اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [017] للشيخ : عبد المحسن العباد
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت تحت ابن أبي قتادة -: أن أبا قتادة رضي الله عنه دخل فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة : فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه: باب سؤر الهرة. أي: أنه طاهر وأنه يجوز استعماله سواء كان ماء أو غير ماء، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أن هرة جاءت وهو يريد أن يتوضأ فشربت من الماء الذي يريد الوضوء منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، وكانت زوجة ابنه التي وضعت له ماء الوضوء تنظر إليه مستغربة ومتعجبة من كونه فعل ذلك مع هذه الهرة، ثم توضأ بسؤرها وبفضل الماء الذي بقي بعد شربها، فلما رآها تنظر إليه نظر المستغرب والمتعجب قال: لا تعجبين يا ابنة أخي! فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنها ليست بنجس-أي: الهرة- إنها من الطوافين عليكم والطوافات) فهذا الحديث يدل على طهارة سؤر الهرة، وأنها ليست نجسة، وأنه يجوز استعمال ما يبقى منها سواء كان مشروباً أو مأكولاً.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) فسر بأنها مثل الخدم الذين يترددون عليكم وهم دائماً معكم، أو أن المقصود بذلك: أنها من الطوافين عليكم والطوافات الذين يريدون ما يفيدهم وينفعهم، ففي هذا إشارة إلى الإحسان إلى هذه الحيوانات وإطعامها وإسقائها، ففسر قوله صلى الله عليه وسلم: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) بهذا وبهذا، وكل محتمل، وكل صالح ومناسب.
قوله: [ عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أن أبا قتادة رضي الله عنه دخل فسكبت له وضوءاً ].
كبشة بنت كعب بن مالك كانت عند ابن أبي قتادة فدخل أبو قتادة عليها فسكبت له وضوءاً -يعني: فهيأت له وضوءاً وصبت وأفرغت ماءً من وعاء كبير في وعاء على قدر ما يتوضأ به، فعندما أراد أن يستعمل هذا الماء شربت منه هرة فأصغى الإناء لها يعني: أراد بذلك تمكينها من الشرب وعدم إخافتها والإحسان إليها.
قوله: [ فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة فشربت منه ].
فسكبت له وَضوءاً بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به، وقد ذكرنا أن هذه الألفاظ التي على هذا الوزن وعلى هذه الصيغة تأتي بالفتح وبالضم، فبالفتح تكون اسماً للشيء الذي يستعمل كالوَضوء: الماء الذي يتوضأ به، السَحور: الطعام الذي يتسحر به، والوَجور: الشيء الذي يوضع في الفم ويقطر في الفم للعلاج، والسَعوط: الشيء الذي يوضع في الأنف يستسعط به وهكذا، والطُهور والوُضوء والسُحور والوُجور والسُعوط بالضم اسم للفعل الذي هو عملية التوضؤ أو السّحر وضع الدواء في الأنف أو وضعه في الفم وما إلى ذلك.
قوله: [ قالت كبشة : فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم ].
قوله: (يا ابنة أخي) المقصود من هذا: الأخوة في الإسلام، وليست الأخوة من النسب؛ لأنها هي بنت كعب بن مالك وهو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه، ولكن هذا من الألفاظ التي يستعملونها في الخطاب، حيث يقول الصغير للكبير: يا عم! أو يقول الكبير للصغير: يا بني! أو يا ابن أخي! وغير ذلك من الألفاظ التي فيها لطف وفيها أدب وليس هناك أخوة نسبية ولا عمومة في النسب ولا بنوة في النسب وإنما هو من الأخلاق والآداب واللطف والكلام الحسن، فهذا هو معنى قوله: (يا ابنة أخي!) وهذه كلمة كان العرب يستعملونها يعن مثلما جاء عن عمر رضي الله عنه في قصة الغلام أنه قال: (يا ابن أخي! ارفع ثوبك).
قوله: [ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس) ].
ثم بين أن هذا العمل الذي عمله إنما هو مستند إلى سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان الأدلة التي يستدل بها على الأحكام؛ لأنه لما عمل هذا العمل وقد استغربته وتعجبت منه بين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات) فهي بحاجة إلى الإحسان لكثرة اختلاطها بأهل المنزل وأنها تماثل الذين يطوفون على الناس ويطلبون ويلتمسون برهم وإحسانهم، فهي من جملة من يستحق الإحسان، وفيه الإحسان إلى الحيوان؛ لأن هذا العمل الذي عمله أبو قتادة رضي الله عنه فيه إحسان، فهو ما اكتفى بكونها تشرب وهو ينظر إليها، بل أصغى لها الإناء حتى تتمكن من الشرب وحتى تطمئن إلى أن صاحبه ليس هناك مخافة منه، بل هو الذي يريد منها أن تفعل ذلك
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة ].
