اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [13] للشيخ : عبد المحسن العباد
هذا حديث عظيم من جملة الأحاديث التي ذكر العلماء أن مدار الإسلام عليها؛ وذلك لما اشتمل عليه الحديث من بيان الحلال والحرام، وما يشتبه بالحلال وبالحرام، وما يكون فيه الاحتياط والسلامة، ثم بيان عظيم لشأن القلب، وأنه ملك الأعضاء، فبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد.
والحديث رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ..، وقال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أنه كان خطب به النعمان على المنبر، قيل: بالكوفة، وقيل: بحمص، وكان أميراً عليهما، فيمكن أن يكون ذلك حصل هنا أو هنا، وكان قد أكد سماعه أنه أهوى بيديه إلى أذنيه -يعني: مؤكداً السماع- مع قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون جمع بين التأكيد للسماع بالقول وبالإشارة الدالة على ذلك الفعل، الذي هو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و النعمان بن بشير من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنوات، وفي هذا دليل على أن الصبي المميز يصح تحمله في صغره، ويؤدي في حال كبره، وهذا معتبر عند العلماء، ومن ذلك ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي سمعها النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وكذلك غيره من صغار الصحابة الذين سمعوا من النبي عليه الصلاة والسلام في حال صغرهم وأدّوا في حال كبرهم، ومثل ذلك الكافر الذي تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه، فإن تأديته في حال الإسلام معتبرة لما تحمله في حال كفره؛ لأنه في حال الكفر غير مأمون، فإذا أدى حال كفره فلا يعتد بكلامه، ولكن إذا أدى بعد إسلامه فإنه مؤتمن على ما يأتي به؛ لأنه مسلم يخبر عن شيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الأول: حلال بيّن واضح لا خفاء في حِلّه، وكل يعرف أنه حلال؛ وذلك لوضوحه، -من حيث الحِلّ والحرمة- مثل: الزروع، والحبوب، والثمار، وبهيمة الأنعام.. ، فإن هذه من الأمور التي يشترك الناس في معرفة أنها حلال، فما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار وبهيمة الأنعام، فهذه من الحلال البين الواضح الذي لا إشكال فيه، ولكنها لا تكون حلالاً إلا إذا كان وصولها إلى الإنسان بطريق مشروع، بأن يكون بعمل يده، أو وصلت إليه بشراء أو بميراث، أو ما إلى ذلك، فإنها حينئذٍ من الحلال البين.
وأما إذا وصلت بطريق غير مشروع كسرقة أو اغتصاب فإنها لا تكون حلالاً، إذ ليس للإنسان أن يستعمل بهيمة الأنعام أو ينتفع بها أو يذبحها ويأكلها وقد سرقها، فإن هذا من الحرام البين؛ لأن هذا المال الذي هو في أصله حلال إذا وصل بطريقة محرمة فإنه يكون حراماً، ولكنه إذا وصل إلى الإنسان بطريق من الطرق المشروعة لوصول الشيء إلى الإنسان فإنه يكون حلالاً.
فهذان صنفان لا إشكال فيهما، إذ لا إشكال في حل الحلال وحرمة الحرام، لأن هذا بين وهذا بين.
فما اشتبه ولم يتضح فيه الدليل والحكم الشرعي فإن الورع اجتنابه وعدم الوقوع فيه، وأما إذا اتضح حله أو حرمته بالدليل فعند ذلك يكون من الشيء الذي يشتبه على بعض الناس أو على كثير من الناس ويعلمه بعض الناس، لكن حيث لا يتضح الدليل على حرمة الشيء أو على إباحته وحله فإن الورع يكون بتركه، كما جاء في الحديث الآخر: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فما دام أنه متردد بين أن يكون حلالاً وأن يكون حراماً فالاحتياط والورع للإنسان أن يتركه.
وأما إذا كان من الأمور التي فيها خفاء بحيث يخفى الدليل على بعض الناس ويعلمه بعضهم، فإن الحديث دل على أن الكثير من الناس لا يعلمها، ومفهوم ذلك أن بعض الناس يعلمها؛ لأن الدليل قد يكون فيها خفياً ولا يطلع عليه كل الناس، وليست مثل: بهيمة الأنعام، فمن المعلوم أنها حلال، وليست مثل: حرمة الخمر، حيث إن بيان حرمتها واضح، وإنما يكون الأمر متردداً بين الحل والحرمة، حيث يوجد في ذلك دليل يدل على الحل، ويخفى على بعض الناس مثل:
لحوم الخيل، فما كل الناس يعلم أن لحوم الخيل حلال، وهذا الحكم يخفى على بعض الناس، وقد جاء في الحديث ما يدل على أنها حلال، لكنها ليست من الحلال البين عند كل أحد، وإنما هي من الحلال البين عند من عرف الدليل، لكن الإنسان الذي لم يبلغه الدليل ولم يعرف الحكم في المسألة ثم دار بين هذا وهذا فالاحتياط له بأن يترك ولا يقدم على ذلك الشيء المحتمل للحل والتحريم.
