اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (9) للشيخ : عبد العزيز بن باز
أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء.
أيها الإخوة! لدينا مجموعة من الرسائل تحمل كثيراً من الأسئلة والاستفسارات، ونعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية هذا اللقاء نشكر سماحة الشيخ لإتاحة هذه الفرصة للإجابة على أسئلة المستمعين.
====السؤال: سماحة الشيخ! هذا سؤال يقول مرسله (ج. س. ك) هل يشرع صيام الست من شوال لمن عليه أيام من رمضان قبل قضاء ما عليه؛ لأني سمعت بعض الناس يفتي بذلك، ويقول: إن عائشة رضي الله عنها كانت لا تقضي الأيام التي عليها من رمضان إلا في شعبان، والظاهر أنها كانت تصوم الست من شوال لما هو معلوم من حرصها على الخير؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه المسألة لا يجوز فيما يظهر لنا أن تصام النافلة قبل الفريضة لأمرين:
أحدهما: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) والذي عليه قضاء من رمضان لا يكون متبعاً الست من شوال لرمضان؛ لأنه قد بقي عليه بعض رمضان، فلا يكون متبعاً لها لرمضان حتى يكمل ما عليه من رمضان، فإذا كان الرجل عليه صيام من رمضان لكونه مسافراً أو مريضاً ثم عافاه الله، فإنه يبدأ بقضاء رمضان ثم يصوم الست إن أمكنه ذلك، وهكذا المرأة التي أفطرت من أجل حيضها أو نفاسها، فإنها تبدأ بقضاء الأيام التي عليها ثم تصوم الست من شوال إن أمكنها ذلك إذا قضت في شوال، أما أن تبدأ بصيام الست من شوال، أو يبدأ الرجل الذي عليه صوم الست من شوال، فهذا لا يصلح ولا ينبغي.
والوجه الثاني: أن دين الله أحق بالقضاء، وأن الفريضة أولى بالبدء والمسارعة من النافلة، الله عز وجل أوجب عليك صوم رمضان، وأوجب على المرأة صوم رمضان، فلا يليق أن تبدأ بالنافلة قبل أن تؤدي الفريضة، وبهذا يعلم أنه لا وجه للفتوى بصيام الست لمن عليه قضاء قبل القضاء، بل يبدأ بالقضاء فيصوم الفرض، ثم إذا بقي في الشهر شيء وأمكنه أن يصوم الست فعل ذلك وإلا ترك؛ لأنها نافلة بحمد الله، وأما قضاء الصيام الذي عليه من رمضان فهو واجب وفرض، فوجب أن يبدأ بالفرض قبل النافلة ويحتاط لدينه للأمرين السابقين:
أحدهما: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثم أتبعه ستاً من شوال) والذي عليه أيام من رمضان ما يصلح أن يكون متبعاً للست لرمضان، بل قد بقي عليه شيء، فكأنه صامها في أثناء الشهر، كأنه صامها بين أيام رمضان، ما جعلها متبعة لرمضان.
والأمر الثاني: أن الفرض أولى بالبداءة وأحق بالقضاء من النفل، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (دين الله أحق بالقضاء)، (اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) سبحانه وتعالى.
أما قوله عن عائشة ، فـعائشة رضي الله عنها كانت تؤخر الصوم، إلى شعبان قالت: للشغل برسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا أخرت الفريضة من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم، فأولى وأولى أن تؤخر النافلة من أجل شغله عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل: أن عائشة ليس في عملها حجة لتقديم الست من شوال على قضاء رمضان؛ لأنها تؤخر صيام رمضان من أجل شغلها برسول الله عليه الصلاة والسلام، فأولى وأولى أن تؤخر الست من شوال.
ثم لو فعلت وقدمت الست من شوال، فليس فعلها حجة فيما يخالف ظاهر النصوص.
السؤال الأول: يقول: هل يجوز قراءة القرآن الكريم والإنسان على غير وضوء، أفيدونا وفقكم الله؟
الجواب: لا حرج أن يقرأ القرآن وهو على غير وضوء، قراءة القرآن من الذكر، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله كثيراً في جميع أوقاته، يسبح الله، ويحمد الله، ويذكره كثيراً في كل وقت عليه الصلاة والسلام، والقرآن من الذكر، فإذا قرأ القرآن وهو على غير وضوء، يعني: عن حفظ، عن ظهر قلب، فلا بأس بذلك، يقرأ وهو على حدث أصغر ليس أكبر، فلا بأس عليه أن يقرأ القرآن وهو على غير طهارة، لكن ليس من المصحف بل عن ظهر قلب، أما من المصحف فلا، لا يقرأ المؤمن من المصحف إلا بطهارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: (نهى أن يمس القرآن إلا طاهر) وهو حديث جيد لا بأس به، له طرق من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس القرآن إلا عن طهارة، قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أفتوا بأنه لا يمس القرآن إلا طاهر، يعني: لا يقرأ في المصحف إلا طاهر، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه عن الصحابة أنهم كانوا يفتون بأنه لا يقرأ القرآن إلا طاهر، يعني: لا يمس المصحف إلا طاهر.
