إسلام ويب

في هذا اللقاء ذكر الشيخ خصائص شهر رمضان وفضائله، ثم ذكر أنواع الصوم، مبيناً أنه صوم عن المعنويات وصوم عن المحسوسات، ثم تكلم عن مفطرات الصيام، ومتى يصير بها الإنسان مفطراً، ذاكراً مع ذلك أحكاماً متفرقة في الصيام، وقد تخلل ذلك كله توجيهات وفوائد مهمة، ونصائح غالية.

خصائص شهر رمضان

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإننا كنا نسير في تفسير سورة الفرقان، وانتهينا فيه إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [الفرقان:68].

وسنرجئ الكلام على التفسير لمناسبة قرب شهر رمضان المبارك.

فأولاً: شهر رمضان له مزايا عظيمة:

منها: أن الله تعالى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، كما قال الله تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، ومن ثم أوجب الله صيامه ليكون شكراً لله عز وجل على هذه المنة العظيمة، وهي إنزال القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

ومنها: أن الله فرض صومه فرضاً، وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فرض يخير الناس بين أن يصوم الصائم أو يغذي، ثم بعد هذا تعين الصوم وصارت الفدية لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع سنين.

ومن خصائص هذا الشهر: أن الله تعالى سن قيامه على وجهٍ خاص، وهو أنه يسن فيه أن يكون القيام جماعة مع الإمام، ثبت هذا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم ترك القيام، وقال: إنه تركه خوفاً من أن يفرض علينا. وبقي الناس يصلون أوزاعاً، الرجل وحده، والرجل مع الرجلين والثلاثة والأربعة، حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، ولما كان زمن عمر قال: [أرى أن يجمع الناس على إمام واحد] فأمر رجلين: أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.. انتبه إلى هذا! أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وعلى هذا فصلاة التراويح إحدى عشرة ركعة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، ثم فصلت فقالت: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) ومعنى قولها: (يصلي أربعاً) أي: يجعلها في وقت واحد لا في تسليم واحد، بل الأربع بتسليمتين كما جاء ذلك مفصلاً في حديثها رضي الله عنها: (ثم يستريح، ثم يصلي أربعاً بتسليمين ثم يستريح، ثم يصلي ثلاثاً) ومن ثم سمي هذا القيام تراويح، لأن الناس يتروحون فيه ويستريحون.

وقيام غيره سنة ولا شك، ينبغي للإنسان ألا يدع قيام الليل ولو كان يسيراً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جل وعلا ينـزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر) لكن كونها جماعة في المساجد هذا خاص برمضان.

ومن خصائص هذا الشهر: أن صيامه سببٌ لمغفرة الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) كل ما تقدم، إذا صمته إيماناً بالله واحتساباً لثواب الله يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، كل ما تقدم والحمد لله.

ومن خصائصه: أن من قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كل ما تقدم يغفر لك إذا قمت إيماناً واحتساباً، إيماناً بالله واحتساباً لثوابه؛ فإنه يغفر لك ما تقدم من ذنبك.

ومن فضائل الشهر المبارك: أن فيه ليلة القدر، والدليل أن الله تعالى قال في القرآن العظيم: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] وقال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] فإذا جمعت بين الدليلين صارت النتيجة: أن ليلة القدر في رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف يتحرى ليلة القدر، فاعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، فاعتكف العشر الأواخر.

ومن خصائص هذا الشهر: أنه يسن اعتكاف العشر الأواخر منه، وأما غيره من الشهور فلا يسن فيه الاعتكاف، لكن لو اعتكف فلا بأس، إنما لا يطلب من الناس أن يعتكفوا في غير رمضان، في العشر الأواخر تحرياً لليلة القدر.

ومن خصائص هذا الشهر : أن العمرة فيه تعدل حجة لحديث: (عمرة في رمضان تعدل حجة)، حتى لو اعتمرت فطفت وسعيت وقصرت ومشيت تعدل حجة، فليس بلازم أن تبقى يوماً أو يومين أو أكثر، إنما عمرة واحدة تعدل حجة.

وبهذه المناسبة أقول: إن العمرة في رمضان سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (عمرة في رمضان تعدل حجة)، وهذا يعني الحث عليها، ولكن إذا كان الإنسان إمام مسجد أو مؤذن مسجد فهل من حقه أن يذهب من أول يوم من رمضان ويبقى هناك إلى آخر الشهر؟ لا يجوز له ذلك؛ لأن قيامه بواجب الإمامة وواجب الأذان حتم واجب عليه، فكيف يليق بالمؤمن أن يقدم النفل على الواجب؟!!

بعض الناس يعبدون الله تعالى ويريدون الخير لكن يجهلون، يقول: أذهب هناك في رمضان أستأنس والحرم والعالم، نقول: لا بأس، هذا طيب، لكن بقاؤك لأداء الوظيفة أفضل، لأنك إذا ذهبت وتركت الوظيفة أثمت.

وبعض الناس يذهب بأهله إلى هناك، وليس له وظيفة، لكن ذهب بأهله وترك الفتيات والفتيان لا يبالي بهم، يخرجون إلى الأسواق يتسكعون فيها وربما ينالهم أذىً من السفهاء، وهو جالس في المسجد الحرام وتاركٌ ما يجب عليه، فإنه يجب عليه رعاية أهله وتحصينهم من سوء الأخلاق، لكن كثير من الناس عمرتهم عاطفة فقط، لا ينظرون إلى الأمور ويزنون بعضها ببعض حتى يعرف ما هو الأحسن والأفضل.

ومن خصائص هذا الشهر: أنه إذا دخل شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران، تفتح أبواب الجنة استقبالاً للعاملين عملاً صالحاً، وهذا يعني حث الناس على العمل الصالح حتى يدخلوا من هذه الأبواب، وتغلق أبواب النار حتى ينكف الناس عن الأعمال الموجبة للنار، لأن أبوابها أغلقت.

ومن خصائص هذا الشهر: أنه تصفد -أي: تغلُّ- فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره.

وله مزايا كثيرة.

أنواع الصوم

نعود إلى الصوم فنقول: إن الصوم نوعان:

صوم عن المحسوسات.

وصوم عن المعنويات.

فالصوم عن المحسوس كل واحد يقدر عليه، لكن الصوم عن المعنويات ليس كل أحد يقدر عليه.

الأول: الصوم عن المحسوسات هو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وما يفطر الصائم، هذا صوم عن شيء محسوس غذاء للبدن فقط، وهذا كل إنسان يقدر عليه.

الثاني: الصوم عن المعنويات، وهذا هو الشاق، وهو الصوم عن المعاصي.

فمن صام عن المفطرات الحسية ووقع في المعاصي والمآثم فإنه لم يأت بروح الصوم ولا بحكمة الصوم، والدليل: قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، ما قال: لعلكم تجوعون، لعلكم تعطشون، لعلكم تتركون التمتع بالنساء.. لا، إنما قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، هذه هي الحكمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، إن الله عز وجل لا يريد منا إذا صمنا أن نتعذب بترك الأكل والشرب والنكاح، إنما يريد أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، وليس الجهل ضد العلم، الجهل هو العدوان، وعلى هذا قول الشاعر:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا>>>>>فنجهل فوق جهل الجاهلينا

إذاً: الصوم الحقيقي هو الصوم عن الأمور المعنويات، أي: عن المعاصي، ولهذا قال الشاعر:

إذا لم يكن في السمع مني تصاون>>>>>وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ

فحظي إذاً من صومي الجوع والظمـأ>>>>>فإن قلت إني صمت يوماً فما صمتُ

والشاعر أخذ هذا المعنى من الآية والحديث.

