اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (10) للشيخ : عبد العزيز بن باز
أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات عبر رسائلكم على سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
سماحة الشيخ! لدينا مجموعة من الرسائل يغلب عليها الاستفتاء عن الحج.
====السؤال: هذه رسالة من جدة من ثاني و حسن الثاني ، يقول: سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى -آمين- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سماحة الشيخ! ما حكم المبيت بمزدلفة، وهل يجوز للحاج أن يذهب من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الفجر؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد دلت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على أن المبيت في مزدلفة أمر مفترض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بات بها، وقال: (خذوا عني مناسككم) -فالواجب على الحاج أن يبيت بها إذا انصرف من عرفات بعد الغروب، يقصد المزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء قصراً وجمعاً، العشاء ثنتين والمغرب ثلاث بأذان واحد وإقامتين، ويبيت بها حتى يصلي بها الفجر، فإذا صلى بها الفجر جلس بها أيضاً يذكر الله ويدعوه مستقبل القبلة، وإن قرب من المشعر فحسن، ولكن كل مزدلفة موقف الحمد لله، في أي مكان منها يذكر الله ويدعو مستقبل القبلة حتى يسفر، فإذا أسفر انصرف إلى منى كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا المبيت واجب عند أهل العلم على الصحيح، وقال بعضهم: يكفي المرور بها، ولكنه قول ضعيف، ويجوز للضعفاء من النساء والصبيان وكبار السن، ومن كان معهم بصحبتهم الانصراف من مزدلفة في آخر الليل بعد مضي نصف الليل، والأفضل بعد غروب القمر، كما جاء في حديث أسماء بنت أبي بكر فإذا غاب القمر انصرفوا إلى منى كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لـسودة ولغيرها ولـأم سلمة . هذا هو المشروع، ومن بقي من الضعفة مع الناس فلا بأس، فإذا انصرفوا من مزدلفة في آخر الليل توجهوا إلى منى ورموا الجمرة إن شاءوا، وإن شاءوا جلسوا في منى حتى يرموها نهاراً، هم مخيرون، ومن رماها ليلاً كما رمت أم سلمة في آخر الليل فلا بأس، للضعفة يرمونها ليلاً في آخر الليل ثم ينصرفون إذا شاءوا إلى مكة للطواف ولا سيما النساء، فإنهم يخشون أن تنزل بهم العادة الشهرية فتمنعهم من الطواف، فإذا توجهوا إلى مكة مسرعين آخر الليل من الطواف فلا بأس، كل هذا لا حرج فيه بحمد الله.
أما الأقوياء فالسنة لهم المبيت بمزدلفة حتى يصلوا بها الفجر، وحتى يقفوا بها بعد الفجر حتى يسفروا، هذه السنة، ومن انصرف من الأقوياء مع الضعفة في آخر الليل أجزأه ذلك وصح حجه في أصح قولي العلماء، ولكنه ترك الأفضل.
الجواب: التقاط الجمرات جائز من مزدلفة ومن بقية الحرم، ومن عادة العامة أنهم يلتقطون الحصى كلها من مزدلفة، وقد روي عن بعض السلف ذلك، ولكن الأفضل عدم ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما التقط سبعاً يوم العيد -صبيحة العيد- لقطها له ابن عباس وأعطاها إياه عليه الصلاة والسلام، وجعل يقبضها في يده، ويقول: (أمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) وما لقط إلا سبع، مثل حصى الخذف صغيرة، يعني: مثل بعر الغنم غير الكبير، هذا هو حصى الخذف، فوق الحمص ودون البندق، يرمي به الجمرة يوم العيد، وإن لقطه من منى كفى ذلك، فإن ظاهر الحديث أنه لقط له من منى عليه الصلاة والسلام، لقطه له صباح يوم العيد من منى ابن عباس ، هذا ظاهر السياق، فإذا لقطه من منى أو من مزدلفة فلا بأس، كله طيب وكله كافي، أما بقية الجمار فيلقط من منى، هذا ظاهر السنة، وإن لقطه من مزدلفة وجمعه فلا حرج، لكن الأفضل أن لا يتخلف، فيلقطه من منى ويكفيه والحمد لله، كل يوم واحد وعشرين حصاة من منى، للجمرات الثلاث الحادي عشر والثاني عشر، وهكذا الثالث عشر لمن لم يتعجل.
