إسلام ويب

من رحمة الله بعباده أن جعل النوافل من العبادات متممة للفرائض، فإذا حصل نقص في الفريضة أكمل ذلك النقص من النافلة، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية المحافظة على النوافل، فهي السياج الواقي للفريضة. وقد وردت أحاديث كثيرة مبينة لأذكار الركوع والسجود بصيغ متعددة، مثل: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، ويمكن أن يجمع إليها ما ورد من الصيغ الأخرى.

ما جاء في إتمام الفرائض من النوافل

شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه).

حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة رضي الله عنه قال: فنسبني فانتسبت له، فقال: يا فتى ألا أحدثك حديثاً؟ قال: قلت: بلى رحمك الله، قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز جل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه) ].

المقصود من هذه الترجمة: أن الفرائض إذا حصل فيها شيء من النقص وكان هناك نوافل، فإن ذلك النقص يكمل من النوافل، وفي ذلك ترغيب في النوافل وحث عليها؛ لأنها مكملة ومتممة للفرائض، بحيث أن الذي يتساهل فيها يتساهل في الفرائض، والذي يحافظ عليها يحافظ على الفرائض.

وعلى هذا فالنوافل شأنها عظيم والاهتمام بها عظيم، وفائدتها كبيرة؛ لأنها تكون وقاية للفرائض، ولأنها تتم بها الفرائض إذا كان هناك نقص فيها عند المحاسبة.

هذه هي الترجمة التي أوردها الإمام أبو داود رحمه الله، وأتى بها على وفق ما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أن النوافل تكمل الفرائض إذا حصل فيها نقص.

وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ثم قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

فالنوافل شأنها عظيم؛ إذ بها تضاعف الأجور، وهي كالسياج الذي يحافظ به على الفرائض.

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها كبير، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة، وآخر ما يفقد في هذه الحياة.

والإنسان إذا كان مفلحاً في صلاته، وقائماً بما يجب عليه فيها، فإنه يرجى أن يكون فيما وراء ذلك على التمام وعلى وجه حسن، وإذا كان بخلاف ذلك في الصلاة فما سواها يكون من باب أولى.

قوله: [ (قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة) ].

يعني: أنه حصل في فرضه على التمام والكمال.

[ (وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ].

يعني: باقي الأعمال من بعد الصلاة، كذلك الصلاة إذا كان الإنسان عنده خلل أو تقصير، فإن النوافل من الصدقات تتم بها، وكذلك الصيام والحج وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه)

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ].

هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسماعيل ].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يونس ].

هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن حكيم الضبي ].

أنس بن حكيم الضبي مستور، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

معنى قوله: (فنسبني فانتسبت له)

[ قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة ].

يعني: هذا الرجل الذي هو أنس بن حكيم خاف من زياد أو ابن زياد أمير من الأمراء، فأتى المدينة ولقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال: فنسبني فانتسبت له، يعني: قيل: إن معناه أنه طلب منه أن يعرف بنفسه فانتسب له، وقيل: إن كل واحد منهما عرف بنفسه فيكون أبو هريرة عرف بنفسه وهذا عرف بنفسه، ولعل الأقرب: أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه؛ لأن أبا هريرة معروف ولا يحتاج إلى أن ينتسب له وأن يعرف بنفسه؛ ولأنه جاء إلى أبي هريرة وهو يعرف أنه أبو هريرة .

والذي يبدو أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه، كما هو شأن الشخص الغريب الذي يأتي وُيسأل ممن هو حتى يعرف.

و زياد هو أمير من الأمراء، ما أدري هل هو زياد ابن أبيه أم لا؟ أما ابن زياد فهو عبيد الله بن زياد وكل منهما كان أميراً.

والتعارف أمر مطلوب يدل عليه هذا الحديث، وحديث الباقر مع جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابراً سألهم عن أسمائهم واحداً واحداً حتى وصل إلى الباقر فعرفه بنفسه، فوضع يده على صدره فجعل يحدثه بحديث الحج الطويل.

