اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [21] للشيخ : عبد المحسن العباد
وفي رواية لغير الترمذي : (احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).
هذا حديث عظيم من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أوصى به ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهي وصية عظيمة جامعة نافعة، وهو من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفصل الصلاة وأتم التسليم.
ومعلوم أن رواية الصحابة للأحاديث إما أن يكونوا سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنهم سمعوا ذلك من غيرهم من الصحابة ولم يسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الصحابي إذا أضاف حديثاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -سواء كان سمعه هو أو سمعه غيره- فإن ذلك مرفوع وثابت ومتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم.
وقد أخبر ابن عباس أنه كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون خلفه ماشياً، أو أن يكون خلفه راكباً رديفاً له صلى الله عليه وسلم، وقد خاطبه النبي عليه الصلاة والسلام بوصفه كغلام فقال: (يا غلام!) وقال: (ألا أعلمك كلمات!)، وهذا فيه التنبيه إلى أهمية ما سيلقى وما سيذكر بعد هذا الخطاب، وفي هذا حفز للهمة ولفت للانتباه حتى يعي السامع ما يلقى عليه.
قال عليه الصلاة والسلام: (احفظ الله يحفظك)، هذه أول تلك الكلمات الجامعة المفيدة العظيمة، والمقصود بحفظ الله عز وجل: حفظ حدوده وشرائعه وأمره ونهيه، بحيث يكون الإنسان ممتثلاً للأوامر، مجتنباً للنواهي مصدقاً للأخبار، عابداً لله عز وجل وفقاً لما شرع في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المقصود بكون الإنسان يحفظ الله، أي: احفظ حدود الله وشرائعه وأوامره ونواهيه، بأن تكون ممتثلاً لكل مأمور، منتهياً عن كل محذور، وأن تكون مصدقاً للأخبار، وأن تكون متعبداً لله عز وجل بالشرع لا بالأهواء والبدع ومحدثات الأمور؛ بل تكون عبادة الإنسان خالصة لله ومطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: (يحفظك)، وهذا هو الجزاء، والجزاء من جنس العمل، فإذا كان العمل حفظاً فإن الجزاء حفظ، فإن كان الإنسان يحفظ حدود الله ويمتثل ويستسلم وينقاد فإن الجزاء هو أن الله يحفظه في أمور دينه ودنياه، وكثيراً ما يأتي في النصوص بيان أن الجزاء من جنس العمل، كما جاء في هذا الحديث: (احفظ الله يحفظك) وحديث: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، فكل هذا الجزاء من جنس العمل، وحديث ابن عباس الذي معنا فيه أن العمل حفظ والجزاء حفظ، فالعمل كون العبد يحفظ حدود الله، والجزاء أن الله تعالى يحفظه في أمور دينه ودنياه.
ثم قال: (احفظ الله تجده تجاهك)، كرر الأمر بحفظ الله عز وجل الذي هو حفظ شريعته، فإذا فعل الإنسان ذلك فإنه يجده تجاهه يسدده ويحوطه ويرعاه ويكلؤه ويحفظه، وكذلك أيضاً يجد ثواب ذلك في العاجل والآجل، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].
فيجد الله عز وجل حافظاً له وراعياً وساتراً وكالئاً ومؤيداً، وقوله: (تجاهك) أي: أمامك، وقد جاء في الرواية الأخرى التي في غير الترمذي: (احفظ الله تجده أمامك).
والسؤال هو الدعاء، والدعاء هو العبادة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الدعاء هو العبادة).
