى أن الأكل من الأضحية واجب، كما تجب الصدقة يجب الأكل، وهذا قطعاً يفوت إذا ضحيت في غير بلادك.
خامساً: أنه يفوتك التوزيع المطلوب؛ لأن المطلوب في الأضحية أن تأكل وتهدي وتتصدق، وهذا يفوت، إذا وزعت هناك لا ندري أتوزع صدقة على الفقراء، أم هدية على أغنياء، أم هدية على قوم ليسوا بمسلمين؟!
سادساً: أنك تحرم أهل بلدك من الانتفاع بهذه الأضاحي، أن تقوم بالإهداء إلى جيرانك وأصحابك من الأضحية، وبالصدقة على فقراء بلدك، لكن إذا ذهبت هناك فات هذا الشيء.
سابعاً: أنك لا تدري هل تذبح هذه على الوجه الأكمل أو على وجه خلاف ذلك، ربما تذبح قبل الصلاة، وربما تؤخر عن أيام التشريق، وربما لا يسمِ عليها الذابح، كل هذا وارد، لكن إذا كانت عندك ذبحتها على ما تريد، وعلى الوجه الأكمل، ولهذا ننصح بألا تدفع الدراهم ليضحى بها خارج البلاد، بل تضحى هنا، وننصح -أيضاً- بأن من عنده فضل مال فليتصدق به على إخوانه المحتاجين في أي بلاد من بلاد المسلمين، ولتكن الأضحية له من غير غلو ولا تقصير.
ولكن لو أن الإنسان نسي وأخذ هل يؤثر هذا على أضحيته؟ لا يؤثر، أو تعمد فأخذ فإن ذلك لا يؤثر على أضحيته لكنه يكون قد ارتكب النهي.
ولو أن الإنسان لم يفكر في الأضحية وأخذ من شعره وأظفاره بعد دخول شهر ذي الحجة، ثم بدا له أن يضحي فهل يضحي أو لا؟
الجواب: نعم يضحي؛ لأنه لا علاقة بين الأضحية وبين الأخذ من هذه الأشياء.
وكذلك من عليه دين حال مطالب به فليقض دينه أولاً، فإن لم يفِ المال الذي عنده بالدين والحج سقط عنه الحج، وإن كان الدين مؤجلاً -مقسطاً- وهو واثق من نفسه أنه إذا حل أجل الدين أوفاه فليحج، كما لو كان عنده قرض للبنك العقاري وهو واثق من أنه إذا حل أجل القسط فإنه يدفعه فليحج ولو كان عليه دين، أما إذا كان ليس عنده ثقة من نفسه أن يوفي فلا يحج ولو كان الدين مؤجلاً، ولو سامحه صاحب الدين؛ لأن وفاء الدين أهم.
وبهذه المناسبة أحذر ثم أحذر ثم أحذر من التهاون بالدين، فإن التهاون بالدين سفه في العقل؛ لأن الدين عظيم، وأذكر لكم ثلاثة أشياء:
أولاً: إذا استشهد الرجل في سبيل الله فالشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، كل المعاصي تكفرها الشهادة، من زنا وسرقة وشرب خمر وغيره تكفره الشهادة إلا أن السرقة ترد إلى صاحبها إلا الدين.
ثانياً: المدين لا يصلي عليه الإمام، إذا مات المدين وعليه دين ليس له وفاء فإن الإمام لا يصلي عليه، والدليل: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا قدم عليه الميت وعليه دين ليس له وفاء، قال: (صلوا على صاحبكم) ولم يصل عليه، والإمام الأعظم رئيس الدولة مثل النبي صلى الله عليه وسلم له السلطة على من تحت يده فلا يصلي عليه، أما إمام كل مسجد فهذا راجع إلى اجتهاد الإنسان، قدم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة رجل من الأنصار فخطا خطوات ليصلي عليه ثم سأل: (أعليه دين؟ قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم -الله أكبر- فتغيرت وجوه القوم، فقال أبو قتادة: يا رسول الله! الديناران علي، قال له: حق الغريم وبرئ منهم الميت؟ قال: نعم. فتقدم وصلى، ثم كان يسأل أبا قتادة: هل أوفيت عنه؟ فلما قال: نعم. قال: الآن برَّدت عليه جلدته) من الذي بردت عليه جلدته؟ الميت المدين.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يحذر من الدين.