وهل الذي يصوم ولا يصلي هل هو صائم حقيقة؟ لا والله، يوجد أناس -والعياذ بالله- يسهرون الليل كله في رمضان، وإذا تسحروا وملئوا بطونهم برزق الله ناموا عن صلاة الفجر والظهر والعصر، وإذا قاربت الشمس أن تغرب قاموا وصلوا الفجر والظهر والعصر، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً، ولو تأخر الغروب لتأخروا، لكن لقرب أكلهم استيقظوا، هؤلاء ما صاموا، صومهم ناقص للغاية.

أناس صاموا وجعلوا يأكلون لحوم الناس بالغيبة، أصام هؤلاء؟ ما صاموا حقيقة.

أناس صاموا ولكنهم يتعاملون في البيع والشراء بالغش والكذب والأيمان الكاذبة، أصام هؤلاء؟ لا، هؤلاء لم يصوموا.

إذاً: يجب علينا أن نلاحظ الصوم المعنوي، وهو الصوم عن المعاصي، هذا أهم شيء، أما الصوم عن المفطرات الحسية فهذا أمر سهل كل يستطيعه.

مفسدات الصيام

ولنعد الآن إلى الأشياء التي يصام عنها حساً، فنقول: الذي يصام عنه حساً: الأكل والشرب والجماع، وهذا مذكور في قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، فذكر من المفطرات الأكل والشرب والجماع، وهي مفسدة للصوم بإجماع المسلمين، هذا في القرآن.

ومن المفطرات: ما كان بمعنى الأكل والشرب، أي: ما أغنى عن الأكل والشرب، مثل الإبر المغذية التي يكتفى بها عن الأكل والشرب، أما غير المغذية فلا تفطر، سواء ضربها الإنسان في الفخذ أو في العرق، أو في الوريد، أو في أي شيء، لا يفطر من الإبر -أي: الحقن- إلا ما يغني عن الأكل والشرب؛ لأنه بمعنى الأكل والشرب، إذ إن البدن يتغذى به .. هذه أربعة.

الخامس: إخراج المني بفعل الإنسان، أي: أن يفعل فعلاً يخرج به المني، سواء قبَّل زوجته فأمنى، أو ضمها فأمنى، أو ما أشبه ذلك، أو استمنى بيده، أو على مخدة أو على فراش حتى خرج المني؛ فإنه يفطر ويفسد صومه، ولو قال قائل: ما هو الدليل؟ كيف تفسدون عبادة خلق الله بدون دليل؟ نقول: هذا اعتراض صحيح، أي إنسان يفسد أي عبادة من العبادات فعليه الدليل، وإلا فلا يجوز له أن يتحكم في عباد الله ويقول لهذا: عبادتك صحيحة، ولهذا عبادتك فاسدة، لا يمكن.

فالجواب: ربما يُستدل بما جاء في الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه حيث إن الله يقول: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والمني شهوة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) أن الرجل إذا جامع زوجته فهي صدقة .. (قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: نعم، أرأيتم لو وضعها -انتبهوا لكلمة (وضعها)- في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)، هذا هو تقرير الدليل في أن الإنزال بفعل الإنسان يفسد الصوم.

وما هو حكم الإمذاء؟ لو أن إنساناً قبل زوجته فأمذى أيفسد صومه؟ لا يفسد، ولا يمكن أن يقاس الإمذاء على الإمناء لظهور الفرق بينهما.

السادس: إخراج القيء عمداً.. والقيء معروف، أن يخرج الإنسان ما في معدته من الطعام والشراب، إذا تعمد، أما إذا غلبه القيء فإنه لا يضره، والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استقاء عمداً فليقضِ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه) وهنا سؤال: لو أحسست بالقيء هل يلزمك أن تحجبه وتمنعه؟

الجواب: لا يجب، وفي هذا ضرر عليك؛ لأن المعدة إذا هاجت لا بد أن تخرج، فلا تمنعها، دعه يخرج، لكن لا تجلبه أنت، وفرق بين الجلب وبين كون المعدة تهيج حتى يخرج ما فيها، فالأول بفعل الإنسان والثاني بغير فعله.

السابع: إخراج الدم بالحجامة... فلو أن الصائم حجم فخرج منه دم فسد صومه، ولا بد من دليل، فقد ذكرت لكم الآن أن كل إنسان يقول هذه العبادة فاسدة، قل: عليك الدليل، ولا يحل لإنسان أن يقول للناس: عباداتكم باطلة إلا بدليل؛ لأنه لو أبطل عبادة قام بها الإنسان لربه افترى على الله كذباً إلا بدليل.. إذاً: ما هو الدليل؟ الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أفطر الحاجم والمحجوم)، وهذا الحديث صحيح عند الإمام أحمد رحمه الله، صححه وأخذ به، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة له اسمها: حقيقة الصيام ، قرر هذا وأكده، وبين أنه هو القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: الحجامة لا تفطر، لكن الصحيح أنها تفطر.

وهل الرعاف يفطر أم لا؟ أما لو غلب الإنسان فإنه لا يفطر، ولا إشكال في هذا، فلو أن الإنسان رعف أنفه وخرج دم كثير فإنه لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد وقياساً على القيء، فإن القيء إذا غلبه لا يفطر، وهذا أيضاً مثله، لكن لو أن الإنسان أدخل إصبعه في أنفه لينظفه فصار الرعاف أيفطر أم لا؟ لا يفطر؛ لأنه ما أراد أن يخرج الدم، بخلاف الذي أتى للحاجم وقال: احجمني.

الثامن: خروج دم الحيض والنفاس .. فإذا خرج دم المرأة وهي صائمة فسد صومها، أعني بذلك الحيض أو النفاس، فلو حاضت المرأة قبل غروب الشمس بخمس دقائق فقط فإنه يفسد صومها، ولو حاضت بعد الغروب بدقيقة فلا يفسد صومها، وأما ما اشتهر عند النساء أنهن يقلن: إذا حاضت المرأة قبل أن تصلي المغرب ولو بعد غروب الشمس فصومها فاسد، فهذا غير صحيح، بل متى غابت الشمس وهي لم تحض فصيامها صحيح، حتى لو أحست بأن الحيض تحرك قبيل الغروب ولم يخرج إلا بعد الغروب فصيامها تام وصحيح، وإن لم تصلِّ، فالعبرة بغروب الشمس وخروج الدم.

والنفاس كذلك، ودم الاستحاضة، الدم الذي يسمى دم فساد هل يفسد الصوم؟ لا يفسد الصوم إلا دم الحيض أو دم النفاس.

إذاً: هذه ثمانية مفطرات، لكن الثامن في الواقع بغير اختيار الإنسان، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحائض مقرراً الحكم : (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟).

