إسلام ويب

مرحلة الشباب مرحلة عظيمة وخطيرة، إن استغلت في الخير والطاعة، فيافوز من وفق لذلك! وإن استغلت في الشر والمعصية فيا خيبة من فاتته هذه المرحلة! واستغلالها في الطاعة يكون بالعناية والاهتمام بالقرآن والسنة حفظاً وتفقهاً، مع استغلال الأوقات حتى لا تذهب سدى، مع طلب المعالي في جميع الخيرات والترفع والتنزه والابتعاد عن الموبقات والمهلكات.

استغلال نعمة الشباب في طاعة الله

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الشباب من نعم الله العظيمة، وصاحبه قد مُنح قوة تعينه على تحقيق آماله بالاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، وهي مرحلة عظيمة ينبغي أن تصان عما لا ينبغي من الأخلاق والأعمال، وينبغي لصاحبها أن يجتهد فيما يبلغه إلى الله عزَّ وجلَّ ونفع عباده.

مرحلة الشباب مرحلة عظيمة، هي أهم المراحل، ومن سنة الله عزَّ وجلَّ أن العبد إذا استقام على أمرٍ وواظب عليه وشب عليه، فإن الله جلَّ وعَلا يعينه على إكمال ذلك، ويتوفاه على ما عاش عليه ونشأ عليه من الخير، وقد أشاد الإسلام بالشباب وحثه على الاستقامة، ورغبه بأسباب النجاة والسعادة، ولهذا ثبت في الصحيحين : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

هذا الحديث العظيم يدل على عظم شأن الشباب، وأنه ينبغي للشاب أن يُعنى بهذه المرحلة، وأن يستقيم فيها على أمر الله، وأن يحاسب نفسه؛ حتى لا يكون سبباً لضلال غيره.

وقد ذكر عليه الصلاة والسلام هؤلاء السبعة، وبدأهم بالإمام العادل؛ لأن الإمام العادل مصلحته تعم المسلمين، وتنفع المسلمين، فيقيم فيهم شرع الله، ويحكم فيهم بالعدل، وينصف مظلومهم من ظالمهم، ويعينهم على طاعة الله عزَّ وجلَّ، فلهذا صار أول السبعة، الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

ثم ذكر بعده الشاب الذي نشأ في عبادة الله، فصار هو الثاني؛ لأن الشاب إذا نشأ في عبادة الله نفع الله به الأمة، فعلمهم، ودعا إلى الله في شبابه وبعد مشيبه وكبر سنه، فيكون نفعه عظيماً، والفائدة كبيرة، لكونه نشأ في طاعة الله وعبادته، ولكونه تعلم في حال القوة والنشاط، فيزداد علماً وهدىً وتوفيقاً كلما زاد سنه وارتفع، فيكون نفعه أكثر للأمة، والتأسي به في ذلك، كذلك من الشباب المماثل، فالشباب يتأسى بعضهم ببعض، ويقتدي بعضهم ببعض، فكلما قوي نشاط الشباب في طاعة الله تأسى به الآخرون، وكثر عباد الله المستقيمون، وانتشر العلم بينهم، وتأسى بهم غيرهم، فيكثر الخير، ويقل الشر، ويقوم أمر الله، ويخذل الباطل، وتشيع الفضائل، وتختفي الرذائل.

ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) فأمر الشباب بالزواج، حتى يحصنوا فروجهم ويغضوا أبصارهم، وحتى يكونوا قدوة لغيرهم في الخير، ولهذا قال: (فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج).

فعُلِم بذلك أنه ينبغي للشباب أن يبادر إلى كل ما يعينه على طاعة الله، حتى يتأسى به غيره، وحتى تكون سجية له، وعملاً مستمراً له في طاعة الله سبحانه وتعالى.

نصائح وتوجيهات للشباب

مما يتعين على الشباب: أن يجدوا في طلب العلم، والعناية بالقرآن الكريم، حتى يعرف الشاب أحكام الله، وحتى يسير على بصيرة من الله في حال شبابه وبعد كبر سنه، بخلاف ما إذا كبر في السن، فإن المشاغل تكثر، والفهم يضعف، أما حال الشباب فهي أقوى على فهم النصوص، وأقرب إلى حفظها، وأقرب إلى العمل بها، وأقوى على ذلك، فلهذا ينبغي للشاب أن يحفظ وقته، وأن يصون شبابه، حتى لا يقع فيما حرم الله عليه، وحتى لا يتكاسل ولا يضعف عما أوجب الله عليه.

أيها الشباب: أيها الإخوة في الله! أيها الأبناء! إن الواجب عظيم، فعليكم بالجد والتشمير في طاعة الله، وفي طلب العلم، والتفقه في الدين، وحفظ الأوقات عما لا ينبغي، فالوقت في الحقيقة أعز وأغلى من الذهب، فينبغي أن يُصان عما لا ينبغي.. ينبغي أن يصان عن المحارم، وعن الرذائل، وعن كل ما يشين المؤمن، وينبغي أن يُحفظ فيما ينفع، وفيما يعين على طاعة الله، وفيما يقوي على الجهاد في سبيل الله، وفيما ينفع الأمة في دينها ودنياها.

هكذا ينبغي للشاب أن يكون وقته محفوظاًَ في طاعة الله، وفي التعلم والتفقه في الدين، وفي تعلم الأشياء الأخرى التي تنفع الأمة، وتعينها وتغنيها عن الحاجة إلى الغير، فالأمة في حاجة إلى التفقه في الدين، وإلى ما يبصرها فيما شرع الله لها، وفيما أوجب الله عليها، كما أنها في حاجة إلى شباب يتعلموا كل ما تحتاجه الأمة في جميع شئونها الدفاعية، وشئونها التي تحتاج إليها في حياتها.

فينبغي للشاب أن يكون ذا عناية وذا حفظ للوقت، يشغله بما ينفع في العلم النافع والعمل الصالح، وفي العلوم الدنيوية النافعة التي يُستعان بها على الإعداد للأعداء، وعلى حفظ البلاد، وعلى نصر دين الله، والجهاد في سبيله، وعلى الغنى عما عند أعداء الله، حتى لا نحتاج إليهم.

ومعلوم أن الشباب قوته على العمل، وصبره على العمل، وقوة حفظه وفهمه أكثر بكثير مما إذا ارتفعت السن، وخطه الشيب، وجاءه الضعف، فإن الحال غير الحال، فينبغي له أن يحفظ هذا الوقت العظيم، وهذه الفرصة العظيمة حتى لا تصرف إلا فيما ينفع في الدين والدنيا، وفيما ينفعه لنفسه، وفيما ينفع الأمة الإسلامية، حتى ينفعها في دينها ودنياها، وحتى يساعد في بناء نهضتها الإسلامية النافعة المفيدة، وحتى يساعدها أيضاً في حمايتها من كيد أعدائها، وفي إعداد القوة النافعة المفيدة التي تعينها في جهاد الأعداء، وفي حماية البلاد وحفظها عن مكائد أعداء الله.

الشباب.. والعناية بالقرآن

من أهم الأمور وأعظمها: العناية بالقرآن، فإن القرآن الكريم هو رأس كل خير، وهو ينبوع السعادة، فينبغي للشباب أن يُعنى بكتاب الله، وأن يكون له نصيب من تلاوته، وتدبر معانيه، وحفظه، حتى يستنبط منه ما أراد الله من العباد من أحكام وشرائع، من أوامر ونواهٍ، وأخبار وقصص، حتى يكون على بينة فيما مضى وفيما يأتي، وعلى بينة في أحكام الله وشرائعه.

الشباب.. والاهتمام بالسنة

بعد ذلك: السنة المطهرة، ينبغي للشباب أن يُعنى بها حفظاً ودراسة، وتفقهاً ومذاكرةً فيما بينهم، وسؤالاً للمدرسين والعلماء عما أشكل، فيكون وقته محفوظاً بين دراسة وحفظ، وبين مذاكرة، وبين سؤال من المدرسين والعلماء والموجهين عن كل ما يشكل من ذلك.

ولا يتأتى هذا إلا بعد العناية والدراسة والتدبر في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا العلوم الأخرى التي يتعلمها لمصلحة الأمة، وحماية دينها ودنياها، وحماية الأوطان عن مكائد الأعداء.

فهو لا يزال في علم نافع، وفي فوائد يستفيدها إما في دينه وإما في دنياه، مع حفظ الأوقات الأخرى في المذاكرة والسؤال والمطالعة فيما يحتاج إليه، وبقية الوقت يكون محفوظاً أيضاً في حاجته الخاصة.. في نومه، وتناول طعامه وشرابه، وفي صلته بأهله، وغير هذا من شئونه.

