إسلام ويب

من آداب قضاء الحاجة: ألا تستقبل القبلة أو تستدبر عند البول أو الغائط، إلا إذا وجد حائط، وألا يستنجى باليد اليمنى، أو بأقل من ثلاثة أحجار، وألا يستنجي برجيع أو عظم.

ما جاء في كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر في جواز استقبال القبلة عند البول إذا وجد ساتر

قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].

محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.

[ حدثنا صفوان بن عيسى ].

صفوان بن عيسى ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن الحسن بن ذكوان ].

الحسن بن ذكوان صدوق يخطئ ويدلس وحديثه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن مروان الأصفر ].

مروان الأصفر اسم أبيه خاقان أو سالم والأصفر لقبه، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي .

[ قال: رأيت ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة ، وقد مر ذكرهم فيما مضى.

شرح حديث: (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة.

حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: قيل له: (لقد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة! قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وألا نستنجي باليمين، وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم) ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى: باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، والمقصود من هذه الترجمة: بيان أن القبلة -وهي: الجهة التي يستقبلها الناس في صلاتهم ودعائهم- لا تستقبل ببول ولا بغائط، بل الإنسان يتجه إلى جهة أخرى غير جهة القبلة، لا من حيث استقبالها ولا من حيث استدبارها فلا يجعلها أمامه ولا وراءه، ولكن يجعلها عن يمينه أو شماله، فإذا كان الإنسان في جهة المدينة أو كانت مكة من جهة الشمال أو الجنوب فإنه يشرق أو يغرب وبذلك يسلم من استقبال القبلة واستدبارها.

قوله: [باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة ].

أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: (علمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة)، يعني: حتى الهيئة التي تفعلونها عند قضاء الحاجة، والمقصود بذلك: بيان كيفية التصرف وكيفية العمل عند قضاء الحاجة، والآداب التي تفعل عند قضاء الحاجة.

قوله: [قيل له: (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة) ].

الذين قالوا له هم المشركون، ولهذا قالوا: نبيكم، وما قالوا: النبي، فأضافوه إليهم.

وقوله: (الخراءة) وهي الفعل عند قضاء الحاجة، يعني: علمهم كيف يفعل الإنسان عند قضاء حاجته، فعلمهم أنه لا يستقبل ولا يستدبر القبلة، ولا يستنجي بيمينه، ولا برجيع أو عظم، ولا بأقل من ثلاثة أحجار. فهذه آداب بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يريد قضاء الحاجة.

قوله: [ (لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول) ].

يعني: عند قضاء الحاجة سواء الغائط أو البول أو هما جميعاً، فما دام أنه يقضي حاجته فإنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. وهذا فيه توقير القبلة واحترامها، وأن الإنسان لا يستقبلها ولا يستدبرها وهو يقضي حاجته.

قوله: [ (وألا نستنجي باليمين) ].

يعني: عندما نريد أن ننظف السبيلين من الخارج لا نستعمل اليمين في التنظيف وإنما نستعمل اليسار؛ لأن اليمين تستعمل في الأمور الطيبة المحترمة المحمودة، وأما الأمور التي فيها امتهان كتنظيف السبيلين بعد الخارج منهما فإنه يكون باليسار لا باليمين.

قوله: (نهانا أن نستنجي باليمين) هذه من الآداب من حيث الجلوس لا نستقبل ولا نستدبر بل نشرق ونغرب، وإذا كنا في شرق مكة أو غربها فنستقبل الجنوب أو الشمال ولا نشرق ولا نغرب؛ لئلا نستقبل القبلة أو نستدبرها، ولكن هذا الذي قيل فيه: يشرق أو يغرب إنما يراد به من كان عن مكة من جهة الشمال كالمدينة، أو من كان عن مكة من جهة الجنوب كاليمن، فإن هؤلاء يشرقون ويغربون. وأما من كان عن مكة من جهة الغرب أو من جهة الشرق فإنهم يجنبون ويشملون فيتجهون إلى جهة الجنوب وإلى جهة الشمال ولا يشرقون ولا يغربون. وهذا من الآداب عند إرادة الجلوس.