(إذا سألت فاسأل الله)، أي: خص الله عز وجل بسؤالك والالتجاء إليه والاعتماد عليه، والإلحاح عليه في الدعاء بأن ييسر لك ما تريد من خير الدنيا والآخرة.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله)، وهذا أمر بالأخذ بالأسباب، وأن الإنسان يأخذ بالأسباب المشروعة، ولكن لا يعتمد عليها، ولا يقول: إن السبب إذا وُجد وجد المسبّب، فقد يوجد السبب بدون المسبب، فمثلاً: إذا أراد الإنسان الحصول على الولد فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالزواج أو ملك اليمين، إذ لا بد للحصول على الولد من هذا السبيل، فالإنسان يفعل السبب، ولكن إذا وجد هذا السبب بقي شيء وراء ذلك، وهو كون الله عز وجل يجعل هذا السبب نافعاً ومفيداً، فإنه قد يوجد السبب ويتخلف المسبب، فالأمر يرجع إلى مشيئة الله عز وجل وإرادته وقدرته وتوفيقه وتسديده، فإنه إذا شاء أن يحصل الولد حصل بعد الأخذ بهذه الأسباب، ولكن لا يحصل ولد بدون هذه الأسباب، فلا يحصل ولد بدون زواج أو ملك يمين وتسر، وإنما يحصل بهذا الطريق فقط.
فالإنسان عليه أن يفعل السبب، ولكن مع فعل السبب لا يعتمد عليه ويقول إن السبب قد وجد فلا بد أن يوجد المسبب، فإنه يمكن أن يوجد السبب ولا يوجد المسبب، ولكن كون الإنسان يضيف إلى فعل السبب التعويل على الله وسؤال الله عز وجل أن ينفع بالأسباب، فهو الذي إذا شاء نفعت الأسباب، وإذا شاء وجدت الأسباب ولكن تخلف نفعها وتخلفت ثمرتها؛ لأن الأمر يرجع إلى مشيئته وإرادته سبحانه وتعالى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فالحاصل: أن الإنسان عليه أن يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها؛ لأن الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد؛ لكون الإنسان يعول على غير الله عز وجل وكأن الأمور مادية وليس هناك شيء وراء المادة، بل لا بد من فعل السبب، ولا بد من التعويل على الله عز وجل وسؤاله أن ينفع بالسبب، فلا يعول الإنسان على الأسباب ويغفل عن الله، ولا يهمل الإنسان الأسباب ويقول: إذا كان الله قدر الولد فسوف يأتيني ولو لم أتزوج، فإن هذا كلام غير صحيح، بل هذا سفه ونقص في العقل؛ لكون الإنسان يهمل الأسباب ولا يأخذ بها، والله تعالى أمر بالأخذ بالأسباب، وذكر أنه لا بد مع الأخذ بها من سؤال الله عز وجل والاستعانة به سبحانه وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، فلا يهمل العبد الأسباب ويقول: إذا قدر الله لي شيئاً فسوف يأتي لي بدون سبب؛ بل يسعى الإنسان لتحصيل الرزق، ويسعى لتحصيل الولد، ويسعى لتحصيل كل ما يعود عليه بالنفع في أمور دينه ودنياه، ومع سعيه وبذله للأسباب المشروعة لا يعتقد أن الأسباب هي كل شيء، وأنه إذا وجد السبب وجد المسبب.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً)، وهذا داخل في الأسباب، ولهذا تظهر في الصباح خامصة البطون ليس في بطونها شيء، ثم ترجع في الرواح وقد امتلأت بطونها فقال عليه الصلاة والسلام: (تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، فكذلك الإنسان يتوكل على الله عز وجل ويفعل السبب، ولا يكون توكله بدون فعل الأسباب، بحيث يقول: إذا الله قدر لي شيئاً فسيأتيني، ويجلس في بيته ويقول: إن رزقي سوف يأتيني وأنا في بيتي، فلا بد من الأخذ بالأسباب المشروعة، فإن ذلك يكون من السفه، ولا يكون هذا توكلاً بل هو تواكل، ولهذا يقول بعض أهل العلم: إن الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل.
أي: أن ما قدره الله لك لا بد أن يحصل لك، وما قدره الله عليك من الضرر فلا بد أن يقع عليك، ولا يحصل في ملك الله إلا ما شاءه الله عز وجل، فالعباد لا ينفعون إلا إذا شاء الله عز وجل نفعهم، ولا يضرون أحداً إلا إذا شاء الله ضررهم لذلك الذي أرادوا ضرره، فالأمر كله يرجع إلى مشيئة الله وإرادته وإلى قضائه وقدره سبحانه وتعالى.