الشباب.. وحفظ الأوقات

لا ينبغي للعاقل أبداً أن يضيع الوقت في غير منفعة، إما في دين وإما في دنيا.

ولهذا شرع الله لنا أن نحفظ أوقاتنا، وأن نصونها عما لا ينفع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي هو الذي يعتني بالأمور كلها، فيعتني بالعلم النافع، والتفقه في الدين، ويعتني بالعلوم الأخرى التي تنفع الأمة في دنياها ودينها، وتغنيها عن الحاجة إلى أعدائها.

وهو أيضاً قوي في تنفيذ الأوامر والنواهي، قوي في طلب العلم، قوي في التفقه في الدين، قوي في أمر الله والدعوة إلى سبيله، قوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوي في جهاد الأعداء، قوي في وعيه وتفكيره، قوي في كل شأن من شئونه، هكذا المؤمن القوي، هكذا المتبصر الموفَّق، العالي الهمة، هذا شأنه أبداً، إما في علم وعمل، وإما في دعوة إلى الله، وإما في مذاكرة، وإما في أمور أخرى تنفع الأمة في دينها ودنياها، فهو قوي في قلبه، قوي في عمله، قوي في علمه، قوي في تفكيره، قوي في دعوته، قوي في أمره بالمعروف، قوي في نهيه عن المنكر، قوي في صبره على الجهاد، قوي على مصابرة الأعداء، قوي في تعلمه كل ما ينفع في أمر الدين والدنيا.

ولهذا كان أحب إلى الله وخيراً عند الله من المؤمن الضعيف الذي ليس عنده همة عالية، وعناية تامة بالأمور الأخرى التي يتعدى نفعها إلى الأمة.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذه كلمة جامعة من جوامع الكلم التي أوتيها النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الله جمع له العلوم الكثيرة والمعاني العظيمة في كلمات قليلة، يقال لها: جوامع الكلم، وهذه منها: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) لما بين أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، بيَّن ما ينبغي للمؤمن، وما يُشرع له أن يسير عليه، فقال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذا هو المطلوب من المؤمن، أن يحرص على ما ينفعه عاجلاً وآجلاً، في أمر دينه ودنياه، وأن يستعين بالله في ذلك، فلا يضعف ولا يكسل، ولا ينسى عون ربه فيعتمد على نفسه فقط، بل يعتمد على نفسه بعد الاستعانة بالله، وبعد اللَّجَأ إلى الله، وتعليق القلب به، والاستعانة به في كل شيء، فهو سبحانه المعين والموفق.

والعبد ضعيف بدون ربه، فعليه أن يستعين بالله، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:4] فأخبر أنه المعبود، وأنه المستعان.

فأنت عليك أن تعبده بطاعتك له سبحانه، وباللجوء إليه والاستعانة به سبحانه وتعالى، وعليك مع ذلك أن تحرص على ما ينفعك، مجتهداً في الأسباب، حريصاً على تعاطيها؛ لكن مع الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، واللجوء إليه، وإيمانك بأنه هو المعين وهو الموفق، وأنه لا عون لك إلا هو سبحانه وتعالى.

الشباب والجمع بين التوكل وتعاطي الأسباب النافعة

وهكذا ينبغي للمؤمن.. أن يكون جامعاً بين الأمرين، آخذاً بالأسباب، متعاطياً الأسباب النافعة في أمر الدين والدنيا، مستعيناً بالله على ذلك.

هكذا شأن المؤمن، وهكذا شأن المتوكلين، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].

فالمتوكلون يجمعون بين الأمرين؛ بين الحرص على الأسباب النافعة، والعوامل المفيدة في أمر الدين والدنيا، ومع ذلك يعتمدون على الله، ويتوكلون عليه، ويستعينون به سبحانه وتعالى، مقرين ومعترفين بأنه لا غنى لهم عنه سبحانه وتعالى، وأنهم به جلَّ وعَلا، ليس لهم غنىً عنه طرفة عين، هكذا ينبغي للمؤمن في جميع أحواله.

فإذا فات المحبوب أو حصل المكروه فلا يعجز، ولا يلجأ إلى التحسُّر وإلى إرضاء الشيطان، فيقول: لو فعلتُ كذا لكان كذا، لو فعلتُ لكان كذا، لا. بل يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون، هكذا يقول المصاب الذي فاته المحبوب، أو حصل عليه المكروه، بعدما جدَّ واجتهد، وبعدما ثابر وعمل، وأخذ بالأسباب، فعند هذا يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، قد فعل ما ينبغي، قد أخذ بالأسباب، وجدَّ واجتهد؛ ولكن قد سبق في علم الله وقدره أن هذا لا يحصل له، فهو جاد مجتهد في أسباب الخير والتوقي للشر، جاد مجتهد في طلب المعالي ومكارم الأخلاق، جاد مجتهد في الحذر من سفاسف الأمور، وسيئ الأخلاق، ولكن قد يفوته بعض مطلوبه، وقد يحصل له بعض المكروه، فعند ذلك لا يجزع ولا يتحسر ولا يضعف عن العمل، بل يستمر في العمل، ويصبر ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قَدَرُ الله وما شاء فعل، فهو وإن أخفق في بعض المسائل، ولم يحصل له المطلوب؛ لكنه في الغالب يفوز بالمطلوب، وهذه سنة الله في عباده. من جدَّ واجتهد وأخذ بالأسباب وصابر فإنه في الغالب يفوز بالمطلوب، ويسلم من المكروه، سنة الله في عباده، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].

وإن أهم الأمور أيها الأبناء الكرام الحفاظ على دين الله، والاستقامة عليه، كما قال جلَّ وعَلا في الفتية: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

فالشباب إذا وفقهم الله في الحفاظ على دينه، والاستقامة عليه، والتفقه فيه، والدعوة إليه، والصبر والمصابرة، فإن الله جلَّ وعَلا يعينه فيما بقي من عمره، ويحفظ عليه بقية عمره، ويعينه على أداء الواجب وتبليغ الرسالة أينما كان، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].

فمن اتقى الله، وجدَّ في الأعمال وصابر، فإن الله يعينه, ويفتح له أبواب الخير، ويسهل له الأسباب النافعة، ويمنحه الصبر على ذلك، ويثيبه الثواب الجزيل على صبره وإخلاصه وصدقه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

فعلينا أيها الأبناء الكرام! أن نأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأباحها، وأن نجاهد في ذلك، ونصابر، وأن نحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ، وعلينا مع ذلك أن نتوقَّى ونحذر مَحارمه، ونؤدي ما أوجب علينا بإخلاص وصدق، نرجو ثوابه، ونخشى عقابه.

الشباب.. والمصابرة في طلب المعالي

هكذا المؤمن يؤدي ما عليه، ويصبر على ما شرع الله له، ويحافظ عليه، ومع ذلك هو أيضاً يطلب المعالي، ويسير في ركاب الخير، ولا يلين، ولا يضعف، ولا يجزع، ولا يسخط، ولا ييئس، بل هو صابر مجاهد مسارع إلى كل خير، واقف عن كل شر، يرجو الخير ويطلب ويأخذ بأسبابه، ويتوقى الشر ويبتعد عن أسبابه, عالماً أن ربه جلَّ وعَلا على كل شيء قدير، وأنه مسبب الأسباب، وأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى، وأنه شرع لنا أن نأخذ بالأسباب، وأن نأتي الأمور من أبوابها، ووعدنا التأييد والتوفيق والنصر: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5].

فوعده بأن يعطيه مطلوبه، ويسهل له مرغوبه، ومع ذلك يُعْظِم له الأجور، ويغفر له الذنوب سبحانه وتعالى، فهذه من نعمه وفضله سبحانه وتعالى على من طلب فضله, وجد في طلب مرضاته، وسارع إلى ما أمر به، وتباعد عما نُهي عنه عن فقه وبصيرة، وعن نظر فيما يجب عليه، وعن ابتعاد عما حرم الله عليه.

وقال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197].

فالمؤمن سواء كان شاباً أو شيخاً فإنه يتقي الله، ويتزود مما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويتباعد عن مساخط الله، ومع ذلك هو أيضاً جاد في الأسباب الأخرى النافعة في دينه ودنياه، التي تنفع الأمة، وتحفظ كيانها، وتغنيها عن شر أعدائها والحاجة إلى أعدائها، فلا يقف عند حد، بل هو دائم التشمير في طلب المعالي، كلما فرغ من شيء تشوف إلى ما هو أعلى منه وإلى ما هو فوقه من أعمال وعلوم ومنافع ينفع بها الأمة، وينفع بها نفسه.

والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:70-71] فالمؤمن متى اتقى الله، وحفظ لسانه، أصلح الله أعماله، وغفر له ذنوبه.

فأنت يا عبد الله متى اتقيت ربك، وجاهدت نفسك، وصابرت في طلب المعالي، وطلب ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويباعد من سخطه، أصلح الله لك الأعمال، ويسر لك الأمور، وبلغك الآمال، وغفر لك الذنوب؛ فضلاً منه وإحساناً.

فإياك والغفلة، وإياك والكسل، وإياك والعجز، وإياك وسوء الظن بالله، كل هذه الأمور يجب أن تتضح، وأن تكون عالي الهمة، قوي الأمل، حسن الظن بالله عزَّ وجلَّ، صالح الأعمال، صادق الرغبة، نشيطاً في كل خير، بعيداً عن كل شر، وبهذا تكتسب المعالي، وتوفَّق لأحسن الأعمال، وأفضل الأعمال، وتُعان على كل خير، وتوقي كل شر.

وأسأل الله عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والنصح في العمل، وأن يعيننا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه فلاح الأمة ونجاتها.

كما أسأله سبحانه أن يصلح حال المسلمين جميعاً، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفقهم لما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم.

وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الأسئلة

كيفية العلاج من اللواط والعادة السرية

السؤال: إنني يا فضيلة الشيخ إنسان مؤمن بالله والحمد لله على ذلك؛ فالصلاة أقوم بها، والصوم كذلك، والعمرة، فقد اعتمرتُ حتى الآن ثلاث عشرة مرة، وعمري تسع عشرة سنة، ومنذ نحو ست سنوات مضت كنت أقوم بشيء لا يرضي الله ولا رسوله، وهو والعياذ بالله اللواط والعادة السرية، ففي عامنا الفائت وفي إجازة الربيع (1404هـ) ذهبنا إلى مكة لأخذ عمرة، فصممتُ التوبة إلى الله من هاتين العادتين السيئتين، فتبتُ، ولله الحمد على ذلك، فلما أتى رمضان في نفس العام، أخذتُ عمرةً أيضاً ومشكلتي حينما انتهى رمضان عدتُ للعادة السرية فقط ولم أرجع للواط، وحينما دخل عامنا (1405هـ) وبدأت اختبارات نصف السنة التي قد مضت منذ ما يقرب الشهرين عُدت والعياذ بالله إلى عادة اللوط، وتركتُها، وأود من فضيلتكم الإفتاء في ذلك، وإفادتي أفادكم الله، حتى أتوب إلى الله توبة نصوحاً، وكيف الطريق إلى ذلك؟

الجواب: الله جلَّ وعَلا حرَّم علينا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأوجب علينا التوبة النصوح من جميع الذنوب، فقال سبحانه وتعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] وقال سبحانه: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74] هذه الآيات وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب التوبة، وأنه سبحانه وتعالى قد فتح أبوابها ويسرها لعباده، فعليك أيها السائل أن تتقي الله، وأن تجزم بالتوبة وتصدق بالتوبة، وأن تبتعد عن نقضها، وأن تحذر مكائد الشيطان، فإن الشيطان عدو مبين، وله نواب من الإنس يدعون إلى الفواحش والمنكرات ويحببونها، ويحببون نقض التوبة، ويقولون: إن الله غفور رحيم، إن الله تواب حكيم، إن الله كذا، إن الله كذا، حتى يوقعوك فيما حرم الله، وقد ينزل بك الأجل وأنت على معاصي الله سبحانه وتعالى، فيحال بينك وبين التوبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالواجب عليك أن تجزم على التوبة، وتصدق في التوبة من اللواط ومن العادة السرية، هذان محرمان، واللواط أعظم وأشنع؛ لأن اللواط من كبائر الذنوب، ومن أعظم الجرائم، وقد جاء في الحديث: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط)، وقال الله في كتابه العظيم عن اللوطية: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:28] فأخبر أن اللوطية ما سبقهم أحد، قوم لوط، لم يسبقهم أحد بهذه الفاحشة ممن قبلهم، نسأل الله العافية، وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وقد أجمع علماء الصحابة رضي الله عنهم على أن اللائط والملوط به يُقتلان إذا كانا مكلَّفَين؛ لأنها جريمة أشنع من جريمة الزنا، والعياذ بالله.

فيجب الحذر والتوبة الصادقة، والبُعد عن أسباب ذلك، وعن مخالطة من يدعو إلى ذلك، أو يجر إلى ذلك، أو تتوق النفس إلى فعل ذلك معه، يجب الحذر من أولئك، فإن صحبة الأشرار من أعظم أسباب الشر، ومن أعظم دواعي الشر، فيجب البُعد عن صحبة الأشرار، ويجب الحرص على صحبة الأخيار، مع سؤال الله الثبات والتوفيق للاستقامة على التوبة، وعدم نقضها.

وهذا العادة السرية عادة قبيحة ومنكَرة، قال الله فيها وما في معنـاها: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7] أي: ظالمون، والعادة السرية غير الزوجة وغير ملك اليمين، فتكون من العدوان والظلم، وفيها مضار كثيرة كما بين أهل العلم، وبيَّن أهل الطب.

فيجب عليك الحذر منها؛ لأنها عادة سيئة منكَرة، فإياك وإياها، واحذرها، واحذر من يشير بها، أو يدعو إليها.

نسأل الله لنا ولك الهداية، والثبات على الحق، والصدق في التوبة.

حكم من احتلم ولم يصلِّ حتى وجد الماء

السؤال: ذهبنا مع بعض الأصدقاء إلى رحلة خارج الرياض ، وبالضبط في الثمامة ، فخرجنا يوم الأربعاء في الليل، فحينما جاء وقت النوم نمنا، فلما أصبحنا على يوم الخميس وجدتُ نفسي قد احتلمتُ، وكان عددنا أربعة، ولا يوجد معنا غير جالون ماء للشرب والأكل، فأخبرتُ أحد الأصدقاء بما حدث لي، فقال لي: تعفَّر وصلِّ معنا الفجر، يجوز لك ذلك، فعملتُ ما أمرني به، ولما جاء وقت صلاة الظهر شككتُ في الأمر، ولم أصلِّ معهم جميع الأوقات من فجر يوم الخميس إلى عشاء ليلة السبت في نهار الجمعة، فلما ذهبنا إلى الرياض صليتها بعد أن اغتسلتُ، وبدون أن أقصر في جميع الأوقات فيما فاتني، فماذا عليَّ في ذلك؟

الجواب: الواجب عليك إذا وقع مثل هذا أن تنظر، إن وجدتَ ماءً قريباً منك تستطيع الغسل به فعلتَ ووجب عليك ذلك، فإن لم تجد تيممت كما قال لك صاحبك، تعفَّرت بالتراب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجُعِلَت الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فعنده مسجده وطهوره) ويقول صلى الله عليه وسلم: (وجُعِلَ التراب لي طهوراً إذا لم أجد الماء)، فمن لم يجد الماء فالصعيد وضوءه.

فعليك إذا فقدتَ الماء في أي مكان أن تتيمم، وتضرب التراب بيديك، وتمسح به وجهك وكفيك كما أمر الله سبحانه وتعالى وتصلي، وليس عليك إعادة، وإذا كنتَ في محل فيه ماء وجب عليك الغسل، وإذا كان الوقت بارداً سخَّنته بالنار، وإذا لم تجد ناراً وخشيت على نفسك شدة البرد تيممتَ وصليت وأجزأك، والحمد لله.

وأما تركك للصلاة معهم المدة الطويلة يوم الخميس والجمعة، فهذا غلط وخطأ منك، فعليك بالتوبة إلى الله من ذلك، والندم على ما مضى منك، وعدم العودة إلى مثل ذلك، وقد أحسنتَ في قضاء الصلاة لَمَّا تمكنت من الماء؛ ولكنك أخطأت في تركها، وفي التأخير.

فالواجب التوبة من ذلك، وألا تؤخرها عن وقتها، إن وجدتَ ماءً فاغتسل، وإلا فتيمم وصلِّ ولا تؤخرها عن وقتها أبداً.

