اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح أخصر المختصرات [61] للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
[باب الصداق.
يسن تسميته في العقد وتخفيفه، وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً، فإن لم يسم أو بطلت التسمية وجب مهر مثل بعقد.
وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح، فلو طلق قبل دخول رجع بألفها، ولا شيء على الأب لهما، وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها، ويصح تأجيله، وإن أطلق الأجل فمحله الفرقة، وتملكه بعقد.
ويصح تفويض بضع بأن يزوج أب ابنته المجبرة، أو ولي غيرها بإذنها بلا مهر، كعلى ما شاءت أو شاء فلان.
ويجب لها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول، وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر، ولها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها.
وإن طلقت قبلهما لم يكن لها عليه إلا المتعة، وهي بقدر يسره وعسره.
ويجب مهر مثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً، لا أرش بكارة معه، ولها منع نفسها حتى تقبض مهراً حالاً، لا إذا حلّ قبل تسليم أو تبرعت بتسليم نفسها، وإن أعسر لحال فلها الفسخ بحاكم.
ويقرر المسمى كله موت، وقتل، ووطء في فرج ولو دبراً، وخلوة عن مميز ممن يطأ مثله مع علمه إن لم تمنعه، وطلاق في مرض موت أحدهما، ولمس أو نظر إلى فرجها بشهوة فيهما، وتقبيلها، وينصفه كل فرقة من قِبله قبل دخول، ومن قِبلها قبله تسقطه.
فصل:
وتسن الوليمة لعرس ولو بشاة فأقل.
وتجب الإجابة إليها بشرطه.
وتسن لكل دعوة مباحة، وتكره لمن في ماله حرام كأكل منه، ومعاملته وقبول هديته، وهبته.
ويسن الأكل، وإباحته تتوقف على صريح إذن أو قرينة مطلقاً.
والصائم فرضاً يدعو، ونفلاً يسن أكله مع جبر خاطر.
وسن إعلان نكاح، وضرب بدف مباح فيه، وفي ختان ونحوه].
وقوله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] يعني: نحلاً، والنحل هو: العطاء، تقول: نحلني فلان يعني: أعطاني عطية، ويُسمى أيضاً أجراً كقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24]، ويسمى أيضاً فريضة كقوله في هذه الآية: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] ، وذكر بعض العلماء أن له ثمانية أسماء، ونظمها بقوله:
صداق ومهر نحلةٌ وفريضةٌ حباءٌ وأجر ثم عقر علائق.
فله هذه الأسماء، ومنها ما هو مستعمل كثيراً، ومنها ما استعماله قليل، فالجميع اسم لمسمىً واحد، وهو ما تستحقه المرأة مقابل العقد عليها.
ويسن تسميته في العقد، فإذا عقد الولي يقول: زوجتك موليتي فلانة بصداق ألف، أو بصداق عشرين ألفاً، فيسميه، حتى لا يكون هناك نزاع.
وكل ما صح ثمناً صح مهراً، وعندنا الآن الأثمان بالريالات، وقد تكون أيضاً بالدولارات الأمريكية، وذلك لشيوعها وكثرة التعامل بها في كثير من الدول، فإذا قال: زوجتك بخمسة آلاف دولار، صح ذلك مهراً، وهكذا.
وكذلك من الأثمان الجنيه، فإذا قال: زوجتك بخمسين جنيهاً وهم في السعودية فالجنيه السعودي وهكذا.
ويصح أيضاً أن يجعل المهر عرضاً، ففي حديث علي لما تزوج فاطمة ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ادفع لها مهراً، قال: ليس عندي شيء، فقال: أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي، فجعلها مهراً) ، والدرع هي: التي تلبس في الجهاد يتقي بها اللابس وقع السلاح، ولا يلبسها غالباً إلا الرجال، فجعلها مهراً، وكذلك أيضاً لو أصدقها ثوباً أو ثياباً، أو أصدقها عروضاً كأكياس من الأطعمة، أو أدوات من هذه الأواني وما أشبهها، صدق عليه أنه قد أصدقها مهراً، فكل ما صح ثمناً صح مهراً.
