اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الوصايا العشر للشيخ : عبد الله الجلالي
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم! صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ونبيك محمد، وارض -اللهم- عن آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فنشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه وفضله وإحسانه، ونسأل الله تعالى أن يوفق العاملين لتبليغ دعوة الله عز وجل لتصل إلى قلوب الناس بعد أن تصل إلى مسامعهم، كما أسأله أن يوفقنا جميعاً لأن نكون من الذين قال الله عز وجل عنهم: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:17- 18].
أيها الأخ الكريم! لقد كنت أفكر كثيراً في اختيار موضوع يتناسب والوضع الذي نعيشه اليوم، لاسيما أن الوضع الذي نعيشه اليوم وضع قد انفتحت فيه كثير من الثغرات، فأصبح المتحدث في أي مناسبة لا يدري ما يقول؟ ولا يدري من أين يبدأ؟ وهنا ثغرات واضحة فتحها أعداء الإسلام في أوساط المجتمعات الإسلامية، فوفقت إلى آيات تتحدث عن عشر نصائح وعشر وصايا، يسميها علماء التفسير (الوصايا العشر)، ويقول فيها عبد الله بن مسعود رضي الله: (من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هذه الآيات الثلاث في سورة الأنعام: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:151- 153] ).
هذه هي الوصايا العشر التي يعنيها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والتي يقول عنها: (هي وصية رسول صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه).
ونحن في مجتمع إسلامي اختلط حابله بنابله، نكاد أن نفقد كثيراً من هذه الوصايا العشر في غمرة الحضارات الملفقة التي وفدت على بلاد المسلمين من الشرق والغرب، ولكننا لا نتشاءم، بل نتفاءل ونحن -والحمد لله- نرى هذه الصحوة، وهذا الشباب الذي رفض كل هذه المبادئ وأقبل على دينه، وأقبل على ربه وعلى كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم منهجاً وسلوكاً وعبادة، فأعداء الإسلام وإن كادت أن تفلس -أو قد أفلست- مطامعهم في بلاد الإسلام إلا أنهم لن يألوا جهداً في سبيل عرقلة مسيرة هذه الصحوة الإسلامية، وصدق الله العظيم الذي يقول: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء:26]، ويقول: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27]، وبمقدار ما تتجه الشعوب إلى دينها وإلى ربها وإلى سنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم تزيد هذه العراقيل في طريقها، وتتجه أنظار الطامعين وأنظار المفسدين إلى هذه البلاد، وبلادنا هذه -والحمد لله- هي البلاد الوحيدة التي تطبق شرع الله في الأرض، وهي البلاد الوحيدة التي لم تدنسها أقدام الاستعمار لحظة من الزمن، وهي البلاد الوحيدة التي ليس فيها كنيسة ولا معبد لغير الإسلام، ولذلك فإن التركيز عليها يكاد أن يكون أكثر من أي بلد آخر، ولعلنا نشاهد ذلك حينما يتصارع الحق والباطل، ولكن الباطل هو كما أخبر الله عز وجل عن مصيره: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18].
وقوله تعالى: أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151] هذه الوصايا العشر تبدأ بالتوحيد، والتوحيد ليس بالأمر السهل، فأمر التوحيد عظيم؛ فإن التوحيد هو القاعدة وهو الركيزة التي تُبنى عليها عبادة الإسلام، وتُبنى عليها عقيدة المسلم، وأي بناء ليس له أساس فإنه قابل للانهيار، والتوحيد استحق أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في حياته المكية لمدة ثلاث عشرة سنة وهو يقول للناس: (قولوا: لا إله إلا الله) لا يزيد على ذلك، ولربما يلفت الأنظار طول هذه المدة، ولكن حينما نرى أثر التوحيد في العبادة وضعف العبادة بدون توحيد لا نستكثر هذه المدة، فإنها مدة استطاعت أن ترسي عقيدة التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
وهذا فيه شيء من الحق وفيه شيء من الباطل، فحقاً أننا لم نر اللات والعزى ومناة تعبد، وهذا لن يعود مرة أخرى، ولكننا نرى أوثاناً تنتشر في العالم الإسلامي تعبد كاللات والعزى ومناة. فإن من يسافر خارج المنطقة التي انتشرت فيها دعوة الحق ودعوة التوحيد ليذهب قريباً إلى الحدود يوافقني على ما أقول، حيث يرى هناك أوثاناً تُعبد من دون الله، فوالله لقد رأيت بعيني أناساً يسجدون أمام القبور، ويولون ظهورهم نحو الكعبة المشرفة، ويسيلون ويذرفون الدموع أكثر مما يذرف حول كعبة الله المشرفة! ولقد رأينا بأعيننا أناساً يطوفون بالقبور، ولا يُسمح لهم إلا بشوط واحد من كثرة الزحام، فيقول الذين يتولون سدنة هذه القبور: اعمل شوطاً وسر!
لا يسمحون إلا بشوط من شدة الزحام، ولقد رأينا أناساً يعفرون وجوههم بأتربة هذه القبور، ويخضعون لهؤلاء الأموات، ويمدون أكف الضراعة لغير الله عز وجل، وينحرون الذبائح، وينذرون النذور!
إن هذا الواقع واقع مرير، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله يا أخي، أين معنى قولك: لا إله إلا الله يقول: هؤلاء قوم صالحون نرجو شفاعتهم يوم القيامة. فنقول له: يا أخي -إن صح التعبير بكلمة يا أخي لمثل هذا-! إن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أصابتهم الشدة يفزعون إلى الله وحده، ولكن مثل هؤلاء ينسون الله عز وجل وتوحيده في الرخاء وفي الشدة، ويقول المشركون الأولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وما أشبه كلامك بكلام أولئك! فأنت تقول: هؤلاء رجال صالحون نرجو شفاعتهم، وأولئك المشركون الأولون الذين حُكم بخلودهم في نار جهنم يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فمن يستطيع أن يفرق بين المقالتين؟!
ولذلك فإن العالم الذي يقف اليوم على حافة الهاوية أشرك بالله عز وجل، وأصبح يعبد هؤلاء الأموات من دون الله عز وجل، وهذا الشرك ما زال يزيد وينمو، وكنت في تصوري السابق أظن أنه سينتهي في عصر العلم والتطور، فإذا بي حينما أسير إلى أي بلد من البلاد الإسلامية سوى بلد الحرمين الشريفين -حماها الله تعالى بعقيدة التوحيد- أجد كثيراً من هذا الأمر، إلا ما شاء ربك.