وأما إذا عرف الدليل على أن ذلك سائغ وليس بحرام فإنه يأخذ بالدليل، والذي لا يعرف هذا الدليل ولا يعرف شيئاً يدل على حل لحوم الخيل، ولا يدري هل ثبت أم لم يثبت، فإن الاحتياط والورع -كما جاء في الحديث- هو الترك وليس الإقدام على الفعل؛ لأن الإنسان إذا فعل، ذلك فيحتمل أن يكون قد فعل أمراً محرماً أو أن يكون فعل أمراً حلالاً، ولكنه إذا ترك ذلك سلم من أن يكون فعل أمراً محرماً.
قوله: (وبينهما أمور مشتبهات) يعني: مشتبهة في كونها من الحلال البين أو من الحرام البين، فهذه لا يعلمها كثير الناس وبعضهم يعلمها؛ لأن المفهوم معناه: أن بعض الناس يفهمها وقد يقف على الدليل الذي خفي على بعض الناس، فمن وقف على الدليل أخذ به، ومن لم يقف عليه وكان متردداً بين أن يكون حلالاً أو حراماً، فالاحتياط والمطلوب في حقه أن يتركه وألا يقدم عليه.
قوله: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس).
معنى ذلك: أن بعض الناس يعلمها، وهناك أمور أخرى تشتبه ولا يعلم الناس حقيقتها، مثل: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وجد تمرة وكان لا يدري هل هي من الصدقة أو من غير الصدقة، ولذلك تركها فلم يأكلها لأن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة، ومن المعلوم أن مثل هذا من علم الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله، فإذا وجد إنسان من أهل البيت تمرة وقعت في الطريق فلا يدري هل هي من الصدقة أم لا؟ فهذا لا يمكن الوصول إلى معرفته؛ لأنه شيء مجهول، لكن ما دام أن فيه احتمال ولم يتبين فيه لا هذا ولا هذا فالسلامة إنما تكون في الترك وليست في الفعل، كما قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأقسام الثلاثة فرع الكلام الذي يأتي متعلقاً بالقسم الثالث وهو: الأمور المشتبهة، فبين عليه الصلاة والسلام حكم الأمور المشتبهة فقال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).
الشبهات أي: الأشياء المشتبهة التي لا يدرى أهي حلال أم حرام.
قوله: (فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي: عمل على براءة نفسه من أن يكون عليه نقص في دينه، وأيضاً سلم من أن يعرض نفسه للوم الناس ووقوعهم في عرضه، والإنسان يحرص على أن تحصل له السلامة في دينه وعرضه، فدينه لا يكون فيه نقص، وعرضه لا ينال أحد منه ولا يتكلم فيه بسوء.
فالاستبراء للدين يتعلق بما بينه وبين الله.
والاستبراء للعرض يتعلق بما بينه وبين الناس.
قوله: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) أي: الذي يتساهل في الوقوع في أمر مشتبه لا يعلم حله وحرمته قد يؤدي به ذلك إلى أن يقع في الأمر المحرم.
الأول: قسم يستبرىء منها ولا يقع فيها، وهذا يسلم دينه وعرضه.
الثاني: (من وقع في الشبهات) يعني: أقدم على هذا الأمر المشتبه، ولم يتركه مع اشتباهه واحتماله لأن يكون حلالاً وأن يكون حراماً، بل هان عليه أن يقدم على شيء لا يطمئن إلى كونه حلالاً، وإذا أقدم الإنسان على مثل هذا وتساهل فيه فقد يؤدي به ذلك إلى أن يقع في الأمر المحرم.
وهذا لم يستبرئ من الشبهات، بل وقع فيها واستهونها وأقدم عليها، فإن ذلك قد يجره إلى أن يقع في الأمر المحرم؛ لأنه دخل في شيء لم يتبين له حله، وقد يكون هذا الشيء حراماً، فإذا سهل عليه ذلك فإنه قد يسهل عليه أن يقدم على الأمر المحرم.
فالقسم الأول محمود والثاني مذموم.
وأما الذي يبتعد عن الشبهات فإنه كالراعي الذي يرعى بعيداً عن الحمى ويجعل غنمه أو إبله في مكان بعيد عن الحمى بحيث لا تصل إليه؛ لأنه بذلك احتاط وابتعد، فلم يعرض نفسه لأن يقع في أمر يعود عليه بالمضرة، وأما من تهاون وقرب من الحمى وصار على حافته وليس هناك شيء يحجب عنه كجدار أو شيء يمنع من وصول الدواب إليه، فإنها تنطلق وتقع في ذلك الشيء الذي منع منه.
والرسول صلى الله عليه وسلم قد وضح هذا لمن يتهاون في الأمر ويقع في الأمور المشتبهة، وجعله كالراعي الذي يرعى حول الحمى، فذلك يؤدي به إلى الوقوع في الأمر الممنوع.