وكل ما صح أجرة كذلك، والأجرة هي: التي تؤخذ مقابل عمل، مثلاً: يعمل الإنسان عندك أجيراً، فتعطيه أجرته، فإما أن تعطيه عيناً ونقداً، وإما أن تعطيه عرضاً، فكل ما صح أجرة صح مهراً، فتقول له مثلاً: اشتغل عندي خادماً، وكل شهر أعطيك كبشاً، أي: كل شهر بكبش من الغنم، أو كل أسبوع أجرته ثوب، أو كل شهر أجرته كيس من الأرز أو البر، فكل ما يصلح أن يكون أجرة فيصلح أن يكون مهراً، فيصح أن تمهرها أكياساً من الأرز، أو قطيعاً من الغنم، أو قطعاً من الأقمشة، أو عدداً من الأواني التي تستعمل للشرب أو للطبخ أو للأكل؛ لأنها يصلح أن يكون لها ثمن معين، فيصلح أن تكون مهراً، وقد يصح أيضاً بالحرفة نفسها، فإذا قالت: مهري أن تبني لي هذا البيت، أو مهري أن تحفر لي هذه البئر، أو تركز لي هذا الشجر، أو تسقيه، أو نحو ذلك؛ صح ذلك مهراً، وهو حرفة وعمل، أو أن تطحن لي هذا البر، أو أن تخيط لي هذه الثياب، فيعتبر هذا مهراً؛ لأنه يؤخذ عليه الأجر، والإنسان لا يبني الدار إلا بأجرة، فإذا قيل له: ابنه واجعله صداقاً، أو نزوجك ابنتنا مقابل بنائك لهذا الجدار، أو لهذه الدار، فيصلح أن يكون هذا مهراً.
إذاً: المهر المسمى الأصل أنه عند العقد، ويجب لها مهر المثل إذا لم يسم لها صداقاً، فإذا قال: زوجتك ابنتي، ولم يقل: بصداق كذا وكذا، أو قال مثلاً: نتفق فيما بعد، ثم حصلت الفرقة وهو ما سمى، أو حصلت الوفاة، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل بعقد، يعني: مهر أمثالها التي عُقد عليهن بذلك المهر، كأختها أو شبيهتها من زميلاتها.
وكذلك إذا بطلت التسمية، فلو أصدقها محرّماً فلا يصح، مثلاً: لو أصدقها زقاق خمر، أو أصدقها طبول، أو آلات لهو، أو أصدقها أفلاماً هابطة، أو أشرطة غناء، فهل يصح هذا الصداق؟
الجواب: هذا حرام فلا يصح، وفي هذه الحال يضرب لها مهر أمثالها، أي: من يساويها، فيقال: فلانة التي تساويها في السن، وتساويها في الجمال، وفي النسب، وفي العلم والدراسة، فرض لها كذا، فيفرض لها مثلها.
قال المصنف: (إذا طلق قبل الدخول رجع بألفها ولا شيء على الأب لهما)، لا للزوج ولا للزوجة؛ لأن الزوج أخذ نصفه، ولا يستحق أكثر من النصف، وقد أخذه، وأما الزوجة فإنها لا تطالب أباها، ولا تقول: يا أبي! أخذت مهري؛ لأنه يقول: أخذته؛ لأن الولد وما يملك لأبيه، كما في الحديث: (أنت ومالك لأبيك) .