وهذا نوع من الشرك، والله عز وجل يقول: أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151]، فكلمة (شيئاً) لها معنىً جديد؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، و(شيئاً) هنا قد نفهم منها التحقير، وقد نفهم منها التعظيم، أي: حتى لو كان شيئاً حقيراً أو شيئاً عظيماً. ولا تعجب يا أخي؛ فإنه دخل النار رجل في ذباب، وذلك بأنه قرب ذباباً لغير الله عز وجل فدخل النار، فأصبح مخلداً في نار جهنم.
وهذا نوع من الشرك لا يجوز أن نترك التحذير منه، وبمقدار ما نستطيع من قوة يجب أن نوقظ هؤلاء الذين ما زالت في قلوبهم جذوة الإيمان تلتهب، فما دفعهم إلى هذا العمل إلا روحانية في نفوسهم، لكنها روحانية غير مبنية على علم، بل هي تقوم على أساس الجهل، ومن هنا فهؤلاء المساكين يرهقون أنفسهم في شيء يشبه العبادة، لكن ذلك لم يخلصهم من عقاب الله عز وجل؛ لأن الطريق واضحة، ومثلهم كمثل الذين قال الله عز وجل فيهم: أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39]، ومثلهم كمثل الذين قال الله عز وجل فيهم: أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ [إبراهيم:18]، وقال: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:103- 104].
ووالله العظيم إننا لا نُجدّ في عبادتنا كما يُجدّ هؤلاء، ولكن لما كانوا على غير بصيرة من أمرهم، وعلى غير حقيقة من منهجهم لم يغن ذلك عنهم من الله عز وجل شيئاً.
فهذا نوع مما يُعبد من دون الله، وهناك أنواع كثيرة، هناك أوثانٌ تعبد، وهناك زعماء يشرعون للناس ما لم يأذن به الله، ويقولون للناس: هذا حلال وهذا حرام. ثم يتبعهم الناس على بصيرة أو على غير بصيرة، فيضل الناس الطريق وراء هؤلاء الزعماء الذين جاءوا بقوانين وأنظمة وأفكار ومذاهب وضعوها للبشر، ووضعوا كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فهذه أوثان تُعبد من دون، ولذلك لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، قال عدي بن حاتم : والله -يا رسول الله- ما عبدناهم. قال: (أليسوا يحلون ما حرم الله فتطيعونهم؟! ويحرمون ما أحل الله فتطيعونهم؟! قال: بلى. قال: فتلك عبادتكم لهم) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أيامنا الحاضرة يكاد أن يجمع أكثر العالم الإسلامي على تحكيم آراء البشر، ويضعون كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم.
وهذا نوع من الشرك الأكبر؛ فإن صاحبه إن اعتقد بأن هذه القوانين وهذا الأنظمة هي خير من القرآن والسنة أو تساويهما فهو كافر مرتد، وهو مخلد في نار جهنم.
وهناك عبادة أنواع من الزعماء بتقديم أوامرهم على أوامر الله عز وجل، ويخافون من البشر أكثر مما يخافون الله عز وجل، ولربما تفتي طائفة من علمائهم خلاف حكم الله عز وجل ابتغاء مرضات هؤلاء الزعماء، وهذا نوع من العبادة، وهذا نوع من الشرك، وأولئك نوع من الأوثان.
وهناك عبادة الدنيا وعبادة المادة تنتشر في كثير من الناس، فأحدهم يبيع دينه بعرض من الدنيا، يسمع أن مركزاً من مراكز الربا يعطيه شيئاً من المال أكثر ولو كان ذلك حراماً، ولو كان بنص القرآن أنه حرام، ولو أجمع علماء المسلمون على تحريم الربا، لكن حبه لهذه الشهوة أصبح يعمي بصره ويضله الطريق، وهذا على خطر، فإذا امتلأ قلبه بحب الدنيا وغفل عن الله عز وجل وعن الحياة الآخرة فقد يقع في قلبه نوع من هذا الشرك الذي نهى الله عز وجل عنه بقوله: أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151].
وأيضاً هناك الوظيفة والمركز يُعبدان من دون الله عز وجل، ولربما يتنازل طائفة من الناس عن كل ثروة في الحياة من ثروات دينه، وعن كل مطلب نبيل من مطالب دينه في سبيل وظيفته أو في سبيل مركز يحصل عليه، وهذا أيضاً على خطر أن يدخل في شرك العبادة أو في شرك العمل، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الخميصة، تعيس عبد الخميلة) فعبد الخميصة هو الذي يعبدها ويحب من أجلها ويبغض من أجلها، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس).
وهناك من يعبد الهوى ويعبد الشيطان، ولذلك الله تعالى يقول: أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23]، ويقول الله عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60] وعبادة الشيطان هي أن تطيعه فيما يأمرك به لتغفل عن أمر الله عز وجل في سبيل طاعتك للشيطان والهوى والشهوة.
وكل هذه آلهة ما زالت على قيد الوجود، ولربما ينمو جزء منها في كثير من العالم الإسلامي بسبب غفلة المسلمين عن دينهم، وبسبب إهمال كثير من علماء المسلمين في تبيين الحق والباطل لهؤلاء الناس حتى ضلوا الطريق من هذا الجانب.
أيها الأخ الكريم! إذاً نفهم من قول الله عز وجل: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أن كلمة (شيئاً) وراءها معانٍ عظيمة، فإذا فقدت آلهة كانت تعبد بالأمس، وحطمها الإسلام، وحينما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً حطمها بسيفه وقرأ قوله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ [الإسراء:81]، فإن في أيامنا الحاضرة آلهة لا يقل خطرها عن تلك الآلهة التي كانت تُعبد من دون الله عز وجل.
بل إن الذين بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعطون الولاء لهذه الآلهة مع الله عز وجل لا من دون الله، ويعطونها هذا الولاء في فترات الرخاء، أما في فترات الشدة فإن الله عز وجل يقول فيهم: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65]، أما هؤلاء ففي فترة الرخاء والشدة ما يزالون يعبدون هذه الآلهة، وما زالوا يعطونها الولاء من دون الله، لا مع الله عز وجل!
فهذه هي الوصية الأولى من وصايا الله عز وجل في هذه الآيات، ولا أريد أن أطيل فيها أكثر من ذلك.
