اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [15] للشيخ : عبد المحسن العباد
فقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت)، هذه الصيغة من النبي عليه الصلاة والسلام، يكون الآمر له فيها هو الله عز وجل، لأنه لا آمر للرسول صلى الله عليه وسلم إلا الله، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت بكذا.. أو نهيت عن كذا.. فالذي أمره ونهاه هو الله عز وجل، أما إذا قال أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم: أمرنا بكذا.. أو نهينا عن كذا.. فالآمر والناهي لهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونهيه هو من عند الله، لأن السنة هي من عند الله كما أن القرآن من عند الله؛ لكن الذي يخاطبهم بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وهذا يدل على أنهم يدعون إلى الإسلام، وإذا لم تحصل الاستجابة بالدعوة وبالكلام فإنه ينتقل إلى القتال، ولفظة (حتى) للغاية، فالقتال ينتهي بهذه الغاية، وهي كونهم يأتون بالشهادتين، ويأتون بالصلاة والزكاة.
ثم الحديث بدأ فيه بالشهادتين، وذلك أن الشهادتين هما الأساس وهما المدخل والمفتاح، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أنه كان أول ما بعثه الله عز وجل يأتي إلى العرب في أماكن اجتماعهم، ويقول لهم: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) فالدعوة أول ما تكون إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، ولهذا بدأ بالشهادتين قبل ذكر غيرهما، وذلك أنهما هما الأساس الذي يبنى عليهما غيرهما، وأي عمل لا يكون نافعاً ولا يكون مقبولاً إلا إذا كان مبنياً عليهما.
وفيه أيضاً التلازم بين الشهادتين وأنه لا بد من كليهما، فيجب على كل إنسي وجني من حين بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة الإتيان بهما، لا ينفعه دين ولا يستقيم له أمر إلا إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الكتاب لا ينفعهم إيمانهم بنبيهم الذي ينتسبون إليه ما لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فاليهود المنتسبون إلى موسى والنصارى المنتسبون إلى عيسى لا ينفعهم إيمانهم بموسى ولا إيمانهم بعيسى بعد بعثته صلى الله عليه وسلم حتى يؤمنوا بمحمد ويتبعوه، ولا يتابعوا أحداً ممن كانوا قبله بعد بعثته؛ لأن شريعته نسخت كل الشرائع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).
وذلك أن اليهود والنصارى من أمة الدعوة، أي الذين توجه إليهم الدعوة ويطلب منهم الدخول في الإسلام، ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم عامة الناس جميعاً، بل هي إلى الثقلين الإنس والجن، لا يسع أحداً الخروج عن هذه الشريعة وعدم الدخول فيها، ولا ينفع أحداً أن يكون تابعاً لنبي من الأنبياء بعد بعثته عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في موسى الذي يزعم اليهود أنهم أتباعه: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) وأخبر عليه الصلاة والسلام أن عيسى الذي يزعم النصارى أنهم أتباعه، سينزل في آخر الزمان، ويحكم بهذه الشريعة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، ولا يحكم بالإنجيل الذي أنزله الله إليه لأنه قد أمر بهذه الشريعة وهي شريعة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فإذاً: لا بد من الشهادتين، الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وهما شهادتان متلازمتان لا بد منهما جميعاً، ولا بد مع شهادة أن لا إله الله من شهادة أن محمداً رسول الله، ولا يكتفى بواحدة عن الأخرى، بل يتعين الإتيان بهما جميعاً، وذلك أن الرسالة عامة لكل أحد من حين بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.
ذكر الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية، ثم الزكاة لأنها رأس العبادات المالية، ولا يعني ذلك أنه لا يطالب بغيرها، بل هو مطالب به، وإنما اقتصر عليها لأن من أتى بها يسهل عليه أن يأتي بغيرها، فإذا سهل عليه أداء الصلاة، والزكاة، سهل عليه أن يصوم ويحج ويأتي بالأفعال الأخرى من باب أولى، فإنه ذكر ما هو أهم وما هو أولى من غيره، وأن من أتى به فإنه يأتي بغيره، ولا يعني ذلك أن ما لم يذكر في الحديث ليس كذلك، بل كله مهم، وكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي مطلوب ومتعين، ولا بد منه، ولا يقال: إنه يكتفى بهذه عن غيرها.