يقولون: لأنها قد تطلق، وإذا طلقت فقد لا ترغب في الأزواج، وتبقى أيماً أرملةً ليس عندها من يكفلها، فإذا طُلقت فهذا الصداق الذي كان مؤجلاً -وقد يكون عشرين ألفاً أو أربعين ألفاً- تتمتع به بقية حياتها، حتى لا تضطر إلى أهلها، ولا إلى أخوتها أو أبويها أو نحو ذلك، فتستغني بهذا المهر المؤخر، ويصح تأجيله كما ذكر، سواءً كان إلى أجل مسمىً أو غير مسمىً، فالأجل المسمى إذا قالوا: أصدقنا ثلاثين ألفاً: عشرة ادفعها، وعشرين بعد سنة، أو عشرة ادفعها، وعشرة بعد سنة، وعشرة بعد السنة الثانية، ففي هذه الحال يلزمهم أن يؤخروه إلى أن يحل الأجل، وقد يكون قصدهم أنها بحاجة؛ يمكن هذه السنة تكفيها العشرة لأواني أو فرش أو سرر أو مجالس أو أكسية أو ما أشبه ذلك، وهذه الأشياء قد تفنى في عشر سنين، أو تتحطم أو تنكسر؛ ففي العشر السنين الأخرى يأتيها مثلاً عشرة آلاف أخرى، وهكذا.
فالحاصل: أنه يصح تأجيله إلى أجل محدد أو غير محدد، فإذا أطلق الأجل ولم يحدد وإنما قال: أصدقنا أربعين ألفاً مؤجلة، وعشرين ألفاً نقداً، فنقد له العشرين ألفاً، وسكت عن تحديد المؤجلة، ما قال: مدة سنة، أو سنتين، أو عشر سنين، أو إلى الموت، فالمؤجل محِلُّه الفرقة، فإذا حصلت الفرقة بطلاق أو بفسخ أو بموت متى ما حصلت حُكِم لها به، ولزمه دفعه، فالفرقة تكون بطلاق أو بفسخ كأن يفسخ الحاكم النكاح، أو بالموت، فمتى حصلت الفرقة حل المؤجل، حتى ولو حصلت بعد الدخول بيوم أو بأيام؛ وذلك لأنه تحقق أنه فارقها.
الجواب: تملكه بمجرد العقد، فقد يكون الصداق عيناً، يعني: قد يكون عرضاً من العروض أو بهيمة أو نحوها فتملكه بالعقد، فإن كان معيناً، كأن يقول: أصدقتك هذه الدار، أو هذه الأشجار، أو هذه الأغنام، فبمجرد العقد تملكها، فلو أن هذه الغنم ولدت بعد شهر، ثم طلق، وأراد أن يأخذ نصف الغنم، فهل يأخذ نصف البهم؟ الجواب: لا يأخذ؛ لأنه في تلك المدة التي أُعلفت فيها، كانت في ملك الزوجة، وفائدتها لها؛ فإذا حلبتها في تلك الأيام فإن لها لبنها ودهنها وجِزتها، كل ذلك يكون لها، وإذا أثمر الشجر بعد العقد فالثمرة لها، وإذا أجَّرت الدار بعد العقد فالأجرة لها، وليس له إذا طلق أن يطالب بنصف الأجرة أو بنصف الثمرة؛ لأنها دخلت في ملكها بمجرد العقد، هذا معنى قوله: (وتملكه بعقد).
التفويض هو: عدم تسمية المهر في العقد، ومن لم يُسم لها مهر تُسمى مفوَّضة، فيصح تفويض البضع، يعني: بضع امرأة بأن يزوج الأب ابنته المجبرة بلا مهر، أو يزوج الرجل غير المجبرة بإذنها بلا مهر، مثاله: أن يقول: أصدقتها ما شاءت، أو ما شاء أخوها، أو ما شاءت أمها، وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال تُسمى مفوضة، يفرض لها ما شاءت، قل أو كثر، فإذا قالت: أنتم قلتم: صداقها ما شاءت أو ما رضيت به أو ما ترضى فلو طلبت مائة ألف أو مائتين فلها ذلك؛ لأنه فوض الأمر إليها وقال: ما شاءت، أو قال: ما شاء فلان، ما شاء أخوها، أو ابنها أو أبوها، فالكل يُسمى تفويضاً.
