إسلام ويب

في بداية هذا اللقاء فسر الشيخ أوائل الآيات من سورة المطففين، وبيّن عموم معنى المطففين في الآية، كما نثر كثيراً من الفوائد المتعلقة بالمعاملات. وأجاب الشيخ بعد ذلك عن الأسئلة وكان من أهمهما سؤال يتعلق بالعمليات التجميلية وعمليات نقل الأعضاء.

تفسير شامل لمعنى التطفيف في الشريعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنحن في هذه الليلة نلتقي بإخواننا اللقاء المعتاد الشهري الذي يتم ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذا هو شهر جمادى الآخرة من عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم أن ينفعنا بملاقاتنا بإخواننا، وأن يجعل أيامنا سعيدة وآخرتنا أسعد وأسعد إنه على كل شيء قدير.

لا أجد شيئاً أتحدث عنه إلا ما يسره الله عز وجل من تفسير السورة التي قرأناها في صلاة العشاء هذه الليلة، لأنني أود من إخواننا جميعاً أن يعتنوا بكتاب الله حفظاً وتدبراً وفهماً وعملاً؛ لأن هذا القرآن الكريم هو الذي به عزة الأمة الإسلامية وبه نجاتها وسعادتها، وقد قال الله عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وقال عز وجل: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [المؤمنون:68] وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

علينا -أيها الإخوة- أن نقرأ القرآن فنتقنه لفظاً، وأن نقرأ القرآن فنتدبره معنى، وأن نقرأ القرآن فنعمل به حكماً، هكذا يريد الله تبارك وتعالى منا، لا يريد منا أن نقرأ القرآن مجرد قراءة لفظ؛ لأن مجرد قراءة اللفظ بدون تدبر للمعنى لا فرق بينها وبين رجل أمي لا يقرأ، والدليل على هذا قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] أي: إلا قراءة، فوصف الله هؤلاء القوم بأنهم أميون، كالذي لا يقرأ تماماً.

أي فرق بين إنسان يقرأ القرآن ولا يدري ما معناه وإنسان لا يقرأ؟ لا يفترق هذا عن هذا من حيث المعنى، لكن نعم الذي يقرأ القرآن يكون له أجر القراءة ولا إشكال، لكن من حيث المعنى والانتفاع بالقرآن لا فرق بين الأمي وبين الذي يقرأ القرآن بلا تدبر.

بناءً على ذلك: أحث إخواننا أن يتدبروا كلام الله عز وجل، ولا سيما المفصل، الذي يبدأ من (ق) إلى آخر القرآن، لأن هذا المفصل هو الذي يقرأ في الصلوات الخمس، يعني: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، لكن الظهر والعصر القراءة فيهما سر، والمغرب والعشاء والفجر القراءة فيهن جهر.

في هذه السورة التي قرأناها هذه الليلة قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] ويل: ترد في القرآن كثيراً، فما معنى هذه الكلمة؟ قيل: إنها اسم واد في جهنم، وعلى هذا فتكون اسماً لشيء محسوس، وقيل: إنها كلمة وعيد، فمعنى ويل: أي وعيد شديد لهؤلاء، في القرآن: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:15].. وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1].. فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] والكلمة هذه ترد كثيراً في القرآن الكريم، ومعناها على القول الراجح: أنها كلمة وعيد يتوعد الله تبارك وتعالى بها من أسندت إليه.

معنى (المطففين) وصفاتهم

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]

لو سألنا سائل: من المطففون؟

هل نرجع إلى القاموس المحيط الذي يفسر الكلمات العربية أو إلى لسان العرب أو إلى غيرها من كتب اللغة العربية؟

لا نحتاج إلى أن نرجع؛ لأن الذي قال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] هو الذي فسرها فقال: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:2-3] هنا صفتان:

الصفة الأولى: إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [المطففين:2] يعني: إذا طلبوا حقهم من الناس استوفوا، اشترى شخص من آخر عشرة أصواع فأراد أن يقبضها ويستوفيها بالكيل، وهذا ليس فيه لوم على الإنسان أن يستوفي حقه، لكن اللوم أن يستوفي حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً، ولهذا قال: وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:3] وهذه هي الصفة الثانية، معنى كالوهم: أي كالوا لهم، كقول باعوهم أي: باعوا عليهم.

وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [المطففين:3] أي: وزنوا لهم يُخْسِرُونَ [المطففين:3] أي: ينقصون، هل هذا عدل أو جور؟

الإنسان الذي يطلب حقه كاملاً ويعطي الحق الذي عليه ناقصاً فهذا جور لا شك، هذا خلاف العدل، والله تعالى لا يحب الجائرين، يحب المقسطين العادلين.

شمول معنى التطفيف المراد في الآية

هذه الآية كما ترون وردت في شيء محسوس، فكل يعرف العدل فيه والجور وهو الكيل والوزن، لكن هل هي خاصة بالكيل والوزن أم هي عامة في جميع الحقوق؟

الجواب: في جميع الحقوق، وإنما ذكر الله الكيل والوزن لأنه معروف، كل الباعة الذين يبيعون ويشترون يعرفون الكيل والوزن، لكنها عامة في كل الحقوق.

ولننظر: رجل استأجر أجيراً، فاستوفى الحق منه تاماً لكنه لم يعطه الأجرة كاملة، هل يكون مثل الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟

الجواب: نعم. ولا فرق.

ومن هذا الرجل يكون موظفاً، ويطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يوف الوظيفة حقها، يتأخر في المجيء، أو يتقدم في الخروج، أو يتلهى عن الشغل بما لا مصلحة للشغل فيه.

التقصير الآن في الموظف من وجوه ثلاثة: إما أن يتأخر في المجيء، وإما أن يتقدم في الخروج، وإما أن يتلهى في حال الدوام بما لا مصلحة للعمل فيه، يعني: هو يأتي مبكر، أو من أول الناس ويخرج من آخر الناس لكن يتلهى عن العمل بما لا مصلحة للعمل فيه ويطلب الراتب كاملاً، هل يدخل في الآية؟

نعم؛ لأنه يطلب حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً.

ومن هذا التعامل بين الزوجين، رسم الله تبارك وتعالى له خطة عادلة من أحسن .. بل هي أحسن الخطط قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] عاشروهن، المعاشرة مفاعلة من الطرفين، عاشروهن: أي ليعاشر كل واحد منكم الآخر بالمعروف، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].

المعاشرة بين الزوجين: بعض الرجال يريد من الزوجة أن تعطيه حقه كاملاً وهو قد بخسها حقها، إن طلبت النفقة ماطل بها أو منعها، وإن طلبت الذهاب إلى أهلها أو إلى أقاربها أو إلى صاحباتها بالمعروف قال: لا، وهو يريد منها أن تعطيه حقه كاملاً، هذا نقول: إنك داخل في الآية: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3].

الحقوق بين الأصحاب أيضاً يدخل فيها التطفيف، بعض الناس يريد من صاحبه أن يكون له مثل العسل، لكنه يعامل صاحبه بما هو مر كالحنظل، هل هذا تطفيف أو عدل؟ تطفيف، إذا كنت تريد أن يعاملك صاحبك بالمعاملة الطيبة فعامله أيضاً بالمعاملة الطيبة؛ لأن له حقاً عليك ولك حق عليه، أما أن تريد أن يعاملك المعاملة الطيبة وأنت لا تعامله كذلك فإن هذا من التطفيف.