ثم إن الحديث جاء في المقاتلة وهي غير القتل، فإذاً: فالكفار يجاهدون في سبيل الله ويقاتلون على الكفر، ولكنهم يدعون إلى الإسلام أولاً، وإذا لم ينفع الكلام انتقلنا إلى السنان، كما قال الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25].
فإن هناك كتاباً وجهاداً وقتالاً، فإذا نفع الكتاب ونفعت الدعوة استغني عن القتال ولم يكن هناك حاجة إليه، وإن حصل الامتناع فإنه ينتقل من الدعوة والكلام إلى القتال.
ولهذا يقول شيخنا الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله حول معنى هذه الآية من سورة الحديد: من لم تقومه الكتب قومته الكتائب، أي: من لم يقومه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الله عز وجل بالكلام، فإنه ينتقل بعد ذلك إلى السنان، وقد جمع الله تعالى بين القوة المعنوية والقوة الحسية في هذه الآية، فقال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ [الحديد:25].
فالبينات هي الحجة وهذا هو البيان المعنوي، ثم الحسي في قول الله عز وجل: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]، فهناك قتال على الإسلام.
وإذا وجد الإسلام ولكن حصل امتناع عن أداء الفرائض والواجبات فإنهم أيضاً يقاتلون على ذلك، كما حصل من قتال أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة مع كونهم يصلون، ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكنهم امتنعوا عن الزكاة وتأولوا، وقالوا: إن الله عز وجل يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِم [التوبة:103]، قالوا: فغيره صلى الله عليه وسلم لا يقوم مقامه.
فـأبو بكر رضي الله عنه عزم على قتالهم، وكان رضي الله عنه معروفاً باللين والرأفة والرحمة، وعمر رضي الله عنه معروف بالشدة والقوة، ولكن أبا بكر رضي الله عنه في هذا المقام صار أقوى منه، ولما ناظره عمر وراجعه وقال: (كيف تقاتل الناس وهم يقولون لا إله إلا الله؟ قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة)، أنهم يصلون ولكنهم امتنعوا من أداء الزكاة، فمن صلى فعليه أن يزكي، وإذا امتنع من الزكاة، فإن كان هذا الامتناع من قوم لهم منعة وشوكة فإنهم يقاتلون، وأما إذا كان الامتناع من شخص أو أشخاص يمكن أخذ الزكاة منهم من غير قتال، فإنها تؤخذ الزكاة منهم.
أي أن الشخص إذا امتنع من الزكاة لا يقتل، وإنما تؤخذ منه قهراً، وإذا امتنع قوتل مثلما حصل لمانعي الزكاة في عهد أبي بكر رضي الله عنه فإنه قاتلهم وقال: (لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه).
يعني: أن الشيء الذي كان موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم لابد أن يستمر بعده، ولابد وأن يوجد بعده، ولا ينتهي الأمر عند زمنه صلى الله عليه وسلم، بل شريعته باقية ومستمرة، والزكاة فرض كما أن الصلاة فرض، فالصلاة أهم العبادات البدنية، والزكاة أهم العبادات المالية، فإذا امتنعوا عن أدائها فإنهم يقاتلون حتى يؤدونها، وإذا كان الامتناع من أشخاص مقدوراً عليهم لم يقاتلوا عليها وتؤخذ منهم قهراً، ويكون بذلك قد حصل المطلوب.
فـأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه وقف هذه الوقفة العظيمة، ولما راجعه عمر ولم يكن هناك نص يتعلق بخصوص القتال على منع الزكاة؛ لأنه لو كان عندهم شيء ما احتاج أبو بكر إلى أن يقيس الزكاة التي امتنعوا منها على الصلاة التي يؤدونها، ولم يحتج إلى أن يستدل بالعموم في قوله: (إلا بحقها، قال: والزكاة من حقها).
ولهذا يقول الحافظ ابن حجر : هذا فيه دليل على أن السنة قد تخفى على أكابر الصحابة ويعلم بها من دونهم، ولا يعد ذلك نقصاً أو قدحاً؛ لأنه معلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تؤخذ عنه في مجالسه، ويحضر هذا المجلس من يحضر ويغيب عنه من يغيب، فتأتي السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، ويكون بعض الصحابة الكبار قد غابوا عن ذلك المجلس، ثم يكون قد حضر من هو دونهم.
فـأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يبلغهم الحديث في ذلك، وقد بلغ ابن عمر ، وكذلك أبو هريرة، فإنه ذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين؛ ولهذا حصل ما حصل من المناظرة بين عمر وأبي بكر رضي الله عنه، فاعتمد أبو بكر على القياس، وعلى الأخذ من العموم في قوله: (إلا بحقها) .