قوله: [ قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

وهذا يونس بن عبيد يحسب أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء رفعه أو لم يرفعه فمثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب.

شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه: أنه قال بدل أنس بن حكيم : عن رجل من بني سليط، وقيل: إن هذا الرجل هو أنس بن حكيم ، لكن جاء غير مسمى هنا.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حميد ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ].

أي: بنحو الحديث الذي تقدم.

والحديث كما هو معلوم فيه هذا الرجل في الإسناد الأول مسمى وهو أنس بن حكيم ، وفي الثاني مبهم وقيل: إنه نفسه أنس بن حكيم ، لكن الحديث الذي سيأتي حديث تميم الداري شاهد له.

شرح حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى قال: (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث تميم الداري وقال: إنه بنحو حديث أبي هريرة المتقدم، وهو شاهد له، ودال على ما دل عليه، وفي هذا الإخبار عن الأمر المستقبل، وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تصديقها، وأن ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الأمور المغيبة سواء كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة لا نشاهدها ولا نعاينها الواجب تصديقها؛ لأن هذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إخبار عن أمر مستقبل وهو أن الصلاة أول ما يحاسب عليه، وهو كما أسلفت يدل على عظم شأن الصلاة، وأن أمرها خطير، وأن الواجب على الإنسان أن يحافظ ويحرص عليها.

وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء) وقد يقال: إن بينهما شيئاً من التعارض، ولكن لا تعارض؛ لأن الصلاة فيما يتعلق بحقوق الله هي أول شيء يحاسب عليه، وأول شيء فيما يكون بين الناس يقضى ويحاسب فيما بينهم في الدماء، فيكون الأول يحمل على حقوق الله، والثاني يحمل على حقوق الناس وما يكون بينهم، فلا تعارض بين ما جاء في هذا الحديث وبين الحديث الآخر الذي فيه: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).

تراجم رجال إسناد حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند ].

داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن زرارة بن أوفى ].

زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن تميم الداري ].

تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

ما جاء في وضع اليدين على الركبتين

شرح حديث: (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود: باب وضع اليدين على الركبتين:

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي يعفور ، قال أبو داود : واسمه وقدان ، عن مصعب بن سعد أنه قال: (صليت إلى جنب أبي رضي الله عنه فجعلت يديَّ بين ركبتيَّ، فنهاني عن ذلك فعدت، فقال: لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ].

أورد أبو داود رحمه الله: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود ]، وبدأ بوضع اليدين على الركبتين في الركوع، وأن السنة هي وضع اليدين على الركبتين وليس جعلهما بين الفخذين، وقد كان ذلك مشروعاً قبل ذلك ثم نسخ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وأمر بوضع الأيدي على الركب، ويسمى وضع اليدين بين الفخذين: التطبيق، بحيث يطبق اليد على اليد ويجعلهما بين فخذيه، هذا كان في أول الأمر، ثم نسخ بوضع الأيدي على الركب، كما جاء ذلك مبيناً في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي أورده المصنف رحمه الله تعالى، حيث قال ابنه مصعب : (صليت إلى جنب أبي فوضعت يدي بين ركبتي) أي: طبق بينهما، فنهاني، ثم عدت إليه مرة أخرى، ولعل كونه عاد إليه إما نسياناً أو لكونه كان معروفاً عند بعض الناس، فبين له أبوه رضي الله عنه بأنهم نهوا عن ذلك وأمروا بأن يضعوا أيديهم على ركبهم.

قوله: [ (لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. يعني: كنا نفعل هذا الذي فعلته وهو التطبيق، فنهينا عنه وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب.

وقول الصحابي: (نهينا وأمرنا) له حكم الرفع؛ لأن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إذا قال: (أُمرت بكذا أو نُهيت عن كذا)، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يأمره وينهاه عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].

حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي يعفور ].

أبو يعفور اسمه وقدان وقيل: واقد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : واسمه وقدان ].

هذا كلام أبي داود في بيان أن اسمه وقدان ؛ وذلك لأن هناك أبا يعفور الأصغر وأبو يعفور الأكبر، وهذا هو أبو يعفور الأكبر .

