إسلام ويب

إن من الواجب المتحتم على كل مسلم أن يعرف أمور دينه؛ حتى يعبد الله على علم وبصيرة وهدى؛ بعيداً عن الأهواء والشبهات، والتفريط والوقوع في المحظورات، وفي هذا اللقاء يتكلم الشيخ عن الأمور المحظورة في عبادة من العبادات وشعيرة من شعائر الإسلام ألا وهي محظورات الإحرام، ثم بعد ذلك يجيب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.

محظورات الإحرام

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليكون للعالمين نذيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في كل شهر في الجامع الكبير في عنيزة ، وهذه الليلة هي التاسعة عشرة من شهر ذي القعدة عام (1419هـ).

تكلمنا في الحلقة السابقة عن شروط وجوب الحج، وعن صفة العمرة والحج، والآن نتكلم عن محظورات الإحرام.

فيجب أولاً أن نعلم: أن الإنسان متى قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك عمرة أو لبيك حجة؛ فقد دخل في عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فينبغي أن يعظم هذه العبادة؛ لأن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30] ينبغي للإنسان من حين أن يدخل في النسك أن يقوم بما أوجب الله عليه؛ من الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، وأن يترك كل ما حرم الله عليه من الغيبة والنميمة، والكذب واستماع الأغاني، وغير ذلك مما حرم الله عليه، وينبغي أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة؛ من بشاشة الوجه، وانشراح الصدر، وتحمل المشاق، والصبر على الأذى؛ لأن حسن الخلق من أفضل الأعمال، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) والإنسان يذكر بالخير إذا أحسن خُلقه، ويقتدى به أيضاً؛ فيكون دالاً على الخير بمقاله وفعاله، وما أكثر ما نسمع عن الناس أنهم يقولون: صحبنا فلاناً في السفر فوجدناه خير صاحب. وقد قيل : إنما سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. (يسفر) أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال. قال رجل: [صحبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لأخدمه فكان يخدمني].

إذاً: عليك بحسن الخلق، وعليك ببذل المال ما استطعت، فلا تبخل على نفسك ولا تبخل على إخوانك .. إذا رأيت محتاجاً فساعده، وإذا رأيت كئيباً فأدخل عليه السرور.

ولا تزاحم عباد الله في المناسك عند المطاف وعند السعي وعند الجمرات، بل احرص على أن تتحمل الزحام ولا تؤذي أحداً، لأن ذلك كله في سبيل الله.

الرفث في الإحرام

واجتنب المحظورات في الإحرام التي منعها النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الآيات الكريمة أيضاً بالإشارة إليها، فمن ذلك: الرفث .. وهو الجماع ومقدماته من النظر بشهوة والتقبيل واللمس بشهوة، بل إن الإحرام يحرم فيه عقد النكاح، حتى العقد لو كانت المرأة المعقودة بها بعيدة، بل إنه تحرم فيه الخطبة، لا تخطب امرأة وأنت في إحرام عمرة أو حج، ولهذا قال الله عز وجل: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [البقرة:197].

حلق الرأس

كذلك اجتنب حلق الرأس؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] لأنك لو حلقت رأسك وأنت محرم فعند التحلل أين الشعر؟! ومن المعلوم أنه عند التحلل إما أن يقصر الإنسان وإما أن يحلق، فإذا حلق في حال الإحرام أو قصر فماذا سيفعل عند التحلل؟! ولهذا قال الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].

الطيب

ولا تتطيب؛ فإن الطيب من محظورات الإحرام، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) والزعفران: نوع من أنواع طيب، والورس: نبت معروف في اليمن له رائحة كرائحة الزعفران؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استفتي في رجل وهو واقف بـعرفة ، وهذا الرجل وقصته ناقته، أي: سقط منها فمات، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يصنعون به؛ فقال: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه -والحنوط: أطياب تجعل في الميت إذا مات- فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)؛ لأنه مات وهو محرم فيبعث يوم القيامة على إحرامه، كالمجاهد إذا قتل في سبيل الله يدفن في ثيابه، ولا يغسل ولا يطلب له كفن حتى لو وجدت الأكفان، وإنما يدفن في ثوبه بدمائه ولا يغسل الدم؛ لأنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً -ينـزف- اللون لون الدم والريح ريح المسك، كذلك المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثياب الإحرام ولا يطلب له كفن من جديد، وإنما يكفن في إزاره وردائه ولا يغطى رأسه، ويبعث يوم القيامة من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، يلبـي بين العالم، بين المحشورات كلها.

إذاً: لا يتطيب المحرم، لا في بدنه، ولا في ثيابه، ولا في طعامه، ولا في شرابه، ولذلك يحرم على المحرم أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران إذا كان ريحه باقياً.