وبذلك أقدم أبو بكر على ما أقدم عليه، ثم تبين أن الحديث مطابق لهذا الشيء الذي عزم عليه أبو بكر ، وأن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بالقتال إلى حصول الشهادتين مع الصلاة والزكاة.
ثم إن الحديث يدل على البدء بالأهم فالأهم، فقد بدأ بالشهادتين، ثم ثني بعدهما بالصلاة، ثم ذكر الزكاة، وهذا الترتيب قد جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما بعثه إلى اليمن، قال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
وهذه الأركان الثلاثة هي التي جاءت في حديث ابن عمر هذا وحديث أبي هريرة في بعض طرقه الذي جاء فيها ذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين.
وهذا العموم في المقاتلة مستثنى منه أهل الكتاب إذا أدوا الجزية، فإنهم إذا أدوا الجزية قبلت منهم، ولم يقاتلوا، وذلك أنهم إذا دخلوا تحت حكم الإسلام كان ذلك من أسباب دخولهم في الإسلام، لأنهم يشاهدون عدل الإسلام، ويشاهدون ما اشتمل عليه الإسلام من الخير، وما فيه من المحاسن؛ فيكون ذلك من أسباب دخولهم بدون أن يقاتلوا؛ لأن المقصود هو الهداية، والدخول في الإسلام.
ولهذا جاز للمسلمين أن ينكحوا الكتابيات، ولم يجز للكتابيين أن يتزوجوا المسلمات، وذلك أن الكتابية إذا كانت تحت المسلم كان قواماً عليها، وهي تحت إمرته وولايته، فيكون ذلك سبباً في دخولها في الإسلام، بخلاف العكس.
وكذلك جاءت السنة في أهل الكتاب أنها تؤخذ منهم الجزية، وجاءت السنة أيضاً بأخذ الجزية من غيرهم، كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الطويل في صحيح مسلم ، الذي يقول فيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً) ، ثم ذكر في آخره: (الدعوة إلى الإسلام أو إلى الجزية وإلا المقاتلة).
فإذن يستثنى من هذا العموم في هذا الحديث أخذ الجزية، فإن من حصل منه ذلك ودخل تحت ولاية المسلمين وحكمهم، فإنه تؤخذ منه الجزية ويمتنع من قتله وقتاله، حتى يكون دخوله تحت ولاية المسلمين وحكمهم، ويرضخ لما هم عليه؛ فيكون ذلك سبباً في دخوله الإسلام وخروجه من الكفر الذي هو عليه إلى دين الله عز وجل.
وكما قلت: إن هذه الصلاة والزكاة، وكذلك الصيام والحج وكل أمر معلوم من الإسلام بالضرورة، من جحده يكون كافراً بإجماع المسلمين، ولكن من امتنع منه ولم يكن جاحداً له، مثل أولئك الذين كانوا يصلون ولكنهم لا يدفعون الزكاة لظنهم أن الحكم يختص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا يدفعون الزكاة لـأبي بكر رضي الله عنه لفهمهم الخاطئ، بأن ذلك إنما هو من خصائص الكريم صلى الله عليه وسلم، فامتنعوا وقوتلوا على ذلك، فكذلك أيضاً غيرها من شعائر الدين، إذا امتنع الناس منها وقاتلوا على امتناعهم فإنهم يقاتلون.
ولكن من كان غير جاحد للصيام وغير جاحد للحج وقدر عليه فإنه يعاقب بالحبس وبالعقوبة التي تجعله يقدم على الشيء الذي امتنع منه، إلا أن فرض الحج قد قال بعض العلماء إنه على التراخي، وإن الإنسان يمكن أن يؤخر الحج ثم يحج فيما بعد.
والحاصل أن من جحد أمراً معلوماً من الإسلام بالضرورة فهو كافر مرتد عن الإسلام، ومن لم يجحده فإن كان قاتل دونه وحصلت لهم منعة قوتل، وإن لم تكن منعة وأمكن الإلزام بالشيء المطلوب ألزم به من دون قتال.