تقدمت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: (إني وهبت نفسي لك، فلم يردها الرسول عليه الصلاة والسلام، فقام رجل من القوم قال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: هات المهر، قال: ما عندي إلا إزاري فقط، قال راوي الحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: ليس له رداء -أي: ما عليه إلا إزار أعلى جسده عارٍ؛ لأنه فقير- قال له عليه الصلاة والسلام: إزارك إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار، وإن بقي عليك بقيت بلا مهر -لا يمكن- التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: ما وجدت شيئاً، قال هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. سورة كذا وكذا، فقال: زوجتكها بما معك من القرآن) أي: علمها فعلمها، ولم يقل: تسلف من إخوانك، أو تسلف من الناس، مما يدل على عظم شأن الدين، وإخواننا اليوم وقومنا اليوم يشتري الإنسان سيارة بسبعين ألف ديناً، مع أنه يستطيع أن يشتري سيارة بعشرين ألف، لكن يقول: أنا أريد سيارة فخمة، وهذا غلط.
يعمر بيتاً يكفيه أن يعمر بيتاً -مثلاً- بثلاثمائة ألف، يقول: لا أعمر بيتاً بخمسمائة ألف، يعمر بيتاً على قدر حاله، ويمكنه أن يستعمل البيت بدون أن يوثق نفسه بالديون، يقول: لا سأفرش البيت من بابه إلى سطحه، كله حتى الدرج، لماذا وأنت فقير؟ هذا إسراف وغلط، فالتهاون بالدين أمره صعب.
إذاً .. الإنسان المدين نقول: لا تحج وعليك دين إلا إذا كنت واثقاً من أنه إذا حل القسط وفيت وإلا فالدين أهم.
تخرج من بيتك مريداً للحج والعمرة من البيت، من أجل أن تكون خطواتك في طاعة الله، إذا وصلت إلى الميقات أول ميقات تمر به تحرم منه، وعند الإحرام تغتسل وتتطيب وتلبس ثوب الإحرام، وإذا كنت قريباً من مكة -أي: قريباً من الميقات- يمكنك أن تصل في نهارك وخفت أن يكون المكان زحاماً واغتسلت في بيتك فلا بأس، لكن لا تلبس ثياب الإحرام إلا في الميقات، إذا لبست ثياب الإحرام فصل صلاة الفريضة إن كانت حاضرة، أو صلاة الوضوء إذا لم تكن فريضة، ثم تنوي فتقول: لبيك عمرة، أنت تقول: لبيك عمرة وأنت تريد الحج هذا العام، وتمضي حتى تصل إلى البيت، فتطوف سبعة أشواط تبدأ بالحجر الأسود وتنتهي بالحجر الأسود.
وفي هذا الطواف يسن للرجل سنتان:
السنة الأولى: الرمل، والسنة الثانية: الاضطباع، فأما الرمل فهو أن يسرع المشي مع مقاربة الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والأربعة الباقية يمشي فيها على عادته، والثلاثة الأشواط الأولى إذا كان المطاف زحاماً فليمش على ما يكون في راحة له وللطائفين، فإذا أتم سبعة أشواط صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد، ثم يخرج إلى الصفا ، فإذا دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] قبل أن يصعد على الصفا، ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس هذا موضع الذكر أخشى أن يطول الوقت.
ثم ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة، فإذا وصل إلى العلم الأخضر -العمود الأخضر- الذي فوقه نجفات خضراء سعى -أي: ركض ركضاً شديداً- إلى العلم الآخر، هذا إن تيسر وإلا فلا يشق على نفسه ولا على غيره، ثم يمشي مشيه المعتاد إلى المروة ، ثم يصعد المروة ويتجه إلى القبلة، ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، فهذا شوط.