لبس الثياب المنهي عنها

وكذلك لا يلبس شيئاً معيناً من الثياب عينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ سئل : (ما يلبس المحرم؟ -أي: أي ثوب يلبسه المحرم؟- قال: لا يلبس القميصَ ولا السراويلَ ولا البرانسَ ولا العمائمَ ولا الخفاف).

القميص: هي ثيابنا التي علينا الآن قمص.

السراويل معروفة.

البرانس: ثياب فضفاضة واسعة ولها شيء يتصل بالرأس، ويغطيه، يتصل بها شيء مخيط معها على ما هي معروفة مما يدار على الرأس.

الخفاف: ما يلبس في الرجل من جلود ونحوها، والجوارب مثلها.

هكذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يلبسه المحرم، ومفهومه أن ما عدا ذلك يلبسه.

إذاً: هل يلبس المحرم الساعة؟

يلبسها؛ لأنها ليست من هذه الأشياء الخمسة.

وهل يلبس نظارة العين؟ يلبسها؛ لأنها ليست من هذه الأشياء الخمسة.

وهل يلبس الحزام ويربط به إزاره؟ نعم يلبسه.

وهل يلبس الإزار إذا كان مخيطاً، أي: قد خيط طرفاه؟ نعم يلبسه، لأنه ليس من هذه الخمسة، بل هو إزار ولو خيط، ولو جعل فيه ربقة فإنه يجوز؛ لأنه لا يخرج عن كونه إزاراً إذا وضعت فيه الربقة، وكذلك لو وضع فيه محفظة يجعل فيها الدراهم أو الحاجات فإنه يجوز له ذلك؛ لأنه لا يزال يسمى إزاراً وليس من الخمسة، فقد الخمسة وما سواها فهو جائز.

وإذا لبس الإنسان المشلح فنقول: لا يجوز إذا لبسه على هيئة لبسه العادي، أما لو التف به كما يلتف بالرداء فلا بأس، وكذلك لو لبس غترة وشماغ وطاقية فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه يشبه العمامة، بل هذا عمامة عندنا نحن النجديين، عمامتنا: الغترة والطاقية.

قتل الصيد

كذلك لا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد؛ لقول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] والصيد مثل: الحمام، الضباء، والأرانب، والجراد، فإن الجراد من الصيد، ولذلك لا يجوز للمحرم أن يقتل جرادة، كما لا يجوز قتل الجرادة في الحرم ولو كنت غير محرم؛ لأن الحرم يحرم صيده، وأكثر الناس يجهلون أن الجراد من الصيد؛ ولذلك تجدهم في أيام رمضان عندما يهيج الجراد يلاحقونه ويأخذونه، وربما يجمعونه في كيس ويبيعونه، وهذا حرام؛ لأن الجراد من الصيد، فالواجب على المسلم أن يمتنع من محظورات الإحرام.

حكم من ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً

فلو قال قائل: لو أن الإنسان نسي وغطى رأسه فهل عليه شيء؟ لا ليس عليه شيء، لكن يجب عليه من حين يذكر أن يكشف رأسه.

لو أن الإنسان تطيب ناسياً فهل عليه شيء؟ لا. لكن من حين أن يذكر يجب عليه أن يغسل الطيب.

لو أن الإنسان قبَّل الحجر الأسود والحجر الأسود بعض الناس يجعل فيه طيباً وعلق الطيب بشفتيه أو بأنفه، فهل يأثم أو لا يأثم؟ لا يأثم، لكن يجب عليه في الحال أن يمسح هذا الطيب؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يتطيب.

لو أن الإنسان فعل محظوراً جاهلاً يظن أنه جائز، فهل عليه شيء؟

الجواب: لا، ولكن عليه أن يزيل هذا المحظور من حين أن يعلم، ولنضرب لهذا مثلاً: رجل دفع من عرفة ونزل في مزدلفة وظن أن الحج عرفة وأنه انتهى، فقام وتطيب، فهل عليه شيء أم لا؟ لا؛ لأنه جاهل، فإذا قال إنسان: أعطونا دليلاً على أن الجاهل والناسي ليس عليهما شيء. قلنا: قال الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. وقال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] فنفى أن يكون علينا جناحٌ فيما أخطأنا به، وبين أن الجناح على من تعمد، وهذه لا شك أنها من نعمة الله عز وجل.

حكم قطع الشجر للمحرم

ولو أن المحرم قطع غصناً أو ورقة من الشجر، فهل هذا حرام أو غير حرام؟

نقول: فيه تفصيل:

إن كان داخل الحرم فهو حرام، وإن كان خارج الحرم فهو حلال. مثال ذلك: قطع شجرة في عرفة، فإنه حلال؛ لأن عرفة ليست من الحرم .. قطع شجرة في منى، فإنه حرام؛ لأن منى من الحرم، وعلى هذا فلا علاقة بين قطع الشجر والإحرام، فإن الشجرة إن كانت في الحرم، أي: داخل حدود الحرم، فهي آمنة، ولا يجوز لأحد أن يقطعها، وإن كانت خارج الحرم فليس لها أمان، فيجوز لكل إنسان أن يقطعها سواء كان محرماً أم غير محرم.