التطفيف الحاصل بين المعلم وتلاميذه

أيضاً المعلم والتلاميذ بينهم حقوق، على التلاميذ أن يحسنوا معاملة المعلم، كيف؟

يكونون أمامه بمنزلة المتلقي الذي يقبل ما يعطى له، كالعطشان أمام الساقي، أو الجائع أمام المُطعِم، بمعنى: أن يشعر التلميذ أنه بحاجة إلى تعليم المدرس حتى يقبله وينتفع به، أما إذا كان أمامه وهو يرى أنه مثله أو أحسن منه أو أن المعلم ناقص فإنه لن ينتفع منه، لا يمكن أن تنتفع من المعلم إلا حيث تجعل نفسك بمنزلة العطشان بين يدي الساقي وإلا فلن تنتفع، وهذا شيء مجرب، نحن إذا جلسنا إلى قوم يتكلمون بأفصح ما يكون من كلام ونحن لا نريد أن ننتفع منهم وإنما نريد أن نعلم ما عندهم فإننا لا ننتفع بعلمهم، حتى لو مسكنا شيئاً في أثناء الإلقاء فإنه يذهب بسرعة، لكن إذا جلسنا إلى قوم نريد أن نتعلم منهم فإننا ندرك ما عندهم من العلم ويرسخ في نفوسنا، هذا حق للمعلم على تلاميذه.

كذلك العكس التلاميذ لهم حق على المعلم، فيجب عليه أن يسلك أقرب الطرق إلى إفهام الطلبة، لا يأتي لهم بعبارات معقدة أو يتجاوز في الكتاب الشيء المعقد، بل يجب أن يوصل العلم إلى التلاميذ بأقرب وسيلة، والوسائل -والحمد لله- كثيرة، أما أن يأتي مثلاً ويلقي الدرس ويا ويلك لو تسأله عن شيء، فهذا غلط، بعض الأساتذة يلقي الدرس ثم إذا رفع التلميذ إصبعه يستفهم عن مسألة قال: اجلس.

يا أستاذ! ما فهمت!

قال: اجلس.

فإذا أورد التلميذ عليه مسألة وهو لا يعرفها وهذا يقع كثيراً من بعض الأساتذة، يأتي إلى الدرس وهو ما حضَّر ومعلوماته قليلة، لا يستطيع أن يعلم إلا بعد التحضير وهو لا يحضر، ثم إذا قام التلميذ يسأله وإذا هو ليس عنده علم، ماذا يصنع في التلميذ؟ يقول: اجلس.. اجلس يا ولد، ما بقي وقت للمناقشة.. هذا غلط، من حق التلاميذ عليك أن تعاملهم بلطف، وأن تسلك أقرب الطرق إلى إفهامهم.

وأيضاً ناقشهم، أحيهم بالمناقشة، قل: يا فلان قم، يا فلان قم، يا فلان ما عندك؟ حتى تحيي المجلس، أما بعض الأساتذة تجده من حين يدخل الدرس إلى أن ينتهي وهو يقرأ يقرأ يقرأ يقرأ.. هذا غلط، هذا نقص.

فإذا كان المعلم يريد من التلاميذ أن يكونوا له على أعلى ما يكون من الآداب وهو لا يتأدب معهم أيدخل في الآية؟ نعم يدخل في الآية.

التطفيف بين الرعاة والرعية

كذلك -أيضاً- بين الرعية والرعاة، وهذا أوسع وأعظم، أعني: بين الملوك والسلاطين وبين الرعية.

كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون -ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون- لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون.

بمعنى أن بعض الرعية يقول: يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون، ومع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون.. أهذا عدل؟ لا والله ما هو بعدل، إذا كنت تريد أن تعطى الحق كاملاً فأعط الحق الذي عليك كاملاً وإلا فلا تطلب.

ومن حكمة الله عز وجل أن المولَّى على حسب المولَّى عليه.. وهذه من الحكمة أن يكون المولى -ولي الأمر- على حسب من ولي عليه، إن صلح هذا صلح هذا وإن فسد هذا فسد هذا، وفي الأثر: [كما تكونوا يول عليكم] يعني: أن الله يولي على الناس على حسب حالهم، وهذا الأثر وإن لم يكن صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه صحيح المعنى، اقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً [الأنعام:129] أي: نجعل الظالم فوق الظالم، بماذا؟ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129] فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة، وإذا صلحت الرعية صلح الرعاة، وكذلك بالعكس: إذا صلح الراعي صلحت الرعية.

ذكروا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رجلاً من الخوارج الذين قاتلوا علياً -وتعلمون الخوارج أنهم كانوا أولاً يقاتلون مع علي ضد معاوية رضي الله عنهما جميعاً- ثم إنه لما رضي علي رضي الله عنه بالتحكيم لإطفاء الفتنة انقلبوا على علي، وكفروا علياً وكفروا معاوية ، واستحلوا دماء المسلمين، ولذلك ففتنة الخوارج من أعظم الفتن وأقبحها؛ لأنهم كما قال عنهم شيخ الإسلام رحمه الله: يقتلون المسلمين ويسالمون الكفار.. وإذا تأملت وجدت هذا هو الواقع في الخوارج ، مع أن الخوارج لو نظرنا إلى عبادتهم القاصرة -يعني: المقصورة عليهم- لرأيناهم من أكمل الناس، يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم: (إنكم -ويخاطب الصحابة- تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم) يعني: هم أكمل منكم في اللفظ؛ لكن يقول عليه الصلاة والسلام: (إنهم يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم) أعاذنا الله وإياكم من ذلك، اللهم أدخل الإيمان في قلوبنا وثبته فينا يا رب العالمين.

يقول: (إن القرآن لا يتجاوز حناجرهم، وإنهم ليمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) السهم إذا طرب الرمية مرق منها بسرعة وخرج، هم يمرقون من الإسلام كذلك.

أقول: إن رجلاً من الخوارج جاء إلى علي بن أبي طالب وقال: يا علي.. انظر ما قال: يا أمير المؤمنين لأنه لا يعتقد أنه أمير المؤمنين قال: يا علي.. ما بال الناس اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر ؟ سؤال محرج! لكنه وجه إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، منذ قتل عثمان حصلت فتن عظيمة بين الصحابة أنفسهم، لكن هذه الفتن التي حصلت زاد الناس فيها ونقصوا، وكذبوا -أيضاً- ووضعوا، فالكثير من التاريخ في هذه المسألة بالذات -أي: في ما وقع بين الصحابة- في صفين والجمل وغيرها كثير منها كذب، وكثير منها ضعيف، والصحيح فيها كما قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية : الصحيح منها هم فيه معذورون متأولون، من أخطأ منهم فله أجر، ومن أصاب فله أجران.