والسبعة الأولى هي: الأكل، الشرب، الجماع، إنزال المني بفعله، القيء عمداً، الحجامة، ما كان بمعنى الأكل والشرب.

شروط تفطير المفطرات

اعلموا -أيها الإخوة- أن هذه المفطرات السبعة لا تفطر إلا بشروط ثلاثة:

الأول: أن يكون عالماً.

الثاني: أن يكون ذاكراً.

الثالث: أن يكون عامداً.

فضد العلم الجهل، والجهل نوعان: إما جهل بالحكم الشرعي، وإما جهل بالوقت، وكلاهما إذا حصل فلا إثم على الصائم ولا قضاء ولا كفارة، فإذا كان جاهلاً بالحكم الشرعي، كرجل استمنى -مثلاً- وهو لا يدري أن الاستمناء حرام في الصيام، فنقول: لا يفسد صومه.

رجل استقاء عمداً، وهو لا يدري أنه يفسد الصوم، فنقول: صومه صحيح.

رجل أكل وشرب يظن أنه في الليل وإذا هو بعد الفجر، فصومه صحيح.

رجل كان في غيم وليس معه ساعة، فظن أن الشمس غربت فأفطر، وإذا بالشمس تخرج من وراء الغيم، فنقول: صومه صحيح لأنه جاهل بالوقت .

رجل سمع في الراديو مؤذناً فظنه مؤذن الحي فأفطر، وإذا بمؤذن الحي يؤذن بعد ذلك، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت.

قد يقول قائل: ما هو الدليل على أنه يصح الصوم مع الجهل، والله تعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]؟ قلنا: عندنا أدلة:

أولاً: قول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله قد فعلت. لا أؤاخذكم إذا نسيتم أو أخطأتم، والخطأ الجهل.

ثانياً: عدي بن حاتم رضي الله عنه قرأ قول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ [البقرة:187] فأتى بعقالين، والعقال هو الذي تقيد به البعير، واحد أسود وواحد أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل ويشرب والنور في السماء ساطع، لكن إلى الآن لم يتبين العقال الأسود من الأبيض، فلما تبين العقال الأسود من الأبيض أمسك .. فهم من الآية أن المراد بالخيط الأبيض هو الحبل الأبيض، والخيط الأسود الحبل الأسود، إذاً: هو جهل معنى الآية، فلما أصبح أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له : (إن وسادك لعريض)، أي: أن وسع الخيط الأبيض والأسود؛ لأن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فإذا كان الخيط الأبيض والأسود تحت الوسادة فإنها سوف تكون عريضة عرض الأفق، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أنه بياض النهار وسواد الليل ولم يأمره بقضاء الصوم؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية.

كذلك الجهل بالوقت.. روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم كانوا في يوم غيم فأفطروا، ثم طلعت الشمس؛ لأنه ليس عندهم ساعات، ولا يعرفون الوقت إلا بالشمس، ولعل الغيم كان شديداً متكاثفاً، المهم أنهم أفطروا ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، لأنه إذا أمر به كان من الشريعة والشريعة لا بد أن تنقل إلينا تامة.

تبين الآن أنه لابد أن يكون عالماً، فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه.

كذلك إذا أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام في نفس المسألة: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، اللهم لك الحمد، (فليتم صومه) إشارة إلى أن الصوم لم يحصل فيه نقص ولا فساد، ثم بين الحكمة والسبب فقال: (إنما أطعمه الله وسقاه)، لأنه لم يتعمد.

يقولون: الشيء بالشيء يذكر.. قال أحد التلاميذ وهو في قاعة الاختبار: إنه يكتب الجواب فسمع شخصاً يعلِّم تلميذاً إلى جانبه بالجواب، يسأل هذا التلميذ ويقول: هل يجوز أن أكتب الجواب وأنا سمعته؟ نعيد السؤال: تلميذ على الماسة يكتب الجواب ولا يريد الغش بأي حال من الأحوال، لكنه سمع شخصاً يقول لجاره: الجواب كذا وكذا، والجواب صحيح، فهل يجوز أن ينقل الجواب أم لا يجوز؟ نقول: إنما علمه الله، هذا رزق جاء بدون تعب، فلا حرج أن يكتب الجواب، حتى لو فرض أنه لم يكن يعرفه فيكتبه؛ لأنه ما حاول الغش ولا غش.

بقي علينا من الشروط شرط ثالث: أن يكون عامداً، إذا لم يكن عامداً فلا شيء عليه، دليل ذلك قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، فإذا لم يتعمد فلا شيء عليه، وله أمثلة:

إنسان يستنشق في الوضوء فنـزل الماء من خياشيمه إلى معدته، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد.

كذلك إنسان يتمضمض فنزل الماء إلى بطنه، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد، والله عز وجل يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

إذاً: هذه الشروط الثلاثة لا بد من مراعاتها حتى لا يفسد الإنسان عبادة عباد الله وهي غير فاسدة، وكما لا يجوز لنا أن نتساهل لا يجوز أن نشدد، بعض الناس يقول: شدد لا تفتح للناس ويقول: ناسي.. هذا غير صحيح، كما لا يجوز لنا أن نتساهل فيما أوجب الله لا يجوز لنا أن نتشدد، دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.

هذا ما يتعلق بالصيام، وأرجو الله تعالى أن ينفعني وإياكم به.

وصايا متفرقة في الصيام

ولكن يا إخوان احفظوا صيامكم، صونوه عن قول الزور، وعن عمل الزور، وعن العدوان على الناس، ابتعدوا عن الغيبة، أكثروا في الصيام من قراءة القرآن، ومن الذكر، ومن الصلاة في غير أوقات النهي؛ حتى يكون صومكم على وجه يرضى الله جل وعلا به.

المحافظة على السحور

كذلك تسحروا في آخر الليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال : (تسحروا)، وفعله هو صلوات الله وسلامه عليه، وقال: (فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحور)، إذاً: عندما يقدم السحور استحضر ثلاثة أشياء:

الأول: امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكون من الذين قالوا: سمعنا وأطعنا.

الثاني: التأسي به عليه الصلاة والسلام كأنما يتسحر أمامك.

الثالث: مخالفة أهل الكتاب اليهود والنصارى.

ولا أدري أنحن نستحضر هذه المعاني أم لا؟ قليل من الناس، إما جهلاً أو نسياناً، لكن احرص على هذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن في السحور بركة)، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنك تأكل وتشرب وتمسك من طلوع الفجر، كل النهار لا تأكل ولا تشرب ومع ذلك يعينك الله عليه، بواسطة السحور الذي أكلت وشربت.. كم تشرب في أيام الصيف في اليوم من مرة؟ كل خمس دقائق تشرب مرة، فإذا صمت تصبر إلى غروب الشمس، كل ذلك من بركة السحور.

الإفطار على الرطب

وعند الإفطار اختر أن تفطر على رطب، والرطب الآن -بحمد لله- موجودة في الثلاجات، وإن لم تجد فعلى تمر، وإن لم تجد فعلى ماء، وهنا سؤال: ليس عندك تمر ولكن عندك أطباق حلوى وكأس ماء، فأيها تفطر به: أطباق الحلوى أم الماء؟ تفطر بالماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن لم يجد فعلى ماء)، ولم يقل: فعلى حلو، فالماء أفضل من أطباق الحلوى، ثم إذا شربت كل ما شئت.