فما قدره الله لا بد أن يوجد، وأما كونه عز وجل أمر بالإحسان وشرع الإحسان فإنه يحصل ما شاء الله تعالى أن يحصل منه، ويتخلف حصول ما شاء الله ألا يحصل منه؛ لأن الإرادة الدينية تقع ممن شاء الله تعالى أن تقع منه، ولا تقع ممن شاء الله ألا تقع منه، لكن الكتابة الكونية لا بد من وقوعها، فكل شيء مقدر لا بد من وجوده، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويقول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51].
وهذا فيه الإيمان بالقدر، وأن كل شيء مقدر سبق به القضاء والقدر، وأنه لابد من وقوع المقدر، فحيث شاء الله عز وجل أن يحصل للإنسان شيء لا بد أن يوجد، وحيث شاء ألا يحصل فإنه لا سبيل إلى وجوده.
(رفعت الأقلام)، أي: انتهت الكتابة وفرغ منها في اللوح المحفوظ، وسطر في اللوح المحفوظ ما سطر، وكل ما سجل في اللوح المحفوظ لا بد وأن يقع.
(وجفت الصحف)، أي: أن الكتابة التي حصلت في اللوح المحفوظ قد جف مدادها، بمعنى: أنه فرغ من ذلك وانتهي منه، وأن الله عز وجل قد قدر كل ما هو كائن، ولابد وأن يوجد ذلك المقدر وفقاً لما أراده الله عز وجل وما شاءه سبحانه وتعالى، فاللوح المحفوظ قد كتب فيه ما كتب، ولا بد من وقوع ذلك المكتوب، ولا بد من وقوع ذلك المقدر على وفق ما أراد الله عز وجل أن يوجد عليه ذلك المقدر.
أي: أنك في حال سعتك ورخائك عليك أن تشتغل بطاعة الله عز وجل وبعبادته، حتى إذا أصابتك الشدة تجد من الله عز وجل الفرج وكشف الكرب والشدة، وذلك أن الإنسان إذا عمل في حال رخائه وفي سعته الأعمال الصالحة، فإنه في حال شدته وكربه يكشف الله عز وجل ما به من كرب ويكشف ما به من شدة، وكما قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وقال يونس عليه السلام: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].
وقصة أصحاب الغار الثلاثة التي ثبتت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من أمثلة ذلك، وذلك أن ثلاثة ممن كانوا قبلنا كانوا يسيرون في فلاة، فآواهم المبيت إلى غار، فأرادوا أن يستريحوا فيه وأن يبيتوا فيه، فباتوا فيه، فنزلت صخرة وسدت باب الغار، فلم يستطيعوا الخروج، فصاروا كأنهم في قبر وهم أحياء لم يموتوا، وليس أمامهم إلا الموت؛ لأنهم داخل الغار وقد سدت الباب صخرة عظيمة، ففكروا واهتدوا إلى أن كل واحد منهم يتوسل إلى الله عز وجل بعمل صالح عمله في حال الرخاء، ويسأل الله عز وجل به ويتوسل إليه عز وجل به ليفرج عنهم ما هم فيه، وهذا هو ما يوضح معنى قوله: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فتوسل أحدهم إلى الله عز وجل ببره لوالديه، وأنه كان يأتي بالغبوق والحليب الذي كان يحلبه في الليل فيسقي أبويه قبل أن يناما، وفي ليلة من الليالي ندت الإبل وبعدت عن المكان الذي كانت ترعى فيه في غالب أحيانها مما اضطره إلى أن يتأخر، فجاء إليهما وقد ناما، فكره أن يوقظهما، وكره أن ينام خشية أن يستيقظا وقد نام فلا يتمكن من إعطائهما ذلك الغبوق، فوقف ينتظر يقظتهما حتى استيقظا وشربا، فقال: (اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج).