إذاً حق الوالدين حق عظيم، لكنه خاضع لحق الله عز وجل، ولذلك لا يجوز أن يطغى، ولذلك لما أسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أعرضت أمه عن الطعام، وقالت: يا سعد ! والله! إن الطعام والشراب حرامان علي حتى تترك دين محمد. فصار هذا الرجل بين عاطفة الأمومة وبين عقيدة الإيمان التي استنار بها قلبه، فوقف عند أمه ونفسها تتقعقع، واستمرت أمه على إعراضها عن الطعام، ولكن العقل غلب العاطفة، فقال: اسمعي يا أماه: والله لو كانت لك مائة نفس خرجت واحدة بعد الأخرى ما تركت ديني؛ فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي. فأكلت، فأنزل الله تعالى فيه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:15]
إذاً علينا أن نرعى حق الوالدين، ولكن علينا أن نضعه في المرتبة الثانية.
فالإملاق -الذي هو: الفقر- موجود في هذه الآية، ولذلك الله تعالى قدم هنا رزق الآباء على رزق الأبناء؛ لأن الإملاق موجود، فقال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم ْ[الأنعام:151]، ولكن في سورة الإسراء لما كان الفقر متوقعاً لا محققاً قدم الله عز وجل رزق الأبناء على رزق الآباء، فقال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31].
وهذه عادة خبيثة كانت في الجاهلية، حيث كان أحدهم يخشى أن يزيد عدد أولاده، وليس هناك إيمان بالله عز وجل ويقين، فكان يقتل بعضاً من الأولاد خشية الفقر، كما كان أحدهم يقتل البنت خشية العار في بعض الأحيان، ولذلك الله تعالى هنا خلص الإنسان من أن يستذله أبوه بالقتل، وتكفل الله عز وجل برزق الأب وبرزق الابن في آنٍ واحد، كما قال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151].
ومن دقة القرآن العظيم أن الله عز وجل قال: (لا تقربوا)، ولم يقل: ولا تفعلوا الفواحش. فنريد أن نحدد الفرق بين الفعل والقربان، فالفعل هو الاقتراف، والقربان معناه الدنو، وعلى هذا فإن قول الله عز وجل: (ولا تقربوا) يعطينا معنىً آخر حتى نحتاط لهذه الفاحشة، فلا ندنو منها؛ لأننا حينما ندنو منها نقع فيها غالباً، إلا من عصمه الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، وإذا كان الذنب فاحشة فإنه تستحق هذه الفاحشة أن يمنع عن الدنو منها فضلاً عن مواقعتها.
ولذلك أقول وبكل لوعة: مُهدت اليوم في العالم الإسلامي كل سبل الفاحشة، فأصبح الدنو منها وشيكاً، وأصبح الناس على خطر من الوقوع في هذه الفاحشة، كيف ذلك؟ سخرت أكمل وسائل هذه الحياة من أجل وقوع الناس في هذه الفاحشة، كما قال الله عز وجل: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27].
فإن قيل: كيف ذلك؟ فنقول: إنك حينما تلقي نظرة سريعة على واقع العالم الإسلامي اليوم -ونكاد أن نقول: كله. وإذا حابينا نقول: جله- تجد أنه قد وجد فيه السبيل لهذه الفاحشة.
فحين نأتي إلى فاحشة الزنا -مثلاً- نجد أن وسائل الإعلام أكثرها يخدم هذه الفاحشة باسم التسلية، وباسم الترفيه، وأصبح الإعلام يقرب من هذه الفاحشة، وما عليك إلا أن تحرك موجات التلفاز أو موجات المذياع، أو أي وسيلة من وسائل النشر والإعلام لترى فيها الدعاية لهذه الفاحشة، سواء أكانت بصورة مباشرة أم غير مباشرة، وبصورة مقصودة أم غير مقصودة.
إن السبل قد مُهدت، حيث نجد تلك السبل في كثير من وسائل الإعلام -خاصة المرئية- التي غُزي بها المسلمون في عقر دارهم، وأصبحت خطراً لم يترك بيت شعر ولا مدر إلا دخله، وأصبح من الصعب أن يتقي الإنسان هذه الوسائل، وأصبحت تأتينا بأفلام رخيصة فيها رقص واختلاط ومسرحيات تمهد للجريمة، وتعلم المرأة الخيانة الزوجية، وتعلمها كيف تتخلص من هذه الضوابط التي يسمونها قيوداً لتقع في فخ أعداء الإسلام، وهذه المسرحيات لو أمسكتها من أول خيط إلى آخر خيط فيها -إلا ما شاء الله- لوجدتها تهدم الأخلاق والفضائل، وتعلم المرأة الخيانة الزوجية، وهذا ينتشر في التلفاز في كثير من الأحيان في أكثر العالم الإسلامي.
ثم تأتي أغانٍ خليعة صفيقة مؤلمة جارحة لقلب المؤمن، فتجدها تنتشر في بيوت المسلمين حتى تغيرت وانقلبت كثير من بيوت المسلمين رأساً على عقب، فتلك البيوت التي كان بالأمس لا يُسمع فيها إلا دوي القرآن ما بين راكع وساجد في الليل منيبين إلى الله عز وجل تغيرت، فلا تكاد تقف أمام بيت من بيوت المسلمين إلا وتسمع الرقص والموسيقى والمسرحيات والأغاني والأمور الفظيعة، مما يدمي قلب المؤمن ويخيفه على دينه، إلا أن الله عز وجل تكفل بحفظ هذا الدين وبحفظ منهجه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
فهذا يأتي عن طريق هذه الوسائل، وأخطر من ذلك تلك الوسائل التي ليست عليها رقابة، والتي تتسرب إلى بيوت المسلمين ومجتمعاتهم بطريقة سرية، فمن رآها يخبر بأنه رأى فيها ما هو أكبر من ذلك من الفواحش المكشوفة التي تعلم الإنسان كيف يفعل الفاحشة مباشرة.