وكذلك ينبغي عند بناء موضع قضاء الحاجة في المراحيض: أن توجه إلى غير جهة القبلة، فلا يكون فيها استقبال ولا استدبارها، فالذي ينبغي أنه عندما يراد وضع الكراسي التي يقضى عليها الحاجة في المراحيض أن يلاحظ في اتجاهها أن تكون ليست في استقبال القبلة ولا استدبارها.

ثم إذا جلس الإنسان على الهيئة المشروعة لا مستقبل ولا مستدبر القبلة فإن الهيئة التي يتصرف فيها عند قضاء الحاجة ألا يستنجي باليمين، يعني: لا يستعملها في الاستنجاء بل يستعمل اليسار وهذا من الآداب.

قوله: ( (وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) ).

يعني: إذا لم يستعمل الماء؛ لأن الماء إذا وجد فاستعماله هو الأصل، لكن إذا لم يوجد ماء فإنه يستنجى بالحجارة أو غيرها مما يقوم مقامها من الأشياء التي ليس فيها شيء محذور بأن يستعمل حجارة أو مناديل أو ورقاً ليس فيه كتابة، وكذلك لا يستعمل الأشياء المحترمة كالأطعمة أو ما إلى ذلك.

وإذا استنجى الإنسان بالحجارة فيستنجي بثلاثة أحجار، وإن استعمل حجراً واحداً كبيراً وله ثلاث شعب فإنه يقوم مقام الثلاثة الأحجار؛ لأن المقصود هو استعمال هذا العدد أو ما يقوم مقام هذا العدد؛ من أن يكون حجراً له ثلاث شعب؛ لأن الثلاث الشعب مثل الثلاثة الأحجار.

قوله: ( (أو نستنجي برجيع أو عظم) ).

والرجيع هو: الروث، والروث قد يكون نجساً كرجيع بني آدم أو الحمير أو غيرها، فكل ما يكون محرم الأكل فإن رجيعه نجس، ومن المعلوم أن إزالة النجاسة بنجاسة لا يزيدها إلا شدة، فكون الإنسان يأتي بعذرة ويستنجي بها فمعناه أنه زاد الطين بلة، وزاد السوء سوءًا والنجاسة نجاسة، ولكن المقصود هنا هو: الروث أو الرجيع من مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم؛ لأن هذه أرواثها طاهرة وليست بنجسة، ولكن لا يجوز أن يستنجى بها.

وكذلك العظم لا يستنجى به، وقد جاء في بعض الروايات بيان الحكمة في ذلك، وأنها طعام إخواننا من الجن، والروث علف دوابهم، وأن الله تعالى يجعل في تلك العظام والأرواث ما فيه الفائدة لهم ولدوابهم.

فإذاً: السنة جاءت مبينة أن الحكمة في ذلك عدم تقذيرها وإفسادها على من هي طعام لهم؛ لأنها إذا استعملت فيها النجاسة ففيها إفساد. وقيل أيضاً: إن فيها لزوجة، ومعنى ذلك أنه لا يحصل بها التنظيف والإنقاء تماماً.

لكن العلة التي جاءت مبينة سبب ذلك هي أن في ذلك تقذيراً لها على الجن، وأنها طعام لهم، والأرواث علف لدوابهم. هذه هي العلة المعتبرة في قضية المنع؛ لأنها جاءت مبينة في السنة.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول...)

قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].

مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا أبو معاوية ].

أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته (أبو معاوية ).

[ عن الأعمش ].

الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم ].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي جاء عنه العبارة المشهورة عند الفقهاء: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه. ومعنى ما لا نفس له سائلة: أي ليس فيه دم كالذباب وكالجراد وما إلى ذلك مما لا دم فيه، فهذا إذا وقع في الماء ومات فيه لا ينجسه.

وهذه قاعدة عند الفقهاء فإنهم يقولون: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.

ويستدلون على ذلك بحديث الذباب الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه في الماء؛ فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً)، وهو عندما يقع ينزل بالذي فيه الداء ويرفع الذي فيه الشفاء، فإذا غمس جاء الدواء بعد الداء.

فالفقهاء قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (فليغمسه) يعني: ثم يستعمله ويشرب، قالوا: قد يكون الماء حاراً فإذا غمس فيه مات، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر باستعماله.

إذاً: هذا دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.

وقد قال ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين): (إن أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه هو إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده)، وهي عبارة تشتمل على قاعدة من القواعد الفقهية في الطهارة، وهي: أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وكل شيء لا دم فيه أو ليس مشتملاً على دم إذا مات في ماء فإن ذلك الماء يكون طاهراً.

