اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (17) للشيخ : عبد العزيز بن باز
أيها السادة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء الذي لدينا فيه مجموعة كبيرة من الأسئلة والاستفسارات، ونعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ في بداية لقائنا هذا.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: سماحة الشيخ! هذه الرسالة وردتنا من المعذبة -على حسب كلامها- (س) أسعد الأسمر تقول في رسالتها: إن لدي ولداً، وفي أثناء حمله شاهدت في منامي شيخاً عجوزاً يقول لي: إنك ستنجبين ولداً فأسميه يوسف، وحين ولادته أسميته غير هذا الاسم؛ لأنني قد نسيت ذلك الذي تقول: أنا أتخيله أمامي حتى الآن، وقد بلغ الولد العاشرة من عمره، ومنذ ولادته حتى الآن وهو مريض ويخرج من مرض ليدخل في المرض الثاني، فلم نشاهد عليه وقتاً كان متعافياً فيه، فهل لما رأيته في المنام شأن في هذا، أي: هل أغير اسمه إلى يوسف لعل الله يكتب له الشفاء بإذنه سبحانه وتعالى، أرجو إفادتي؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الرؤيا التي رأتها السائلة: أن شيخاً عجوزاً أمرها أن تسمي ولدها يوسف ثم نسيت فلم تسمه يوسف، وابتلي الولد بالمرض إلى حين التاريخ، وتسأل: هل لهذه الرؤيا أثر لهذا وهل تغير اسمه؟
الجواب: ليس لهذه الرؤيا أثر، والرؤيا في المنام لا يعول عليها، وليست ملزمة لأحد بشيء، وقد تكون من الشيطان للإيذاء والتحزين، ولاسيما إذا كانت عند رؤيتها لهذا الشيخ قد كرهت ذلك، فإن هذا من الشيطان، والنبي عليه السلام قال: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان) فإذا رأى أحد ما يكره فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم لينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، هكذا ينبغي للرائي، إن رأى ما يسره حمد الله وأخبر به من يحب، وإن رأى ما يكره استعاذ بالله من الشيطان ومن شر ما رآه ثلاث مرات، ونفث عن يساره ثلاث مرات ثم انقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الصبي الذي في المرض لله سبحانه وتعالى فيه حكم، وأنت أيتها السائلة على خير إن شاء الله، التمريض والتعب هذه من المصائب، والمصائب للعبد عليها خير كثير إذا صبر، كما قال جل وعلا: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] وجاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من -عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها)، فالإنسان يصاب بأشياء من أمراض في نفسه، أو في ولده، أو في زوجه، أو في أقاربه، أو بتلف مال، أو بأشياء أخرى مما يكره، فعليه أن يصبر ويحتسب، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، وهو على خير عظيم، ما أصاب العبد من مصيبة مما يكره من مرض أو هم أو حزن أو غير ذلك حتى الشوكة إلا كفر الله بها من خطاياه.
فعليك يا أخت في الله الصبر والاحتساب وأبشري بالخير، وأسأل الله أن يمنح ولدك الشفاء والعافية، وأن يريك فيه ما يسرك، وأن يمن عليه بالعافية مما أصابه، وعليك أن تسألي الله جل وعلا أن يعافيه ويشفيه من عنده، ولاسيما في آخر الصلاة، في السجود، في صلاة الليل، سلي الله له الشفاء والعافية، واعرضيه على من تيسر من الأطباء، لعل الله يمن عليه بالشفاء والعافية، وأما الرؤيا فليس لها أثر في هذا.
الجواب: لا ريب أن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قد يقع فيه شيء مما ذكره السائل بالنسبة إلى أهل العلم وأهل البصائر، ولكن ينبغي أن يعلم أننا عبيد مأمورون لا مشرعون، علينا أن نمتثل أمر الله وعلينا أن ننفذ شريعة الله، وليس لنا أن نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله، يجب أن نعلم هذا جيداً، الله سبحانه يقول:أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].
ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، يعني: فهو مردود على من أحدثه، وفي لفظ آخر عند مسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة تدل على تحريم البدع، وأن البدع هي المحدثات في الدين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته: (أما بعد .. فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).
وتعلمون أيها المستمعون من أهل العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة السلام، ولم يقل للناس: احتفلوا بالمولد، بدراسة السيرة أو بغير ذلك، ولاسيما بعد الهجرة فإنها وقت كمال التشريع، فمات صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً من ذلك.
