إسلام ويب

في نهاية كل عام دراسي تبدأ الامتحانات، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وهذا يذكرنا بالامتحان الأكبر يوم تبلى السرائر، وتظهر أسرارها الضمائر، لكن الامتحان الأكبر ليس فيه إعادة كامتحان المدارس، فإما إلى جنة وإما إلى نار. وبعد الامتحانات الدراسية تأتي الإجازات الصيفية، وكيف يستغلها الشخص، فالناس فيها على أصناف شتى ما بين مضيع مفرط أو مستفيد مغتنم، فالسعيد من تقدم والشقي من تأخر.

الامتحان الأكبر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني من اللقاءات الشهرية التي تتم مساء كل سبت ثالث من كل شهر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها، وأن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبلاً، ورزقاً طيباً واسعاً، هذه الليلة هي ليلة الأحد السابع عشر من شهر صفر عام (1421هـ).

نذكر إخواننا جميعاً ونذكر أنفسنا ونحن في زمن الاختبار والامتحان لطلابنا من ذكور وإناث - نذكر أنفسنا وإياكم بالاختبار الأعظم الذي يكون بين الإنسان وبين ربه يوم القيامة.

إن هذا الاختبار الذي يكون يوم القيامة ليس اختباراً للظواهر بل للبواطن، فالظواهر كل أحد يمكن أن يحسنها أحسن شيء، كما قال الله تعالى في المنافقين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:4] أي: إن منظرهم حسن بهي يظن الإنسان أنهم من أهل التقى .. وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4] فهم خطباء فصحاء، لكن لا خير فيهم .. كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] لا تستقيم بنفسها بل على جدار.

أيها الإخوة: الاختبار يوم القيامة على البواطن، كما قال الله عز وجل: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:8-9] أي: البواطن. (تبلى) أي: تختبر وينظر ما فيها ولا عبرة بالظواهر.

يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق:9-10] إن المشركين ينكرون أن يكونوا مشركين ويقولون: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] لكن تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون.

أخي المسلم: يقول الله تبارك وتعالى: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10] أعمال الجوارح كل يستطيع أن يحسنها أحسن شيء، لكن أعمال القلوب صعبة، ولهذا قال بعض السلف : ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص. الإخلاص الذي نظن أننا مخلصون في أعمالنا، ومع ذلك السلف كانوا يجاهدون أنفسهم على الإخلاص.

فتش قلبك -يا أخي- هل فيك رياء؟ هل فيك كراهة للحق؟ هل فيك بغضاء للمؤمنين؟ هل فيك حقد على المؤمنين؟ فإن غسيل القلب كل يوم أهم من غسيل الثياب كل يوم، اغسل قلبك وطهره، يقول الله عز وجل: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [المائدة:41] فطهر قلبك.

اللهم طهر قلوبنا يا رب العالمين، الله طهرها من الرياء، اللهم طهرها من البغضاء على المسلمين ومن الحقد عليهم يا رب العالمين، اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة واجعلنا ممن كتبت له الحسنى وزيادة.

أيها الإخوة: بعد هذا الاختبار -أعني: اختبار يوم القيامة- إما إلى الجنة وإما إلى النار، قال الله عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:14-16].

أخي المسلم: فكر في ذلك اليوم، لا درهم ولا دينار، ولا متاع ولا ثياب، ولا حميم ولا صديق ولا قريب .. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

يا أخي المسلم: هل هذا اليوم قريب أم بعيد؟ إنه قريب، قال الله تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب:63] وقال تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى:17].

إننا نتطلع إلى آخر العام ونقول: بقي اثنا عشر شهراً، وإذا به في لحظة يصل إلينا، كذلك عمر الإنسان يقول: متى الموت؟ ويؤمل، وإذا بحبل الأمل قد انصرم، ثم بعد النقلة من الدنيا إلى الآخرة ليس هناك عمل، انتهى وقت العمل، ما بقي إلا الجزاء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية) أي: شيء يضعه في حياته يجري ثوابه؛ كبناء المساجد، وبناء الدور لطلبة العلم، وطباعة الكتب للانتفاع بها، وإصلاح الطرق، وما أشبه ذلك مما يدوم نفعه .. (أو علم ينتفع به) وهذا أعظم، العلم الذي ينتفع به أفضل الثلاثة؛ لأن العلم الذي ينتفع به يبقى به ذكرك مئات السنين ..(أو ولد صالح يدعو له) الولد الصالح يفنى عن قريب أو بعيد، لكن العلم النافع الذي ينتفع به يبقى ما شاء الله، الآن نحن ننتفع بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل ننتفع بأموال الأغنياء الذين أنفقوا كثيراً منها في سبيل الله؟ لا. لكن علم أبي هريرة بين أيدينا يقرأ صباحاً ومساءً في المساجد والمدارس.

الإمام أحمد له مئات السنين ومع ذلك ننتفع بعلمه الآن، شيخ الإسلام ابن تيمية له مئات السنين وننتفع بعلمه الآن، وهل يحصل على أجر من انتفاعنا بعلمه؟ نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو علم ينتفع به) فهو يحصل على أجر.

أيها الأخ: حاسب نفسك، واستعد للاختبار الأعظم.

اللهم ثبت أقدامنا يا رب العالمين، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنك على كل شيء قدير.