حميدة بنت عبيد بن رفاعة مقبولة أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة.
[ عن كبشة بنت كعب بن مالك ].
كبشة بنت كعب بن مالك قيل: لها صحبة، أخرج حديثها أصحاب السنن.
[أن أبا قتادة ].
هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه مشهور بكنيته أبي قتادة ، واسمه الحارث بن ربعي ، صحابي جليل مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها جيء إليها بهريسة -وهي طعام- في إناء وكانت تصلي، فأشارت للتي أتت به أن تضعه، وهذا يدل على أن المصلي إذا احتاج إلى إشارة وهو في صلاته أن ذلك لا بأس به؛ لأنها أشارت إليها وهي في الصلاة أن تضعها، وأيضاً قد جاء في الحديث في قصة الكسوف، وأنه لما جاء شخص والناس يصلون فأشارت برأسها إلى السماء يعني: أن هناك كسوفاً، وكان الشخص الذي جاء لا يعرف ما الذي حصل، فإشارة المصلي عند الحاجة لا بأس بها.
قوله: (فأشارت إليَّ أن ضعيها).
هذه حكاية عن مضمون ومقتضى الإشارة، وقد فهمت ذلك إشارة لا كلاماً؛ لأن الذي في الصلاة لا يتكلم، لكنه يمكن أن يشير عند الحاجة.
(فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة).
وفي الحديث أن الأمر لا يختص بالماء، بل حتى المأكولات، وفيه: استعمال فضل الهرة سواء كان طعاماً أو ماءً؛ لأن فعل عائشة يتعلق بالطعام، وما أسندته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلق بالماء؛ لأنه توضأ بفضل وضوئها، فكل هذا يدل على طهارة سؤرها سواء كان مأكولاً أو مشروباً.
قوله: [ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها) ].
وهذا أيضاً فيه ما في حديث أبي قتادة المتقدم من جهة أن ما يفعله الإنسان ويستغربه بعض الناس فإنه يذكر الدليل على ذلك، وعائشة رضي الله عنها لما أكلت من حيث أكلت الهرة أخبرت بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن الهرة: أنها من الطوافين والطوافات، وكذلك أنها رأته يتوضأ بفضل سؤرها.
عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وعبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن داود بن صالح بن دينار التمار ]
داود بن صالح بن دينار التمار صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ عن أمه ].
أمه لا تعرف، أخرج حديثها أبو داود .
[ عن عائشة رضي الله عنها ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق التي حفظت الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاسيما في الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء مما يجري بين الرجل وأهله، فإنها وعت السنن الكثيرة المتعلقة بشئون البيوت وغيرها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وقد نظمهم السيوطي في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر فـالخدري وجابر وزوجة النبي
والبحر هو: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقد ذكر الخطابي أن حكم الطهارة هذا يعم آثار كل طاهر الذات من السباع والدواب والطير وإن لم يكن مأكول اللحم؛ لأن الأشياء التي هي غير مأكولة اللحم سؤرها يكون طاهراً مثل الهرة، فالهرة غير مأكولة اللحم وسؤرها طاهر.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء بفضل وضوء المرأة]، يعني: أن المرأة إذا توضأت من إناء وبقي فيه شيء فإن لغيرها أن يتوضأ بهذا الباقي، وقد أورد أبو داود عدة أحاديث، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن ميمونة رضي الله عنها توضأت من جفنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتوضأ منها فقالت: إنها كانت جنباً فقال: (إن الماء لا يجنب)، وقد سبق أن ترجم المصنف بهذا الخصوص، وهي دالة على هذه الترجمة؛ لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل بقية الماء الذي توضأت منه، ولما أخبرته بأنها كانت جنباً وقد استعملته فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الماء لا يجنب) يعني: أن كونها أدخلت يدها فيه وهي جنب لا يؤثر فيه جنابة؛ لأن الجنابة وصف لمن حصلت له وهو الرجل أو المرأة الذي تحصل له جنابة، فوضع اليد في الإناء وفيه ماء لا يؤثر فيه ولا يغير طهوريته، بل هو باقٍ على طهوريته، ولهذا استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، فالترجمة دلت عليها أحاديث، ومن ذلك ما سبق أن مر في باب الماء لا يجنب، وهنا أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي ورسول صلى الله عليه وسلم وهما جنبان من إناء واحد.
