اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [28] للشيخ : عبد المحسن العباد
هذا الحديث في إسناده مكحول، وهو يروي عن أبي ثعلبة ولم يسمع منه، ولو سمع منه فهو مدلس، وقد روى بالعنعنة.
فالحديث فيه انقطاع، ولكن جاء في معناه أحاديث، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله، مثل حديث: (الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته) .
وكذلك بعضه جاءت أحاديث تشهد له، ومنها حديث: (ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم).
وعلى هذا فيكون المعنى الذي جاء في الحديث -وإن كان الإسناد منقطعاً بين مكحول وبين أبي ثعلبة - قد جاء ما يشهد له وما يدل عليه.
الحديث مشتمل على أربع جمل:
فالفرائض التي فرضها الله عز وجل وجوبها واضح وفرضها لازم يتعين على كل مسلم أن يأتي بها وأن يحذر من تضييعها، أي: التهاون بها وعدم الإتيان بها على التمام والكمال، بل عليه أن يحرص على أن يأتي بها على وجه يكون به مؤدياً للفرض والواجب.
فقوله: [ (فلا تعتدوها) ] يعني: لا تتجاوزوها ولا تتعدوها، بل اقتصروا عليها وقفوا عندها ولا تتجاوزوها إلى غيرها، وهذا يتعلق بما هو مشروع ومطلوب، فإنه لا يتعدى ولا يتجاوز.
وقد يأتي ذكر الحدود ويكون النهي عن قربانها ويكون المقصود بذلك المحرمات، كما قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] فالحدود هنا محرمة؛ لأنها لا تُقرب لحرمتها، وأما إذا كانت مباحة ومشروعة فإنها لا تتجاوز، بل يوقف عندها ويستغنى بالحلال عن الحرام، ويكتفى بما أباح الله عما حرم الله.
أي: جاء الدليل من الكتاب والسنة على تحريمها، كالخمر والميسر والزنا والربا وغير ذلك، كل هذه المحرمات لا ينتهكها الإنسان، أي: لا يقع فيها ولا يتجه إليها، بل يكون في منأىً بعيداً عنها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) فكل ما نهى الله عز وجل وحرمه فإنه لا يجوز فعله ولا الإقدام عليه، بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وعدم قربانه.
فقوله: [ (وحرم أشياء فلا تنتهكوها) ] يقابل قوله: [ (أن الله فرض فرائض فلا تضيعوها) ] أي: أوجب واجبات يتعين على الإنسان الإتيان بها، وهنا حرم محرمات فلا يجوز الإقدام عليها ولا يجوز الوقوع فيها.
وهذا البحث والسؤال قد يكونان في زمن النبوة، وهذا الذي تترتب عليه مضرة، بأن يوجب شيء لا يستطاع، أو يحرم شيءٌ بسببه، كما جاء في قصة الرجل الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. قال: يا رسول الله ! أفي كل عام؟ فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم فأعاد السؤال، فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم).
فالله عز وجل أوجب الحج، ووجوبه في كل عام لا شك أنه في غاية المشقة، فدلالة اللفظ بمجرده تدل على أنه مرة واحدة؛ لأنه لا يستطاع أن يحج الناس جميعاً في كل سنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ذروني ما تركتكم) أي: لا تسألوني مثل هذه الأسئلة التي فيها مشقة وتعسير وتشديد على الناس.
وكذلك كونه يسأل عن شيء فيحرم من أجل مسألته، وقد جاء في الحديث: (إن أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم من أجل مسألته) .
أما السؤال بعد زمنه صلى الله عليه وسلم فكالأسئلة التي فيها تنطع وتكلف والناس في غنى عنها وليسوا بحاجة إليها، فلا ينبغي أن يسألوا مثل هذه الأسئلة ولا يبحثوا عنها، وإنما عليهم الانكفاف والإعراض وعدم الاشتغال بها، وعليهم الاشتغال بما يعود عليهم بالخير أما أن يشتغلوا ويعنوا بتفريع المسائل والتعمق فيها والسؤال عن أشياء ليس للإنسان أن يسأل عنها فهذا مما لا يفيد.
