إسلام ويب

لقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ومن تاب معه بالاستقامة على أمره سبحانه، وذلك بالسير على منهج الله الرباني، وصراطه المستقيم، من غير انحراف أو غلو أو اعوجاج، فصراط الله معلوم، والاستقامة عليه مطلوبة، وتصحيح الطريق أمر ضروري لمن أراد اللحاق بركب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والنجاة من عذاب الله.

حقيقة الإنسان الذي أمر بالاستقامة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، البشير النذير، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم، وعلى آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة! قبل أن أحدثكم عن حقيقة الاستقامة، وعن مظاهرها التي يجب أن يتحلى بها المسلم، نعود قليلاً لنعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولنرى من هو هذا الإنسان الذي يقال له: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]؛ لأن حكمة الله عز وجل اقتضت أن يكون هذا الإنسان على هذا الكوكب، وهذه الحكمة لا يعلمها إلا الله، فحينما خلق الله عز وجل الإنسان، واعتبره خليفة لأمم سكنت الأرض كما يقول طائفة من المفسرين عن قول الله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30].

كان هذا الإنسان أولاً غير مطالب بالعبادة، وإنما أسكنه الله عز وجل الجنة قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا [البقرة:35]، لكن حكمة الله عز وجل أن يكون الابتلاء لهذا الإنسان، فيحذر الله عز وجل النبي الكريم آدم عليه الصلاة والسلام عن شجرة واحدة في الجنة، ويبيح له كل ما فيها من نعيم، وما ذلك إلا من باب الابتلاء، قال تعالى: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35].

ثم إن هذا العداء الذي وقع بين آدم وبين إبليس لحكمة يعلمها الله عز وجل، فأغواه ليأكل من هذه الشجرة فاستطاع أن يؤثر على آدم وحواء: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:21-22].

ومن هنا أهبط آدم وأهبطت حواء؛ لتكون ذريتهما هي التي تعمر هذه الأرض، وليكون الابتلاء، ولكن حكمة الله عز وجل أن تكون الفطرة هي الأساس المتين الذي ينشأ عليه بنو آدم، فالله عز وجل اقتضت حكمته أن يخلق فطرة التوحيد والإيمان في قلب كل واحد من بني آدم قال تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30].

ثم أيضاً: نجد أن الله عز وجل أخبر أنه أخذ هذا العهد والميثاق على بني آدم جميعاً حينما استخرجهم من ظهره كالذر وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172] فكانت الفطرة موجودة، كما أخبر الله عز وجل في الحديث القدسي حيث قال: (إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، وبقيت هذه الفطرة إلى أن تسلط عليها شياطين الإنس والجن؛ فكان الصراع بين المؤمنين ابتداء من آدم عليه الصلاة والسلام وفي ذريته إلى يوم القيامة، وبين الشياطين مستحكماً منذ أن أهبط آدم من الجنة، قال تعالى: اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [طه:123]، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا الصراع سوف يستمر.

ولذلك فإن هناك عوامل مهمة خلقها الله عز وجل في هذه الحياة من أجل أن يكون الامتحان والاختبار، ومن أجل أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير، فاقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يقسم الناس إلى شقي وسعيد منذ أن كان هذا الإنسان جنيناً في بطن أمه، حينما يكتب الملك أربع كلمات منها: شقي أو سعيد، وعلى هذا يستمر الصراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد جعل الله عز وجل في هذه الحياة مغريات وأموراً تميل إليها النفوس البشرية بطبيعتها وفطرتها، ولكن الله عز وجل خلق العقل، وأعطاه ميزة تسيطر على هذه الشهوات في كثير من الأحيان، ولذلك فالصراع بين العقل والعاطفة والشهوة هو الذي يحدد مصير هذا الإنسان؛ ولذلك كان لا بد من الاستقامة؛ حتى لا تتغلب العوامل والشهوات على العقل الذي يخاطبه الله عز وجل دائماً، ويعتبره هو المعيار والفيصل بين الإنسان والحيوان، ويخاطبه الله عز وجل دائماً: أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:24]، لِأُوْلِي الأَلْبَابِ [ص:43] .. إلى غير ذلك.

فالخطاب في مثل هذه الأحيان يوجه للعقل حتى لا يلغي هذا الإنسان العقل، ولكن هذه العوامل ما زالت تتابع الإنسان، أي: عوامل الانحراف والخطأ كما هي الفطرة البشرية قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53]، ومن هنا لا بد أن يكون للاستقامة دور، ولا بد أن تكون الاستقامة حينما توجد مثل هذه العوامل، لاسيما إذا كانت هذه العوامل عنيفة شديدة، قد تعصف بالإنسان، فيغفل عن عقله وتفكيره؛ لينسجم مع عواطفه، فيؤدي ذلك في كثير من الأحيان إلى الانحراف، فلا بد إذاً من الاستقامة.

وهذه العوامل العنيفة منها السلبي، ومنها الإيجابي، فالإنسان له شهواته ومطامعه، وله خوفه ورهبته؛ ولذلك فإن المسلم عليه إذا عن أمامه أمر من هذه الأمور التي ربما تعصف بعقله وتفكيره، وبأخلاقه وسلوكه لا بد أن يتذكر هذا عدوه اللدود الشيطان الذي يحذر الله عز وجل عنه فيقول: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27].

حقيقة الاستقامة وأهميتها وما يخل بها

وعلى هذا لا بد أن نعرف حقيقة الاستقامة، وأهم مظاهرها.

الاستقامة طريق النجاة من عذاب الله

أولاً: قبل أن نبحث في معنى الاستقامة وفي الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع نعرف أن الأمر بالاستقامة في هذه الآيات جاء في آخر سورة هود، وسورة هود يكفي أنها هي التي شيبت رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قيل له: (يا رسول الله! شبت! قال: شيبتني هود وأخواتها) ولذلك حينما تقرءون سورة هود تجدون فيها من الوعد والوعيد، والأخذ الشديد للقوم الذين تنكبوا عن منهج الله، وعن دعوة المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

ثم تعرج الآيات بعد ذلك للتحدث عن يوم القيامة: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:105-107] .. إلى غير ذلك، ثم يقول تعالى بعد آيات: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112].

إذاً: الاستقامة هي الطريق الذي يكفل للإنسان السعادة في الحياة الدنيا، ويسلم من عذاب الله، وهي الطريق التي توصل الإنسان إلى الدار الآخرة وهو مؤمن فيسلم من عذاب الله، ويدخل الجنة خالداً فيها كما قال الله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107]، الطريق هو: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، وهذا يسميه علماء اللغة استفهاماً بيانياً وكأن سائلاً سأل: ما هو طريق الخلاص من عقوبة الدنيا والآخرة؟

الجواب: (فاستقم كما أمرت)، وهذا الخطاب وإن كان موجهاً في الأصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه في الحقيقة موجه لكل مسلم.

حقيقة الاستقامة

والاستقامة حقيقتها: سلوك الطريق المستقيم، وأن نعرف أن في هذه الحياة طريقاً مستقيمة، وفيها طرقاً معوجة، ونفهم أن الطريق المستقيمة هي طريق واحدة، وأن الطرق المعوجة كثيرة جداً، ويدلنا على ذلك ما في آخر سورة الأنعام، قول الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، ولذلك لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية في سورة الأنعام خط خطاً طويلاً مستقيماً وقال: (هذا صراط الله، وخط عن يمينه وشماله خطوطاً صغيرة وقال: هذه السبل، وعلى كل واحد منها شيطان، وعليها ستر مرخاة، وعليها شياطين يدعون إليها، وعلى الصراط المستقيم داعٍ إذا أراد أحد أن يسلك أحد هذه الطرق ناداه: يا عبد الله! لا تسلكه فإنك إن تسلكه تلجه، وإن ولجته لا تنتهي منه إلى يوم القيامة) أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى: (فاستقم) يعني: ابحث عن الصراط المستقيم.