وأما الذي يبتعد عن الحمى، وتكون غنمه أو ماشيته في أماكن بعيدة بحيث لو نبت واحدة منها فلن تصل إلى الحمى؛ لأن بينها وبينه مسافة يستطيع أن يردها وأن يلحقها بنظيراتها ومثيلاتها، فإنه يكون بذلك سلم وعمل على الاحتياط والسلامة.
إذاً: هذان القسمان أو الصنفان اللذين مضيا -وهما: الذي اتقى الشبهات والذي وقع في الشبهات- مثلهما كمثل راعيين:
أحدهما: يأتي إلى مكان محمي ويجعل غنمه على حافته، فتكون بذلك عرضة لأن تقع في الأمر الممنوع.
والثاني: الذي ابتعد عن الحمى ورعى غنمه في أماكن بعيدة، فإنه بذلك يسلم من أن تصل غنمه إلى هذا الأمر الممنوع منه.
وهذا التمثيل للأمور المعنوية بالأشياء الحسية يعتبر من نصحه صلى الله عليه وسلم وبيانه وفصاحته وبلاغته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
والأمثال يكون فيها تقريب الأمر المعنوي بقياسه وإلحاقه بالأمر الحسي المشاهد المعاين مثلاً: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)، الشبهات: مثلاً لما حول الحمى، والحرام مثلاً للحمى، فالذي يقرب من الحمى ويصير في الشبهات التي هي حول الحمى يصل إلى الممنوع منه (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأشياء المعنوية والحسية التي ضربها في المثل هي: أن لكل ملك من ملوك الدنيا حمى، يعني: قد يحمي له مكاناً يختص به، وسواء كان له أو لما يتعلق بالمنفعة العامة كأن يجعل مكاناً للصدقة أو لماشية الصدقة، فالإنسان إذا قاربه فإنه يقع في ذلك الشيء الذي حمي ومنع، وإذا ابتعد عنه فإنه يكون قد سلم وابتعد عن المشتبهات.
قوله: (ألا وإن لكل ملك حمى): الحمى: هو ما يحميه الإنسان من أرض خصبة لا يأتي إليها أحد، وهذا حمى حسي.
قوله: (ألا وإن حمى الله محارمه): وهذا حمى معنوي، وهو الذي أريد تقريبه بضرب المثل بالحمى الحسي عندما ذكر الراعي يرعى حول الحمى، وهذا هو المشبه به.
وأما المشبه فهو محارم الله عز وجل، والمحارم: الحرام البين الذي لا يجوز الوقوع فيه.
وأن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عنها وعن الشبهات التي توصل إليها.
فقوله: (ألا وإن لكل ملك حمى) هذا هو التشبيه الحسي، والذي ذكر فيه أن الراعي يرعى حول الحمى.
وقوله: (ألا وإن حمى الله محارمه) هذا هو المشبه، لأن الأمور المعنوية التي هي حرام لا يجوز للإنسان أن يقدم عليها أو أن يكون قريباً منها بالشبهات التي ليست من الحلال البين ولا من الحرام البين، فمن تساهل في الوصول إليها والوقوع فيها -أي: المشتبهات- سهل عليه أن يقع في المحرم، كما تقدم في أثناء الحديث: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).
فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وقد ذكر هذه الجملة بعدما تقدم من ذكر وجوب ترك المحرمات وترك الأمور المشتبهة؛ لئلا يصل الإنسان إلى الأمر المحرم، وهذا فيه إشارة إلى أن سلامة المكاسب الطيبة والحرص على أن تكون بعيدة من المحرمات ومن الأمور المشتبهات -كل ذلك- له دخل في صلاح القلب وفساده؛ لأن استعمال الحرام والوقوع فيه مما يؤدي إلى فساد القلب، وكسب الحلال والابتعاد عن الحرام هو الذي يكون به صلاح القلب؛ لأن القلب يصلح باستقامة صاحبه على طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يفعل المأمورات ويجتنب المنهيات، وهذه هي تقوى الله عز وجل؛ لأن تقوى الله: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وعذابه وقاية تقيه منه، وذلك بفعل المأمورات وترك المنهيات، وهذه هي مناسبة ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم للقلب بعد ذكر الحلال والحرام.
فإن ترك المحرم والمشتبه يعتبر من أسباب صلاح القلب، والعكس بالعكس، فإن الوقوع في الحرام والمشتبهات وترك المأمورات من أسباب فساد القلب، فعلى الإنسان أن يجعل بينه وبين الحرام مسافة بأن يترك الشيء الذي لا بأس به حذراً مما به بأس، ولهذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بذكر القلب بعد هذه الأمور، وهذا هو وجه ذكره بعدها.
ثم فيه بيان عظم شأن القلب وأنه ملك الأعضاء، وأنها بصلاحه تصلح وبفساده تفسد، وقد مهد لذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في بيان عظم شأن القلب بهذا التمهيد، لأن الإنسان إذا سمع هذا التمهيد وهذا التقديم -(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله)- فإنه يتطلع ويحرص على معرفة هذه المضغة.