قوله: [ قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان) ].
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه فضل وضوء المرأة: أنها كانت تغرف بيدها منه، ومعنى هذا: أنها قد استعملته، فاستعمال فضل وضوء المرأة عام سواء كان الرجل يغترف معها كما جاء في حديث عائشة هذا، أو أنها قد اغتسلت وانتهت من غسلها وجاء الرجل ليغتسل بما بقي منها، ويدل عليه الحديث الذي مر عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ميمونة أن النبي أراد أن يتوضأ بالماء الذي بقي من اغتسالها، فقالت له: إنها كانت جنباً، فقال: (إن الماء لا يجنب)، فدل هذا الحديث وذاك على أن ما تمسه المرأة بيدها وتغترف منه للاغتسال من الجنابة أنه يجوز للرجل أن يستعمله، وسواء كان هو وإياها كما في حديث عائشة هذا، أو كانت انتهت ولم يكن معها الرجل ثم جاء بعدما فرغت ليستعمل الذي بقي، كل ذلك فضل وضوء أو فضل اغتسال يجوز استعماله؛ لأن الحديثين دالان على هذا وهذا، سواء كانت المرأة تغترف معه فيعتبر من فضل استعمالها، أو كانت هي تغترف وحدها والرجل ليس معها ثم جاء بعد ليستعمل الماء الباقي، كل هذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقولها: (من إناء واحد) يعني: نغترف منه، فهو يضع يده وهي تضع يدها، هو يغرف وهي تغرف.
وقولها: (ونحن جنبان) يعني: أن كلاً منا جنباً. يعني: كنا نغتسل من الجنابة، وكل منا يرفع الحدث الأكبر، و(جنبان) فيها لغتان: قيل: إنها تثنى فيقال: (جنبان) كما هنا، وقيل: تأتي على لفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، فيقال: رجلان جنب ورجال جنب ورجل جنب.
مسدد هو ابن مسرهد ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[حدثنا يحيى ].
يحيى هو ابن سعيد القطان البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وقد ذكر الذهبي في كتابه (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) أن يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي إذا اتفقا على تضعيف شخص فإنهما لا يكادان يخطئان، وأنهما إذا وثقا شخصاً فإنه يعول على توثيقهما، وعبر عن أهمية جرحهما إذا جرحا، وأن جرحهما مؤثر حيث قال رحمه الله: إنهما إذا اتفقا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه. يعني: أن كلامهما يكون مصيباً ومطابقاً للواقع، ولهذا عبر عنه بهذه العبارة. فشبه الشخص الذي يتكلمان فيه بالشخص الذي يجرح ثم لا يبرأ جرحه ولا يندمل، بل يكون جرحه مفتوحاً والدم يظهر منه، وشبه ما يقولانه في جرح الرجال بما يحصل في جرح الجرح الحقيقي الذي هو إخراج الدم، وأن من الجروح ما يندمل بسرعة، ومنها ما يبطئ ويتأخر اندماله.
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه الصيغة من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني منصور ].
هو منصور بن المعتمر الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال عنه ابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد): إنه أول من عرف عنه أنه عبر بعبارة: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)، قال: وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.
[ عن الأسود ].
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة مر ذكرها.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم صبية وهي خولة بنت قيس أنها قالت: (اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد) يعني: أنهما كانا يغترفان من الإناء، هو يغترف وهي تغترف.. هو يتوضأ وهي تتوضأ، وقد ذكر صاحب (عون المعبود) أن في بعض النسخ: عن أم صبية عن عائشة . وعلى هذا فتكون عائشة هي التي حصل منها هذا الذي جاء في هذا الحديث من جهة الاغتراف والوضوء من إناء واحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما على أن التي فعلت ذلك مع رسول الله هي هذه المرأة الأجنبية، فقال العلماء: إن هذا يحمل على أنه كان قبل أن يفرض الحجاب، وأما على أنها عائشة وهذه تروي عن عائشة فإن الأمر لا إشكال فيه.