ثم ينزل إلى المروة ويمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه ويقول على الصفا ما قاله في أول مرة، حتى يتم سبعة أشواط، يبدأ بـالصفا وينتهي بـالمروة، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ثم بعد هذا يقصر من شعر رأسه، من جميع الرأس لا من جانب أو جوانب، بل من جميع الرأس، ثم يحل من عمرته حلاً تاماً تاماً، يلبس الثياب العادية ويتطيب ويتمتع بأهله إن كانوا معه، ويحل من كل شيء حرم عليه بالإحرام، فيبقى كذلك محلاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فيحرم في اليوم الثامن ضحىً قبل الظهر بالحج، ويغتسل كما يغتسل بالعمرة، ويتطيب في بدنه دون ثيابه، ويبقى في منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة وينزل بنمره إن تيسر له، وهي قرية قرب عرفة وليست من عرفة ، فإذا زالت الشمس سار إلى عرفة ، وإذا لم يتيسر له ذلك، فإنه يذهب من منى إلى عرفة رأساً ويمكث فيها حتى يأتي وقت الظهر فيصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع هنا جمع تقديم، ثم يتفرغ للدعاء ويلح بالدعاء ويستقبل القبلة رافعاً يديه، ويجتهد في الدعاء والذكر والقرآن وكل ما يكون نشيطاً عليه، وإذا حصل له ملل أو كسل كما هو الغالب في وقتنا هذا فإنه لا بأس أن يتكلم فيما ينشطه، لكن ليحرص على أن يكون آخر اليوم متفرغاً للدعاء والذكر، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة ، فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ثم بعد أن يصلي المغرب والعشاء والوتر ينام إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر صلى الصبح مبادراً بها، فيصلي سنة الفجر وصلاة الفجر، ويبقى هناك -أي: في مزدلفة- إلى أن يسفر جداً -أي: يبين السفر تماماً- ثم ينطلق من مزدلفة إلى منى ، وللإنسان الضعيف أو من يصاحب الضعيف أن ينصرف من مزدلفة في آخر الليل، كالرجل الذي معه نساء يحب أن يذهب إلى منى من أجل أن يرمي الجمرات قبل أن يأتي الناس فليذهب إلى منى ، وله أن يرمي من حين أن يصل إلى منى ولو كان قد بقي على الفجر ساعة أو ساعتين، لكن متى ينصرف من مزدلفة ؟
قيل: ينصرف إذا انتصف الليل، وقيل: ينصرف إذا غاب القمر -أي: إذا مضى من الليل ثلثاه- وهذا هو الأقرب، المهم وصلنا إلى منى ، أول ما يفعل يرمي جمرة العقبة، وهي آخر الجمرات مما يلي مكة ، يرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ومن أين يأخذ الحصاة؟ من أي مكان، من منى من الطريق بين منى ومزدلفة ، من مزدلفة من أي مكان، يأخذ سبعاً فقط، فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف فينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل، ثم يحل من كل شيء حرم عليه إلا النساء، ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة وهو طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة.
ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليلتين، الحادية عشرة والثانية عشرة، وبعد الزوال من اليوم الحاد عشر وبعد الزوال من اليوم الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث: الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، كل واحدة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، لكنه بعد الأولى يقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، وكذلك بعد الثانية، أما بعد جمرة العقبة فلا يقف.
ولنرجع إلى يوم العيد، فيوم العيد حين وصلنا إلى منى كم عملنا؟
أولاً: رمي الجمرات.
ثانياً: النحر.
ثالثاً: الحلق أو التقصير.
رابعاً: الطواف.
خامساً: السعي.
