اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [22] للشيخ : عبد المحسن العباد
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الإخبار عن الرسالات السابقة وأنها تواردت على بيان عظم شأن الحياء وأنه يأتي بخير، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحياء مما توارثته الأمم وجاء في الشرائع، وهو مما لم ينسخ في الشرائع؛ بل كل شريعة تأتي وفيها بيان هذا الخلق العظيم الذي هو الحياء، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى)، أي: النبوات السابقة التي كانت قبل نبوة نبينا محمد وقبل رسالته عليه الصلاة والسلام.
وقوله: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، يحتمل أن يكون المراد به مدحاً وأن يكون المراد به ذماً.
فيراد به المدح إذا لم يكن هذا الفعل الذي تفعله مما لا يستحيا فيه من الله ومن الخلق فإنه يفعل، وهذا هو المحمود.
ويراد به الذم إذا كان الإنسان ليس عنده حياء ولا يستحيي من الله ولا من خلقه، فإنه يقدم على أمور غير سائغة وأمور محرمة؛ لأنه ليس عنده حياء يحجبه وليس عنده هذا الخلق الكريم الذي يمنعه.
وعلى هذا المعنى الثاني يكون قوله: (فاصنع ما شئت)، من قبيل التهديد والوعيد، وأن الإنسان إذا كان كذلك فإنه يصنع ما يشاء وسيلقى جزاءه، وليس المعنى أنه أذن له بأن يفعل الشيء الذي لا يسوغ ولا يجوز، وإنما هذا من باب التهديد نظير قول الله عز وجل: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، فإن هذا ليس تخييراً وليس أمراً له بأن يفعل هذا أو هذا؛ لأنه قال بعد ذلك: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [الكهف:29].
وكل من المعنيين صحيح، فإذا كان المقصود أن الإنسان إذا لم يكن فعله مما لا يستحيا منه بل هو سائغ ومشروع، فإنه يفعله، فإن هذا معناه صحيح، وإذا كان المقصود به أن الإنسان الذي ليس عنده حياء يحجبه ويمنعه من الوقوع فيما لا ينبغي، فإنه يقدم والحالة هذه على فعل أمور لا يسوغ له فعلها، فيكون معرضاً نفسه للعقوبة، فهذا أيضاً معنى صحيح.
هذا هو معنى هذا الحديث الذي هو من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، والذي يدل على فضل خلق الحياء وأنه خلق كريم، وأن المتصف به يمنعه حياؤه من الوقوع في الأمور المحرمة التي لا تسوغ ولا تجوز.
وقوله: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) في معناه قولان: أحدهما: أنه ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان: أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد، والمعنى: إذا لم يكن حياء فاعمل ما شئت، فإن الله يجازيك عليه، كقوله: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40] وقوله: فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ [الزمر:15]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) يعني: ليقطعها إما لبيعها أو لأكلها، وأمثلته متعددة، وهذا اختيار جماعة منهم أبو العباس ثعلب ».
«والطريق الثاني: أنه أمر ومعناه الخبر، والمعنى: أن من لم يستح صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر».
فيكون من قبيل الأمر الذي هو بمعنى الخبر، والأمر يأتي بمعنى الخبر كما أن الخبر يأتي بمعنى الأمر، وهذا من الأمر المراد به الخبر، ومثال الخبر المراد به الأمر قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] يعني: فلا يرفث ولا يفسق ولا يجادل.
قال: "وما يمتنع من مثله من له حياء على حد قوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار)، فإن لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وأن من كذب عليه تبوأ مقعده من النار، وهذا اختيار أبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله وابن قتيبة ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم، وروى أبو داود عن الإمام أحمد ما يدل على مثل هذا القول.
واعلم أن الحياء نوعان:
أحدهما: ما كان خلقاً وجبلة غير مكتسب، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)، فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وقى).
وقال الجراح بن عبدالله الحكمي وكان فارس أهل الشام: (تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع)، وعن بعضهم قال: (رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروءة فاستحالت ديانة).
والثاني: ما كان مكتسباً من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان وقد يتولد الحياء من مطالعة نعمه تعالى ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سلب العبد الحياء المكتسب والغريزي لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، فصار كأنه لا إيمان له.