وهكذا قال الأئمة الأربعة والجمهور: إنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف، أما كونه يقرأ عن ظهر قلب، فلا بأس، يعني: يقرأ حفظاً لا بأس أن يقرأ القرآن، هذا كله إذا كان حدثاً أصغر، أما إذا كان جنباً فلا، الجنب لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يمتنع من القرآن إلا من الجنابة، كان إذا كان عليه جنابة لا يقرأ القرآن عليه الصلاة والسلام، وفي رواية عنه من حديث علي أنه قال: (أما الجنب فلا ولا آية) فهذا يدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب.
وهكذا الحائض والنفساء عند بعض أهل العلم؛ لأن حدثهما أكبر، وقال آخرون من أهل العلم: إن الحائض والنفساء ليستا من جنس الجنب؛ لأن حدثهما يطول، ومدتهما تطول، وليس الأمر بأيديهما، فإنهما ينتظران انقطاع الدم وحصول الطهارة، فيغتسلان بعد ذلك.
أما الجنب فالأمر بيده، متى انتهى من حاجته من أهله أمكنه الغسل في الحال أو التيمم إن كان عاجزاً عن الغسل، وأمكنه أن يقرأ بعد الغسل، فهو متيسر له الغسل أو التيمم عند العجز عن الغسل، بخلاف الحائض والنفساء فإنه لا يتيسر لهما ذلك إلا بعد انتهاء الدم وانقطاع الدم وحصول الطهارة، فعذرهما أشد، ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجوز لهما القراءة عن ظهر قلب، من غير مس المصحف، وهو قول جيد، ولا سيما عند الحاجة، كالمعلمة والطالبة إذا احتاجت إلى ذلك، فإنه لا حرج عليهما في قراءة القرآن عند الحاجة، ولا بأس إن شاء الله لعدم الدليل.
أما حديث: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم.
المقدم: لكن سماحة الشيخ قد يتعلل بعض الناس ويقول: إذا كان القرآن يقرأ على ظهر قلب والإنسان ليس طاهراً يعني: عليه الحدث الأصغر، وإذا أتى إلى قراءة القرآن في المصحف فإنه يلزمه الطهارة، قد يقول: إن هذه الطهارة للمصحف نفسه؛ للورق وليس لكتاب الله عز وجل وهو القرآن؟
الشيخ: يجاب بأن الورق عظم لتعظيم القرآن، عظم الورق من تعظيم كتاب الله المكتوب فيه، فلا يقرأ فيه وهو على غير طهارة، يمسه، تعظيماً للذي حمل كتاب الله، وأما إذا قرأ عن ظهر قلب فالقرآن في جوفه لا يضره ذلك؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقرأ على كل أحيانه، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، وهو المعلم، وقال لنا: (لا يمس القرآن إلا طاهر) فنحن في هذا امتثلنا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وامتثلنا فتوى الصحابة، كون القرآن في أجوافنا ونقرأ لا يضرنا ذلك، إذا كنا على غير طهارة، بخلاف المصحف الذي قد تعين لحمل القرآن في أوراقه، صار فيه مكتوباً كلام الله، فمن تعظيم كلام الله أن لا يقرأ إلا عن طهارة من هذا المصحف الذي حمله، وعين فيه.
ثم الأمور توقيفية، العبادات توقيفية، لا مجال للرأي فيها، ما دام النص جاء بعدم مس القرآن إلا وأنت طاهر، وأفتى به الصحابة وهم أعلم الناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم بالأحكام الشرعية، فإذا أفتوا بهذا ففتواهم أولى من غيرهم.
الجواب: لا بأس بذلك، لا بأس أن يقرأ القرآن قائماً وقاعداً ومضطجعاً، لا حرج في ذلك، لقول الله سبحانه وتعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103] والذكر يعم التسبيح والتهليل والتكبير، ويعم القرآن، وهو ذكر، ولقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه مسلم في الصحيح قالت: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) هذا يعم كونه واقفاً، أو جالساً، أو مضطجعاً، النصوص تعم ذلك.
الجواب: لا أعلم في هذا شيئاً، وإن كان أخذه باليمنى أفضل، اليمين أفضل في كل حال، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل يده اليمنى لطهارته ولترجله، وللأخذ والعطاء، وللمصافحة ونحو ذلك، واليسرى لما سوى ذلك، فإذا دعت الحاجة إلى أن يأخذ المصحف باليسار؛ لأن اليمين تعبت، أو لأنه أراد أن يأخذ شيئاً بها أو ما أشبه ذلك، فلا حرج إن شاء الله؛ لأنهما يتعاونان، اليدان تتعاونان، وليس المقصود بأخذه باليسرى إهانة ولا تساهلاً وإنما تعاون من هذه لهذه، فهما يتعاونان، فإذا جعله في اليسرى وقرأ أو في اليمنى وقرأ، كله لا بأس به إن شاء الله، لكن مع الناس كونه في اليمنى أولى وأفضل، لما تقدم من تفضيل اليمنى في الأخذ والإعطاء والأكل ونحو ذلك.