[ عن عبد الرحمن بن يزيد ].

هو عبد الرحمن بن يزيد النخعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سلمان ].

سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

بيان النبي صلى الله عليه وسلم لأصول الشريعة وفروعها

هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين آداب قضاء الحاجة، ويستدل به العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أصول الدين كما بين فروعه، وأن أمور العقيدة مبينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتجون بهذا على من يقولون: إن أحاديث وآيات الصفات من قبيل المتشابه الذي لا يعرف معناه، وأنه ما حصل بيان للمراد به.

ويقولون: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين آداب قضاء الحاجة فكيف يغفل أصول الدين، ولا يبين أمور العقيدة، ويجعل الناس في حيرة فواحد يؤول وواحد يفوض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين؟! فالناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه؛ لأنهم عرب يفهمون ما خوطبوا به؛ ولهذا ما احتاجوا إلى أن يسألوه عن معاني هذه الصفات؛ لأنهم يعرفون معناها لكن لا يعرفون كيفيتها، كما قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: الاستواء معلوم -يعني: معناه معلوم- والكيف مجهول. فالاستواء معلوم أي: أن معناه الارتفاع والعلو، ولكن كيفية ذلك الارتفاع والعلو الله تعالى أعلم به.

فبعض هؤلاء قالوا: إن معناها لا يعرف، وإن معناها مجهول، وإن الناس لا يعرفون معاني الصفات ويقولون: إن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] مثل (آلم) و(حم) وغيرها من الحروف المقطعة في أوائل السور التي يقال فيها: الله أعلم بالمراد بها، لكن لا يقال: إن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] الله أعلم بمراده، بل الرحمن ارتفع على عرشه، فهو عالٍ على خلقه وهو فوق كل شيء وعالٍ على كل شيء سبحانه وتعالى، له علو الذات وعلو القدر وعلو القهر.

فأنواع العلو الثلاثة كلها له سبحانه وتعالى، فهو عالٍ في ذاته وقدره ومنزلته، كما أن له علو القهر، فهو قاهر غالب لكل أحد، وهو القاهر لكل شيء سبحانه وتعالى ولا يغلبه غالب، ولا يرد حكمه سبحانه وتعالى راد.

فإذاً: هذا مما يستدل به علماء أهل السنة والجماعة على الذين يقولون: إن آيات وأحاديث الصفات هذه ما بينت معانيها ولهذا إما نفوضها وإما نؤولها، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما جاء عنهم لا التفويض ولا التأويل بما يتعلق بالنسبة لمعانيها؛ لأنهم خوطبوا بكلام يفهمون معناه.

فهذا من الأدلة التي يذكرونها على أن الذي بين آداب قضاء الحاجة كيف لا يبين للناس أصول دينهم ويجعلهم في حيرة يترددون بين التفويض والتأويل؟

حكم الاستنجاء باليمين

جاء في قول سلمان رضي الله عنه النهي عن الاستنجاء باليمين، والكثير من العلماء يقولون: هذا نهي تأديب وإرشاد، وإنه للكراهة، ولو أن الإنسان استنجى بيمينه حصل المقصود.

وبعض أهل الظاهر يقول: لو استنجى بيمينه لا يحصل المقصود؛ لمجيء النهي عن الاستنجاء باليمين، فلا يحصل الاستنجاء والطهارة إلا باليسار.

وسواء قيل بحمله على التنزيه أو التحريم فالإنسان يحرص على أن يبتعد عن شيء نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ولو كان نهي تنزيه.

وقول الإمام أبي داود عندما قال: كراهية استقبال القبلة، فإن الكراهية أحياناً يأتي إطلاقها عند المحدثين وعند المتقدمين ويريدون بها التحريم، فالمتقدمون يطلقون الكراهية على التحريم بخلاف الفقهاء الذين قسموا الأحكام إلى خمسة: واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح.

وجعلوا المكروه هو كراهة التنزيه، والمندوب: هو المأمور به ليس على سبيل الوجوب.

شرح حديث: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)، وهذا من كمال وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورفقه بأمته، وحرصه على إفادتها والنصح لها، فهو أنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً، وأكملهم بياناً، وأفصحهم لساناً عليه الصلاة والسلام.