ثم توسل الثاني بتركه الفاحشة مع قدرته عليها، وذلك أنه كان له ابنة عم، وكان يحبها حباً شديداً، ويراودها عن نفسها وهي تمتنع، فألمت بها سنة من السنين، وحصل لها ضيق وشدة وكرب، فطلبت منه أن يساعدها، فعرض عليها ذلك الذي كان يعرضه عليها من قبل، فاستجابت لشدة الحاجة وشدة الفقر والبؤس الذي حصل لها على أن يعطيها مائة دينار، فأعطاها إياها وأراد أن يفعل بها الفاحشة، ولما جلس بين رجليها قالت: يا فلان! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقام وتركها من أجل الله، وترك الذي أعطاها لها، فإنه لما ذكرته بالله عز وجل خاف من الله، مع أنه قد تمكن ولم يبق بينه وبين فعل الفاحشة شيء، ولكن خوف الله عز وجل وتخويفه بالله عز وجل أثر فيه، فقام وتركها، فقال: (اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج).
فقام الثالث وتوسل إلى الله عز وجل بأنه كان له عمال يعملون عنده، فذهب أحدهم دون أن يأخذ أجرته، فحفظ الأمانة لذلك الشخص ونماها حتى كثرت ونمت، وصار له عدد كبير من الرقيق ومن بهيمة الأنعام، فجاءه بعد مدة فقال: يا فلان! أعطني حقي، فقال: هذا الذي تراه أمامك هو حقك، فظن أنه يهزأ به ويسخر به، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: هو حقك، فأخذه وساقه، فقال: (اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون).
فهذا يبين ويوضح معنى هذه الجملة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فهؤلاء عملوا هذه الأعمال الصالحة في حال رخائهم وسعتهم، والله عز وجل فرج عنهم ما هم فيه من كرب وشدة بأن أزال هذه الصخرة التي سدت باب الغار، وذلك بتوسلهم إليه بأعمالهم الصالحة التي فعلوها في حال رخائهم وفي حال سعتهم، فنفعهم ذلك عند الله عز وجل عندما كانوا في شدة، والله تعالى يقول: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
وهذا هو معنى الكلمتين اللتين تنبني عليهما عقيدة المسلمين في القضاء والقدر، وهما: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فإن قول: ما شاء الله كان يوافقه: (أن ما أصابك لم يكن ليخطئك) وقول: وما لم يشأ لم يكن، يوافقه: (وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، يعني: ما لم يشأه الله فإنه لن يكون.
(واعلم أن النصر مع الصبر)، فلا يكون النصر مع الضعف ومع الخور وعدم التحمل، وإنما يكون بالصبر، وكون الإنسان يصبر فإنه يأتي النصر نتيجة لذلك.
ثم قال: (وأن الفرج مع الكرب) أي: إذا حصلت الشدة وحصل الضيق والتجأ الإنسان إلى الله عز وجل؛ فإن الشدة يعقبها فرج من الله عز وجل.
(وإن مع العسر يسراً)، فإذا حصل العسر والضيق فإنه يعقب ذلك اليسر من الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، وقال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].
فهذا الحديث حديث عظيم، وهو من جوامع كلم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد شرحه ابن رجب رحمه الله في جزء مستقل لطيف، وشرحه كذلك ضمن الخمسين حديثاً في كتابه جامع العلوم والحكم.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: لا أدري عن صحة هذا الكلام، لكن إذا كان المقصود به أنه رآه على هيئة البشر، فإن جبريل قد جاء في صورة رجل مجهول كما في حديث جبريل المشهور: (إذ دخل رجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب، لا يظهر عليه آثار السفر ولا يعرفه منا أحد)، وجاء على صورة دحية بن خليفة الكلبي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان المقصود أنه رآه بهذه الصورة فهذا قد حصل للصحابة، وأما كونه رآه على الهيئة التي هو عليها، وعلى خلقته التي خلقه الله عليها -وهي أن له ستمائة جناح، وأنه يسد الأفق- فلا أدري، والرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى جبريل مرتين على الهيئة التي خلقه الله عليها، مرة في الأرض وقد سد الأفق، ومرة ليلة المعراج عند سدرة المنتهى، وأما ابن عباس فلعل المقصود أنه رآه مرتين عندما كان يأتي على صورة إنسان.
الجواب: نعم، الله يعلم كل شيء، وهو مطلع على كل شيء، ولكن المقصود من ذلك: أنك إذا تعرفت إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يزيل ما حصل عنك من شدة وكرب وضيق، كما حصل للثلاثة، فالله تعالى محيط بكل شيء ولا يخفى على الله عز وجل شيء يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].