هذا هو الترتيب الأفضل، فإن قدم بعضها على بعض فليس عليه حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل في هذا اليوم عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) فإذا رمى الجمرات الثلاث يوم الثاني عشر فله أن يتعجل وينهي الحج، وله أن يبيت ليلة الثالثة عشرة ويرمي اليوم الثالث عشر كما رمى يوم الثاني عشر والحادي عشر، وإذا أراد الخروج إلى أهله من مكة فلا يخرج حتى يطوف للوداع عند خروجه سبعة أشواط بثيابه التي عليه -العادية- وبدون رمل وبدون سعي، إلا المرأة الحائض أو النفساء فإنه لا وداع عليها.
وبهذا ينتهي الحج والعمرة على الوجه الذي هو أكمل الأنساك.
نسأل الله تعالى أن ييسر لنا ولكم الخير أينما كنا، وأن يوفقنا جميعاً للإخلاص لوجهه والاتباع لرسوله، إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة، نسأل الله أن يوفقنا فيها للصواب.
الجواب: بلغها سلامي وقل: يسلم عليك فلان، ويقول: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليست أكرم من رسول الله ولا أعلم منه بما يرضي الله ولا أحرص منه على مرضاة الله، فلتقتدي برسولها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما والداها وأمها وجدها وجدتها، وعمها وعمتها، وخالها وخالتها، وأقاربها وأصدقاؤها فلتدع الله لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ما قال: يضحي له، ولا جاءت في حديث ضعيف ولا صحيح: أو ولد صالح يضحي له، مع أن الحديث في سياق الأعمال، (انقطع عمله إلا من ثلاث) والأضحية عمل، فلم يقل: إلا ولد صالح يضحي له.
ولا شك أن أمك تريد الخير، لكن ليس كل مجتهد مصيب.
الجواب: هذه ثلاثة أمور بينها السائل، لكن هناك أمر رابع لم يبينه وهو الواجب من الأصل، الواجب أن الخادمة إذا اشترطت أن يحج بها، يقول: نعم. أنا ألتزم بهذا بشرط المحرم، أما إذا لم يكن معك محرم فإنه لا يجوز أن تحجي أنت ولا يجوز أن أسمح لك أنا ما دام الأمر بيدي، ثم إن هؤلاء المسكينات الحج عندهن أغلى من كل شيء، فلو أنها أُيِّست منه من الأول وقيل: لا حج إلا بمحرم، لدخلت على بصيرة، ثم نقنع هذه المسكينة، ونقول لها: إن الحج فريضة، على المستطيع، وأنت لا تستطيعين الآن؛ لأنك بدون محرم، فليس عليك حج، اطمئني، ليس عليك إثم، وإذا لقيت ربك فإنك تلقينه بدون أن تكوني عاصية أو آثمة، ونهون عليها الأمر، فإن أبت إلا الوفاء قلنا: لا يمكن هذا، لكن اختاري إما أن ننتظر حتى يقدم لك أحد من محارمك، وإما أن نعطيك عوضاً عن الحج الذي اشترطت علينا.
لكن هنا مسألة: لو كان أهل البيت سيذهبون إلى الحج وعندهم خادمة ليس لها محرم، فهنا لا بأس أن تحج معهم؛ لأن وجودها في البيت كوجودها معهم في السفر ولا فرق، ولأنها إذا بقيت في البيت فهو أخطر لها مما إذا ذهبت معهم بلا شك، والواجب دفع أعلى المفسدتين بأدناهما.
الجواب: نعم النهي للتحريم، فالإنسان لا يحوز له إذا ساق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، وعبر بحلق الرأس؛ لأنه علامة الحل، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع أن يجعلوا نسكهم عمرة إلا من ساق الهدي، قالوا: (وأنت يا رسول الله؟ قال: أنا قد سقت الهدي، فلا أحل حتى أنحر) فمعنى الآية: لا تحلوا قبل أن يبلغ الهدي محله، والإحلال يكون بحلق الرأس.