ولا يحل لنا أن نميل مع واحد منهم أبداً، وإن كنا نعتقد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الخليفة الرابع، وأن خلافته لم تنته إلا بموته، وأنه أقرب إلى الحق من غيره، هذا لا شك عندنا فيه، لكن كوننا نبغض هذا ونحب هذا غلط، ولذلك قال العلماء: يجب علينا -وهو مذهب أهل السنة والجماعة - أن نمسك عما جرى بين الصحابة. وعبر بعضهم بقوله:

ونسكت عن حرب الصحابة فالذي>>>>>جرى بينهم كان اجتهاداً مجرداً

أي: نسكت، ولا نتكلم فيه، ولا ننشره بين الناس؛ لأنك إذا نشرت هذا بين الناس فلا بد أن ينقدح في قلب أحدهم الميل إلى هذا أو إلى هذا فيهلك، فالأولى أن ندع الحديث عما جرى بين الصحابة، ولهذا لما سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي اعتبره بعض العلماء الخليفة الخامس لما سئل عما وقع بين علي ومعاوية قال كلمةً هي جديرة أن تكتب بماء الذهب، قال للذي سأله: [هذه دماء طهر الله أسيافنا منها، فيجب أن نطهر ألسنتنا منها] يعني: تلك أمة قد خلت، ولا ينبغي لنا أن نقرأ ما جرى بينهم؛ لأن هذا لا بد أن يوقع في قلب الإنسان الميل مع أحدهم، وما ذهب إليه أهل السنة والجماعة هو الحق، وهو الخير؛ أن نمسك عما جرى بينهم كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وغيره من العلماء، وأن نقول: هؤلاء أمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا، ولا نسأل عما كانوا يعملون.

الذي نريد من الحكومة أن تصنع كل ما يريد، وأن تكون حكومات الخلفاء الراشدين، ولكننا إذا نظرنا أنفسنا وإذا نحن مفرطون، مفرطون أولاً في حق الله عز وجل، فعندنا كذب، خيانة، تقصير في الواجب، أليس كذلك؟ نشهد على أنفسنا بهذا، عندنا هذا كله، عندنا -أيضاً- تقصير في حق الدولة، فما أكثر الذين يخدعون الدولة ويلبسون الأمور عليها، ويكتمون ما تطلب الدولة إظهاره! وهذا شيء يعرفه كل واحد منكم ولا يخفى عليكم.

هل هذا عدل أن نريد من الحكومة أن تبذل كل ما في وسعها من الاستقامة حتى تكون كالخلفاء ونحن على العكس؟ لا، هذا داخل في قوله: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:2-3] ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا ودولتنا الاستقامة على الحق، وأن يصلح أمورهم، ونحن نعلم أنه لا يوجد اليوم على ظهر الأرض أحد من الولاة مثل ولاة أمورنا على ما فيهم من التقصير، وأنه لا يوجد شعب يمثل الإسلام والتوحيد حقيقةً مثلما يمثله الشعب السعودي على ما فيه من التقصير.

نحن لا نقول هذا تحيزاً أو تعصباً، لكننا نسمع ونقرأ عن البلاد الأخرى، فإذاً يجب العدل، اطلب وأعطا، أما أن تطلب بلا عطاء فإن هذا لا شك من الحيف والجور.

التطفيف الواقع في تقسيم الأشخاص

كذلك -أيضاً- من الحيف والجور أن يتكلم الإنسان في شخص كعالم أو تاجر أو أي إنسان، ثم يذكر مساوئه التي قد يكون معذوراً فيها، ولا يذكر محاسنه، هل هذا من العدل؟

يأتي إلى عالم من العلماء أخطأ في مسألة قد يكون معذوراً فيها، ثم ينشر هذه المسألة التي أخطأ فيها وينسى محاسن هذا العالم الذي نفع العباد بكثير من علمه، هذا لا شك أنه تطفيف وجور وظلم.

إذا كنت تريد أن تقوِّم الشخص فلا بد أن تذكر محاسنه ومساوئه، أما إذا كنت تريد أن تتكلم على خطأ معين لتحذر الناس منه؛ فنعم اذكر الخطأ لكن بقطع النظر عن قائله، وقل مثلاً: سمعنا أن بعض الناس يقول كذا وكذا وهو خطأ، ثم تُبين الخطأ، أما أن تريد أن تنشر مساوئ الآخرين دون محاسنهم فهذا ظلم وجور.

كذلك -أيضاً- بعض الناس يتكلم مثلاً في واحد من التجار، هذا التاجر قد نفع الناس بتجارته، بإقراض المحتاجين والصدقة عليهم، وبناء المساجد، وأشياء كثيرة، لكن عنده معاملة أخطأ فيها في نظر هذا القائل، فيذهب يسبه بناءً على هذا الخطأ الذي قد يكون هذا التاجر استند فيه على فتوى ربما يكون معذوراً؛ والخطأ على من قال بالخطأ لكنه معذور.

هناك الآن تجار لهم خيرات كثيرة، ومحاسن ونفقات، وصدقات، وغير ذلك من المحاسن، لكن أخطئوا في معاملة من المعاملات، وربما يكون هذا الخطأ غير واقعي ولكنه في نظر القائل والمتكلم فيذهب بعض الناس ويضفي ظلالاً على هذه المحاسن ويذهب يتكلم فيه: فلان يبيع في الربا، فلان يتحيل على الربا، فلان يقول كذا وكذا.. ما هو صحيح هذا، العدل والميزان أن تذكر هذا وهذا، اسمع إلى قول الله تعالى في الأعراب: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102] فالعدل والموازنة أمر مطلوب وإلا لكنت من المطففين الذين يريدون الحق لهم كاملاً ولكنهم يهضمون غيرهم.

تفسير آيات من سورة المطففين

أعود إلى الآية الكريمة: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3] فأقول: ذكر الكيل والميزان هنا إنما هو من باب المثال وإلا فإن المعنى أعم، والضابط: كل من أراد أن يستوفي الحق كاملاً لنفسه ويهضم الآخرين حقوقهم فإنه داخل في هذه الآية.

تفسير قوله: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ)

قال الله عز وجل: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:4] الاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخ هؤلاء، يقول: هل أنتم تؤمنون بأنكم ستبعثون يوم القيامة؟ وأقول: نعم هم يقولون: سنبعث لهذا اليوم لكنهم ينسونه عند حلول الشهوات، في الحقوق ينسون أنهم يبعثون، وإلا لو أن الإنسان إذا حدثته نفسه أن يخل بواجب أو ينتهك محرماً تذَّكر يوم المعاد، فما أظن عاقلاً يؤمن بذلك إلا وكف نفسه عن المحرم وألزمها بفعل الواجب.. كل إنسان يهم بأن يترك واجباً أو يفعل محرماً ثم يتذكر اليوم الآخر، ذلك اليوم العظيم الذي وصفه الله بأنه يجعل الولدان شيباً لا يمكن أن يقدم على ترك واجب أو على فعل محرم أبداً، لكن الغفلة والنسيان تستولي علينا حتى ننسى هذا اليوم العظيم.. اللهم ذكرنا به يا رب العالمين.

أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين:4-5] وهنا سؤال نحوي بلاغي، قال: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ [المطففين:4] أشار بإشارة البعيد مع أنهم قريبون يتحدث عنهم الآن، فلماذا أشار إليهم بإشارة البعد؟

أشار إليهم بإشارة البعد لا تفخيماً وتعظيماً لهم، ولكن إشارة إلى دنو مرتبتهم وضآلة مسلكهم، وأنهم بعيدون عن الحق.