وكثير من المجلات تهدف إلى هذا الهدف الخبيث، وتقرب الناس من الفاحشة، ابتداءً من صورة الغلاف، حينما يختارون لها أجمل فتاة في شكل عارٍ، إلى آخر سطر من أسطرها، فكلها دعاية، حتى الدعايات للبضائع التي تُباع أصبحت تبث من خلال المرأة وجمالها وتفسخها، وعلى حساب أخلاقها وحريتها من قوم يزعمون أنهم يبحثون عن حقوق المرأة وعن حرية المرأة، حتى الجو لم يخل من ذلك، فإذا كان قد ظهر الفساد في البر والبحر فقد ظهر الفساد أيضاً في الجو، فلا تكاد تركب طائرة بتاتاً حتى تقابلك فتاة وضعت من أجل جذب أبصار هؤلاء الركاب، ومن أجل إيجاد شيء في نفوسهم من الفتنة، وليس لها هم إلا أن تمشط شعرها، وأن تعرض جمالها، وأن تستعمل الأصباغ والأدهان من أجل أن تزيد مرضاً من في قلبه مرض!
فهذه مصائب كلها عمت وطمت، لا يجوز أن نغمض أعيننا عنها مهما كان الثمن، ومهما عز المطلب؛ لأننا أمة يجب أن نقول كلمة الحق في المنشط والمكره وفي العسر واليسر.
وهذا كله داخل في قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ [الأنعام:151]، وأي سبيل للبعد عن الفواحش وأنت لا تستطيع أن تركب الطائرة إلا وأمامك فتاة، وعن يمينك فتاة، وعن شمالك فتاة؟! وأي وسيلة للبعد عن هذه الفاحشة ولا يكاد -إلا ما شاء ربك- أن يخلو بيت من بيوت المسلمين من هذه الوسائل التي أصبحت نقطة وصل بين الإنسان وبين الفاحشة إلا من عصمه الله تعالى؟!
ولذلك تعبير القرآن تعبير دقيق، فلم يقل الله عز وجل: ولا تفعلوا الفواحش. حتى لا يقول إنسان من الناس: أنا أريد أن أدنو من الفاحشة حتى لا يكون بيني وبينها إلا ذراع، وعلي أن أضبط وأن أكبح جماحي حتى لا أقع في هذه الفاحشة. ولكن الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).
فلنحذر هذه المقدمات؛ لأنها ستؤدي إلى هذه النتائج، ولقد نشأ عن هذه المقدمات مرض في نفوس كثير من الناس، فأصبحوا كمن يشرب الماء المر ولا يروى أبداً، ولذلك فإن هؤلاء مطالبهم لا تقف عند حد؛ لأن هذا الفساد وصل إلى بيوتهم، ثم وصل إلى قلوبهم، ثم ما زالوا يريدون أكثر من ذلك، فهم غير راضين عن هذه الأوضاع، ويعتبرون أن هذه الأوضاع مازالت تعيش تخلفاً وتأخراً، فعلينا أن نأتي بالضربة القاصمة، وذلك عن طريق حرية المرأة وحقوق المرأة، فقامت دعوات في الصحف التي تنشر في البلاد الإسلامية تتهم الحجاب بأنه تقوقع، وتتهم الحجاب بأنه من مخلفات القرون الوسطى، ويهاجمون دين الله، والله عز وجل يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، ثم يقول: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، ويقول هؤلاء: يجب على المرأة أن تشارك الرجل في كل أمر من أمورها، ويجب أن ترفض هذا الحجاب؛ لأن هذا الحجاب إنما هو إهانة للمرأة، وحينما ترفض هذا الحجاب عليها أن تشارك الرجل في كل عمل من أعماله، بحيث لا يختص الرجل بعمل وتختص المرأة بعمل آخر.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
إن المرأة في بلاد الكفر لا يمكن أن تحصل على لقمة العيش حتى تكدح ليلها مع نهارها، وإن المرأة لا تستطيع أن تحصل على لقمة العيش حتى تتنازل عن شرفها وعرضها، ولكنها في بلادنا -والحمد لله- تحصل على كل وسائل المتاع والراحة وهي في قعر بيتها.
ولا أدل على ذلك من هذه المهور، فإن أي بلد تنحل أخلاقها وتتخلف فيها المرأة تسقط فيها المهور، وبمقدار محافظة البلد على المرأة ترتفع المهور، وهذا يدل على ثمنيتها ونفاستها في نفوس القوم.
إن علينا أن لا نغتر بهذه الدعوات؛ لأن هذه الدعوات وليدة تلك الأمراض التي وصلت إلى قعر بيوت هؤلاء، أو وليدة تلك الأمراض التي حُقنت وغسلت فيها أدمغة كثير من القوم الذي عاشوا في بلاد الكفر، ودرسوا أفكار القوم، وعاشوا هناك مدة من الزمن، فرجعوا متنكرين لدينهم، فأصبحوا عوامل هدم في بلادهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهذا الحديث يتجسد اليوم تجسداً واقعياً في أرض المسلمين، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. قال: فقلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قال: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قال حذيفة رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقال حذيفة رضي الله عنه: صفهم لنا يا رسول الله! قال: قوم من جلدتنا) فأسماؤهم محمد ، وعبد الله ، وأحمد ، وليس منهم أحد يدعى أبا جهل أو يدعى أبا لهب ، ولكن اسمه محمد وأحمد وعبد الله وعبد الرحمن ، وتربى في أحضان أبوين مؤمنين، ولكن تربية الكافرين قد ملأت مخه وغسلته, وأزالت ما فيه من خير, وملأته شراً وحقداً على أمته, قال: (دعاةٌ على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها, قال: قلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: قوم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا), فهم ينطقون اللغة العربية, ولا يحتاجون إلى ترجمة, ولذلك فإن هؤلاء أخطر على المسلمين من أعدائهم الذين يحيطون بهم من كل جانب؛ لأن هؤلاء يندسون في المجتمعات الإسلامية, ويفسدون من حيث يصلح الناس.
فلننتبه لهؤلاء الناس, ولنحذر هؤلاء الهدامين, وما أكثرهم بين المسلمين اليوم! ولقد حاول هؤلاء أن يحققوا لأعدائهم مطالبهم حينما قال أحدهم: إنكم لن تستطيعوا أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا في غصن من أغصانها. وهم الآن يحاولون أن يقطعوا شجرة الإسلام في غصن من أغصانها، ولكن الله متم نوره وغالب على أمره.