فعلى الإنسان أن يقف عند الحرام ويجتنبه، وأما الحلال عله أن يأتي به ويقدم عليه، وما سُكِتَ عنه فإنه لا يشغل نفسه به، وما كان من أشياء ليس فيها تحريم ولا تحليل فيرجع في ذلك إلى الأصل، فما كان الأصل فيه الحل فإنه يبقى على ذلك الأصل، وما كان الأصل فيه التحريم فإنه يبقى على ذلك الأصل، ولا يُشتغل بالتكلف والتعمق في المسائل التي لا يفيد التعمق فيها، وقد جاء ما يدل على المنع من ذلك، كما في حديث: (هلك المتنطعون) .
وعلى هذا فهذا الحديث مشتمل على هذه الأربع الجمل: جملة تتعلق بالفرائض الواضحة المتعينة، وجملة تتعلق بما هو مشروع وسائغ، سواء أكان واجباً أم مستحباً أم مباحاً، وأنه يقتصر عليه ولا يتجاوز به الحد بحيث يتعدى، بل يوقف عنده، وجملة تتعلق بالحرام الواضح، فعلى الإنسان أن يتركه ولا يقع فيه، وجملة تتعلق بما كان مسكوتاً عنه، فإنه مما عفا الله عز وجل عنه، والإنسان له أن يأخذ به؛ فإنه مما أباحه الله وأحله، ولكن لا يشغل نفسه بأمور لا ينفعه الاشتغال بها، كالتعمق والتكلف والسؤال عن أمور ليس له أن يسأل عنها، ولا يمكنه أن يصل فيها إلى جواب، وإنما عليه أن يكف عن ذلك، وأن لا يقدم عليه.
هذه هي الجمل الأربع التي اشتمل عليها حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه.
هذا الحديث سأل فيه سائلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر إذا فعله يكتسب به محبة الله مع محبة الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يزهد في الدنيا ليحصل محبة الله، وأن يزهد فيما عند الناس ليحصل محبة الناس.
والحديث يدل على حرص أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام على الخير، ومعرفة أمور دينهم، وحرصهم على معرفة ما يجلب لهم محبة الله الذي محبته لهم فيها خيرهم وسعادتهم، ومحبة الناس التي يكون فيها السلامة من شرهم، ويكون فيها حصول ما يناسب بينه وبينهم من أمور لا يلحقه فيها ضرر، ولا يلحقه فيها مشقة، ولا يلحقه منهم ذم، بل يسلم من شرهم ويظفر بخيرهم.
فالحديث يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على الخير، وعلى ما يجلب لهم محبة الله عز وجل ومحبة الناس.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فأتى بهذا الجواب المختصر الوجيه الذي فيه أن الإنسان يزهد في الدنيا فيكون ذلك سبباً في محبة الله عز وجل إياه، ويزهد فيما عند الناس فيكون ذلك سبباً في محبة الناس له.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله بعدما نقل هذا الكلام عن أبي سليمان الداراني قال: إنه حسن، وإنه يجمع ما قيل في الزهد من العبارات المتنوعة والعبارات المختلفة؛ لأنها ترجع إلى هذا المعنى، وهي كون الإنسان يترك ما يشغله عن الله عز وجل.
ومعلوم أن تحصيل الدنيا، وتحصيل الكفاف، وتحصيل العيش في هذه الحياة الدنيا مطلوب، وكذلك تحصيل ما يكون سبباً في نفعه لنفسه ونفعه لغيره مطلوب، لكن لا يكون ذلك مبنياً على الانشغال بالدنيا وجمعها وتحصيلها عما يعود على الإنسان بالخير، بل يكون على وجه لا يحصل به الانشغال عن الله عز وجل، فهذا هو الزهد الممدوح المحمود.
أما إذا كانت نفسه ليست غنية فإن المال الكثير بيده لا يقنعه ولا يرضى به، ويسعى للمزيد منه، ويكون مشغولاً ومهموماً ومنشغلاً بالدنيا عن الآخرة.
وأما إذا لم تشغله الدنيا عن الآخرة، وكانت الدنيا وتحصيلها من أسباب سعادته نفعه؛ فإن ذلك يكون محموداً، فقد جاء في الحديث أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم).
فالأموال إذا حصلت لهم دون أن ينشغلوا بها عن الله عز وجل بل كانت تحصل وتصرف بطرق مشروعة فإن ذلك يكون محموداً مفيداً، المهم أن لا يشغله ذلك عن الله سبحانه وتعالى.