[ عن مصعب بن سعد ].

هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: صليت إلى جنب أبي ].

أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة صاحب المناقب والفضائل رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه، فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في التطبيق، وأنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه) يعني: يجعل الذراعين على الفخذين، ويجعل الكفين بين الفخذين مطبقتين. قوله: [ (كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: بهذا التطبيق الذي قد حصل.

ومن المعلوم أن هذا منسوخ كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم، حيث قال: (كنا نفعل ذلك فنهينا عنه، وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب) ولا شك أن وضع الأيدي على الركب أسلم وأمكن؛ لأن وضعها على الركب فيه اعتماد عليها، بخلاف ما إذا كانت بين الفخذين فإن الأمر يختلف؛ لأن هذا فيه اعتماد اليدين على الركبتين وفيه مجافاة، وأما التطبيق فقد كان موجوداً أولاً ثم نهي عنه كما في حديث سعد ، ولهذا ذكر الناسخ أولاً، ثم ذكر بعده المنسوخ، وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.

أما عن طريقة أبي داود من حيث الاستقراء فلا أدري هل هو يقدم الناسخ باستمرار ويؤخر المنسوخ؟ لكن المعروف عن الإمام مسلم رحمه الله أنه يقدم المنسوخ ثم يأتي بالناسخ كما ذكر ذلك النووي عند أحاديث نقض الوضوء من مما مست النار، فإنه ذكر الأحاديث التي فيها النقض، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها أنه لا ينقض، وقال النووي : إن طريقة الإمام مسلم أنه يقدم المنسوخ على الناسخ، وهنا في هذا الموضع قدم أبو داود الناسخ على المنسوخ، فلا أدري هل هذه الطريقة له، أو أنه يأتي عنه أشياء تخالف هذه الطريقة؟ وهذا يمكن أن يعرف في المستقبل، ولا شك أن الحكم هو للناسخ، ولهذا ترجم به فقال: وضع اليدين على الركبتين، هذا هو الحكم الثابت المستقر، وإنما الكلام في التقديم والتأخير، هل طريقة أبي داود أنه يقدم الناسخ على المنسوخ كما هو الحال هنا، أو أنه يتفق في هذا الموضع هكذا ويمكن أن يأتي في مواضع أخرى يختلف عن هذا الموضوع؟ الله أعلم.

قوله: [ (فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

يعني: أن بينهن شيئاً من التقدم والتأخر؛ لأنه ليس تشبيكاً وإنما هو تطبيق.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ].

محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو معاوية ].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم ].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن علقمة ].

هو علقمة بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ والأسود ].

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله ].

هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة، وقد قيل: إنه أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ لأن المقصود بالعبادلة الأربعة هم صغار الصحابة الذين كانوا في عصر واحد، وقد أدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فإنه متقدم الوفاة، إذ أن وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأما العبادلة الأربعة فإنهم تأخروا وعاشوا بعد ذلك ثلاثين سنة أو أكثر من ثلاثين سنة، فأدركهم من لم يدرك ابن مسعود وأخذ عنهم من لم يأخذ عن ابن مسعود ، وكان يقال لهم: العبادلة، فالمشهور أن العبادلة الأربعة هم الصغار من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

شرح حديث: (لما نزلت: (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده:

حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة وموسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا ابن المبارك عن موسى -قال أبو سلمة : موسى بن أيوب - عن عمه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ] يعني: ما يقوله من الذكر؛ لأن هذه الترجمة تتعلق بالذكر، وبعدها ستأتي ترجمة تتعلق بالدعاء في الركوع والسجود.

ومن المعلوم أن هناك أذكاراً وأدعية، فالأذكار هي التي فيها ثناء على الله وتمجيد لله وتسبيح لله وتعظيم لله، والدعاء هو طلب العبد كأن يقول: اللهم أعطني كذا، اللهم حقق لي كذا، فهنا أتى بترجمتين: باب ما يقول في الركوع والسجود، وترجمة: باب في الدعاء في الركوع والسجود، ولا تنافي بين الترجمتين؛ لأن هذه الترجمة كلها أذكار، والترجمة التي بعدها كلها أدعية، هذا هو الفرق بين الترجمتين، هذه ثناء على الله وتعظيم لله وتمجيد لله، وتلك -التي ستأتي- مطالب من العبد يسألها من ربه ويرجو من ربه أن يحققها له، وأن يتقبل منه.

أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (لما نزل قول الله عز وجل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم) يعني: قولوا: سبحان ربي العظيم في الركوع.

قوله: [ (ولما نزل قول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ] يعني: قولوا: سبحان ربي الأعلى في السجود.

وقد جاء في السجود ذكر الأعلى؛ لأن هذا المقام الذي يكون فيه العبد في غاية الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، فناسب أن يأتي وصف الله بالأعلى الذي هو العلو المطلق ذاتاً وقدراً وقهراً، ففي هذه الهيئة التي هو عليها وقد ذل لله وخضع وجعل أشرف شيء فيه على الأرض خضوعاً لله وذلاً لله سبحانه وتعالى يقول العبد فيها: سبحان ربي الأعلى.

وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.

تراجم رجال إسناد حديث: (لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم...)

قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ].

الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ وموسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ المعنى ].

يعني: أن هذا الذي جاء عن الشيخين ليس متفقاً في اللفظ والمعنى، وإنما الاتفاق في المعنى، مع وجود شيء من الاختلاف في الألفاظ.

[ حدثنا ابن المبارك ].

هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه بعض أهل العلم: جمعت فيه خصال الخير، وقال بعض أهل العلم: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة.

[ عن موسى قال أبو سلمة : موسى بن أيوب ].

يعني: الربيع بن نافع قال: عن موسى فقط ولم ينسبه، وأما موسى بن إسماعيل فإنه نسبه، وأبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود الثاني ذكره أولاً باسمه ثم ذكره بكنيته أبو سلمة التبوذكي .

ومعرفة الكنى للمحدثين مهمة عند العلماء؛ لأن الذي لا يعرفها قد يظن أن أبا سلمة شخص آخر غير الذي مر، مع أن أبا سلمة هو موسى بن إسماعيل إلا أنه ذكر أولاً باسمه وذكر هنا بكنيته. وفائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث ألا يظن أن الشخص الواحد شخصان؛ ولهذا فإن معرفة الكنى مهمة لا سيما من اشتهر بكنيته، فأحياناً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب يذكر شيوخ أو تلاميذ الرجل يقول: روى عنه أبو موسى وأبو موسى هو محمد بن المثنى ، فالذي لا يعرف أن محمد بن المثنى كنيته أبو موسى يمكن أن يبحث ويقول: محمد بن المثنى ما وجدته.

موسى بن أيوب الغافقي مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة .

[ عن عمه ].

وهو إياس بن عامر الغافقي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة، يعني مثلما قيل في ابن أخيه.

[ عن عقبة بن عامر ].

هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

و أبو توبة هذا هو الربيع بن نافع الحلبي وهو الذي جاء عنه أنه قال: إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن اجترأ عليه اجترأ على غيره. يعني: من تكلم فيه سهل عليه أن يتكلم في غيره.

شرح حديث: (كان رسول الله إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث -يعني ابن سعد - عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب عن رجل من قومه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه بمعناه، زاد قال: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاثاً)، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده (ثلاثاً)) ].

قال أبو داود : وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة ].

يعني: قوله: [ (وبحمده) ] قال: أخاف ألا تكون محفوظة، يعني: أنها شاذة؛ لأنها جاءت من هذا الطريق الذي فيه شيء من الكلام، والألباني في كتابه (صفة الصلاة) ذكر أنها ثابتة، ولعل هذا من طرق أخرى أو من أوجه أخرى غير هذا الوجه الذي قال عنه أبو داود : نخاف ألا تكون محفوظة.

قوله: [ (ثلاثاً) ] يعني: أنها تكرر، وهذا الذي يقول عنه العلماء: أدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر، وهو الذي جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه صلى بالناس به، وأنهم حزروا له في سجوده سبحان ربي الأعلى عشر مرات، وقال عنه أحد الصحابة: ما رأيت أشبه من هذا الفتى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: عمر بن عبد العزيز .