والقول الثاني في معنى قوله (إذا لم تستح فأصنع ما شئت): أنه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر لفظه، وأن المعنى: إذا كان الذي تريد فعله مما لا يستحى من فعله لا من الله ولا من الناس لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فاصنع منه حينئذ ما شئت، وهذا قول جماعة من الأئمة منهم: أبو إسحاق المروزي الشافعي، وحكي مثله عن الإمام أحمد".
كذلك قال بشير بن كعب العدوي لـعمران بن حصين: إنا نجد في بعض الكتب أن منه سكينة ووقاراً لله، ومنه ضعفاً، فغضب عمران وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه؟».
وقصده الممدوح؛ لأن الذي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به هو الممدوح.
قال: «والأمر كما قاله عمران رضي الله عنه، فإن الحياء الممدوح في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح، فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء، إنما هو ضعف وخور وعجز ومهانة، والله أعلم».
قال رحمه الله: «وحكى أبو عبيد في معنى الحديث قولاً آخر حكاه عن جرير ، قال: معناه أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعه حياء من الناس، كأنه يخاف الرياء».
وهذا من عمل الشيطان؛ لأن الشيطان جلس للإنسان من الجهة التي يرى أنه متجه إليها، فإذا رأى فيه رغبه في المعاصي وعزوفاً عن الطاعات أعانه على ترك الطاعات وفي الانهماك في المعاصي والوقوع فيها، وإذا رأى أنه مقبل على العبادة ومبتعد عن المعاصي جاءه من هذه الجهة، وقال له: يمكن أن يقال إن هذا رياء، يمكن أنك تفعلها من أجل الناس، فيترك الإنسان ذلك، فالشيطان يأتي للإنسان من الجهة التي يرى أنه متجه إليها، فإن رآه مقصراً وراغباً في المعاصي مائلاً إليها أعانه على ترك الخير والوقوع في الأمر المحرم، وسول له وسوَّف، وقال: إن هذا هو الذي ينبغي لك أن تفعله، وإذا رآه بعيداً عن المعاصي مقبلاً على العبادة جاء من أجل إفساد العبادة، وقال: إن هذا فيه رياء، ولا تفعل حتى لا يقال كذا وكذا.
وهذا المعنى لهذا الحديث مستبعد.
يقول: «فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت، كما جاء في الحديث: (إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي، فزدها طولاً)، ثم قال أبو عبيد : وهذا الحديث ليس يجيء سياقه ولا لفظه على هذا التفسير، ولا على هذا يحملها الناس، قلت: لو كان على ما قاله جرير لكان لفظ الحديث: إذا استحييت مما لا يستحيا منه فافعل ما شئت، ولا يخفى بعد هذا من لفظ الحديث ومعناه، والله أعلم».
هذا الحديث أيضاً من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، وفيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة أمور الدين وعلى معرفة الحق والهدى، وسؤالهم النبي عليه الصلاة والسلام عن أمور جامعة يعول عليها الإنسان ويستفيد منها.
وهذا يدل على كمال عقل هذا الرجل السائل للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه قال: (قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك)، ومعناه: قل لي قولاً واضحاً جلياً آخذ به وأعمل به، فهو يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على الخير وعلى التفقه في الدين، وعلى معرفة الحق والهدى، ولا شك أنهم رضي الله عنهم وأرضاهم أسبق الناس إلى كل خير، وأحرصهم عليه، وقد اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه وأوجدهم في زمانه فشرفهم بصحبته وبالجهاد معه وبالدفاع والذب عنه، وبأخذ الشريعة منه ونقلها وتبليغها إلى الناس على التمام والكمال، فكانوا بذلك الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة؛ لأنهم الواسطة بين الناس وبين الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأمره بأن يقول: (آمنت بالله)، والإيمان هنا جاء مطلقاً وعاماً، فيدخل فيه الأمور الباطنة والأمور الظاهرة، ومعنى ذلك: أن الإنسان يؤمن بالله عز وجل وبما جاء في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويصدق بذلك ويؤمن به، ثم بعد ذلك يستقيم على ملازمة الحق والهدى الذي هو الإيمان بالله عز وجل الذي يكون جامعاً بين الأمور الباطنة والأمور الظاهرة.