الإجازة وكيفية استغلالها

أعود إلى اختبار الدنيا: أبناؤنا وبناتنا الآن يختبرون ليحصلوا على نتيجة، نتيجة دراسية وقد لا يحصلون، لكن ماذا بعد هذا الاجتهاد المضني المتعب بعده إجازة، وتسمى عطلة؛ من أجل أن يستريح الإنسان عن كدح مضى ويستعد للمستقبل، هذا هو المقصود من الإجازة، ولكن بماذا يمضي الإجازة من حصلت له الإجازة؟

الناس يختلفون اختلافاً عظيماً، فلنستعرض ما نعلم من ذلك وما لم نعلم ذكرونا به وأعلمونا به.

من الناس من يستغل هذه الإجازة بالانكباب على العلم، ودراسة ما سبق، والاستعداد لما يأتي، والدعوة إلى الله عز وجل في القرى والأمصار، ولا شك أن هذا خيرٌ عظيم ينتفع به الإنسان وينفع. وما أحسن أن يقوم جماعة من الإخوان ويأخذون رخصة من الجهات المسئولة ويذهبون إلى الجنوب وإلى الشرق وإلى الشمال وإلى الغرب في المملكة، فأطراف المملكة يحتاجون إلى العلم الشرعي، وإلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وما أكثر ما يأتينا من طلب أن نحضر أو أن نُحضر أحداً من طلاب العلم! ولا شك أن هذا خير ما تمضى به الإجازة.

استغلال الإجازة بأداء ا لعمرة

ومن الناس من يستغل هذه الإجازة بالسفر إلى الحرمين: مكة والمدينة ، يذهب إلى هناك بأهله ويبقى ما شاء الله فيحصل على خير، يحصل على عمرة، وعلى صلاة في المسجد الحرام، وعلى التقاء بإخوانٍ له من أقطار الدنيا، وهذا خير، قال صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) مثلاً: اعتمرت قبل ستة أشهر واعتمرت في هذه الإجازة، فما بينهما فهو مكفَّر بهذه العمرة، إنها نعمة عظيمة، يكفر لك ما بين العمرتين، وما أكثر ما حملت من الذنوب التي تحتاج إلى تكفير! ولكن احذر من شيء يفعله بعض الجهال، وهو تكرار العمرة في سفر واحد، فإن هذا لا أصل له في شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم فتح مكة في العشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، وبقي فيها تسعة عشر يوماً لم يأت بعمرة، ففي أول قدومه لا يمكن أن يأتي بعمرة؛ لأنه مجاهد، لكن بعد أن استقر الوضع لم يخرج إلى التنعيم ولا إلى الجعرانة ولا إلى غيرهما من الحل حتى يأتي بعمرة. وهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاهل بالعمرة المكية؟ هل الرسول جاهل أنها سنة؟ لا. هل الرسول صلى الله عليه وسلم عالمٌ بأنها سنة ولكن لم يسنها لأمته؟ كلا والله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن ذلك من شريعة الله ودين الله لكان أول القائمين به وأول الداعين له، فلم يفعل، وما كرر العمرة أبداً.

في حجة الوداع احتاجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تحرم بعمرة بعد الحج، فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم وتحرم بعمرة وتأتي تطوف وتسعى وتقصر، أخوها معها قد تيسر له أن يعتمر، ومع ذلك لم يفعل، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أنه معها، وأن من اليسير عليه أن يعتمر، ومع ذلك لم يقل: اعتمر يا عبد الرحمن .

يا إخوتي: أين نحن من طريق السلف ؟ احذر أن تكرر العمرة لا عنك ولا عن أبيك ولا عن أمك، ولهذا قال بعض التابعين: [لا أدري أهؤلاء الذين يخرجون إلى التنعيم يأتون بعمرة أيأثمون أم يؤجرون؟] لا تغتر بعمل الناس، كم من أناس عملوا عملاً ليس له أصل من الشرع! أقول هذا إبراءً للذمة، وإصلاحاً للأمة، وإقامةً للملة بعون الله عز وجل، أنا ما يضرني لو أن أحداً اعتمر ألف مرة، لكن يجب عليَّ بما أنعم الله به عليَّ من العلم أن أبين الحق، ولا أبالي بالعمل ولا أبالي بفتوى من يفتي، بيننا وبين المفتين سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليأتوا بحديث واحد أمراً أو فعلاً أو إقراراً من الرسول عليه الصلاة والسلام أن الناس يكررون العمرة من مكة .

صفة العمرة

صفة العمرة أن تنويها من حين تركب السيارة من بيتك؛ حتى يكون الطريق عبادة من بيتك إلى أن ترجع، وليس معنى ذلك: أني أقول: ادخل في العمرة، بل انو أنك مسافر للعمرة، حتى لو قدر الله عليك ألا تدرك العمرة فإنه يكتب له الأجر، والدليل قول الله عز وجل: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] فانو العمرة من حين تركب السيارة، فكن في سفرك مقيماً للصلاة، حسن الأخلاق، خادماً لإخوانك، قال بعضهم: [صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني]. الله أكبر! ابن عمر الصحابي الجليل الورع الفقيه يقول الرجل: صحبته لأخدمه فكان يخدمني. (ومن تواضع لله رفعه الله).

فإذا وصلت إلى الميقات فاغتسل كما تغتسل للجنابة، وهذا معلوم -أي: صفة الاغتسال- ثم طيب رأسك ولحيتك، طيبها بأطيب ما تجد، وأكثر من الطيب في رأسك؛ لأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: [كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو محرم] والمفارق أي: مفرق الرأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخذ الشعر بناءً على أن هذه هي العادة في زمنه، وكان أول ما قدم المدينة يسدل رأسه إلى وراء موافقة لليهود، ثم بعد ذلك كره أن يوافقهم وصار يفرق الشعر على اليمين وعلى الشمال وعلى الخلف.