تأخير السحور وتعجيل الفطر

والأفضل في السحور أن تؤخره بشرط أن تأمن طلوع الفجر، اجعله آخر شيء قبل الفجر بيسير، وأما قول بعض العوام: أمسك قبل الفجر بخمس دقائق فلا أصل له، كل حتى يتبين الفجر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعد في رمضان مؤذنين: أحدهما بلال والثاني ابن أم مكتوم وكان بلال يؤذن قبل الوقت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم)، من أجل القائم يرجع ويأكل والنائم يستيقظ .. (كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم -وهو أعمى- فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) إذا طلع الفجر ذهب يؤذن، إذاً هناك مسافة بين طلوع الفجر وبين أذانه، والرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا إلى أن يسمعوا أذان ابن أم مكتوم ... فعليك أن تؤخر السحور فهو أفضل .

والفطر الأفضل تعجيله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).

التوبة من شرب الدخان في رمضان

وإنني بهذه المناسبة أزف إلى إخواني الذين ابتلوا بشرب الدخان نصيحة باستقبال هذا الشهر المبارك: أن يحاولوا ترك الدخان؛ لأنه يسهل لهم في هذا الشهر أكثر من غيره، إذ إنهم سيكونون في النهار ممتنعين بحكم الصيام، وفي الليل يتلهون عنه بالقراءة، بأن يروح بعضهم على بعض، أو بأي شيء، يتصبرون في الليل، فإذا مضى شهر كامل وهم لم يتناولوا الدخان انقطع عنهم بإذن الله، فهو فرصة أن يتوب الإنسان من شرب الدخان، ومن استعان بالله أعانه الله، ومن اتقى الله جعل له مخرجاً، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسراً، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتقين.

قيام الليل في رمضان

وإلى هنا ينتهي القول فيما يتعلق بالصوم، أما بالنسبة للقيام فإنني أبشركم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بأصحابه وأنهى الصلاة قبل طلوع الفجر، فقالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: لو قمت بنا إلى آخر الليل- فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) اللهم لك الحمد .. يكتب لك قيام ليلة وأنت على فراشك ومع أهلك، لكن قم مع الإمام حتى ينصرف، وتقوم معه من صلاة العشاء أو من القيام. فإذا قال قائل: ماذا تقولون في قوم يذهبون إلى مساجد أخرى غير مساجد حاراتهم؟

فالجواب: لا حرج عليهم في هذا، المساجد كلها بيوت الله، إلا إذا كان يترتب على ذهابهم تعطيل المسجد في حارتهم فلا، أما إذا كان سيبقى من يقيم الصلاة في هذا المسجد فلا حرج أن يذهب الإنسان إلى مسجد آخر يرتاح لقراءته صوتاً وأداءً؛ لأن الأمر -والحمد لله- واسع، وكثيرٌ من الناس إذا صلى مع من يرتاح له نفسياً أو لحسن صوته أو لحسن أدائه يكون أخشع، وما دام الله عز وجل قد فسح ولم يحرم علينا أن نتعدى مساجدنا في حاراتنا إلى غيرها فالأمر -والحمد لله- واسع، إلا إذا لزم من ذلك تعطيل المسجد فلا، كلٌ يصلي في حارته، وإذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، وهذا من نعمة الله عز وجل.

وإنني أوصي إخواني الأئمة أن يتقوا الله عز وجل فيمن خلفهم؛ بأن يؤدوا الصلاة بطمأنينة، في القراءة، والركوع، والسجود، والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، والتشهد أيضاً، فإن كثيراً من الأئمة يسرع في الركوع والسجود والقيام، ويسرع في التشهد، فإن الإنسان يتشهد التشهد المعروف فإذا وصل إلى قوله: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وإذا بالإمام يسلم، هذا غلط وخطأ، دع المصلين يدعون الله عز وجل بعد التشهد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر التشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء)، على الأقل دعهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الكاملة، دعهم يستعيذون بالله من الأربع: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).

ولو سألنا سائل: ما هو الوقت الذي يربحه الإنسان في حياته؟

لقلنا: طاعة الله عز وجل، نصيبنا من أعمارنا في الدنيا هو طاعة الله عز وجل، أما الباقي فهو إما علينا وإما لا لنا ولا علينا، أما الذي نربحه من أعمالنا فهو طاعة الله عز وجل.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

الأسئلة

والآن مع الأسئلة، وأرجو منكم أن تنتبهوا للسؤال؛ لأنه ربما يكون السؤال الذي يلقى هو الذي في نفوسكم فتستغنون به عن سؤال جديد.

كيف يكون الفطر بالرطب؟

السؤال: فضيلة الشيخ! ذكرتم الفطر على رطب، فهل السنة أن تكون ثلاثاً فما فوق، أم يكفي واحدة ويشرب الإنسان قهوة بعدها؟ ومثل ذلك من تصبَّح بسبع تمرات، هل لا بد أن يأكل التمر مرة واحدة ثم يشرب بعد السبع؟ أرجو الإفادة..

الجواب: على كل حال؛ الفطر على تمرات، وأقلها ثلاثاً، لكن بعض الناس في أيام الصيف يكون عطشاناً وييبس فمه، فإذا أكل تمرة احتاج أن يشرب، فلا بأس ولا حرج الأمر واسع، لكن إذا أمكن أن تأكل ثلاثاً قبل أن تشرب فهو أحسن، وفي وقتنا في هذا الفصل يمكن، ربما بعض الناس لا يشرب أبداً.

حكم الأكل والشرب بعد الأذان إذا لم يطلع الفجر

السؤال: فضيلة الشيخ! من الملاحظ في الأشهر السابقة في رمضان تفاوت المؤذنين خصوصاً في أذان الفجر، وبلغني عن فضيلتكم أنكم تقترحون إضافة خمس دقائق على تقويم أم القرى خاصة، فهل هذا صحيح؟

الجواب: نعم هذا صحيح، وكثرت في الأيام الأخيرة الأوراق التي ترفع إليَّ من إخوة أثق بهم، يقولون: إن التقويم متقدم على طلوع الفجر، وبعضهم يبالغ إلى ثلث ساعة، وبعضهم ربع ساعة، وكتبوا لنا أوراقاً، وكتبوا لنا أيضاً بيانات في كل فصل، بل في كل يوم، لكن على كل حال؛ الإنسان ينبغي له أن يحتاط في الصوم ولا يضره -إن شاء الله- إذا تقدم خمس دقائق، لكن في الصلاة هذه هي المشكلة التي أنا مهتم بها كثيراً؛ لأن بعض الناس حينما يؤذن الفجر يقوم ويصلي، سواء في البيوت أو في بعض المساجد، وهذا خطأ، فلو كبرت للإحرام قبل الوقت لم تبرأ ذمتك ولم تؤد الفريضة، ونسمع أن بعض الناس من حين يؤذن وينتهي الأذان يقول: أقم الصلاة. هذه هي المشكلة، وأيهما أشد خطراً: أن تأكل بعد طلوع الفجر وأنت لم تعلم أنه قد طلع، أو أن تصلي وأنت لم تعلم أن الفجر قد طلع؟ الثاني أخطر، فلا تصح صلاة الفجر وتبرأ بها الذمة إلا إذا تيقنت أو غلب على ظنك غلبةً قوية أن الوقت قد دخل.