وهذا الكلام الذي قاله فيه التبسط معهم، وأنهم لا يتوقفون عن سؤاله عما يريدون معرفته، فكما أن الولد من السهل عليه أن يسأل أباه عما يعن له ويعرض من الأمور لقوة ولكثرة الاتصال فيما بين الوالد والولد، فكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد).

وهذا فيه بيان أن الأبناء عليهم أن يطيعوا الآباء فيما يأمرون به ويرشدون إليه في غير معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا كان في ذلك مصلحة، وأن على الآباء أن يعلموا أبناءهم؛ لأن هذا فيه إشارة إلى التعليم من الآباء للأبناء، وإشارة إلى أن الأبناء يطيعون الآباء، وهو عليه الصلاة والسلام خير من الوالدين، ويجب أن يكون في كل نفس مسلم أحب من والديه وأولاده والناس أجمعين، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) ؛ لأن النعمة التي ساقها الله تعالى للمسلمين على يديه -وهي نعمة الإسلام- أعظم وأجل نعمة، ولهذا كانت محبته يجب أن تكون في القلوب والنفوس أعظم من محبة الوالد والولد والزوجة والصديق والقريب والحميم وكل من تربطه بالإنسان رابطة؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين علي يدي النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأجل نعمة؛ لأنها نعمة الإسلام، والهداية إلى الصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور.

ثم بين عليه الصلاة والسلام أموراً تتعلق بقضاء الحاجة فقال: (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)، يعني: إذا ذهب لقضاء الحاجة لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.

قوله: [ (ولا يستطب بيمينه) ].

يعني: لا يستنج؛ لأن بالاستنجاء يصير الموضع طيباً، فبدل ما كان سيئاً فيه نجاسة يكون فيه نظافة ونزاهة وطيب. فقوله: (لا يستطب بيمينه) يعني: لا يقطع أثر الخارج بيمينه، ولا يستنج بيمينه، وإنما يستعمل الشمال، كما جاء في الرواية السابقة: (وألا نستنجي باليمين)، فلا تستعمل اليمين في ذلك؛ لأن اليمين تستعمل للمصافحة وللأخذ والإعطاء وللأمور الطيبة الحسنة، أما الأشياء التي فيها قبح أو عدم نظافة فيستعمل لها الشمال.

قوله: [ (وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) ].

يعني: أن الاستنجاء يكون بثلاثة أحجار، وأما الروث والرمة فنهى عن الاستنجاء بهما، والرمة هي: العظام البالية، ولكن في الحديث السابق: (برجيع أو عظم) وهو يشمل أي عظم سواء كان جديداً حديث العهد أو كان قديماً قد بلي وصار رميماً.

فذكر الرمة هنا وهو العظم البالي لا يعني أن العظم إذا كان حديث عهد ولم يكن بالياً فإنه يستنجى به؛ لأن الحكمة من النهي أنه طعام إخواننا من الجن، فلا يستعمل استعمالاً يقذره عليهم بوضع النجاسة عليه أو بمباشرته النجاسة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم...)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا ابن المبارك ].

هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عجلان ].

هو محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن القعقاع بن حكيم ].

القعقاع بن حكيم ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي صالح ].

هو ذكوان السمان ، وأبو صالح كنيته واسمه ذكوان ولقبه السمان ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن فلقب بـالزيات ولقب بـالسمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو صالح .

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق، وقد سبق أن مر ذكره وذكر ابن عمر وابن عباس وأنس وجابر وهنا ذكر أبي هريرة ، وبقي أبو سعيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

فهؤلاء السبعة معروفون بكثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة كان إسلامه متأخراً؛ فإنه أسلم عام خيبر في السنة السابعة، ومع ذلك كان أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، وذلك له أسباب، منها:

أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، فكان لا ينسى شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنها: أنه كان مقيماً في المدينة، ومن المعلوم أن المدينة كان الناس يردون عليها ويصدرون عنها، بخلاف بعض الصحابة فإنهم راحو يميناً وشمالاً، وكان من يأتي إلى المدينة يقصد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في المدينة ويأخذ منه، فكثر حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديثه لذلك.