ثم نجد أن الطريق المستقيم واحد، وأن الطريق المنحرفة كثيرة التشعب، وهذا لا يحتاج إلى بحث وتفكير بعيد، لو رأيت الآن هذا العالم الذي يسلك طرقاً منحرفة كثيرة، ولا يجد أمامه طريقاً مستقيماً إلا طريقاً واحدة، فهمت معنى هذه الآية، وفهمت حقيقة الطرق المنحرفة؛ ولذلك بمقدار ما ينحرف الإنسان عن هذه الطريق المستقيمة يجد أن أمامه متاهات وطرقاً كثيرة منحرفة تتلقفه، ويتخبط فيها لا يكاد يخرج من طريق حتى يقع في طريق أخرى يضل من خلالها.

وعلى هذا فإن طريق الجنة واحد، ولذلك تجدون في الحديث الصحيح كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) هي صاحبة الطريق المستقيم، أما الاثنتان والسبعون فهم أصحاب الطرق التي تلف يميناً أو شمالاً عن الطريق المستقيمة.

(قالوا: من هم يا رسول الله؟! قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).

وعلى هذا فإن البحث عن الطريق المستقيمة لا يكلف المسلم جهداً طويلاً وإنما يبحث ماذا كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يزيد ولا ينقص، إن نقص فهو عاص، وإن زاد فهو مبتدع.

فهذه هي حقيقة الاستقامة أي: سلوك الطريق المستقيم الذي نسأل الله في كل صلاة أن يهدينا له، وأن يثبتنا عليه، وأننا إذا زغنا عنه نسأل الله العافية والسلامة، فأمامنا طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين، والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، والصراط المستقيم الذي نقول فيه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هو طريق الجنة؛ لأنه طريق غير معوج، ولذلك تلاحظ وأنت تسير في هذا الطريق أن فيه الاستقامة، وتدرك فيه عدم الاعوجاج، بالرغم من أن هناك أقواماً هم أعداء للبشرية يريدون أن نضل الطريق: وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف:45] كما قال الله عز وجل.

الاستقامة لا تكون إلا على هدي الله ورسوله

إذاً: هذه الاستقامة واضحة، وهي سلوك الطريق المستقيم، لكن ما معنى: (كما أمرت)؟

قد يلتبس الأمر على الإنسان عندما يرى طرقاً تشبه طرق الاستقامة، لكنها ليست كما أمر هذا الإنسان، ولذلك هذا الواقع هو أخطر شيء على حياة البشرية، وهو أكثر ما يدخل الناس النار، ويجعلهم حطباً لجهنم، أن يبحث عن طريق الاستقامة ومن خلال طريق الاستقامة ينحرف، أي: يضل عن طريق الطاعة، ولذلك تجدون في القرآن أقواماً يكبون على وجوههم في نار جهنم، هم ومن كانوا سبباً في إغوائهم وضلالهم عن الطريق، فيلتفون إلى قادتهم الذين كانوا سبباً في ضلالهم عن الطريق ويقولون لهم: إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ [الصافات:28] أي: ما كنتم تأتوننا عن الشمال، ما معنى (عن اليمين)؟ أي: تأتوننا عن طريق الطاعة وما كنتم تأتوننا عن طريق المعصية، ولو جئتمونا عن طريق المعصية ما اتبعناكم؛ لأننا نعرف أن المعصية يكرهها الله عز وجل، لو أتيتم إلينا وجعلتمونا لصوصاً نسرق أموال المسلمين ما اتبعناكم، لو أردتم أن نكون فجرة وزناة نسرق أعراض المسلمين ما اتبعناكم، لكنكم جئتمونا عن طريق الطاعة؛ ولذلك الإتيان عن اليمين خطير جداً، بل لا يشك مسلم أنه أخطر من إتيان الناس عن طريق الشمال، أي: عن طريق المعصية.

وإذا أردنا أن ننظر إلى واقع الأمة الإسلامية إذا استثنينا النوع الذي هداه الله عز وجل إلى الفطرة وجدنا الناس على شقين:

شق سلك مسلك المعصية، يعربد ويسرف على نفسه في المعاصي والآثام والفجور، لكنه يعرف بأنه يعصي الله عز وجل، ويعرف أنه سلك طريقاً غير طريق الاستقامة، ولربما يعد نفسه بالتوبة ويسوف، لكنه يعد نفسه أنه سوف يتوب في يوم من الأيام.

أيهما أخطر هذا المسلك أم أقوام عبدوا الله عز وجل على غير بصيرة، وهم ركع سجد لكنهم يعبدون الله على غير بصيرة، ويعبدون الله عز وجل على غير ما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فهم في اعتقادي يمثلون أهل النار الذين يقولون لمن كانوا سبباً في ضلالهم: قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ [الصافات:28]، وهذا هو طريق البدعة والانحراف عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولربما يأتي ذلك بدافع المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه حب غير صحيح؛ لأنه حب عاطفة وليس حب متابعة، والله تعالى يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

وايم الحق سبحانه وتعالى لو بعث محمد صلى الله عليه وسلم في أيامنا الحاضرة ورأى هذا النوع الثاني من البشر الذي انحرف عن الطريق من حيث يزعم أنه يعبد الله، لقاتلهم، لأنهم يتحقق منهم قول الله عز وجل: ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104] فقد أسرفوا وبالغوا حتى رفعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مرتبة البشرية، حتى قال قائلهم: إنه ليس من فصيلة بني آدم، هو خلق من نور، ليس له ظل، هو خلق قبل آدم .. إلى غير ذلك من الكلام الذي هو كفر بالقرآن في الحقيقة؛ لأن القرآن أعلمنا أن أول الخلق في هذه الأمة آدم عليه الصلاة والسلام، أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو لم يخلق من نور، وإنما خلق من لحم ودم، فهو أفضل من الملائكة الذين خلقوا من نور أضعافاً مضاعفة. ومن قال: إن الخلق من نور يعطي المخلوق ميزة أكثر ممن خلق من اللحم والدم؟!

فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا إنما أنا بشر) بل إن الله عز وجل يقول له: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110] والبشر معناه: الذي له بشرة أي: لحم ودم.

القضية أيها الإخوة ليست قضية تذوق وإنما هي قضية تعبد لله عز وجل بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما شرعه المرسلون من قبله، أما أن تكون المسألة محبة عاطفة فإن الله عز وجل يقول: (فاستقم كما أمرت) يعني: لا تستقيم كما يروق لك.

ومن هنا ندرك معنى قول الله تعالى: (كما أمرت) أي: حتى الاستقامة مضبوطة بحدود، وبدائرة لا يمكن أن يتعداها الإنسان ليبحث عن الاستقامة حسب رغبته وشهوته؛ ولذلك فإن هذا الدين محاط بحلقة مفرغة ليس فيها منفذ لأي واحد من الناس حتى يزيد أو ينقص في دين الله؛ ولذلك الله تعالى جعل آخر آية نزلت من القرآن على رأي جمهور المفسرين قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

البدع وانتشارها مخالف للاستقامة

إذاً: ليس هناك مجال للاجتهاد، وليس هناك مجال للابتداع، أبو بكر وهو أفضل البرية بعد المرسلين عليه الصلاة والسلام يقول: (ألا إني متبع ولست بمبتدع)، فإذا كان لا يحق لـأبي بكر رضي الله عنه أن يبتدع وهو الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)، فهل يحق لواحد يأتي في القرن الرابع عشر من الهجرة النبوية الكريمة ليحدث في دين الله ثم يقول: إن هذه بدعة حسنة وتلك بدعة سيئة؟!