فإذا كانت الأموال تصرف في طاعة الله وفيما يعود على صاحبها وعلى المسلمين بالخير فهذا أمر محمود، ولهذا كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم المال والدنيا ولكنها ما شغلتهم عن الآخرة، بل كانوا منشغلين بالآخرة ويصرفون دنياهم وما أعطاهم الله من الدنيا فيما يعود عليهم بالخير.
ويدل على ذلك قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبذله في سبيل الله، وإنفاقه للأموال في سبيل الله، ففي غزوة تبوك -وسميت العسرة- كان الناس في شدة ومشقة، وكان الفقراء يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه أن يحملهم فيقول: (لا أجد ما أحملكم عليه) فيرجعون وهم يبكون حزناً على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم معذورون، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في طريق تبوك قال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) فهم مع المجاهدين بقلوبهم وإن كانت أجسادهم باقية في المدينة، فلقد تعلقوا بالجهاد وليس عندهم القدرة التي تمكنهم من ذلك. فـعثمان رضي الله عنه قدم يومها ثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها ومتاعها في سبيل الله عز وجل، فهذا المال الكثير ما شغله عن الآخرة، بل صرفه فيما يتعلق بأمور الآخرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فالغنى هو غنى النفس، فإذا كانت النفس غنية فأي شيء يكون في اليد فهو كثير، وإذا كانت النفس فقيرة فالكثير في اليد لا يعتبر شيئاً ولا يقنع به صاحبه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى ثانياً، ولو كان له واديان لتمنى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ...)
فالناس حريصون على ما بأيديهم وحريصون على الدنيا، والإنسان الذي يستغني عنهم يكون محبوباً عندهم، أما من الذي يشغل نفسه بما عندهم ويشغلهم فلا يعجبهم ولا يحبون ذلك منه، بل المحبوب عندهم من يستغني عنهم، وأما من يشغلهم ويتطلع إلى ما عندهم، ويتشوف إليه أو يطلبه ويلح فيه فهذا لا يعجبهم ولا يريدونه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الناس يعجبهم الذي يستغني عما عندهم من المال؛ لأنهم حريصون على دنياهم، ومن يريد أن يشاركهم أو يكون له معهم نصيب أو يطلب منهم شيئاً فإن هذا غير محبوب عندهم، ولهذا فإن الشيء الذي يحبه الناس من الإنسان هو أن يستغني عما في أيديهم، وأن لا يشغل نفسه بتحصيل شيء مما في أيديهم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب بهذا الجواب الوجيز المختصر الذي هو من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو قوله: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: الحديث له شواهد، وقد ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (944).
الجواب: الأمور المتشابهة هي التي تكون محتملة للحرمة. وأما الأمور المسكوت عنها فمثلما جاء في قصة الرجل الذي سأل عن الحج، فإن الحكم هو وجوبه مرة واحدة، والسؤال عن وجوبه في كل عام من التكلف، وهو غير صحيح وغير لائق.
فالمشتبه هو الذي يكون محتملاً للتحريم، فليس هو من الحرام البين ولا من الحلال البين، وإنما هو مشتبه، وهو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى).
وأما المسكوت عنه فيرجع إلى أصله، فحيث يكون الأصل فيه الحل فإنه يكون حلالاً.
الجواب: هناك أشياء الأصل فيها الإباحة، مثل المأكولات والمطعومات، فالأصل في ذلك الحل إلا ما جاء فيه التحريم؛ لأن الله تعالى خلق للناس ما في الأرض، فيكون الأصل هو الحل، حتى يأتي شيء ينقل عن ذلك الأصل إلى التحريم.
الجواب: إذا كان في ذلك المركب إسراف ومباهاة فلا شك أن تركه زهد؛ لأن حصول المقصود بدون الشيء الذي فيه مباهاة وشهرة وصرف الأموال الطائلة يغني عما فوقه، والمهم أن يكون جيداً مفيداً.
أما الشيء الذي فيه مغالاة ومباهاة وشهرة فهذا لا شك أنّ تركه زهد، مثل بعض السيارات التي في سعرها غلاء فاحش، وقد تأتي بقيمة عدد كثير من السيارات، فسيارة واحدة منها يساوي ثمنها ثمن عدد من السيارات، فلا شك أن هذا فيه شيء من الإسراف.
