إسلام ويب

من صفات الله تعالى: صفة المحبة، وصفة الكلام، فقد ذكر الله تعالى في كتابه أنه اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلم موسى تكليماً، وعلى هذا أجمع سلف الأمة، وقد أنكر أهل البدع من الجهمية ذلك فقالوا: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، وهذا فرع عن إنكارهم لصفة المحبة والكلام.

إثبات خلة الله لإبراهيم وكلامه لموسى

قال المصنف رحمه الله: [ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلَّم الله موسى تكليماً، إيماناً وتصديقاً وتسليماً] .

هذا صريح في القرآن كما قال تعالى: وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] .. وقال: وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] وعلى هذا أجمع السلف، بل إن هذه المسألة هي من أول مسائل الجهمية مخالفةً للسلف، وكان الجعد بن درهم والجهم بن صفوان يقولون: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلِّم موسى تكليماً. وهذا فرع عن تعطيلهم لصفة الكلام وصفة المحبة.

معنى مقام الخلة لإبراهيم

ومعنى كون إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلاً: أي أن له من المحبة مقاماً مختصاً، وإلا فإنه سبحانه وتعالى يحب سائر عباده المؤمنين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) ، فإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام كلاهما خليل لله سبحانه وتعالى.

وأما قول من يقول بأن الخلة لا تكون إلا لواحد، فهذا من جهة القياس على المخلوقين، وهو قياس فاسد، وأما قوله: إن العرب لا تعرف الخلة إلا لواحد فلا يكون للشخص إلا خليلٌ واحد، فإذا تعدد لم تسم خلة؛ فهذا كلام لا معنى له، فإنه إذا استقام ذلك في كلام العرب فإنما هو مبنيٌ على أحوال بني آدم، وإلا فإن نصوص القرآن صريحة في أن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، والسنة الثابتة المحكمة صريحة ذكرت أن الله اتخذ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً.

أفضلية نبينا وإبراهيم عليهما السلام على غيرهما من الرسل

ومحمد وإبراهيم هما أفضل أنبياء الله ورسله بإجماع سلف الأمة، وأفضلهما هو نبينا محمد ثم إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، ولم يذكر نبياً على سبيل التعظيم والاختصاص بعد محمد صلى الله عليه وسلم كما ذكر إبراهيم، فإنه سبحانه ذكر له من مقامات التوحيد والإخلاص والإيمان عظيماً، ولهذا لما عرج بالنبي عليه الصلاة والسلام رأى إبراهيم في السماء السابعة، وهذا دليل على عظم منزلته عليه الصلاة والسلام عند الله، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي موسى قال عليه الصلاة والسلام: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم) ، فكان عليه الصلاة والسلام مقتدياً بإبراهيم معظِّماً له، فصلى الله وسلم عليه وعلى سائر أنبيائه ورسله.

الإيمان بالملائكة والكتب والنبيين

قال المصنف رحمه الله: [ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم على الحق المبين] .

هذه المسائل تسمَّى في كلام كثير من المتأخرين بالسمعيات، أو الأصول السمعية، وهذه التسمية ليست معروفةً في كلام السلف، وإنما أحدثها طائفة من أصحاب الأئمة واستعملها أيضاً طوائف من المتكلمين، وإن كان الجزم بأن أول من استعملها هم علماء الكلام قد لا يكون جزماً بيِّناً، وهذه التسمية ليس فيها إشكال، لكن المتكلمين يذكرونها ويريدون بذلك أنها مسائل مقصورة على النقل، بينما يجعلون مسائل المعرفة الإلهية -كسائر الصفات والأفعال- مسائل معروفة بالعقل، ومن استعمل هذه التسمية من أهل السنة فإنهم يقولون عن غيرها بأنها مسائل سمعية أيضاً أو على أقل تقدير يرون أن غيرها من المسائل تثبت بالسمع وبالعقل، فإن أصولها وبعض أعيانها تثبت بالعقل كالصفات مثلاً.

وعليه: فتخصيص مسائل اليوم الآخر، وأمثالها بأنها هي السمعيات فقط ليس مناسباً، بل سائر أصول الدين مسائل سمعية، وإن كان منها ما يعلم بالعقل إما إجمالاً وإما تفصيلاً، فهذا التخصيص ليس له ذاك المعنى الحسن، وإن كان لا يلزم أنه غلط على كل تقدير، بل قد يفسر بمراد صحيح.

قوله: (ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين) أي: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ونحن نؤمن بالملائكة والأنبياء إيماناً مجملاً وإيماناً مفصلاً:

أما الإيمان المجمل فهو الإيمان المطلق بسائر أنبياء الله ورسله وملائكته، وأما الإيمان المفصل فبحسب من سمِّي منهم وذكر، فنؤمن بجبريل وميكائيل وإسرافيل، ونؤمن بمحمد وموسى وعيسى ونوح ولوط.. وغيرهم حسب التفصيل المذكور في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من أحوالهم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الطحاوية [16] للشيخ : يوسف الغفيص

https://audio.islamweb.net