فالعلماء يقولون: الواجب واحدة، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، وهو الذي قال عنه الإمام أحمد : شيخ الإسلام، لقبه بشيخ الإسلام وهو لقب عظيم يدل على مكانته وعلو منزلته، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث يعني ابن سعد ].

هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب ].

يعني: شك، ولكن سبق أن مر أنه موسى بن أيوب وليس أيوب بن موسى .

[ عن رجل من قومه ].

هو عمه إياس بن عامر الذي ذكر في الإسناد الذي قبل هذا.

[ عن عقبة بن عامر ].

هو عقبة بن عامر الجهني وقد مر ذكره.

[ قال أبو داود : انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين: حديث الربيع وحديث أحمد بن يونس ].

يعني: الإسناد الأول هو الربيع بن نافع وموسى بن إسماعيل البصري ، وعبد الله بن المبارك ، مروزي، لكن من موسى بعد ذلك يكونون مصريين، في هذا الإسناد من موسى بن أيوب إلى عقبة بن عامر مصريون، وعقبة بن عامر مصري أيضاً؛ لأنه نزل مصر وينسب إليها.

أما الإسناد الثاني فكلهم مصريون، بخلاف الأول.

ففي الإسناد الثاني إلى أن وصل إلى أبي داود مصريون، وأما الإسناد الأول فقبل أن يصل إلى أبي داود ليسوا مصريين.

شرح حديث حذيفة: (... فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: قلت لـسليمان : أدعو في الصلاة إذا مررت بآية تخوف؟ فحدثني عن سعد بن عبيدة عن مستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ) ].

أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه وهو أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وأنه ما مر بآية فيها خوف إلا تعوذ، وما مر بآية فيها رحمة إلا وقف عندها فسأل.

وهذا الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو في صلاة الليل، وبعض أهل العلم يقول: إنه يفعل ذلك في الفريضة وفي النافلة، لكن كونه لم يحفظ في الفريضة وإنما جاء في النافلة الأولى أن يؤتى به في النافلة دون الفريضة.

تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (... فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: قلت لـسليمان ].

هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي مر ذكره.

[ فحدثني عن سعد بن عبيدة ].

سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مستورد ].

هو مستورد بن الأحنف وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن صلة بن زفر ].

هو صلة بن زفر العبسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حذيفة ].

هو حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) فهذا كله ذكر لله عز وجل، وتنزيه وتقديس له، وثناء عليه وتمجيد له.

قوله: [ (رب الملائكة والروح) ] الروح هو جبريل كما قال الله عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:193] وإنما عطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، ومنه قوله عز وجل: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4] فيكون جبريل ذكر مرتين للاهتمام به وللتنويه بشأنه، مرة ذُكر مع غيره؛ لأنه واحد من الملائكة، ومرة ذُكر بالتنصيص، وذكر في سورة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4] وهو أيضاً من باب عطف الخاص على العام؛ اهتماماً بالخاص وتنويهاً بقدره.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام ].

هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مطرف ].

هو مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (... يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة) ].

من المعلوم أن الركوع يعظم فيه الرب، كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسجود يكثر فيه من الدعاء كما جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا مانع في الركوع من الدعاء قليلاً، ولا مانع في السجود من التعظيم لله سبحانه وتعالى أقل من الدعاء، بحيث يكون الغالب على السجود الدعاء وفيه ذكر لله عز وجل مثل: سبحان ربي الأعلى، وكذلك: سبوح قدوس الذي مر في الحديث الماضي، وكذلك هذا الحديث الذي يقول في ركوعه وسجوده: (سبحان ذي الجبروت...) إلى آخره، أي: أن كلاً من السجود والركوع يأتي فيهما الذكر والدعاء، ولكن الغالب على الركوع التعظيم لله عز وجل والذكر لله سبحانه وتعالى، والغالب على السجود الدعاء، وقد جاء الجمع بين الدعاء والذكر في كل من الركوع والسجود في حديث عائشة الذي سيأتي، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام بعدما أنزلت عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] كان يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) يعني: (سبحانك اللهم وبحمدك) ثناء وتعظيم لله عز وجل.