الجواب: معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول: (نعم) إلا بوحي، فقوله: (لو قلت: نعم) يعني: بوحي من الله، وأن الله تعالى أوجب ذلك. وحينئذٍ فإنه يتعين عليهم ذلك ولا يستطيعونه، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وإيجاب الحج في كل سنة لا شك أن فيه مشقة عظيمة.. مشقة من ناحية تكراره، ومشقة من ناحية اجتماعهم في ذلك المكان.
الجواب: الزهد أحسن ما قيل فيه: أنَّه ترك الإنسان ما يشغل عن الله عز وجل.
الجواب: مثاله: الاشتغال بالدنيا، والحرص على جلبها، والافتتان بها، بحيث ينشغل بماله وبجمعه عن الله عز وجل وعن عبادته، كأن ينشغل بالدنيا عن الصلاة، بحيث يتأخر عن الصلاة أو يتكاسل عن أدائها بسبب اشتغاله بالدنيا، فإن هذا مما يشغله عن الله عز وجل.
الجواب: معلوم أن من الناس من يكون فيه خير، وقد يعرض على غيره أن يقرضه، فإذا كان المرء محتاجاً فالناس لا يستغني بعضهم عن بعض، وحينئذٍ يعطى له ذلك.
وأما إذا كان غير محتاج، أو كان القرض ليس مما هو ضروري وإنما يراد به الدخول في مشاريع قد يربح فيها وقد يخسر، فعلى الإنسان ألا يشغل نفسه بهذه الأمور، وإنما عليه أن يسعى لتحصيل الكفاف، ولا يشغل نفسه بأمور أخرى ترهقه وتحمله ديوناً فتكون ذمته مشغولة بحقوق الناس.
والاقتراض عند الحاجة جائز ولا بأس به، والحديث لا يدل على المنع وإنما يدل على حب الناس لمن يزهد فيما بأيديهم.
الجواب: زهد السلف -كما هو معلوم- مبني على الاشتغال بعبادة الله عز وجل على وجه مشروع، وأما الصوفية فإنهم يشتغلون بالعبادة على وجه غير مشروع.
الجواب: القدر الذي الناس بحاجة إليه -سواء أكان كفافاً أم أكثر من الكفاف- مما لا يشغل عن الآخرة أمر مطلوب، ومعلوم أن الزهد ليس بواجب، ولو كان واجباً لأثم الناس، وإنما هو خلق كريم وصفة حميدة.
الجواب: الورع يتعلق بالذي فيه شبهة، فالتورع يكون عن أمور مشتبهة. وأما الزهد فليس كذلك، بل قد يكون في أمور واضحة الحل، ولكن يزهد فيها لكونها تشغل عن الله عز وجل وعن طاعته، فتركها يكون حينئذٍ محموداً.
فالورع يتعلق بترك المشتبهات، وأما الزهد فيكون في أمور واضحة جلية الانشغال بها قد يؤثر على عبادة الإنسان لربه فيزهد فيها.
الجواب: الإنسان إذا رزقه الله عز وجل وأعطاه من المال ما أعطاه فإنه يظهر نعمة الله عز وجل عليه، ولا يكن غير مظهر لها مع تمكنه من ذلك.
الجواب: معناه: أنَّ دخولها يكون للذكر أو الصلاة، وليس للإنسان أن يتخذها طريقاً ذاهباً وآيباً، لكن قد جاء في القرآن: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] .
وقد جاء في الحديث في بيان أشراط الساعة: (أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين)، والمرور هنا يفيد أنه عابر سبيل.
الجواب: الزكاة لا تعطى للفروع ولا للأصول، وأما زكاة الفطر فيبدو أنه لا بأس بإعطائه إياها؛ لأن المقصود هو الإغناء عن السؤال في ذلك اليوم، فإذا كان فقيراً وليس عنده شيء في ذلك اليوم فإنه يعطى من صدقة الفطر، ولكن إذا كان عندها مال غير زكاة الفطر فلتعطه من مالها، ولا تعطه من الزكاة، وإن لم يكن عندها إلا هذا الصاع الزائد عن قوتها فإعطاؤها إياه لا بأس به؛ لأن المقصود به الإغناء في ذلك اليوم.
الجواب: أما قضية ثبوتها فهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول صلى الله عليه وسلم، والواجب أن يعلم ويبين له الحديث، وإذا لم يؤدها بعد ذلك فإنها تؤخذ منه قهراً مثل الزكاة المفروضة.