ولهذا رضي الله عنه لما لم يكن عند أبي بكر ذكر الصلاة والزكاة، وكان عنده ذكر الشهادتين وذكر: (إلا بحقها)، قال: إن هذا من حق الإسلام؛ وكان الذين أراد أن يقاتلهم ونوظر من أجلهم كانوا يصلون ولكنهم امتنعوا عن الزكاة لشبهة ولتأويل عرض لهم، فقال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، وقال: إنه قال: (إلا بحقها) ، والزكاة حق المال.
وقوله: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقوموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك) يعني: ما تقدم، والذي تقدم هو أقوال وأفعال؛ لأن الأقوال هي الشهادتان، والأفعال هي الصلاة والزكاة.
ففي هذا إطلاق الفعل على القول؛ لأن قوله: (فعلوا ذلك) يرجع إلى القول والفعل، وحركة اللسان فعل.
وإذا كان ظاهره يخالف باطنه، بمعنى أنه أظهر الإيمان وأبطن الكفر، وقال ذلك نفاقاً وخوفاً من السيف، فإن هذا كذلك يكف عنه ويعصم دمه وماله بذلك، ولكنه من أهل الدرك الأسفل من النار.
ثم إن في قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يشهدوا أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله) دليلاً على أن أول واجب على المكلف هو الشهادتان، ولا يطلب منه أمور أخرى قبلها، خلافاً لبعض المتكلمين القائلين إن أول واجب على المكلف النظر، أي أن ينظر في الأدلة وينظر في الكون، ثم بعد ذلك يشهد أن لا إله إلا الله.
فنحن نقول: ما دام أنه يعرف شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه عليه أن يأتي بها ابتداء، ولا يحتاج الأمر إلى أمور تفعل قبل الشهادتين، وقد يؤخر الشهادتين ثم يموت قبل أن يشهد في المدة التي كان مطلوب منه أن ينظر، مثل ما حصل أن النبي صلى الله عليه وسلم زار غلاماً من اليهود في مرض موته وعرض عليه الإسلام وكان أبوه جالساً عنده، فنظر إلى أبيه فقال له: أطع أبا القاسم، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم مات، وقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).
فإذاً أول واجب على المكلف الشهادتان، وليس أول واجب أن ينظر ويفكر ويتأمل، فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، خرج من الكفر ودخل في الإسلام، وبذلك يخرج من الظلمات إلى النور، ولا يجعل بينه وبين الخروج من الظلمات إلى النور مسافة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحديث الثامن: [ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى) ، رواه البخاري و مسلم].
1- قوله: (أمرت) ، الآمر للرسول صلى الله عليه وسلم هو الله؛ لأنه لا آمر له غيره، وإذا قال الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، فالآمر والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه، وارتد من ارتد من العرب، وامتنع من امتنع من دفع الزكاة، عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم، بناءً على أن من حق الشهادتين أداء الزكاة، ولم يكن عنده الحديث بإضافة الصلاة والزكاة إلى الشهادتين كما في هذا الحديث.
فناظر عمر أبا بكر في ذلك، وجاءت المناظرة بينهما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم قال: (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر العرب، قال عمر بن الخطاب لـأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحق وحسابهم على الله.
فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) .
قال الحافظ في الفتح (1/76): وقد استبعد قوم صحته، بأن الحديث لو كان عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة، ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله).
وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس، إذ قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ لأنها قرينتها في كتاب الله.
والجواب: أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عن ابن عمر أن يكون استحضره في تلك الحالة، ولو كان مستحضراً له فقد يحتمل ألا يكون قد حضر المناظرة المذكورة، ولا يمتنع أن يكون ذكره لهما بعد.
ولم يستدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل أخذه أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه: (إلا بحق الإسلام)، قال أبو بكر : والزكاة حق الإسلام.
ولم ينفرد ابن عمر رضي الله عنهما بالحديث المذكور، بل رواه أبو هريرة أيضاً بزيادة الصلاة والزكاة فيه، كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة.
وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، ويطلع عليها آحادهم؛ ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال: كيف خفي ذا على فلان؟ والله الموفق.
3- يستثنى من عموم مقاتلة الناس حتى الإتيان بما ذكر في الحديث أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية لدلالة القرآن، وغيرهم إذا دفعها لدلالة السنة على ذلك، كما في حديث بريدة بن الحصيب الطويل في صحيح مسلم وأوله: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً) ، الحديث .
وهذا حديث طويل يتعلق بالجهاد والوصية التي يكون عليها المجاهدون في سبيل الله.
وقد أخرجه مسلم في صحيحه وشرحه ابن القيم في كتابه (أحكام أهل الذمة).