حكم لبس النقاب والقفازين للمرأة المحرمة

هل يجوز للمرأة أن تنتقب وهي محرمة؟ لا، لا يجوز، والنقاب: أن تغطي وجهها وتفتح لعينيها ما تنظر به، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة المحرمة.

وهل يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس القفازين؟ لا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تلبس المرأة القفازين، فإذا قال قائل: المرأة تلبس قفازين لتستر كفيها عن الناس، قلنا: يمكن أن تستر كفيها بطرف العباءة، ولا يلزم لبس القفازين.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يرزقنا تعظيم حرماته وشعائره؛ إنه على كل شيء قدير.

ونظراً لكثرة الأسئلة نقتصر على هذا القدر من بيان محظورات الإحرام لنتفرغ للإجابة عن الأسئلة، ونسأل الله أن يوفقنا للصواب.

الأسئلة

فضل عشر ذي الحجة

السؤال: فضيلة الشيخ! بعد أيام نستقبل عشر ذي الحجة، فما نصيحتك للجميع في استغلالها؟ أرجو بيان فضلها والأعمال التي تسن فيها.

الجواب: عشر ذي الحجة تبتدئ من دخول شهر ذي الحجة وتنتهي بيوم عيد النحر، والعمل فيها قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).

وعلى هذا فإني أحث إخواني المسلمين على اغتنام هذه الفرصة العظيمة، وأن يكثروا في عشر ذي الحجة من الأعمال الصالحة؛ كقراءة القرآن، والذكر بأنواعه من تكبير وتهليل وتحميد وتسبيح، والصدقة، والصيام، وكل الأعمال الصالحة اجتهد فيها، والعجب أن الناس غافلون عن هذه العشر! تجدهم في عشر رمضان يجتهدون في العمل، لكن في عشر ذي الحجة لا تكاد ترى أحداً فرَّق بينها وبين غيرها، وإذا قام الإنسان بالعمل الصالح في هذه الأيام العشر يكون قد أحيا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة.

وإذا دخلت هذه العشر والإنسان يريد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئاً، كل هذه لا يأخذ منها إذا كان يريد أن يضحي، فأما الذي يضحى عنه فلا حرج عليه، وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يضحي عنه وعن أهل بيته أضحية واحدة كما هي السنة؛ فإن أهل البيت لا يلزمهم أن يمسكوا عن الشعر والظفر والبشرة، وإنما الذي يلزمه هو المضحي الذي هو الأب، وما تسمعون من هذه العبارة: حرم على من يضحي أو يضحى عنه. فإنها عبارة لبعض العلماء، أما الحديث فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً) فوجه الخطاب لمن يريد أن يضحي، ولكن لو قال قائل: إذا كان هذا الذي يريد أن يضحي سافر للحج فسوف يؤدي العمرة ويقصر، مع أنه أوصى أهله أن يضحوا، نقول: هذا لا يضر؛ لأن التقصير في العمرة نسك ولا بد من فعله، وكذلك التقصير في الحج أو الحلق لا بأس به، وإن كان لا يدري هل ضحى أهله أم لا.

حكم من أحرم ومُنع من دخول مكة

السؤال: فضيلة الشيخ! هناك شخص لم يتمكن من إخراج بطاقة الحج، فإذا أحرم ومُنع من دخول مكة هل يدخل في حكم المحصر فيحل ويهدي، أم أن له أن يلبس ثيابه ويدخل؛ لأنه يريد عمل الخير لا لطمع في الدنيا؟

الجواب: أقول: ما دام الحج الآن لا بد أن يحمل الحاج بطاقة الدخول، فما الذي يمنعه من حمل البطاقة؟ الأمر ميسر، وفي كل مكان مكاتب تعطي هذه البطاقات، فكيف يخاطر ويذهب إلى الحج دون أن يحمل البطاقة؟

ولكن لو فرض أنه فعل ومنع من دخول مكة؛ فإنه يكون في حكم المحصر، يذبح الهدي هناك في مكان إحصاره ويتحلل والحمد لله، لكن هنا شيء يكفيه عن التحلل، وهو أن يقول عند عقد الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فإذا قال ذلك ومنع يرجع ويلبس ثيابه ويحج في وقت آخر.