هذا هو الذي نفهمه من قوله تعالى: (فاستقم كما أمرت).

الخطاب موجه في الأصل للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له أن يستقيم كما يحلو له، بل كما أمر، والآمر هو الله عز وجل.

إذاً: هذه الاستقامة ليست مجرد تدين أو مجرد عبادة، وإنما هي عبادة مضبوطة محاطة بحلقة مقفلة ليس لأحد أن يتعداها أبداً؛ ولذلك تجدون في القرآن كثيراً ما يلوم الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في بعض الاجتهادات في مواطن كثيرة قال تعالى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام:35]، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35] يقول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2].

هذا بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس له أن يبتدع في دين الله إلا ما أوحى الله عز جل إليه، ولذلك السنة هي الوحي الثاني من عند الله عز وجل، فالمسألة استقامة كما أمر هذا الإنسان، أما باب البدعة الذي انفتح اليوم على الناس، وجعل منه بدعة حسنة كما يقوله طائفة من الناس، بالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في كل خطبة جمعة: (إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).

إذاً: (كل) من ألفاظ العموم لا تعطينا أي علم على أن هناك شيئاً يسمى البدعة الحسنة في أي حال من الأحوال.

ولربما يحتج هؤلاء بقصة عمر رضي الله عنه في التراويح حينما قال: (نعمت البدعة)، البدعة هنا ليس معناها البدعة التي أحدثت جديداً، بدليل أن التراويح ليس الذي أحدثها هو عمر رضي الله عنه، وإنما شرعها محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه تركها خشية أن تفرض على هذه الأمة، حتى جاء عهد عمر رضي الله عنه فأحياها؛ لأن التشريع توقف، فلا يخشى في يوم من الأيام أن تفرض، وسماها بدعة أي: سنة نسيت فأحياها عمر رضي الله عنه.

وهنا تكون البدعة حسنة أي: إذا كانت سنة نسيت فيحييها أحد من أهل الخير والصلاح، أما أن تكون هناك بدعة حسنة فليس هناك بدعة حسنة، وإنما كل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ولكن هذه البدعة -أيها الإخوة- تجر إلى بدعة أكبر منها نسأل الله العافية والسلامة، وهي الشرك بالله عز وجل، وسأعطيكم دليلين اثنين على ما أقول:

الدليل الأول: أن الله عز وجل قرن البدعة بالشرك في آيتين من كتاب الله عز وجل، وعندما تقرأ قول الله تعالى في سورة النساء: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115]، وهذا في البدعة، ثم قال بعد هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] هذا دليل من القرآن.

وأذكر لكم دليلاً من الواقع: حينما كثر الابتداع في دين الله عز وجل، وصار في قاموس هذا العصر ما يسمى بالبدعة الحسنة التي نعتبرها ضلالة، وكلما أعجبهم شيء في ظاهره عبادة فعلوه، وهو في حقيقته تعد على سلطة الله عز وجل، وهي الألوهية والتشريع التي يقول الله عز وجل عنها: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40]، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3]، فيقولون بلسان الحال: ما أكملت لنا ديننا، ولا أتممت نعمتك علينا، بدليل أن هنا عبادات جديدة أوجدوها، ويكذبون الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

هل من المعقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف ندخل الحمام، وكيف نجلس عند قضاء الحاجة، وماذا نقول عند دخول الحمام، وكيف نلبس النعل والثوب، وندخل البيت ونخرج، وندخل المسجد، ولا يعلمنا أموراً مهمة أحدثها الناس اليوم في دين الله؟!

ما الذي حدث؟

هذه البدع تطورت فأصبحت شركاً بالله عز وجل.

وإذا أردت يا أخي دليلاً على ذلك فسر في العالم الإسلامي وسوف تجد كيف تقترن البدعة بالشرك بالله عز وجل، فتبدأ من بدعة صغيرة -كما يقولون- إلى بدعة كبيرة .. إلى أن تصل إلى الشرك الأكبر نسأل الله العافية والسلامة! فبناء القبور في المساجد بدعة تؤدي إلى الشرك الأكبر، فتجد الطواف حول هذه الأضرحة التي يسمونها الأولياء، وتجد الدموع التي تراق عند هذه الأضرحة أكثر والله مما تراق عند الكعبة المشرفة، وتجد صناديق النذور التي تملأ كل ساعة بالأموال، وتصرف على هؤلاء المشعوذين في وقت العالم يهدد فيه بالمجاعة، فأصبحنا نسمع في قارة واحدة من قارات العالم التي انتشر فيها البدع والوثنية أكثر من مائتين وخمسين مليون إنسان أكثرهم من المسلمين يهددهم الجوع والموت.

والله يا إخوان رأيت بعيني هاتين رجالاًفي آخر العمر ساجدين للقبور، ولوا ظهورهم صوب الكعبة، وولوا وجوههم جهة هذه القبور، ففهمت قول الله تعالى حينما ذكر مشاقة الرسول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [النساء:115] ثم ذكر الشرك بعد ذلك، وقد ذكرت لنا الإحصائيات الرسمية في أيامنا الحاضرة: أن في العالم اليوم أكثر من عشرين ألف ضريح يعبد من دون الله.

وهذه الإحصائية مضى عليها أكثر من عشر سنوات، فقارن بين هذا الرقم وبين آخر لحظة في آخر معقل من معاقل الوثنية يوم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة ليفتحها؛ لتتحول إلى دار إسلام، كم عدد الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وهي معلقة في الكعبة كلها؟

كانت ستين وثلاثمائة صنم، قارن بين ذلك العدد، وبين هذا العدد، وعد مرة أخرى لتقارن لنا بين جاهلية اليوم وجاهلية الأمس.

إذاً: الأمر خطير أيها الإخوة! والعجيب أن كل من يريد أن يتحدث عن هذا الموضوع يتهم بأنه لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا يحب الصالحين.

أولاً: محبة الرسول عليه الصلاة والسلام ليست محبة عاطفة، وإنما هي محبة متابعة، فليست محبة الرسول صلى الله عليه وسلم كمحبة الزوجة والأطفال، وإنما محبة متابعة، وتأتي العاطفة بعد ذلك؛ لأننا نتقرب إلى الله عز وجل بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا نؤمن إلا ويكون هو أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا ووالدينا والناس أجمعين، هذا الشيء الذي نؤمن به، لكنها محبة متابعة أكثر من أن تكون محبة عاطفة، ثم يقولون: أنتم لا تحبون الأولياء، نقول: من هم الأولياء في مفهومكم وقاموسكم الجديد؟

يقولون: فلان وفلان من أصحاب الأضرحة، نقول: لا، نحن في مفهومنا -المفهوم الشرعي الصحيح- أن الأولياء هم المتقون، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] فأنت وفلان وفلان من الصالحين نعتبركم أولياء، هذا في مفهوم الشرع، أما أن يصبح اسماً اصطلاحياً على قوم من الناس الله أعلم بولايتهم لله عز وجل، فلا نوافقهم على ذلك.

الاستقامة على دين الله يعترضها الابتلاء

أيها الإخوة! الاستقامة معناها الالتزام بهذا الدين، لا سيما في فترة يتغير فيها الناس عن منهج الله ويتنكبون فيها عن دين الله، لا بد في مثل هذه الظروف من الاستقامة، لاسيما حينما تكون هناك ضغوط تضطر المسلم إلى أن ينحرف، وتكون هناك مغريات، لاسيما أهم عامل من عوامل الاستقامة الذي هو الصدع بكلمة الحق التي تعتبر أفضل نوع من أنواع الجهاد، لاسيما أمام سلطان جائر يريد أن يذل من أعز الله بطاعته، ويعز من أذله الله عز وجل بمعصيته، ففي مثل هذه الظروف يأتي ذلك المسلم ويستقيم على هذا المنهج، ويقول كلمة الحق ولا يبالي، وهذا أفضل نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى.