وبمقدار ما ينشط هؤلاء الهدامون يتجه الناس إلى دين الله عز وجل، وهذه سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
إذاً علينا أن نحذر هؤلاء، كما أن علينا أن نحذر من أن نقرب من الفاحشة، فالاختلاط الآن يُخطط له في كثير من أرض المسلمين، فكثير من البلاد التي لم يعد الاختلاط فيها منهجاً رسمياً يُخطط له فيها، وهؤلاء من خبثهم وحقدهم على الإسلام واستغفالهم للمسلمين الواعين يقولون: إن خلط الرجل مع المرأة إنما يعطي هذا الرجل وهذه المرأة مناعة، بحيث تزول هذه الحواجز، وتتحطم هذه الأمور المخيفة، فيصبح الأمر طبيعياً.
ولقد كذبوا، فبمقدار ما أزالوا هذه الحواجز زادت الجريمة، وانتشرت الفاحشة بين المسلمين، وهذه هي مقاصد أعداء الله، وهذه هي تربيتهم، أما تربية الله عز وجل لهذه المرأة فعلينا أن نعيها، فإن الله عز وجل يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:30- 31] أي: إلا ما ظهر قهراً وقسراً لا ما أظهرته هي. وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]، إلى قوله في آخر الآية: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31]، فإذا كانت المرأة نهيت عن أن تضرب برجلها على الأرض بشدة حتى لا يُسمع صوت الخلخال فكيف بها تخرج ترقص وتغني أمام الناس، ويسمعون صوتها، ويرون جسمها ومفاتنها؟! وما الفرق بين أمر الله عز وجل وبين واقع كثير من أبناء العالم الإسلامي الذين نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردهم إلى الجادة وإلى الطريق المستقيم؟!
ثم يأتي الآخر بقائد للسيارة ليسلم له أغلى وأشرف ما يملك في هذه الحياة من شرفه وكرامته، فيغدو بالبنات وبالزوجة إلى هنا وهناك، وعلى ساحل البحر، وفي أي مكان من الأرض، ويخلو بإحداهن وتخلو به في البيت وخارج البيت!
ويأتي ذاك بمربية لتربي أولاده على خلاف الفطرة، وكثيراً ما تكون مشركة أو كافرة، وهب أنها مسلمة، فإن تقاليدها وأخلاقها تختلف كثيراً عن الأوضاع التي يجب أن يعيشها المسلمون في مثل بلادنا، وكل ذلك يحدث في غمرة الثراء وفي غمرة النعمة وفي غمرة الرخاء الذي اُبتلي به القوم، وصدق الله عز وجل حيث أخبرنا بأنه يبتلي هذا الإنسان بالفقر والمسغبة، حتى إذا لم يُجْدِ فيه ذلك شيئاً يفتح له أبواب النعيم، حتى إذا لم يرع ويرجع إلى الله عز وجل فإن عقوبة الله أقرب إليه من شراك نعله، فلننتبه لهذا؛ فإني أخشى أن تنطبق هذه الآيات على مثل مجتمعنا في مثل هذا البلد الذي كان بالأمس يعيش في فقر وفي خوف وذعر، وهو اليوم تنفتح عليه خزائن الحياة الدنيا من كل جانب، يقول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف:94]، فقر ومصائب، حتى إذا لم تجد هذه فيهم شيئاً كانت العاقبة: ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ [الأعراف:95]، فبدل الفقر أصبحت عندهم مليارات وملايين وأرقام في بنوك يعجز الناس عن إحصائها، وأمم تموت حولنا في أفريقيا جوعاً، ولكن يأبى كثير من الناس إلا أن تبقى هذه الأرقام يحاسبون عليها بين يدي الله عز وجل يوم القيامة بعدما تفسدهم في هذه الحياة الدنيا إلا ما شاء ربك، قال تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا [الأعراف:95]، فقد زاد المال، وزاد العدد، وزاد الرخاء، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله؛ فهذه نعمة لها ضد يقول: ضدها قد انتهى. والله عز وجل يحدثنا عن ذلك قبل أن يقوله الناس: حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ [الأعراف:95]، ما هي النتيجة؟ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95].
وهكذا الله عز وجل يمتحن الناس بالمصائب والآفات والفقر والمسغبة، وإذا لم ينفع ذلك فيهم فإن لله خزائن السماوات والأرض، والدنيا لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة، فيفتح لهم أبواب الخيرات وأبواب النعيم ابتلاء من الله عز وجل، فإذا لم ينفع الثاني بعدما لم ينفع الأول فإن الله عز وجل يقول: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95] .
وكل هذه الأمور علينا أن ننتبه لها، وإذا كان منا من اُبتلي بشيء من ذلك فعليه أن يتقي الله عز وجل، وعليه أن يحذر سخط الله، وأن لا يستعمل نعمة الله عز وجل في معصيته، فيا أخي! بأي وسيلة تحل لك فتاة تأتي بها من الهند أو من مصر أو من جنوب شرق آسيا، أو من أي مكان من الأرض ليست منك ولست منها، وليس معها محرم؟!
أيها الأخ الكريم! إن الله عز وجل يحذرنا من الفواحش فيقول: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، ولذلك الله تعالى هدد هؤلاء القوم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوعدهم بالنار، وكان أحدهم يقتل بنته خشية العار، علماً أن الدوافع مطلوبة ونبيلة؛ لأنه فعل ذلك محافظة على عرضه، لكن في ذلك مبالغة في هذا الأمر، وهذا هو شأن الجاهلية الثانية؛ حيث إنها جاءت ترد فعل الجاهلية الأولى، حيث تفسخت فيها المرأة، أما الجاهلية الأولى فإن أحدهم كان يكره المرأة، فإذا ولدت له فتاة إما أن يدسها في التراب، وإما أن يمسكها على هون خشية أن تصيبه بعار في يوم ما، ولذلك الله عز وجل قال: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، والمراد بالنفس التي حرم الله تعالى النفس المعصومة التي لا يحل قتلها، والمراد بالحق ما أباح الشرع، وما أمرنا به من إقامة القصاص، ومن إقامة الحدود، ومن قتل القاتل، فهذه سنة الله تعالى التي تضبط الحياة والتي تحفظ للحياة توازنها واستقامتها.
ثم قال تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]، فإذا قلت أي مقالة -يا أخي- فعليك أن تخشى الله عز وجل، وعليك أن تستعمل العدل في هذا الأمر؛ لأن العدل أمر لابد منه، ولا تكون الأمور إلا به.