ثم المفوَّضة أو غير المسمى لها، متى يجب لها مهر المثل؟ يجب بالعقد، وقد تقدم أنها تملكه بالعقد إذا كان مسمى، وإذا لم يكن مسمى فلها مهر المثل، ويجب بمجرد ما يحصل العقد بينهما، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل.
يعني: إذا دخل بها استقر المهر، فهنا فرَّق بين (يجب) و(يستقر)، فما هو الفرق بينهما؟
الجواب: الوجوب معناه: اللزوم، يعني: يكون لازماً لها، لها مهر المثل، وإن لم يحدد، وأما الاستقرار فإنما يكون بالدخول، فبمجرد العقد يقال: في ذمتك مهر المثل، وبمجرد الدخول يقال: استقر عليك مهر قدره كذا وكذا، فالمهر يستقر بالدخول.
قد ذكرنا في الفرائض أن المرأة إذا ماتت بعد العقد ورث منها، ويرث من مهرها ولو قبل الدخول، وإذا مات ورثت منه ولو قبل أن يفرض لها، فإذا عقد عليها عقداً صحيحاً فمات ورثت منه، أو ماتت ورث منها، وإن لم يحصل دخول ولا خلوة، فإذا مات الزوج ورثت منه، وإذا ماتت الزوجة ورث منها، ولو قبل الدخول بها، ولو قبل أن يفرض لها، ويُسمى لها مهر مثلها، وحينئذ ماذا يجب لها من المهر؟
لها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها، أي: يفرض لها مثل مهر نسائها اللاتي يماثلنها، كما جاء في الحديث أن قوماً سألوا ابن مسعود عن رجل عقد على امرأة ومات قبل أن يفرض لها، وترددوا إليه شهراً، فقال: (أنا أفتيكم برأي إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، ولا تتخذوا قولي دليلاً: لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث) وكان عنده رجل يقال له: معقل بن سنان الأشجعي ، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة عندنا يقال لها: بروع بنت واشق بمثل ما قضيت) ، ففرح بذلك ابن مسعود ؛ حيث وافق قوله قول النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا أنه جعل لها مهر نسائها، يعني: كعمتها وخالتها وأختها وقريباتها، فيُنظر كم كان يقدر لهن، فلها مهر كامل ولو قبل الدخول، فإذا مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يسمي لها إذا كان قد عقد عليها فإنها ترثه من تركته، ومع ذلك تحد عليه، فجعل عليها عدة وإحداداً، وجعل لها ميراثاً، وأمر لها بصداق أمثالها، هذا هو الذي يجب لها.
وروي أن بعض الصحابة خالفوا ذلك، ولم يقبلوا قول معقل بن سنان الأشجعي ، وكأنهم لم يصدقوه، حتى قال بعضهم: (كيف نقبل قول أعرابي يبول على عقبه؟!) يعني: أنه من الذين لا يعرفون العلم وهذا غير قادح، فإنه صحابي، والصحابة عدول، والحديث قد اشتهر، ورواه الأئمة في كتبهم، فعلى هذا تُعطى مهراً كاملاً كمهر نسائها، عملاً بهذا الحديث، وهكذا إذا كان قد فرض لها، فإنه يدفع لها المهر الذي فرض لها كاملاً.
وذهب بعضهم إلى أنها كالمطلقة قبل الدخول، لها نصف الصداق، عملاً بقوله: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] وبعضهم قال: لا يقدر لها شيئاً، أي: إذا لم يكن قد فرض لها، وجعلها كالمفوضة غير المدخول بها.
قال المصنف رحمه الله: (يجب لها بعقد مهر مثل -يعني: مفوضة- ويستقر بالدخول، وإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض ورثه الآخر، وأُعطيت مهر نسائها -أي: مثل مهر نساءها- لا وكس، ولا شطط) أي: مثل نسائها كأمها وعمتها وخالتها وأخواتها ونحوهن.