وقوله: [ (اللهم اغفر لي) ] دعاء، فجمع بين الذكر والدعاء في الركوع والسجود.

سبق أن مرت بعض الأحاديث في هذه الترجمة وهي أحاديث تتعلق بذكر الله عز وجل والثناء عليه، وهذا الحديث الذي أورده أبو داود هنا وهو حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة من الليالي وصلى معه صلاة الليل، فاستفتح فقرأ بسورة البقرة، فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية عذاب إلا تعوذ، ثم ركع وأطال الركوع مثل قيامه، وكان يقول فيه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، وهذا كله تعظيم لله سبحانه وتعالى.

قوله: [ (والملكوت) ] يعني: مالك الملك ومتصرف في الكون كيف يشاء.

قوله: [ (والجبروت) ] يعني: كونه الجبار، قهر كل شيء وغلبه.

قوله: [ (والعظمة) ] يعني: كونه ذا عظمة، ولهذا جاء في الركوع: سبحان ربي العظيم.

قوله: [ (والكبرياء) ] يعني: أن من صفاته سبحانه الكبرياء، وليس لأحد أن يتصف بهذه الصفة، فهذه من صفات الله سبحانه وتعالى التي اتصف بها.

قوله: [ (ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك) ].

يعني: مثل هذا الثناء الذي هو: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة).

قوله: [ (ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة) ].

يعني: في كل ركعة يأتي بسورة.

حكم التنويع بين أذكار الركوع والسجود

ولا يفهم من ذلك: أنه اقتصر على هذا الذكر دون قوله: سبحانه ربي العظيم أو سبحان ربي الأعلى، بل هذا مما جاء فيه، وأما سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى فهذه يؤتى بها في كل ركعة، ولكن يمكن أن يجمع بينهما، يعني: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وبين: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، ويأتي بالثناء على الله عز وجل وبالأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتنوعة في السجود، ولا يقال: يأتي بهذه تارة وبهذه تارة ولا يجمع بينها لا؛ لأن هذا موطن يطال فيه السجود ويؤتى فيه بالأدعية المختلفة، بخلاف الاستفتاح فإنه لا يطال فيه، ولا يجمع فيه بين الأدعية المختلفة التي وردت، بل يأتي بهذا أو بهذا أو بهذا، أما أن يجمع بين الأدعية المتنوعة، ويجلس مدة طويلة قبل أن يقرأ الفاتحة ليأتي بها، فلا؛ لأن هذا ليس موطناً للجمع بين تلك الأدعية المتنوعة، وكذلك مثل: ألفاظ التشهد والأذان لا يجمع بين الأنواع منها، وإنما يؤتى بهذا أحياناً وبهذا أحياناً، أما بالنسبة للسجود فلا يقال: إنه يقتصر على أحدها ويأتي بهذا مرة وبهذا مرة، وأنه لا يجمع بينها، وكذلك في الركوع لا يقال: إنه لا يجمع بين هذا وهذا، يمكن أن يقول: (سبحان ربي العظيم) ويقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) ويقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) كل ذلك يمكن أن يجمع؛ لأنه يجوز أن يطيل الركوع والسجود ويأتي بالأدعية المختلفة.

أما سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم، فقد قال بعض أهل العلم بوجوبها وأنه لا بد منها، فلا يستعاض عنها بشيء، لكن يؤتى بها ويؤتى معها بأشياء أخرى.

تراجم رجال إسناد حديث (...يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا معاوية بن صالح ].

معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عمرو بن قيس ].

عمرو بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.

[ عن عاصم بن حميد ].

عاصم بن حميد صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ عن عوف بن مالك الأشجعي ].

عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (...وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي وعلي بن الجعد قالا: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فكان يقول: الله أكبر ثلاثاً، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول: لربي الحمد، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام) شك شعبة ].

أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وقد سبق أن مر، وهذه طريق أخرى عن حذيفة وفيها أنه قام وصلى معه في الليل، وقد سبق في الرواية السابقة أنه كان يتعوذ عند آية العذاب، ويسأل عند آية الرحمة، وهو مثل ما جاء في حديث عوف بن مالك الأشجعي المتقدم في صلاة الليل، وكان قد أطال القراءة حيث قرأ البقرة والنساء وآل عمران، فيدل هذا الحديث على أن حذيفة صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مبين لما أجمل في الحديث المتقدم حيث لم ينص فيه على قيام الليل، وأنه عندما استفتح الصلاة كبر وقال: (الله أكبر).

قوله: [ (ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ سورة البقرة ثم ركع فكان في ركوعه نحواً من قيامة، وكان يقول في ركوعه: سبحان رب العظيم.. سبحان ربي العظيم) ].

يعني: أنه أطال الركوع، وكان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم)، لكن لا يعني أنه لا يقول غير ذلك.

قوله: [ (ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول لربي الحمد) ].

وهذا فيه إطالة القيام بعد الركوع، ومن المعلوم أن هذه صلاة خاصة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) أي: أن هذا شيء يرجع إليه وليس متعلقاً بغيره أو ملاحظاً فيه غيره.

قوله: [ (ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) ].

يعني: كان يطيل السجود، ويقول فيه: سبحان ربي الأعلى، لكنه كما هو معلوم لا يقتصر عليه، ولكن هذا مما جاء ذكره وبيانه في هذا الحديث أنه يقول: سبحان ربي الأعلى، ولهذا نجد أن كثيراً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، ويقول في الركوع غير ذلك، ويقول في السجود غير ذلك.

قوله: [ (وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي) ].

وليس معنى ذلك: أنه يقتصر عليها ولا يزيد عليها، وإنما يأتي بما ورد، ومنه كونه يستغفر الله عز وجل ويكرر ذلك.

والسنة الاقتصار على ما ورد، لاسيما فيما بين السجدتين، وأما بالنسبة للسجود فله أن يدعو بما شاء، ولهذا قال في الحديث: (فأكثروا من الدعاء) فإذا سأل الله عز وجل في سجوده بما يريده من خيري الدنيا والآخرة فله ذلك، ولكن كونه يحرص على أن يكون دعاؤه بالأدعية التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا هو الأولى.

قوله: [ (فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام) شك شعبة ].

يعني: أن الركعة الأخيرة حصل فيه شك من شعبة أحد رواة الحديث، هل هي المائدة أو الأنعام.

تراجم رجال إسناد حديث (...وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم...)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو داود يروي عنه بواسطة وبغير واسطة، وأحياناً يكنيه مع نسبته الطيالسي كما هنا، وأحياناً يسميه فيقول: حدثنا هشام بن عبد الملك .

[ وعلي بن الجعد ].

علي بن الجعد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود .

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن مرة ].

عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي حمزة مولى الأنصار ].

هو طلحة بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن رجل من بني عبس ].

هنا مبهم، وقد سبق أن مر في الحديث السابق وفيه: صلة بن زفر العبسي ، فالظاهر أن هذا الذي أبهم هنا وقيل: إنه من عبس هو صلة بن زفر العبسي .

وصلة بن زفر يروي عن حذيفة وهو عبسي، وهنا قال: عن رجل من بني عبس وهو صلة بن زفر ، وصلة بن زفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حذيفة ].

هو حذيفة بن اليمان صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ومحل الشاهد من إيراد الحديث في باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده كونه يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، هذا هو المطابق للترجمة، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.

الأسئلة

الفرق بين أن يرقي المرء نفسه وبين أن يرقيه غيره

السؤال: ما الفرق بين كون الرجل يرقي نفسه وبين أن يسترقي من غيره؟

الجواب: بينهما فرق، كون المرء يرقي نفسه هو أن يقرأ وينفث على نفسه، أما كونه يسترقي فهو يطلب من غيره أن يرقيه، وذلك بأن ينفث عليه ويقرأ.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [112] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net