حكم استخدام علاج يضعف الشهوة الجنسية

السؤال: ما رأي فضيلتكم في علاج يميت اللذة الجنسية، فقد سمعتُ بعلاج يُدعى الكافور، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله وجزاكم خيراً.

الجواب: شدة الشهوة وقوتها وخطرها قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فينبغي لك أن تصوم ما تيسر، وتستعين بالله، ثم بالصوم، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إذا استطعتَ ذلك، فإن لم تستطع فاتصل بالمختصين من الأطباء الذين لهم عناية بهذا الشيء؛ حتى يرشدوك إلى ما يعينك على حفظ نفسك، وعلى كف شهوتك عما حرم الله، هناك أدوية تضعف الشهوة، ولا تقطع الشهوة؛ لكن تضعفها إلى أن تأتي الأسباب التي تعين على قضائها في الحلال، فعليك بسؤال المختصين الذين لهم عناية بهذا الأمر، حتى يرشدوك إلى أسباب تعينك على كبح شهوتك، والحذر من طغيانها؛ بالأدوية النافعة التي لا تقطعها ولا تضرك؛ لكن تضعفها في وقت خاص وفي وقت معين؛ حتى يتيسر لك الزواج، وقضاء الوطر فيما أباحه الله سبحانه وتعالى، والصوم إذا أمكن فهو من أحسن وأفضل الدواء الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام.

وهنا نقطة ينبغي أن تُعْلَم وهي: الزواج الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، كثير من الشباب يتقاعس عن الزواج، ويعرض عن الزواج، وربما شجعه بعض زملائه على ذلك، تارة بالصبر حتى تنتهي الدراسة، وتارة حتى يجد وظيفة تقوم بحاله، وتارة كذا، وتارة كذا، وهذا خطأ.

والواجب البدار بالزواج إذا تيسر ذلك ولو من طريق أبيك، أو من طريق أخيك الكبير، أو من طريق أمك، أو من أي طريق تصل بها إلى الزواج، بادر بالزواج، ولا تنتظر انتهاء الدراسة، ولا تنتظر الوظيفة، ولا تنتظر وجود بيت سكني تملكه، ولا غير هذه الأعذار، بادر للزواج، والمتزوج يعينه الله، والله يقول سبحانه وتعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] فجعل النكاح من أسباب الغنى.

فعليك بالزواج والبدار إليه, ولا تؤجل إلى انتهاء الدراسة، أو إلى كذا، أو إلى كذا؛ بل إذا تيسر ذلك ولو من طريق والدك، أو من طريق أخيك، أو من طريق أمك، أو بأي طريق يحصل لك به ذلك، فلا تتأخر وبادر وسارع؛ لأن في هذا مصالح كثيرة منها:

1- غض بصرك.

2- إحصان فرجك.

3- تكثير النسل، وتكثير الأمة.

4- أن الله جلَّ وعَلا سيغنيك بذلك، ويعينك بذلك على مصالح كثيرة.

ولا يخفى أيضاً أن الزواج فيه هدوء وسكن للنفس، وطمأنينة، فالله جعل المرأة سكناً للزوج: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فالأزواج جعلهن الله سكناً للزوج، وراحة له، وطمأنينة له، فإذا تزوج فقد استعان بشيء جعله الله له عوناً على الطمأنينة، والراحة، وسكن النفس، وراحة البال، فلا تؤخر هذا الشيء الذي جعله الله لك سكناً وعوناً على الخير، وسبباً لحمايتك مما حرم الله عزَّ وجلَّ.

حكم الصلاة في مسجد بجواره قبر

السؤال: يوجد لدينا مسجد تقام الصلاة فيه جماعة وجمعة؛ ولكن يوجد قبور حول المسجد في مقدمته ومؤخرته، والفرق بين المسجد والقبور نحو ستة أمتار فقط، علماً أن المسجد بُني قبل وضع القبور، فهل تصح الصلاة في هذا المسجد؟

الجواب: نعم، تصح الصلاة فيه، ولو كان حوله قبور، إذا كان المسجد قائماً، ووُضعت حوله القبور عن يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه هذا لا يضر، وقد كان الناس فيما مضى يدفنون حول البلاد من الخوف والفتن والحروب، كانوا يدفنون حول مساجدهم، يخرج المسجد ويدفن حول المسجد.

أما الآن فقد وسع الله ويسَّر، فينبغي إبعادها عن المساجد؛ حتى لو دعت الحاجة إلى توسيع المسجد وُسِّع المسجد، وحتى لا يظن جاهل أن للدفن جوار المساجد سراً أو قصداً.

فينبغي أن تكون المقابر بعيدة عن المساجد حتى لا يظن ظان خلاف الحق، أو حتى لا تدعو الحاجة إلى التوسعة، فيكون وجود القبور مانعاً من ذلك، أو داعياً إلى نبشها ونقلها مرة أخرى.

المقصود أن القبور التي حول المساجد لا تمنع من الصلاة في المساجد، إنما المحرم أن تُبنى المساجد على القبور، وأن تتخذ القبور مساجد، هذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).

فلا يجوز أن يُبنى على القبور مساجد، ولا يُصلى حولها، ولا بينها، ولا يدفن الميت في المسجد، كل هذا لا يجوز، يجب أن تُدفن الموتى بعيداً عن المساجد، وألا تقام المساجد على القبور، هكذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ ولكن متى وجد قبور جوار المسجد لم تمنع من الصلاة فيه.

دفع شبهة حول الاحتجاج بالقدر

السؤال: يلبس الشيطان وقرناء السوء على بعض الشباب في مسألة القدر، وأنه لا فائدة من التمسك بالدين ما دام الأمر قد فُرغ منه، نرجو التوجيه من سماحتكم، جزاكم الله خير الجزاء؟

الجواب: هذه الشبهة قد وقعت قديماً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقعت للصحابة رضي الله عنهم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حدثهم وقال: (ما منكم من أحد إلا وقد عُلِمَ مقعده من الجنة، ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله! ففيمَ العمل حينئذ؟! قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فيُيَسَّروا لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيَسَّروا لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]).

فهذا يبين لنا أن القدر مفروغ منه، وأن الله قد علم كل شيء، وأحصى كل شيء سبحانه وتعالى؛ ولكنه جعل لهذا أسباباً ولهذا أسباباً، فللخير أسباب، وللشر أسباب، وللجنة أعمال، وللنار أعمال، فمن كان من أهل السعادة، وفقه الله لأعمال أهل السعادة وأعانه، ومن كان من أهل الشقاوة يُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فعلى المؤمن أن يجدَّ في العمل الذي يعلم أنه طيب، وأنه من أعمال أهل السعادة، على المؤمن أن يجِدَّ فيه، وأن يسارع إليه، وأن يكثر منه، وأن يحذر من الأعمال التي جعلها الله من أعمال أهل الشقاوة، ويبتعد عنها، وينفر الناس منها.

حكم الركوع قبل الوصول إلى الصف

السؤال: في حالة الصلاة في المسجد والجماعة راكعون، هل يصح أن أركع وأنا بعيد عن الجماعة، وليس بجانبي أحد، وبعد أن أعتدل أتقدم حتى أصل إلى الصف مع الجماعة؟

الجواب: هذا وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم، وهو أبو بكرة الثقفي رضي الله عنه، فإنه جاء ذات يومٍ والنبي عليه الصلاة والسلام راكع، فركع دون الصف، ثم مشى ودخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن ذلك، كأنه أحس بذلك، وكان من خصائصه أنه يرى مَن خلفه عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ) نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف، فدل ذلك على أن الواجب الصبر، حتى يصل إلى الصف، وليس لك أن تركع وحدك، فاصبر حتى تصل إلى الصف، وتسد الفرجة، أو إلى طرف الصف وتصف مع الناس، وليس لك أن تصلي وحدك، ولا أن تركع وحدك، بل تصبر حتى يوجد معك أحد، أو تلتمس فرجة من الصف، أو في طرف الصف، فتدخل في ذلك.

حكم الملاكمة

السؤال: ما حكم الملاكمة في الإسلام؟

الجواب: الملاكمة فيها خطر عظيم، والذي يظهر لي أنها محرمة، وأنها ممنوعة، وأنها سبب لشر كبير، فلا تنبغي أبداً؛ لأنها تفضي إلى خطر عظيم.

والذي يظهر من قواعد الشرع منعُها، وقد قال الله جلَّ وعَلا: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) والضرر متحقق فيها، قد يضربه ضربة تقضي على حياته، أو تكسر عضواً من أعضائه.