تفسير قوله: (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ)

قال تعالى: لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين:5] ما هذا اليوم؟ يوم القيامة، يفسره قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا [الحج:1-2] من شدة الهول، وهنا سؤال عارض على الآية الأخيرة: هل يوم القيامة فيه مراضع، وحوامل حتى تذهل المرضعة عما أرضعت وحتى تضع الحامل حملها؟

الجواب: قال بعض العلماء: إن هذه الزلزلة قبل قيام الساعة، وتزلزل الأرض، ويندهش الناس، وتذهل المرضعة عما أرضعت، والحامل تضع حملها، وعلى هذا القول لا إشكال في الآية.

والقول الثاني: أن ذلك يكون يوم القيامة.. وهذا هو القول الراجح لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما وصف يوم القيامة قال: (وذلك يوم يشيب الوليد -أو قال: الولدان- وتذهل المرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها) فهو يوم القيامة.

يرد علينا الآن: هل في يوم القيامة مراضع وحوامل؟

الجواب: لا. لكن اللغة العربية تأتي بمثل هذا الأسلوب تعظيماً وتفخيماً.

تفسير قوله: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

نعود إلى قوله تعالى: لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:5-6] يقومون من قبورهم لرب العالمين، ولم يذكر الله تبارك وتعالى كيف يقومون لكن في آيات أخرى وأحاديث بين أنهم يقومون سراعاً: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج:43] وقال عز وجل: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ [إبراهيم:42-43] القلوب طائرة .. هواء.

وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنكم تحشرون حفاةً عراةً غرلاً بهماً) كم الأوصاف؟ (حفاةً عراةً غرلاً بهماً) الحفاة: الذين ليس عليهم نعال ولا خفاف، العراة: الذين ليس عليهم ثياب، الغرل: هم الذين لم يختتنوا، الختان يعني الطهارة، تقطع القلفة في الختان، يوم القيامة ترجع، يعود الإنسان ما نقص منه شيء كما قال عز وجل: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] بهماً: قال العلماء: أي ليس معهم أموال يفتدون بها ويفكون أنفسهم، يحشر الناس على هذا.

عائشة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله.. الرجال والنساء عراة؟ قال: نعم، الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) اللهم أعنا على هذا اليوم، الأمر أعظم، وإذا شئت أن يتبين لك هذا فاقرأ قول الله تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:33-37] أنت وأخوك في الدنيا تتآلفان، يأوي بعضكم إلى بعض، ويأنس بعضكم ببعض، وكذلك مع الأم والأب، ومع الصاحبة والابن، لكن في يوم القيامة يفر المرء من هؤلاء.

قال العلماء: معنى كونهم يفرون: خوفاً من أن يطالبوهم بالحقوق، الأب يفر من ابنه يخشى أن يقول ابنه: يا أبت إنك ضيعت تأديبي، وكذلك البقية يخشون أن يحتج هؤلاء عليهم بحقوق يطالبونهم بها يوم القيامة. أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم؛ ولهذا وصفه الله هنا قال: لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:5-6].

وقوله: لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] من المراد بالعالم؟ كل من سوى الله فهو عالم، نحن نقرأ في الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] من رب العالمين؟

هو الله.

من العالمون؟

هم كل ما سوى الله؛ لأن لا يوجد إلا رب ومربوب، الرب هو الواحد الأحد ومن سواه مربوب؛ ولهذا قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في العالمين: كل من سوى الله فهو عالم وأنا واحد من ذلك العالم.

تفسير قوله: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)

قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7] كلا في القرآن الكريم واللغة العربية تأتي لمعاني منها أن تكون بمعنى: حقاً، فهنا: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7] يعني: حقاً إن كتاب الفجار لفي سجين.

ومن المراد بالفجار هنا؟

الكفار، كتابهم، يعني: أنهم مكتوبون في سجين، وسجين: هي الأرض السفلى بدليل: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] عليين: أعلى شيء؛ فيكون سجين أسفل شيء، وهذه قاعدة في القرآن الكريم: أن الشيء يعرف بضده، فلولا أنه قال: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] ما فهمنا معنى سجين، لكن قَابِل كتاب الأبرار وكتاب الفجار، فإذا كان هذا في عليين فالثاني في الأسفل، وهذه قاعدة من التفسير: أنك تعرف الكلمة بذكر ما يقابلها، انظر إلى قول الله تعالى: فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء:71]ما معنى ثبات؟ فرادى، من أين عرفت فرادى؟ من قوله: أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء:71].

وإلى هنا ننتهي إلى ما نريد أن نتكلم عليه في هذه الآيات الكريمة، وأكرر أنه ينبغي لنا أن نحرص على تدبر القرآن وتفهم معناه، وسؤال العلماء إذا كنا لا نعلم.

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يتلون كتابه حقه تلاوته، وأن يجعله شفيعاً لنا يوم نلقاه إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة نرجو الله أن يوفقنا للصواب.

الأسئلة

حكم تأخر الموظف عن الدوام وتعويض ما تأخره بعد الدوام

السؤال: فضيلة الشيخ: يوجد في المؤسسات من تلزم الموظف بالتقيد بالحضور مبكراً والخروج في الوقت المحدد، علماً يا فضيلة الشيخ أن الموظف يزيد أحياناً عن الوقت الملزم به، وأحياناً يأتي متأخراً لأن المؤسسة لا تعطيه قيمة الوقت الزائد، فيقوم هو بتعويض نفسه بالتأخر في حالة الوقت الزائد الذي قام به، وفي بعض الأحيان لا ينضبط له الوقت فيزيد أو ينقص، فهل هذا يدخل في صفات المطففين؟ ما توجيهك لهذه الحالة جزاك الله خيراً؟

الجواب: هذا يرجع إلى إدارة المؤسسة، إذا كانت المؤسسة تسمح للموظف عندها أن يتأخر في الحضور ويتأخر في الخروج فيقضي ما فات في آخر الوقت فلا بأس، وإما إذا كانت لا تسمح فليس له أن يدبر نفسه هو ويقول: إذا نقصت في هذا فسأزيد في هذا، لأنه تحت إمرة، بمعنى: تحت إمارة لها السلطة عليه، فيجب أن يحضر في أول الحضور ويتأخر حتى ينتهي الوقت، إلا إذا كانت هذه المؤسسة أو الدائرة تسمح بأن يتأخر في المجيء ويتأخر في الخروج فلا بأس.

حكم استعمال جهاز التسجيل التليفوني

السؤال: فضيلة الشيخ: أنا أخ لذكور وإناث في سن المراهقة، لذا فإني أستعمل جهاز التسجيل التليفوني درأً للمفاسد، حيث تم درأ مفاسد من خلاله، فما رأيكم يا فضيلة الشيخ بهذا العمل، مع العلم أنهم لا يعلمون بذلك؟

الجواب: رأيي في هذا: أنه من التجسس، ولا يجوز لأحد أن يتجسس على أحد، لأننا ليس لنا إلا الظاهر، ولو ذهبنا نتجسس على الناس لتعبنا تعباً عظيماً، لتعبنا في طريق التجسس وتعبت ضمائرنا فيما نسمع أو نرى، وإذا كان الله تعالى يقول: وَلا تَجَسَّسُوا بعد قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12].