الجواب: لا نعلم حرجاً أن يتكلم وهو يقرأ؛ لكن كونه يشتغل في قراءته ولا يشغل بالكلام أولى حتى يحضره بقلبه، بالتدبر والتعقل، يكون هذا أفضل إذا لم تدع الحاجة إلى الكلام، أما إذا دعت الحاجة للكلام فلا حرج إن شاء الله، يتكلم ثم يرجع إلى قراءته، مثل يرد السلام على من سلم عليه، مثل يجيب المؤذن إذا سمع الأذان .. يسكت؛ لأن هذه سنن ينبغي للمؤمن أن يأخذ بها ولا يتساهل فيها، إذا سمع الأذان أنصت للأذان وأجاب المؤذن ثم عاد إلى قراءته، هذا هو الأفضل، كذلك إذا رد عليه إنسان سلم عليه، يرد عليه السلام، أو سمع عاطساً يحمد الله يشمته، أو يأمر أهله بحاجة، أو جاء إنسان لحاجة، لا يحسن تعطيله، كل هذا لا بأس به، أما الكلام الذي لا تدعو له حاجة، فالأولى تركه حتى يشتغل بالقراءة، وحتى يتدبر ويتعقل؛ لأن هذا هو المطلوب؛ لأن الله سبحانه يقول: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] ومعلوم أن الكلام الذي ما له حاجة يكون فيه شغل للقلب، وفيه أيضاً إضعاف للتدبر، فالأولى تركه.
الجواب: هذا موضوع قد طرق غير مرة، وتكلمنا فيه غير مرة، وقد تكلمنا مع وزارة التجارة في ذلك غير مرة، وجرى في ذلك مكاتبة بيننا وبينها، والمعلوم منها: أن كل ما يرد إلى هذه البلاد كله معروف حله، وأنه ليس فيه شك، وأنه من الأشياء الطيبة المعلومة من جهة الذبح ومن جهة غيره، والأصل أيضاً حل ما يأتي من بلاد أهل الكتاب، هذا هو الأصل، ما جاءنا من بلاد أهل الكتاب؛ من النصارى واليهود، فالأصل حله؛ لأن الله سبحانه أباح لنا طعام أهل الكتاب، وطعامهم ذبائحهم، فالذي يأتي من فرنسا، أو من إنجلترا، أو من الدنمارك، أو ما أشبه ذلك من بلاد النصارى وهكذا بلاد اليهود -لو كان بيننا وبينهم صلة- فهو حل لنا؛ لأنه من طعامهم، وليس علينا أن نفتش ونقول: لعل كذا، لعل كذا، أما إذا علمنا أنه ذبح على غير الشريعة مثل الخنق والصعق بالكهرباء، ونحو ذلك، إذا علمنا هذا في هذه الذبيحة أو في هذا اللحم، لا نأكله، أما إذا لم نعلم فالأصل الحل مثل ذبائح المسلمين، الأصل فيها الحل حتى نعلم أن هذا مسلم ذبحها ذبحاً غير شرعي كالخنق، وبهذا نكون قد أخذنا بالرخصة والتيسير وتركنا الحرج والتكلف.
الجواب: الله جل وعلا يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فإذا كان المرض يحصل بتأخير الجرعة عن موعدها فلا بأس بالإفطار، إذا كان اليوم طويلاً مثل خمس عشرة ساعة من هذه الأيام، لا بأس أنه يأكل الجرعة الحبة التي عينت له ويفطر بذلك، ويقضي هذا اليوم، يأكلها ويمسك ويقضي؛ لأن الإفطار من أجلها، فيمسك ويقضي بعد ذلك، أما إذا تمكن أن يؤجل ولا يشق عليه ذلك، فإنه يلزمه التأجيل حتى يأكلها بالليل.
المقدم: هو في الحقيقة يقول: ما أستطيع أؤجل ..
الشيخ: مثلما قال، قلنا: إذا كان لا يستطيع يأكلها والحمد لله، ويقضي اليوم في الأيام القصيرة، في الأيام الباردة.
الذي لا يزيد النهار فيها على اثني عشر.
المقدم: أيها السادة! إلى هنا ونأتي على نهاية هذا اللقاء الذي استعرضنا فيه رسائل المرسل (ج. س. ك)، ويسأل عن صيام الست من شوال قبل ما عليه من رمضان، وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أنه على المسلم صيام ما فاته من رمضان قبل صيام الست.
ورسالة محمد يحيى الغزواني من خميس مشيط من مكتبة باوزير، والمستمع عادل ناصر الفصام ، وجميع هذه الأسئلة والاستفسارات عرضناها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحته، وحتى أن نلتقي إن شاء الله تعالى نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (9) للشيخ : عبد العزيز بن باز
https://audio.islamweb.net