والمقصود من الترجمة بباب الوضوء بفضل وضوء المرأة: كونها تختلف اليد مع يد رسول الله، هو يأخذ وهي تأخذ، فهذا يعتبر فضل وضوئها؛ لأن ما بقي بعد أخذها في يدها يكون فضلاً.
هو عبد الله بن محمد بن علي النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسامة بن زيد ].
هو أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ابن خربوذ ].
ابن خربوذ هو سالم بن سرج بن خربوذ أبو النعمان المدني ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .
[ عن أم صبية الجهنية ].
أم صبية الجهنية هي خولة بنت قيس وهي صحابية حديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر : (كان الرجال والنساء في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضئون من الإناء الواحد. قال مسدد : جميعاً) يعني: أن أحد الشيخين -وهو مسدد - هو الذي أتى بهذه اللفظة وهي (جميعاً)، وأما قوله: (من الإناء الواحد) فرواها كلا شيخي أبي داود .
والمقصود: أنهم كانوا يتوضئون جميعاً من وعاء واحد أو من المكان الواحد.
وقوله: (في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) إضافتها إلى زمان النبوة، وأنهم كانوا يفعلون ذلك ولا ينكر عليهم دال على أن هذا مما أقروا عليه، وهذا كما جاء في حديث أبي سعيد : (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) فإضافة الشيء إلى زمن النبوة وأنه ما حصل إنكار عليه من النبي صلى الله عليه وسلم دال على مشروعيته.
مسدد مر ذكره، وحماد غير منسوب، هو ابن زيد ، فإذا جاء مسدد يروي عن حماد وهو غير منسوب فيحمل على حماد بن زيد ؛ لأنه يروي عن حماد بن زيد ولا يروي عن حماد بن سلمة ، وهذا عكس موسى بن إسماعيل الذي مر ذكره مراراً فإنه إذا روى عن حماد غير منسوب فهو حماد بن سلمة ؛ لأن موسى بن إسماعيل يروي عن حماد بن سلمة ، ومسدد يروي عن حماد بن زيد ، وحماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ ح وحدثنا عبد الله بن مسلمة ].
ح تدل على التحويل من إسناد إلى إسناد. وعبد الله بن مسلمة القعنبي مر ذكره.
[ عن مالك عن نافع عن ابن عمر ].
مالك ونافع وابن عمر قد مر ذكرهم.
أورد أبو داود حديث ابن عمر مثل الذي قبله: (كنا نتوضأ الرجال والنساء من إناء واحد ندلي فيه أيدينا) يعني: أنا نغترف منه بأيدينا الرجال يغترفون والنساء يغترفن، وكما هو معلوم هذا محمول على الأقارب الذين بعضهم محارم لبعض، كالزوج مع زوجته، والرجل مع أمه أو أخته، وأما بالنسبة للأجانب فإن هذا كان قبل الحجاب.
يحيى هو القطان وقد مر ذكره.
[ عن عبيد الله ].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني نافع عن عبد الله بن عمر ].
نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) زاد مسدد : (وليغترفا جميعاً) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [النهي عن ذلك]، يعني: النهي عن كون الرجل يغتسل بفضل المرأة أو المرأة تغتسل بفضل الرجل، وأورد قبل ذلك أحاديث الجواز، وهنا أورد أحاديث المنع، وأورد حديث رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) زاد مسدد : (وليغترفا جميعاً) يعني: أنه لا يتوضأ الرجل من الماء الذي توضأت به المرأة، ولكن إذا اغترفا جميعاً بحيث هو يغرف منه وهي تغرف منه فإن ذلك لا بأس به، وعلى هذا يكون النهي منصباً على ما إذا كان قد حصل الفراغ من الرجل أو المرأة ثم جاء الآخر ليتوضأ بالباقي، والأحاديث التي في الباب السابق فيها أنهم كانوا يغترفون جميعاً، وهو مطابق لما جاء في هذا الحديث، ولكن الحديث الذي في الباب السابق فيه: (الماء لا يجنب)، وهو يدل على أن فضل الماء الذي اغتسلت منه المرأة أو توضأت منه المرأة يستعمله الرجل، وأنه لا بأس به، وعلى هذا قال بعض أهل العلم: إنه يحمل ما جاء من النهي هنا على ما إذا كانت المرأة توضأت في إناء وتساقط فيه ما جرى على أعضائها كوجهها يديها ورجليها؛ لأن هذا ماء رفع به حدث فلا يرفع به حدث آخر، قالوا: فيحمل المنع على ما إذا كان الرجل أو المرأة توضأ أحدهما وجعل ما يتساقط في طست أو إناء كبير وجاء الآخر ليتوضأ أو ليغتسل؛ لأن هذا ماء مستعمل، وهو طاهر ليس بنجس ولكن رفع به حدث.