الجواب: الزوجة إذا كان عندها مال فإنها تخرج من نفس المال، وإذا كان عندها حلي فإنها تخرج من نفس الحلي، وإذا لم يكن لها مال فليس عليها أن تستدين لتزكي؛ لأن من ليس له مال فليس عليه زكاة.
الجواب: القائل بأنها لم تثبت هو من أجهل الناس، وهل له أن يُثبت وينفي بمحض هواه؟! إن القول بعدم ثبوت زكاة الفطر لم يقل به أحد، ومن لم يبلغه دليل ثبوتها فهو معذور. أما من بلغه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فليس له أن يتخلف عن الأخذ به.
الجواب: الصفات كثيراً ما تأتي مأخوذة من الأفعال، مثل: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة:222] ورَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة:119] وهكذا، فكثير من الصفات مأخوذ من الأفعال.
الجواب: معناه: وفقهم الله تعالى للتوبة وتاب عليهم.
الجواب: يقول: رضي الله عنه. وهذه الجملة هي دعاء، ومثلها (رحمه الله) و(غفر له).
السؤال: هل الاستياك في مجلس العلم سنة أم يخالف الأدب؟
الجواب: الاستياك سائغ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستاك بحضرة أصحابه، وقد بوب بعض أهل العلم لذلك بقوله: (باب استياك الإمام بحضرة رعيته)، وقالوا: إن هذا ليس من الأشياء التي يتنزه عنها وتستقذر ولا تفعل إلا في الغيبة ولا تفعل أمام الناس، بل هو من التطيب ومن الشيء الذي فيه تطيب، ففعله بحضرة الناس سائغ ولا بأس به.
ولكن لا نقول: إن فعله في ذلك المكان سنة.
السؤال: ذكر القحطاني في نونيته أن الزهد زهدان: زهد عن الدنيا وزهد في الثناء، فما المقصود بذلك؟
الجواب: لا شك أن ذلك كله من الزهد، أي: كون الإنسان يزهد في ثناء الناس، فلا يشغل نفسه بثناء الناس عليه أو بتحري ثناء الناس عليه، فلا شك أن ترك ذلك من الزهد.
ولـابن القيم كلام جميل حول الزهد في الثناء، ذكره في كتاب (الفوائد) عندما ذكر الإخلاص، فعند ذكره ما يسهل لك الإخلاص قال: أن تعمد إلى الطمع وتذبحه بسكين اليأس، ثم تزهد في الثناء والمدح زهد عشاق الدنيا في الآخرة.
يعني بذلك كونهم زاهدين في الآخرة وهم مشغولون في الدنيا.
فإن قلت: فما الذي يسهل علي ذلك؟ قلت: أن تعلم أن ما من شيء يحصل من الناس إلا وعند الله خزائنه وبيد الله مفاتيحه.
إذاً: المسألة كلها ترجع إلى الله عز وجل، ولكن المقصود من هذا كونه يزهد في ثناء الناس وفي مدح الناس، ولا شك أن هذا من الزهد، والإنسان الذي يريد ذلك فإنه يحصل منه أمور، وقد يحصل منه تصنع من أن أجل أن يحصل على هذا الشيء الذي يرغب فيه، فيجعله ذلك يعمل الأعمال التي تجعلهم يثنون عليه ويحققون له ذلك الشيء الذي يريده.
السؤال: هل يجوز للمزكي أن يشتري زكاته بعدما أعطاها الفقير؟
الجواب: ليس له أن يشتريها، وذلك للحديث الذي فيه: (لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم) لأن مثل ذلك وسيلة إلى كون الفقير يتساهل معه، فلا يحرص على أن يأخذ حقه منه لأنه تصدق عليه، فيكون ذلك وسيلة إلى كون الفقير يستحي ويتساهل مع من أعطاه إياه أو من وصل إليه من طريقه.
الجواب: ورد في هذا المعنى حديث صحيح.
وأما الجمعة فليس لها سنة قبلها، والسنة أن الإنسان إذا جاء يوم الجمعة فإنه يصلي ما أمكنه أن يصلي ثم يجلس، ولا يقوم إلا للصلاة كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون، فإنهم كانوا إذا دخلوا صلوا عند دخولهم ما أرادوا أن يصلوا، إما ركعتان أو أربع أو ست أو ثمان، ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة.