حكم الكبير الذي لا يستطيع الصوم

السؤال: سائلة تقول: فضيلة الشيخ! لي والدٌ لم يصم أربع سنوات وهو مقعد على السرير وهو مريض وعمره يزيد على خمس وثمانين سنة، فهل عليه كفارة؟ أفدنا جزاك الله خيراً.

الجواب: الكبير الذي لا يستطيع الصوم يجب عليه أن يفدي عن كل يوم بإطعام مسكين، وذلك بأن يجمع المساكين على غداء، والغداء في الغالب في رمضان صعب، أو على عشاء، يطعم -مثلاً- اليوم عشرة مساكين، وغداً عشرة مساكين آخرين، وبعد غد عشرة مساكين في آخر الشهر، هذا واحد، أو يعطي كل واحد كيلو من الأرز ومعه لحم يكون إداماً له، أيُّ لحم؛ سواء كان من بقر أو غنم أو إبل أو دجاج.

الإطالة في صلاة التراويح

السؤال: فضيلة الشيخ! أنا إمام مسجد أريد أن أطيل في صلاة التراويح وأرتل القرآن، لكن كبار السن خلفي ومنهم والدي يمنعونني من ذلك ويوردون علي أحاديث التخفيف مثل: (أفتان أنت يا معاذ؟!) ونحو هذا، فما هو الضابط يا فضيلة الشيخ في عدد التسبيح ونحوه في الصلاة؟

الجواب: أهل العلم يقولون: إن عدد التسبيح في الصلاة أعلاها عشر، وأدنى الكمال ثلاث، لكن المشكلة كيف نؤدي التسبيح؟ بعض الناس يقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله سريعاً، فيمكن أن يقول أربع تسبيحات في أقل من ثانية، وهذا ليس بصحيح، بل قل: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، بهدوء، هذا أدنى الكمال، وأعلاه عشر، ثم نقول: النافلة ليست مثل الفريضة، الفريضة لا بد أن الإنسان يحضر ويصلي مع الجماعة، أما النافلة فليست واجبة، أيضاً الفريضة لا بد أن يصلي الإنسان قائماً والنافلة يجوز أن يصلي قاعداً، فقل لوالدك ومن يشبهه من كبار السن: إذا كنتم لا تستطيعون أن تصلوا قياماً فصلوا قعوداً، والأمر والحمد لله واسع، لكن دعونا نغتنم الفرصة في هذا الشهر المبارك بزيادة دقيقة في عمل صالح.

ختم المصحف في صلاة التراويح

السؤال: فضيلة الشيخ! أنا إمام مسجد وهناك نية ألا أختم القرآن في صلاة التراويح، ولكن بعض جماعة المسجد يرغبون بل يلزمونني بذلك، فكيف أتصرف معهم؟ أأخذ برأيي أم برأيهم؟

الجواب: خذ برأيك ما دام أنك لو أكملت بهم القرآن لأطلت، لأنك إذا كنت تتحرى السنة في عدد الركعات، فستكون عدد الركعات إحدى عشرة، ولو قرأت بهم في كل ليلة جزءاً صعب عليهم، لكن اقرأ ما تيسر، إن ختمت القرآن في قيام أول الشهر وآخر الشهر فحسن، وإن لم تفعل فليس بواجب، فأنت اقرأ ما تيسر، وهنا في الجامع لنا سنين طويلة، ومن حين بدأنا نقتصر على إحدى عشرة ركعة، ولا نختم القرآن إلا إذا تمكنا من ختمه في ليالي التهجد في آخر الشهر.

متى تفطر الحامل؟

السؤال: امرأة تقول: فضيلة الشيخ! المرأة الحامل إذا أخبرها طبيب ثقة بأن الصيام قد يؤثر على الجنين، ولكن هذا التأثير ليس كبيراً حيث سينقص وزن الطفل فقط، ولكن سرعان ما يستعيد وزنه بعد الولادة بإذن الله، فهل يجب عليها أن تصوم، أم الأولى في حقها أن تفطر لحق الجنين؟

الجواب: إذا كان لا يضر الجنين وهي لا يحصل عليها مشقة فلتصم، وخفة وزنه قد يكون لمصلحته؛ لأنه إذا خف وزنه سهل خروجه، وبعد أن يولد فيشب ويثقل وزنه، أما إذا قالوا: إنه يضره؛ بحيث لا يأتيه من الغذاء من الدم ما يقيم عظامه وأعصابه وما أشبه ذلك، فهنا لا تصوم، أو كان يشق عليها هي؛ لأن النساء يختلفن في الحمل، وأيضاً الحمل يختلف أوله وآخره، فمتى وجدت مشقة أو خيفة على الجنين فإنها لا تصوم.

حكم استنشاق الدخان أو البخور

السؤال: الصيام في هذا العام في برد شديد كما هو متوقع، ويكثر إشعال الناس للنار بغرض التدفئة، ويخرج من هذه النار دخان قد يدخل في جوف الإنسان وذلك لقربه من النار، فماذا يصنع؟ وهل يفطر بذلك؟

الجواب: إذا كان حول الإنسان دخان من حطب أو من بخور فإنه لا يضر، حتى لو أخذ المبخرة وأضفى عليها الغترة فإنه لا يضر، الذي يضر أن يستنشق الدخان؛ لأنه إذا استنشقه دخل إلى جوفه، أما مجرد أن يشم رائحة دخان، أو أن يكون في حجرة وقد أولع النار وصار يخرج منها الدخان فإن ذلك لا يضر، حتى لو دخل أنفه لا يضر، مثلاً: لو أن إنساناً في هذه الأيام سبح في بركة وانغمس فيها ودخل الماء إلى بطنه فإنه لا يضره؛ لأنه لم يتعمد.

وهذه النقطة أسمع كثيراً من الناس يسألون عن البخور للصائم ويظنون أن مجرد الدخان يفطر الصائم، وهذا غلط، لا يفطره إلا إذا استنشقه ودخل إلى جوفه.

وإذا استنشق ماء الورد وأحس به في حلقه فلا يفطر؛ لأنه ليس له جرم وإنما هو مجرد رائحة، ولذلك -أيضاً- لو شم ريحاناً وأحس به في حلقه فإنه لا يضر.