قالوا: وما جاء من النهي محمول على كراهة التنزيه لا التحريم؛ لأنه جاء ما يدل على ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إحدى زوجاته.
فيكون الجمع بين الأحاديث المانعة والأحاديث المسوغة: أن يحمل المنع على ما إذا كان الماء الذي هو فضل الوضوء هو المتساقط من أعضاء الرجل أو المرأة؛ لأنه رفع به حدث فلا يرفع به حدث آخر، أو أن المقصود بالنهي خلاف الأولى، أو كراهة التنزيه وليس التحريم.
وقوله: [ (وليغترفا جميعاً) ].
هذا يفيد بأن الاغتراف لا مانع منه، وهذا متفق مع الأحاديث التي مرت في الباب السابق التي فيها: (كنا نغترف)، ولكن الذي يختلف معه هو حديث: (إن الماء لا يجنب)، فذاك الحديث يعارض ويخالف هذا الحديث؛ لأن فيه أن الرسول استعمل ما بقي من استعمالها في الاغتسال، ولم يكن يغترف معها.
وسواء بدأت المرأة في الغرف أو بدأ الرجل قبلها كله سواء.
أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن داود بن عبد الله ].
هو داود بن عبد الله الأودي ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن.
[ ح وحدثنا مسدد حدثنا أبي عوانة ].
ح هي بمعنى التحول من إسناد إلى إسناد، ومسدد مر ذكره، وأبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة ، وهو غير أبي عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم ؛ لأن ذاك متأخر وهذا متقدم.
[ عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري ].
حميد الحميري هو حميد بن عبد الرحمن الحميري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [ لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة ].
يعني: أن هذا الحديث يعزوه إلى صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه صحبه هذه المدة التي تماثل صحبة أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم عام خيبر في السنة السابعة، وبعد ذلك صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه أربع سنين، وجهالة الصحابة كما هو معلوم لا تؤثر؛ فإن رجال الإسناد كلهم يحتاج إلى معرفة أحوالهم إلا الصحابة فإن المجهول فيهم بحكم المعلوم، وذلك لأنهم بعد تعديل الله عز وجل وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
أورد أبو داود حديث الحكم بن عمرو الأقرع رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) وهذا مطلق ليس فيه ذكر اغتراف، والجواب عنه هو مثل ما أجيب عن الحديث السابق، يعني: أنه يحمل على التنزيه.
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، والأئمة الستة رووا كلهم عن عدد ممن هم من شيوخهم، ومنهم محمد بن بشار هذا، ومحمد بن المثني الملقب بـالزمن وقد مر ذكره، ومنهم يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن معمر البحراني ومنهم عمرو بن علي الفلاس وغيرهم ممن يعتبرون شيوخاً لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو داود يعني: الطيالسي ].
أبو داود الطيالسي هو سليمان بن دواد الطيالسي ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عاصم ].
عاصم هو ابن سليمان الأحول والأحول لقبه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حاجب ].
أبو حاجب هو سوادة بن عاصم العنزي صدوق أخرج له أصحاب السنن.
[ عن الحكم بن عمرو وهو الأقرع ].
هو الحكم بن عمرو الأقرع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
الجواب: الفقهاء عندهم هذا وهذا، لكن لا أدري من الذي يقول بهذا ومن الذي يقول بهذا، فمنهم من يقول: إن الاغتراف لا يجوز ويعد الماء الذي غرف منه ماءً مستعملاً، ومن باب أولى المتساقط من الماء، وحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل والرجل بفضل المرأة) يحتجون به على أن المتساقط لا يجوز استعماله.
والذي يبدو أن الماء المتساقط لا يستعمل؛ لأن ما رفع به حدث لا يرفع به حدث آخر.
وهذا مثل الحصى التي ترمى بها الجمار؛ فإن بعض أهل العلم يقول: يرمى بها، وبعضهم يقول: لا يرمى بها؛ لأنها استعملت في عبادة وأدي بها واجب فلا يؤدى بها واجب آخر، ولهذا في كتب الفقه: ولا يرمى بحصى رمي به.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [017] للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net