إسلام ويب

عضل الولي بناته من الزواج وحكم الصلاة خلفه

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء الذي نستضيف فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

====السؤال: أيها السادة! الرسالة الأولى في هذا اللقاء وردت من المستمع (ع. م. ب. القرني ) من بلاد بلقرن، سماحة الشيخ! هذا السائل يعرض مشكلة اجتماعية خطيرة جداً، وأعتقد أنها انتشرت في البوادي كما انتشرت أيضاً في الحضر، يقول: يوجد هناك رجل عنده أربع بنات؛ الكبرى عمرها خمس وثلاثون سنة، والصغرى عشرون سنة، وقد طلبن للزواج، وأبى وليهن أن يزوجهن، وهو أيضاً إمام جامع، هنا يقول: نريد أولاً هل يجوز أن يصلي بنا وهو على هذه الحالة؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فلاشك أن الواجب على ولي البنات والأخوات ونحوهن أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يحرص على تزويجهن بالكفء إذا حصل، وألا يعضلهن لحظ من الحظوظ؛ كالرغبة في خدمتهن، أو موتهن؛ لأن لهن مالاً حتى لا يشاركه أحد في المال، أو ما أشبه ذلك من المقاصد الخبيثة، بل الواجب على الولي أن يبادر بتزويج المرأة إذا خطبها الكفء؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

والحاصل: أن الأمانة يجب أن يعتنى بها، والبنت والأخت ونحوهما أمانة عند الولي، فالواجب عليه أن لا يضر هذه الأمانة، وأن لا يسيء إليها، بل يجب عليه أن يحسن إليها وأن يزوجها على الكفء من دون تعطيل ولا عضل ولا إيذاء.

وهذا الرجل الذي سئل عنه عنده أربع بنات؛ الكبرى منهن تبلغ خمس وثلاثين سنة، هذا لاشك أنه قد غلط غلطاً كبيراً إذا تأخر في تزويجهن من دون عذر شرعي، والواجب عليه أن يبادر بالتزويج إذا جاء الكفء وألا يتأخر، فيجب أن ينصح وأن يوجه إلى الخير، ويجب على من يعرفه من جيرانه وأقاربه وأهل بلده أن ينصحوه وأن يحذروه من مغبة هذا الأمر، وكذلك ينبغي أن يبلغ حاكم البلد أو القاضي حتى يحضره، وحتى يعظه ويذكره ويحذره من مغبة هذا العمل، والدين النصيحة، والمسلم أخو المسلم ينصحه ولا يهمله، هكذا يجب على المسلمين فيما بينهم إذا رأوا مثل هذا أن ينصحوه وألا يهملوه؛ لأن هذا يضر المجتمع، وربما أفضى بالبنات إلى ما لا تحمد عقباه.

أما الصلاة خلفه فالصلاة صحيحة على الراجح؛ لأن الراجح أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، وإنما تبطل إذا كان الإمام كافراً، أما إذا كان مسلماً لكنه عاصٍ، مثل هذا، أو مثل إنسان عنده معاصٍ معروفة أخرى؛ .. كشرب المسكر في بعض الأحيان، أو كالتدخين، أو كحلق اللحى، مثل هذه المعاصي كلها لا تمنع من الإمامة؛ لكن ينبغي أن يلتمس الإمام الأفضل، وينبغي أن يعزل إذا كان مصراً على العمل، ينبغي أن يعزل ويؤتى بمن هو أسلم منه، لكن لو صلى خلفه صحت الصلاة، ولكنها خلف السليم أفضل وأولى، ومثل هذا وأشباهه ما ينبغي أن يقر، بل ينبغي أن ينصح، فإن استقام وإلا يعزل عن الإمامة، يعني: معصية كبيرة وظلم، فلا ينبغي أن يترك على هذه المعصية، بل ينبغي أن يعزل عن عمله هذا تأديباً له، ورعاية لحال المأمومين حتى لا يتولى إمامتهم إلا من هو معروف بالاستقامة والديانة والبعد عن المعاصي.

وبكل حال: ينبغي أن يحذر هذا من هذا العمل السيئ، وأن يؤمر بتزويج بناته إذا خطبهن الأكفاء، وليس له أن يتأخر في ذلك أبداً.