أما الأمر الثاني الذي قاله في السؤال: أنه يلبس الثياب وهو محرم، فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات الله عز وجل، إذ كيف تحرم وتعصي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نهاك عنه من لبس القميص؟! وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرطة والجنود، فليس خداع لله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5] ثم من الذي أوجب عليك هذا الشيء؟ أليس حجك سنة وعمرتك سنة وطاعة ولي الأمر واجبة إلا في معصية؟ ولهذا لو منعنا أن نؤدي الحج الواجب قلنا: لا سمع ولا طاعة نريد أن نحج، أما إذا كان الحج حج نفل أو عمرة ورأى ولي الأمر أن من الخير للمسلمين عموماً الذي يحجون أن يخفف عنهم بهذا النظام، فلا محذور فيه، ولا شك أن ولي الأمر له أن يفعل ما فيه المصلحة ودفع المضرة، وما دمت أديت الفريضة فالباقي نفل، وطاعة ولي الأمر ومساعدة إخوانك في هذا النظام -الذي نسأل الله أن يجعل عاقبته حميدة- خير لك من أن تكلف نفسك، ثم نقول: إذا كان لديك رغبة في الحج فانظر إلى بعض الناس الذين لم يؤدوا الفريضة وساعدهم، وأعطهم الدراهم يحجون بها لأنفسهم؛ فتكون معيناً على فريضة، وتشارك صاحب الفريضة فيما أعنته عليه.

حكم تأخير الحج للمرضعة

السؤال: سائلة تقول: أريد أداء فريضة الحج هذا العام أول مرة وأنا متزوجة ولي أولاد صغار، أصغرهم يبلغ من العمر خمسة أشهر، وأقوم بإرضاعه رضاعة طبيعية فقط، ولكنه باستطاعته أن يتناول وجبة أخرى بسيطة بجانب الحليب، وقد منعني زوجي من الحج بحجة الرضاعة الطبيعية، وأنا لا أريد اصطحابها معي خوفاً عليها من الأمراض وتغير الجو، وأيضاً عدم أخذ نصيب أكبر من الطاعات؛ لأنها سوف تشغلني في وقتي، مع العلم أن موافقة زوجي متوقفة على إفتاء فضيلتكم، فهل هذا من الأمور التي تسمح لي بترك الحج هذا العام؟

الجواب: لا حرج على هذه المرأة التي هذه حالها أن تؤخر الحج إلى سنة قادمة:

أولاً: لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن الحج ليس واجباً على الفور، وأنه يجوز للإنسان أن يؤخر مع قدرته.

ثانياً: أن هذه محتاجة إلى البقاء من أجل رعاية أولادها، ورعاية أولادها من الخير العظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها).

فأقول: تنتظر إلى العام القادم، ونسأل الله أن ييسر لها أمرها ويقدر لها ما فيه الخير.

السفر الذي يقطع التمتع

السؤال: اعتمر رجل من أفريقيا في أشهر الحج، ثم ذهب إلى المدينة ينتظر الحج، فهل هذا يعتبر متمتعاً؟

الجواب: لا ندري، إن رجع بعمرة صار متمتعاً بالعمرة الأخيرة، وإن رجع بالحج بأن أحرم بالحج من ذي الحليفة فقال بعض أهل العلم: إنه مفرد؛ لأنه قطع بين الحج والعمرة بسفر.

والصحيح: أنه ليس بمفرد وأنه متمتع؛ لأن السفر الذي يقطع التمتع هو أن يسافر الإنسان إلى بلده، وأما إذا سافر إلى بلد آخر فإنه ليس متمتعاً؛ لأنه ما زال في سفره الأول، إذ أن الإنسان إذا سافر إلى مكة من بلده فهو مسافر حتى يرجع إلى بلده، فسفره من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة هو عبارة عن سفر واحد.

والخلاصة: أنه إذا كان من أهل أفريقيا وأدى العمرة في أشهر الحج وذهب إلى المدينة ورجع من المدينة محرماً بالحج أو بعمرة جديدة فإنه لا يزال متمتعاً، وعليه هدي التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

حكم حج من فقدت محرمها في عرفة

السؤال: تقول السائلة: فضيلة الشيخ! حججت في العام الماضي أنا وزوجي، وفي يوم عرفة ضاع زوجي ولم أره إلا بعد أن انتهى الحج في بلدي، فهل حجي صحيح أم ناقص؟

الجواب: الحج صحيح وليس فيه نقص؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ولقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] وماذا تصنع إذا فقد زوجها؟ تستمر في حجها وترجع مع رفقتها.

حكم التمتع بالحج لأهل مكة

السؤال: رجل من أهل القصيم أناب رجلاً من أهل مكة بالحج متمتعاً، فهل في مثل هذه الحالة يلزم الهدي للتمتع أم لا؟

الجواب: هذا لا يلزم، وكيف يكون أهل مكة متمتعين؟! لأنهم لم يأتوا بالعمرة من الميقات إنما أحرموا من مكة بالحج، فهم ليسوا متمتعين، وعلى هذا فمن أراد أن ينيب من يمكنه التمتع فلينب من أهل الطائف مثلاً، أو من أهل جدة، أما أهل مكة فلا.