وهذه الآية ذكرت أن سبيل الله عز وجل واحدة، وأن السبل الملتوية المنحرفة كثيرة جداً، ولعل واقعنا اليوم -ونحن نعيش أحزاباً وفئات وأفكاراً ومذاهب شتىً- يجعلنا نتصور معنى هذه الآية تصوراً كاملاً، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم قد فسر لنا هذه الآية في قوله عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)؟!
فما عليك -يا أخي- وأنت تبحث عن سبيل النجاة، وأنت تبحث عن سبيل السعادة وأنت تطلب وتنشد طريق الجنة إلا أن تفتش في نفسك، وإلا أن تفتش في بيتك، وإلا أن تفتش في أولادك وأهلك، فإن كانوا على المنهج الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص فعليك أن تشكر الله، وأن تسأل الله عز وجل الثبات على هذا الأمر، وإن كنت في أهلك أو في نفسك أو في بيتك على غير المنهج الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم فعليك أن تخشى الله في نفسك أولاً، ثم تخشى الله في هذه الذرية وفي هؤلاء الأهل الذين استرعاك الله عز وجل عليهم، لتعود إلى الطريق المستقيمة التي أمرك الله عز وجل بسلوكها في قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
وهذا أمر ينتشر في كثير من بلاد المسلمين، حيث تراهم يشرعون أموراً لم يشرعها الله عز وجل، وإني خائف عليهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، أما تلك الواحدة فإن منهجها واضح، وإن دينها بين، فهذا كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أكبر منهج لدين الله، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت وستبقى إلى يوم القيامة غضة طرية، وهذا تاريخ المسلمين في الصدر الأول الذي أمرنا بالاقتداء بهم من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أما هؤلاء الذين جاءوا ببدعة سموها بدعة حسنة فنسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فقالوا: لا يا رسول الله، ليست كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.
فكلما استحسنته نفوسهم جاءوا به وأضافوه إلى دين الله، فأصبح هذا الدين غير ثابت في نفوس هؤلاء، وهذا أمر خطير انتبهوا له أيها المسلمون، وقفوا عند حدود الله؛ فإن الزيادة في دين الله أعظم عند الله عز وجل من النقص في دينه؛ فإن من زاد في دين الله فقد وضع نفسه إلهاً يشرع لنفسه وللناس، وأما من نقص في دين الله فإنه عاصٍ، وهو تحت مشيئة الله عز وجل وإرادته، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
إذاً علينا أن ننتبه لهذا الخطر، وأن نحذر، وأن نسلك سبيل الله، فإن سبيل الله واحدة، وليس هناك إلا سبيل واحدة، ولذلك جاءت السبيل هناك مفردة وجاءت السبل متعددة، فقال الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يوفقهم للوقوف عند حدود الله وعند أوامر الله، فلا يزيدون في دين الله ما لم يشرعه الله عز وجل أياً كانت هذه الزيادة، ولا ينقصون في دين الله. فيتعرضون لعقوبة الله عز وجل وسخطه، كما أسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يوفق ولاة المسلمين لرفع راية الإسلام على الوجه الذي يرضيه عنا وعنهم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل أمرنا وأمر المسلمين كافة فيمن خاف الله عز وجل واتقاه، ونفذ أحكامه، وحكَّم شرعه ظاهراً وباطناً في كل صغيرة وكبيرة، وأن يقينا جميعاً ولاة السوء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الجواب: نصيحتي للشباب ولغير الشباب أن يثبتوا أقدامهم على هذه الأرض التي أصبحت اليوم تهتز بكثير من الناس، وأصبح كثير من الناس الآن على مفرق طريقين بين الحق والباطل، فأوصي هؤلاء الشباب أن يثبتوا أقدامهم، وأن يلتزموا بأوامر الله عز وجل، وأوصيهم بما أوصى به رسول صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ، فإن حذيفة بن اليمان لما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما سيحدث قال: (يا رسول الله! فماذا تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قال: قلت: يا رسول! وإن لم يكن يومئذ للمسلمين جماعة ولا إمام؟ قال: فاهرب بدينك، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك).
ولكن جماعة المسلمين ستبقى -بإذن الله- إلى يوم القيامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله -أو حتى تقوم الساعة-) ولذلك فإني أقول لهؤلاء الشباب: عليهم أن يلتزموا، وأن لا يتسرعوا في مفهومهم أو في تصوراتهم أو في أي أمر من أمورهم، كما أن عليهم أن لا يغتروا بهذه الحضارات الملفقة التي جاءت من الشرق والغرب، فإنما هي -كما أخبر الله عز وجل- كسراب بقيعة، والحق هو الذي يبقى، وهذه ستزول؛ لأن الله عز وجل قد حكم بأن هذا الدين سيبقى إلى يوم القيامة، ولذلك فإني أدعو هؤلاء الشباب إلى أن يثبتوا على دين الله عز وجل، خاصة هؤلاء الشباب الذين منَّ الله عليهم بالاتجاهات الخيرة، فأصبحنا نتفاءل بهم كثيراً، وقد كان كثير من الناس يتشاءم، ويظن أن فلاناً وفلاناً من الناس فقط هم الذين سيحرسون دين الله في الأرض، فإذا بالأمر يأتي فجأة، فيتجه شباب المسلمين إلى الله تعالى في كل مكان من أرض الله الواسعة، حتى في بلاد الكفر، فقد ذهب كثير من أبناء المسلمين إلى هنالك، ولربما تكون هناك نوايا سيئة لطائفة من الناس، ويتوقعون أن فلانا سيفسد حينما يذهب إلى بلاد الكفر، فإذا به يعود قد زاد إيماناً وصلابة في دينه وقوة في عقيدة، فأوصي هؤلاء وأولئك جميعاً بأن يثبتوا على دين الله، وأن لا يتأثروا بما يحيط بهم من أخطاء وأخطار، وأن يتمثل أحدهم بقول الشاعر قاصداً ربه عز وجل:
فليتك تحلو والحياة مريـرةوليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامروبيني وبين العـالمين خـراب
كما أدعوا هؤلاء الشباب إلى أن يثقفوا وأن يوعوا إخوانهم الذين أُصيبوا بما أصيبوا به من تخلف أو ضرر في دينهم.