المقدم: أيضاً يقول: ما هو المخرج لهؤلاء الفتيات اللاتي وقعن في هذا المأزق الحرج؟

الشيخ: لهن مخارج، منها: أن يتكلمن مع والدهن بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، ويقلن: ما يخفى عليك أن الزواج فيه مصالح كثيرة، والبنت بدون زواج على خطر تريد العفة وتريد الأولاد، فنرجو من والدنا أن لا يتأخر عن الكفء إذا خطب وبالأسلوب الحسن؛ لعله يلين، ولعله ينفع فيه الكلام، فإن لم يستطعن ذلك أو فعلنه ولم يجد يستعن أيضاً بمن يرين فيه الخير من الأقارب، كأعمامه وأقاربه الذين يقدرهم ويحترمهم لعلهم يشفعون ولعلهم ينصحونه، فإن لم يتيسر لهن من يقوم بذلك ولم يجد فيه مثل هذا، فلا مانع من رفع الشكوى إلى المحكمة، إلى القاضي، أو إلى ولي الأمر من الأمير، ولي أمر البلاد، أمير، أو قاضي، حتى يحصل التعاون على إزالة هذا الشر؛ لكن البداءة بالأسلوب الحسن أولى، البداءة بالكلام معه منهن بالأسلوب الحسن قد يكون هذا أقرب إلى عطفه عليهن وإلى تركه هذا الظلم، وإذا لم يتيسر هذا لأنهن يخشينه، يخشين شره وضربه لهن، أو لأنه لم يمتثل فإنهن يطلبن من الأقارب الجيدين من الكبار الذين يقدرهم ويحترمهم أن يتوسطوا وأن يشفعوا إليه حتى يدع هذا الظلم، فإن لم يجد هذا ولا هذا أو لم يتيسر هذا ولا هذا، فلا مانع من الشكوى إلى القاضي أو إلى الأمير أو إليهما جميعاً لحل هذا المشكل.

ما يفعله الشاب الذي لا يستطيع الزواج

السؤال: أيضاً هذا سؤال من الحائر كما قال (ي. و. ف) تتعلق بهذه المشكلة أو هذه الظاهرة الاجتماعية، يقول: أنا شاب في العشرين من عمري، أريد أن أكمل نصف ديني ولكن لا أستطيع الباءة، فما هي نصيحتكم لي والحالة هذه؟

الجواب: ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فالرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إلى الصوم (من عجز عن الباءة) يعني: عن المئونة للنكاح، فإن عليه أن يصوم ويستعين بالصوم على إمساك الشهوة وتخفيضها، والسلامة من شرها مهما أمكن، فالصوم بإذن الله يحصل به الوجاء، يعني: الخصاء، يعني: يحصل به إضعاف الشهوة، ويحصل به كفها عن الشدة.

فالحاصل: أن الصوم فيه علاج للشهوة، وفيه علاج لطموح الإنسان إلى النكاح، ومن أسباب غض البصر، ومن أسباب ضعف سلطان الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضعف ذلك، فالحاصل أن الصوم يضعف هذه النزعة وهذا الميول إلى الجنس، فيحصل به شيء كبير من المقصود، وإن تعاطى شيئاً من الأدوية التي يحصل بها إضعاف الشهوة وتخفيف الشهوة لكن لا يقطع الشهوة بل تبقى الشهوة عند الحاجة، هذا لا بأس أيضاً، قد يكون علاجاً أيضاً.

نصيحة توجيهية في ترك الآباء المغالاة في المهور

السؤال: أيضاً يقول: هناك بعض الآباء يتجاوزون في المهور، نريد أن توجهوا لهم النصيحة لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديهم في ذلك؟

الجواب: هذا أمر عام ومصيبة كبيرة، وهي المغالاة في المهور، ونصيحتي لكل مسلم أن يدع ذلك، وأن يحذر المغالاة في مهر بنته أو أخته أو قريبته الأخرى، وأن يتساهل في ذلك ويرضى بالمهر المناسب الذي يعين المرأة على حاجاتها المعروفة، ولا يكون فيه إرهاق للزوج ولا منع للنكاح، هذه الكل يشكو منها، مسألة المغالاة في المهور، والمغالاة أيضاً في الولائم، كلتاهما ضارتان، فينبغي للأولياء وللنساء أيضاً أن لا يشددوا في ذلك بأن ترضى المرأة وأمها وقراباتها بالشيء المناسب، كما يرضى الأب وبقية الأولياء بذلك، بعض الأحيان قد يكون الأب يرضى أو الولي لكن لا ترضى أمها وأختها ونحو ذلك، وربما حملته أمها على المغالاة.