الوقت الكافي للمتمتع بالحج

السؤال: ما هو الوقت الكافي للتمتع؟ أحياناً نحل من إحرامنا ضحى اليوم الثامن ثم نحرم بالحج في نفس اليوم. أرجو التوضيح.

الجواب: إذا وصل الإنسان إلى مكة وهو متمتع، فإذا أمكنه أن يفصل بين الحج والعمرة ولو بساعة فهو متمتع، وأما إذا دخل وقت الحج، مثل أن يقدم مكة بعد ظهر اليوم الثامن فقد انتهى وقت التمتع؛ لأنه دخل وقت الحج، والله عز وجل يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] وهذا يدل على أن بينهما مسافة ووقتاً، وهذا قد وصل إلى مكة والناس في منى محرمون بالحج.

فنقول: إذا قدمت متأخراً فانو الحج مفرداً، وإن كنت تحب أن يحصل لك حج وعمرة فانوه قراناً وقل: لبيك عمرة وحجاً.

رمي الجمار للمتعجل

السؤال: فضيلة الشيخ! ذكرت في اللقاء الماضي -وفقك الله- أن الحاج إذا عزم على التعجل في اليوم الثاني عشر وكانت الجمرات مزدحمة وانتظر حتى يخف الزحام فله أن يتعجل ولو رمى الجمرات بعد الغروب، فهل يجب أن ينتظر عند الجمرات أم يجوز أن يكون عند خيمته؟ وماذا إذا لم يخف الزحام إلا بعد العشاء؟ أرجو ذكر ضابط نستنير به حول هذا الأمر.

الجواب: الواجب أن يتقدم إلى الجمرات وينتهز الفرصة، وقد بلغني عن بعض الناس أنه في عصر اليوم الثاني عشر يكون المرمى خفيفاً؛ وذلك لأن المتعجلين قد انتهى أكثرهم، والمتأخرين يأتون في الليل، فحدثني شخص يقول: أنا أرمي عادةً بعد العصر وأنا أتعجل وأجده خفيفاً، والعلة معقولة.

فأقول: تقدم، بمعنى: حمَّل متاعك وتقدم إلى الجمرات، ومتى وجدت فرصة فارم وانزل إلى مكة ، حتى لو فرض أنك لم تجد الفرصة إلا بعد غروب الشمس أو بعد دخول وقت العشاء فلا حرج عليك، متى وجدت الفرصة فارم ولو بعد منتصف الليل وانزل إلى مكة .

ما يحصل به التحلل الأول والثاني

السؤال: بم يحصل التحلل الأول والثاني؟

الجواب: التحلل الأول يحصل بأمرين: رمي جمرة العقبة بعد العيد، والذي يرمى من الجمار يوم العيد هو العقبة فقط، ثم بعد ذلك الحلق أو التقصير، وهذا يحصل به التحلل الأول، فإذا انضاف إلى ذلك طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة حل التحلل الثاني، وعلى هذا يمكن أن يتحلل الإنسان التحلل الثاني في يوم العيد نفسه، فيرمي الجمرات ويحلق أو يقصر وينـزل إلى مكة ويطوف ويسعى ويكون حل التحلل الثاني وحل له كل شيء.

حج المفرد

السؤال: فضيلة الشيخ! رجل قدم إلى المملكة لأول مرة لأداء الحج، فهل يجوز له أن يحج مفرداً مع أنه لم يسبق له أداء العمرة؛ وذلك لأن له صحبة مفردين؟

الجواب: لا بأس أن يحج مفرداً، ولكن تبقى عليه العمرة، وقوله: لأن له رفقة مفردين. لا يمنع أن يتمتع، فينزل مع الرفقة ويطوفون جميعاً ويسعون جميعاً وهم يبقون على إحرامهم وهو يقصر ويحل، وأحسن له إذا حل من أجل أن يخدم إخوانه بدون مشقة أو تعب، وإذا كان يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وخرج مع إخوانه ووقف معهم في عرفة ومزدلفة ومنى وينـزلون إلى مكة ، فيمتاز عنهم بشيء واحد وهو السعي، وهم لا سعي عليهم؛ لأنهم سعوا عند القدوم، وهو عليه السعي؛ لأنه سعى عند القدوم للعمرة فيجب أن يسعى للحج مع الطواف.