الحاصل أن الملاكمة التي سمعنا عنها وبَلَغَنا عنها لا خير فيها والذي يظهر من قواعد الشرع منعها وتحريمها؛ لأنها تفضي إلى شر كثير بلا جدوى وبلا فائدة تذكر، فليست ذات أهمية، وإنما المشروع المسابقة بالرماية، والمسابقة على الخيل، هذا هو الذي ينفع الناس، التدرب على الرماية وأنواع السلاح، والتدرب على ركوب الخيل، وركوب الإبل، وقد يأتي يوم نحتاج إليها فيه.

والظاهر أن الأمر في آخر الزمان يعود إلى الإبل والخيل، وتنتهي هذه المخترعات الجديدة.

المقصود أن الشيء الذي يضر ولا ينفع، وتكون منفعته قليلة، قاعدة الشرع منعه وتحريمه.

مشروعية الضم بعد القيام من الركوع

السؤال: أين يضع المصلون أيديهم بعد الركوع؟

الجواب: السنة أن توضع الأيدي على الصدر، قبل الركوع وبعده، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فيما روى مسلم في صحيحه عن وائل قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على كفه اليُسرى). وقال سهل بن سعد رضي الله عنه: (كان الرجل يؤمر أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة).

وفي مسند أحمد وغيره عن أحد الصحابة (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على صدره في الصلاة).

وقال وائل : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يديه على صدره في الصلاة).

هذا هو السنة أن يضعهما على صدره وهو قائم في الصلاة، قبل الركوع وبعده، لا فرق في ذلك؛ لأن وائلاً قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة، وضع يمينه على شماله على صدره في الصلاة).

القول المختار في دوران الشمس حول الأرض

السؤال: لسماحة الشيخ/ عبد العزيز جزاه الله خيراً قول في دوران الأرض وجريان الشمس، وعدم إنارة القمر، فنأمل التوضيح؟

الجواب: الأدلة التي لنا هي رد على من قال بدوران الأرض وحركاتها، ورسوخ الشمس وثبوتها، هذا كتبنا فيه ردوداً وجُمعت، وطُبعت، وتوزَّع وعنوانها: "الأدلة النقلية والحسية على سكون الأرض، وعلى جريان الشمس وعلى إمكان الصعود إلى الكواكب " هذا الذي نقلناه من كلام أهل العلم، أن الأرض ثابتة وساكنة، وأن الشمس والقمر دائران وسائران.

وأما عدم إنارة القمر فهذا لا أصل له، وما قلتُ هذا، القمر جعله الله نوراً بنص القرآن، هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يونس:5] فالقمر له نور، والشمس لها نور وضياء، هذا بنص القرآن وبالمشاهَدة، ومن نقل عني أني أقول بعدم إنارة القمر فهذا قول فاسد لا أصل له ولا أقول به، وكتابي موجود يوزع من المكتبة ومن المستودع، ومن أراده وجده، والأدلة التي ذكرناها عن أهل العلم واضحة في أن الشمس والقمر دائران، كما نص الرب على ذلك، قال تعالى: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً [الرعد:2].

وأما الأرض فهي ساكنة، وقد نقل القرطبي رحمه الله في تفسيره إجماع العلماء قال: وأهل الكتاب أيضاً على أن الأرض ساكنة وثابتة.

وقال عبد القاهر البغدادي في كتابه: الفَرْق بين الفِرَق قال: أجمع أهل السنة على أنها ساكنة وثابتة، هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة .

أما ما يقوله الناس اليوم وينسبونه إلى الرياضيين أو الفلكيين من دوران الأرض فهذا قول لا أصل له، ولا دليل عليه، وإنما هي خرافة وظنون ليس لها دليل من الواقع ولا من الحس، ولا دليل من نقل، وإن زعموا وجود ذلك، فالأرض ثابتة ومستقرة في الهواء بإذن الله عزَّ وجلَّ، والشمس والقمر والكواكب دائرات من حولها في جوها وفي فلكها.

حكم الفوائد الربوية وبيان مصرفها إذا أخذت

السؤال: لي أب يعمل في شركة (أرامكو) منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، ومنذ بدايته وهو يضع نقوده في بنك الضمان الاجتماعي في الشركة، والآن انتهى من العمل، وسوف يعطونه أمواله وزيادة، أو مضاعفة، فماذا يعمل في هذه النقود؟ وهل هي ربا؟ وماذا أفعل لو أخذها، أفدنا أطال الله بقاءك؟

الجواب: هذا صدر فيه فتوى من اللجنة الدائمة، أن النقود التي توضع في الشركات التي تشترط من العامل إذا دفع نقوداً من راتبه كل شهر أنه بعد خمس سنوات يعطي كذا، وبعد عشر سنوات يعطي كذا، (60%) أو (50%) أو (100%) فإن هذه الزيادة ربا؛ لأنها تنتفع بأمواله وتنميها وترابي فيها، وتعطيهم ذلك، وهذا شيء اطلعنا عليه في بعض بنود الشركات، وأنها بعد مرور خمس سنوات تعطيك (50%) مثلاً أو أقل أو أكثر، وإذا مضى عليه عشر سنوات أعطته (100%) في مقابل ما دفعه من أقساط، وهذا ربا.

والذي يظهر لنا أن الواجب عليه الصدقة بها، أو صرفها في مشاريع خيرية؛ ولا يأكلها لأنها ربا، فيأخذ ماله الذي جمع، وحصل له من الأقساط التي قدمها لهم.

وأما الربا الذي أعطوه زيادة فهذه تصرف في وجوه البر وأعمال الخير، وبناء الطرق والمدارس، ودورات المياه، ومواساة الفقراء وقضاء دين المدينين، وإعطاء المجاهدين والمبتلين بالفقر في أي مكان.

هذا هو الذي يجب؛ لأنه مال جاءه من غير حله، فلا يُحرق ولا يُتلف؛ ولكن يُصرف في مصارف الأموال الضائعة والأموال التي ليس لها أحد.

حرمة الآلات الموسيقية

السؤال: هنا في بيوت الشباب يتدرب بعض الشباب على الآلات الموسيقية، فهل لسماحتكم توجيه في هذا؟ وكذلك يسبح بعض الشباب بسراويل قصيرة لا تستر العورة، فلعل فضيلتكم يوجه هؤلاء؟!

الجواب: أما الموسيقى فالذي نعرفه بنص الشرع أنها من آلات الملاهي، وأنه لا يجوز استعمالها، ولا يجوز تعلمها وإن وجدت في الإذاعة أو في التلفاز، فليس وجودها حجة على إباحتها، فقد يوجد في الدول، وترى الدول أشياء ليس في الشرع ما يدل على حلها، قد تفعلها لتأويل، أو لأسباب دعت إلى ذلك، وليس في ذلك حجة على حلها، فجميع آلات الملاهي من العود والكمان والموسيقى وغيرها مما لا نعرف من آلات الملاهي والأغاني كلها محرمة وإن فعلها الناس، والله سبحانه يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6] ولهو الحديث: قال أكثر أهل العلم: إن المراد به الغناء، كالذي يمدح بالباطل، ويذم بالباطل، أو يحبب الجنس والدعوة إلى الفاحشة، وذكر النساء، ومحاسن النساء، والتشبيب بالنساء، وما أشبه ذلك، وهكذا ما يشترك في ذلك، وما ينافس ذلك من آلات الملاهي، والأصوات المنكرة من الموسيقى أو العود أو الكمان أو أي صوت من أصوات المنكر كأصوات الملاهي.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)رواه البخاري في الصحيح .

والحرَ هو: الزنا.

والحرير: في حق الرجال محرم.

والخمر: معروف وهو كل مسكر.

والمعازف: آلات الملاهي والغناء.

حكم من أخذ قوتاً للحاجة بغير إذن أهله

السؤال: فضيلة الشيخ/ عبد العزيز .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

إنني أحبك حباً شديداً، حباً في الله لما قدمته لنا من الخير والفضل الذي تقدمه دائماً إلينا في كل وقت.

وبعد:

كانت عائلتي صغيرة، وكنا نقطن في قرية صغيرة، وكان قد أصابنا جوع وقحط، وكانت أمي تأخذ من عند أهلها حباً بدون علمهم ولا دراية منهم، فتطحنه وتقدمه لنا غذاءً، نريد من فضيلة الشيخ أن يفيدنا فيما يجب على الوالدة أن تفعله، وما هي الكفارة إذا كان علينا شيء؟ أفيدونا أثابكم الله!