فالحاصل أن هذا مطلوب من الجميع؛ مطلوب من الأم والخالة والبنت نفسها، مطلوب من الأب، مطلوب من الإخوة، مطلوب من الأجداد، كلهم يتعاونون في تسهيل المهور وعدم المغالاة حتى يتيسر تزويج قريباتهن، أما مع المغالاة فإن البنت تبقى حبيسة البيت ولا يتقدم لها إلا القليل من الناس، ليس كل واحد عنده القوة على المهر المرتفع، ثم هذا لا ينبغي لأن المغالاة في المهور تفضي إلى فساد كبير، إلى تعطيل البنات والأخوات، وتعطيل الشباب، والوقوع في الفواحش، هذا كله شره عظيم وعاقبته وخيمة، كذلك الولائم ينبغي ألا يتنافس فيها، بدل ما يذبح عشر ذبائح خمسة عشر يكتفي بواحدة أو ثنتين أوثلاث، بدل ما يدعو مائة مائتين يدعو خمسة، عشرة من أقاربه الأدنين ويكتفي بذلك حتى تكون النفقة أقل، وحتى يستطيع أن يتقدم للزواج، لكن إذا ذكر أن هناك ولائم تحتاج إلى ألوف بل عشرات الألوف مع مغالاة المهر، فإن هذا كله يسبب تعطيل الرجل وتعطيل البنت جميعاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للجميع الهداية.

ما يحل للحائض وما يحرم عليها

السؤال: هذه رسالة من الأخ في الله عبد الله السليمان من الرياض، يقول: بعض الفتيات يتوهمن أن المرأة الحائض أصبحت نجسة فلا يجوز لها الذكر، ولا استماع القرآن، وإنما الاتجاه لسماع الغناء واللهو، نرجو تبيين هذا الحكم، وما الذي يجوز أيضاً للحائض؟

الجواب: هذا توهم لا ينبغي، الحائض مشروع لها ما يشرع لغيرها من ذكر الله عز وجل، وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره، والاستغفار والتوبة، وسماع القرآن ممن يتلوه، وسماع العلم، والمشاركة في حلقات العلم، وسماع ما يذاع من حلقات العلم، وحلقات القرآن، والاستفادة من ذلك مثل غيرهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للحائض: (افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) فأمرها أن تفعل ما يفعله الحجاج؛ من التلبية، والذكر، وسائر الوجوه الشرعية ما عدا الطواف، فدل ذلك على أن الحائض مثل غيرها، ترمي الجمار، تلبي، تذكر الله، تسبح، تحمد، تهلل، تستغفر، تفعل كل شيء ما عدا الطواف إذا كانت محرمة بالحج أو العمرة حتى تطهر، كذلك في بيتها تستعمل ما تستطيع من ذكر الله عز وجل.. تسبيحه.. تحميده.. تهليله.. تكبيره.. الاستغفار.. الدعوة إلى الله.. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. تدريس العلم.. مطالعة الأحاديث.. وغير ذلك، أما قراءة القرآن ففيه خلاف، بعض أهل العلم يرى أنها تمنع من قراءة القرآن، والقول الثاني: أنها لا تمنع من قراءة القرآن عن ظهر قلب، وهذا هو الأقرب والأظهر؛ لأن لها أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب من دون مس المصحف، كالمعلمة تعلم البنات القرآن عن ظهر قلب، وكالتلميذة التي تحتاج إلى قراءة القرآن من غير مس المصحف كذلك، الصحيح أنه لا حرج في قراءتها عن ظهر قلب؛ لأن مدة الحيض تطول وهكذا النفاس، بخلاف الجنب، فإن الجنب لا يقرأ القرآن، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان لا يقرأ القرآن وهو جنب)؛ ولأن الجنب وقته قصير يستطيع في أي حال أن يغتسل ويقرأ، ما هناك له موانع؛ لكن الحائض تحتاج إلى أيام وليالي، ليس باختيارها، وهكذا النفساء أطول وأطول، فلهذا الصحيح أنه لا حرج عليها في قراءة القرآن عن ظهر قلب لا من المصحف، وبهذا تعلم أن الحائض تشارك في كل شيء من الخير، ولا تمنع ما عدا مس المصحف، وما عدا الصلاة؛ لأنها لا تصلي ولا تصوم حتى تنتهي من حيضها ونفاسها ثم تقضي الصوم دون الصلاة، ليس عليها قضاء الصلاة بل الله سامحها، سامح الحائض والنفساء عن الصلاة فلا تقضيها ولا تجب عليها مدة الحيض والنفاس، لكن الصوم تقضيه بعد طهرها وبعد رمضان تقضي ما أفطرت من الأيام، سئلت عائشة رضي الله عنها، قالت لها امرأة: يا أم المؤمنين! ما بالنا نقضي الصوم ولا نقضي الصلاة؟ فقالت لها عائشة رضي الله عنها : (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم، كان يأمرهن بقضاء الصوم ولا يأمرهن بقضاء الصلاة، وبهذا علم أن الصوم يقضى والصلاة لا تقضى، وهذا محل إجماع بين المسلمين، فقد أجمع العلماء على أن الصلاة لا تقضى في حق الحائض والنفساء، ولكنهما تقضيان صوم رمضان فقط.