لكن ليس لها راتبة قبلها كالظهر، نعم هي لها راتبة بعدها لكن ليس لها راتبة قبلها.
الجواب: ليس بصحيح، وعليه أن يعيد، وعليه دم.
الجواب: معنى هذا أنك جلست جلوساً طويلاً، بعضه للتشهد الأول وبعضه للثاني، وهذا غير صحيح، فالتشهد الأول محله قبل الثالثة، سواء أكانت رباعية أم ثلاثية، فإن أتى به في وقته ومحله فذاك، وإن تجاوزه فإنه يسجد للسهو عنه.
الجواب: الكمبيوتر في الحقيقة من الأمور المشكلة فيما يتعلق بالعمل؛ لأن من الناس من يستعمله في الخير ومنهم من يستعمله في الشر، فكون الإنسان لا يعمل إلا في أمور يطمئن إليها لا شك أنه هو المطلوب، فإذا كان يعرف عن أحد من الناس أنه يستعمل الكمبيوتر أو الراديو ونحوهما فيما لا يجوز فلا يصلح له جهازه.
الجواب: الزواج لا ينافي طلب العلم، بل قد يكون معيناً على طلب العلم، وعليه أن يتزوج ويعف نفسه ويتعلم، ولا يزهد في الزواج، بل الزواج مرغب فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).
الجواب: على كل منكم دم، فمن لم يجد فعليه أن يصوم عشرة أيام؟
الجواب: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كان غنَّي النفس، ومع غنى النفس يكون الشيء القليل كثيراً، ومع عدم غنى النفس لا يعتبر الكثير شيئاً، بل تكون يد الإنسان ملأى ولكن في قلبه البخل والطمع.
والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه عرف عنه أن كل ما يقع بيده لا يبقى عنده منه شيء، فهو كثير الإنفاق في سبيل الله، وكثير المساعدات للمسلمين والمحتاجين في داخل المملكة وخارجها، وأظن أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ليست المعلومات عنه يختص بها أحد دون أحد، فالكل يعرفه، والكل يعرف زهده ويعرف حرصه على نفع المسلمين، ويعلم أن ما بيده فهو للمسلمين، وأنه ينفق في سبيل الله، ولا يعتني بمصالحه ومنافعه الخاصة، وإنما كان حرصه على نفع الناس من المحتاجين والمعوزين، سواء أكانوا من طلبة العلم أم من غير طلبة العلم في داخل المملكة وخارجها، فإذا استطاع بنفسه فعل، وإذا لم يستطع فإنه يشفع عند من يستطيع أن يفعل ومن يقدر على الفعل.
الجواب: إذا كان في ذلك مصلحة، وكان من الصعب خدمة شعر رأسها فقص شعرها لكونها صغيرة، حتى إذا كبرت خدمته هي أو خدمها غيرها فلا بأس بذلك.
الجواب: لا نقول: لا يجوز. وإنما نقول: إن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا إذا دخلوا يصلون ما أمكنهم، ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة.
لكن من العلماء من يقول: إن للإنسان أن يتنفل بعد الأذان الأول؛ لأنَّ ذلك يدخل تحت حديث (بين كل أذانين صلاة)، وإن كان المعروف أن المراد بالأذانين الأذان والإقامة، لكن الأذان الذي زاده عثمان رضي الله عنه وأرضاه لا ينكر على من فعله، وتركه أولى.
الجواب: الزهد في الدنيا غير الزهد فيما عند الناس، الزهد فيما عند الناس خاص؛ لأنه زهد فيما في أيديهم، فلا يطلبه منهم، ولا يشغلهم فيه.
وأما الزهد في الدنيا فإنه عام يدخل تحته كل ما يشغل عن الله عز وجل، ويدخل فيه أيضاً الزهد في المديح والزهد والثناء، فالزهد في الدنيا عام، ولا يقال: إن هذا مثل هذا. بل يدخل في الزهد في الدنيا الزهد فيما في أيدي الناس، فالاستغناء عما في أيدي الناس هو من الزهد العام.
الجواب: الأصل أن الإنسان يحسن ظنه بالناس، إلا إذا عرف عن أحد انحرافاً وخروجاً عن هذا الأصل، فعندئذٍ إذا ظن به سوءاً يكون ظنه في محله؛ لأن الله قال: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] فبعض الظن إثم وليس كل الظن إثماً.