ولكن المقصود: أن الله تعالى يجازيك على أعمالك التي عملتها في حال رخائك وحال سعتك، وليس المقصود من ذلك أن الله تعالى يخفى عليه شيء، بل هو عالم بكل شيء، ولكن يحصل لك في حال رخائك كشف الكرب وكشف الضر من الله عز وجل؛ لأنك عملت بالأسباب في حال رخائك وحال سعتك.
الجواب: معنى هذا الحديث أنه يحقق لك ذلك الشيء الذي تريد، ومعلوم أن نصوص الكتاب والسنة جاءت بإضافة العلم إلى الله عز وجل، وأما المعرفة فقد جاءت في هذا الحديث، ولكن معناها: حصول كشف الكرب وحصول دفع الضر عن الإنسان؛ لأنه حصل منه في حال الرخاء شيء جازاه الله عليه في حال الشدة وحال الكرب.
وهذا على سبيل المقابلة، لكن المعنى -والله أعلم- هو ما ذكرت، أي: من ناحية أن الإنسان عمل أعمالاً طيبة في حال الرخاء يرجو ثواب الله، والله عز وجل كشف عنه الكرب والضر في حال شدته، وهذا من باب الإخبار وليس من باب الصفات.
الجواب: هذا يدل على تمكنه من حفظ الشيء الذي ألقي عليه، وأنه يذكر الحالة التي هو عليها، وكما يقولون: مما يقوي حفظ الشيء أن يكون له قصة، فكون الإنسان يذكر القصة فمعنى هذا أنه حافظ للحديث وحافظ مع الحديث القصة التي حصل فيها الحديث؛ لأن هذا مما يفيد الضبط والإتقان.
ومثله ما جاء في قصة معاذ : (كنت رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال: يا معاذ ! فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك...) الحديث، فكونه يخبر بالحالة التي كان عليها وهو يحدث بالحديث معنى ذلك أنه ضابط للحديث، ومثله الحديث الذي سيأتي عن ابن عمر
قال: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب..)، فهو يذكر الحديث ويذكر الهيئة التي حصلت من الرسول صلى الله عليه وسلم عند تحديثه بالحديث.
الشيخ: نعم، الله عز وجل قد يعطي الإنسان شيئاً بدون سبب منه؛ لأن هناك أموراً تحصل للعباد بأسباب وأفعال منهم، وهناك أشياء يجعلها الله عز وجل بدون أن يحصل منهم شيء، وذلك مثل الحديث الذي فيه أنه يبقى في الجنة سعة، فينشئ الله قوماً ويسكنهم الجنة، فهؤلاء لم تحصل منهم أعمال صالحة؛ لأن من الناس من يوفق لأن يعمل أعمالاً صالحة توصله إلى الجنة، ومعلوم أن هذا من فضل الله عز وجل، حتى الأعمال الصالحة بمفردها فإن الله تعالى هو الذي تفضل بالتوفيق لها والتسديد للإنسان بأن يعملها، وقد يحصل الشيء بدون أن يعمله الإنسان، مثل هؤلاء الذين خلقوا وأدخلوا الجنة وهم لم تحصل منهم أعمال، فالمسبب وجد، ولكن ما وجدت أسباب من العباد توصلهم إلى ذلك الشيء، وكذلك أيضاً مثل المطر الذي ينزل من السماء ليستفيد منه الناس، والناس كونهم يكدحون ويعملون من أجل أن يحصلوا ما يريدون، هذا حصل بسبب من فعلهم، وأما المطر فقد حصل من الله عز وجل بدون أن يحصل منهم فعل يؤدي إلى ذلك.
ولهذا تتفاوت مقادير الزكاة فيما كان يسقى من ماء الأمطار وما كان يسقى من الاستنباط من جوف الأرض بواسطة النواضح أو المضخات، فإن ما يحصل بالمشقة يجب فيه نصف العشر، وما يحصل بدون مشقة يجب فيه العشر.