الأفضل لمن وصل مكة بعد ظهر يوم عرفة

السؤال: من وصل إلى مكة بعد الظهر من يوم عرفة، هل الأفضل له أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف القدوم ويسعى سعي الحج ثم يخرج إلى عرفة ، أو أن الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؟

الجواب: الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؛ لأن هذا اليوم يوم عرفة وليس يوم الطواف، والرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه الفجر في مزدلفة وهو عروة بن مضرس ، أتى من جبال طيء من عند حائل وصادف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الفجر في مزدلفة، فقال: (يا رسول الله إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي -أو قال: أكللت نفسي وأتعبت راحلتي- وإني ما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فهل لي من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بـعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر أنه طاف طواف القدوم، وعلى هذا فإذا وصلت إلى مكة في يوم عرفة فاذهب إلى عرفة.

حكم الحج عن المريض

السؤال: امرأة بالغة حصل عليها حادث وأصبح بها حالة نفسيه، فهي تخاف من السيارة وأصواتها، وصار في عقلها شيء من التخلف، فهل يحج عنها أم لا؟

الجواب: إذا كان عندها مال فيحج عنها، وإن كان ليس عندها مال فلا يحج عنها، فلا يجب أن يحج عنها إذا كان ليس عندها مال؛ لأنها غير قادرة، وأما إذا كان عندها مال فالظاهر أن مثل هذا المرض لا يزول، فنسأل الله لها الشفاء والعافية، وأن يعينها ويقدرها على أداء الحج.

حكم الحج على من لا مال له

السؤال: سماحة الشيخ! جزاك الله خير الجزاء .. أنا طالب فهل لي أن أحج وآخذ من والدي، أم أنتظر حتى أتوظف فيكون عندي ما يمكنني من الحج، أيهما الأفضل لي؟

الجواب: من المعلوم أن الطالب الذي ليس عنده مال لا يلزمه أن يسأل والده ويقول: أعطني ما أحج به؛ لأنه لم يجب عليه الحج، لكن إن رأى الأب أن يعطيه ما يحج به إحساناً له لا وجوباً على الأب فلا حرج، وهذا من الإعانة على البر والتقوى ومن صلة الرحم أيضاً.

فأشير على جميع الآباء الذين عندهم قدرة أن يساعدوا أبناءهم في أداء الحج وإن كان غير مفروض عليهم؛ لأن هذا من الإحسان ومن صلة الرحم.

وقت صلاة المغرب والعشاء في مزدلفة

السؤال: فضيلة الشيخ! ما هو الراجح في نظر فضيلتكم في من وصل إلى مزدلفة قبل أذان العشاء متى يصلي المغرب والعشاء؟ وهل يجوز أن نؤخر صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل حتى نصل إلى مزدلفة ، أم نقف في منتصف الطريق ونصلي؛ لأنه أحياناً لا يتيسر لنا المكان إلا بعد منتصف الليل؟

الجواب: أقول: من دفع من عرفة إلى مزدلفة ثم أمسكه السير حتى قارب نصف الليل فالواجب أن يصلي العشاء، ولا يجوز أن يؤخرها إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل.

ومن دفع من عرفة إلى مزدلفة ووصل إلى مزدلفة قبل أذان العشاء فله أن يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم؛ لأنه وصل قبل العشاء، يصلي جمع تقديم ولا حرج؛ لأنه مسافر، ولأن ذلك أيسر لا سيما في وقتنا الحاضر مع كثرة الحجاج، والإنسان لو ذهب يتوضأ ربما يضيع عن قومه، فله أن يجمع جمع تقديم متى وصل إلى مزدلفة .

الحث على مساعدة الآخرين في نفقة الحج

السؤال: رجل يرغب أن يحج نافلة ولكنه لا يستطيع لكبر سنه فهل الأفضل أن ينيب عنه، أو أن يتصدق بالقيمة جزاك الله خيراً؟

الجواب: الأفضل أن يعين من يؤدي فريضة الحج بهذه الدراهم، ولا يوكل من يحج عنه؛ لأن التوكيل في الحج إنما جاء في الفريضة دون النافلة، وإذا لم يجد أحداً يحتاج إلى أداء الفريضة فليصرف هذه الدراهم إما في بناء مسجد يساهم فيه، أو في أعمال صالحة أخرى، أو يتصدق بها على فقير أو قريب.

حكم التوكيل في الحج عن المريض

السؤال: فضيلة الشيخ! أنا مريض بمرض الصرع منذ ثلاث عشرة سنة، وأستعمل دواءً يمنع بقدرة الله تعالى حدوث نوبة الصرع، ولكن إذا تعبت وجهدت حدث لي الصرع، فهل يجوز لي أن أوكل أحداً يحج عني، أم أحج وأتحمل؟

الجواب: إذا كان هذا المرض لا يرجى أن يزول فليوكل من يحج ويعتمر عنه إن كان عنده مال، وإن لم يكن عنده مال فالحج غير واجب عليه.