ثم ما هي هذه المضغة؟
قال: (ألا وهي القلب) فبعد أن بين عظم شأنها وعظم فائدتها في حال صلاحها، وشدة خطورتها في حال فسادها، بعد ذلك جاء البيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها القلب، وأتى في ذلك بأداة التنبيه التي هي: (ألا) لأن (ألا) في حد ذاتها أداة تنبيه (ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة .. ألا وهي القلب) فهذه أداة تنبيه تجعل الإنسان يتنبه ويعرف أهمية ما بعدها؛ لأن ذلك مما ينبغي الالتفات إليه والاهتمام والعناية به.
وبهذا يتبين لنا أن حديث النعمان بن بشير حديث عظيم، وهو من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد اشتمل على هذا الإيضاح وهذا البيان وهذا الحصر للأشياء إلى ما هو حلال بين، وإلى ما هو حرام بين، وإلى ما هو مشتبه، ثم بيان الذي على الإنسان أن يسلكه لسبيل المشتبه، وأنه إذا تركه فقد أخذ بأسباب السلامة لدينه وعرضه، وإذا لم يفعل ذلك فإنه قد عرّض عرضه للقدح، وعرض دينه للنقص، وأدى به ذلك إلى أن يقع في الأمر المحرم، ثم هذا البيان والإيضاح من رسول الله صلى الله عليه وسلم لضرب هذا المثل العظيم الذي قرب فيه الأمر المعنوي بتشبيهه بهذا الأمر الحسي، وهو من كمال بيانه ونصحه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
والله تعالى أعلم.
الجواب: ما يتعلق بالله عز وجل هو كيفية ومعنى.
فالمعنى: ليس من قبيل المشتبه، بل هو من قبيل الواضح؛ لأن الناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه، ولهذا فالمعنى يكون معلوماً، ولكن الكيف يكون مجهولاً، فالله تعالى يعلمه والناس لا يعلمونه، ولا يجوز أن يقال: إنه مشتبه يعلمه بعض الناس، فإنه لا يعلمه أحد، فهو من أمر الغيب الذي لا يعلمه الناس، وليس من قبيل المشتبه الذي يعلمه بعض الناس، ولهذا جاء عن الإمام مالك رحمة الله عليه أنه لما سئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. ولهذا فأهل السنة يفوضون في الكيف، فيقولون: الله أعلم بكيفية ذلك، وكيفيته لا يعلمها إلا الله، وأما بالنسبة للمعنى فلا يفوضونه، وإنما يفهمون المعاني على وفق ما خوطبوا به.
فالسمع معلوم، والبصر معلوم، والكلام معلوم، والحياة معلومة، والاستواء معلوم، وكل هذه الصفات معانيها معلومة، لكن كيفيتها التي هي عليها في نفس الأمر لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يقال هي من المتشابه! فالنصوص في ذاتها ليست من المتشابه التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، بل الناس خوطبوا بكلام يفهمونه، وهم يعلمون ذلك بمقتضى اللغة، وأما الكيفية فهي التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يعلم كيف هو، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يمكنهم أن يعلموه ويعرفوه، وهو ما يتعلق بالمعاني، وأما الكيفيات فلا سبيل له إليها، فلا يقال: إنها من قبيل المشتبهات التي جاءت في هذا الحديث؛ لأن المشتبه الذي جاءت فيه أحاديث يعلمه بعض الناس، ويجهله كثير من الناس فكيفية الصفات ليست من هذا القبيل.
وأهل السنة والجماعة مفوضة في الكيف وليسوا مفوضة في المعنى، وأما الذين يفوضون في المعنى يقولون: إننا لا نعرف ما معنى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ، فيزعمون أنها مثل: الر [يونس:1] والم [البقرة:1] ومثل: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] ومثل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64].
وهذا يعني: أنهم لا يعلمون معنى هذه الآية كما أنهم لا يعلمون المراد بقوله: الر [يونس:1]؛ لأن الم [البقرة:1] ليس كلاماً مركباً حتى يفهم بالتركيب، فالكلام يفهم بتركيبه وباتصال الكلمات بعضها ببعض، لكن هذه حروف مقطعة، والمشهور عند العلماء أنهم يقولون: الله أعلم بمراده بها، لكن بعضهم يقول: لعل المقصود من إيرادها بيان إعجاز القرآن، وذلك أنه يأتي بعد ذكر الحروف المقطعة ذكر القرآن الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2]، الم [البقرة:1] ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:2-3]، المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف:1-2]، الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1]، وهكذا إلا في مواضع يسيرة جاءت في القرآن ليس فيها ذكر القرآن مثل: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ [العنكبوت:1-2] ومثل: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:1-2] فإنه لم يأت بعدها ذكر القرآن.