ومنها: أن أبا هريرة رضي الله عنه طالت حياته وعُمِّر بعد الخلفاء الراشدين لمدة طويلة حتى لقيه من لم يلقهم، وأخذ عنه من لم يأخذ عنهم، ولهذا كثرت أحاديثه وكثر الآخذون عنه، فلهذه الأسباب وغيرها كثر حديث أبي هريرة.

ومنها: أنه كان ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان الناس يذهبون للبيع والشراء وهو يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأكل مما يأكل، ويسمع حديثه إذا حدث.

فملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، ومكثه في المدينة، وكونه عُمِّر بعد الخلفاء الراشدين كل هذه أسباب جعلت أبا هريرة رضي الله عنه يكون أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً وإن كان متأخر الإسلام.

شرح حديث: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب رواية قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا. فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله) ].

سبق أن ذكر معنى هذه الترجمة وهي: كراهة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وهذا حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا. قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله).

هذا الحديث مع ما تقدمه من الأحاديث يدل على أن القبلة لا تستقبل عند قضاء الحاجة وكذلك لا تستدبر، وهذا فيه احترام القبلة وتوقيرها، وأن الإنسان عندما يقضي حاجته لا يستقبل ولا يستدبر القبلة.

وجاء: (ولكن شرقوا أو غربوا)، وهذا إنما يكون في حق من كان في جهة المدينة، وكذلك من كان جنوب مكة فإنه يشرق أو يغرب، وأما من كان عن مكة من جهة الغرب والشرق فإنه لا يشرق ولا يغرب؛ لأنه إذا شرق أو غرب استقبل القبلة أو استدبرها ولكنه يجنب أو يشمل؛ لأن النهي عن الاستقبال والاستدبار هو المقصود، والأمر بالتشريق والتغريب إنما ذكر حتى لا يكون هناك الاستقبال والاستدبار، وهذا إنما يتأتى في حق أهل المدينة ومن كان على جهة المدينة، وكذلك من الجهة الجنوبية من كان عن مكة من جهة الجنوب فإنه يشرق أو يغرب، ومن كان عنها غرباً أو شرقاً فإنه يشمل أو يجنب عند استقباله القبلة.

و أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يقول: (قدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة -يعني: فيها استقبال الكعبة- فكنا ننحرف عنها يسيراً ونستغفر الله) وهذا يدلنا على أن أبا أيوب رضي الله عنه يرى التعميم في ترك الاستقبال سواء كان في البنيان أو في غير البنيان مطلقاً.

وقد ذهب عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن هذا المنع إنما يكون في الفضاء، وأما ما كان في البنيان فإنه لا بأس أن يستقبل أو يستدبر، وسيأتي الحديث الذي يدل على ذلك حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبلاً الشام مستدبراً الكعبة.

قالوا: فالجمع بين هذه الأحاديث: أن ما جاء في حديث أبي أيوب يحمل على ما كان في الفضاء، وما كان في حديث ابن عمر يحمل على ما كان في البنيان.

و أبو أيوب كما ذكرت يرى التعميم، ولهذا لما قدم الشام ووجد المراحيض التي بنيت نحو الكعبة كان ينحرف عنها ويستغفر الله.

والذي ينبغي إذا بنيت البيوت وجعلت فيها أماكن لقضاء الحاجة أن يلاحظ عدم توجيه المراحيض إلى القبلة أو استدبارها؛ لأنه وإن كان جائزاً أن الإنسان يستقبل أو يستدبر في داخل البنيان كما جاء في حديث ابن عمر ولكن لاشك أنه إذا أمكن عدم الاستقبال أو الاستدبار ولو كان ذلك في البنيان فإنه يكون أولى، فالأولى عدم الاستقبال والاستدبار في البنيان وغير البنيان.

ولكن من حيث الجواز فإن حديث ابن عمر يدل عليه، وأن ذلك سائغ ولا بأس به، لكن عندما تبنى أماكن قضاء الحاجة في البيوت ينبغي أن توضع على هيئة متفقة مع ما جاء في حديث أبي أيوب من حيث إن الاستقبال أو الاستدبار لا يكون إلى القبلة، وإن كان ذلك جائزاً في البنيان إلا أن غيره لاشك أنه أولى وأفضل. وإذا لم يمكن ذلك فإن ذلك جائز.