الجواب: أرى أن الإنسان العاقل إذا كان عنده مال يمكنه أن يشتري به سيارة يدفع بها حاجته ويحج بالباقي فإنه يجب عليه أن يفعل ذلك، ولا يجوز أن يشتري شيئاً بثمن رفيع ويدع الحج؛ لأنه غني يستطيع أن يحج، فالسيارة التي يشتريها بخمسين ألف -مثلاً- يغني عنها سيارة بعشرين ألف، ويحج من الثلاثين، وربما تكون البقية تكفيه للزواج، فيحصل له سيارة يركبها يقضي حاجته وحج وامرأة، هذه نعمة.
الجواب: أرى أنه يبيع من هذه الأملاك التي لا يحتاجها، ويقضي دينه ويحج؛ لأن الرجل غني، والغنى ليس هو كثرة النقود، الغنى هو: كثرة الأموال التي تزيد على حاجة الإنسان، وإذا كان عنده عقارات كثيرة يمكن أن يبيع واحداً من عشرة منها ويحج وجب عليه أن يبيع ويحج، هذا الواجب عليه، ولا يدري هذا الرجل ربما يصبح ولا يمسي أو يمسي ولا يصبح، فتبقى هذه الأملاك لغيره يتنعمون بها وعليه وبالها.
الجواب: يجوز لمن دفع من مزدلفة أن يذهب إلى مكة مباشرة ويطوف ويسعى ويرجع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يسأل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) فالأمر والحمد لله واسع، قد وسع الله على العباد تخفيفاً عليهم.
الجواب: قال بعض أهل العلم: إذا وافق يوم العيد يوم السابع من ولادة الولد وذبح أضحية كفت عن العقيقة، كما أن الإنسان لو دخل المسجد وصلى فريضة كفت عن تحية المسجد؛ لأنهما عبادتان من جنسٍ واحد، توافقتا في الوقت فاكتفي بإحداهما عن الأذى.
لكن أرى إذا كان الله قد أغناه أن يجعل للأضحية شاة وللعقيقة شاة إن كانت المولودة أنثى، أو شاتين إن كان المولود ذكراً، فإذا كان المولود ذكراً يذبح ثلاثاً.
الجواب: يقولون: إن رجلاً كلف بأن يرضِّح عبساً -النوى الذي يكون في التمر- فجعل يرضحه يكسره ويكسره -وتكسير العبس صعب- لما بقيت واحدة قال: تعبت، مع أنه كسر آلاف العبس، هذا الرجل متكفل بالعامل في جميع مئونته إلا الهدي، نقول: يا أخي! جزاك الله خيراً أكمل الهدي حتى يتم الأجر لك، فإن لم يفعل وكان العامل فقيراً فالله تعالى قد يسر عليه، ماذا يصنع العامل؟ يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وزال الإشكال.
لكني أشير على الكفيل جزاه الله خيراً أن يكمل إحسانه، وأن يقول: جميع مئونة الحج عليَّ من نفقة الحج والهدي والإحرام وغير ذلك.
والأجر إن شاء الله الذي يحصل عليه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من جهز غازياً فقد غزا) ونقول: نحن إن شاء الله بدون تألٍ على الله: أن من جهز حاجاً فقد حج؛ لأن الحج في سبيل الله، حتى إن بعض العلماء يقول: إن الفقير إذا كان عاجزاً ولم يؤدِ الفريضة يعطى من الزكاة، لدخوله في قوله تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] وعائشة قالت: (يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة).
فنرجو لهذا الذي تكفل بحج العامل مثل أجر العامل.
أولاً: إذا رأيناه يفعل ذلك وهم كثير على المروة .
ثانياً: إذا فعل ذلك ورجع إلى أهله.
ثالثاً: إذا فعل ذلك قبل سنوات كثيرة؟
الجواب: سألني سائل مرة وقال: إني اعتمرت، كل شيء فعلته إلا أنني لم أحلق، ويقول: هكذا بلحيته، ما حلقت أي: ما حلق اللحية، ظن أن حلق اللحية من شعائر الله، فقال: كل شيء عملته إلا أني لم أحلق ويشير هكذا بلحيته ويمسحها أمامي، فقلت: الحمد لله الذي هداك لهذا، هذا هو الحق، ألَّا تحلق لحيتك؛ لأن حلق اللحية حرام بكل حال.