فإذا وصلت إلى الحرم -أوصلك الله إلى الخير- فادخل المسجد وقل الذكر الذي تقوله عند دخول كل مسجد، وتقدم إلى الحجر الأسود فاستلمه، امسحه بيدك وقبله إن استطعت، وإلا استلمه بيدك وقبل يدك، وإن لم تستطع فبالإشارة، يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لـعمر : (يا عمر ! إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه -أي: الحجر الأسود- وإلا فاستقبله وهلل وكبر) ثم تطوف سبعة أشواط تبتدئ من الحجر وتنتهي بالحجر، واحذر أن تدخل من باب الحِجر؛ لأنك لو دخلت من باب الحجر أنقصت الشوط. أتدرون ما هذا الحجر؟ العوام يقولون: هذا حجر إسماعيل، إسماعيل ما يدري عنه ولا يعلم عنه ولا دفن فيه، هذا الحجر لما هدمت قريش الكعبة وأرادت أن تبنيها نقصت النفقة، ما عندهم مال، فقالوا: إذاً تقصر الكعبة، لا يبنى الجزء الشمالي منها، ولكن يحوَّط، ففعلوا، وبقيت حتى فتح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة ، سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خلقاً وخير الناس لأهله، يتحدث مع زوجاته ويحدثهن، وينبسط إليهن، حدث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يوماً من الدهر فقال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين: باباً يدخل منه الناس وباباً يخرجون منه) يعني: ولكن خشيت الفتنة أني لو هدمتها وأعدتها على ما سبق افتتن الناس؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فبقيت إلى عهد عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، لما تولى عبد الله بن الزبير على الحجاز هدم الكعبة؛ لأن الفتنة أمنت، وبناها على قواعد إبراهيم، وبقيت زمناً من الدهر، ثم أعيدت على ما هي عليه اليوم.

إذاً: الحجر الآن من الكعبة، ولا بد أن نطوف من ورائه، لأننا لو دخلنا من الباب لم يتم الشوط، انتبه لهذا.

ثم من نعمة الله عز وجل أن وفق هذه الحكومة -جعلها الله موفقةً دائمة- ووضعت علامة على محاذاة الحجر الأسود لما كثر الناس وكانوا لا يدركون محاذاة الحجر، فوضعت هذا الخط البني حتى يعرف الإنسان من أين يبتدئ وإلى أين ينتهي، وكنا قبل هذا نجد مشقة يقف الواحد فيشك ويقول: أنا حاذيت أو تقدمت أو تأخرت .. لكن من نعمة الله وتوفيقه أن الحكومة -زادها الله توفيقاً- وضعت هذا الخط، وفيه مصلحة عظيمة، فصار الناس الآن يبتدئون من الخط لا على أنه علامة شرعية مقصودة بذاتها؛ ولكن لأنه علامة على محاذاة الحجر، كما يوجد الآن بين أيديكم خطوط لتسوية الصفوف، وكما يوجد الآن لإيصال الكلام هذه الميكرفونات هل نحن نتعبد لله تعالى بوضع الميكرفون على أنه عبادة، أو على أنه وسيلة لإسماع الناس؟ الثاني، كذلك هذه الهواتف الآن تسمع من في بلاد بعيدة.

على كل حال أقول: أتمم سبعة أشواط، ثم صلِّ ركعتين خلف المقام إن تيسر ولو كنت بعيداً، المهم أن يكون المقام بينك وبين البيت، وإن لم يتيسر ففي أي مكان، ثم اعمد إلى المسعى، فاصعد على الصفا واستقبل القبلة وارفع يديك للدعاء والتهليل والتكبير، ثم انزل متجهاً إلى المروة ، فإذا حاذيت العمود الأخضر فاركض بقدر ما تستطيع إذا كان المسعى واسعاً ليس فيه زحام، إلى أن تصل إلى العمود الآخر الأخضر، ثم امش على العادة حتى تصل إلى المروة وافعل عليها كما فعلت على الصفا، وهكذا حتى تتم سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، إذاً ليس كالطواف، الطواف لا يتم الشوط حتى تصل إلى المكان الذي بدأت منه، لكن المسعى لا، والسعي في الدور الأرضي والسعي في الدور الثاني والسعي في الدور الثالث كلها مجزئة، والأفضل لك أن تكون في الدور الذي تتمكن فيه من الخشوع ويقل فيه الزحام.

فإذا أتممت السعي سبعة أشواط بعد ذلك تحلق أو تقصر، أنت بالخيار، احلق وهو أفضل، أو قصر، والمرأة تقصر، وبذلك انتهت العمرة، فمن أراد أن يرجع إلى بلده رجع في الحال، ومن أقام في مكة فليقم، ولكن إذا أراد أن يرجع إلى بلده فليطف طواف الوداع.

استغلال الإجازة بزيارة المدينة

أما المسجد النبوي فأول ما تصل إليه تدخل كما تدخل المساجد الأخرى وتذكر الذكر المعروف، ثم تصلي ما شاء الله أن تصلي في نفس المسجد، واعلم أن الزيادة في المسجد حكمها حكم المسجد، وإذا صليت فاتجه إلى القبر الشريف قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقابله، وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. ولا سلام أحسن من هذا السلام؛ لأنه الذي علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته، ثم اخط خطوة عن اليمين لتقف أمام أبي بكر رضي الله عنه وتقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً. ثم اخط خطوة عن اليمين لتكون مقابل عمر بن الخطاب فتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً. وانتهى، لا يحتاج أن تقف للدعاء، سواءٌ استقبلت القبر أو استقبلت القبلة.