الجواب: نقول للأخوات: عليهن أن يعلمن أنهن يُغزين في أيامنا الحاضرة أكثر مما يُغزى غيرهن، فتزهد إحداهن في الدين في كثير من الأحيان، ويقال لها: إن هذا الدين قد كبح جماح المرأة، وقد أغلقها عن الناس، وقد عطل نصف المجتمع، وقد ذهب الناس بحرية المرأة في أيامنا الحاضرة، والدين يكبت هذه المرأة. وغير ذلك من الكلمات التي نسمعها وتسمعها المرأة، وهذه في الحقيقة لا أعتقد أنها ستؤثر على المرأة المؤمنة التي تقرأ كتاب الله عز وجل؛ لأنها تعرف حقوق المرأة قبل أن يأتي هذا الدين، وتعرف حقوق المرأة بعد أن جاء هذا الدين، فتتصور واقعها يوم كانت في الجاهلية، حيث كانت تُدفن خشية العار، وكانت لا ترث حتى ورثها الله عز وجل، بل كانت تُورث، فكانت المرأة إذا مات زوجها يتسابق أحد أولاده من غيرها فأيهم وضع عليها رداءاً كان أحق بها، حتى أنزل الله عز وجل قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19]، فلا أعتقد أن واحدة من الأخوات المسلمات تتأثر بذلك، خاصة أننا نعيش في فترة قد تعلمت فيها المرأة وتثقفت، فأصبحت تعرف ما لها وما عليها، وتعرف ماضيها وحاضرها، فأدعو هذه المرأة إلى أن لا تنخدع بهذه الدعايات المضللة التي تفد إلينا من الشرق أو من الغرب أو تصنع في بلادنا وفي صحفنا، وعليها أن لا تغتر بشيء من ذلك، فإن الله عز وجل قد أكرمها بالإسلام، كما أدعوها إلى أن لا تتنازل عن شيء من كرامتها، أو شيء من حجابها، أو تظهر شيئاً من زينتها؛ لأن الله عز وجل قد ضرب لها مثلاً بأفضل النساء، ونادى أفضل النساء بأعظم نداء، فعلى هذه المرأة أن تلتزم بهذا النداء، وهو قول الله عز وجل: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32- 33]، ثم لا ننسى الآية الآتية بعدها: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، فعلى المرأة المسلمة أن تبلغ دين الله عز وجل إلى النساء الأخريات؛ لأن معنى قوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) معناه أمر للمرأة المسلمة -خاصة زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم- بأن تبلغ دين الله عز وجل لهذا العالم، وأسأل الله تعالى أن يثبت أقدام النساء كما أسأله أن يثبت أقدام الرجال.
الجواب: الحقيقة أن هذا الكلام خطير؛ لأن معنى ذلك أن القرآن سيُحصر في وقت معين، والله تعالى يقول: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158]، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى يوم القيامة، وأي آية نزلت في فترة فإنها تتحدث عن كل الفترات إلى يوم القيامة، وعلى هذا فإننا نقول لهؤلاء: اتقوا الله عز وجل، ولا ترموا المسلمون وتقذفوهم في النار، وعليكم أن تبينوا لهم طريق الحق، وعليكم أن تبينوا لهم أن الأوثان التي تُعبد من دون الله أياً كانت هذه الأوثان فإنها أوثان، وإذا كان هؤلاء يعتقدون أنها تقربهم إلى الله عز وجل يوم القيامة ويرجون شفاعتها فإن هذه الكلمة لا تختلف أبداً عن قول المشركين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فالمشركون قالوا: (نعبدهم)، وهؤلاء قالوا كلمة غير كلمة (نعبدهم)، فالاختلاف لفظي، أما الحقيقة فإن ما يفعله كثير من الناس اليوم حول الأضرحة بل حول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو شرك، ولو ذهب أحدنا الآن إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأى طائفة من الناس قد أداروا ظهورهم إلى كعبة الله المشرفة، واتجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خاشعون، ويقولون: يا رسول الله! أعطنا كذا. فمن كان يتصور أن هذا سيوجد في المسلمين فضلاً عن أن يوجد في بقعة من أفضل بقاع الأرض وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده، فالشرك قد عاد برمته، ولما قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي: ما شاء الله وشئت أنكر عليه وقال: (أجعلتني لله نداً؟!) فكيف والرسول صلى الله عليه وسلم ميت؟! والعجيب في هؤلاء أننا إذا قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ميت قالوا: لا. الرسول حي. فنقول: كفرتم بالله إذا قلتم: إن الرسول حي؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، فكيف يقول الله تعالى: إنه ميت وأنت تقول: هو حي؟ وقال تعالى: أَفَإِْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، ولذلك لما اضطرب الناس عند أن مات رسول صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله عنه على الملأ وقال: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات).
والله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ولكنه ميت، وهو حي حياة برزخية، حتى وفي حياته قبل موته صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يعطي الإنسان كل شيء.
إذاً ليس هناك الآن لنا سبيل إلى أن نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم حاجة من الحاجات، وإنما علينا أن نتقرب إلى الله عز وجل بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالصلاة عليه، وبالسلام عليه، وتكون محبتنا ليست محبة عاطفة، فليست محبتي ومحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمحباتنا لأزواجنا ولأولادنا، بل محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة متابعة يجب أن تكون أعظم من العاطفة ومن غيرها، وهؤلاء إذا قيل لهم: اتقوا الله، لا تتمسحوا بقبر رسول الله، هذا أمر لا ينفع ولا يضر، لا تسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام، بل اسألوا الله قالوا: أنتم لا تحبون الرسول صلى الله عليه وسلم.
ووالله إننا لأشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ولذلك فإن علينا أن نلتزم، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قائلهم: (ألا إني متبع، ولست بمبتدع). ونحن علينا أن نتبع وأن لا نبتدع؛ لأن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما الاتباع فقد أمرنا به، كما قال عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، ولذلك فإني أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يهدي هؤلاء الذين ضلوا الطريق ففهموا هذا الدين على غير حقيقته إن أحسنا بهم الظن، وإلا فإنهم قد أساءوا إلى هذا الدين، وصرفوا أنواعاً من العبادة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى صرفوها لمخلوق من المخلوقين، أسأل الله أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.