وأنا قد أشرت إلى أنه تؤخذ منه الجزية؛ لأن الحديث هذا نفسه فيه أخذ الجزية، فأنا ذكرت أوله وهو حديث طويل، قال: (ادعهم إلى ثلاث خصال فإنهم أجابوك)، وذكر منها الجزية.
4- يكفي للدخول في الإسلام الشهادتان، وهما أول واجب على المكلف، ولا التفات لأقوال المتكلمين في الاعتماد على أمور أخرى، كالنظر أو القصد إلى النظر.
قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف، أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقاداً جازماً لا تردد فيه كفاه ذلك، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله بها.
5- المقاتلة على منع الزكاة تكون لمن امتنع عنها وقاتل عليها، أما إذا لم يقاتل فإنها تؤخذ منه قهراً.
6- قوله: (وحسابهم على الله) ، أي: من أظهر الإسلام وأتى بالشهادتين فإنه يعصم ماله ودمه، فإن كان صادقاً ظاهراً وباطناً نفعه ذلك عند الله، وإن كان الباطن بخلاف الظاهر وكان أظهر ذلك نفاقاً فهو من أهل الدرك الأسفل من النار.
7- ما يستفاد من الحديث:-
- الأمر بالمقاتلة إلى حصول الشهادتين والصلاة والزكاة.
- إطلاق الفعل على القول، لقوله: (فإذا فعلوا ذلك) ، ومما ذكر قبله الشهادتان، وهما قول.
- إثبات حساب الأعمال يوم القيامة.
- أن من امتنع من دفع الزكاة قوتل على منعه حتى يؤديها.
- أن من أظهر الإسلام قبل منه ووكل أمر باطنه إلى الله.
- التلازم بين الشهادتين وأنه لابد منهما معاً.
- بيان عظم شأن الصلاة والزكاة، والصلاة حق البدن، والزكاة حق المال.
الجواب: كما هو معلوم، الذين قوتلوا منهم من ارتد عن الإسلام، ومنهم من ادعى النبوة، ومنهم من تبع مانع الزكاة ومنهم من تبع مدعي النبوة.
ومعلوم أن هذه ردة عن الإسلام، لكن من شهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، ولكن عرضت له شبهة في الزكاة، هل هي من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنها تكون لمن بعده؟ فهذا تأويل؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا ليس كفراً، وإنما هو امتناع من الواجب لشبهة عرضت في ذلك.
وبعض أهل العلم ألحق هذا بحروب الردة؛ لأنه حصل منهم الامتناع والخروج على الولاة، وإن كان يعتبر من قبيل البغي والامتناع عن أداء الواجب.
ولهذا لو قدر عليهم لأخذت منهم، كالشخص الذي يمتنع ويقدر عليه فإنها تؤخذ منه، ولا يقال إنه كافر، إلا إذا جحد وقال إنها غير واجبة، وهؤلاء فيهم شبهة، لأن الجحود وجد منهم ولكن بفهم خاطئ؛ لأنهم ظنوا أن الحكم إنما هو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، قالوا: هذه أمور لا تكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، ففهموا هذا الفهم الخاطئ، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنهم معذورون في هذا التأويل.
الجواب: الآمر هو الله، وجبريل مبلغ عن الله، فهو لا يأتي بشيء من عنده وإنما يأتي بالوحي من الله؛ لأنه رسول ملكي فهو واسطة بين الله عز وجل والرسول البشري؛ لأنه يأخذ الوحي من الله ويأتي به إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولهذا جاء في القرآن الكريم إضافة القرآن إلى جبريل لأنه مبلغ له، كما قال في سورة التكوير: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير:19].
وكذلك قال الله عز وجل في حق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في سورة الحاقة: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40]، يعني: باعتبار أنه مبلغ لا باعتبار أنه منشئ وأن بدايته منه.
وفيه أيضاً: عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على ألا يصلي إلا صلاتين فقبل منه) ، يقول: كيف يكون هذا؟
الجواب: معلوم أن الإنسان الكافر الذي يريد أن يسلم، ولكنه يريد أن يسلم من بعض التكاليف، إذا مكن من الدخول في الإسلام، فإن الأمر يتحول ويتغير ويتبدل إلى كونه يستسلم لأوامر الإسلام، ولما جاء في الإسلام.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بناءً على ما جاء في هذه الأحاديث يحرص على الدخول في الإسلام، والإنسان إذا دخل فيه وصار من أهله سهل عليه بعد ذلك أن يأتي بالأمور الواجبة.
