اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (21) للشيخ : عبد العزيز بن باز
أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء.
أيها السادة! ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات نعرضها في لقائنا هذا على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====
السؤال: سماحة الشيخ! هذه الرسالة وردتنا من المستفتي مفرح سعيد القحطاني من الرياض، يقول: أنا شاب يوجد لدي مشكلة وهي: أن أخي الكبير رضع من ثدي عمتي أخت أبي، وابنها رضع مع أخي الذي هو أكبر مني سناً، ثم جاءت بنت من عمتي، ورغبت الزواج منها إلا أنني متردد بسبب موضوع الرضاع، أرجو إفادتي هل يجوز لي الزواج من هذه الفتاة أم لا؟
مع العلم بأنني لم أرضع أنا وإنما هو أخي الكبير وأخوها الكبير منها، والله يحفظكم ويرعاكم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذا الرضاع الذي ذكره السائل لا يمنعه من تزوج ابنة عمته، كون أخيها رضع من أمه، لا يمنعه من تزوجها، مادام السائل لم يرضع من أمها وهي لم ترضع من أمه ولا من أخواته، ولا من زوجة أبيه، فليس بينهما رضاع يمنعها، الحاصل أنه لا بأس من تزوجه إياها؛ لأن رضاع أخيه من أمها لا يحرمها عليه، وهكذا رضاع أخيها من أمه لا يحرمها عليه؛ لأنها هي لم ترضع من أم الخاطب وهو لم يرضع من أمها، فلا حرج في ذلك.
الجواب: أما شرب الماء في صلاة الفريضة فهو ممنوع وهكذا الأكل، فإن الصلاة فيها شغل عن الأكل والشرب وكلام الناس، والواجب الطمأنينة فيها والإقبال عليها، أما في النافلة فأجاز هذا بعض أهل العلم ومنعه آخرون، ويروى عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يشرب في صلاة النافلة؛ لأنه كان يطيل الصلاة ويطيل التهجد، ولا أعلم دليلاً واضحاً في إجازة شرب الماء في الصلاة، فالصلاة فيها شغل، فالذي يظهر لي والله أعلم أن ترك ذلك أولى وأحوط في النافلة، كما يترك في الفريضة، والنافلة في الحكم كالفريضة، إلا ما خصه الدليل، ولا أعلم دليلاً واضحاً من كتاب أو سنة يدل على جواز شرب الماء في النافلة، فالذي أرى لإخواني ترك ذلك، كما يجب ترك ذلك في الفريضة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي في تهجده بالليل بعض الأحيان وهو قاعد، وفي بعض الأحيان يصلي وهو قائم عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على جواز أداء النافلة قاعداً؛ لأن الله قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]؛ ولأن النافلة مرغب فيها وفيها أجر عظيم، فمن رحمة الله أن وسع فيها حتى يصلي الإنسان ما تيسر، وحتى يستكثر من النوافل قاعداً وقائماً، أما الفريضة فلا يجوز الجلوس فيها إلا من عذر؛ لأن الله قال: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين لما سأله عن ذلك، قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، وهذا في الفريضة، وهذا رواه البخاري في الصحيح، وفي رواية النسائي : (فإن لم تستطع فمستلقياً)، هذا حكم الفريضة، فالواجب على المسلمين أن يصلوها قياماً مع القدرة رجالاً ونساء، فمن عجز عن ذلك لمرض صلى قاعداً، أو لشبه مرض مثل مسجون في محل سقفه قصير لا يستطيع القيام فيه ولا يستطيع الخروج منه فإنه يصلي على حسب حاله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فإن عجز عن القعود صلى على جنبه والأفضل الأيمن، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ويومئ إيماءً ويأتي بالأذكار الشرعية، ويأتي بالأفعال بالنية، فيكبر، ويستفتح، ويقرأ الفاتحة، يستفتح ويتعوذ ويبسمل ويتعوذ ويقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يكبر ناوياً الركوع وهو على حاله مستلقياً أو على جنبه، يكبر ناوياً الركوع، ويقول: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، ثم يرفع إذا كان مفرداً يقول: (سمع الله لمن حمده) ناوياً الرفع من الركوع وهو على حاله مستلقياً أو على جنبه، ثم يأتي بالذكر المشروع: ربنا ولك الحمد.. إلى آخره، ثم يكبر ناوياً السجود، ويقول: سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. إلى آخره، فيأتي بالأقوال ويأتي بالأفعال بالنية، الأقوال بلفظها والأذكار كذلك والدعوات، ويأتي بالأفعال بالنية، نية الركوع، نية السجود، نية الجلوس وهكذا، أما النافلة فأمرها بحمد الله موسع، إن صلى قائماً فهو أفضل، وإن صلى قاعداً فهو على النصف من أجر القائم، إذا كان قادراً وصلى جالساً في النافلة فصلاته صحيحة ولكنه على النصف من صلاة القائم، كما جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: أما شرب الدخان فلاشك في تحريمه وأنه من الخبائث التي حرمها الله عز وجل، لما فيه من الأضرار العظيمة التي بينها الأطباء وعرفها شاربوه، وهو من الخبائث التي حرمها الله في كتابه، وعلى لسان نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل في سورة المائدة: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، فبين سبحانه وتعالى أنه ما أحل إلا الطيبات، والله لنبيه يقول: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور أن يبلغ الناس أن الله أحل لهم الطيبات، ما أحل لهم الخبائث، والطيبات هي الأشياء النافعة المغذية التي كلها منفعة أو منفعتها غالبة وضررها قليل مغمور، هذه هي التي أباح الله من بهيمة الأنعام، من الحبوب الطيبة والثمار، من الفواكه، من الملابس الطيبة إلى غير ذلك، فالله إنما أباح الطيبات ولم يبح الخبائث، وكل شيء يغلب ضرره أو كله ضرر يحرم تعاطيه أكلاً وشرباً ولباساً ونحو ذلك، والدخان من هذا القسم كله ضرر، ونفعه وإن قدر فيه نفع فهو لا يعد.. مغمور في جنب مضاره الكثيرة عند من عرفه من الأطباء وغير الأطباء، وقد قال الله في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] فهو من الخبائث بلا شك، وقد توقف بعض أهل العلم في تحريمه، وبعضهم قال بكراهته، ولكن الذي عليه المحققون من أهل العلم الذين عرفوه هو تحريم ذلك، وأنه حرام بيعه، حرام شراؤه، حرام التجارة فيه، حرام شربه وتعاطيه، كل ذلك حرام، فالتجارة فيه محرمة، وشربه محرم، فيجب الحذر من ذلك، ويجب على أهل الإسلام الحذر من هذا الخبيث وتحذير الناس منه، ويجب على الدول الإسلامية أن تحاربه، وأن تمنع زراعته ودخوله في بلادها؛ لما فيه من الضرر العظيم على أبنائها، والله ولي التوفيق.
الجواب: حلق اللحى محرم ومنكر ومخالف لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن ذلك، فقال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين)، وقال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) هكذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وقص الشوارب، فقال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)، فأنت يا أخي مأمور باتباع نبيك عليه الصلاة والسلام وطاعته والسير على منهاجه، كما قال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، وقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، فالخير كله في طاعته؛ لأن طاعته طاعة لله عز وجل، وفي صحيح البخاري -رحمه الله- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
وهكذا التكبر على الناس وغمطهم من الكبائر، فالواجب التواضع لله والحذر من التكبر، صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه سئل (قال له رجل: يا رسول الله! الرجل يجب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، أفذلك من الكبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس)، فبين عليه الصلاة والسلام أن كون الثياب حسنة والنعال حسنة وهكذا البشت وما أشبه ذلك هذا ليس من الكبر، (إن الله جميل يحب الجمال)، فالجمال طيب ومحبوب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال في كتابه الكريم: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ثم بين أن الكبر بطر الحق وغمط الناس، فالكبر بطر الحق، يعني: رد الحق واطراحه إذا خالف هواه، ومعنى غمط الناس يعني: احتقار الناس، هذا الكبر احتقار الناس، واستصغارهم، والتكبر عليهم، ورد الحق إذا خالف الهوى، هذا هو الكبر.