الجواب: أما حبك لأخيك في الله، فأقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتحابين بجلاله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله.. وذَكَر المتحابين في الله).

وأما ما يتعلق بما فعلته أمك في حال الجوع والحاجة مما تأخذ من بيت أهلها فلا حرج عليها في ذلك؛ لأن الواجب على أهلها من أبيها وأمها أن يطعموها وأن يطعموا أولادها إذا كان ليس لهم من يعينهم، ولا من ينفق عليهم، فالواجب عليهم أن ينفقوا ويحسنوا إليهم، والمسلمون شيء واحد، يجب عليهم أن يرحموا فقيرهم ويواسوه، ويحسنوا إليه، ويقوموا بحاجته، فالمسلم أخو المسلم.

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه -أي: لا يخذله، ويتركه لمن يظلمه- ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).

وقالت هند بنت عتبة : (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ إلا ما أخذتُ من ماله بغير علم، فهل علي في هذا من جناح؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) أي: بغير علم.

فما أخذته أمك من أهلها من بيت أبيها وأمها مما يسبب إنقاذها وإنقاذ أولادها فلا حرج فيه، ولا شيء عليها فيه ما دامت محتاجة، وليس هناك من يقوم بها غيرهم.

أسباب عدم الخشوع في الصلاة وعلاج ذلك

السؤال: سماحة الشيخ، جزاك الله كل خير.

هناك البعض يشتكون من عدم الخشوع في الصلاة، فما هو العمل الذي يجعل المرء يخشع في صلاته؟ وهل البكاء في الصلاة من ضمن ذكر الله في الخلاء؟

الجواب: الواجب على المؤمن أن يطمئن في صلاته، وألا ينقرها، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

قال عبد الله بن أبي عامر ، دخلت على النبي صلى الله عليـه وسـلم وهو يصلي قال: (رأيته يصلي، وله أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء).

وكان الصدِّيق رضي الله عنه إذا صلى بالناس لا يُسمعهم من بكائه رضي الله عنه.

والمقصود أن البكاء من خشية الله أمر مطلوب في الصلاة وغيرها، ولا يضر الصلاة، وإذا أحس المؤمن من نفسه عدم خشوع فلينظر، فإن هذا نتج عن إعراض وغفلة حين الصلاة، فإذا ذهب للصلاة فليقبل عليها بقلبه، وليعلم أنه بين يدي الله، وأنه واقف بين يديه سبحانه وتعالى يرجو رحمته ويخشى عذابه، وليتفكر، وليتدبر كتاب الله، ولينظر فيمن هو واقف بين يديه، وهو الله سبحانه وتعالى، حتى يخشع في ركوعه وسجوده وقراءته وغير ذلك، وليحذر الغفلة والهواجس التي تعرض له في بيته وفي شئونه وشئون أولاده، وشئون دكانه، وشئون مزرعته، وليُقبل على صلاته، وليقطع هذه الوساوس وليبتعد عنها، وليجتهد غاية الاجتهاد في الإقبال على صلاته واستحضار عظمة الله عزَّ وجلَّ، وأنه قائم بين يديه، وأن هذه الصلاة عبادة عظيمة مفروضة عليه، حتى يقبل فيها بقلبه، وحتى يخشع فيها لربه، فهذه من الأسباب التي تباعده عن الأفكار الفاسدة، وعن الغفلة في صلاته والله المستعان.

حكم استخدام السراويل القصيرة أثناء السباحة

السؤال: أحد الإخوان العاملين في بيت الشباب هنا، جاء مستدركاً ليوضح لسماحتكم أن السراويل التي يستعملها الشباب في السباحة طويلة، وأن الموسيقى لا توجد في البيت، كما يقول!

الجواب: على كل حال، معرفة الحكم طيب، فالموسيقى وغيرها من آلات الملاهي منكَرة ولا تجوز وإن فعلها الناس، والسراويل القصيرة لا تجوز، السراويل القصيرة التي يبدو منها بعض الفخذ لا تجوز، الفخذ عورة كما جاء في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فالواجب ستر الأفخاذ عند اللعب، وعدم بروز شيء منها، هذا هو الواجب.

علاج وسوسة الشيطان للعبد في صلاته

السؤال: كيف يتجنب الإنسان وسوسة الشيطان وإغواءه في الصلاة وغير الصلاة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً!

الجواب: تقدم الجواب عن هذا، وأن الشيطان حريص على إفساد أعمال العبد في الصلاة وغيرها، وأن الطريق إلى ذلك: أن يقبل على صلاته، ويتذكر وقوفه بين يدي الله، وليتعوذ بالله من الشيطان، ويشتغل بذكر الله، وقراءة القرآن، وغير هذا مما شرع الله في الصلاة، ويكون مستحضراً عظمة الله، وأنه واقف بين يديه، وأن هذه الصلاة عبادة عظيمة، وأنها فرض عليه، وأنها عمود دينه، حتى يقبل عليها، وحتى يخشع فيها لربه، وإذا غلب عليه ذلك وكثر، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يتعوذ بالله من الشيطان، ينفث عن يساره ولو في الصلاة، ينفث عن يساره، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يكررها، فإنه بإذن الله يسلم من شره إذا غلب عليه وكثر، وينفث ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات عن يساره ويقول هذا، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص ، لما قال: (يا رسول الله! إن الشيطان لبَّس عليَّ صلاتي! فأمره أن ينفث عن يساره، ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً) ففعل ذلك فوقاه الله شره بعد ذلك.

حكم مسح الوجه بعد الصلاة أو القراءة

السؤال: ما حكم مسح الوجه بعد الصلاة أو بعد التلاوة؟ أرجو توضيح ذلك!

الجواب: المسح على الوجه لم يرد فيه أحاديث صحيحة، ورد فيه أحاديث لا تخلو من الضعف، ولهذا الأرجح والأصح أنه لا يمسح وجهه بيديه.

وذكر بعض أهل العلم أنه لا بأس بذلك؛ لأن فيها أحاديث يشد بعضها بعضًا، وإن كانت ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً، فتكون من قبيل الحسن لغيره، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه بلوغ المرام في الباب الأخير.

والمقصود أن المسح ليس فيه أحاديث صحيحة، فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء، ولا في غيرها من المواقف التي رفع فيها يديه؛ كموقفه عند الصفا والمروة، وفي عرفات ، وفي مزدلفة ، وعند الجمار، لم يذكروا أنه مسح وجهه بيديه لما دعا، فدل ذلك على أن الأفضل ترك ذلك.

حكم تسمية الملتزمين بالمطاوعة

السؤال الثاني: ما حكم تسمية طلاب العلم بالمطاوعة؟

الجواب: الناس طبقات: العالم، وطالب العالم، والعامي، وكل طبقة أصناف وأنواع، ومن عادة أهل نجد هنا أن بعضهم يسمي أهل المرتبة الوسطى، وهو طالب العلم الذي يصلي بالناس، أو يعلمهم القرآن، يسمونه: مطوع، أي: قد طوَّعه الله, جعله الله عابداً له، مطيعاً له سبحانه وتعالى برتبة زائدة على العامة، فهو فوق العامة ودون العالم، لأن معنى مطوع أي: قد طوَّعه الله وجعله يعمل بطاعة الله، وينفع الناس، ويصلي بهم، ويعلم أولادهم، ويقال له: مطوع، في كثير من أنحاء نجد ، وأظنه غير معروف في البلاد الأخرى، هذا معنى مطوِّع.

وإذا لقب بهذا حسب العرف فلا بأس بذلك، ولكن إذا ترك ذلك ولقَّبه باسمه كان أحب إليه، كأن يقول: يا أبا فلان، يكنيه بكنيته، أو يا فلان، باسمه المعروف، أو يا أخي، يقول إذا كان هذا أحب إليه، فلا بأس؛ لأن بعض الناس قد يكره أن يقال له مطوِّع، فإذا كان يكره ذلك، فليخاطبه بما يحب، وأما إذا كان لا يكره ذلك أو يحب ذلك فلا بأس.

كتب تعين الإنسان على التفقه في الدين

السؤال الثالث: دلني على كتاب أو كتابين جيدَين؛ لأتفقه بهما في أمر ديني!

الجواب: أدلك على كتب مناسبة، منها:

- بلوغ المرام للحافظ ابن حجر ، وهو كتاب جيد في الحديث.

- والأربعين النووية ، وتتمتها لـابن رجب .