الجواب: معلوم أن كون الإنسان يسأل أو لا يسأل ما دام أنه لا يأخذ بالأسباب ويقول: أنا أجلس في بيتي وأسأل الله عز وجل أنه يرزقني، وإذا كتب الله لي شيئاً فسيأتيني، فإن النتيجة واحدة؛ لأنه ما أخذ بالأسباب، والدعاء هو سبب من الأسباب، لكن مع الأخذ بالأسباب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، فالإنسان يسأل الله من خير الدنيا والآخرة، لكن كونه يقول: أنا لا أتزوج لكن أقول: اللهم ارزقني ولداً، معلوم أن هذا اعتداء في الدعاء؛ لأنه لن يوجد ولد إلا بالزواج، فالذي يتزوج يسأل الله أن يعطيه ولداً، أما كونه لا يتزوج ولا يتسرى ويقول: اللهم ارزقني ولداً! فهذا معلوم أنه ابتعاد عن الشيء الذي شرعه الله عز وجل وقدر أن يكون المسبب نتيجة له، كما قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، أي: اجمع بين هذا وهذا.
الجواب: كون الإنسان يعتقد أنه ليس شيء وراء الأسباب، وأن الأسباب هي كل شيء ويغفل عن الله عز وجل، ويترك عبادته في الدنيا، ويعول على غير الله عز وجل، ولا يتلفت إلى الله عز وجل، لا شك أن هذا من الشرك الأكبر، وهذا مثل الماديين الذين كل شيء عندهم المادة، وكل شيء عندهم الطبيعة، وليس هناك شيء وراء ذلك.
الجواب: نعم، وذلك مثل الإرادة، فقد جاء أنه كتب التوراة بيده، وجاءت الكتابة بمعنى التقدير، وكذلك الكتابة بمعنى كتابة التوراة التي كتبها الله عز وجل.
الجواب: نائب الفاعل هو الأقلام، والفاعل الحقيقي المحذوف هو الله عز وجل، والتقدير: رفع الله الأقلام، فإن الله عز وجل هو الذي رفعها.
الجواب: المقصود بالأقلام القلم الذي جرى به كتابة المقادير، والصحف: اللوح المحفوظ.
الجواب: الله تعالى خلق القلم وأمره بالكتابة، فجرى بكل ما هو كائن.
الجواب: الأقلام لا تكتب، واللوح المحفوظ قد فرغ منه، والكتابة التي سمعها هي ما يحصل من الكتابة التي هي غير القدر، فإن القدر قد فرغ منه وانتهى، والمقصود برفع الأقلام أي: فرغ من الشيء المقدر، وذلك قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما في الحديث: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، فهذه غير هذه، فالتي سمعها ليست هي أقلام القدر؛ بل القدر حصل قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
الجواب: المعنى: أنه قد كتب ذلك في اللوح المحفوظ؛ لأن كل ما هو موجود من الإنسان وكل ما هو حاصل للإنسان فإنه قد سبقت به الكتابة.
الجواب: جاء في الحديث: (جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة) ومعلوم أن يوم القيامة والدار الآخرة لا نهاية لها، فلا نهاية لما في الجنة ولا نهاية لما في النار، ومن المعلوم أن اللوح المحفوظ سينتهي، وما في الجنة لا نهاية له وما في النار لا نهاية له، والحديث ورد فيه بما هو كائن إلى يوم القيامة.
الجواب: نعم، هذا مما يوصل إلى هذه المنزلة.
الجواب: أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بايعوا على هذا الشيء، وكان الواحد منهم يسقط سوطه فينزل ويأخذه، ولا يقول لغيره: ناولني إياه، كل ذلك تنفيذ لهذا الذي بايعوا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: المقصود -والله أعلم- أن كون الإنسان يعول على الله عز وجل ويحرص على الاستغناء عن الناس، كما جاء في الحديث الذي سيأتي في الأربعين: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
الجواب: هذه من الخرافات المحدثة، وأما كون الأرواح تصول وتجول وتذهب وتجيء فهذه أمور غيبية لا يجوز الكلام فيها إلا بدليل، ولا أعلم دليلاً يدل على ذلك.
الجواب: التيمم ضربة واحدة في الأرض يمسح بها وجهه وكفيه.