أما الإسبال فهو محرم، جر الثياب أو الأزر أو السراويل أو البشت كله حرام؛ لما فيه من الكبر والخيلاء، ولما فيه أيضاً من إفساد الثياب وتنجيسها وتوسيخها، ولما فيه أيضاً من التشبه بالنساء، فإن المشروع للنساء إرخاء الثياب على الأقدام، فالمسبل قد تشبه بالنساء وخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث نهى عن الإسبال، وقال عليه الصلاة والسلام: (إياك والإسبال؛ فإنه من المخيلة)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) رواه البخاري في الصحيح، وهذا عام سواء أراد تكبراً أو لم يتكبر، هذا عام إذا تعمد ذلك، أما إذا غلبه ذلك ارتخى، مرفع وارتخى قليلاً وتعاهده هذا لا يدخل في ذلك، في قصة الصديق لما قال: (يا رسول الله! إن الإزار يرتخي، قال: لست ممن يفعل ذلك خيلاء)، أي: لست ممن يتعمد إرخاء الإزار تكبراً وتعاظماً، وليس معناه التقييد، بل معناه أن من شأن من جر الأزر التكبر، بخلاف الذي يتعاهد إزاره ويعتني به إذا استرخى فهذا ما قصد التكبر وليس ممن توعد بهذا الوعيد، ولهذا جاءت الأحاديث عامة في النهي عن الإسبال من غير تقييد، وجاء التقييد في أحاديث أخرى، فالتقييد لا يدل على تقييد الأحاديث الأخرى، بل هو من باب ذكر أفراد العام، فقوله صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، هذا يوحي وعيداً شديداً فيمن قصد الخيلاء، مع عموم الأحاديث الدالة على تحريم الإسبال مطلقاً، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) هذا عام ولأنه في الغالب يكون على الكبر، هذا الغالب، مع ما فيه من التساهل والتشبه بالنساء وتوسيخ الثياب ويعرضها للنجاسة، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر عند مسلم : (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)، هذا وعيد شديد ولم يقيد بالكبر فهو عام، ومن قال: (إنه مع الكبر محرم ومع عدم ذلك مكروه) فقد ضاع.. خالف الأدلة مخالفة ظاهرة، لكن من جره بقصد الخيلاء صار إثمه أعظم وصارت عقوبته أشد، ومن جره تساهلاً وتعمداً فهو قد فعل منكراً وتشبه بالنساء وخالف الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تعرض للوعيد: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار)، والوعيد في الآخر: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)، فالواجب على المسلمين الحذر من هذه الصفة وهذا الخلق الذميم ورفع الثياب فوق الكعب وألا تنزل تحت الكعب، فإن إزرة المؤمن من نصف ساقه إلى كعبه، ولا يجوز له نزول الثوب يعني سواء كان إزاراً أو قميصاً عن الكعب، ولا ينبغي أن يكون فوق نصف الساق؛ لأنه إذا كان فوق نصف الساق قد يتعرض لظهور العورة، والعورة من السرة إلى الركبة، لكن إذا ارتفع عن نصف الساق قد تنكشف العورة، فالأولى أن ينزل عن الركبة إلى نصف الساق، ولكن بين نصف الساق وبين الكعب هذا محل الإزرة الشرعية، وهذا محل أطراف الثياب من نصف الساق إلى الكعب، ولا يجوز النزول عن الكعب، نسأل الله للجميع التوفيق. نعم.
الجواب: هذا قد يعرضه لسوء الظن به، وقد يكون أسوة لغيره في هذا المنكر الظاهر وهو الإسبال، فلا ينبغي له ذلك ولو كان في ساقه شيء، ولكن في إمكانه أن يلبس الجوارب -الشرابات- يلبسها ولا يكون في هذا شيء من المحذور، ولا يعرض الناس لتهمته وسوء الظن به، أما إسباله الثياب لهذا الغرض فالذي ينبغي ترك ذلك وأن يكتفي بلبس الشراريب التي تستر هذا الشيء.
المقدم: أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استعرضنا فيه رسائل السادة مفرح سعيد القحطاني من الرياض، وعبد الوهاب عمر المريح من معهد الجوف العلمي، وصقر غالب الشعبي من تبوك، وأخيراً سعد منيف الروقي من الرياض، استعرضنا ما وردنا منهم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحته، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (21) للشيخ : عبد العزيز بن باز
https://audio.islamweb.net