وقوله هنا: (فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله) ذكر الاستغفار يحتمل أن يكون المراد به أن الانحراف ليس بكامل؛ لأنه جاء في بعض الروايات: (يسيراً) لأن الأماكن وضعت على هيئة تستقبل أو تستدبر، فالانحراف معها يكون فيه عدم تمام، فيستغفر الله مما حصل من التقصير.

وقد جاء عن بعض أهل العلم أنه قال: إن قوله: (نستغفر الله) أي: لبانيها، وهذا لا يستقيم؛ لأنه قد يكون الذي بناها غير مسلم وغير المسلم لا يستغفر له، ولكن الذي يبدو أنه استغفار من أبي أيوب لنفسه حيث إنه لم يحصل منه أن يترك الاستقبال أو الاستدبار على التمام والكمال؛ لأن الأماكن وضعت على هيئة يكون فيها الاستقبال أو الاستدبار إلى جهة القبلة، ولكن من أجل الابتعاد عن الاستقبال والاستدبار صار ينحرف عنها يسيراً ويستغفر الله أيضاً مما حصل من التقصير.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة...)

[ حدثنا مسدد بن مسرهد ].

مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا سفيان ].

سفيان هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وإذا جاء سفيان غير منسوب كما هنا فإنه يحمل على ابن عيينة ؛ لأنه مكثر من الرواية عن الزهري ، ولا يحمل على الثوري ؛ لأنه ليس معروفاً بالرواية عنه، وسفيان بن عيينة مكي والزهري مدني، ومعروف أن ابن عيينة من الرواة عنه والثوري كان في الكوفة وليس معروفاً بالرواية عن الزهري ، وإنما المعروف هو سفيان بن عيينة .

إذاً: إذا جاء سفيان مهملاً -أي: غير منسوب كما هنا- عن الزهري فيحمل على ابن عيينة ولا يحمل على الثوري .

[ عن الزهري ]

الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، وهو مشهور بنسبتين: نسبة الزهري كما هنا إلى جده زهرة ، ونسبة ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب ، وغالباً يقال فيه: ابن شهاب أو الزهري هذه شهرته، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قيل: إنه أول من عني بجمع سنة رسول الله صلى الله عليه بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.

وهذه الأولية تحمل على الأولية من جهة التكليف من ولي الأمر، وإلا فإن العناية بكتابة السنن حصلت في زمن الصحابة، وحصلت من بعض الصحابة، كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الأولية التي أضيفت إلى الزهري هي من جهة أنه كلف من ولي الأمر وهو الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.

ولهذا يقول السيوطي في الألفية:

أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمر

أي: عمر بن عبد العزيز .

و ابن شهاب الزهري حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء بن يزيد الليثي ].

عطاء بن يزيد الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي أيوب رواية ].

هو أبو أيوب الأنصاري واسمه خالد بن زيد وهو مشهور بكنيته أبي أيوب رضي الله تعالى عنه، وأبو أيوب الأنصاري هذا هو الذي نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في ضيافته أول ما قدم المدينة قبل أن يبني المسجد والحجرات المجاورة له.

وقد جاء في صحيح مسلم : أن بيته كان مكوناً من دورين، وكان قد أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدور السفلي، ثم جاء وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحول إلى الدور الأعلى، وأن يكون هو في الدور السفلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عند أصحاب الكتب الستة.

وكلمة: (رواية) هذه هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أنه يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك عبارات تؤدي معنى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) مثل: رواية أو مرفوعاً أو يرفعه أو ينميه، وهي عبارات معروفة عند علماء الحديث والمصطلح وهي بمعنى إضافة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها مختصرة، وهنا قال: رواية، يعني: أنه يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن أبي زيد عن معقل بن أبي معقل الأسدي قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط) .

قال أبو داود : وأبو زيد هو مولى بني ثعلبة ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث معقل بن أبي معقل الأسدي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط) ، وقوله هنا: (نهى أن نستقبل القبلتين) القبلتان هما: الكعبة المشرفة وبيت المقدس؛ لأن بيت المقدس هو القبلة الأولى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبلها قبل أن يهاجر، وبعد أن هاجر ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم حول إلى الكعبة المشرفة بعد ستة عشر شهراً.

وقيل في معنى القبلتين: إن المقصود بذلك أنه لا يستقبل القبلة -أي: الكعبة- ولا يستدبرها؛ لأنه إذا استدبرها فإنه يكون بذلك مستقبلاً بيت المقدس.