قالوا: فإن مجيء ذكر القرآن بعد هذه الحروف فيه إشارة إلى أن القرآن معجز، ووجه الإشارة أن القرآن مؤلف من الحروف التي تؤلفون منها كلامكم، ومع ذلك فأنتم لا تستطيعون أن تؤلفوا من هذه الحروف كلاماً مثل هذا الكلام.
نعم، القرآن مؤلف من الحروف، ومع ذلك فأهل الفصاحة والبلاغة لا يستطيعون أن يؤلفوا من هذه الحروف كلاماً مثل هذا الكلام، قالوا: إذاً فيه إشارة إلى إعجاز القرآن.
ف الذين يقولون إن المعاني في الصفات مجهولة وأنهم يفوضون فيها، يقولون: إن الر [هود:1]، مثل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فلا نعرف معنى الر [هود:1]، ولا نعرف معنى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وهذا كلام باطل وغير صحيح، ومن قال: إن هذا هو مذهب السلف؟! ولهذا فعلماء الكلام معروفون بالتأويل، وسلفهم القائلون بالتفويض، كما يقول صاحب الجوهرة:
وكل لفظ أوهم التشبيهَ أَوَّلْه أو فَوّضْ ورُمْ تنزيهاً
فعندهم أن المعاني لا يتكلم في معناها، فيقولون: الله أعلم بالمراد بها.
ونسبة ذلك إلى سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم هذا قول باطل وغير صحيح؛ فالسلف ليسوا مفوضة في المعنى، وإنما هم مفوضة في الكيف، ولهذا يقول بعض أهل العلم: من زعم أن مذهب السلف في الصفات هو التفويض في المعنى فقد ارتكب ثلاثة محاذير:
المحذور الأول: أنه لا يعرف مذهب السلف، ومذهب السلف هو الذي بينه مالك في قوله: الاستواء معلوم. معنى ذلك: أن المعنى معروف وليس بمجهول، فالمعنى لا يفوض، فيقال: الله أعلم بمراده بـ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهذا جاهل بمذهب السلف.
المحذور الثاني: أنه مجهّل للسلف، يعني: نسبهم إلى الجهل، وأنهم قد خوطبوا بكلام لا يفهمون معناه.
المحذور الثالث: أنه كاذب على السلف؛ لأنه نسب إليهم شيئاً لم يقولوه ولم يعتقدوه وهو التفويض بالمعنى، فإنهم لا يفوضون المعنى وإنما يفوضون الكيف، وهم قد خوطبوا بكلام يفهمون معناه.
الجواب: نعم، هذه تدخل في الأمور المشتبهة التي هي دائرة بين الحِلّ والحرمة، وبين الجواز والمنع، وليس هناك شيء واضح يدل عليه، لكن من علم أو وصل إلى شيء يتبين به الحل أو الحرمة فإنه يعمل بما توصل إليه من الدليل، ومن لم يقف على دليل يفصل فيه أو يميز فيه بين أن يكون حلالاً أو يكون حراماً فالاحتياط هو الترك، كما جاء في الحديث: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).
الجواب: لا، الذي اختلف فيه الإنسان يرجع إلى أهل العلم ممن يثق بعلمه ودينه في أمر يعمل به، فإذا أرشده من يثق بعلمه ودينه أخذ به، وأما استفتاء القلب فالمقصود بذلك: أن الإنسان إذا كان سأل عن شيء وأُخبر بأنه حلال، وكان في نفسه شيء منه أو غير مطمئن إليه أو أنه يعلم في هذا الأمر الخاص به ما يجعله غير مطمئن، فإن السلامة في ذلك أن يترك هذا الشيء الذي هو غير مطمئن إليه، مثل أن يكون الإنسان عنده حجة في أمر من الأمور غير مطمئن إليها، فقدمها إلى الحاكم، والحاكم حكم له بها وهو غير مطمئن ولا مرتاح إليها، فإن هذا لا يأخذ بحكم الحاكم ما دام أن عنده الريبة أو الشبهة التي في نفسه، فالاحتياط أنه يترك هذا الأمر المشتبه حتى ولو أفتاه الناس، وهذا مثلما جاء في الحديث: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فمن حكمت له بحق أخيه وهو يعلم أنه ليس حقاً له فإنما هي قطعة من نار، إن شاء فليأخذها، وإن شاء فليتركها).
وهذا لا يعارض القاعدة المشهورة عند العلماء: أن الأصل في الأشياء الإباحة، فالأشياء التي لا يعلم حرمتها الأصل فيها الإباحة، لكن إذا تردد الإنسان في شيء، ولم يكن مرتاحاً إليه، بحيث خشي أن يكون مما هو محرم أو قد يكون فيه شيء، فعليه أن يتنزه عنه، ولا شك أن هذا فيه السلامة.
الجواب: محله القلب، قال تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46] فأضاف العقل إلى القلب، ولم يضفه إلى الدماغ.
