اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (13) للشيخ : عبد العزيز بن باز
أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء.
أيها الإخوة! لدينا مجموعة كبيرة من أسئلتكم واستفساراتكم، ونعرضها في هذا اللقاء على سماحة الشيخ الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: عبد العزيز بن عبد الله بن باز . مرحباً بسماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====السؤال: الرسالة الأولى وردتنا من المرسل فهد هايل شايم العنزي من الحدود الشمالية طريف، يقول في رسالته: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: إن بعض الآباء حينما يزوج ابنته يشترط على الزوج إذا طلق ابنته بعد الزواج أن يدفع مبلغ مائة ألف ريال مثلاً، هل هذا يجوز أم لا، علماً بأن زوجها الذي يطلقها لن يؤدي واجباً نحو هذا الزوج، أفيدوني جزاكم الله خيراً ودمتم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلم يثبت في الشرع المطهر تحديد للمهور، بل ما تراضى عليه الزوج وولي المرأة من المهر فلا بأس، قل أو كثر، ولكن دلت السنة في أحاديث كثيرة على شرعية التقليل من المهور وعدم التكلف والمغالاة، هذا هو السنة، لما في ذلك من تشجيع الزواج وإعفاف الشباب والفتيات، وتسهيل هذا الأمر الشرعي، فالمغالاة من أسباب تعطيل الرجال والنساء جميعاً، لا من جهة المهور ولا من جهة الولائم، والتساهل في المهور والولائم، والتخفيف في ذلك والتيسير في ذلك هو الذي ينبغي، وهو من أعظم الأسباب في تكثير النكاح، وتقليل السفاح، ومن أعظم الأسباب لعفة الرجال والنساء، ومن أعظم الأسباب لكثرة الأمة، فينبغي لكل مسلم أن يعتني بهذا، وأن يحرص على التخفيف والتيسير في المهور والولائم مهما أمكن ذلك، وإذا اتفق الزوجان على مهر معين ولو كان كثيراً لزم، على حسب الشروط؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج) متفق عليه.
فإذا شرط عليه مالاً معيناً يدفعه عند الطلاق ودخل على ذلك لزم، فإذا زوجه على أنه يدفع لها أولاً مثلاً خمسة آلاف، وعند الطلاق عشرة آلاف أو عشرين ألفاً، أو أكثر أو أقل، فإنه يلزمه، ويكون المال المعين الأخير مؤجلاً إلى الطلاق، ويلزم الزوج إذا طلق أن يؤديه إلا إذا سمحت المرأة الرشيدة بذلك، وأعفته من ذلك فلا بأس؛ لأن الله سبحانه يقول: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، فإذا سمحت وعفت وطابت نفسها بشيء من المهر فلا بأس؛ لقول الله عز وجل: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4].
فالمقصود أن الشروط التي تكون بين الزوجين في النكاح معتبرة ولازمة إذا كانت موافقة للشرع المطهر، ومن ذلك شرط المهر المعين، المعجل والمؤجل، هذا هو الصواب.
الجواب: الصداق يتنوع، كل ما يدفع لها في مقابل استحلال فرجها هو المهر، كل شيء يدفع لها يشرط على الزوج في مقابل عقد النكاح فهو مهرها، سواء كان نقوداً، أو حلياً، أو فرشاً .. أو غير ذلك، كل ما يدفع لها من المال سواء كان نقداً أو غيره فهو يعتبر مهراً، إذا كان شرطاً في النكاح، أما إذا كان بعد النكاح فهذا من باب التورع، من باب المساعدة، ما كان شرطاً في النكاح يتفقان عليه في موافقتها ورضاها بالعقد فهذا هو المهر، ولا يختص بالنقود، بل يدخل فيه ما يشرط من غير النقود، مثل الملابس، مثل الحلي؛ مثل الذهب أو الفضة.. أو غير ذلك، مثل ما يسمونه الآن: غرفة النوم.. إلى غير ذلك.
الجواب: يشرع لمن صلى فرداً ثم جاءت جماعة أن يصلي معهم، اغتناماً لفضل الجماعة، وتكون صلاته معهم نافلة، والأولى هي فرضه، هذا هو الصواب، ومما يدل على هذا قوله عليه الصلاة والسلام لـأبي ذر لما ذكر الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل معهم، فإنها لك نافلة)، ولما دخل رجل وقد صلى الناس قال عليه الصلاة والسلام: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه).