فهؤلاء القوم الذين نراهم عند المروة يقصرون من بعض الرءوس هم على قولٍ قاله بعض العلماء؛ لأن العلماء رحمهم الله مختلفون: هل الحلق والتقصير طاعة، أو الحلق والتقصير علامة على أن النسك انتهى؟
فالذي يقول: إنه علامة على أن النسك انتهى يقول: إذا قصرت أدنى شيء ولو شعرتين أو ثلاث فقد كفى؛ لأن المحرم لا يجوز أن يحلق رأسه، فإذا حلق معناه أنه انتهيت، ومن قال: إنه طاعة وهو الصحيح قال: يجب أن يقصر من جميع الرأس عموماً، وهذا هو الحق، فإذا رأيت شخصاً قابلاً للنصيحة والتوجيه انصحه، أما إذا رأيت شخصاً لا يعرفك ولا يأخذ بقولك ولا يبالي وتكلمت معه ولكنه لم يلتفت إليك فلا تلح عليه.
الجواب: لا بأس أن يحج الإنسان عن غيره إذا كان عليه دين؛ وذلك لأنه لا يضره أهل الدين شيئاً، بل قد يكون هذا من مصلحته، أنه إذا أعطي مالاً على هذا الحج قضى به من دينه، لكن إذا كان الدين حالاً فليستأذن من الدائن، حتى لا يكون في قلبه شيء على هذا المدين.
الجواب: ذكرنا أن هذا من باب الضرورة؛ لأن ذهابها معهم أسلم من بقائها في البيت، وعللنا ذلك بأنه من باب دفع أعلى المفسدتين بأدناهما وأقلهما، لكن كما قيل:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب>>>>>فما حيلة المضطر إلا ركوبها
الجواب: أولاً: لا نشير على الإنسان أن يخاطر ويحج وليس معه بطاقة رخصة، بل إذا لم يكن معه بطاقة فمعناه: أنه قد حج أولاً ويكفي، الباقي تطوع، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا المانع لحججت فإنه يرجى أن يكتب لك أجر الحج؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من تمنى الشهادة بصدق أو نال أجر الشهيد ولو مات على فراشه، فأنت إذا علمت أن السلطات سوف تمنعك أصلاً لا تسافر، أديت الفريضة والحمد لله.
لكن على فرض أن الإنسان لم يعلم بهذا وذهب وأحرم ثم منع، فإنه يذبح هدياً في مكان منعه؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] ويتحلل ويرجع.
الجواب: أهل الشام لا يحرمون من ذي الحليفة، أهل الشام وقَّت لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجحفة، وأظن طريق الطائرات إذا كان في الطائرات من عند الساحل فيحاذون الجحفة، وهم بعيدون عن ذي الحليفة، فيحرم كما يحرم أهل الشام تماماً، إلا إذا كان هذا الرجل من أهل جدة ورجع من الشام إلى جدة باعتبار أنه راجع إلى أهله لا أنه قاصد الحج، فحينئذٍ يذهب إلى أهله بلا إحرام وإذا جاء وقت الحج أحرم، وإذا كان قاصداً الحج لا بد أن يحرم من ميقات أهل الشام.
الجواب: إن هذا يجب عليه أن يحج بنفسه، ولا يجوز أن يوكل ما دام الحج فريضة، ولكن يذهب ويحرم من الميقات ويغطي رأسه، لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] يذهب ويحرم ويغطي رأسه بالغترة والطاقية ويطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاة يوزعها على الفقراء في مكة، فالأمر سهل والحمد لله.
الجواب: أما إذا كان فرضاً فإنه لا يشترط رضاهما ولا إذنهما، بل لو منعاه من الحج وهو فرض وجب عليه أن يحج ولا يطعهما، لقول الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا [لقمان:15] ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
أما إذا كان نفلاً فلينظر إلى المصلحة، إن كان أبوه وأمه لا يستطيعان الصبر عنه ولا أن يغيب عنهما فبقاؤء عندهما أولى؛ لأن رجلاً استأذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الجهاد فقال له: (أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) فالفريضة لا يطعهما، والنافلة ينظر ما هو الأصلح.