ولذلك هذه العقبة كئود وشديدة إذا وصل الأمر إلى هذا النوع من الجهاد، لاسيما إذا تكالب الأعداء على الأمة الإسلامية وأصبحت الطريق وعرة وصعبة، ومن المؤكد أن هذه الطريق غير ممهدة ولا مذللة، ففيها عقبات .. فيها زلزلة .. فيها دماء تراق في سبيل الله .. فيها ابتلاء في الأهل والمال والولد، ولذلك وصف الله تعالى هذه الطريق ووعورتها بأنها شديدة كما في قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] ما مقدار هذه الزلزلة؟ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214].

تصور يا أخي كيف يقول الرسول متى نصر الله؟! كيف المؤمنون مع المرسلين يقولون: متى نصر الله؟! و(متى) هنا ليست للاستفهام فقط، بل هي للاستبطاء، يعني: أبطأ نصر الله، ثم يأتي نصر الله في مثل هذه الظروف قال تعالى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

ولذلك فإن أكبر عقبة في طريق الاستقامة أن يتحزب أعداء الإسلام ضد هذا الدين، فلربما يؤدي ذلك إلى الخوف والرعب، والرجوع من منتصف الطريق، وإلى النكوص على الأعقاب نسأل الله العافية والسلامة!

وكم من الناس من يبتلى في مثل هذه العصور بهذا النوع من الفتنة فيرجع من منتصف الطريق قبل أن يكمل المشوار إلى الله عز وجل؛ ولذلك يقول الله تعالى عن أقوام فكروا في الاستقامة على هذا المنهج لكنهم فوجئوا بأذى شديد في سبيل الله وفي ذات الله، وكان إيمانهم ضعيفاً مهتزاً لا يستطيع أن يتحمل هذا العبء الثقيل، فرجعوا من منتصف الطريق وقالوا: نحن هربنا من عقوبة يقصدون عقوبة الآخرة، ووقعنا الآن في عقوبة محققة مؤكدة نراها بأعيننا، من الأفضل أن نتحمل عقوبة موعودة ولا نستطيع أن نتحمل عقوبة حاضرة؛ لأن الإيمان ضعيف، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ [العنكبوت:10] أي: من أجل دين الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] أتدرون ما فتنة الناس؟ أي: عذاب الدنيا، سجون، أذى، قتل في سبيل الله .. إلى غير ذلك.

لكن هناك أقوام آخرون بمقدار ما يضرم الجو أمام أعينهم ويشتد الأمر تستبين لهم الطريق، ويطمئنون على صحة المسار، ويعرفون أنهم يسيرون على بصيرة بمقدار ما يؤذون في دين الله وذات الله، فيعتبرون هذا الأذى أكبر دليل على أن الطريق الصحيحة هي التي سلوكها، فيزدادون إيماناً وتسليماً، ولذلك يقول الله تعالى عن هذا النوع من البشر: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22].

الاستقامة قد تؤدي إلى الاعتداء

إذاً: هنا تكون الاستقامة في مثل هذه الظروف، أما الانسجام مع هذه المغريات والشهوات التي ابتلي بها البشر في هذا العصر، فهي أخطر شيء على حياة الأمم، فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]حتى الاستقامة لها ضوابط أيضاً ومعالم، وَلا تَطْغَوْا [هود:112] فقد تؤدي الاستقامة إلى الطغيان وتعدي الحدود، وأنا قلت لكم: إن دين الإسلام دين محصور في حلقة مقفلة، حتى الزيادة فيها لا تجوز، سواء كان في أمر العبادات أو في أي أمر من الأمور الأخرى، ولذلك قال الله تعالى: وَلا تَطْغَوْا [هود:112].

ولذلك ما غضب الرسول صلى الله عليه وسلم كغضبه يوم جاءه ثلاثة نفر ذات يوم إلى داره، فسألوا عن عمله في السر عليه الصلاة والسلام، فأخبرتهم إحدى زوجاته؛ فتقالوا عمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل ولا أرقد، وقال الثاني: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، يريدون أن يغلوا في هذا الدين.

نحن نتكلم عن الغلو، وإن كنا لا نعتبر في الساحة المعاصرة شيئاً من هذا الغلو إلا نادراً جداً في مواطن متخلفة، وإن كان يوصف المتدينون بعصرنا الحاضر مع الأسف بالتطرف والتخلف والرجعية ... إلى غير ذلك من الألقاب، نحن لا نعترف بها، لكن لا بد أن نتحدث أيضاً عن هذا الغلو في الدين؛ لأن الله تعالى يقول: (ولا تطغوا) حتى الطغيان في العبادة وتجاوز الحد في العبادة أمر محرم لا يجوز.

فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام هؤلاء الثلاثة غضب غضباً ما غضب مثله أبداً؛ فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (أما بعد: فإني والله أتقاكم لله وأخشاكم له، وإني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

معنى الطغيان المضاد للاستقامة

والطغيان نستطيع أن نفسره بجانبين:

من معاني الطغيان مجاوزة الحد في العبادة

الجانب الأول: هو تجاوز الحد في العبادة، ولذلك فإن العبادات محصورة في دائرة محدودة، لا تجوز الزيادة فيها كما لا يجوز النقص، ولذلك لو أن واحداً من الناس أراد أن يزيد على الصلوات الخمس صلاة سادسة قلنا له: أنت محدث في الدين، وأنت متجرئ على حدود الله عز وجل، وأنت تنصب نفسك في درجة الألوهية لا في درجة العبودية، فالله عز وجل حدد العبادات بمقادير معينة، فلم يفرض إلا خمس صلوات، ولذلك تجدون كيف يرعى الإسلام هذا الجانب، فلا يبيح للمسلم أن يزيد في العبادة.

فمثلاً: الله تعالى حدد لنا صيام رمضان الله تعالى بمدة معينة وحرم الزيادة، فحرم صيام يوم الشك كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) يعني: يصوم مثلاً الإثنين والخميس، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً، فوافق يوم الشك، أما ما سوى ذلك فإنه لا يجوز صيام يوم الشك، ويوم العيد الذي هو بعد رمضان مباشرة حرم الله عز وجل صيامه.

إذاً: نجد أن رمضان عبادته حددت في أولها وآخرها، حتى لا تكون هناك زيادة فيؤدي ذلك إلى الجرأة على أوامر الله عز وجل، فيكون هناك مشرعون.

تعال إلى يوم الصوم نفسه، تجد أنه قد حدد ابتداؤه وانتهاؤه بوقت معين، وحث الشرع على تعجيل الفطر وتأخير السحور؛ حتى لا يفكر أحد ويقول: إني أزيد ساعة أو ساعتين من آخر الليل، وأزيد ساعة أو ساعتين من أول الليل؛ فهذه عبادة محددة من عند الله عز وجل لا يمكن أن تزاد في أولها ولا في آخرها، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور) وحرم الرسول صلى الله عليه وسلم الوصال، وقال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني الله ويسقيني).

إذاً: هذا دليل على أن العبادات الأصل فيها التحريم كما قال علماء الأصول، فلا يجوز للإنسان أن يحدث عبادة إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما ما سوى ذلك فإنا نعتبره مبتدعاً في دين الله، والله تعالى يقول: (ولا تطغوا) هذا جانب مفهوم من مفاهيم الطغيان، لاسيما أنه جاء بعد قول الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112].

من معاني الطغيان التعدي على حدود الله وخلقه

أما الطغيان في معناه الثاني فهو: تعدي حدود الله عز وجل، والتعدي على خلق الله، والاستبداد في هذه الحياة إذا خول الله عز وجل واحداً من هؤلاء الناس سلطة أو ملكاً أو أي مكانة، فاستغل هذه المكانة ليكون طاغية من طغاة البشر يستذل عباد الله؛ ليذل من أعزه الله، وليعز من أذله الله تعالى.