لكن إذا رأى قيم البيت أمارات ظاهرة تدل على هذه الاتصالات الخبيثة فلا بأس أن يضع مسجلاً من حيث لا يعلمون، لكن عليه إذا علم من أول الأمر ألا يتابع، بل يوبخهم حالاً؛ لأنه ربما إذا تابع سمع أشد مما كره أولاً، فمثلاً: إذا علم الليلة بمكالمة رديئة فمباشرة من الصباح يتكلم مع الذي اتصل بصاحبه ويوبخه، لا يقل: دعها إلى الليلة الثانية، الليلة الثالثة، الرابعة، لأرى ما عندهم.. هذا غلط، يجب قطع الطريق من أول الأمر فإذا فعل فلا بأس، أما مجرد اتهامات أو وساوس فلا يجوز، لكن إذا علم أن الأمر خطير وأن هذا يقع، وغلب على ظنه غلبةً قوية فلا بأس أن يضع هذا المسجل من أجل أن يتحقق في الأمر.

وجوب العدل بين الأولاد

السؤال: فضيلة الشيخ: أنا شاب لا يساويني أبي بإخواني وجعلني منبوذاً من بينهم دون سبب يذكر، فما نصيحتك لي يا فضيلة الشيخ مع العلم أني أدعو له في كل يوم؟

الجواب: أما نصيحتي لك فالصبر، اصبر فإن العاقبة للمتقين، فعليك بالصبر والتحمل، لكن لا مانع من أن توعز إلى أحد من أصحاب أبيك الذين تثق بهم أن ينصح أباك، أو أن تأتي إليه بشريط تسمعه، أو برسائل صغيرة تسمعه أنه يجب عليه أن يعدل بين أولاده، ولقد أهدى بشير بن سعد الأنصاري إلى ابنه النعمان بن بشير هدية، فجاء إلى أم النعمان بن بشير وأخبرها، فقالت له: أشهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، قال: (هل لك بنون؟ قال: نعم. قال: أعطيتهم مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: لا. قال: أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فتبرأ منه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: (إني لا أشهد على جور) فدل ذلك على أن عدم العدل بين الأولاد من الجور.

حتى كان السلف رحمهم الله يعدلون بين أولادهم في القبل، يعني: إذا قبل واحداً قبل الثاني، وإذا ضحك في وجه واحد ضحك في وجه الثاني، والله تبارك وتعالى يحب المقسطين أي العادلين، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، وهم الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا).

وبهذه المناسبة أنبه على مسألتين مهمتين:

المسألة الأولى: أن الإنسان يكون عنده أولاد كبار وصغار، الكبار يحتاجون إلى سيارة للدراسة أو للعمل أو ما أشبه ذلك لأنهم ما يستطيعون ثمنها فيشتري لهم سيارة ولا يعطي الآخرين الصغار، وهذا لا يجوز؛ لأن هذا جور، فإذا قال الأب: ابني الكبير يحتاج إلى سيارة ولا يقدر على ثمنها. نقول: الحمد لله، اشتر السيارة باسمك أنت وقيدها باسمك، وأعطها إياه على سبيل العارية، نحن لا نقول: لا تساعده، بل ساعده، لكن السيارة باسمك وأعطها إياه على سبيل العارية، تقضي حاجته ولا تجور على إخوانه، وكثير من الناس لا يفقه هذا الشيء وتجده يشتري السيارة لهذا الكبير ولا يعطي الصغار.

المسألة الثانية: بعض الأولاد كبار يحتاجون إلى تزويج فيزوجهم، والآخرون صغار لا يحتاجون إلى التزويج، فهل يجب عليه أن يعطي الصغار مثل ما أعطى هؤلاء لمهر النكاح؟

لا. لا يجب. بل ولا يجوز؛ لأن الصغار لا يحتاجون إلى المهر، يعني: إلى الصداق، لكن هل يجب عليه أن يوصي لهم ويقول: إذا مت فأعطوا ابني الفلاني والفلاني والفلاني مثلما أعطيت الابن الذي تزوج؟ أقول: هل يجب أن يوصي بذلك أو لا؟

لا يجوز، لا يجب ولا يجوز للصغير، لا يجوز أن يوصي لهم، لماذا لا يجوز؟ لأن التزويج مثل النفقة، كل يعطى ما يحتاج، هؤلاء صغار مات وهم صغار لم يبلغوا أن يتزوجوا فلا يجوز أن يوصي لهم، لا يجب ولا يجوز.

أرأيت الآن لو أن إنساناً عنده بنت وابن، البنت تحتاج إلى حلي: تحتاج إلى خروص في الأذن، وإلى خواتم في اليد، وإلى قلادة في العنق، وإلى ذهب فوق الرأس، والابن يحتاج إلى غترة وطاقية، كم قيمة الغترة والطاقية؟ خمسة وعشرون، وتلك بكم اشترى لها الذهب؟ يمكن بخمسة أو ستة آلاف، هذا ليس بجور لأنه اشترى للبنت ما تحتاج واشترى للولد ما يحتاج؛ والنفقة ليست بالكمية ولكن بالحاجة.

إنسان منهم مرض وأنفق على علاجه نفقات كثيرة، هل يعطي الآخرين الأصحاء مثلها؟ لا، لأن هذه حاجة.

طالب علم يحتاج إلى كتب والآخرون لا يحتاجون إلى الكتب، اشترى لهذا كتباً يحتاجها هل يلزم أن يعطي الآخرين؟ لا، إذاً العدل: أن يعطي كل إنسان ما يحتاج.

حكم الأم التي بتفريطها قتلت وليدها

السؤال: فضيلة الشيخ: امرأة لديها طفلة، وهذه الطفلة تبلغ من العمر شهرين وضعتها في ظل الجدار وذهبت تؤدي عملها في المنزل، فانشغلت عنها، فلما رجعت وجدت الشمس قد أتت عليها وذهب عنها الظل، ثم بعد ذلك مرضت هذه الطفلة، وذُهِب بها إلى المستشفى، ثم بعد أسابيع توفيت هذه الطفلة، هل يلحق هذه المرأة كفارة أو شيء؟ وهل تعتبر متسببةً في وفاة طفلتها؟

الجواب: أولاً يجب أن نعلم أنه لا بد أن نتيقن أنها ماتت بسبب أمها، وهذا لا يمكن أن نعلمه لأنها قد تمرض بدون أن تصل الشمس إليها وحينئذٍ لا يلزم الأم شيء.

ونظير ذلك أن بعض الناس أو بعض النساء تُنوم طفلها أو ابنتها إلى جنبها فإذا أصبحت وجدته ميتاً، فتقول: أخشى أنني انقلبت عليه وأنا نائمة وما دريت.. فهل يلزمها شيء على هذا؟ لا، لأنها قد تكون ماتت بدون سبب، فلا يلزمها شيء.