ثم تخرج وتذهب إلى البقيع مقبرة الصحابة رضي الله عنهم، التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) وهذا عام يشمل الموجودين في ذلك الوقت والذين بعدهم. هذه المقبرة مقبرة الصحابة رضي الله عنهم، وفيها قبر الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، فسلم أولاً سلاماً عاماً تقول: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. ثم تسلم سلاماً خاصاً على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، الذي قتل شهيداً وهو يتلو كتاب الله عز وجل، تسلم عليه وتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً. ثم تنصرف، وإذا أحببت أن تزور مسجد قباء فهو خير، تتوضأ في بيتك وتخرج وتصلي فيه ما شاء الله، ركعتين أو أربعاً بسلامين، أو ستاً بثلاث تسليمات، وهكذا، الذي تريد، ثم تنصرف، ثم تزور الشهداء في أحد ، وعلى رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تسلم عليهم كالعادة: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون .. إلى آخره. وهنا انتهى الذي يزار في المدينة، فصار هناك خمسة أشياء:

الأول: المسجد النبوي.

الثاني: قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه.

الثالث: البقيع .

الرابع: قباء .

الخامس: أحد .

وغير هذا لا يسن، وما يذكره بعض الناس هناك من المساجد السبعة، ومسجد الغمامة، ومسجد القبلتين، وما أشبه ذلك، كله لا يزار وزيارته بدعة.

هذه طائفة من الناس تقضي الإجازة في هذه الأماكن المطهرة.

قضاء الإجازة بالسفر المحرم

ومن الناس من يقضي الإجازة في بلاد الكفر أو في بلاد دمار الأخلاق، نسأل الله العافية! يسافر بأهله وأطفاله إلى بلاد الكفر، بلاد لا يسمع فيها الأذان ولا تقام فيها الجماعة، وإنما فيها نواقيس النصارى وأبواق اليهود، يذهب بأطفاله، والطفل يتلقى ويتلقف ما يشاهد ويسمع ويبقى في قلبه. ثم إنفاقٌ عظيم على هذه الرحلة في جيوب أعدائه، في جيوب أعداء الله، في جيوب من ينصرون اليهود، رفعٌ لمعنوياتهم -أي: الكفرة- ورفعٌ لاقتصادهم، وفخرٌ لهم أن يأتي الناس إلى بلادهم، وهذا يجب أن يخجل الإنسان منه في مروءته قبل أن ينظر في دينه، وهذه الرحلة لو قال قائل بأنها حرام لم يكن قوله بعيداً؛ لما فيها من إضاعة الوقت وإنفاق المال والخلل في الأخلاق والمروءة.

وهناك بلاد أخرى غير كافرة، لكن فيها أنواع من البلاء والشرور، يشاهدها الإنسان وهو في غنى عنها، فكأن هذا ممن يستعين برزق الله على معصيته.

لذلك نصيحةً لله عز وجل وإبراءً للذمة: أنصح إخواني المسلمين من أن يسافروا إلى هذه البلاد، وأقول: الحمد لله بلادنا فيها أشياء ترفيهية مباحة، ولست أقصد الترفيهية المحرمة كالأغاني والموسيقى وما أشبه ذلك، هذا لا نقره، ولا نجوز لأحد أن يشهده، لكن هناك أشياء مباحة يتسلى بها الإنسان وقتاً من الزمن.

ومن الناس من يقضي الإجازة في أعمال تجارية، يكون هذا الطالب -مثلاً- له والدٌ يتعامل بالتجارة، فيساعد والده ويستفيد ويكتسب.

ومن الناس من يقضي الإجازة في الحراسة، يكون أبوه فلاحاً فيساعد والده في الفلاحة، وكل هذا خير.

فالمهم أن نصيحتي لإخواني المسلمين: أن يستغلوا هذه الإجازة بما ينفعهم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعاً، وأقول هذا استكمالاً للتقسيم، وإلا فالذي ينفع في الآخرة نافعٌ في الدنيا، انتبه يا أخي! أنا قلت: بما هو نافعٌ في الدنيا أو نافع في الآخرة أو نافعٌ فيهما، قلت هذا استكمالاً للتقسيم، وإلا فالذي ينفع في الآخرة ينفع في الدنيا؛ لأن الذي ينفع في الآخرة يعني: أنك اكتسبت الوقت وربحت الوقت، والذين لا ينتفعون في الآخرة من دنياهم خسروا أو لم يخسروا؟ خسروا والله، ضاعت أعمارهم، لم ينتفعوا من الدنيا بشيء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا كان عليهم كرة) (كرة) أي: حسرة، كيف فاتنا؟ كل لحظة تمر بك لم تنتفع بها في الآخرة فإنها خسارة، لكن عادة قد تكون إثماً وقد لا تكون إثماً.

فعليك يا أخي بانتهاز الفرصة ما دمت في زمن الإمهال، هذه الإجازة استغلها بما ينفع ودع عنك ما يضر، وإذا كنت من الخيار فدع اللغو، كما قال الله عز وجل في عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، قال: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] أي: يمرون مراً لا يتضررون فيه، بل يسلمون من إضاعة الوقت.

أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب في الدنيا والآخرة، وأن يجعل أعمارنا في خير أعمالنا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

الأسئلة

فتنة الإنترنت وكيفية النجاة منها

السؤال: فضيلة الشيخ! أمة الإسلام مستهدفةٌ من أعدائها قد تكالبوا علينا من كل صوب، آخر شرهم -وهو من أخطر الشر في نظري- ما يسمى بالإنترنت الذي غزا البيوت، بل فتحت له مقاهي يحضرها الأطفال والشباب قبل الكبار وينادى بفتح مثلها للنساء، وأعظم ما يعرض في هذه المقاهي الجنس وساقط الأخلاق، فما نصيحتك لنا في التعامل مع هذه الفتنة؟ وما حكم فتح هذه المقاهي وغالب ما يشاهد فيها الفساد؟ نفع الله بك.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الفتن حذر منها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم تحذير، وأخبر أنها ستكون فتنٌ يرقِّق بعضها بعضاً، كلما حدثت فتنة قال الناس: الفتنة السابقة أهون من هذه، أي أن الفتنة الحادثة تجعل الفتنة السابقة رقيقة سهلة؛ وذلك لأنها أعظم وأشد، وهذا هو الواقع. لقد سئم الناس وتعبوا وملوا وأنكروا من القنوات الفضائية، فجاء هذا الإنترنت الذي أصبح الإنسان يخاطب المرأة وجهاً لوجه، ويشاهد ما يريد من الشر والفساد، ولكن سمعت أن حكومتنا -وفقها الله- وضعت حاجزاً عن نشر الأخلاق السيئة في الإنترنت، وهذا مما تشكر عليه الحكومة، ومما يدل على رعايتها الرعاية الطيبة لشعبها، وهي وإن سيطرت على جهة ما قد لا تسيطر على كل جهة، ولكن هي في طريقها -إن شاء الله تعالى- إلى السيطرة على هذا كله، ومنع ما يسيء إلى الدين أو إلى الأخلاق، ولكن الحكومة ليست كل شيء، أليس كذلك؟ ليست كل شيء، إنما يجب على الشعب نفسه أن يتقي الله عز وجل وأن يتجنب ما فيه ضررٌ مما تنشره الإنترنت، وكل إنسان راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والله لو طبقنا هذه المسئولية التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلح الشعب، فإن الشعب أفراد مكونة من بني آدم، لو أن صاحب هذا البيت أصلح بيته، والثاني أصلح بيته، والثالث أصلح بيته؛ لمشى الإصلاح وصلح الخلق، لكن المشكل أن في البيوت رجالاً أشباه الرجال ولكنهم نساء، لا يكاد يسيطر على بيته، هو إذا جاء وأكلهم جاهز أكل ونام أو ذهب إلى متجره ولا يهمه، وإذا جاء في الليل وجد زوجته على الفراش وهي متجملة له وقضى حاجته منها ولا يهمه، أهذا رجل؟! لا والله ما هو برجل، إن الرجل هو الذي يتفقد أهله ماذا صنعوا؟ وماذا فعلوا؟ وأين ذهب أبناؤه وبناته؟ وأين رجعوا؟ لأنه مسئول مسئول مسئول، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] أمرنا أن نقي أهلينا ناراً، وهذا يعني أن نربيهم التربية التي تقيهم النار، ولكن مع الأسف أن كثيراً من الرجال ليس برجل، بل هو شبيه رجل وليس برجل، ولهذا خطب بعض الخلفاء بعد أن اختلفت الأمة وقال: أيها الرجال ولا رجال! أيها الرجال أشباه الرجال! الرجل رجل بمعنى الكلمة.

فنصيحتي لكل واحد من إخواني المسلمين: أن يراقب أهله من ذكور وإناث؛ لأنه مسئول، وإذا رباهم التربية الصحيحة انتفع بهم بعد موته، صلحوا وصاروا يدعون له بعد الموت.

الإنترنت فيه خير، لا أقول: إنه شر محض، بل فيه خير، لكن مع ذلك فيه شرور .. شرور في العقائد؛ لأنه تنشر فيه عقائد بدعية بعضها مكفر وبعضها مفسق، وفيه الشر في الأخطاء الكثيرة في الفتاوى، يقوم المفتي ويفتي بما عنده وليس عنده علم، وهذا خطر على العوام؛ لأن العامي على اسمه عامي، وكما قيل: العوام هوام، والعامي إذا أفتى إنسان يوافق هواه ضرب صفحاً عن الفتاوى الأخرى، وهذا ضرر، وفيه ضرر في الأخلاق، والدعارة والفساد، وغير ذلك مما هو معروف، فمن استفاد منه واقتناه لما فيه من المصلحة وسلم من شره، فهذا من وسائل العلم، وأما من أخذ بما فيه من خير وشر وشاهد ما هب ودب فهو على خطر.

أما ما يتعلق بفتح المقاهي فهذا لا يسأل عنه، هذا له جهة مسئولة عنه فليتصل بهذه الجهة.

الأعراس الشرعية

السؤال: فضيلة الشيخ! من الأمور التي تكثر في الإجازة الصيفية كثرة الزواجات والمناسبات، لكن يلحظ عليها لبس النساء للشفاف والمشقق، والإسراف في الولائم، وحصول الغناء خارج القصر، وعدم استغلال مثل هذه الاجتماعات بالخير والفائدة، فما توجيهكم؟

الجواب: هو كما قال السائل: في أيام الإجازة تكثر الزواجات، ونسأل الله أن يكثرها وأن يكثر النسل، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب!) انظر خطاب النبي عليه الصلاة والسلام، ما وجهه للشيوخ أو للكهول، بل للشباب: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) أي: قطع، يخفف الشهوة ويوصل العبد بربه، ويتلهى بذكره وصومه عن تذكر الجنس.