أما إذا كان يرجى زواله باستمرار الدواء فلينتظر حتى يشفيه الله. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه ويعافيه ويرفع عنه ما يجد.

حكم التوكيل في رمي الجمار

السؤال: فضيلة الشيخ! حججنا قبل خمس سنوات ولله الحمد وكان معنا نساء، وخرجنا من مزدلفة على نية أنهن سيرمين، وقبل أن نصل الجمرة خشينا عليهن وأبقيناهن ورمينا عنهن ولم يكن هناك زحام شديد، ثم سمعنا من يقول: أن الرمي يوم النحر لا بد أن ترميه المرأة بنفسها، فما العمل الآن؟

الجواب: الرمي في يوم العيد وفيما بعده من النسك، وقد قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ولا يجوز لأحد أن يوكل من يرمي عنه لا في يوم العيد ولا في غير يوم العيد إلا من لا يستطيع، فمثلاً: المرأة كبيرة السن لا تستطيع، ومثلها الرجل المريض لا يستطيع، سواء كان رجلاً أو امرأة، وكذلك الصغير أو النحيف لا يستطيع، هذا إذا لم يتأخر، أما إذا تأخر إلى الليل فالغالب أن الأمر واسع ويمكنه أن يرمي بنفسه، فلو أن هؤلاء الرجال أخروا النساء إلى الليل ورمين في الليل لكان ذلك خيراً، أما ما مضى فإن كان قد حصل منهم تفريط فعلى كلام الفقهاء: بجب أن تذبح كل واحدة منهن -ممن وكلت- فدية في مكة توزع على الفقراء سواء ذهبت هي بنفسها أو وكلت.

وإني أقول: الزحام الشديد الذي يخشى على النساء منه لا يجوز أن تخوض المرأة غماره؛ لأن ذلك تعب عليها، ولأنها سترمي الجمرة وهي لا تشعر من شدة الزحام، فمثلاً: إذا كان يريد أن يتعجل في يومين ويحب أن يرمي من حين الزوال وينصرف، هنا لا يمكن أن ترمي المرأة أبداً، لأن فيه خطر عليها، فنقول: في هذه الحال توكل ولا حرج.

أما في غير ذلك مثلاً: في يوم الحادي عشر، فيمكن أن تؤخر الرمي عن الزوال إلى العصر أو إلى الليل إلى الفجر، فالأمر والحمد لله واسع.

حكم الحج عن الغير من أجل المال

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم من أخذ نقوداً من أجل أن يحج عن غيره، وكان مقصده التكسب من هذه الحجة وقصر في النفقة في الحج واقتصد وعاد بأكثر من نصف المال الذي أعطي إياه؟

الجواب: إذا حج الإنسان عن غيره من أجل المال فأخشى ألا يقبل الله منه؛ لقول الله تبارك وتعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ [هود:15-16] وقال تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20] فإذا علمت من نفسك أنك تأخذ الدراهم لتحج عن غيرك من أجل الدراهم فلا تفعل، اتركه ولا تخيب نفسك وتخيب أخاك.

أما إذا أردت أن تحج عن الغير إحساناً به؛ لأنه يرغب هذا، واستعانةً بما يعطيك على أداء النسك فهذا لا بأس به، وإذا أعطاك شيئاً وبقي مما أعطاك فهو لك، إلا إذا قال: ما زاد على النفقة فرده عليَّ؛ فيجب عليك أن ترده.

حكم من لا يستطيع الغسل من الجنابة

السؤال: فضيلة الشيخ! لقد أكرمني الله بالحج إلى بيته الحرام وأتممت مناسك الحج، ولكن حينما بت في مزدلفة أصبحت محتلماً فلم أستطع الاغتسال لكثرة الزحام، فتوضأت وصليت الفجر ثم ذهبت إلى منى واغتسلت وصليت الفجر حوالي الساعة العاشرة، فما الحكم؟ وهل عليَّ شيء ؟ جزاك الله خيراً.

الجواب: الواجب على من لا يستطيع أن يغتسل أن يتيمم، فإن الله تعالى رخص للإنسان إذا لم يجد الماء أن يتيمم، وإذا تيمم وصلى فصلاته صحيحة ولا يحتاج أن يعيدها، فإذا قدر على الماء بعد ذلك وجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابه، أو يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر.