الجواب: ورد في الحديث: (من أعتق عبداً كان فكاكه من النار، ومن أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار) فمعناه، أن عتق العبد أفضل من عتق الجارية؛ لأن عتق الإنسان من النار يكون بعتق جاريتين، وإذا عتق عبداً كان فيه عتقه من النار، فمعنى ذلك: أن المرأة على النصف من الرجل في العتق.
الجواب: إن كان المقصود بالجمعيات التعاونية ما اشتهر اليوم بين الناس، حيث يجتمع أفراد ليدفع كل منهم مبلغاً معيناً في كل شهر مثلاً، وفي كل مرة يأخذ المبلغ المجتمع أحدهم، فلا شك في أن التورع عن هذا مطلوب؛ إذ في ذلك خلاف بين أهل العلم، وذلك لأن كل واحد من المجموعة يقرض الآخر ليقرضه، فالتورع عن هذا مطلوب، وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
الجواب: يقال: هل لا يرد إلينا من أمريكا إلا الببسي والكاكولا؟ فما الفرق بينهما وبين بقية المنتجات؟!
أما من ناحية كون ذلك مشتبهاً فالأصل هو إباحة كل شيء غير مسكر.
الجواب: ليس للإنسان أن يقول هذا الكلام.
الجواب: الواجب على الجميع شباباً وشيوخاً وصغاراً وكباراً أن يتفقهوا في دين الله عز وجل، وأن يعرفوا أحكام الإسلام، وأن يرجعوا إلى أهل العلم في معرفتها، وأن لا يركبوا رءوسهم ويشغلوا أنفسهم بأمور لا يعرفونها ولا يقدرون عليها، بل كل يرجع فيه إلى أهله، كما أنه في الطب يرجع إلى الأطباء، وفي الهندسة يرجع إلى المهندسين، فالرجوع فيما يتعلق بالدين إلى أهل العلم، والله عز وجل يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] .
والتفقه في دين الله عز وجل ومعرفة الحق والهدى عن طريق أهله لا شك أنه هو المطلوب.
وأما كون الإنسان يركب رأسه، ويفهم الشرع فهماً خاطئاً كما فعل الخوارج الذين خرجوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أمر غير صحيح، ولهذا لما ذهب إليهم ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما وناظرهم رجع كثير منهم بعد بيانه.
فالحاصل أن الإنسان الذي لا يكون عنده بصيرة ولا فقه يخطئ ويركب الشطط والخطأ، وإنما يحصل له التثبيت وتحصل له السلامة بالرجوع إلى أهل العلم، والتفقه في دين الله عز وجل.
الجواب: هذا من جنس النمص؛ لأن المطلوب من النمص يحصل بهذا الذي يسمونه التشقير، وهو أن المرأة تضع صبغة مماثلة للون البشرة، بحيث تُرى الحواجب كأنها قد نمصت.
الجواب: إذا كان الصبغ بمادة لها جرم فلا يجوز استعماله، وهو مثل الذي يوضع على الأظافر ويسمونه المناكير، فهذا لا يجوز استعماله؛ لأنه لا يصل بسببه الماء إلى البشرة، ومن شرط الوضوء أن يصل الماء إلى البشرة.
أما إذا كان الصبغ يغير اللون فقط ولا يكون منه شيء يغطي الشعر، مثل الحناء الذي يغير اللون ولا يغطي الشعر فإن هذا لا بأس به.
ومهما يكن من شيء فالسواد الذي هو الغالب على شعور النساء هو المطلوب، وهو اللون المستحب بالنسبة للشعر، فبعض النساء قد ترغب في أن تغير اللون الأسود إلى ألوان غير مستحسنة، لاسيما مثل ألوان شعور الأوروبيين التي أشكالها سيئة وليست جميلة، بل إنما هي قبيحة، والأوروبيون أنفسهم بشرتهم لا تعجبهم، ولهذا يحرصون على تغييرها، فيتعرون ويسيرون في الشمس لعلها تغير اللون الذي هم فيه، وتجد بعضهم على الرمال يتقلبون عليها يريدون اللون الذي ما حصل لهم وقد حصل للعرب ولكثير من الناس، ومع ذلك فالناس الآن يتركون الشيء الجميل ليحصلوا ما ليس بجميل.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [28] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net