وأما حديث: (أنه سئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه) هذا لا يدل على الاحتفال بالموالد كما يظن بعض الناس، وإنما يدل على فضل يوم الإثنين وأنه يوم شريف؛ لأنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ولأنه ولد فيه عليه الصلاة والسلام، ولأنه يوم تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل، فإذا صامه الإنسان لما فيه من المزايا فهذا حسن، أما أن يزيد شيئاً غير ذلك فهذا ما شرعه الله، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يوم ولدت فيه) لبيان فضل صومه، ولما سئل في حديث آخر عن صوم الإثنين والخميس -أعرض عن الولادة- وقال في يوم الخميس والإثنين: (إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، وسكت عما يتعلق بالمولد، فعلم بذلك أن كون يوم المولد جزء من أسباب استحباب صومه مع كونه تعرض فيه الأعمال على الله، وكونه أنزل عليه الوحي فيه، فهذا لا يدل على الاحتفال بالموالد، ولكن يدل على فضل صيام يوم الإثنين، وأنه يصام لهذه الأمور؛ لكونه ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكونه أنزل عليه الوحي فيه، ولأنه تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل.
ولو كان الاحتفال بالموالد أو بمولده عليه الصلاة والسلام أمراً مشروعاً أو مرغوباً فيه لما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله، وهو أنصح الناس، ولا يجوز أن يظن به أنه يسكت عن أمر ينفع الأمة وينفعه عليه الصلاة والسلام ويرضي الله عز وجل، وهو أنصح الناس، هو ليس بغاش للأمة وليس بخائن ولا كاتم، فقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكل شيء لم يكن في وقته مشروعاً، فلا يكون بعد وقته مشروعاً، فالتشريع من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما أوحى الله جل وعلا إليه، وصحابته مبلغون عنه، ويحملون عنه ما بلغهم به، فهو لم يبلغ الناس أن الاحتفال بمولده مطلوب، لا فعلاً ولا قولاً، وصحابته ما فعلوا ذلك، ولا أرشدوا إليه لا بأفعالهم ولا بأقوالهم، وهم أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هم أعلم الناس بالسنة، وهم أفقه الناس، وهم أحرص الناس على كل خير فلم يفعلوه، ثم التابعون لهم كذلك، ثم أتباع التابعين حتى مضت القرون المفضلة، فكيف يجوز لنا أن نحدث شيئاً ما فعله هؤلاء الأخيار؟
ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أرشد إليه، ولا فعله صحابته رضي الله عنهم، ولا أتباعهم بإحسان، القرون المفضلة، وإنما أحدثه بعض الشيعة بعض الرافضة، أول من أحدثه شيعة بني عبيد القداح شيعة الفاطميين، الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، هم الفاطميون الذين ملكوا المغرب ومصر والشام على رأس المائة الثانية وما بعدها إلى القرن الخامس وأول السادس.
فالمقصود: أن هؤلاء هم الذين أحدثوا الأعياد، والاحتفال بالموالد، كما ذكر جماعة من المؤرخين: أحدثوا ذلك في المائة الرابعة، ثم جاء بعدهم من أحدث هذه الأشياء، أحدثوها للنبي صلى الله عليه وسلم، و للحسن ، و الحسين ، و فاطمة ، وحاكمهم، فالمقصود أنهم هم أول من أحدث هذه الموالد، فكيف يتأسى بهم المؤمن في بدعة أحدثها الرافضة، هذا من البلاء العظيم.
ثم أمر آخر وهو: أنه قد يقع في هذه الاحتفالات في بعض الأحيان في بعض البلدان شرور كثيرة، قد يقع فيها من الشرك بالله، والغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه من دون الله، والاستغاثة به، ومدحه بما لا يليق إلا بالله كما في البردة، فإن صاحب البردة قال فيها:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بهسواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيديفضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتهاومن علومك علم اللوح والقلم
فأي شيء أبقى هذا لله عز وجل؟ هذا الغلو العظيم، وكثير من الناس يأتون بهذه القصيدة في احتفالاتهم وفي اجتماعاتهم، وهي قصيدة خطيرة فيها هذا الشرك العظيم.