فكان المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل منهم ولكن الشرط الفاسد يترك، وذلك أنهم إذا دخلوا سيتغير حالهم، ويكون الإسلام هو غايتهم ومقصودهم ويأتون بالأمور التي يؤتى بها في الإسلام، كما جاء عن أنس: (كان الواحد يسلم يريد الدنيا ثم لا يمسي إلا والإسلام عنده خير من الدنيا وما فيها)، يعني: فكانت لهم مقاصد، ولكن إذا دخلوا في الإسلام تغيرت أحوالهم.
الجواب: معلوم أن قوله: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] ، ليس المقصود به أنه لا يوجد جهاد، وإنما الآية لها سبب مر بنا في سنن أبي داود عن ابن عباس قال: كانت المرأة يكون لها ولد فتنظر، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256] وبهذا يتضح المعنى وأن ذلك لا يتنافى مع الأمر بالجهاد.
ثم أيضاً: يمكن أن يكون من معانيها أن الإنسان الكافر إذا قدر عليه لا يقال له: إما أن تسلم وإما أن أقتلك، لكن إذا دخلوا تحت الدين وأعطوا الجزية فإنهم يتركون؛ وذلك لأنهم إذا كانوا تحت حكم الإسلام كانت هناك وسيلة إلى قبولهم في الإسلام ودخولهم فيه.
فالكافر إذا كان مقدوراً عليه وكان بين يدي المسلم، لا يقال له: إما أن تسلم وإما أن أقتلك، وإنما يبقى تحت حكم الإسلام ويكون له عهد.
لكن الممتنعين الذين يريدون أن يقاتلوا المسلمين يقاتلون، وليس معنى قوله: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] أنه لا يقاتل الكفار، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا الكفار في ديارهم، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غزوا الكفار في ديارهم، وذهبوا إلى بلاد الفرس والروم، وذهبوا إلى جهات مختلفة ليقاتلوا في سبيل الله.
الجواب: يبين له وتقام عليه الحجة، فلابد من إقامة الحجة.
لاسيما إذا كان الإنسان حديث عهد بالإسلام فإنه قد يحصل منه شيء من ذلك؛ ولهذا جاء في الحديث أنهم من قبل كانوا يحلفون باللات، مثل: (من حلف فقال في حلفه واللات فليقل: لا إله إلا الله) لأن الناس إذا اعتادوا شيئاً فإنه يجري على ألسنتهم، فطلب ممن وقع منه ذلك أن يأتي بشيء ينسخ ذلك ويعود لسانه على كلمة التوحيد بدلاً من الكلمة التي كان يعتادها، وهي كلمة الشرك.
ولهذا جاء في الحديث: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)، وكانوا حدثاء عهد بالكفر.
الجواب: معلوم أن دعوتهم كانت موجودة قبل أن يأتي إليهم، ومعنى كونهم غارين أنهم كانوا في غفلة، فالدعوة إلى الإسلام كانت موجودة من قبل ولكنهم أبوا الدخول فيها.
الجواب: أنا قلت: إن الكفار غير أهل الكتاب قد جاء في السنة قبول الجزية منهم، ففي حديث عبد الرحمن بن عوف : (أنه أخذ الجزية من مجوس هجر).
وفي حديث بريدة بن الحصيب أنه كان إذا جهز جيشاً أو سرية أوصاهم بتقوى الله وبالمسلمين خيراً، وقال: (اغزوا في سبيل الله وقاتلوا من كفر، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا وليدة، فإن هم طلبوا منك أن تنزلهم على حكم الله..)، ثم قال: (إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، وذكر منها: الجزية).
الجواب: القتال لا يكون للكفر فقط، وإنما يكون للكفر ولغير الكفر.
والزكاة إذا جحد وجوبها كان ذلك كفراً وردة، وأما إذا لم يجحد الوجوب ولكن لم يؤدها من أجل البخل والطمع في المال، فإن هذا لا يقال له كفر؛ ولهذا جاء في السنة عدم كفر الذي لا يخرج الزكاة إذا لم يكن جاحداً لوجوبها، فإنه قال: (ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى بها ظهره وجبينه وجنبه حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
فهذا يدل على أنه يوجد سبيل إلى الجنة، والذي له سبيل إلى الجنة هو المسلم؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة أبداً، فهذا يدل على أنه إذا منعها بخلاً فإنه يعذب بها يوم القيامة حتى يقضى بين العباد، وينتهي إما إلى الجنة وإما إلى النار.