الجواب: تفضيل النصارى أو غير المسلمين على المسلمين كفر وردة، والله تعالى نهانا عن موالاة غير المسلمين فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [المائدة:55]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة:13]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51]، ولو أردنا أن نحصر الآيات في مثل هذه المواضيع لوجدناها كثيرة، وهذه الحجة الشيطانية انخدع بها طائفة من ضعاف النفوس من المسلمين، فقالوا: إن هناك أخلاقاً وفضائل يتمتع بها النصارى أكثر من المسلمين، وهذا فيه شيء من الحق، وفيه شيء من الباطل، أما أنهم أفضل من المسلمين فهذا أمر باطل، وأما أن هناك أخلاقاً يتمتع بها النصارى -هي في الحقيقة من أخلاق المسلمين- فهذا فيه شيء من الحق وماذا يريد الشيطان من البيت الخرب، فما دامت نفوسهم قد خربت ومصيرهم إلى النار فالشيطان لا يتوعد إلا أن يخرج الناس من الجنة، ومادام قد أخرج هؤلاء من الجنة وأدخلهم النار فإنه قد انشغل بغيرهم من المسلمين، فغيَّر كثيراً من أخلاقهم وفضائلهم، أما أولئك فإن ما لديهم من الفضائل لا ينفعهم عند الله عز وجل شيئاً، ولذلك الله تعالى يقول: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [هود:15] أي: بعمله، كأن يبني المساجد، ويبني المدارس، ويبني المستشفيات، لكنه غير مؤمن نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا [هود:15]، أي: نعطيهم الجزاء في الدنيا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحداً.
فلا يغتر أحد بعمل هؤلاء الكافرين، فإنه يُعجل الجزاء لهم في الحياة الدنيا حتى لا يبقى لهم نصيب في الحياة الآخرة، وما لديهم من الأخلاق والفضائل فإنما هو موروث من أخلاق المسلمين يوم استقر المسلمون في بلاد الغرب، وحينما فتح المسلمون مناطق كثيرة من بلاد الكفر، ثم بعد ذلك انتشرت هذه الأخلاق وهذه الفضائل وهذه العادات، حتى إذا تقلص الإسلام من نفوس هؤلاء بقيت تلك الأخلاق.
وعلى كلٍ فإن الشيطان لم يحارب هذه الأخلاق في نفوس هؤلاء؛ لأنه سواء استقاموا على هذه الأخلاق والفضائل أو انحرفوا عنها فهم حطب لجهنم.
الجواب: الخضوع لغير الله لا يجوز، إلا فيما أباح الشرع من أن يتواضع الإنسان لوالديه أو العلماء من باب التقدير والاحترام فقط، أما أن يصل إلى تقبيل الأقدام أو أن يصل إلى الانحناء كما يفعله طائفة من الناس إذا أراد أحدهم أن يحيي الآخر فينحني أمامه فإن هذا لا يجوز؛ لأن هذا لا يكون إلا لله عز وجل، فإذا كان الله تعالى قد نهانا أن نعبد غيره أو أن نصرف نوعاً من العبادة لغيره فإن ما نقدمه للأحياء أو للأموات على حد سواء، فكل ذلك صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، فإذا انحنيت أمام قبر ميت أو أمام أعتاب حي أو أمام أي مخلوق من المخلوقات انحناءً لا يكون لله عز وجل فقد صرفت نوعاً من العبادة لغير الله، وهذا أيضاً يدخل في باب الشرك، إلا أن هذا يوجد أمام الأموات أكثر من الأحياء، كما يحصل عند الولي فلان والسيد فلان، بل عند الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (اللهم! لا تجعل قربي وثناً يُعبد) ويقولون: لا. لابد أن يُعبد قبرك يا رسول الله. فيذهبون وينحنون أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذرفون الدموع، ولا يقولون كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسلم عليه أو نصلى عليه: (السلام عليك يا رسول الله)، وإنما يقولون: يا رسول الله! أعطنا كذا. يا رسول الله! أعطنا كذا.
والله تعالى أخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك نفعاً ولا ضراً لأحد، إلا أن يهتدي الناس بما جاء به من الهدى، كما قال عز وجل: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، وإذا كان هؤلاء يقولون: إن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يغيثنا في هذا الأمر وهو ميت فإنهم ينكرون وفاته، ويكفرون من هذه الناحية؛ لأنهم ينكرون آيات كثيرة من كتاب الله تخبرنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت سائر البشر، إلا أن الله تعالى يرد عليه روحه إذا سلم عليه أحد ليرد عليه السلام، وحفظ جسده من أن تأكله الأرض، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ميت، ولربما يغالي أحدهم ويقول: إن الرسول خُلق من نور، والله تعالى يقول له: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110]، والبشر يختلف عن النور؛ لأن البشر هو الذي له جسم يباشر الأشياء، ويقولون: لا. فالرسول خلق من نور، وليس له ظل. فنقول لهؤلاء: اتقوا الله! فأنتم تكذبون الله عز وجل الذي يقول: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110]، وتكذبون رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (ألا إنما أنا بشر)، ويقول أحدهم: هو أول المخلوقات. ونقول له: كذبت، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس أول المخلوقات، ويزيده شرفاً أن يكون آخر الرسل، وهو أعظمهم وأفضلهم عند الله عز وجل، وهو سيد ولد آدم، وهؤلاء يأتون بأشياء ليس لها أدلة، ويشرعون في دين الله ما لم يأذن به الله، ومن هنا ضل القوم الطريق، نسأل الله لنا ولهم الهداية والاستقامة.
الجواب: ليس هناك إشكال بين الحديثين، وكلاهما حديثان صحيحان، فقوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) حديث صحيح، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب به يوم الجمعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة) هذا أيضاً حديث صحيح، وله مناسبة.
وأما كيف نجمع بينهما فنقول: كل بدعة ضلالة، لكن السنة إذا غفل عنها الناس ونسيها الناس ثم جاء أحد المسلمين وذكر المسلمين بهذه السنة فحينئذٍ نقول: سن في الإسلام سنة حسنة؛ لأن الحديث الذي فيه: (من سن في الإسلام سنة حسنة) سببه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى الإنفاق والبذل، فقام رجل ومعه صرة من مال كادت يده أن تعجز عن حملها، فسلمها للرسول صلى الله عليه وسلم أمامه علناً، فقام الناس وتدافعوا، وصار كل واحد منهم يقدم شيئاً من المال، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة .. ومن سن في الإسلام سيئة) .
إذاً من أحيا سنة غفل عنها الناس فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن أمات سنة عمل بها الناس وجعل البدعة بدلها فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، أما الأصل فإن الدين كامل، وكل بدعة ضلالة. والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الوصايا العشر للشيخ : عبد الله الجلالي
https://audio.islamweb.net