مظاهر الاستقامة في سورة هود

عدم الركون إلى الكفار

قال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، وهذا أيضاً مظهر من مظاهر الاستقامة؛ لأن الأمة الإسلامية مطالبة بأن تكون لها شخصية مستقلة عن أن تذوب في شخصية الكفار، ولذلك يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] يعني: إذا لم تعترفوا بهذا المبدأ بحيث يكون الكافر هو ولي الكافر، وبالمفهوم يكون المؤمن ولي المؤمن، ولا يكون ولياً لكافر، إن لم تفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، والفتنة معناها: الانحراف عن الدين، والفساد الكبير لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل.

فالركون إلى الكافرين أمر خطير جداً، ولذلك تجدون أن الله تعالى يهدد رسوله عليه الصلاة والسلام لو ركن إلى الكفار ولو كان شيئاً قليلاً.

أولاً: الركون القليل غير مقبول، أياً كان هذا الركون.

ثانياً: الركون حتى لو كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فكر بالركون إلى الكفار، وإنما فكر أن يجذبهم إلى الحق بطريق اللين، فالله تعالى قال له: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:74-75] يعني: عذاباً مضاعفاً في الحياة الدنيا، وعذاباً مضاعفاً في الحياة الآخرة أي: مكرراً، وأنت محمد خير البشر، عليه الصلاة والسلام.

إذاً: الركون إلى الكفار، والميل إليهم، وعشق أخلاقهم وسلوكهم، أو تقليدهم في أي أمر من الأمور لا يجوز في شرع الله عز وجل، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: (خالفوا المشركين) وكان يحرص دائماً على مخالفتهم، ومن ذلك حينما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة -يعني: مهاجراً من مكة- وجد اليهود يصومون يوم السبت فسألهم لماذا؟ قالوا: إنه يوم عظيم نجى الله فيه موسى ومن معه، وأهلك فرعون وجنوده، فقال: (نحن أحق بموسى منكم) وأمر المسلمين بصيام يوم عاشوراء، ثم أمر المسلمين بمخالفتهم فقال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وقال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع).

إذاً: المسألة مسألة مخالفة حتى في أمور العبادات، فدين الإسلام جاء لا ليوافق هؤلاء، وإنما ليخالفهم في كل أمر من الأمور، والذين يعشقون أخلاق الكفار، ويطمئنون إليهم، ولربما يستقدمونهم إلى بلاد المسلمين، ويكثرون سوادهم، لا سيما في جزيرة العرب التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)، (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) يعتبر هذا الأمر أمراً خطيراً نسأل الله العافية والسلامة.

وعلى هذا: فإن الركون أمر محرم، وهو جانب مضاد لجوانب الاستقامة التي يقول الله عنها: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112].

إقامة الصلاة

ويقول تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود:114]، وهذا جانب إيجابي، ومظهر من مظاهر الاستقامة الذي هو إقام الصلاة، والصلاة خصت هنا من بين العبادات؛ لأن الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فأي مجتمع يقيم الصلاة فإنه من المؤكد أنه مجتمع لا بد أن تحارب فيه المنكرات ولو على جانب معين، ولذلك أخبر الله عز وجل أن الصلاة تذهب السيئات.

ولذلك نزلت هذه الآية في رجل من المسلمين قبل امرأة تقبيلاً حراماً، فجاء وقال: يا رسول الله! عملت عملاً حراماً قبلت امرأة، فجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل فيه وفي أمثاله من الذين يعملون معصية من الصغائر قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود:114] وهذه تشمل الصلوات الخمس؛ لأن طرفي النهار صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب، الطرف الأول: الصبح والظهر، والطرف الثاني: العصر والمغرب وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود:114] التي هي صلاة العشاء، ثم قال: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] فقال الرجل: يا رسول الله! ألي خاصة، أم لجميع الأمة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (بل لجميع أمتي).

فالصلاة من ميزتها أنها تكفر صغائر الذنوب دون أن تحتاج إلى توبة، أما كبائر الذنوب فإنها تحتاج إلى توبة؛ ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].

لزوم الصبر

قال تعالى: وَاصْبِرْ [هود:115] وهذا جانب مهم من جوانب الاستقامة؛ لأن غير الصابر لا يستطيع في الحقيقة أن يستقيم في فترة لا سيما إذا كانت هذه الفترة من الفترات المظلمة في تاريخ البشرية، فالصبر هو السلاح المنيع الذي من خلاله يستطيع هذا الإنسان أن يشق طريقه في هذه الحياة، وأن يعبر هذا المعترك الشديد بأمن وسلام.

أما الذين لا يصبرون، والذين يجزعون لأي حدث أو أمر من الأمور التي تعترض سبيلهم فلا يمكن أن يحصلوا على جانب الاستقامة لاسيما في مثل هذه العصور، وعلى هذا فإن الصبر هو طريق الجنة، والله تعالى يقول: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]؛ ولذلك لا تجد الجهاد يذكر في مكان إلا ويذكر معه الصبر، أياً كان هذا الجهاد سواء كان جهاد النفس، أم جهاد العدو المقنع الداخلي، أم جهاد العدو الخارجي، فلا بد من الصبر في كل مجال من مجالات الجهاد؛ ولذلك قال الله تعالى: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود:115].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ثم بعد ذلك يأتي المظهر الأخير من مظاهر الاستقامة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقول الله عز وجل: فَلَوْلا كَانَ [هود:116] أي: فهلا كان مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116] أي: في الأمم كلها يقل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتجه إليه إلا الذين يستحقون النجاة من عذاب الله عز وجل.

(إلا قليلاً ممن أنجينا منهم) فأنجاهم الله عز وجل من الخوف من البشر، وأنجاهم الله عز وجل من العذاب في الدنيا؛ لأن الله تعالى إذا أنزل عقوبته إنما ينزلها بالذين يفعلون الفواحش والذنوب، والذين يسكتون عليها.

أما الذين ينهون عن الفساد في الأرض فهم الذين ينجيهم الله عز وجل، وتدل أدلة كثيرة على أن الله سبحانه وتعالى لا ينجي من عذابه إذا أنزله بأمة من الأمم إلا الذين ينهون عن السوء، كما ذكر الله عز وجل في قصة أصحاب السبت قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].

وعلى هذا فإننا نقول: لا بد من أن تقيم الأمة الإسلامية جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تكون الاستقامة في مجتمع من المجتمعات عطل فيه هذا الجانب العظيم، الذي هو في الحقيقة الذي يحمي هذا الدين؛ لأن هذا الدين يحمى بقوة البيان، ويحمى بقوة الحديد والنار؛ ولذلك أخبر الله تعالى أنه أنزل الكتب السماوية وفيها العدل والخير، لكنها لا بد أن تحمى بقوة الحديد والنار، وهو جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال عز من قائل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]؛ ولذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

لا خير في حق إذا لم تحمهحلق الحديد وألسن النيران

والذين يظنون أن هذه الأمة غير مطالبة بأن تتخذ جانب القوة لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأنها تكتفي فقط بأن تقول: هذا منكر، أو هذا حق، إذا وصل الأمر إلى هذا الحد فإن الأمة تكون عطلت جانباً عظيماً من جوانب هذا الدين.

فالدعوة إلى الله غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وزع المسئولية على ثلاث مراحل: الإنكار باليد، وهذا في الأصل للسلطة، ولكل من يستطيع أن ينكر باليد فإن عجز فعليه أن ينكر باللسان، فإن عجز عن ذلك -ولا يكون ذلك إلا في مجتمعات خاصة نسأل الله العافية والسلامة، وفي ظروف خاصة نسأل الله أن يحفظنا حتى لا ندركها- كان الإنكار بالقلب فقط.