وهو قد سأله عن الإسلام فقال: (قل لي في الإسلام)، فقال: (قل: آمنت بالله)، فدلنا هذا على أن قوله: (آمنت بالله)، يدخل فيه الأمور الظاهرة والأمور الباطنة؛ لأنا قد عرفنا فيما مضى أن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، بحيث يكون الإيمان للأمور الباطنة ويكون الإسلام للأمور الظاهرة، وإذا جاء أحدهما مستقلاً عن الآخر شمل المعنيين جميعاً: الأمور الظاهرة والباطنة، فهنا قوله: (آمنت بالله)، يدخل فيه الأمور الظاهرة والباطنة.
هذا الحديث أيضاً فيه ما في الذي قبله من حرص الصحابة على معرفة الحق والهدى وملازمته، وحرصهم على معرفة ما يوصل إلى الجنة وما يبلغ أهل الجنة إلى الجنة.
وهو يدل على أن الجنة مقصودة، وأن الإنسان يعمل الأعمال الصالحة ليحصل على رضا الله عز وجل وليسكنه جنته، وليس كما يقول بعض الصوفية: إنهم لا يعبدون الله رغبة في الجنة ولا خوفاً من النار، وإنما يعبدونه شوقاً إليه! فإن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يحرصون على السؤال عن الأعمال التي تبلغهم الجنة، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ لأنه سأل: هل فعله لهذه الأفعال وهذه الأمور يؤدي به إلى الجنة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم). أي: أن هذا يبلغه الجنة، والله تعالى قد أخبر عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].
والحديث يدل أيضاً على أن الأعمال سبب في دخول الجنة، وأن الإنسان يعبد الله عز وجل لتحصيل رضاه وللبعد عن سخطه ولأن يدخله الجنة، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال للجنة (أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها).
وجاء في صحيح مسلم في بعض الروايات عن جابر بيان السائل، وأنه النعمان بن قوقل رضي الله عنه، وقد أورد المصنف رحمه الله هذا الحديث من تلك الروايات التي في صحيح مسلم ، ففي هذه الرواية أبهم السائل، وفي الرواية الأخرى بين السائل وأنه النعمان بن قوقل رضي الله عنه.
وقوله: (أرأيت)، أي: أخبرني، (إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام. أأدخل الجنة؟ قال: نعم).
وهذا يدلنا على عظم شأن الصلوات الخمس، وأنها أهم الأعمال وأعظم الأعمال بعد الشهادتين.
ومعنى قوله (وأحللت الحلال) أي: اعتقدت حله، وفعلت ما أمكنني منه.
(وحرمت الحرام) أي: تركته معتقداً حرمته.
ثم إنه لم يذكر في الحديث غير الصلاة والصيام، فلم يذكر الزكاة ولم يذكر الحج، ويحتمل أن يكون الحج والزكاة داخلين تحت قوله: (وحرمت الحرام)؛ لأن كون الإنسان لا يؤدي الحج ولا يؤدي الزكاة وهو من أهل القدرة على ذلك؛ فإنه يكون قد فعل حراماً؛ لأن الحرام هو ترك المأمور وفعل المحظور، فيكون عدم ذكر الزكاة والحج لدخولهما تحت هذه الجملة العامة.
ويحتمل أن يقال: يمكن أن يكون الحج لم يفرض بعد، وإن السائل سأل قبل فرض الحج، وكذلك أيضاً بالنسبة للزكاة يمكن أن يكون فقيراً ليس عنده مال، ولهذا لم يسأل عن الزكاة؛ لأنه ليس عنده مال يُزكَّى، وإنما سأل عن الشيء الذي يمكنه أن يأتي به، والذي هو قادر على الإتيان به وهو من أهله، وهو كونه يصلي الصلوات المكتوبات ويصوم شهر رمضان.