نصيحة للطلاب بمناسبة قرب الامتحان

السؤال: فضيلة الشيخ! صيام هذا الشهر يأتي في أيام امتحان وسوف نشتغل عن كثير مما كنا نعمل سابقاً، فما نصيحتك للطلاب والطالبات؟

الجواب: أما الطالبات فسمعت أنهم قدموا اختبارهن، وأما الطلبة فأنتم تعلمون أن الرجل أقوى من المرأة وأشد تحملاً، ولا يهمه لو جعل على كتفه عدلاً من الشعير وعلى الكتف الآخر عدلاً من الشعير؛ لأنه قوي، وسيكون قوياً -إن شاء الله- على أداء الامتحان، لكن يبقى النظر: إذا كان من عادته -مثلاً- أن يقرأ كل يوم خمسة أجزاء، وفي أيام الامتحان لا يتمكن، فنقول: الحمد لله، الأمر واسع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)، فما دمت في رمضانات سابقات تقرأ كل يوم خمسة أجزاء أو عشرة وتعذر عليك ذلك بواسطة الامتحان؛ فإنه يرجى أن يكتب لك الأجر الذي كنت تفعله فيما سبق، أي: أجر العمل الذي كنت تعمله فيما سبق.

التوبة مما وقع من أخطاء في رمضان

السؤال: سائلة تقول: فضيلة الشيخ! لقد أخطأت في صيامي كثيراً، أرجو الله أن يغفر لي ويتوب علي، فما هي كفارة الكذب الذي وقع مني؟ وما هي كفارة القسم بالله كاذباً؟ فلقد أقسمت أيماناً مغلظة على أمور معينة ثم خلفت هذه الأيمان وأريد أن أتوب وأكفر عن هذه الأيمان، إلا أني لم أتذكر كم عدد هذه الأيمان جزاك الله خيراً...

الجواب: هذا السؤال تضمن أشياء:

أولاً: أخطاء كثيرة في صيامها، والمخرج المخرج التوبة إلى الله عز وجل، أن يندم الإنسان وأن يتأثر نفسياً، وأن يعزم على ألا يعود، وإذا تاب إلى الله فإن الله يقول: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] أي ذنب تتوب منه يتوب الله عليك.

ثانياً: وأما الأيمان التي حلفت وحنثت فيها ولكنها لا تدري كم عددها فتأخذ بالأقل، فإذا قدرت أنها عشرة أو عشرون فتجعلها عشرة؛ لأن الأصل براءة الذمة، فلم يلزمها كفارة لم تعلم أنها وجبت عليها.

الشهر الذي مدته تسعة وعشرون يوماً هل يجزئ في الكفارة؟

السؤال: فضيلة الشيخ! رجل عليه كفارة صيام شهرين: رجب وشعبان، فهل يتم هذين الشهرين، أم يمشي على التقويم؟

الجواب: إذا كان شهر رجب ثبت دخوله بشهادة، وثبت دخول شعبان بشهادة، وكان رجب تسعة وعشرين يوماً وكان شعبان تسعة وعشرين يوماً، فقد نقص عن الستين يومان، فنقول: يجزئه ذلك؛ لأن الله تعالى لم يقل: صيام ستين يوماً، كما قال: إطعام ستين مسكيناً في كفارة الظهار، بل قال: شهرين، والشهر هو ما بين الهلالين، سواء كان تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً، أو شهر يكون تسعة وعشرين يوماً والشهر الثاني ثلاثين يوماً، المهم أن ما حدده الله بالشهر فهو شهر.

حكم سفر المرأة إلى مكة كل سنة

السؤال: يقول السائل: أمي تقوم بالذهاب إلى مكة لغرض العمرة في كل سنة، وتقوم بأخذ أولادها وأعمارهم من الرابعة عشرة والثالثة عشرة، فهل نقوم بمنعها من الذهاب كل سنة، أم نقوم بمساعدتها على ذلك؟

الجواب: هذا يرجع إلى حال الأم وحال الأولاد، إن كان الأولاد يخشى عليهم من السفه والتجول في الأسواق يميناً وشمالاً فالأفضل أن تبقى في بلدها، وإن كانوا -أي: الأولاد- ملتزمين لا يخشى عليهم، وهي ترى أنها هناك أخشع لها وأحضر لقلبها فلتفعل، فالأمر واسع، إلا إذا كان في البيت زوج لها ولم يسافر معها ويرغب أن تبقى معه حرم عليها أن تذهب إلى العمرة، حرام وليس مكروهاً فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه )، فإذا كان هذا في الصوم وهي عند زوجها لا يجوز أن تصوم إلا بإذنه فكيف أن تسافر؟!!

ولهذا يجب على المرأة إذا كان زوجها لم يسافر أن تبقى معه إلا إذا أذن لها، فإن أذن لها مرغماً فإذنه غير معتبر، يجب أن تبقى، فلو قالت الزوجة مثلاً: أنا سأذهب أسافر إلى مكة وأعتمر وأجلس هناك إلى العيد، فقال: اذهبي أو لا تذهبي، هذا ليس إذناً، والإنسان يعرف قول صاحبه عن رضى وقوله عن إكراه، فإذا علمت أنه لم يقل هذا إلا عن إكراه أو خوف فلا تسافر.

حكم العادة السرية وكيفية التخلص منها

السؤال: هل من حل إيمانيٍ وعمليٍ للعادة السرية حيث أني مبتلىً بها وتؤرقني في شهر رمضان؟

الجواب: أسأل الله له العافية، أما الحل الإيماني فهو قول الله تبارك وتعالى في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ [المعارج:29-31] والعادة السرية وهي الاستمناء وراء ذلك؛ وراء الزوجات ووراء المماليك من النساء.. وهن السراري فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ [المعارج:31] فوصف الله ذلك بأنه عدوان، والإنسان إذا علم أن هذا عدوان لن يفعله.

وأما الرادع الحسي فليسأل الأطباء حتى يتبين له أنها من أضر ما يكون على البدن، وإن كان الإنسان يجد فيها راحة، لكنها راحة يسيرة يعقبها ضرر كبير، ولقد قال لي بعض الناس: إنه ابتلي بهذا فابتلي بالوساوس الشيطانية والعياذ بالله والمضايق النفسية، وهذا ليس ببعيد؛ لأن الله تعالى حكيم جعل هذه النطفة لها محل معين:

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، وعلى الإنسان أن يتصبر ويتصبر ويتصبر، ولقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام دواءً ناجحاً وهو الصوم، فقال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

حكم من صام في بلده ثم سافر إلى آخر لم يوافقوهم في الصيام

السؤال: فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله، وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح والقبول. أما بعد:

فسؤالي هو: شخص سافر بعد دخول شهر رمضان بخمسة أيام للعمل في دولة عمان ، وكنا هنا في السعودية صمنا قبلهم بيوم، واستمر هناك شهر رمضان عندهم إلى ما بعد رمضان، وكان الشهر هنا في السعودية ثلاثين يوماً، وكذلك هناك في عمان ثلاثين يوماً، فإذا صمت على صيامهم أكون قد صمت واحداً وثلاثين يوماً، ولكني لما صمت ثلاثين يوماً أفطرت بناءً على صيامي في السعودية ، فصمت على صيام أهل هذا البلد وأفطرت معهم وخالفت البلد الذي أنا فيه، فهل عليَّ شيء؟

الجواب: أولاً أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وجعلنا وإياكم من أحبابه.