يعني: امرأة عقد عليها رجل، ولم يدخل بها، ولم يُسم لها مهراً، ثم طلقها قبل الدخول وقبل تسمية الصداق، فهل تطالبه بصداق أو تطالبه بنصفه مع أنه لم يسم لها شيئاً؟
الجواب: هذه ليس لها إلا أن يمتعها، والمتعة هي: أن يعطيها شيئاً يجبر نفسها عوضاً عن فراقه لها، يُسمى متاعاً ومتعة، واستُدل عليها بآيات من القرآن منها قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [الأحزاب:49] أي: أنه ليس عليها عدة، وعليك أن تُمتعها بأن تعطيها متاعاً وتسرحها.
ومنها أيضاً قول الله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236] فجعل المتاع بقدر العسر واليسر، هذا إذا لم يكن لها صداق فلها المتعة، ولها أن يمتعها، يقول تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) يعني: مقدار الذي يتحمله، وعلى المعسر الفقير (قدره) وقرأها بعضها: (قدْرُهُ).
ثم قال بعضهم: أعلى المتاع أن يعطيها خادماً: ذكراً أو أنثى، أي: يشتري لها عبداً أو أمة، وأدناه كسوة تجزئها في صلاتها، فإذا طلقها يمتعها؛ لأنها نكحت وطلقت قبل الدخول ولم يُفرض لها، فلم تُعط نصف المفروض ولم تُعط صداقاً كاملاً ولم يدخل بها، وانكسر قلبها بهذا الطلاق الذي حصل قبل الدخول، فيُجبر ذلك بهذه المتعة، يعطيها متاعاً كما قال تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236] .
مهر المثل يعني: مهر مثل نسائها، مثاله: إذا دخل إنسان بيته، وفيه امرأة نائمة، وظنها زوجته، ووطأها ولم ينتبه إلا بعدما وطأها، فعليه مهر المثل، يعني: مثل مهر نسائها وما ذاك إلا أنه وطأ من لا تحل له، فتطالبه بمهر مثلها، ولو أنه وطأها ساعة أو نصف ساعة.
وكذلك لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية، ووطأ الأجنبية وهو يعتقدها زوجته، فإن عليه مهر مثلها، وقد يكون هناك اشتباه بين الزوجين وبين الزوجتين كما إذا أُدخل هذا على زوجة أخيه وأُدخل الثاني على زوجة أخيه الأول، ووطأ كل واحد منهما زوجة أخيه، وهو يعتقد أنها زوجته الحلال، ثم تبين عدم ذلك، ففي هذه الحال عليه لها مهر مثلها؛ لأنها وطئت بشبهة.
وكذا إذا زنا بها إكراهاً، يعني: هددها حتى مكنته من نفسها قهراً فزنى بها، ففي هذه الحال إذا تاب فعليه لها مهر مثل نسائها، سواء كانت بكراً وأزال بكارتها فإن عليه مهر مثل نسائها أو وطأها وهي ثيب.
وإذا كانت بكراً هل لها أن تطالبه بأرش البكارة وتقول: أنت قهرتني قهراً، وأكرهتني على الزنا، والآن أطالبك باثنين: أطالبك بمهر المثل، وأطالبك بأرش البكارة؛ لأنك أزلت بكارتي؟
ليس لها إلا واحد، وهو مهر المثل، فلا تطالبه بأرش البكارة، وإنما يكفيها صداقها الذي وهبه لها مثل مهر نسائها، يعني: صداق مثل أمثالها، فلا تطالبه بأرش البكارة.