وبعد أن أتم سؤاله قال عليه الصلاة والسلام: (نعم)، والجواب بقوله: (نعم) يرجع إلى ما تقدم، فيكون السؤال كأنه معاد في الجواب، ومعناه: نعم إذا فعلت كذا وكذا دخلت الجنة، فلم يأت ذكر السؤال مرة أخرى، وهو مطلوب؛ وذلك لأن السؤال مبين: إذا فعلت كذا وكذا أأدخل الجنة؟ والجواب: نعم، إذا فعلت كذا وكذا تدخل الجنة، فلم يذكره مرة أخرى اكتفاءً بإيراده في السؤال، واستغناء عن إعادته بذلك، لأنه في معنى المعاد.
ومعنى قوله: (أحللت الحلال) أي: اعتقدت ما أحله الله حلالاً، وفعلت ما أمكنني فعله مما هو حلال مباح، فيكون ذلك بأن يأتي بما هو واجب، وبما هو مستحب، وبما هو مباح على حسب قدرته وطاقته، وأما تحريم الحرام فبأن يجتنبه ويبتعد عنه معتقداً حرمته.
وفي هذا أيضاً: أن الإنسان يكون متبعاً وموافقاً لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في إحلال الحلال وتحريم الحرام، فيأتي ما هو سائغ له مما أحله الله، ويبتعد عما حرم الله عليه مما جاء منعه وتحريمه، فيدخل في ذلك الابتعاد عن كل محرم مع اعتقاد أنه محرم.
وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهو ثاني حديث من أحاديث خمسة متوالية انفرد بإخراجها مسلم ولم يروها البخاري ، وأولها الحديث الذي قبله وهو حديث سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه.
والله تعالى أعلم.
الجواب: لا شك أن المعنى: أن الذي ليس عنده حياء يفعل ما يشاء، كما جاء في حديث أبي مسعود ، فهو يفعل ما يشاء لأنه ليس هناك حياء يمنعه، ولا خوف من الله عز وجل يردعه، بل يقدم على الأمور المحرمة، ولا شك أنه يضعف إيمانه بذلك، وإذا استمرت معه قلة الحياء من الله عز وجل حتى وقع في أمور مكفرة فإنه يكون قد ذهب الإيمان من أصله، وإذا لم يقع في أمور مكفرة بسبب عدم الحياء فإنه يكون عنده نقص في الإيمان.
وقد قال ابن عباس : (الحياء والإيمان في قرن، فإذا نزع الحياء تبعه الآخر)، وهذا يدل على أنهما مقترنان متلازمان.
الجواب: استحياء الإنسان يستحي من الناس دون الله من أقبح الأعمال، بل الله تعالى أحق أن يستحيا منه، ولا يكون الإنسان شأنه الخوف من الناس وعدم الخوف من الله، فإن هذا من أقبح الأعمال وأسوئها.
الجواب: ورد في القرآن الكريم وفي السنة ذكر بعضها، فقد جاء في القرآن ذكر أشياء موجودة في التوراة كقوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، وهذا الأمر موجود في هذه الشريعة، وهذا يمكن أن يذكر عند مبحث شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ وهو من مباحث الأصول.
والمسألة فيها تفصيل: فهناك اتفاق على أنه إذا كان الحكم في شرع من قبلنا وجاء في شرعنا فهو شرع لنا.
ولكن إذا جاء في شرع من قبلنا وذكر في شرعنا، ولم يبين أنه شرع لنا، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، وجمهورهم على أنه يكون شرعاً لنا؛ لأنه ما ذكر إلا لنعتبر ونعمل به.
وقال بعضهم: إنه ليس شرعاً لنا حتى يأتي في شرعنا نص على أنه شرع لنا.
الجواب: إذا عرف الإنسان بالصلاح فيقال: أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً.
الجواب: لا شك أن العلم قبل القول والعمل، كما بوب البخاري رحمه الله: باب العلم قبل القول والعمل؛ لأن الإنسان يعمل بناءً على علم، وكما قال الله عز وجل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:1-3] يعني: آمنوا عن علم، ولهذا قال بعد ذلك: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] يعني: فهم آمنوا عن علم وعملوا الصالحات، ثم بعد ذلك فعلوا على تعدي النفع إلى غيرهم، فتواصوا بالحق، ثم لما كان التواصي بالحق قد يترتب عليه مضرة أمر بالصبر، فقال: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3].