سمعتم السؤال: يقول: إنه سافر من السعودية إلى بلد آخر خالفهم في دخول الشهر، ولنفرض أن السعودية ثبت عندها الشهر ليلة السبت وهم لم يصوموا إلا ليلة الأحد، وكان الشهر تاماً في السعودية وفي البلد الآخر، ويلزم -على هذا- إذا صام معهم أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً، وإن أفطر ففيه إشكال؛ وهو أنه سيفطر والناس صائمون، أقول -وأسأل الله أن يوفقني إلى الصواب-: إذا علمنا أن هؤلاء الذين تأخروا عن السعودية تأخروا عناداً ومخالفةً لـأهل السنة فإنه يفطر ولو كانوا صائمين، لكن يفطر سراً؛ لئلا يكون مخالفاً للجماعة علناً، أما إذا علمنا أن هذا عن اجتهاد منهم، ولم يخالفوا أهل السنة ، لكن هذا الذي أداهم إليه اجتهادهم، تحروا الهلال فما رأوه، فهنا نقول: لا تفطر، صم معهم ولو كان صومك واحداً وثلاثين يوماً؛ لأن هذا اجتهاد والسعودية لها اجتهاد.

حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر

السؤال: فضيلة الشيخ! سافرنا إلى العمرة ثم جمعنا بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، فهل هذا يجوز؟

الجواب: لا يجوز أن تجمع العصر إلى صلاة الجمعة؛ لقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] أي: وقت محدد، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أن نجمع بين صلاتين إلا إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً، إنما كان يجمع العصر إلى الظهر؛ لأنها مثلها، أما الجمعة فتختلف عن الظهر اختلافاً عظيماً، فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصادف أن صلى الجمعة في السفر، بل كان يصلي الظهر على أنها ظهر والعصر على أنها عصر ويجمع بعضهما إلى بعض، ولم تأت الجمعة عليه وهو في السفر فيصليها جمعة.

نقول : نعم هذا صحيح؛ فإن الجمعة لا تشرع في السفر، لكن مرت عليه الجمعة في المدينة في المطر ولم يجمع العصر إليها، مع أنه كان يجمع العصر إلى الظهر في المطر، لكن في الجمعة ما جمع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل وقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل -لا يوجد مطر ولا مرعى- فادع الله يغيثنا، فرفع يديه وقال: اللهم أغثنا ...) ثلاث مرات، والناس رافعو أيديهم معه، أمطرت السماء، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، اللهم صلِّ وسلم عليه، آية من آيات الله! وبقي المطر أسبوعاً كاملاً لا يرون الشمس، والسماء تمطر وسالت الأودية، حتى إن الوادي الذي يسمى: قناة ، -وهو معروف إلى الآن بهذا الاسم- صار يمشي شهراً كاملاً.. الله أكبر! وفي الجمعة الثانية دخل الرجل أو غيره، وقال (يا رسول الله، تهدم البناء وغرق المال -من كثرة الأمطار- فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فأقلعت، وخرج الناس في الشمس.

الآن وجد سبب الجمع الجمعة الأولى نزل المطر ولم يجمع العصر، والجمعة الثانية كان الوحل والوحل يجمع له ولم يجمع، فدل هذا على أن العصر لا يمكن أن تضاف إلى الجمعة جمعاً.

وأقول لهذا الأخ السائل: عليكم الآن أن تعيدوا العصر أربعاً، أحوط من جهة أ، تصلوها أربعاً لا من جهة الإعادة، فإن الإعادة لا بد أن تعيدوها، أعيدوا العصر إما أربعاً وإما ركعتين، إن اقتصرتم على ركعتين فلا بأس؛ لأن صلاة المسافر ركعتان، وإن جعلتموها أربعاً لأنكم في حضر الآن فاجعلوها أربعاً.

حكم المسح على ظاهر الجبيرة فقط

السؤال: فضيلة الشيخ! وضعت جبيرة قبل شهرين وكنت أمسح عليها كما أمسح على الجوارب، لا أمسح أسفلها ولا جوانبها لمدة شهر ونصف، فما حكم الصلاة في هذه المدة؟

الجواب: أقول: إنه لا إعادة عليه في صلاته، وإن كان لا يمسح من الجبيرة إلا ظاهرها، والدليل على هذا: عمار بن ياسر رضي الله عنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنب، احتلم في الليل ولم يجد الماء، فجعل يتمرغ على التراب، يتقلب كما تتقلب الدابة، قياساً على الغسل، فإن الغسل يشمل كل البدن، فقال: إذاً لابد أن يلوث كل البدن بالتراب، وجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه على الأرض ومسح وجهه وكفيه)، ولم يأمره بالإعادة، لم يأمره أن يعيد الصلاة السابقة؛ لأنه كان مجتهداً، الرجل مجتهد وفعل ذلك عن قياس، وهذا الأخ السائل الذي عليه الجبيرة أتى بقياس، لكنه نقص، الجبيرة لا بد أن تمسح كلها من فوق ومن تحت ومن كل ناحية، لكن أقول للأخ: أسأل الله لي وله العلم النافع، وليس عليه إعادة فيما سبق.

وهناك قضية ثانية تشبه هذه: امرأة جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة -شديدة- تمنعني من الصلاة، فماذا أصنع؟) فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنها تجلس عادتها، ولم يأمرها بإعادة الصلوات التي تركتها؛ لأنها بانية على أصل، أن الأصل في الدم الذي يخرج من المرأة أنه حيض.

السائل: إذا كانت الأصابع ظاهرة ولا يغسلها ولا يمسحها في الجبيرة.

الشيخ: هذه أيضاً نقطة، بعض الأحيان تكون الجبيرة في الكف والأصابع ظاهرة، فيلزم أن تغسل الأصابع والجبيرة تمسح عليها، كذلك في الرجل قد تكون أصابع الرجل ظاهرة، فاغسلها وامسح الجبيرة.

حكم إعادة الصلاة والصيام بعد التوبة مع تعليق على كلمة (سيدة)

السؤال: سائلة تقول: فضيلة الشيخ! أنا سيدة لي أولاد، ومنذ ثلاث سنوات وأنا لا أصلي ولا أصوم، والآن هداني الله ولله الحمد فأنا أصلي وأصوم وأدعو ربي وأستغفره على ما فات مني، أرجو إفتائي على ما فاتني ماذا علي؟ هل يكون علي كفارة مع الاستغفار أم ماذا أصنع؟

الجواب: ليس عليها إلا التوبة وقد تابت والحمد لله، وليس عليها إعادة ما مضى من الصلوات، ولا إعادة ما مضى من الصوم، لكن الزكاة عليها أن تؤدي الزكاة وإن لم تؤدها فلا حرج؛ لأنها لما تركت الصلاة صارت -والعياذ بالله- مرتدة من الكافرات، والآن هداها الله للإسلام فهي مسلمة والحمد لله.