أقول: إن الناس -والحمد لله- تكثر فيهم الزواجات في أيام الإجازة، ولكن يجب أن نجعل هذه الزواجات زواجات شرعية، فيها الدف والغناء للنساء كما كان ذلك معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والدف هو الطار الذي ليس له إلا وجه واحد، ويُتجنب الأغاني الماجنة أو الموسيقى أو ما أشبه ذلك، يجب أن تتجنب.

ثانياً: يجب أن تأتي المرأة بلباس الحشمة، لباس الحياء، والمرأة مضرب المثل في الحياء، ولهذا يقال: أحيا من العذراء في خدرها. ليس لباسها كلباس الرجال، ولا حياؤها كحياء الرجال، ولا عملها كأعمال الرجال، والله تعالى فرق بين الرجل وبين المرأة في كل شيء، إلا في الأحكام الشرعية فالناس فيها سواءٌ، كالصلاة واجبة على الرجال والنساء، والزكاة على الرجال والنساء، والصوم على الرجال والنساء، والجهاد على الرجال دون النساء؛ لأن المرأة ضعيفة ما تستطيع أن تقاتل.

كذلك اللباس تختلف النساء عن الرجال، ومن قال: إن عورة المرأة كعورة الرجال فقد أخطأ، ولهذا كان نساء الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرجن إلى الأسواق يكون على المرأة جلباب واسع مثل العباءة، ورخص لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ترخيه شبراً، قالوا: (يا رسول الله! تنكشف أقدامهن. قال: أرخينه إلى ذراع) كل ذلك لئلا تنكشف قدم المرأة، ولأجل ألا تسرع في المشي؛ لأنه إذا كان جلبابها إلى ذراع فلا تستطيع العجلة.

ثم إن بعض الناس اشتبه عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا الرجل إلى عورة الرجل) اشتبه عليهم الأمر، فظنوا أن معنى الحديث: أن للمرأة أن تلبس أمام المرأة ما يستر الذي بين السرة والركبة فقط، وهذا خطأ على فهم الحديث .. إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث لم يتكلم عن اللباس أصلاً، تأمل الحديث -يا أخي- هل تكلم الرسول على اللباس؟ لا. بل تكلم عن النظر، المرأة لا تنظر عورة المرأة، ما قال: للمرأة أن تلبس من اللباس ما يستر ما بين السرة والركبة، أبداً ولا تعرض له؛ لأنه من المعلوم أن لباس النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السوق كما سمعتم، لبس الجلابيب الواسعة المرخاة، وفي البيوت اللباس المعتاد، لا تُخرج المرأة في بيتها إلا ما تحتاج إليه للطبخ ونحوه، هذا لباسها، حتى إنه لما أمر النساء أن يخرجن إلى العيد قلن: (يا رسول الله! المرأة ليس عليها جلباب، قال: تلبسها أختها من جلبابها) أي: تعيرها جلباباً تخرج به، ما قال: تخرج بالقميص أو نحوه. والجلباب هو ما يشبه العباءة.

المهم أن الخطأ في فهم النصوص خطر عظيم، ولما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ما تكلم في اللباس إطلاقاً، وليس معناه: أن النساء يلبسن ما بين السرة والركبة فقط. وهل تتصور أنت -أيها المسلم- أن نساء الصحابة فيما بينهن تجلس الواحدة ليس عليها إلا سروال يستر ما بين السرة والركبة؟! هل تتصور هذا؟! لا. أبداً، الدول الغربية ما فعلت هذا، حتى الدول الغربية التي نساؤها عاريات يجعلن على الثدي شيئاً يسترها، وهذا الذي توهم يريد أن يكون نساء الصحابة فيما بينهن ما تلبس المرأة إلا ما بين السرة والركبة، سبحان الله! عجائب، عجائب، عجائب! إننا نقول بكل سهولة وبكل يسر: لم يتكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث عن اللباس أبداً، وإنما تكلم عن نظر المرأة إلى المرأة، وهذا ممكن، كأن تكون المرأة مثلاً تغتسل وحولها امرأة، نقول: لا يجوز أن تنظر إلى العورة .. امرأة تقضي حاجتها وحولها امرأة، نقول: لا يحل لها أن تنظر إلى عورتها .. امرأة نائمة انكشفت عورتها، نقول للمرأة الأخرى: لا تنظري إلى عورتها .. امرأة جالسة وليس عليها سروال ورافعة ساقيها وستبدو العورة، نقول للثانية: لا تنظري إلى عورتها .. هكذا ينزل الحديث، وليس في الحديث ذكرٌ للباس أبداً، لكن أكثر ما يخطئ الناس في الفهم أو القياس الفاسد.

حكم خلوة المرأة مع السائق

السؤال: كثيراً ما نرى -يا فضيلة الشيخ- امرأة أو مجموعة نساء مع السائق، وإذا ما تمت المناقشة حول ذلك قالوا: هناك فتاوى تجيز ركوب المرأة مع السائق داخل المدينة، ما رأي فضيلتكم؟

الجواب: إذا كان هذا في البلد فلا بأس؛ لأنهن نساءٌ مع واحد، والمنهي عنه هو الخلوة، واحدة تخلو بالسائق، فهذا لا يجوز ولو في البلد، وما ذكر من الفتاوي المختلفة في هذا الباب يجب أن يعرض على الكتاب والسنة وينظر ما نتيجته .. أرأيتم رجلاً مع امرأة ليست بمحرم له في سيارة، الزجاج مغلق والسيارة تمشي، أهذا خلوة أم لا؟ خلوة لا شك؛ لأنه ليس واقفاً يشاهده الناس، هو مار يمشي، ما يشاهده الناس، ولا يرون ماذا يفعل، ولا يسمعون ما يتكلم به، لا سيما بعد أن رخص للسيارات بوضع التظليل، ألا يمكن أن يقول هذا الرجل الأجنبي للمرأة: تعالي هنا قدام، وفي حال السير يتكلم معها ويهمس، وربما يقبِّل، وربما يعصر الفخذ .. هل هذا ممكن أم غير ممكن؟ هذا ممكن، حتى لو قدر أن هذا ليس بخلوة، ما دام يفضي إلى محرم فالمباح إذا أفضى إلى محرم صار حراماً، أرأيتم البيع والشراء حلال أم حرام؟ البيع والشراء حلال، وإذا أذن الأذان الثاني ليوم الجمعة صار حراماً.