الجواب: كل أحد عليه أنه يعرف الشيء الذي هو من أهله، فهناك أمور لا بد منها للجميع، مثل الوضوء والصلاة، فجميع الناس عليهم أن يعرفوا ما هو واجب وما هو لازم عليهم، وأما ما يتعلق بالزكاة فلا يلزم كل أحد أن يتعلمه، بل تعلم ذلك فرض كفاية، لكن من يكون من أهل المال عليه أن يعرف الأحكام الشرعية المتعلقة بماله من ناحية الزكاة وكيف يزكي، ومقدار الزكاة، وما إلى ذلك، لا بد أن يكون على علم بذلك؛ لأنه لا يستطيع أن يعمل إلا إذا عرف.
الجواب: نعم، هي مستقيمة؛ لأن المعنى أنه مأخوذ من هذه الآية، أو مطابق لهذه الآية، وكما قال بعض العلماء: إنني إذا رأيت الأمر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأملت ووجدت معناه في القرآن، قال: فلما سمعت قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار) تأملت فوجدت مصداقه في كتاب الله عز وجل، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17]، ومعناه: أن هذا المعنى الذي جاء في السنة مطابق لما جاء في القرآن.
الجواب: تحية المسجد فيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال باستحبابها، لكن الذي يقول بوجوبها يقول: إن هذا وجوب طارئ، أي: بسبب، وليس وجوباً مستقراً ثابتاً دائماً مثل الصلوات الخمس؛ لأن الفرائض لازمة في كل يوم وليلة خمس مرات، وأما هذه فتكون بمناسبة الدخول، وهذا على قول من قال بوجوب تحية المسجد.
الجواب: نعم، هذا المعنى الذي هو: أن الإنسان إذا لم يستح يصنع ما يشاء موجود، لكن الكتب السابقة كانت بلغة أخرى، فهذا بلغتنا، وأما الكتب السابقة فهي بلغتهم، كما الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]، ولكن المعنى موجود هنا وهناك، وأما بهذا اللفظ وبهذه الكلمات فهذه كلمات باللغة العربية، وهو موجود في الكتب السابقة بلغتها، وليس بهذه اللغة.
الجواب: عرفنا أن هناك أشياء أخرى ما جاءت، وعرفنا أنها داخلة تحت إحلال الحلال وتحريم الحرام؛ لأن هذا واسع، فيدخل فيه ما لم يذكر.
الجواب: أصحابهم هم الحنابلة، وذلك كما يقول النووي : أصحابنا، يقصد بهم الشافعية.
الجواب: أي أن إحلال الحلال يدخل فيه هذا كله، وكما جاء في الحديث: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات)، والحلال منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو مباح مستوي الطرفين، فما لم يذكر في الحديث مثل الزكاة والحج فهو داخل في ذلك.
الجواب: جاء من صفات الله عز وجل العلم، وما جاء أن من صفاته المعرفة، لكن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، فلهذا يخبر عن الله عز وجل بما ليس صفة له، كما يقول الإنسان: نوه الله تعالى بكذا، وأشاد بكذا، فهذا إخبار عن الله عز وجل بأنه فعل هذه الأشياء، لكن لا يقال: إن هذه من صفاته.
الجواب: فيما يتعلق بشد الرحل: أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).
وشد الرحل للمسجد هو للصلاة فيه، ولأداء العبادة فيه، وكون الإنسان يشد الرحل من أجل أن يأتي بهذا الأمر الذي لم تأت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أن هذا مخالف للحديث من جهة، ومخالف أيضاً للحديث من جانب شد الرحل لأمر لا يسوغ شده إليه، ومع ذلك أيضاً هو أمر مبتدع محدث ما جاء شيء يدل عليه، ومعلوم أن الشريعة كاملة، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم.
ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم سائغاً لفعله النبي عليه الصلاة والسلام، ولفعله أصحابه الكرام، وفعله التابعون، وأتباع التابعين، وقد مضت قرون ثلاثة ولم يوجد فيها شيء اسمه الاحتفال بالمولد، ثلاثمائة سنة كاملة لا وجود للاحتفالات بها، والكتب المتقدمة التي ألفت في هذه الفترة التي هي قبل الثلاثمائة لا يوجد فيها شيء يتعلق بالموالد والاحتفال بالموالد، مما يدل على أنه بدعة متأخرة في الإحداث، أحدثت في القرن الرابع الهجري، ومن الذي أحدثها؟
أحدثها الرافضة العبيديون الذين حكموا مصر في القرن الرابع الهجري.