لكن ما فعله الأخ الذي سأل فصحيح؛ لأن الرجل أكبر ما يمكن أن نقول: عليك الإعادة وقد أعاد، مع أنه لا يجب عليه الإعادة؛ لقول الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

حكم ذبح الهدي أو حلق الرأس خارج الحرم

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم من ذبح الهدي أو حلق رأسه خارج منطقة الحرم في عرفات مثلاً؟

الجواب: أما الحلق فلا بأس أن يحلق في عرفات أو غيرها؛ لأن الحلق ليس له مكان، وأما الهدي هدي التمتع فلا بد أن يكون داخل الحرم، فلو ذبح هديه في عرفات لم يصح ولم يجزئه حتى لو دخل باللحم وأعطاه أهل منى لم يقبل منه؛ لأنه ذبحه في غير مكانه، وإذا كان هذا قد وقع منه فالأمر والحمد لله سهل، يوكل أحد الذاهبين إلى مكة أن يشتري له شاة ويذبحها بنية الهدي الذي ذبحه في غير مكانه، وإن كان يريد أن يذهب هو بنفسه ليحج فليباشر ذلك بنفسه.

حكم استعمال الصابون ومعجون الأسنان والمناديل المبللة بالطيب للمحرم

السؤال: ما حكم استعمال المناديل المبللة بالطيب، وكذلك معجون الأسنان والصابون؟

الجواب: المناديل المبللة بالطيب لا يجوز استعمالها في حال الإحرام، إلا إذا حل التحلل الأول؛ بأن رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر، وأما معجون الأسنان فلا بأس به؛ لأن رائحته ليست رائحة طيب لكنها رائحة ذكية ونكهة طيبة، وكذلك الصابون لا بأس باستعماله؛ لأنه ليس طيباً ولا مطيباً ولكن فيه رائحة ذكية طيبة من أجل إزالة ما يعلق باليد من الرائحة التي قد تكون كريهة.

النافلة تكمل الفريضة

السؤال: سائلة تقول: حججت قبل سنوات عديدة، ثم قالت: إن يسر الله لي حجة أخرى فسأجعل تلك سنة وأنوي هذه الحجة فريضة؛ لأني في تلك الحجة في أيام جهل وعدم إدراك، فهل يجوز لها هذا العمل؟

الجواب: نقول: فريضتها هي الأولى، والحجة الثانية تطوع، واعلم -أخي المسلم- أن جميع النوافل تكمل بها الفرائض، مثلاً: نحن الآن صلينا العشاء، والعشاء لها سنة بعدها، فإذا صلينا الراتبة التي بعدها فإن كان في الفريضة خلل فهذه الراتبة تجبر الخلل والحمد لله، كذلك هذه المرأة نقول: إذا كان في حجها الأول خلل فحجها الثاني يرقع ذلك الخلل، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة إذا كان في الفرائض نقص.

حكم شرب الماء المخلوط بالورد أو النعناع للمحرم

السؤال: ما حكم شرب المحرم للماء الذي وضع فيه ماء الورد أو النعناع؟

الجواب: أما ماء الورد فلا يجوز أن يشرب الإنسان منه متى كانت رائحته باقية، وأما النعناع فلا بأس به؛ لأن رائحته ليست طيباً ولكنها رائحة ونكهة طيبة، فهي من جنس رائحة التفاح والأترج وما أشبههما.

حكم صوم اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لمن تعود صيام الأيام البيض

السؤال: بالنسبة لمن يصوم الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فهل يصوم الثالث عشر مع الرابع عشر والخامس عشر مع أن الثالث عشر من أيام التشريق، أم يجعل صيامه في العشر؟

الجواب: يسال عن الذي يصوم أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، في شهر ذي الحجة هل يصوم اليوم الثالث عشر؟ نقول: لا يجوز؛ لأن عيد الأضحى يتبعه ثلاثة أيام تسمى أيام التشريق، لا يجوز للإنسان أن يصوم فيها إلا من لم يجد الهدي من متمتع وقارن فيصومها.

ولكن نقول لهذا السائل: صم عشر ذي الحجة، وهي التسع الأول: الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع، ويجزئ ذلك عن صيام أيام البيض، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها في أول الشهر أم في وسطه أم في آخره).

الأضحية عن الحاج

السؤال: فضيلة الشيخ! ما انتشر بين بعض العامة أنه لا يضحي الحاج إلا إذا كان قد توفي أحد والديه، فهل هذا صحيح؟

الجواب: هذا ليس بصحيح، الحاج إذا كان هو صاحب البيت فإنه يضحي، بمعنى: أنه يقول لأهله: اذبحوا الأضحية عني وعنكم، ويعطيهم القيمة، أما إذا كان يريد أن يضحي بـمكة فلا؛ لأن الحاج المشروع في حقه هو الهدي وليس الأضحية، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مع أنه كان يضحي كل سنة، واكتفى في حجة الوداع بنحر الهدي وهو مائة بعير، نحر منها ثلاثة وستين بيده والباقي أعطاه علياً رضي لله عنه وقال: انحره. ولم يضحِ.

فعلى هذا نقول: إذا كان الحاج رب البيت فليوصِ أهله بأن يشتروا أضحية من ماله ويضحى بها عنه وعنهم، وأما في مكة فالهدي.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [63] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net