وهذان الكتابان في الحديث كتابان عظيمان.

- وفي الفقه أدلك على:

- آداب المشي إلى الصلاة ، للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فإنه كتاب جيد في الصلاة، وفي الصيام، فيه كلمات طيبة وعبارات مفيدة.

وهكذا أرشدك إلى زاد المعاد ، لـابن القيم ، فإنه كتاب جيد مهم، سماه مؤلفه: زاد المعاد في هدي خير العباد ، وهو كتاب جيد ومفيد.

هذان الكتابان جيدان ومفيدان.

ومن الكتب الطيبة النافعة: الوابل الصيب في الكلم الطيب لـابن القيم رحمه الله، فإنه ذكر فيه فوائد جمة في أوله، وأبواباً مفيدة في الأذكار.

مبادئ وأسس الدعوة

السؤال: ما هي مبادئ وأسس الدعوة إلى الله؟ وما هي طرقها؟

الجواب: المبادئ معروفة:

أولاً: المؤمن يجتهد في نفسه، ويتعلم، ويتبصر، ويتفقه.

وإذا رزقه الله العلم وتفقه في دينه فإن المبدأ في ذلك: أن يدعو إلى الله بتعليم الناس، وبإرشاد الجاهل وتعليمه، وتوجيهه إلى الخير، وأمـره بالمعـروف، ونهيه عن المنكر، كما قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108].

المبدأ الأول: أن تتفقه وتتعلم وتتبصر، وتعتني بالقرآن وحفظه وتدبر معانيه، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تحفظ منها ما تيسر، وتشتغل على أهل العلم، وتسأل أهل العلم، وتذاكر أهل العلم، حتى تكون على بينة.

فإذا عرفت ما شرع الله لك، وما أوجب عليك، وما حرَّم عليك، تدعو إلى الله، فتكون ممن قال الله فيهم: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] وممن قال فيهم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] وممن قال فيهم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].

تنفع نفسك، وتنفع الناس بالحكمة والكلام الطيب، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

فتدعو إلى الله بالكلام الطيب، وترشد إليه، وتعلم الناس الخير، وتنهاهم عن الشر، هكذا ينبغي لك.

صلاة من يخرج منه غازات باستمرار

السؤال: أنا شاب مصاب بمرض أجاركم الله وهو خروج الغازات باستمرار أثناء الصلاة، وقد حُرمت بسبب هذا المرض من أداء السنن الرواتب، كما أن الفروض التي أؤديها يراودني شك في طهارتي فيها، أرجو إفادتي ماذا أفعل فيها، جزاكم الله خيراً!

الجواب: لا عليك يا أخي، صلِّ النوافل والفرائض جميعاً، صلِّ هذه وهذه، صلِّ الفرائض والنوافل الرواتب وغيرها، أنت معذور، الذي عنده غازات أو بول سلس دائم، أو امرأة معها استحاضة دائمة، فكل يصلي على حسب حاله؛ لكن لا تتوضأ إلا إذا دخل الوقت، إذا دخل وقت الظهر يتوضأ ويصلي الظهر ورواتبها، والنوافل التي يريد، ويقرأ القرآن، ويستمر إلى دخول وقت العصر، فإذا جاء وقت العصر وخرج منه شيء يتوضأ وضوءاً ثانياً للعصر، ولا يزال يصلي العصر ويصلي قبلها ما تيسر، ويستعين بذكر الله إلى غروب الشمس وهو على طهارته، إذا غربت الشمس توضأ للمغرب وصلى بها صلاة المغرب وصلى النوافل، وهكذا العشاء، سواءً كان غازات أو بولاً أو غير ذلك مما يخرج من الإنسان، لا يضر مع الوضوء، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة لما كان الدم دائماً قال: (توضئي لكل صلاة) فإذا دخل الوقت فتوضئي وصلي النوافل والفرائض جميعاً، والحمد لله.

حقيقة الحياة في النباتات

السؤال: إن النبات ينمو ويترعرع ويشب ويشيب، ويأكل ويشرب ويموت، وتمر به مراحل كمراحل الإنسان، فهل لهذا النبات روح، مؤيداً الجواب بالدليل، علماً بأن علماء الأحياء وعلماء اللغة وعلماء الدين في مدرستنا الثانوية لهم آراء متضاربة، فأرجو الـتوضيح؟

والسلام عليكم.

الجواب: الحياة حياتان كما بين أهل العلم، ودل على هذا كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

الحياة حياتان:

حياة ذات روح، تسمع وتُبصر، وتخرج وتأتي، وهذه: الحيوانات، هي بنو آدم والحيوان ولها روح، خلقها الله عزَّ وجلَّ مستقلة، تدخل في الحيوان وتخرج من الحيوان بالموت، والروح الله أعلم بكنهها، قال تعالى: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] أي: الروح قائمة لنفسها تسمع وتبصر، وتخرج وتأتي وقت النوم، ووقت الموت لها شأن.

الحياة الثانية: حياة النمو والزيادة والحركة، هذه للنباتات التي جعلها الله تشب وتنمو وتشيب وتهلك، هذه حياة نمائية، حياة النمو، حياة التصاعد، حياة الحركة، بسبب الماء، أو بأسباب أخرى، هذه حياة خاصة، ليست حياة الروح التي تدخل وتخرج وتسمع، حياة جمادية، ليس لها خصائص الروح التي فيها السمع والبصر والخروج والذهاب والمجيء، هذه حياة النمو التي جعلها الله في النبات، بها ينمو، وبها يتحرك، وبها يزيد، وبها يتناهى إلى غايته، ثم بعد هذا تأتي عليه أشياء أخرى تجعله يضمحل ويذوب.

حكم تصوير الصحابة

السؤال: أنا مواطن قد اكتشفتُ أن الخطوط السعودية توزع قصصاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأطفال، والملاحظة على هذه القصص وضع صور بعض الصحابة رضي الله عنهم!

حالة أخرى: أن هناك في الأسواق تباع بعض القصص المسماة: سبعة يظلهم الله في ظله، والملاحظ عليها: وضع مظلة، يعني: شمسية، قُصِد بها ظل العرش الكريم، والعياذ بالله.

الملاحظ أن هذه القصص قد طُبعت في داخل المملكة !

الجواب: لا يجوز تصوير مثل الصحابة والأنبياء، ليس لأحد أن يصور الصحابة ولا الأنبياء، بل يجب منع ذلك، حتى لا يكون وسيلة إلى امتهانهم والسخرية والتندر بهم ونحو ذلك، فيجب أن يُصانوا عن ذلك.

وجنس الصور محرمة في الأصل، كل الصور محرمة، صور الصحابة وغير الصحابة؛ لكن يجب أن يُصان الصحابة والأنبياء عن التصوير، لا في القصص ولا في غيرها؛ لئلا يُصوَّروا على غير وجه، ولئلا يُمتهنوا، ولئلا يُزدرى بهم، ولئلا يُتندر بهم، وغير ذلك من الأسباب؛ ولأن جنس التصوير محرم، الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المصورين، وقال: (كل مصور في النار) ، وقال (إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) لكن ننظر في هذا إن شاء الله.

حكم تفويت الحارس صلاة الجماعة

السؤال: أنا أعمل موظفاً في الهاتف السعودي، والمراقب المسئول يمنعني من تأدية الصلاة في وقت العمل، مع العلم أن المسجد مقابل مبنى الهاتف، فما هو رأي سماحتكم في ذلك؟

الجواب: الواجب عليك أن تصلي في محلك؛ لأنك تشبه الحارس، الحارس إذا كان حارساً على مال، أو على مزرعة، أو غيرها، يصلي في محله، ولا يلزمه جماعة، إذا كان الذهاب إلى جماعة يفوِّت الحراسة، وربما جاء في الهاتف ما يدعو إلى الحذر، والحاصل أن من وُكل إليه الهاتف المهم للمسلمين، يكون بمثابة الحارس الذي يصلي عند محل الحراسة.

أما أن يضيع الوقت، فلا، يجب أن يصلي في الوقت، ولو قدِّر أن الهاتف تكلم؛ فإن مدة الصلاة مدة قليلة، خمس دقائق أو أقل من ذلك.

فالواجب أن تصلي الصلاة في الوقت، ولا يجوز أن تُهمل من أجل الحراسة، ولا من أجل الهاتف.

فإذا كان هناك ضرورة وجب التناوب، فيُجعل هذا الحارس ينوب بعض الوقت، ثم يذهب ويصلي، ويأتي الحارس الآخر وقد صلى، فينوب عنه.