إذاً هذه الطفلة التي وضعتها تحت الجدار ثم جاءتها الشمس هل هي تتيقن أنها ماتت بسبب الشمس؟

إن قدر أنها تيقنت ذلك فننظر: هل هي ذهبت عن البنت والشمس قريبة منها أو لا؟ إن كانت الشمس بعيدة ولا يخطر ببالها أن تأتي الشمس إليها حتى تهلكها فليس عليها شيء، وإن كانت قريبة فقد تسببت في وفاتها فعليها أن تكفر كفارة قتل النفس الخطأ، وعلى عاقلتها دية لمن يرث هذه الطفلة، لكن الدية الغالب أن الناس يتسامحون فيها وتبقى الكفارة، فالكفارة لا بد أن نتيقن أن الطفلة ماتت بسبب وصول الشمس إليها وإلا فلا شيء عليها.

خطر الخادمات والفتنة بهن

السؤال: فضيلة الشيخ: أشهد الله العلي الكبير في هذا اليوم المبارك أني أحبك في الله، فضيلة الشيخ: أنا شاب لا أتجاوز الخامسة عشرة من عمري، وأنا إن شاء الله من الشباب الملتزم، ولكن في بيتنا خادمة وهي سيمة، فهل يصح أن أراها علماً أني لا أستطيع إخراجها لأن أمي مريضة وتريدها أيضاً، ولكن يا فضيلة الشيخ تعرض لي هذه الفتاة حتى في المنام فما نصيحتك لي وفقك الله؟

الجواب: أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وأخبركم -أيها الإخوة- أن المحبة في الله من أوثق عرى الإيمان.

أما بالنسبة لالتزامه فأسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياه على الحق.

وأما بالنسبة للخادم فأرى أن يفر منها فراره من الأسد، وألا يكلمها وألا ينظر إليها، وأن يسعى في ترحيلها وجلب خادم لا يكون بها فتنة، وإلا فمن المعلوم أن الخادمة هذه إذا كانت وسيمة وهو شاب فإما أن يدعوها هو أو تدعوه هي، فالشيطان لا بد أن يلقي بينهما الوساوس حتى يحصل الشر.

فلهذا أقول: لو أنه هو يخدم أمه كما تخدمها هذه الخادمة ولا تبقى هذه الخادمة في البيت لكان هذا أحسن، فأرى أن يبادر بإعطاء هذه الخادمة حقها وترحيلها إلى أهلها، وأن يأتي بخادم لا يفتتن بها ولا تفتتن به، وإلا فالأمر خطير إن لم يصبها قريباً أصابها على المدى البعيد، إلا أن يشاء الله عز وجل، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).

ومن ثم أقول أيها الإخوة: إن خطر الخادمات خطر عظيم، كنت سابقاً أتساهل في مسألة المحرم (أن تأتي الخادمة بلا محرم) بمعنى: أنه إذا جاء بها ثم رجع فلا بأس، لكن بعد أن سمعت ما أكره، رأيت أنه لا بد أن تأتي الخادم بمحرم ويكون ملازماً لها إلى أن ترحل، سمعنا أشياء عجيبة لا أحب أن أذكرها لأنها تحزن كل مسلم..!!

فالواجب أن نتقي الله في أنفسنا وفي مجتمعنا، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (ما ظهر الزنا في قوم إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

جواز تيمم المقعد العاجز للصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ: رجل مقعد يشق عليه الوضوء، وهو رجل تستعمل له الحفائظ، فهل يتيمم؟

الجواب: أقول: إذا كان هذا الرجل يشق عليه تكرار الوضوء فهنا طريقة: إذا أمكن أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم فيتوضأ في وقت العصر للظهر والعصر، ويكفيه ذلك للمغرب والعشاء، يقدم العشاء من حين يدخل وقت المغرب، يكفيه وضوءه واحداً لأربع صلوات؛ لأن المريض يجوز له الجمع، بالنسبة للفجر يكون وضوءه واحداً، فإذا لم يتمكن وشق عليه ذلك فله أن يتيمم؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين -والحمد لله- يسراً، قال الله تبارك وتعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] أو: هنا بمعنى الواو أي وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ وجَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة:6] فنقول: تيمم وفضل الله واسع، ودين الله يسر.

حكم بيع الأعضاء .. وعمليات التجميل

السؤال: فضيلة الشيخ: نحن الأطباء نعاني من شيئين آمل منكم الإجابة:

أولاً: يطلب منا في بعض الأحيان أن نقنع ولي أمر المريض المتوفى دماغياً بالتبرع بأعضائه، فهل ذلك جائز؟ وهل التبرع بالأعضاء جائز؟

ثانياً: يطلب منا كذلك عمل بعض العمليات التجميلية كتعديل الأنف، شفط الدهون، تصغير أو تكبير الثديين ... إلخ، فما حكم هذه العمليات؟ وما الضابط وفقك الله وجزاك خيراً ونفع بك؟

الجواب: أما الأول -وهو التبرع بأعضاء الميت- فهذا حرام ولا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل جسم الإنسان أمانة عنده، فقال عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] ولا فرق في التبرع بالأعضاء بين الحياة والموت، بمعنى: أن الحي لا يجوز أن يتبرع بشيء من أعضائه وأن الميت لا يجوز أن يتبرع بشيء من أعضائه، وأولياؤه ليس لهم الحق بالتبرع في شيء من أعضائه بعد وفاته، لأن الأولياء يرثون المال، أما أعضاء الميت فهي محترمة، حتى لو سمح الورثة أن تقطع أعضاء الميت للتبرع بها فإنه لا يجوز، بل قال الفقهاء رحمهم الله في كتبهم في كتاب الجنائز: لا يجوز أن يؤخذ شيء من أعضائه ولو أوصى به، حتى لو أوصى المريض بأن يؤخذ شيء من أعضائه فإنه لا يجوز تنفيذه؛ لأن جسم الإنسان أمانة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كسر عظم الميت ككسره حياً) فكما أنه لا يجوز أن تكسر عظم الحي فلا يجوز أن تكسر عظم الميت.

وما أكثر الفساد الذي حصل من أجل التبرع بالأعضاء، سمعنا في بلاد أنهم يأتون إلى الصبيان في الأسواق ثم يخطفونهم ويذبحونهم، ويبادرون بأخذ الأكباد وأخذ الكلى، يبيعونها، سباع! فلذلك نرى أن هذا حرام، لا يجوز ولو أوصى به الميت، وإذا لم يوص به فهو أشد، حتى الحي لا يجوز أن يتبرع، لو أن ابنك أو أباك أو أخاك أو أختك احتاجت إلى كلية فلا يجوز أن تتبرع بكليتك له، حرام عليك؛ أولاً: لأنها قد تزرع الكلية التي أخذت من موضعها إلى موضع آخر فقد تنجح وقد لا تنجح، حتى وإن غلب على الظن النجاح فهو جائز ألا تنجح، وأنت الآن ارتكبت مفسدة وهي إخراج هذه الكلية من مقرها الذي أقرها الله فيه إلى موضع قد ينجح وقد لا ينجح، وإذا غلب النجاح فالمفسدة محققة.