وقد ذكر ذلك المقريزي في كتابه: الخطط والآثار في كلامه عن تاريخ مصر، قال: إنهم أحدثوا ستة موالد: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد فاطمة ، ومولد علي ، ومولد الحسن ، ومولد الحسين ، ومولد الحاكم الحاضر من حكامهم في ذلك الوقت.
والمستند للمولد تقليد النصارى، فإن النصارى يحتفلون بميلاد عيسى ونحن لا نحتفل بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، فهي بدعة رافضية المولد والمنشأ، والعمدة تقليد النصارى في احتفالهم بعيسى.
ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة كل مخلوق من البشر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، لكن ما هي المحبة؟
ليست المحبة إحداث شيء ما أذن الله تعالى به، ولا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام ولا عن سلف هذه الأمة، وإنما أحدث في القرن الرابع الهجري! ليست هذه هي المحبة، إنما المحبة بالاتباع، المحبة بالاستسلام والانقياد، كما بين الله عز وجل ذلك بقوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، وهذه الآية الكريمة يسميها بعض العلماء: آية الامتحان والاختبار، وهي أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام عليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع، وليست بالإحداث، فإن الشريعة كاملة لا تحتاج إلى إضافات، لا تحتاج إلى أمور تضم إليها وتلحق بها؛ بل هي مستقلة كاملة، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والله تعالى لم يتوف نبيه إلا وقد أكمل لنا الدين، وأنزل عليه وهو واقف بعرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
إذاً: الواجب على الإنسان أن تكون عبادته لله عز وجل مبنية على أمرين: الإخلاص والمتابعة، وكل عمل من الأعمال لا يكون مستنداً على هذين الأمرين فهو مردود على صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كبيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، والاحتفال بالموالد ليس مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإنما هو من محدثات الأمور، إذ لم يحدث إلا بعد مضي ثلاثمائة سنة كاملة كما قدمنا، فالقرون الثلاثة الذي قال فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ما وجد عندهم هذا الاحتفال، وما عرفوا هذا الاحتفال، وإنما عرفه من جاء بعدهم.
فإذا كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، وكذلك التابعون وأتباع التابعين لم يحصل منهم شيء من هذا، وإنما حصل ابتداء من القرن الرابع الهجري، وكان على يد الرافضة العبيديين الذين حكموا مصر، فهل يعقل أن يحجب حق عن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ويدخر لأناس يجيئون بعدهم من القرن الرابع فما بعد؟ هذا ليس بمعقول أبداً، فعدم فعله من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يدل على أنه غير مشروع؛ لأنه لو كان حقاً لسبقوا إليه، ولكنه ليس بحق، فابتلي به من بعدهم، ومن جاء في القرن الرابع الهجري فما بعد، فلا يجوز أن يقال: إن الصحابة حرموا من هذا الفضل، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، هذا من أبطل الباطل، وأبعد ما يكون عن الحق والعدل والإنصاف.
وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنهم الإمام مالك رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وقال: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة.
وقال رحمة الله عليه: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3]، فكونه يؤتى ببدعة ويقال إنها حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء بها، وما أثرت عنه، فمعنى ذلك أن الشريعة ليست كاملة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي ولم تكمل الشريعة، حتى احتيج إلى أن يؤتى بما يكملها، وهذا من أبطل الباطل؛ بل إن الشريعة كاملة، والرسول صلى الله عليه وسلم ترك الناس على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
قال رحمة الله عليه: من قال إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله عز وجل يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] قال: فما لم يكن ديناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون اليوم ديناً.
ثم إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم -كما أشرت- يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة أي مخلوق؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يديه أعظم نعمة، وهي نعمة الإسلام، لكن هذه النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يديه كيف يقابلها الناس؟ يقابلونها بحمد الله عز وجل عليها والتمسك بها، ومتابعته صلى الله عليه وسلم فيما جاء عنه.