فيجب على المفتين وهم يتحملون المسئولية، وما أعظم زلة العالم! يجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن ينظروا إلى النتيجة فيما يفتون به، لا مجرد أن ينظروا إلى الأمور على وجهٍ سطحي، بل ينظرون ما هي النتيجة، أنا أقول: حتى لو قلنا: إنه ليس بخلوة وأنه مباح، فإنه يجب أن يقال: إنه حرام؛ لما يترتب عليه من المفاسد، وأنا أقول وأشهدكم على ما أقول، وكبراء علمائنا الذين توفاهم الله والباقون -أيضاً- يقولون بهذا: أنه لا يجوز للمرأة أن تخلو بالسائق لوحدها، وأن خلوتها بذلك خلوة شرعية، وهذا الذي أوصيكم به أيها الإخوة، اتئدوا في الفتاوى، ولا تسمعوا لكل فتوى حتى تعرفوا أنها صدرت من عالم أمين على عباد الله فقيه في دين الله، والعالم ليس هو المتبحر في حفظ العلوم، العالم الفقيه هو الذي يقدر الأمور ويخطط للفتوى قبل أن يفتي، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم؟!] كثر القراء معناه: علم كثير لكن بدون فقه، والعالم الرباني هو الذي يربي الأمة على دين الله عز وجل.

الخلاصة: أن خلوة المرأة مع السائق في البلد حرام لا تجوز داخلةٌ في النهي، أما في السفر ففيها محظوران:

الأول: السفر بلا محرم.

الثاني: الخلوة.

حكم صلاة ركعتي الطواف بعد كل طواف

السؤال: يا شيخ! هل الصلاة التي بعد الطواف تكون بعد كل طواف أم في طواف خاص؟

الجواب: المعروف عند العلماء رحمهم الله أنها بعد كل طواف حتى طواف التطوع، لكن قالوا: للإنسان أن يجمع أسبوعين أو ثلاثة، ثم يصلي بعد ذلك لكل أسبوع ركعتين، مثلاً: طاف أربعة عشر مرة ينوي سبعاً وسبعاً، نقول: لا حرج، وصل ركعتين للسبع الأول وركعتين للسبع الثاني.

حكم لبس النقاب

السؤال: فضيلة الشيخ! تفشى بين بعض نسائنا -هداهن الله- ظاهرة لبس النقاب بشكل ملفت للنظر، وهو متفاوت بين السعة والضيق، وبعضهن يلبسن نقاباً واسعاً لكن يلبسن فوقه غطاء، وتجدون برفق هذا السؤال -يا فضيلة الشيخ- نموذجين من هذه النقابات، أرجو -حفظكم الله- بيان حكم لبسهما، سواءًَ في الإحرام أو غيره عند النزول للأسواق ونحوه؟

الجواب: أقول بارك الله فيكم: النقاب في الأصل جائز، ولا يمكن أن نقول بأنه حرام؛ لأنه موجود في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والدليل على وجوده بين النساء: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى المرأة المحرمة أن تنتقب، وكونه ينهى عن المرأة المحرمة أن تنتقب يدل على أن هذا من عادات المحلات، ولكن إذا ترتب عليه مفسدة فإننا لا نفتي بجوازه تربيةً للأمة، فإذا قال قائل: كيف تمنع ما كان حلالاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟

أقول: أمنعه لأنه ترتب عليه مفسدة، فبدأت المرأة توسع النقاب وتجمله وتكتحل ويحصل شر، والعين قد تفتن أكثر من نظر الوجه، فإذا قال قائل: هل سبقك أحدٌ في منع ما كان جائزاً من أجل التربية؟

فالجواب: نعم، سبقني إلى هذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن يكن فيكم محدثون -أي: ملهمون- فـعمر ) وذلك في شيء من أخطر الأمور، فقد كان طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر ، كان طلاق الثلاث واحدة، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهي واحدة، في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، والثلاث إذا جمعت في كلمة أو في مجلس حرام، فكثر الطلاق الثلاث في عهد عمر، فلما كثُر قال رضي الله عنه: [أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم] تأديباً لهم أمضاه عليهم، وقال: أي إنسان يطلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد فإننا نلزمه ونمنعه من مراجعة الزوجة، مع أن مراجعة الزوجة في الأصل حلال، لكن رأى أن الناس وقعوا في الحرام فمنع الحلال، وهذا من السياسة الحكيمة؛ أن يراعي الإنسان أحوال الأمة، ولقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم امتنع من هدم الكعبة وردها إلى قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة.

الدش وخطره

السؤال: سائلة تقول: يا فضيلة الشيخ! أراد زوجي إحضار الدش إلى أولادي، فرفضت ذلك فأحضره ووضعه في غرفة في السطح، ثم أخذ يجلس عنده كل وقته حتى النوم والأكل نحضره له في هذه الغرفة، فقاطع أولاده ومجالستهم حتى اشتكت المدرسة من ضعفهم، فأخذ يسيء خلقه عند أتفه الأسباب، ومرة أخرجني من البيت فبت عند الجيران لكون أهلي في المدينة المنورة، والآن أنا عند أهلي، ماذا أفعل خاصة وأن لدي أولاداً كما ذكرت؟ آمل من فضيلتكم توجيهي.