ومما قد يغلط فيه العامة: أنهم إذا وصلوا مزدلفة اشتغلوا بلقط الحصى قبل الصلاة وقبل كل شيء، هذا غلط ما لها أساس، إذا صلى وتفرغ وتعشى، إذا أحب يلقطها لا بأس، وإن تركها بمنى كفى ذلك والحمد لله والمقصود أن العامة يتكلفون في هذا وليس له أصل، إن لقطها من مزدلفة فلا بأس بعدما يصلي وبعدما يستريح، وإن تركها حتى يلقطها من منى كفى ذلك، والحمد لله.
الجواب: تقدم ما يدل على هذا، وإن أخذها من مزدلفة ما هو لازم، لو أخذها من مزدلفة ونثرها وأخذ غيرها من منى كفى، فإذا أخذ من مزدلفة سبعاً ثم طاح منها شيء يأخذ من منى، الحمد لله، ولا حاجة إلى أن ينقلها معه ينثرها من منى ويكفي.
الجواب: المشعر الحرام يدعو عنده الإنسان مثلما شرع الله الذكر، يذكر الله ويدعو، قال الله جل وعلا: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [البقرة:198-199].
فإذا أتى المشعر يذكر الله؛ إذا أتى مزدلفة، قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ويجتهد في الدعاء أيضاً ويستغفر ربه سبحانه وتعالى.
الجواب: علاج منع الحمل كثير، لكن هناك حبوب معروفة يعرفها الأطباء إذا تناولتها المرأة لأجل عدم توالي الحمل لمدة سنة أو سنتين، لا بأس بذلك عند الحاجة إلى هذا، لا حرج في ذلك، وإن أرضعت الطفل ولم تتركه للحليب المجفف فذلك أفضل لها إذا تيسر أنها ترضعه وحصل فيها لبن، كونها ترضعه هذا من أسباب عدم حملها، ما دامت ترضعه حتى تفطمه، هذا هو الغالب بإذن الله، إذا كانت ترضع فإنها لا تحمل في الغالب، فترضعه وتكفي زوجها مئونة التعب في الصيدليات، وشراء الحاجات الأخرى، فإذا قدر أنها ليس فيها حليب فإنه يعتني بما يجب حول الطفل، وسوف يعطيه الله من فضله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:2-4].
فعلى والد الطفل أن يستعين بالله، وأن يسأله من فضله، وأن يتعاطى، أسباب الرزق، وله البشرى، سوف يعطيه الله سبحانه وتعالى من فضله، ولا بأس أن تتعاطى المرأة الحبوب التي تمنع الحمل لمدة سنة أو سنتين رفقاً بالوالد عن توالي الحمل، ورفقاً بها أيضاً عن مشقة الحمل، هذا بعد هذا بسرعة، لا حرج في هذا إن شاء الله، وإن صبرت على الحمل وصبر هو على الحمل ولو توالى فهذا خير إلى خير، ولعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله وينفع المسلمين.
فالحاصل: أن تعاطي حبوب الحمل لا بأس بها عند الحاجة إليها لكن لا يطول، مدة سنة أو سنتين ثم تترك حتى تحمل وحتى يكثر الأولاد، والله هو الرزاق، ما ينبغي للوالد أن يشكو مشقة من المئونة، فإن الله سوف ييسرها ويعينه عليها إذا لجأ إليه واستعان به سبحانه وتعالى.