والقتال لا يكون للكفر فقط، بل قد يكون للبغي كما قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] ، ثم قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فهؤلاء متقاتلون ومع ذلك جعلهم إخوة.
الجواب: النصارى يعبدون الأوثان! وهم الذين قالوا: اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، فالشرك موجود حتى عند النصارى، وهم كفار ومشركون، ولهذا قال الله تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] ، وقال: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30] .
لكن من أحكام أهل الذمة إذا دخلوا تحت الحكم الإسلامي أنهم يسرون بأفعالهم ولا يظهرونها، فكنائسهم الموجودة يذهبون إليها ويدخلون فيها ويعملون شعائرهم داخلها، ولكن لا يظهرون الناقوس والصليب، فهؤلاء كفار ويعبدون غير الله عز وجل ويدخلون في كنائسهم.
الجواب: أما ترك الصلاة فإذا كان كسلاً، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال بكفره، ومنهم من قال بعدم كفره، والذين قالوا بكفره يستدلون بأدلة تدل على ذلك، منها: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وحديث: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الأمراء: (لا، ما صلوا)، ومعنى ذلك: أنهم إذا لم يصلوا فإنه يجوز أن يخرج عليهم؛ لأن ذلك كفر.
وأما منع الزكاة فإن كان جحوداً فهو كفر وردة، وإذا كان منعها بخلاً فإن كان المانع مقدوراً عليه وأمكن أخذها منه بالقوة أخذت منه بالقوة، وإن قاتل دونها فإنه يقاتل كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع مانعي الزكاة.
الجواب: يستمرون في دعوتهم؛ لأنهم سيكونون تحت حكمهم وولايتهم، فالمسلمون هم المتولون عليهم، وهم سيشاهدون المسلمين وأحكام الإسلام ولا يتركونهم بدون دعوة.
الجواب: هذا الخلاف في الزنديق، هل تقبل توبته أو لا تقبل، وأما كونه كافراً فهو كافر بلا شك، فليس له إلا التوبة أو السيف.
الجواب: نعم يقاتلون.
وهل هذه قاعدة عامة تشمل الحاكم الفاسق؟ وهل إذا أزلنا المرأة بالشرط المذكور ألا يكون ذلك من باب الخروج على الحاكم المسلم؟
الجواب: المرأة ليست من أهل الولاية أصلاً، بل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).
لكن إذا تسلط الكافر ولم يمكن التخلص منه إلا بضرر أكبر، فإنه يسمع له ويطاع بما هو معروف، يعني: في الأمور التي تتعلق بالتنظيم، مثل تنظيمات المرور والأمور التنظيمية، وإذا أمر بمخالفة الشريعة لا يوافق.
وكذلك المرأة إذا تسلطت وقهرت وغلبت، فهي ليست أهلاً للولاية، وقد أجمع المسلمون على أنها لا تكون أهلاً للولاية؛ وذلك لأمور كثيرة لا تناسب المرأة:
أولاً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) .
الأمر الثاني: كون الإمام هو الذي يصلي بالناس، والمرأة لا تصلي مع الرجال، بل تكون في آخر الصفوف، كما قال عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها).
ثم أيضاً: الحاكم يحتاج إلى أن يخلو بمن يريد من الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).
أيضاً: المرأة تحتاج إلى محرم إذا أرادت أن تسافر.
فهذه الأمور ليست من أهليتها، ولكن كما أنه إذا لم يقدر على التخلص من الكافر يبقون تحت أمره إذا لم يندفع ضرره إلا بمنكر أكبر، فكذلك يبقون معها، أما إذا كان أمكن التخلص من الكافر بدون ضرر أكبر يترتب على الخارجين، وكذلك على المرأة، فإنه يخرج عليها وعليه؛ لأنها ليست من أهل الولاية.
معناه أن الرأي الذي كان يراه عمر رضي الله عنه قد تغير، ورأى أن هذا الذي رآه أبو بكر وعزم عليه هو الحق، فتغير رأيه إلى أن صار موافقاً لرأي أبي بكر .
الجواب: المراد أن الإنسان يفكر في الأدلة، ويفكر في ملكوت السماوات وغير ذلك من الأشياء التي يقولونها، فهذا قبل أن يشهد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [15] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net