الجواب: لا شك أن الصواب مع هذه المرأة، ما دامت وصلت الحال بهذا الرجل إلى أن عكف على هذا الدش، فالصواب معها، والواجب على الرجل -إذا كان الأمر كما ذكرت المرأة- أن يتقي الله تعالى في نفسه، وأن يكسر هذا الدش؛ لأنه صده عن طاعة الله، وصده عن معاشرة أهله، وصده عن رعاية أولاده، وصده عن مصالح عظيمة، فليتق الله، وأسأل الله أن يسمعه كلامي، ليتق الله عز وجل وليكسر هذه الآلة التي أدت إلى هذه الحال التي ذكرتها المرأة، وإذا فعل ذلك فسوف يطيب عيشه، ويطمئن قلبه، وتصلح أموره، ويجمع الله شمله بأهله وأولاده.

حكم المواشي التي تشرب من مياه الصرف الصحي

السؤال: رجل عنده إبل وغنم في جانب الوادي، ويجري في هذا الوادي مياه الصرف الصحي وتشرب منه هذه المواشي، فهل يؤكل لحمها ويشرب لبنها؟

الجواب: لا حرج أن يؤكل لحمها ويشرب لبنها؛ لأنها تشرب فقط، والجلالة التي قال العلماء: إنه يحرم لحمها ولبنها حتى تحبس وتطعم الطاهر ثلاثاً يقولون: هي التي أكثر علفها النجاسة، وهذا شرب وليس بعلف. هذا من جهة.

من جهة أخرى: أسمع أن هذه المجاري يجعل فيها مواد تذهب النجاسة، لا يبقى للنجاسة أثر لا في اللون ولا في الطعم ولا في الريح، وإذا وصل الأمر إلى هذا صار الماء طاهراً، لو أصاب ثيابك لم يجب عليك أن تغسله، إذا صح هذا الذي أخبرت به، أنه يلقى عليه المواد تفتته وتزيل النجاسة لا لوناً ولا طعماً ولا ريحاً.

حكم الذهاب إلى الملاهي

السؤال: يا صاحب الفضيلة! يكثر ذهاب أولياء الأمور بأطفالهم إلى ما يسمى بملاهي الأطفال، وفيه من المخالفات الشرعية من تبرج بعض النساء، والأطفال فيهم حرص شديد على الذهاب إلى هذه الملاهي، فما الحكم الشرعي في الذهاب إلى هناك؟

الجواب: هذه الملاهي -كما ذكر أخونا السائل- فيها منكرات، وإذا كان المكان فيه منكرات فإن استطاع الإنسان أن يزيل هذه المنكرات وجب عليه الحضور لإزالتها، وإذا لم يستطع حرم عليه الحضور، وحينئذٍ نقول: اخرج بأولادك إلى البر وكفى، وأما أن يؤتى بهم إلى هذه الملاهي وفيها الاختلاط، وفيها السفهاء الذين يغازلون النساء، وفيها الثياب التي لا يحل للمرأة لبسها؛ فإنه لا يحل أن يأتي إليها إلا إذا كان قادراً على إزالة المنكر.

حكم ذهاب الطالبات إلى الكليات البعيدة

السؤال: ما حكم ذهاب الطالبات للدراسة في الكليات التي تبعد عن البلد خمسة وسبعين كيلو تقريباً، مع العلم أن عدد الطالبات يصل إلى أربعين طالبة في الحافلة، والسائق الذي يذهب بهن يعطى راتباً من قبل الكلية؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: لا حرج في هذا إذا كن يرجعن في يومهن، مثلاً: طالبات أو معلمات يذهبن إلى بلد آخر خمسة وسبعين كيلو أو مائة كيلو ويرجعن في يومهن ولا خلوة، فهذا لا حرج فيه؛ لأنه لا يسمى سفراً عرفاً.

حكم المراكز الصيفية للذكور والإناث

السؤال: فضيلة الشيخ! من المعلوم أن البنين والبنات في هذه الإجازة يكثر فراغهم حيث الصباح والمساء لا شيء عندهم، فما توجيهك في المراكز الصيفية للذكور والإناث؟

الجواب: أما المراكز الصيفية للذكور فأنا أحث عليها إذا كان القائمون عليها أهل علم وإيمان ونزاهة؛ لأنها في الواقع تحفظ وقت الطالب، وتحميه من عدوان السفهاء عليه، فأحث إخواني أن يلحقوا أبناءهم بهذه المراكز، وأسأل الله تعالى أن يجعلها مرتع خيرٍ وبركة.

أما النساء فلا أرى هذا، أن يكون لهن مراكز، حتى لو وضع مراكز لا أرى للمرأة أن تذهب؛ لأني أخشى من التوسع والتطور وبعد إذٍ لا نستطيع أن نمنع.

مداخلة: وماذا عن دور القرآن؟

الشيخ: دور القرآن حسن، مثلاً النساء تذهب إلى دور القرآن وتتعلم القرآن هذا حسن.

إلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وقد زاد عن الوقت المقرر؛ لأن من عادتنا أن نقيم الصلاة على الساعة الثانية بالتوقيت العربي، ونرجو الله تعالى أن يجعل فيما حصل كفاية، وأن يثيب الجميع على هذا الحضور والإنصات والاستماع.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اللقاء الشهري [75] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net