الجواب: لا، وإنما عليه أن يبين لهم الحكم الشرعي، وأن يأتي بالدليل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن يترك الحلال فهذا معناه أنهم يحرمون هذا الشيء مع أنه حلال، فعليه أن يبين لهم وأن يوضح لهم هذا الحكم الشرعي، وأنه ليس من الحرام، بل هو من الحلال، وقد ثبتت فيها الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الجواب: نعم، الذي يتردد فيه بين الحل والحرمة فلا شك أن الاحتياط يكون في تركه.
الجواب: بعض العلماء يقول: إن ذلك البيع من هذا القبيل، وبعضهم يرى أنه جائز، ولا شك أن الإنسان إذا تنزه عنه فهذا خير له.
الجواب: الدليل معلوم وواضح، وكون بعض أهل العلم رأى أنه من الأمور المشتبهة والإنسان ما دام يرى أنه من الأمور المشتبهة فطريق السلامة الترك، ومن ظهر له أنه حرام وأنه ليس من قبيل المشتبه فهو عنده حرام، وهذا مثل ما لا يعلمه كثير من الناس، والمشتبهات لا يعلمها الكثير من الناس، فمن علم أن الحكم للتحريم فلا يجوز له أن يقدم على فعله، ومن كان متردداً بين هذا وهذا فلا شك أن الاحتياط الترك وعدم الفعل.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) ومعنى ذلك: أنه يسلم دينه من النقص، ويسلم عرضه من النَّيل، لكن كون الإنسان ترك ذلك من أجل أنه بتركه إياه ظفر بالسلامة، وتحقق أن السلامة قد حصلت له فهذا أمر واضح، ثم أيضاً كون الإنسان حصل منه ذلك فلا شك أن هذا من الورع.
الجواب: إذا كان يعرف أنه متساهل وليس مطمئناً إليه، وإنما سأله من أجل أن يبرر له الشيء الذي يريد، فكون الإنسان يتتبع الرخص ويبحث عنها فهذا يؤدي به إلى الهلاك، كما يقول بعض العلماء: من تتبع الرخص تزندق. لأنه إذا عرضت له المسألة ويعرف أن فلاناً الفلاني يحلها فذهب يسأله ولا يسأل غيره، فيسأل هذا فيما يناسبه وهذا فيما يناسبه فمعنى ذلك أنه يتوصل إلى الأشياء التي تهواها وتميل إليها نفسه، فعليه أن يرجع إلى من يثق بعلمه ودينه ويسأله فيما يعرض له، ولا يبحث عمن يتساهل.
الجواب: (التابع له حكم المتبوع) هذا فيما يتعلق بالقلب؛ لأن الأعضاء تابعة والقلب متبوع، وبصلاح القلب الذي هو المتبوع يصلح التابع وهي الأعضاء.
وقاعدة (ما قارب الشيء يأخذ حكمه) هذا في قوله: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).
الجواب: مثل هذا قد يكون بعض الناس يشوش على نفسه وعلى الناس في أن يشك في كل شيء، والأصل في مثل هذا أنه يرجع فيه إلى جهات الاختصاص الذين يحللون ويعرفون أن هذا فيه كذا أو ليس فيه كذا، ولا يكون بمجرد أنه انقدح في نفسه شيء من هذا؛ لأنه من توسع في هذا التحريم وأقدم عليه فإنه يمكن أيضاً أن يتوسع في تحريم كل شيء، فلو جاءه لباس من ألبسة الكفار أو شيء قد صنعه الكفار فإنه يقول: إن الاحتياط أن أغسله لأنني أخشى أن يكون فيه نجاسة! ومعلوم الصحابة كانوا يتبايعون مع الكفار ويشترون منهم اللباس وغيره ولا يعمدون إلى غسله.
الجواب: الشيء الذي فيه احتمال الإسكار أو مظنة الإسكار لا يجوز، والشيء الذي ليس فيه ذلك فإنه سائغ، والرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر منع الناس في أن ينتبذوا في أوعية معينة فيها سماكة وغلظ، وأنه قد يبلغ الشيء في داخلها إلى حد الإسكار، فنهى عن الانتباذ فيها كالدُّبّاء والحَنْتَم والنقير والمُزَفَّت كما جاء في حديث وفد عبد القيس، ولكنه في آخر الأمر كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الذي ذكر فيه ثلاثة أموراً فيها ناسخ ومنسوخ، فقال: (كنت نهيتكم أن تنتبذوا في الأوعية، فانتبذوا في كل وعاء، ولا تنتبذوا مُسكراً) يعني: انتبذوا في كلها لكن بشرط ألا تشربوا مسكراً.
فما دام أنه لم يصل إلى حد الإسكار فإنه مباح، فسواء انتبذتم في وعاء غليظ أو وعاء رقيق أو خفيف، المهم ألّا تشربوا مسكراً، وقد جاء في حديث بريدة بن الحصيب ذكر ثلاثة أمور، فقال: (وكنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ألا فادّخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية، فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً).
الخلاصة: أن ما عُرف إسكاره في الكثير منه فإنه يحرم قليله وكثيره، والذي لم يعرف إسكاره أو تحقق بأنه ليس بمسكر فإنه حلال.