الجواب: إذا كانت حقوق التوبة بين العبد وبين ربه فإنه يتوب ويتوب الله عليه، أما حقوق الناس فلا بد أن ترد إليهم أو يستسمحوا منها؛ لأن حقوق الناس لا بد فيها من المقاصّة، فإما أن يستبيحهم أو أن يردها عليهم إذا كان يعلم أشخاصهم أو يعلم وراثهم، وأما إذا كان لا يعلم الشخص ولا يعرف أحداً يرثه ولا يعلم عنه خبراً فيتصدق به عنه بحسب المقدار الذي أخذه منه، فإذا كان على الإنسان حقوق للناس فإنه يردها عليهم ويعمل على ردها عليهم، ومن فعل ذلك وتاب فإن ذلك ينفعه.
الجواب: لا يخلد في النار إلا الكفار الذين هم أهل النار، فهم لا يخرجون منها أبد الآباد، وأما من لم يكن كافراً فإنه لا بد أن يخرج من النار ويدخل الجنة، ولو مكث فيها ما شاء الله أن يمكث، والحديث الذي فيه: (من قتل نفسه بالتردي من شاهق فهو كذلك في النار خالداً مخلداً)، معناه: الخلود النسبي، وليس كخلود الكفار.
الجواب: هذا الأمر الذي تفكر فيه من جهة الدراسة هل هو أمر يتعلق بمن وراءك، أم أنه حصل لك عزوف وانصراف وقلق وضجر وأنك بذلك لا تستطيع الدراسة، فإن كان الأمر يتعلق بأناس وراءك، وأنهم بحاجة إليك ولا أحد يقوم مقامك في ذلك، وأردت أن تترك الدراسة، فهذا له وجه، وإن كان الأمر يتعلق بك أنت بأن حصل لك اضطراب وعدم ارتياح فعليك أن ترقي نفسك وتطلب من غيرك أن يرقيك، وأن تذهب إلى طبيب يعالجك، فإذا كان الأمر كذلك فيفعل هذا الفعل.
الجواب: كون الإنسان لا يصلي في المسجد؛ لأنه فيه تحلق قبل الجمعة، هذا لا يقتضي أن الإنسان لا يصلي فيه، والضرر كما هو معلوم على من يفعل ذلك، والإنسان يمكن أن يأتي ويجلس في مكان ويقرأ القرآن أو يذكر الله عز وجل، وأما الذي فعل التحلق والمتحلقون معه هم الذين حصل منهم المخالفة، وكل من يترك الصلاة في ذلك المسجد من أجل أن فيه هذا الأمر هو غير مصيب؛ فإنه يمكن للإنسان أن يصلي ولو وجد فيه هذا الأمر.
الجواب: الباسط مثل كونه يبسط الرزق لمن يشاء، والقابض: يقبضه عمن يشاء، قال تعالى: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [سبأ:36] أي: يضيق.
و الخافض والرافع أي: يرفع من يشاء ويخفض من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).
الشيخ: إذا كان لباس بلدك هو هذا اللباس، وكان لا بد من لبسه فالبسه واجعله واسعاً، ولا تجعله كالهيئة التي يفعلونها بأن يكون ضيقاً.
الجواب: معرفة الصلاح عند الله عز وجل، فهو الذي يعلم بواطن الأمور وحقيقتها، وقد يكون الإنسان في ظاهر أمره صالحاً ويكون في باطنه بخلاف ذلك، والناس لا يعلمون الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، لكن الناس ليس لهم إلا الظاهر، فيرجون لمن ظهر منه الإحسان ويخافون على من ظهر منه الإساءة، وكون الإنسان باطنه كظاهره في الخير والشر، لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
الجوب: إذا كان سقوط الحاجب يغطي على العين فله أن يقص منه شيئاً يسيراً بقدر الحاجة.
الجواب: على الإنسان أن يحسن الرجاء بالله عز وجل، ولا ييأس ولا يقنط، وإنما يسأل الله عز وجل أن يوفقهم لأن يأخذوا بالأسباب التي تجعلهم يحصلون على النصر من الله عز وجل.
الجواب: هذه رشوة.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [21] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net