المقصود: أن كثيراً من الاحتفالات في بعض البلدان يقع فيها الشرك الأكبر، بسبب الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم والغلو في مدحه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، ويقع فيها في بعض الأحيان أيضاً منكرات أخرى، من شرب الخمور، ومن الفواحش والزنا، ومن اختلاط الرجال بالنساء، هذا يقع في بعض الأحيان، وقد أخبرنا بهذا من لا نتهمه، وإن كانت بعض الاحتفالات سليمة من هذا.
والحاصل: أنه بدعة مطلقة، حتى ولو كان على أحسن حالة، لو كان ما فيه إلا مجرد قراءة السيرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة بهذه الطريقة أن يحتفل به في أيام مولده في ربيع الأول على طريقة خاصة كل سنة، أو في يوم يتكرر يعتاد باسم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، هذا يكون بدعة، لأنه ليس في ديننا هذا الشيء، وأعيادنا عيدان: عيد النحر، وعيد الفطر، وأيام النحر ويوم عرفة، هذه أعياد المسلمين، فليس لنا أن نحدث شيئاً ما شرعه الله عز وجل.
وإذا أراد الناس أن يدرسوا سيرته فيدرسوها بغير هذه الطريقة، يدرسوها في المساجد وفي المدارس، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة، تجب دراستها والتفقه فيها، تدرس في المدارس، في المعاهد، في الكليات، في البيوت، في كل مكان لكن بغير هذه الطريقة، بغير طريقة الاحتفال بالمولد، هذا شيء وهذا شيء، فيجب على أهل العلم التنبه لهذا الأمر، وعلى طالب العلم أن يتنبه لهذا الأمر، وعلى محب الخير أن يتنبه لهذا الأمر، هذه السنة خير وسلامة، والبدعة كلها شر وبلاء، رزق الله الجميع العافية والهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب: الأخت السائلة، البنت الكريمة السائلة، أنت على خير عظيم، فإن توجيه الطالبات وإرشادهن إلى الخير أمر مطلوب وفيه خير عظيم، ولا تخافي أنك قد تتأخري عن شيء مما دعوت الطالبات إليه، فالشيطان يبذل جهوده الخبيثة في التثبيط عن الخير وعن الدعوة إلى الخير، ويقول للإنسان: إنك قد تدعو إلى هذا ولا تفعل، ليثبطه، وليس كل داعي أو كل داعية يكون كاملاً ويفعل كل شيء، لكن عليه الاجتهاد وعليه الحرص أن يكون من أسبق الناس إلى ما يدعو إليه، وأن يكون من أبعد الناس عما ينهى عنه، ولكن ليس معنى هذا أنه إذا كان عنده شيء من قصور يتأخر، لا، عليه أن يتقدم ويدعو إلى الله ويرشد، سواء كان ذكراً أو أنثى، على المؤمن وعلى المؤمنة أن يجد في هذا الأمر، بالنصيحة، والتوجيه للطلاب والطالبات، ولغيرهن من غير الطالبات أيضاً من نساء البيت، نساء الجيران، وعند الاجتماعات المناسبة في الأعراس وغيرها تكون مؤمنة مرشدة معلمة، وهكذا المؤمن عند اجتماعه بإخوانه في أي مناسبة، أو في البيت أو في المسجد يكون مرشداً على حسب ما عنده من العلم، ولا يغتر بالشيطان ولا يخدعه الشيطان، ليحذر أن يخدعه الشيطان بأن يقول له: اسكت، فإنك قد تدعو إلى شيء ولا تفعل، وقد تنهى عن شيء وتفعل، فإن هذا من تثبيط الشيطان، ولكن ليجتهد وليحرص على أن يكون من السابقين إلى ما يدعو إليه، وعليه أن يكون من المتباعدين عما ينهى عنه، ويستعين بالله ويسأله التوفيق، وليستمر في عمله الصالح ودعوته الراشدة، وهكذا المؤمنة، المرأة، الطالبة والأستاذة عليهما أن تستمرا في الدعوة والتوجيه، وأن تستعينا بالله على العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى، والله ولي التوفيق.
المقدم: أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استعرضنا فيه أسئلة السادة المستمعين (س) أسعد الأسمر ، وعبد الله محمد بكر من جامعة الرياض من كلية الهندسة، والمدرسة (ن) عبد الحق من مكة المكرمة، عرضنا الأسئلة والاستفسارات التي وردت منهم على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (17) للشيخ : عبد العزيز بن باز
https://audio.islamweb.net