ثانياً: أعندك علم بأن الكلية باقية ستستمر سليمة إلى أن تموت؟ لا، ربما تمرض الكلية الباقية، فإذا مرضت فلا شيء يعوض، فتكون أنت سبباً لقتل نفسك، وعلى هذا فلا يجوز التبرع بالكلى مطلقاً، ولا بالكبد مطلقاً، ولا بأي عظم مطلقاً، لا في الحياة ولا بعد الممات.

طيب.. فإذا قال قائل: فالدم؟

قلنا: الدم لا بأس بالتبرع به عند الحاجة بشرط ألا يحصل على المتبرع ضرر، والفرق بين الدم والعضو أن الدم يأتي خلَفه والعضو لا يأتي خلَفه، الدم بمجرد ما ينتهي أخذ الدم منه يعطى غذاءً ويرجع الدم بإذن الله عز وجل، لكن العضو إذا فقد لا يرجع.

أما موضع التجميل الذي ذكر، فالتجميل نوعان:

النوع الأول: إزالة عيب.

والنوع الثاني: زيادة تحسين.

أما الأول فجائز -إزالة العيب- فلو كان الإنسان أنفه مائل فيجوز أن يقوم بعملية لتعديله؛ لأن هذا إزالة عيب، الأنف ليس طبيعياً بل هو مائل فيريد أن يعدله، كذلك رجل أحول، الحول عيب بلا شك، لو أراد الإنسان أن يعمل عملية لتعديل العيب يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، ولا مانع، لأن هذا إزالة عيب.

لو قطع أنف الإنسان لحادث هل يجوز أن يركب أنفاً بدله؟ يجوز؛ لأن هذا إزالة عيب، وقد وقعت هذه الحادثة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، قطع أنف أحد الصحابة في حرب من الحروب، فالرجل جعل عليه أنفاً من فضة، ركبه على الأنف، فأنتنت الفضة، الفضة تنتن، صار لها رائحة كريهة، فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب فاتخذ أنفاً من ذهب، إذاً هذا نقول: تجميل أو إزالة عيب؟ إزالة عيب، هذا جائز.

كذلك لو أن الشفة انشرمت، فيجوز أن نصل بعضها ببعض لأن هذا إزالة عيب.

أما النوع الثاني: فهو زيادة تحسين، هذا هو الذي لا يجوز؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن، بمعنى: أن تبرد أسنانها حتى تتفلج وتتوسع للحسن، لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك، ولعن الواصلة التي تصل شعرها القصير بشعر وما أشبه ذلك.

بقي أن ننظر العملية لتكبير الثدي أو لتصغيره يجوز أو لا يجوز؟

هذا تحسين، إلا إذا كانت المرأة الصغيرة الثدي تريد أن يكبر لأجل أن يتسع للبن، يعني: بحيث يكون ثديها صغيراً لا يروي ولدها، فهذا ربما نقول: أنه لا بأس به، أما للتجميل فإنه لا يجوز.

فهذا هو الضابط يا أخي الطبيب لمسألة التحسين، التحسين إذاً كم؟

نوعان: الأول: لإزالة عيب وهذا لا بأس به، والثاني: لزيادة تجميل فهذا لا يجوز.

تحمل المناجش لتبعة نجشه دون الشركاء

السؤال: فضيلة الشيخ: لنا أرض تركة تم تجزئتها وبيعها، وسيتم تقسيم ثمنها علينا، إلا أنه انتشر بين الناس أن في بيع القطع نجش من أحد الورثة، ولا نعلم صحة هذا الخبر، علماً أن الذي تدور حوله الشكوك قام بشراء مجموعة من القطع بالمزاد العلني أثناء البيع، فسؤالي يا فضيلة الشيخ: هل يحل لنا أخذ نصيبنا من التركة، أم ماذا نفعل جزاك الله خيراً؟

الجواب: أقول أولاً: لا بد من أن نثبت أن هذا مناجش، لأنه قد يرى أن القطعة قيمتها قليلة فيشتريها.

ثانياً: إذا ثبت أنه مناجش وصار الدور عليه بمعنى: أنه هو الذي اشتراها، فإن كان هناك زيادة فهي عليه ولا شيء عليكم أنتم، فصار لا بد من أمرين: أن نعلم أنه مناجش، والثاني: إذا علمنا أنه مناجش ووقف الدور عليه واشتراها فإن ذلك لا حرج عليكم فيه.

الرد على الإمام في الصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ: ما هي شروط الرد على الإمام إذا أخطأ في قراءته في الصلاة، علماً أن هناك من الأئمة من لا ينتظر ويعيد القراءة؟

الجواب: الرد على الإمام في الصلاة لا بد منه سواء في الفاتحة أو غير الفاتحة، والإمام إذا سمع الرد يجب عليه أن يرجع للصواب، بعض الأئمة يقول: إنني إذا رد عليَّ الناس تلخبطت وعجزت أن أقرأ.. نقول: الحمد الله، فدواء هذا سهل، ما هو الدواء؟ أن يركع، وإذا ركع فلا بأس، هاهو النبي عليه الصلاة والسلام قرأ مرةً في صلاة الفجر سورة المؤمنون قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] لما وصل قصة موسى وهارون أصابته سعلة -يعني: كحة- فوقف وركع، وكذلك للإمام إذا تلخبط فليركع، ولكل داء دواء -والحمد لله- أما أن يقول للناس: لا تردوا علي.. فهذا غلط، وإذا رد عليه يجب أن يعدل، فالقرآن كلام الله عزَ وجل لا بد أن يكون كما أنزل.

قضاء صوم الكفارة عمن مات وهو عليه

السؤال: فضيلة الشيخ: توفي والدي وقد قتل نفساً بغير عمد في حادث مروري، وقد أدى ما عليه من الدية وصام شهراً ونصف شهر لكنه لم يستطع أن يصوم باقي الشهر الثاني فأوصاني أن أصوم عنه البقية وذلك قبل أن يتوفى بسنين، وقد تصدق هو وتصدقنا عنه بعد وفاته، مع العلم أنه خلال هذه السنين لم نستطع أن نصوم الباقي، هل يجب علي أن أصوم عنه؟ أفدني جزاك الله خير.

الجواب: لا يجوز أن يصوم عنه، لأن الذي فهمنا من السؤال: أن أباه قد عوفي وتمكن من الصيام، ولكنه لم يفعل، وبناءً على ذلك فإنه لا يصح أن يصوم عنه، أرأيت لو قلت لواحد من الناس: يا فلان أنا اليوم تعبان، توضأ عني وأنا أصلي، يجوز أو لا يجوز؟ ما يجوز، أو قال: والله أنا اليوم تعبان وعليَّ قضاء من رمضان فصم عني، فهذا لا يجوز.

فإذا كان هذا الرجل قد تمكن من بقية الصوم ولم يفعل فإنه لا يصام عنه ولا يصح أن يصام عنه، أما إذا امتد به المرض حتى مات فهذا لا بأس أن يصوم عنه، ولكن تكون الأيام متتابعة، يعني: لا يفطر بينها إلا لعذر شرعي.