الجواب: كل هذا لا حرج فيه، إذا قص شاربه وقلم أظفاره بعد اللبس؛ لبس الإزار أو الرداء، أو قبل ذلك قبل النية فلا بأس، كله طيب، المقصود: أنه يغتسل ويتطيب، ويقلم أظفاره ويقص شاربه، ويأخذ إبطه إذا كان فيه شيء قبل أن ينوي، قبل أن ينوي العمرة أو الحج، قبل أن يلبي أيضاً، هذا هو الأفضل، ولو ترك ذلك فما أخذ شيئاً من شارب ولا ظفر، ولا اغتسل ولا تطيب، لا حرج عليه، كل هذه مستحبة، لو أحرم ولم يغتسل ولم يتطيب ولم يقص شارباً ولا ظفراً فحجه صحيح وعمرته صحيحة والحمد لله، إنما هذه أمور مستحبة عند الإحرام، ولو فعل ذلك في الطريق أو في بيته في منتصف الطريق قبل الإحرام بساعة أو ساعتين، أو كذا، أو أخذ شاربه في الطريق، أو قلم أظفاره في الطريق، أو نتف إبطه في الطريق، كفى ذلك، أو في بيته في البلد، كل هذا بحمد الله موسع.
الجواب: لا شك أيها الأخ السائل أن البنوك الربوية يحرم التعامل معها ويحرم مساعدتها، فالبنوك التي تعامل بالربا لا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون معها؛ لأن ذلك داخل في قوله سبحانه: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] فلا يشترى منها سهام، ولا تعان بشيء؛ لأنها تعان على الإثم في هذا.
أما البنوك الإسلامية التي لا تعامل بالربا فلا بأس بالاشتراك فيها والتعاون معها؛ لأنه تعاون على البر والتقوى، فينبغي للمؤمنين أن يحذروا هذه الأشياء التي حرم الله عليهم، فالتعامل مع البنوك الربوية مما لا يرضاه الله سبحانه، بل لا يجوز ذلك، سواء كان التعاون بالكتابة، أو الوظيفة، أو التعاون بالمساهمة فيها وبذل المال فيها والمشاركة، كل هذا لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن كاتب الربا، وآكل الربا، وموكله، وشاهديه)؛ لأنهم يتعاونون في هذا، والتعاون على الإثم والعدوان أمر محرم، فالكتابة للربا، والشهادة على الربا، وأكل الربا، وإيكال الربا كله محرم، وهكذا أنواع التعاون مع المرابين.
الجواب: لا شك أن سفر المرأة بدون محرم أمر لا يجوز، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فوجب على المسلمين امتثال أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز للمرأة أن تسافر للحج ولا لغيره إلا بمحرم، وهو أخوها، أو عمها، أو أبوها، أو زوجها، فأخت الزوجة لست لها محرماً، فليس لها أن تسافر معك، ولو غضبت أختها فليس لها أن تسافر معك لا للحج ولا غيره، ولك أن تعتذر بالأمر الشرعي وتقول: لا يسعني أن تسافري معنا، ولست لي بمحرم، وهذا هو الواجب عليك، وعليها الاقتناع بأمر الله وبحكم الله سبحانه وتعالى، لكن لو حجت بغير محرم فإن حجها صحيح، وعليها التوبة والاستغفار مما تعاطت من الإثم، والحج صحيح؛ لأنه وقع موقعه، لكن الوسيلة إليه غير جائزة، فعليها التوبة إلى الله من ذلك والاستغفار، وحجها صحيح.
المقدم: أيها السادة! إلى هنا ونأتي على نهاية هذا اللقاء الذي استعرضنا فيه رسائل وأسئلة واستفسارات كل من المستمع ثاني و حسن الثاني من جدة، والعريف/ عبد القادر صلاح . الأردن. الزرقاء، والمستمعان (ح. س. ق) و (م. ن. د) بقيق، ويسألون عن حكم الأخذ من الشعر والأظافر بعد لبس الإحرام وقبل التلبية، وقد سمعنا من سماحته أنه لا شيء في ذلك، وأيضاً رسالة عادل إبراهيم الحمود من الخبر، وأخيراً سعد زيد الشامي من الثقبة.
شكراً لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وشكراً لكم أيضاً أيها السادة، وحتى نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (10) للشيخ : عبد العزيز بن باز
https://audio.islamweb.net