ولذلك هذا يعتبر أضعف الإيمان، أما إذا وصل الأمر إلى أن تألف القلوب المنكرات؛ لأنها تعيشها مدة طويلة من الزمن، وتختلط بلحمها ودمها حتى لا تنكرها في القلب فذلك أخطر المراحل، وهو الذي أشار الله عز وجل إليه في قوله في سورة الأنعام: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ [الأنعام:113] حينما يكون مألوفاً وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113].

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم لأفضل طريق إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة، وأن يثبت أقدامنا في عصر زلت فيه كثير من الأقدام، وأن يتوفانا وإياكم على منهج الاستقامة غير مضيعين ولا مبدلين.

الأسئلة

آخر أخبار الجزائر

السؤال: ما هي أخبار الجزائر في هذه الأيام، نود أن تحدثونا عنها بالتفصيل؟

الجواب: أخبار الجزائر حيل بيننا وبينها، إعلام المسلمين ما أعطانا صورة، سمعنا أخبار السلفادور والعالم كله، ولكن لا نسمع أخبار الجزائر، لكن الشيء الذي يجب أن تثقوا به هو أن إخواننا في الجزائر إذا صح قصدهم وهدفهم فلا بد أن يظهروا؛ لأن الله عز وجل يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

وعلى هذا فإننا متأكدون أن إخواننا في الجزائر إن صح قصدهم وهدفهم -ونحسبهم كذلك والله حسيبهم- فإن الله تعالى سوف يظهرهم؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، ونحن لا نشك بأن هدف إخواننا في الجزائر ليس هو طلب الملك، وإن كان أصحاب الملك يخافون على الملك دائماً وأبداً، وهذا ندركه حتى في القرآن في مواقف طغاة البشر، حينما يتسلطون على الناس يقولون: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ [الشعراء:35] فهم يخافون على الأرض، وإخواننا في الجزائر ليس لهم هدف الأرض، وإنما هدفهم أن يكون الدين كله لله؛ ولذلك كل المغريات التي وجهت إليهم، والتموينات والأطعمة قالوا: نحن نرفضها، نحن نريد أن يطبق فينا شرع الله، وأن نحكم بشرع الله، وهذا هدف يجب أن يكون هدف كل واحد من المسلمين.

على كل حال: الطغيان الذي يحكم الجزائر ويحكم أكثر الكرة الأرضية هو لا يريد أحداً أن ينازعه ملكه؛ لأنه يخاف على السلطة، أما إخواننا في الجزائر فهم لا يريدون إلا أن يحكموا بشرع الله عز وجل.

أما أخبارهم: فحسب ما يظهر من بعض إخواننا القادمين الذين يحدثون عن بعض الأخبار، أنهم يلاقون محنة شديدة، وابتلاء في دينهم، حتى سمعنا أن مكبرات الصوت في خطب الجمعة أصبحت لا يسمح لها أن تنتشر؛ حتى لا يسمعها الجنود فتتغير وجهتهم فيستسلموا لمطلب هذا الشعب؛ لأنه مطلب يرضي الله سبحانه وتعالى.

لكن ثقوا يا إخوتي أن هؤلاء القوم سوف يظهرون بإذن الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، وهذه سنة الله في الحياة إلى يوم القيامة.

الفرق بين محبة العاطفة ومحبة المتابعة

السؤال: في حال سلوك الطريق السوي هل هناك ضوابط يلتزم بها المستقيم، ثم ما الفرق بين محبة العاطفة ومحبة المتابعة، بينوا لنا وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: هناك ضوابط يلتزم بها المستقيم، وأهمها: سلوك الطريق، والتأكد من صحة المسار، فإننا نعيش الآن فترة اختلط فيها الأمر على كثير من الناس، فأصبح كثير منهم لا يميزون بين طريق الجنة وطريق جهنم، وكما قلت لكم: والله يا إخواني رأيت أناساً عباداً تحتقرون عبادتكم بالنسبة لهم، لكنهم يسيرون إلى الله عز وجل على غير بصيرة، فأهم ضابط لذلك هو أن تبحث عن المنهج الذي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتلتزم به، وهذا هو أعظم ضابط، بل هو الضابط الوحيد الذي من خلاله تستطيع أن تتأكد من أنك تسير إلى الله عز وجل على بصيرة، وأنك تسير في طريق الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).

وعلى هذا: فإن المنهج واضح، والطريق واضحة وليست ملتبسة، وكتاب الله باقٍ ما بقيت الدنيا، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة، ولا تزال طائفة على هذا الطريق تسير حتى يأتي أمر الله.

أما الفرق بين محبة العاطفة ومحبة المتابعة فهو واضح: أنت تحب زوجتك محبة عاطفة، ولكن ليس محبة متابعة، تحب أطفالك محبة عاطفة، لكن ليس محبة متابعة، ولكن محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم في الحقيقة يجب أن تكون في الأصل محبة متابعة، وتأتي محبة العاطفة بعد ذلك؛ ولذلك كثير من هؤلاء الذين ضلوا الطريق اكتفوا بمحبة العاطفة، فإذا رآك وأنت تدعو الناس إلى التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة، قال: أنت لا تحب الرسول صلى الله عليه وسلم، أنت لا تطوف على قبره أو تتمسح على قبره، إلى غير ذلك، فنقول: يا أخي! أنا عدم فعلي هذا العمل هو محبة لرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) فأنت يا من تزعم المحبة لكنها ليست محبة متابعة أنت الذي تكره الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنك تخالف أمره، ولأنك تأتي بشيء خلاف ما طلبه الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه حينما قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) وهكذا نستطيع أن نميز بين محبة العاطفة ومحبة المتابعة، ويكفينا في محبة المتابعة قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

إذاً: هذه هي المحبة التي يجب أن تكون لله عز وجل، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً: يجب أن تكون محبة العاطفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو سبب هداية هذه البشرية.

أسباب الانحراف عن الدين

السؤال: ما هي أسباب انحراف من استقام على الطريق المستقيم ثم انحرف عن هذا الطريق، وأصبح بدلاً من ذهابه إلى المسجد يذهب إلى أماكن اللهو؟

الجواب: هناك عوامل كثيرة ترد الناس إلى الله عز وجل، وهناك عوامل أخرى تحرف الناس عن الطريق المستقيم، والتقلب سمة من سمات آخر الزمان، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) ثم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المخرج من هذه الفتن (فقالوا: وما المخرج يا رسول الله منها؟ قال: كتاب الله وسنتي) كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ستبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

لكن لا ننسى أن هناك عوامل ومغريات في الحياة لربما تتغلب على العقل من خلال العاطفة؛ فتؤدي إلى انحراف المجتمعات، ويكفينا في واقعنا الآن ما فيه من المغريات، أصبحت البيئة غالباً ملوثة بالأفلام والمحرمات، وضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. إلى غير ذلك مما كان سبباً في وجود مغريات شديدة صرفت كثيراً من الناس عن الطريق المستقيمة؛ ولذلك لا تعجب حين تجد شاباً مستقيماً ثم تفاجأ في يوم من الأيام أنه انحرف عن هذه الطريق، لأن البيئة التي نعيشها في أيامنا الحاضرة بيئة فيها كثير من اللوث، وفيها كثير من الانحراف، مما قد يكون سبباً في انحراف كثير من أبناء الفطرة، لكن بالرغم من ذلك -والحمد لله- رأينا العكس من ذلك هو الكثير، لقد رأينا كثيراً من أبناء المسلمين، ولربما من أبناء الفسقة وغير المتدينين من اتجهوا في مثل هذه الظروف إلى الله عز وجل، وهذا يدل على أن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

دورنا تجاه الشرك بالله وانتشار الأضرحة

السؤال: هذه الإحصائيات التي ذكرتها عن انتشار الأضرحة في العالم الإسلامي فاجعة كبرى، والسؤال: ما هو دورنا وقد سمعنا هذه الإحصائيات؟

الجواب: أزيدك يا أخي علماً، ذات ليلة في جوف الليل الآخر مررت بأحد هذه الأضرحة فوجدت الزحام من السيارات التي تنزل الحجاج كما يقولون إلى هذا الضريح -واحد من هذه الأضرحة- والله لا تكذبني حينما أقول لك: إنه أكثر من العدد الذي يأتي إلى مكة حرسها الله بحفظه.