إذا أصدقها عشرين ألفاً أو ثلاثين ألفاً حالَّة ثم طلبها للزفاف فلها أن تمتنع وتقول: لا أُسلم نفسي حتى تُسلم ما عندك، على حد قول بعضهم:
ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلِّمها إلا يداً بيد
فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا وإن أبيتم يكون الرهن تحت يدي
فهي إذا بذلت نفسها، ووطأها وأزال بكارتها، ثم مع ذلك منعها من صداقها، فات عليها الأوان، فلها قبل ذلك أن تمتنع وتقول: لا أسلِّم نفسي حتى تسلم ما عندك من الصداق الحال، وكذا لو كان الصداق مؤجلاً ثم حل، فلها الامتناع من تسليم نفسها حتى يسلمها ما حل من صداقها.
قوله: (لا إذا حل قبل تسليم).
أي: إذا سلمت نفسها ثم حل الصداق، ففي هذه الحال لا تمتنع بعد ذلك؛ لأنها رضيت وسلمت نفسها، ووطأها واستمتع بها، ثم حل الصداق، فهل تقول: أنا أمنع نفسي منك الآن حتى تسلم ما بقي؟
الجواب: ليس لها أن تمتنع، ولكن لها المطالبة، وكذلك إذا تبرعت بتسليم نفسها، فليس لها الامتناع بعد ذلك، فإذا تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت أن تمتنع وقالت: سلم لي المهر وإلا امتنعت، ليس لها الامتناع.
إذا أعسر الزوج بالصداق الحال، ولو بعد تسليم نفسها، ففي هذه الحال لها أن تطالبه وتقول له: إما أن تعطيني صداقي أو تفارقني، فإذا قال: أنا معسر لا أجد، فالجواب: ولو كنت كذلك، فترفعه للحاكم، وتذكر له أنه لم يسلمها صداقها، فيقول له الحاكم: إما أن تسلمه، وإما أن أفسخ النكاح منك، فإن امتنع فله أن يفسخ النكاح، ولا يفسخه إلا الحاكم.
يعني: كل هذه تقرر المسمى، وقد ذكرنا قريباً الفرق بين الاستقرار وبين الوجوب، عند قوله: (ويجب عليها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول) يستقر: يعني يثبت كله؛ لأنه قبل الدخول عرضة لأن ينفسخ نصفه، فأما بعد الدخول فإنه يستقر المسمى كله.
يستقر بالموت، فإذا مات استقر الصداق كله في تركته، وكذلك إذا قُتل، أو إذا وطء في الفرج، فهذا يستقر به المهر، حتى ولو وطء في الدبر مع تحريمه.
وكذلك إذا كان هناك خلوة، فإذا خلى بها، ولم يكن عندهما مميز، وهو يقدر على الوطء، وهو عالم بأنها معه في ذلك المكان، ولم تمنعه أن يطأها.
وكذلك الطلاق إذا طلق في مرض موته أو مرض موتها كل ذلك يقرر المسمى.
وكذلك اللمس، فإذا لمسها بشهوة استقر لها الصداق وكذلك إذا نظر إلى فرجها بشهوة، وكذلك إذا قبل، كل هذه يستقر بها المهر كله لها.
وأما النصف فينصفه كل فرقة من قبله قبل الدخول، وأما من قبلها فتسقطه، فإذا كان الطلاق منه قبل الدخول يُنصف المهر، وأما إذا كان منها، أي: هي التي فسخت إما لعيب فيها وإما هي التي طلبت فإنه يسقط.
ذهب بعض العلماء إلى أنها تجب، ولكن الصحيح: أنها مسنونة، ودليلهم قصة عبد الرحمن بن عوف لما تزوج وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم؟ قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: كم أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب) والنواة نواة التمر، يعني: هذا صداقها، فقال: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة) يعني: اجعل وليمة ولو بشاة، فكأن هذا يدل على أقل الوليمة في حق القادر، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها بشاة، وأكثر نسائه كان يولم عليهن بحيس، فإن صفية لما تزوجها في طريقه بين خيبر وبين المدينة أمر بالأنطاع فبسطت، وجُعل عليها تمر وأقط وسمن، ودعا الناس فأكلوا، فكانت تلك وليمته، فدل هذا على أنه يجوز جعل الوليمة من غير شاة وغير لحم.