الجواب: نعم، ولا شك أن كون الإنسان يجتنب الأشياء المشتبهة التي فيها الكحول يعتبر من اجتناب المشتبهات؛ لأن الطيب كثير بحمد الله، فالإنسان يأخذ من الطَّيْب الطّيّب، ويترك الشيء الذي فيه شبهة.
الجواب: الأصل جواز أكل اللحوم التي تأتي من الكفار الذين هم: اليهود والنصارى، فهم أهل كتاب، وأما الوثنيون الذين هم ليسوا أهل كتاب فلا يجوز أكل ذبائحهم، وإنما أحل لنا طعام أهل الكتاب، فهو حلال لنا إلا إذا علمنا بأن الذبح يكون بطريقة غير شرعية، وإلا فالأصل هو الحل، وحتى المسلم نفسه لو ذبح بطريقة غير شرعية كالخنق أو نحوه فلا تحل ذبيحته، فالكافر إذا عُلم بأنه يحصل منه هذا الأمر المحرم الذي حرمه الإسلام فهي لا تحل، لكن إذا لم نعرف ذلك فإننا نأكل من هذه الأشياء التي جاءتنا منهم.
وهم يقولون: إن الصعق أو الضرب لا يجعلها تموت وإنما يخدرها، مثل: الإنسان إذا ضُرب أو أعطي بنجاً وتخدر، فإنه لم يمت، بل هو حي، فهذا الضرب أو الصعق الذي يعطونها إياه إذا كان يؤدي إلى أنها تموت فإنها حرام، وأما إذا حصل ضربها بحيث ينهي قوتها وشدتها التي يخافون منها والحياة لا تزال موجودة فيها ثم ذبحوها وهي حية، فإن الذبيحة في هذه الحال تكون حلالاً.
ثم هناك أمر آخر: وهو أنه ما دام أن هناك الآن الدجاج الوطني الذي يطمع أن يكون موجوداً، وهذا الدجاج الذي يأتي من الخارج موجود، وكل منهما حلال، إلا أن الإنسان ينبغي له أن يقدم الدجاج الوطني الذي قد ذبح في البلاد الإسلامية، وفي ذلك فائدتان:
الفائدة الأولى: كونه مطمئناً إلى هذا.
الفائدة الثانية: أنه تسويق للسلع التي تكون من الداخل، وأنها أولى مما يأتي من الخارج، ما دام أن عندنا شيئين: شيء من الداخل، وشيء من الخارج، فاستعمالنا لما في الداخل أولى من استعمال ما يأتي من الخارج.
مثل: أن الله عز وجل أحل لنا نكاح الكتابيات، لكن المسلمة أولى من الكتابية، مع أن الكتابية حلال وليست بحرام، لكن أيهما أولى: أن يتزوج المسلم مسلمة أو يتزوج كتابية؟ الجواب: يتزوج مسلمة حتى ولو كان الزواج من الكتابية حلالاً، وكذلك أيضاً لحم الدجاج الذي يكون من الداخل والخارج، فالذي من الداخل أولى؛ لما فيه من الاطمئنان، ولما فيه أيضاً من تشجيع السلع الداخلية وتسويقها، وكونها تنفق ويحصل عليها إقبال، وفي ذلك تشجيع لوجود مثل هذه الأشياء التي تهيأ في الداخل، ومما ينبغي أن يستغنى فيه عن الإتيان من الخارج إذا حصل به تغطية لما يحتاجه الناس.
الجواب: إذا كانت في بلاد المسلمين وكذلك أيضاً في بلاد أهل الكتاب فالأصل فيها الحل، كما في الحديث الذي فيه أنهم لما كانوا محاصرين في بلد، فرمي بصرّة فيها شيء، فأخذها بعض الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم نظر إليه، فجعل يضحك، فهذا يدل على أنها حلال، وأن الأصل فيها الحل، ما دام أنه من المسلمين أو من أهل الكتاب، إلا إذا علم الحرمة.
الجواب: لا، هذا معناه أنه يؤدي إليه، وقد يقع الإنسان في المشتبه ولا يقع في الحرام، لكن من تساهل في المشتبه أداه ذلك إلى الوقوع في الحرام، ومن احتاط لدينه وابتعد عن المشتبه فهو من باب أولى أن يكون أبعد عن الحرام، يقال: وقع في الحرام بالنسبة لما يئول إليه.