فالحاصل: أنه إذا صلى الفرض فرداً ثم جاءت جماعة شرع له أن يصلي معهم حتى يدرك فضل الجماعة، وإن كان صلى قبل الناس يحسب أنهم قد صلوا ثم جاء الناس وجاء الإمام، فيشرع له أن يصلي معهم، وتكون فرضه الأولى، والثانية نافلة.
المقدم: لو كان في الأولى منفرداً؟
الشيخ: سواء كان منفرداً أو في جماعة، إذا صلى الأولى فرضه منفرداً أو في جماعة ثم حضر جماعة أخرى فصلاته معهم نفل لا فرض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له في منى في حجة الوداع عن شخصين أنهما لم يصليان، دعاهما، فقال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، قال عليه الصلاة والسلام: إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه، فإنها لكما نافلة) ، فأمرهما أن يصليا مع الإمام إذا حضرا وهو في الصلاة، وأخبر أنها نافلة لهما، وأن صلاة الفريضة هي التي تقدمت.
الجواب: إذا صلى مع جماعة فلا وجه لانتقاله إلى جماعة أخرى، إذا أحرم مع الجماعة ثم جاءت جماعة أخرى فإنه يكمل مع الجماعة التي أحرم فيها، ولا نرى وجهاً لانتقاله إلى الجماعة الأخرى ما دام يصلي مع جماعة، أحرم مع جماعة يصلي معهم ثم جاءت جماعة أخرى تصلي، فإنه لا ينتقل إليها بل عليها أن تصلي مع الناس، فهذه الجماعة الأخيرة تصلي مع الجماعة الأولى ولا تنفرد؛ لأن هذا اختلاف لا وجه له، وبدعة في الشرع، كونه تصلى جماعتان في المسجد أو ثلاث، هذا لا وجه له، بل الواجب أنهم إذا جاءوا والإمام الأول لم يصل صلوا معه، إذا لم يكن به مانع، أما إذا كان الإمام الأول فيه مانع، كونه مثلاً كافراً لا تصح الصلاة خلفه، هذا له وجه شرعي، لكن إذا كان الإمام ممن تصح الصلاة خلفه فإنها لا تعدد الجماعة بل يصلون جميعاً، ولا يتعدد في المسجد جماعات في وقت واحد، لكن إذا صلى الجماعة الأولى وجاء ناس ما صلوا فإنهم يصلون جماعة، وقول بعض السلف إنهم يصلون فرادى قول ضعيف ليس بصواب، فالصواب أنهم إذا جاءوا وقد صلى الناس يصلون جماعة لا فرادى، حرصاً على فضل الجماعة، وعملاً بالأحاديث العامة، ومن ذلك ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلان أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله).
فالجماعة مطلوبة، فإذا فاته الصلاة مع الجماعة الرسمية التي هي الجماعة الأساسية في المسجد، ثم أدرك جماعة يصلون صلى معهم جماعة ولا يصلي وحده.
الجواب: لا مانع إذا سافر الإنسان لطلب المعيشة، لطلب الرزق، ليعمل ويكتسب للنفقة على أهله، أو سافر لطلب العلم، فلا بأس أن يغيب أكثر من أربعة أشهر وأكثر من ستة أشهر، نعم كان عمر رضي الله عنه وأرضاه اجتهد، كان يأمر الرجل أن لا يغيب أكثر من ستة أشهر إذا أمكنه الرجوع إلى أهله، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه، والحرص على عفة الفروج، وعلى سلامة المجتمع من الأخطار، فإذا تيسر له أن يزور أهله بعد ستة أشهر فهذا حسن، وإلا فليس بلازم إذا كان في عمل مباح، أو عمل شرعي مثل طلب العلم، وكذلك طلب الرزق وكسب الحلال لينفق على أهله، فهو في هذا في عمل مهم ولا حرج عليه، ولكن إذا كان يخشى شراً على أهله أو يخشى أن الحالة تسوء بينه وبينهم، فينبغي له أن يلاحظ العودة إليهم سريعاً في الوقت المناسب، ولا يرتبط ارتباطاً طويلاً قد يفضي إلى الفرقة بينه وبين أهله، أو يفضي إلى مضرة عليهم، ولا سيما إذا كان يخاف عليهم من الفساد، فينبغي له أن يلاحظ هذا، بنقلهم معه أو الزيارة التي تكون قريبة لا بعيدة، ويتفق مع من يعمل عندهم على هذا الشيء، وكذلك إذا كان في طلب العلم يحرص على الزيارة في الأوقات المناسبة، كالإجازة الصيفية، أو غير هذا من الأوقات التي يمكن أن يزور فيها حتى يجمع بين مصلحتين؛ مصلحة طلب العلم والعمل، ومصلحة أهله، وزيارتهم وقضاء حاجتهم.