إذا دُعي الإنسان إلى الوليمة فما حكم إجابته إليها؟
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (شر الطعام طعام الوليمة؛ يُدعى إليها من يأباها، ويترك من يأيتها أو من يريدها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله) وورد في الحديث أنه عليه السلام جعل إجابة الدعوة من حقوق المسلم على أخيه، لقوله: (وتجيبه إذا دعاك) فأخذوا من قوله: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله) أن هذا يدل على الوجوب، ولكن خصوا ذلك بما إذا كانت دعوة خاصة، وجعلوا الولائم قسمين: النقر، والجفل، فدعوة الجفل هي: أن يرسل واحداً ويقول: ادع كل من لقيت في الأسواق وفي الطرق وفي الأماكن العامة، فدعوة الجفل لا تجب الإجابة إليها.
وأما دعوة النقر فهي أن يخصص فيقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، فدعوة النقر هي التي تجب الإجابة إليها، ولو لم يجب الدعوة فقد عصى الله.
ثم اشترطوا ألا يكون له عذر، فإن كان له عذر كشغل أو مرض أو علم بوجود منكر فإن له بهذا عذراً، مثل أن يعلم أن هناك اختلاط رجال بنساء، أو هناك نساء متكشفات، أو هناك من يعلنون بشرب الدخان، أو من يدقون الطبول، أو من يغنون غناءً ماجناً، أو من يشربون الخمور، أو يجلسون على فرش الحرير، أو يشربون في أواني ذهب، ولو كانت كئوس لقهوة ونحوها، أو كان الذي دعاه مكسبه حرام كرشوة أو رباً أو نحو ذلك فله أن يمتنع.
كل من دعاك لمناسبة مباحة فإن الأصل أنك تجيبه، وذلك جبراً لقلب أخيك الذي دعاك إلى أي دعوة مباحة؛ لأن هناك ولائم لها مناسبات، كمناسبة سُكنى الدار، فإذا دعاك لذلك فإن هذا ممن تُسن إجابته، وكذلك مناسبة شفاء من مرض، أو مناسبة قدوم غائب، أو مناسبة نجاح من دراسة، أو مناسبة مكسب في تجارة، أو تحصيل وظيفة أو ما أشبه ذلك، فهذه مباحة إذا لم يكن فيها منكر.
إذا كانت معاملاته محرمة؛ يأخذ الرشا، أو يخدع في البيوع، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يتعامل بمعاملات ربوية أو ما أشبه ذلك، فتكره إجابته، ويكره الأكل من ماله، وتكره معاملته من بيع وشراء، ويكره قبول هديته وهبته إذا كان في ماله حرام؛ لأن في ذلك شيئاً من إقراره بهذا الحرام، وقد يكون ذلك أيضاً سبباً في تقريره، وبعض العلماء يقول: يجوز قبول هديته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هدايا ملوك الكفار، فملك مصر، وملك الشام، وملك عمان، كانوا يهدون إليه، ويقبل منهم وهم كفار، ويكون إثم المكسب عليهم، ولكن لما كان أصل المال فيه حرام، فالذي يأكله كأنه يقره، ويتغذى بشيء من جملة ما حرم الله، فالأولى أنك لا تجيب دعوته، ولا تقبل هبته وهديته أو كرامته، ولا تتعامل معه ببيع أو شراء وأنت تعرف أنه يتعاطى المحرمات.