لكن لي على كلامها ملاحظة، تقول: أنا سيدة.. وهذه تزكية للنفس، وهل الرجل يقول: أنا سيد؟ المرأة هي التي تقول: أنا سيدة، وهذا اللقب متلقن من غير المسلمين؛ لأن غير المسلمين يقدسون النساء ويرفعونهن أكثر من درجتهن، فاعتاد الناس أن المرأة تسمى (السيدة) والعجيب أنك لو تأملت كتب الحديث التي ينقل فيها أصحابها ما يروونه عن عائشة وأمهات المؤمنين وغيرهن فلن تجد واحداً قال: السيدة عائشة أبداً، والناس الآن إذا ذكروا عائشة قالوا: السيدة، ولا يقولون: السيد أبو بكر ، مع أن أبا بكر أعلى منها وأحق بالسيادة، والرجال هم السادة والنساء هن عوان (أسرى) عند الرجال، أقول هذا لقول الله تعالى: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] أقول هذا لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] أقول هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٌ عندكم)، ولست أريد بذلك غمط النساء، بل حقهن على الرءوس، والبنات أمهات المستقبل والأمهات أمهات الحاضر، لكن أريد أن المرأة تنـزل حيث أنزلها الله عز وجل؛ لأن ذلك أستر لها وأصون وأحفظ لدينها، وأصلح للمجتمع، ولا يغر المرأة ما كانت عليه الدول الكافرة، الدول الكافرة الكفر أعظم، لكن عليها أن تتبع أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة.. ماذا فعلن، وماذا قلن، وماذا تركن.

إذاً: كلمة (سيدة) احذفوها من القاموس، اضربوا عليها بالقلم الأحمر، وقولوا للمرأة: إن بعض الجهات يكتبون على الحمامات: هذا للرجال وهذا للسيدات. وهذا غمط في حق الرجال، أليس كذلك؟! الرجل سوف يزعل إذا رأى أن المرأة سيدة وهو فقط رجل، لكن التقليد الأعمى مشكلة، نسأل الله العافية!

حكم الطلاق من الرجل الكبير السن، وإذا قال: أنت طالق ستين مرة، فما حكمه؟

السؤال: يقول السائل: أبي يبلغ من العمر خمساً وستين سنة، وفي السنتين الأخيرتين تغير تغيراً كبيراً، فقام بطلاق أمي فقال: إنك طالق ستين مرة، يطلقها وترجع له مرة، فما رأيك يا فضيلة الشيخ.. هل ترجع له حيث أنه يبلغ هذا العمر الكبير وهو بحاجة إلى من يعوله؟ أفتنا مأجوراً جزاك الله خيراً.

الجواب: أقول: إذا كان هذا الكلام الذي يصدر منه عن غير وعي فلا طلاق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق)، وهذا نص في الطلاق، ولقول الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، فإذا كان هذا الرجل لا يدري ما يقول، لكن مع الضيقة والضنك طلق، فلا طلاق عليه أصلاً لا واحدة ولا ستين، وأما إذا كان يعقل فإنه إذا قال: أنت طالق ستين مرة، قلنا: يكفي منك ثلاث، وسبعة وخمسون لك، فأنت ابحث، والعمر في الواقع الخمسة والستون لا يؤدي إلى الخرف والهذرات إلا أن يكون الإنسان مصاباً بمرض في رأسه، لكن عادة أنه ما يصل إلى الهذرات في هذا السن.

والخلاصة: إذا كان الوالد حينما تكلم بهذا الكلام يعي ما يقول ويدري ما يقول فالطلاق واقع، ثم هل يكون ثلاثاً أو واحدة؟ فيه خلاف، وأما إذا كان لا يعي ما يقول فالطلاق غير واقع.

نصيحة لأصحاب الدشوش

السؤال: فضيلة الشيخ! هل من نصيحة لمن يشاهد الدش في رمضان في نهاره أو ليله؟

الجواب: النصيحة لمن يشغله في رمضان وغيره، وأنتم -بارك الله فيكم- تعلمون ما حصل من هذه الدشوش من تغير في المجتمع لا سيما في الشباب، تغير ملحوظ واضح، منذ طلعت علينا هذه الآلة الفاسدة ونحن نحس بالتغير، وضرره كبير، أسأل الله تعالى أن يسلط الحكومة على من يقتنيه حتى تتلفه؛ لأنه في الواقع ضرر لا من ناحية الدين فقط ولا من ناحية الخلق ولا من ناحية الأمن، بل من كل ناحية.

فأنصح إخواني عباد الله من أن يقتنوه، ومن كان عنده شيء منه فلا سبيل له إلى التخلص منه إلا بتكسيره؛ لأنه إن وهبه استعمله الآخر في المعاصي وكان هو السبب، وإن باعه فكذلك، فلا سبيل للخلاص منه إلا بالتكسير، فإذا قال: أنا اشتريته بدراهم فكيف أكسره هذا إضاعة مال؟! قلنا: إضاعة المال في طاعة الله خير، والأموال كلها إنما خولنا الله إياها لأجل أن نقوم بطاعته، فإذا أتلفناها خوفاً من الوقوع في المعصية كان هذا ربحاً وليس إتلافاً، وهذا كما ذكر المفسرون في قول الله تبارك وتعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام أنه اشتغل بالخيل التي أعدها للجهاد، لأن سليمان يحب الجهاد ولا شك، ولهذا أقسم أن يطوف على تسعين امرأة كل واحدة منهن تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله، وكان يحب الخيل، فعرضوها عليه ذات يوم فانشغل بها عن صلاة العصر، فقال: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32]، أي: الشمس .. رُدُّوهَا عَلَيَّ[ص:33] فردوا عليه الخيل فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ[ص:33] لأنها شغلته عن طاعة الله، فأتلفها ليتخلص من شرها.

فإتلاف هذه الدشوش والتخلص من شرها هو من طاعة الله عز وجل.

هل يؤجر من سمع المواعظ والمحاضرات من المسجل أو الراديو؟ وحكم دخول الحائض إلى المسجد

السؤال: سائلة تقول: هل سماع الخطب والمحاضرات والندوات ومجالس الذكر من المذياع يحصل به الأجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ... إلى آخر الحديث) وذلك خاصة للنساء؟ وهل تأثم المرأة إذا دخلت تحت درج المسجد من الداخل أو داخل سوره وهي حائض لتستمع إلى المواعظ والمحاضرات؟

الجواب: أما الأول فلا شك أن الإنسان يؤجر على سماع القرآن من المسجل أو من الإذاعة، ويؤجر كذلك على سماع المواعظ والمحاضرات والندوات المفيدة من الإذاعة أو من المسجل.

وأقول: إن من نعمة الله عز وجل على عباده وجود هذه الآلات الحافظة التي تحفظ ما يقول الناس وتبلغ القريب والبعيد، هي من نعمة الله عز وجل، لكن أن يكون ذلك مثل أجر الحاضرين الذين يتدارسون القرآن فلا، ولهذا لو جعلنا مسجلاً عند مكبر الصوت ليؤذن بدل الرجل الذي يؤذن فإن ذلك لا ينفع؛ لأن هذا حكاية أذان وليس أذاناً.

وأما دخول الحائض المسجد فلا يجوز إلا مارةً مروراً فقط، والمسجد كل ما أحاط به السور، سواءٌ الدرج أو البرحة التي نسميها الصرحة، فهذه لا يجوز أن تبقى فيها، والحمد لله الآن ليس هناك داعي؛ لأنها ستسمع من الأشرطة أو من مكبر الصوت في المنارة.

ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم اغتنام أوقاتنا بالأعمال الصالحة، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة والعاقبة، إنه على كل شيء قدير.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [61] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net