صلاة المستحاضة والضابط في ذلك

السؤال: أنا امرأة كبيرة كان عدد أيام الحيض في بداية الدورة سبعة أيام، ثم أصبت بمرض قبل مدة عشر سنوات فأصبح دم الحيض يستمر نزوله مدة ما يقارب الخمسة والعشرين يوماً أو العشرين أو الخمسة عشر يوماً، فكم يوماً أجلس بدون صلاة؟ وأحياناً قبل نزول الدم أرى خيوطاً حمراء بغزارة، فهل أصلي عند رؤية هذه الخيوط أما لا؟ أفدني أفادك الله.

الجواب: ما دام الدم يستمر معها إلى خمسة وعشرين يوماً أو عشرين يوماً فهذه استحاضة، ترجع إلى عادتها الأولى قبل أن تصاب بهذا المرض، ثم تجلس العادة وتغتسل وتصلي، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة التي لها عادة سابقة أن ترجع إلى عادتها ثم تغتسل وتصلي ولو كان الدم يجري، ولا يضرها هذا الدم، وكذلك ما تراه المرأة من صفرة أو كدرة قبل ابتداء الحيض فلا عبرة به، قالت أم عطية رضي الله عنها: [كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً] وفي لفظ البخاري : [كنا لا نعدها شيئاً] بدون تقييد بعد الطهر.

حكم كتابة القرآن على غير وضوء

السؤال: فضيلة الشيخ: أنا أدرس مادة القرآن في إحدى المدارس، ما حكم الكتابة بالطباشير وأنا غير متوضئ للقرآن؟ وما حكم غبار تلك الطباشير الممسوح من تلك الآيات المكتوبة الذي يسقط على الأرض بعد مسحه؟

الجواب: هذا كله لا شيء فيه، أما إمساك الإنسان الطباشير والكتابة عليها فإنه لم يمس القرآن، كما لو أن الإنسان أخذ قلماً عادياً وكتب في ورقة سورة الفاتحة مثلاً لكنه لم يمس الورقة فلا شيء في ذلك.

وكذلك ما يتناثر من الطباشير التي كتب بها القرآن لا يضر ولا يؤثر؛ لأن الممنوع هو أن يمس الإنسان المكتوب فيه لا الدواة ولا القلم.

كيفية غسل الجنابة

السؤال: فضيلة الشيخ: آمل توجيهكم لي ودلالتي على الطريقة التي تخلصني من هذه المشكلة: فأنا أثناء الاغتسال من الجنابة أجلس تحت الدش فترةً طويلة قد تصل إلى الساعة أو الساعتين، وهذا أدخل عليَّ الحرج، وهذا بسبب كثرة الدلك، سؤالي يا فضيلة الشيخ: ما هي الأماكن التي يركز عليها في الدلك والتي لا يصل إليها الماء؟

الجواب: أولاً: لا شك أن الرجل الذي سأل هذا السؤال مصاب بالوسواس -نسأل الله أن يرفعه عنه- لأن الاغتسال سهل: أمر يدك على جسمك بدون دلك يكفي، بل إن الإنسان إذا انغمس في بركة بنية رفع الحدث ثم خرج منها ارتفع حدثه، وليس عليه إلا أن يتمضمض ويستنشق، هذا في الجنابة، أما الوضوء فلا بد من الترتيب وأن يغسل الوجه أولاً ثم اليدين ثم يمسح الرأس ثم الرجلين.

فنصيحتي لهذا الأخ: ألا يلتفت لهذا، يتوضأ أولاً وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه حتى يرويه، ثم يغسل سائر الجسد، ويتعاهد الإبط لأنه يزل عنه الماء، وكذلك يتعاهد ما بين فخذيه، والباقي واضح، وهو إذا أمر يده على جسمه فقد حصل المقصود.

حكم معالجة العقم .. وهل للمرأة الفسْخ؟

السؤال: فضيلة الشيخ: يعيش عدد من الأزواج بدون أولاد، وذلك لامتناع الإنجاب عنده، فهل الأفضل للرجل العلاج مع الصبر والاحتساب، أو أن يبحث عن بديل؟ أرجو التوجيه وفقك الله.

الجواب: لا شك أن تأخر الإنجاب قد يكون لكون الرجل عقيماً، وقد يكون لمرض يزول بالمعالجة، وحينئذٍ ننصح الذي تأخر إنجابه أن يعرض نفسه على الأطباء؛ لأن كثرة الأولاد أمر مطلوب للشارع، فليبحث فإن قالوا إنه عقيم فالحمد لله لا يعلم ما هو الصالح، وإن قالوا: إنه ضعيف فليستعمل المقويات، المهم أنه يعرض نفسه على الأطباء لعله يجد علاجاً، ولا ينافي ذلك أن يتوكل على الله، بل فعل الأسباب من التوكل.

ولكن أنا فهمت من السؤال شيئاً آخر وهو: هل المرأة تصبر وتحتسب مع هذا الرجل أو لها أن تطالب بالفسخ؟ فنقول: تنظر للمصلحة، إن رأت المصلحة أن تبقى معه على حاله فهو خير، وإن قالت: إنها تريد الأولاد فلتستسمح منه ولتطلب منه أن يفسخ النكاح أو يطلقها.

متابعة المأموم للإمام وكيفية المتابعة إذا أخطأ الإمام

السؤال: فضيلة الشيخ: سمعت منكم في إحدى خطب يوم الجمعة أنك تقول: يجب ألا يتابع المأموم الإمام إذا زاد في صلاته عن عدد ركعات الفرض كما لو زاد خامسة، فما صفة التنبيه للإمام؟ أرجو التوضيح، وإذا لم يجلس الإمام واستمر في صلاته في الركعة الخامسة فماذا يفعل المأموم، هل يقوم بمتابعة الإمام، أم يستمر في جلوسه؟

الجواب: تنبيه الإمام بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (ليسبح الرجال ولتصفق النساء)فيقول الرجل: سبحان الله، لكن أحياناً يقول للإمام وهو قائم إلى الخامسة في الرباعية: سبحان الله. ولكن الإمام يستمر فماذا يصنع؟

نقول: يجلس ولا يتابع الإمام، ثم إذا سلم الإمام سلم معه، وذلك لأن بعض الأئمة يقوم إلى الخامسة لأنه نسي الفاتحة في إحدى الركعات، وإذا نسي الفاتحة في إحدى الركعات لغت الركعة وقامت الركعة التي تليها مقامها، فيأتي بالخامسة بدلاً عن الركعة التي نسي فيها الفاتحة، فتكون صلاة الإمام الآن غير باطلة لأنه أتى بالخامسة ليكمل صلاته التي نقصت بترك ركن من أركانها.

أما لو علمنا أن الإمام قام إلى خامسة -أو إلى زائدة أعم- فإننا ننوي المفارقة ونسلم وحدنا وندعه، كما لو كان يصلي الفجر ونعلم أن الرجل قرأ الفاتحة والركوع والسجود تام والقيام من الركوع والجلوس تام والتشهد الأخير -أيضاً- نعلم أنه قرأه فإذا تيقنا أنه قام إلى زائدة فإننا لا نتابعه ونجلس ونسلم، أما إذا لم نتيقن فإننا نجلس ولكن ننتظر حتى يسلم ونسلم معه.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، ونسأل الله تعالى أن نكون ممن قال الله فيهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [50] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net