الجواب: إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حال شدة الغضب وغيبة الشعور، وأنك لم تملك نفسك ولم تضبط أعصابك بسبب كلامها السيء وسبها لك، وشتائمها ونحو ذلك، وأنك أطلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور، وهي معترفة بذلك، أو لديك من يعرف ذلك من الشهود العدول، فإنه لا يقع الطلاق؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت أن شدة الغضب وإذا كان معه تغير الشعور لا يقع به الطلاق، ومن ذلك ما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)، قال جماعة من أهل العلم: الإغلاق: الإكراه والغضب، يعنون الغضب الشديد، فالغضبان قد أغلق عليه أمره، وقد أغلق عليه قصده، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران، بسبب شدة الغضب، فلا يقع طلاقه، وإذا كان مع ذلك تغير الشعور، وأنه لم يحفظ ما صدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق، والغضبان له ثلاث حالات:
حالة يتغير معها الشعور: فهذا يلحق بالمجانين، ولا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم.
الحال الثاني: أن يكون قد اشتد به الغضب ولكن لم يفقد شعوره بل عنده شيء من الإحساس وشيء من العقل، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق، فهذا لا يقع طلاقه على الصحيح أيضاً.
والحال الثالث: أن يكون غضبه عادياً ليس بالشديد جداً، بل عادياً كسائر الغضب الذي يقع بين الناس، ليس بالشديد، ليس بالملجئ، فهذا يقع معه الطلاق عند الجميع.
والسائل حاله إما من الوسط، أو من الشديد الذي قد تغير معه الشعور حسب ما ذكر في سؤاله، فيكون طلاقه غير واقع وزوجته معه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للجميع الهداية والصلاح وحسن العاقبة.
الجواب: ظاهر كلامه أن مقصوده: حث نفسه على قتل أخيه وذبح أخيه، وليس المقصود فراق الزوجة، فإذا كان المقصود من هذا الطلاق حث نفسك على الذبح كما هو ظاهر من كلامك أيها السائل، فإن عليك كفارة اليمين، وحكمه حكم اليمين إذا كان المقصود من ذلك أن تقتل أخاك، أو طلقت لأجل هذا، فإن عليك كفارة اليمين ولا شيء عليك، لا يقع الطلاق على زوجتك، وعليك كفارة اليمين؛ لأن هذا في حكم اليمين على الصحيح من أقوال العلماء، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، من تمر، أو رز، أو حنطة.. أو غير ذلك من قوت البلد، عشرة، تطعم كل واحد نصف صاع من قوت البلد، أو يكسوهم كسوة تجزئهم الصلاة، كالقميص، أو الإزار وغيره، كل واحد يعطى إزاراً ورداء، يكفي ذلك، ومن عجز ولم يستطع لفقره وعدم قدرته فإنه يصوم ثلاثة أيام.
المقدم: أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي أجبنا فيه على أسئلة واستفسارات السادة المستمعين: فهد هايل شايم العنزي من الحدود الشمالية طريف، وناجي مصلح عبد الله من دولة البحرين منطقة أمن المحرق، وسعيد إبراهيم من جمهورية مصر العربية، وسالم الخليص بن مطر من حلب سوريا، وأخيراً المستمع ( خ. ل. ف) من سوريا أيضاً ويسأل عن الحلف بالطلاق.
عرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات التي وردتنا منهم على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (13) للشيخ : عبد العزيز بن باز
https://audio.islamweb.net