الجواب: معلوم أن عمر رضي الله عنه حمى الربذة لإبل الصدقة، ولم يحمها لنفسه، والمقصود بذلك أنه إذا كان الحمى للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن يقوم مقامه وهو إمام المسلمين، فيحميه لمصالح المسلمين وللشيء الذي فعله من أجله عمر ، فلا شك أن هذا مثلما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يحمي لإبل الصدقة، وعمر رضي الله عنه يحمي لإبل الصدقة ولا يحمي لنفسه، وهذا فيه اتباع للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه فعل شيئاً للمصلحة العامة، حيث خص مكاناً تكون فيه إبل الصدقة وغنم الصدقة في حمى ولا يتعرض لها، فهذا فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: من لم يعلم الحل ولم يقف عليه، وأقدم على فعل شيء لا يعلم حكمه، فمعنى ذلك أنه قد عرض نفسه للوقوع في الحرام، وأما الإنسان الذي عرف الحل فإنه قد خرج من كونه مشتبهاً إلى كونه واضحاً، فتمثيله بهذه المشتبهات لأنها ليست واضحة، ولا يعلمها كل الناس، فليست مثل بهيمة الأنعام، أو مثل الحبوب والرطب والتمر، فهذه لا شك أنها حلال، ولهذا فإن أحد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -وهو خالد بن الوليد - استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أكل لحم الخيل، حيث كانوا متوقفين فيه، فلما أذن له عُلم أنه حلال، فالإنسان الذي لم يعرف الدليل فهو بالنسبة له يعتبر مشتبهاً، وأما من عرف الدليل فقد خرج من كونه مشتبهاً إلى كونه واضحاً.
وقد جاء في الحديث أن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، أما المثال ففيه أنه لم يقع في الحرام، بل أوشك أن يقع فيه (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ..).
وهذا هو توضيح؛ لأن الإنسان الذي حول الحمى يمكن أن يقع فيه، وكذلك الإنسان الذي فعل الأمر المشتبه، الذي ليس بحلال، فمعناه أنه من جنس ذلك؛ لأن هذا يجرّه إلى أن يقع في الأمر المحرم.
الجواب: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (فضل أهل البيت وحقوقهم) أن أهل البيت إنما مُنعوا الصدقة؛ لأنهم أُغنوا عنها بما يعطون من الخُمس، فإذا لم يحصل لهم هذا الشيء الذي منعوا من الصدقة من أجله وهم بحاجة إلى ذلك فإن لهم أن يأخذوا من الصدقة؛ لأن الشيء الذي منعوا من أخذ الصدقة من أجله لم يحصل لهم، فلهم أن يأخذوا.
الجواب: جاء في صحيح البخاري حديث أبي سعيد وأبي موسى الأشعري الذي فيه: مثل الجليس الصالح والجليس السوء ..، وكذلك أيضاً حديث: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم)، وهي بإسناد واحد، وهي كلها أمثلة، هذا الذي في ذهني الآن، ولعل هذا هو الذي نُقل عني، ولا أدري هل ذكرت هذا في الفوائد المنتقاة أو في مكان آخر، لكني أذكر أن فيه إسناد عن أبي موسى الأشعري وهو بإسناد واحد، أوله أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب وينتهي إلى أبي موسى الأشعري وهي تتعلق كلها بضرب الأمثلة.
وكذلك حديث: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة).
فيمكن أن يرجع إليها في صحيح البخاري وفي فتح الباري الإسنادان اللذان أذكر أنهما من أولهما إلى آخرهما، وكلاهما يتعلق بضرب الأمثلة، لكنها موجودة في هذا الحديث الذي هو في فضل العلم.
الجواب: القتل والاغتيالات لا تأتي إلى المسلمين بخير؛ لأنهم إذا قتلوا شخصاً واحداً يقتل منهم بالأعداد، ولهذا لا يفعل الشيء الذي يجلب الضرر على المسلمين.
الجواب: إذا كان المقصود هذه الأناشيد التي يقال أنها أناشيد إسلامية؛ والتي هي مجموعة يأتون ويقفون أمام المكبر ويسجلون أناشيد يتغنون بها، وتكون غالباً يعجب بما فيها من حماس أو ترنيم أو تلحين أو ما إلى ذلك فلاشك أن هذا لا ينبغي أن يقدم عليه الإنسان ولا أن يشغل نفسه به، وإنما عليه أن يشغل نفسه بما يعود عليه بالخير، لاسيما أن بعض الأناشيد يأتون بها على أشياء كلها أماني، وليس لها أساس من الواقع، مثل بعض الأناشيد التي يقولون: الصين لنا والهند لنا والكل لنا، وهم ما عندهم إلا الضياع.
الجواب: لا شك أن التصدق به هو الأولى، ولكن جميع ما يخلفه الميت يكون تبعاً للورثة، أما إذا وجد الورثة مثل هذه الأمور كالمصحف فإنه لو تصدق به أو أوقف في مسجد أو في مكان يحتاج إليه فلا شك أن هذا هو الأولى، وإلا فالأصل أنه ميراث؛ لأن كل ما يخلفه الإنسان من كتب ومصاحف وغير ذلك فهو مال، والمال ينتقل إلى الورثة.
الجواب: هذا يرجع إلى الدولة، وهي التي تقاطع، وإذا قوطعت هي فهل تتحقق المقاطعة؟ أما كون الشيء موجود في البلد فالإنسان يأخذ ما يشاء ويتصرف فيما يشاء، ولا يمنعه من ذلك مانع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [13] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net