فالحاصل: أن الحائض والنفساء يشرع لهما ذكر الله، وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره، وحضور حلقات العلم، وسماع القرآن ممن يتلوه، والإنصات لذلك، والمشاركة في كل خير، ما عدا أنها لا تصلي حتى تطهر ولا تصوم حتى تطهر، ولا تقرأ القرآن من المصحف، أما عن ظهر قلب فالصحيح أنه يجوز لها ذلك في أصح قولي العلماء ولاسيما عند الحاجة.

تأديب اليتيم وقهره

السؤال: أيضاً في رسالة عبد الله السليمان من الرياض سؤال يقول: قال الله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [الضحى:9]، هل تأديب اليتيم وضربه إذا أخطأ ولو أدى إلى بكائه الشديد يعتبر من قهره؟

الجواب: لا، المقصود من قهره: ظلمه والتعدي عليه والتكبر عليه، أما تأديبه وتوجيهه إلى الخير فهو غير داخل في هذا، بل يجب على الولي أن يؤدبه وألا يهمله حتى تسوء أخلاقه، إذا أهمل اليتيم ساءت أخلاقه، وصار كلاً على الناس وثقيلاً على الناس، لكن الواجب على وليه أن يلاحظه، كعمه، وأخيه.. ونحو ذلك، أن يلاحظه إذا ساءت أخلاقه.. أدبه حتى يستقيم، حتى يكون شاباً مؤدباً، مثلما يؤدب أولاده، فالإصلاح لهم لابد منه، فكما تؤدب أولادك تؤدب اليتيم الذي عندك، وليس هذا من ظلمه ولا من قهره ولا من الإساءة إليه، بل هذا من الإصلاح والإحسان إليه حتى تستقيم أخلاقه، وحتى يكون شاباً جيداً مؤدباً يضع الأمور في مواضعها ويضع الكلام في مواضعه.

المقدم: في الحقيقة هنا ونأتي على نهاية هذا اللقاء يا سماحة الشيخ وشكراً لكم.

أيها السادة! إلى هنا ونأتي على نهاية هذا اللقاء الذي تحدثنا فيه مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد عرضنا أسئلة كلاً من المستمع (ع. م. ب. القرني ) من بلاد بلقرن، والمستمع (ي. و. ف)، والمستمع عبد الله السليمان من الرياض، حتى نلتقي بحضراتكم إن شاء الله تعالى نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (3) للشيخ : عبد العزيز بن باز

https://audio.islamweb.net