الجواب: قوله: هل يشرع، يريد هل يجوز للإنسان المتمتع إذا أنهى عمرته أن يسافر إلى جدة أو إلى الرياض أو إلى المنقطة الجنوبية مثلاً أو إلى المدينة ؟
والجواب: نعم. له أن يسافر، وإذا رجع فإنه يبقى على تمتعه، أما لو رجع إلى بلده، ثم رجع من بلده محرماً بالحج فقد بطل التمتع وصار حجه إفراداً؛ لأنه برجوعه إلى بلده انقطع السفر، وأنشأ للحج سفراً جديداً من بلده.
الخلاصة: أن سفر المتمتع بين العمرة والحج لا يقطع التمتع إلا إذا رجع إلى بلده، ورجع من بلده محرماً بالحج، فإنه يبطل تمتعه ويكون مفرداً.
الجواب: أما الأضحية فلا تدفعوها للشركات، ضحوا في بلادكم، وأما الهدي فمعلوم أن الذين يذهبون إلى مكة إذا ذبحوا الهدي صعب عليهم أن يفرقوه على مستحقيه، فإذا أعطوه من يتقبل ذلك فلا بأس، وهؤلاء الذين يتقبلون الهدي يتقبلونه بإذنٍ من الحكومة، ويكون قبضهم للهدي كقبض الفقير، فيكون الذي يسلمهم إليه إلى الحكومة كأنه سلمه إلى الفقير تماماً، ولا حرج فيه للحاجة.
ومع ذلك نقول: إذا كنت قادراً على أن تذبح هديك بنفسك أو توكل عليه أحداً في مكة فلا تعطيه الشركات، كلما صار لديك مندوحة عن إعطاء الشركات في الهدي فلا تعطهم، أما الأضاحي فقد علمتم أنه لا يعطيها إياهم إطلاقاً؛ لأن الأضاحي يمكن كل إنسان أن يضحي ببيته ويأكل من لحمها ويوزع على حسب الحال.
الهدي إذا اشتراه في مكة أو في منى وذبحه وأعطى الحملة ولكن أعطى الفقراء منه ولو رجلاً واحدة أو يداً واحدة فلا بأس هذا طيب.
الجواب: نعم. هو آثم بهذا التأخير، وإذا مات فإن من العلماء من قال: إنه يموت كافراً وإن كان يصلي -نسأل الله العافية- ولكن القول الراجح: أنه لا يكفر بترك الحج، ليس شيء من الأعمال يكفر بتركه إلا واحدة وهي الصلاة، فإذا تهاون بالحج ومات فهو آثم وعاصٍ ومستحق للعقاب، لكنه ليس بكافر.
واختلف العلماء هل يقضى عنه الحج بعد موته في هذه الحالة أو لا يقضى؟
فجمهور العلماء: على أنه يقضى عنه، وقال ابن القيم رحمه الله: إنه لا يقضى عنه؛ لأن الرجل عازم على الترك متهاون، كيف نقضي عنه، وماذا ينفعه عند الله، والحج عبادة إن لم يقم بها بنفسه فلا فائدة من ذلك.
فعلى كل حال: الأمر خطير، والواجب على هذا الذي أغناه الله وأعطاه القدرة على الحج أن يحج قبل أن يموت، فليتب إلى الله وليبادر.
الجواب: أنصح أن تقبلي النكاح من هذا الرجل، لا سيما إذا كان سنه كبيراً، وإن كان أقل منها بثلاث سنوات، وأذكرها بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وله خمس وعشرون سنة ولها أربعون سنة، وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم ، ولم يتزوج عليها أحداً وهي حية، ما تزوج إلا حين ماتت، فأقول: لها في خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها أسوة، وإذا كان هذا الخاطب كفواً في دينه وخلقه فتتوكل على الله وتقبل، والأعراف المخالفة للشرع كلها أعراف باطلة لا يلتفت إليها.