وكل عمل من الأعمال لا ينفع عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكفي حسن قصد الفاعل، كأن يقول: أنا قصدي طيب، ولو لم يأت العمل عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولا يفرق بين قصد حسن وغير حسن، بل البدع تترك، ويحذر منها، ولا يصار إليها، هذا هو الواجب.
لا بد من الإخلاص والمتابعة، فكل عمل من الأعمال لا يكون معتبراً ولا مقبولاً عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون موافقاً لسنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا اختل أحدهما فإن العمل مردود على صاحبه، إن اختل الإخلاص رد العمل لقوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وإن اختل شرط المتابعة رد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
والرسول صلى الله عليه وسلم لما ضحى رجل من أصحابه قبل صلاة العيد لم يعتبر ذبيحته أضحية، بل اعتبرها شاة لحم؛ لأنها ما وقعت طبقاً للسنة، ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم)، وقد ذكر الحافظ ابن حجر عن بعض أهل العلم في فتح الباري أنه قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا لم يكن مطابقاً للسنة لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً.
و عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما جاء إلى المسجد وجد أناساً متحلقين وبأيديهم حصى، يكبرون ويسبحون ويهللون ويعدون بالحصى، فوقف على رءوسهم وقال: ما هذا؟! عدوا سيئاتكم وأنا ضامن أن لا ينقص من حسناتكم شيء!
ثم قال: إما أن تكونوا على أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.
ومعلوم أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون أحد بعد الصحابة أحسن هدياً وخيراً منهم، إذاً: بقيت الثانية. وقد فهموها وقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! والله ما أردنا إلا الخير، فقال رضي الله تعالى عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه!
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون باتباعه، وكما أن أمور الدنيا لا بد فيها من إقامة البينات على الدعاوى، فكذلك الدعاوى في المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لا بد فيها من إقامة البينات، والبينة هي المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، فلا بد إذاً من إقامة البينة، والبينة في المحبة هي المتابعة، وليست بإحداث أمور ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما هي من المحدثات، كبدعة المولد، فإنها من محدثات القرن الرابع الهجري كما ذكرنا.
الشيخ: لا شك أنه من محدثات الأمور، قال عليه الصلاة والسلام: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
الجواب: قضية الاحتفال به في حد ذاته مخالف للإسلام، ولكنه إذا وجد مع ذلك أمور منكرة فإنه يصير ضرراً على ضرر، وبلاء على بلاء.
الجواب: ليس لهم أن يفعلوا هذا الفعل، وإنما عليهم أن يبينوا دون أن يقيموا؛ لأنهم إذا أقاموا بهذه المناسبة مثل هذه السرادقات ليتجمعوا فيها، فمعنى ذلك أنهم شابهوهم، وقد يقول من لا يفهم ذلك الناس كلهم متفقون على هذا.
الجواب: أحسن كتاب أعرفه في هذا كتاب للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله اسمه: (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم) هذا أحسن كتاب أعرفه في هذا الموضوع، وهو كتاب نفيس ووافٍ في الموضوع، وهو من مطبوعات دار الإفتاء.
الجواب: الواجب عليك أن تبين لأبيك وأمك الحكم الشرعي، وأن تعمل بالحكم الشرعي، ولا تخالف السنة، ولا تخالف الحق والهدى الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تصافح النساء، وبين لأبويك أن ذلك غير جائز، وأنت إذا بينت لهم وتركت المصافحة أول مرة فبعد ذلك لا تفكر المرأة أن تمد يدها إليك إذا كانت من معارفك ومن أقاربك الذين ليسوا من محارمك، فإنها إذا عرفت منك مرة واحدة أنك لا تصافح تركت مصافحتك، وكذلك النساء لو علمن أو انتقل الخبر بينهن فلن تمد أحدهن يدها إليك لتصافحها، فالإنسان عليه أن يعرف الحق ويتبعه، وأن يبين السنة، ويبين الحق والهدى لأبويه ولغير أبويه، وأن يعمل بذلك.
الجواب: عليه أن يجرب هذا الأمر ويكون شجاعاً ويبدأ، وإذا ذهب عنه الرعب والخوف من أول مرة، فبعد ذلك يصير الأمر عادياً، وإنما الخوف يكون في أول مرة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [22] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net