أما أن يوكَل إليه حراسة تمنعه من الصلاة فهذا ظلم ولا يجوز.

حكم الغش في الاختبارات

السؤال: ما حكم الغش في الاختبارات الدراسية، علماً بأن المدرس على علم من ذلك؟

الجواب: الغش محرم في الاختبارات كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا علم الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة والله المستعان.

حكم الإسبال لغير المخيلة

السؤال: ما حكم الإسبال من غير قصد المخيلة؟

الجواب: الإسبال محرم ولا يجوز، وإذا كان عن قصد المخيلة فهو أشد إثماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) ولم يشترط الخيلاء.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنَّان فيما أعطى، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم في صحيحه .

قال عليه الصلاة والسلام: (إياك والإسبال فإنه من المخيلة).

فلا يجوز الإسبال مطلقاً؛ لكن إذا كان على الخيلاء فهو أشد في الإثم.

أما إذا غلبه، وارتخى ثوبه أو (بشته) عن غير قصد الخيلاء، بل غلبه في بعض الأحيان، فهذا يعفى عنه، كما جرى للصديق رضي الله عنه، فإذا تعاهد الإنسان إزاره، ثم انتقض عليه بعض الشيء، فتعاهده ورفعه حتى يُخاط، فلا شيء عليه.

أما أنه يتعمد سحب (البشت)، أو سحب الإزار، أو سحب السراويل، فهذا منكر.

تحريم الغناء أمره محسوم ومعلوم

السؤال: ورد في جريدة عكاظ مقال للهاشم عابد ، ينقل فيه عن محمد عبده أنه قال: وحُسم الجدال في شرعية الغناء في بلدنا، فهل نفهم من ذلك أن الغناء صار مشروعاً، وأنه لا تحريم فيه الآن؟ كيف تُكتب مثل هذه المقالات؟!

الجواب: أنا لم أقرأ هذا المقال؛ لكن هذا كلام باطل، ولا يُعَوَّل عليه، ومَن الذي حلَّل؟ هذا كلام فاحش، الغناء محرم مطلقاً، وليس لأحد أن يحله، لا زيد ولا عمرو، لا الملوك ولا الرؤساء ولا العلماء ولا غيرهم، الغناء الذي حرمه الله هو محرم، وهو من لهو الحديث، والغناء الذي يتعلق بالنساء، ومحاسن النساء، والتشبيب بالنساء، أو بمدح الحرام، أو ذم الحلال، أو ما أشبه ذلك، هذا محرم، ولا يقال: إنه حلال، ومن أحله فقد أضر بنفسه.

الأسلوب الأمثل في التعامل مع النساء والأولاد والأموال

السؤال: آيات في القرآن الكريم تتحدث بأن أولادنا ونساءنا فتنة، فإذا أحس الرجل بأن زوجته تلهيه عن الذكر، وتريده دائماً بجوارها مما يجعل جهده في الدعوة وفي تحصيل العلم قليلاً؛ ولكنها في نفس الوقت تصلي وتصوم وتحفظه في ماله وعرضها، فما السبيل لإصلاح شأنها، وإن لم يكن هناك صلاح، فهل أطلِّقها حفاظاً على ديني وجهدي في سبيل الله؟ علماً بأن لدي منها ولداً.

الجواب: كل داء له دواء يا ولدي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما من داء إلا وله دواء) فإذا كانت الزوجة صالحة طيبة، فإنها لن تشغلك إن شاء الله عن الخير، وإنما تشغلك إذا كانت غير صالحة.

أما الصالحة فإذا ما بينت لها حاجاتك عذرتك وقنعت، يقول الرب جلَّ وعَلا: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]، فإذا كانت الزوجة تعينك على المعاصي، والولد يعينك على المعاصي ويمنعك من الواجب، فهؤلاء أعداء خالفهم وجاهدهم حتى تسلم من شرهم، ويقول سبحانه: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] أي: اختبار، الفتنة اختبار وامتحان، الله اختبر الناس بأولادهم وأموالهم، فإذا أطاعوا أولادهم في الباطل، واستغلوا أموالهم واشتغلوا بها في الباطل، فَشَرٌّ عليهم، وإذا استعانوا بالمال فيما ينفعهم، وفي طاعة الله صار خيراً ولحقهم، وهكذا الأولاد، إن طاوعتهم في الباطل، وأخذت برأيهم في الباطل والحرام صاروا شراً عليك وعدواً لك، وإن أخذت على أيديهم، وجاهدتهم في الله، وعلمتهم الخير، ومنعتهم من الشر صرت سبباً لسعادتهم، وسبباً لنجاتهم، وسلمت من شرهم وفتنتهم.

الفتنة: الاختبار والامتحان، المال فتنة، والأولاد فتنة، فاحذر هذه الفتنة، واستعن بها على طاعة الله، واحذر أن يصدك المال أو الأولاد عن طاعة الله، كما قال الله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77].

والزوجة الصالحة المطيعة لله لا تُطلَّق، بل تكرم، ويُعتنى بها، ويحتفظ بها، وإذا أرادت بقاءك عندها فهذا من حبها لك، ومن حرصها عليك، فأقنعها بالأشياء التي تحتاج إليها، حتى تذهب للصلاة، وتذهب لطلب العلم، وتذهب للدعوة إلى الله، وللمصالح العامة، تقنعها وتبين لها المصالح، حتى تكون على بينة، وحتى تقتنع بهدفك الطيب، وأعمالك الجميلة.

حكم ترك صلاة الجماعة لسائق سيارة الشرطة

السؤال: أنا رجل شرطة، وأقود سيارة الشرطة لوحدي، ولا أستطيع أن أصلي مع الجماعة، فما حكم ذلك؟ وهل عليَّ إثم في ذلك؟

الجواب: عليك أن تصلي مع الجماعة، إلا إذا كنت في حراسة، فعليك أن تحرس محلك حتى تأتي النوبة إلى غيرك، وتصلي في محلك.

وأما مجرد الدوران فإذا جاء وقت الصلاة، فقف بالسيارة عند أي مسجد وصلِّ مع الناس، وليس عملك في الشرطة عذراً لترك الجماعة، صلِّ في أي مسجد عند دورانك بالسيارة.

حكم لعب الكاراتيه في رحبة المسجد

السؤال: أنا أحد المدربين في كلية عسكرية في لعبة الكاراتيه، وهي لعبة الدفاع عن النفس، والكلية لا يوجد فيها مكان مخصص للتدريب، فهل يصح أن أقوم بالتدريب في مكان يُبنى على أساس أنه مسجد، ولم يكتمل بعد؟

الجواب: ما دام أن هذا التدريب ينفع في سبيل الله وفي جهاد أعدائه فلا بأس، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة، ولعبوا في المسجد بالدرق والحراب، يدورون في المسجد بالدرق والحراب.

فإذا كانت اللعبة يُستعان بها على الدفاع على النفس، وجهاد الأعداء، وتوقي شرهم، فلا بأس في المسجد الذي فيه رحبة، وفيه سعة، حتى يوجد مكان آخر يكون فيه اللعب، بشرط ألا يكون هذا اللعب مما يتأذى به المسجد.

حكم الزواج بنية الطلاق

السؤال: رجل مسافر إلى الخارج في مهمة تتعلق بالدراسة، وكان ملزماً بذلك، وهو لم يتزوج بعد، ويخشى على نفسه، فهل له الزواج من هناك، مضمراً في نفسه أنه سيطلقها عندما يسافر إلى بلده، دون أن يعلمهم بذلك؟

الجواب: لا حرج في ذلك إذا تزوج في محل السفر وفي نيته أنه يطلق إذا أراد الرجوع، لا حرج عند جمهور أهل العلم، بعض أهل العلم قد توقف في هذا، وخشي أن يكون من باب نكاح المتعة، وليس كذلك، المتعة يشترط فيها مدة معلومة، يتزوج على أنه يطلقها بعد شهر أو شهرين، على أنه لا نكاح بينهما بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة، هذا نكاح المتعة، أما الزواج المطلق الذي ليس فيه شرط، ولكن في نفسه ونيته أنه يطلقها عند سفره من تلك البلاد، هذا لا يكون متعة، فقد يطلقها وقد يرغب فيها، فليس هذا من باب المتعة على الصحيح، وعلى ذلك جمهور أهل العلم.

والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مراحل الشباب أهم مراحل العمر للشيخ : عبد العزيز بن باز

https://audio.islamweb.net