وأما الأكل فإذا دُعي الإنسان إلى وليمة أو إلى طعام فإن الدعوة لأجل الأكل، فالذي يُدعى ولكنه لا يأكل يكون كأنه ما أتى، فلذلك يُستحب أن يأكل، ومتى يباح الطعام إذا قُدِّم؟ تتوقف إباحته على الإذن أو على القرينة، الإذن أن يقول: كلوا، أو كلوا باسم الله، أو يأمرهم، وأما القرينة فإذا وضع الطعام على الخوان ودعاهم وقال: هلُموا وجلسوا؛ فإن تقديمه إذن في أكله، فلا يحتاج إلى إذن خاص:
ما جيء بالطعام إلا للالتقام
لا تحتشم من أكل كفعل أهل الجهل
فيأكل منه إذا قُدِّم له الأكل الذي تهواه نفسه، فإذا كان صائماً صيام فريضة كقضاء أو نحوه فيقتصر على الدعاء، فيدعو وينصرف، كما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليُصلِ) يعني: يدعو له بالبركة وينصرف، أما إذا كان صيامه نفلاً فيستحب أن يفطر؛ ليجبر خاطر صاحبه الذي دعاه، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم دعاه أحد الصحابة، فلما جلسوا للأكل اعتزل أحدهم وقال: (إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وجمعكم وقدّم لكم هذا الطعام، أَفطرْ وصمْ يوماً مكانه) فهذا إذا كان نفلاً، وكان أكله فيه جبر لخاطر صاحبه، وفي عدم أكله إساءة الظن به، وإذا لم يكن هناك إساءة ظن فلا داعي إلى ذلك.
وفي هذه الأزمنة كما هو معروف في هذه البلاد يكتفون كثيراً بإرسال بطاقات فيها الدعوة، وفيها تحديد اليوم، وتحديد المكان، وهذه البطاقة ليس لها حكم الدعوة، وليس لها حكم ما لو كان يُرسل رسولاً؛ وما ذاك إلا أن الدعوة حقيقة هي كونه يقول: فلان يدعوك، فأما كونه يكتب لك كلمات يدعوك بها، وهذه كلمات كتبت لك ولغيرك، فلا تكون مثل الدعوة الخاصة، ولكن من باب الجبر تتأكد الإجابة.
وأما الضرب بالدف فالدف هو: الآلة التي هي كهيئة الطار يُختم أحد جانبيه بجلد لم يُدبغ، ثم يُضرب فيصير له صوت ليس شديداً، أما إذا ختم جانباه فإنه لا يجوز، ويسمى طبلاً، والطبل هو: الذي خُتم جانباه، فيُسمى الدف (الطار)، ويسمى في بعض البلاد (الزير)، ويسمى عند بعضهم (الدمام)، والأصل أن تسمية الدف شرعية، وقد جاء حديث أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت إن قدمت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: (أوف بنذرك) فالدف يُضرب به للفرح، وهو مثل المنخل إلا أنه ختم أحد جانبيه، والمنخل فيه خروق، فذلك المكان المختوم فيه جلد ليس فيه خروق، هو الدف، وهو مباح، وله أوصاف أيضاً يكون بها أحياناً غير مباح، مثل إذا كان فيه زرود أو نحوها.
ولا بأس أيضاً مع ذلك بصوت مباح؛ لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (هلا أرسلتم معها من ينادي يقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم...) إلى آخره، يعني: أبيات فيها شيء من التحية والترحيب والمديح المباح الذي يكون فيه دليل على التواد والمحبة، فأما الغناء الذي يُفعل لكثير من المناسبات بحيث إنه يجتمع رجال من جهتين، فهؤلاء في جهة وهؤلاء في جهة، ثم يتمايلون ويُغنون غناءً فيه شيء من التشبيب، وفيه شيء من التلحين والطرب، أو يضربون الطبول، فمثل هذا نرى أنه لا يُشرع حضوره، وكذلك أيضاً رفع أصوات النساء بضرب الدفوف أو الطبول، ورفع أصواتهن بغناء فيه شيء من المبالغة في التمايل أو التطريب أو التلحين أو التشبيب أو وصف الخدود والقدود أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضاً لا يجوز.
وعادة أن النساء يضربن بالدف ويتمايلن ويرقصن، فهذا إذا لم يكن فيه شيء من الاختلاط، وليس فيه شيء من المحظورات، فلا بأس به.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح أخصر المختصرات [61] للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
https://audio.islamweb.net