على كل: يا أخي! الطريق واضحة، وهي الدعوة إلى الله عز وجل والجهاد: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [التوبة:41] ننصح كل شاب من شباب المسلمين لاسيما هنا في بلاد الفطرة التي فطرت على التوحيد والعقيدة السليمة، ننصحهم أن يسيروا في هذه الأرض؛ ليبينوا للناس الطريق التي يجب أن يسلكوها؛ وليبينوا للناس خطر الشرك بالله عز وجل، فإنه أعظم شيء، فالله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

ويجب على أبناء هذه الأمة وأبناء هذه البلاد بصفة خاصة أن ينتشروا في أرض الله الواسعة، يعلمون الناس كيف يعبدون الله عز وجل، وسوف تسقط هذه الأضرحة كما سقطت الأوثان التي كانت معلقة في الكعبة، يوم كسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بسيفه وهو يتلو قول الله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ [الإسراء:81].

فمن كان عنده علم، ومن كانت عنده شخصية متينة قوية يستطيع من خلالها أن ينفع ولا يتأثر، وأن يؤثر ولا يتضرر هو بنفسه، أنصح أي شاب يستطيع أن يسافر إلى هناك؛ ولذلك فإن الناس رغم تعصب كثير منهم لما ألفوه من حيات آبائهم وأجدادهم، فإن هناك أيضاً كثير من هؤلاء المسلمين يقبلون الحق، ولذلك تجدون كثيراً من الذين أولعوا بالذهاب إلى هذه الأضرحة، وعاشوا حياتهم كلها بين تلك الأضرحة حينما يأتون إلى بلادنا هنا والحمد لله، ويرون معالم التوحيد، نجد أنهم يتأثرون ويستفيدون، ويرجعون موحدين في كثير من الأحيان.

نصيحة في كيفية دعوة الناس إلى الله عز وجل

السؤال: لقد تحدثت عن الاستقامة والبدعة في هذا العصر، فما هو العمل لمحاربة هذه البدع، والعمل من أجل إقامة الخلافة الإسلامية، ونشر دعوة الإسلام كما أراد رب العالمين؟ وما هي نصيحتكم لهذا الشباب المسلم الذي يتعرض للكبت من جميع الجوانب في أنحاء العالم؟

الجواب: نستطيع أن نحارب البدعة عن طريق إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأني قلت لكم: إن الإسلام دائرة مقفلة لا يمكن لأي واحد أن يزيد فيها، ولا يمكن أن تتسع لغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه؛ ولذلك نلاحظ أن الذين أحدثوا في دين الله لا بد أنهم أماتوا السنن، وأنهم لو لم يخرجوا سنة ليتركوا فراغاً لهذه البدعة ما استطاعت هذه البدعة أن تنفذ في دين الله عز وجل، والطريق هو أن نحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ندعو الناس إلى العودة إلى الأصل، وإلى المنبع الأصيل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، ومن هنا تتساقط البدع؛ لأن الفراغ الذي تركته تلك السنن هي مواقع هذه البدع.

وعلى هذا فإننا نقول: لا بد من إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإصلاح ما أفسده الناس، وهذا هو منهج الغرباء الذين لهم الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس).

أما إحياء الخلافة الإسلامية، فالخلافة الإسلامية قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها هي آخر المطاف في حياة البشر، كما في الحديث: (ثم تكون خلافة على منهج النبوة)، فذكر أن الأمر سوف ينتهي في يوم من الأيام بخلافة على منهج النبوة.

والطريق هو دعوة الناس إلى العودة إلى دين الله، وإلى تحكيم شرع الله، وتحكيمهم شرع الله هو الخلافة على منهاج النبوة.

ونصيحتي للشباب المسلم الذي يتعرض للكبت في أنحاء العالم بعده أمور:

أولاً: أن يضبط نفسه، وأن يحفظ توازنه، وأن يتقي الله عز وجل في هذا الدين وفي هذه الأمة، فنحن لا نريد شباباً متهوراً يفسد أكثر مما يصلح، نطالب هذا الشباب أولاً بالعلم، والعلم هو أفضل طريق للحياة السعيدة.

ثانياً: نطالب هؤلاء الشباب أيضاً بالتوازن في الدعوة إلى الله عز وجل، فالشباب المخرب الذي يكسر ويفسد في الأرض، هذا لا يمكن أن يصلح، وإنما يفسد أكثر مما يصلح، بل ندعو هؤلاء الشباب إلى أن يقوموا بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة، وهذا هو منهج المرسلين عليهم الصلاة والسلام، فإن الله تعالى يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] وهذا هو المنهج الصحيح.

ندعو هؤلاء الشباب إلى أن يلزموا الجماعة، وإلى أن ينضم بعضهم إلى بعض، ليسلموا من هذه الفتن التي يعيشون معها وتعيش معهم، فقد جاء عن حذيفة بن اليمان حينما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عما يحدث في آخر الزمان، وأخبر بأنه سوف يأتي دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقال حذيفة : (فماذا تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الزم جماعة المسلمين وإمامهم) فلزوم الجماعة أمر مطلوب، والدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة هي طريق السعادة فقال: (قلت: يا رسول الله! وإن لم يكن للمسلمين يومئذ جماعة ولا إمام؟ قال: فاهرب بدينك).

ونحن نقول: هذا غير موجود، فالجماعة للأمة الإسلامية موجودة، وسوف تبقى هذه الجماعة ما بقيت السماوات والأرض، وما بقيت الحياة الدنيا، وعلى هذا فإننا ندعو هؤلاء الشباب إلى الحكمة والعلم، وإلى التوازن وضبط النفس، والنشاط في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأنه الآن قد تبين الرشد من الغي، وما دام أنه قد تبين الرشد من الغي أصبح المجال مجالاً مهماً للدعوة؛ حتى تتسع هذه الدائرة، وحينئذ لا يكون في هذه الأرض حكم إلا لله سبحانه وتعالى.

أخبار المجاهدين في إرتيريا

السؤال: ما هي آخر أخبار إخواننا المجاهدين في إرتيريا؟ وأين يقيمون معسكراتهم الآن بعد طردهم من السودان؟

الجواب: أخبارهم سوف تستمر بإذن الله تعالى، والمسلم أرضه واسعة لو ضاقت به أرض معينة، فإن أرض الله عز وجل واسعة، وإذا كانت السودان رفضت إخواننا المجاهدين الإرتيريين في أيامنا الحاضرة، فلعل ذلك يكون سبباً من أسباب النصر في العاجل إن شاء الله، فإن إخواننا أصبحوا يجاهدون الآن داخل إرتيريا، ولربما يكون هذا أفضل، وهذا هو التحيز إلى فئة معينة.

وعلى هذا فإن إخواننا المجاهدين في إرتيريا أصبحوا الآن داخل البلاد يكافحون الظلم والعدوان والفسق هناك والحمد لله، وسوف تسمعون إن شاء الله نبأهم بعد حين، وفي وقت قريب إن شاء الله أنهم ظهروا؛ لأن الله تعالى أخبر أنه سوف يظهر كل من سار على المنهج الصحيح.