الجواب: الواجب على هذا السائل أن يرفع القضية إلى دار الإفتاء في المملكة، من أجل أن يصدروا فيها فتوى تكون عامة وملزمة، أما فتوى في مسجد استفتي فيها متكلم من المتكلمين فهذا لا يجدي شيئاً، لا يجدي إلا النزاع، ولهذا أشير على إخواني الذين توجه إليهم الاستفتاءات في هذا الباب أوجههم إلى ألا يفتوا، بل يطلبوا من المستفتي كتاباً رسمياً من القائم على هذا المكان -أي: ولي الأمر في هذا المكان- حتى لا يحصل النزاع، مثلاً: يأتيك جندي يسألك في مسألة ما في إدارة المكان الذي هو فيه، فتعطيه فتوى تخالف ما كانوا يعملونه، وربما يعملونه استناداً إلى فتوى من عالم من العلماء، فيحصل بذلك نزاع وشقاق بين هذا الذي استفتاك وأعطيته فتوى تخالف ما كانوا عليه وبين ما كانوا عليه، وهذه مسألة يجب على طلاب العلم المفتين أن ينتبهوا لها، فإذا جاءك جندي يسألك عن شيء من المسائل التي يعملونها وهي قد تكون مخالفة للشرع أو غير مخالفة، فقل له: يا أخي! جزاك الله خيراً إذا كنت تريد حل هذه المشكلة فأتني بخطاب رسمي من القائد أو من المدير أو ما أشبه ذلك وأنا أفتيك، وإلا فالمرجع في ذلك إلى دار الإفتاء في المملكة العربية السعودية.
الجواب: الصحيح أن الرضاع لا يؤثر في المصاهرة، فإذا كان للأنثى بنات من الرضاع وتزوجن برجال فإنها لا تفتش لرجالهن، أما لو كانت أمهن من النسب أي: هي التي ولدتهن فإن أزواج بناتها محارم لها، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وأم الزوجة بالنسبة للزوج حرام عليه من جهة النسب أو من جهة المصاهرة؟ من جهة المصاهرة، ليس بينه وبينها نسب، المحرمات بالنسب سبع مذكورات في قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ [النساء:23] نظيرهن من الرضاع حرام، أما َأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] فهذه الثلاث بالإضافة إلى قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22] وهي الرابعة هؤلاء محرمات بالصهر، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وبناءً على ذلك: فإن أزواج بنات الأنثى من الرضاع ليسوا من محارمها، أي: من محارم أمهن من الرضاع.
هذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإن كان جمهور العلماء على خلاف هذا القول، لكن الحق أحق أن يتبع.
الشيخ: دور طالب العلم في كل زمان وفي كل مكان أن يتقي الله ما استطاع، وأن يبين للناس ما يعلمه من شريعة الله؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، وأن يدعو إلى الله على بصيرة، وأن يكون حين دعوته إلى الله واسع الصدر، مبتهج الوجه، يريد بذلك إصلاح ما فسد من أخيه لا الانتقام منه والعلو عليه، وهو إذا أراد الإصلاح وسلك السبيل الموصل إليه يسر الله له ذلك.
وأحب من طلاب العلم جميعاً أن يكونوا أسوة صالحة في أخلاقهم وأعمالهم ودعوتهم إلى الله حتى يكون في هذا عون على قبول الناس منهم شريعة الله؛ لأن شريعة الله قد يردها العامي لسوء تصرف من دعا إلى الله، ولهذا تجد بعض الناس عامياً لكن عنده خلق حسن قد ملك قلوب الناس، وتجد الرجل عالماً جيداً بحراً في العلوم لكنه ليس على خلق حسن تجده ليس محبوباً إلى الناس لسوء خلقه، فأنت يا طالب العلم أحسن خلقك للناس، أحسن سيرتك مع الناس حتى تكون مقبولاً وتقبل منك الشريعة التي من الله عليك بعلمها.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [26] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net