وهنا يستقيم المعنى مع الأحاديث من جهة أن فيه استقبالاً للكعبة أو استدباراً لها؛ لأن الاستدبار لها يكون فيه استقبال لبيت المقدس.

وقيل: إن المقصود بذلك: أن بيت المقدس كان قبلة فيما مضى، فمن أجل ذلك قيل فيه ما قيل هنا، وأنه لا يستقبل، لكن هذا لا يستقيم؛ لأن مقتضى هذا: أن من كان عن بيت المقدس من جهة الشرق لا يتجه إلى الغرب، ومن كان عنه من جهة الغرب لا يتجه إلى الشرق، وأن يعامل معاملة القبلة التي هي الكعبة المشرفة.

وهذا لم يأت في غير هذا الحديث، والحديث غير صحيح، واستقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط هذا جاءت فيه أحاديث أخرى، ولكن الإشكال هو أن بيت المقدس يعامل معاملة القبلة، وهذا لم يأت إلا في هذا الحديث فلا يعول عليه؛ لأنه ليس بثابت، أما إذا كان المقصود به أنه لا يستدبر القبلة حيث يكون من جهة الشمال؛ لأنه يكون بذلك جمع بين الأمرين مستقبلاً لبيت المقدس ومستدبراً للكعبة فهذا مستقيم من جهة استدبار الكعبة، والنهي عن الاستدبار قد جاءت فيه أحاديث صحيحة.

لكن إذا عمل بالحديث فمعناه: أن من كان شرق بيت المقدس لا يستقبل جهة الغرب، ومن كان غرب بيت المقدس لا يستقبل جهة الشرق فيكون بذلك معاملاً معاملة الكعبة، وذلك لم يأت إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل هو التبوذكي أبو سلمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو جد ابن أبي عاصم صاحب كتاب (السنة) من جهة أمه، فـأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد جده من جهة أبيه هو أحمد بن عمرو بن الضحاك ، وموسى بن إسماعيل هذا جده من قبل أمه.

وموسى بن إسماعيل هذا ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا وهيب ].

هو وهيب بن خالد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عمرو بن يحيى ].

عمرو بن يحيى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي زيد ].

أبو زيد هو مولى بني ثعلبة، وقيل: إن اسمه الوليد ، وهو مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة .

[ عن معقل بن أبي معقل الأسدي ].

معقل بن أبي معقل الأسدي صحابي أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

شرح أثر ابن عمر في جواز استقبال القبلة عند البول إذا وجد ساتر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن ! أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) ].

أورد أبو داود رحمه الله أن مروان الأصفر قال: (إن ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة وجعل يبول) يعني: وراءها، فجعلها له سترة بينه وبين القبلة، فقال له: (أليس قد نهى عن هذا؟) يعني: عن استقبال القبلة بالبول والغائط واستدبارها، فقال: (بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء)، يعني: إذا لم يكن هناك ما يستره، أما إذا كان هناك ما يستره فلا بأس بذلك.

وهذا يفيد بأن استقبال القبلة ببول أو غائط ينهى عنه إذا كان ذلك في الفضاء ومن غير ساتر، أما إذا كان هناك سترة بينه وبين القبلة فإن ذلك لا بأس به، وهذا الحديث محتمل بأن يكون في سفر وأن يكون في الحضر.

فالإنسان عليه أن يحرص دائماً وأبداً على ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، وإذا كان الأمر في فضاء وكان الأمر يتطلب كون الإنسان يقضي حاجته إلى سترة، أو أن يكون متجهاً إلى جهة أخرى فإن مقتضى هذا أنه يستتر بشيء، وهذا هو الأولى، فإذا أمكن أن يكون استتاره بالشيء إلى غير جهة القبلة فهذا هو الذي ينبغي؛ بحيث يجمع بين السترة بينه وبين من قد يراه من جهة الأمام وبين كونه غير مستقبلاً القبلة.

وهذا الحديث محتمل لأن يكون في السفر، وأن يكون في العراء والفضاء، وأن يكون في أماكن خالية، ويكون بذلك مستقبلاً القبلة، ولكن بينه وبينها راحلته التي يقضي حاجته متجهاً إليها.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [005] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net