أخبار الإصلاحات الحكومية في السودان

السؤال: يرفع الحكام في السودان هذه الأيام شعار الإسلام وتطبيق الشريعة، فما مدى صدقهم في ذلك؟

الجواب: صدقهم عند الله، نحن لا نعرف ما في قلوبهم، لكن نتأكد أن الأوضاع فيها شيء من التحسن والحمد لله، فقد سمعنا أن البنوك الربوية وأن كثيراً من مظاهر الفساد الاقتصادي تعالج الآن، وعلى كل قلوبهم بيد الله، ونحن لا نطلع على ما في قلوبهم، لكنه يظهر إن شاء الله أنه في العالم كله -لا في السودان وحدها- هناك بوادر للإصلاح؛ لأن الشعوب عرفت مطالبها، وأصبحت تفرض مطالبها على القادة، والقادة العقلاء دائماً لا يصطدمون بالشعوب؛ لأنهم لا يمكن أن يضبطوا أو يحكموا هذا العالم بقوة الحديد والنار؛ ولأن هذه الشعوب لا تضبط إلا بشرع الله عز وجل، ولا تقاد إلا بشرع الله عز وجل، فلا يمكن أن تقاد أو تضبط بقوة الحديد والنار، كما أنها لا يمكن أن تضبط بالترف والمتاع والمحرمات، بل بشرع الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى ركب هذه الأمم على أن يكون لها دين وعقيدة، فأي إنسان يريد أن يضبط الأمور في بلد ما فلا بد أن يحكم هذا العالم بشرع الله عز وجل.

نوع الاستقامة التي أمر الله بها نبيه

السؤال: نريد أن توضح لنا ما نوع الاستقامة التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: نوعها يتلخص في أن تسير على الطريق المستقيم، وهو طريق الهداية التي تطلبها في كل صلاة، فتقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] أي: تثبت على هذا الطريق وتتأكد من صحة المسار إلى الله عز وجل بسلوكك هذا الطريق الذي ينتهي بالجنة، فأوله في الدنيا وآخره في الجنة، وعلى هذا فإن معنى الاستقامة واضح، ونستطيع معرفته من خلال اللفظ اللغوي، استقام من الاستقامة وهي: سلوك طريق معتدل.

حكم زيارة النساء للقبور

السؤال: ما حكم زيارة النساء للقبور؟ وهل صحيح أن المرأة التي تزور القبور كأنها والعياذ بالله قد زنت؟ فإن كان الأمر كذلك فهل ينطبق هذا على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله زائرات القبور) وفي رواية: (زوّارات القبور) واختلاف هذا اللفظ أخذ منه بعض العلماء أن المراد (بزوّارات) اللواتي يكثرن زيارة القبور، أما اللعن فإنه مؤكد في حديث صحيح.

وعلى هذا فإنه لا يجوز للمرأة أن تزور القبور لاسيما إذا كانت زيارة مكررة أخذاً من لفظ: (زوّارات) أما الحديث الأول فهو مطلق زيارة، ولا أعرف أن هناك فرقاً بين قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأي قبر من القبور بالنسبة للمرأة، فإذا نهيت عن زيارة القبور كافة، فأولى أن تكون نهيت عن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم قد تتعدى فيها الحدود، كما نلاحظ الآن عند زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن كثير من الناس، ويكفي أن المرأة عندما تزور مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها الذي تصلي فيه، أما أن تأتي إلى القبة الشريفة لتقف عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول: السلام ... كما يفعل الرجال فظاهر الأحاديث أنه لا يجوز.

كما ننصح الإخوة الذين يريدون أن يزوروا المدينة ألا يقولوا: نريد أن نزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يقولون: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى).

أحوال المسلمين في الفلبين

السؤال: ما هي أحوال المسلمين في الفلبين؟

الجواب: أحوال المسلمين في الفلبين والحمد لله طيبة لا بأس بها، ولابد أن نعرف أن في الفلبين أكثر من اثني عشر مليوناً من المسلمين يسكنون في مناطق الجنوب، بل ونعرف أن الفلبين كلها كانت في يوم من الأيام دولة إسلامية كأندونيسيا، لكن حينما نام المسلمون، واشتغل التنصير استطاع أن يحول أكبر هذه الكتلة إلى نصارى، وكانت لهم السلطة أيضاً، وأصبحوا يستذلون المسلمين في الجنوب، ويأخذون أراضيهم، ويتركون لهم الجبال الوعرة كما هي عادة أعداء الإسلام دائماً.

الذي حدث أن إخواننا في الفلبين ربما تحملوا أن تذهب أموالهم وأراضيهم، لكنهم لم يتحملوا أن يفتنوا في دينهم؛ لأن الحكم الوثني النصراني في الفلبين تسلط على مناطق المسلمين، وبدأ يرسل الفساد ويصدره إلى مناطق المسلمين، مما كان سبباً في انحراف كثير من المسلمين في سلوكهم، فأدى ذلك إلى أن تكون هناك حركات جهاد، أهمها الحركة التي يقودها أخونا حفظه الله سلمات هاشم وأحسبه من المجاهدين السلفيين كما يظهر لنا، وهذا الرجل قد اعتصم بالجبال، وانضمت إليهم مجموعات كبيرة من المسلمين، وأعلنوا الجهاد في سبيل الله، حتى تحرر مناطق المسلمين من هؤلاء النصارى المغتصبين، وهم والحمد لله بخير، لكنهم يحتاجون إلى دعم من إخواننا المسلمين، وهناك في هذا البلد الطاهر من يوصل أي مساعدة إليهم بإذن الله تعالى.

تعدد وسائل الدعوة إلى الله عز وجل

السؤال: ما هي القنوات التي من خلالها نستطيع أن ندعو إلى الله في الخارج؟

الجواب: القنوات كثيرة، والدعوة لا تقف في الداخل، والله تعالى جعل هذه الأمة مطالبة بنشر الإسلام في الأرض كلها قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]، ونشر الدعوة في الأرض أمر مطلوب على الجميع، والله تعالى يسألنا قبل أن يسأل المرسلين عن هذا الدين، قال تعالى فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6]، عالم يموتون على غير الملة ويموتون على جهل نحن مسئولون عنهم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة!

ومن أكبر العار والمصيبة والبلاء والفتنة أن ينام المسلمون عن هذا الدين في وقت انبرى فيه كل أعداء الإسلام بأنفسهم وأموالهم لتنصير وحرف الأمة الإسلامية عن دينها، ولكن الله تعالى يبشرنا ويقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً [الأنفال:36]، وايم الله لقد رأيت بعيني هاتين في غابة من غابات أفريقيا الموحشة فتيات وفتيان جاءوا من إيطاليا، ومن بلاد أوربا التي هي أجمل بلاد العالم، جاءوا مهاجرين للدعوة إلى النصرانية، يعيشون في بلد عند الحر الشديد والمياه الكدرة، ويركبون البقر ويتجولون في مناطق المسلمين يحرفونهم عن الطريق المستقيمة، وحينما نظرت إلى هؤلاء الفتيان والفتيات الذين هم في مستهل العمر، قلت: سبحان الله! ماذا يريد هؤلاء وهم لا يطمعون في الجنة غالباً؟ ثم أين أبناء المسلمين الذين أخذ الله عز وجل عليهم العهد والميثاق أن يبينوا للناس هذا الحق وأن ينشروا هذا الإسلام؟

البلية كبيرة أيها الإخوة!

إذاً: لا بد من أن يتحرك المسلمون للدعوة إلى الله عز وجل، فعالم كثير يموت على الوثنية، وعالم آخر كبير لم تبلغه دعوة الإسلام، والله تعالى يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وليست هناك رسالة تنتظر بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فاستقم كما أمرت [1] للشيخ : عبد الله الجلالي

https://audio.islamweb.net