إسلام ويب

ورد في بعض الأحاديث الشريفة جواز اعتماد المصلي على عصا إذا احتاج إلى ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الكلام في الصلاة، وورد أنه يسوغ للمصلي أن يصلي قاعداً في الفرض إن عجز عن القيام، وأن يصلي مضطجعاً إن عجز عن القعود، ويجوز لكل متنفل أن يصلي قاعداً، لكن أجره على النصف من أجر القائم.

الرجل يعتمد في الصلاة على عصا

شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب الرجل يعتمد في الصلاة عصا.

حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه) ].

كلمة عن موت الشيخ الألباني رحمه الله تعالى

رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء) .

هذا الحديث الشريف يدلنا على أهمية العلم، وعلى عظم شأن العلماء، وأن فقدهم وذهابهم إنما هو قبض للعلم، وأن الله عز وجل لا يقبض العلم من قلوب الرجال بحيث يكون الإنسان عنده علم ثم يصبح وليس عنده علم، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).

هذا هو شأن العلماء وهذه هي منزلتهم، حيث وصفهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم وُرّاث الأنبياء، ونعم الميراث ذلك الميراث، ألا وهو العلم الشرعي النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو العلم الحقيقي الذي هو علم الكتاب والسنة.

وإن قبض العلماء -كما جاء في كلام بعض أهل العلم- ثلمة في الدين، ونقص للمسلمين، وإن مما حصل في الليلة الماضية أنه قد توفي العالم الكبير والمحدث الشهير العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له، وهو في الحقيقة عالم كبير، ومحدث مشهور، وله جهود عظيمة في خدمة السنة، وفي العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان مصادر تلك الأحاديث، والكتب التي ذكرتها، وبيان درجتها من الصحة والضعف، ومن ذلك هذا الكتاب الذي نشرحه وهو سنن أبي داود ، فإن له فيه وفي غيره جهوداً، حيث اعتنى بذكر ما صح وما ضعف، فجهوده عظيمة، وخدمته للسنة مشهورة، ولا يستغني طلبة العلم عن الرجوع إلى كتبه وإلى مؤلفاته، فإن فيها الخير الكثير وفيها العلم الغزير، وإن ذهاب مثل هذا العالم نقص على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله عز وجل أن يعوض المسلمين خيراً، وأن يوفق المسلمين لما فيه الخير، وأن يوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطبله ومعرفته، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

وهو رحمة الله عليه وإن كان له بعض الآراء التي نعتبره قد أخطأ فيها، ولكنها مغمورة في بحور صوابه، وفيما حصل على يديه من الخير والنفع للمسلمين من خدمة سنة المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الأمور التي حصلت منه -والتي نعتبرها أخطاء- هو مجتهد فيها، وهو مأجور على اجتهاده، ولكن ذلك لا يجعل الإنسان يتساهل أو يتهاون في علمه الكثير الغزير، وفي نفعه العظيم العميم، فإنه بحق من العلماء الأفذاذ الذين اشتهروا في هذا العصر، والذين لهم جهود في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي بداية النصف الأول من هذا العام -الذي هو عام عشرين بعد الأربعمائة والألف- فقد المسلمون فيه عالماً كبيراً من العلماء الربانيين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، وتوفي في آخر النصف الأول أيضاً من هذا العام العالم الكبير والمحدث المشهور: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عز وجل، وقد توفي بينهما الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله الذي كان يدرس على هذا الكرسي، فهؤلاء علماء قد فقدناهم في النصف الأول من هذا العام، فنسأل الله عز وجل أن يغفر للجميع وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، فإن هذين العالمين -فيما نحسب- من العلماء الكبار الجهابذة المحققين الذين عندهم العناية الفائقة بالعلم، وعندهم الهمة العالية، وقد حصل على أيديهم الخير الكثير، والنفع العظيم للإسلام والمسلمين، فجزاهم الله عز وجل أحسن الجزاء، وغفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم، وختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

قوله: [باب الرجل يعتمد في الصلاة على العصا].

يعني: هل له ذلك أو ليس له ذلك؟

فالمصلي إذا كان محتاجاً إلى أن يستعمل العصا وأن يعتمد عليها في قيامه فله ذلك، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا يفعلون ذلك، وجاء في ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ضعفه العالم المحدث الذي توفي في الليلة الماضية: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .

ومقتضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولا يعول على حديثه ولا يحتج به.

ولكن قد جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاة التراويح، ومن المعلوم أن القيام في الصلاة من أركان الصلاة وإذا كان الإنسان يقدر على أن يقوم، ولكنه إذا كان يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فله ذلك، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان سبب الحديث أن أحد رواته جاء إلى مكان يقال له: الرقة، -وهي بلد معروف- فقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هل لك رغبة في أن تلتقي برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم لما كانوا موجودين في زمن التابعين، كان التابعون يعتبرون الالتقاء بهم من أجل المكاسب ومن أعظم الغنائم، وكانوا يحرصون على أن يلقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يلقاهم ينظر إلى العيون التي نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيون الصحابة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان التابعون هم الذين يرون الصحابة، وقرن التابعين يلي قرن الصحابة في الفضل.

فهذا التابعي لما قيل له: [ هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] كان جوابه عظيماً: [ قلت: نعم، غنيمة ] يعني: رؤيته ولقيه غنيمة.

وهذا يدلنا على عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فرح هذا الرجل بذلك، وسُر به؛ لأنه عرض عليه أن يحصل على غنيمة كبيرة وعلى نعمة عظيمة، ألا وهي رؤية رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: [ فذهبنا إلى وابصة ] وهو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا وهم ذاهبون إليه: [ ننظر أولاً إلى دله ] يعني: هيئته ولباسه والكيفية التي يكون عليها، قال: [ فذهبنا إليه ] وهذا يدلنا على أن التابعين يحرصون على أن يعرفوا هيئة الصحابة، وعلى دل الصحابة، وهيئة اللبس التي يكون عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

قال: [ فوجدنا عليه قلنسوة لاطئة ] يعني: ملتصقة برأسه [ لها أذانان، وعليه برنس خز، لونه أغبر ] والخز هو لباس من الصوف، والبرنس هو الذي يكون رأسه مرتبط به، فما يغطى به الرأس يكون ملتصقاً بالقميص من الخلف، بحيث ينزع عن الرأس ويعاد على الرأس، ولون ذلك البرنس أغبر كلون التراب.

فجاءوا إليه ووجدوه يصلي، فلما سلموا قالوا له في ذلك فروي عن أم قيس بنت محصن الأسدية الحديث الذي ذكره أبو داود ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن الحديث كما عرفنا غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام هو ركن من أركان الصلاة، ولا يجوز للإنسان أن يصلي جالساً مع قدرته على القيام، وإذا كان يقدر وليس عليه مشقة في أن يقوم -ولو كان معتمداًعلى عصا- فإن هذا هو الذي ينبغي له، وبعض أهل العلم يقول: يصلي جالساً، ولكن الأولى والأحوط في الدين أن يقوم الإنسان ما دام قادراً على القيام، حتى ولو كان معتمداً على عصا؛ لأن في ذلك أخذاً بالأحوط، واطمئناناً إلى كون الإنسان يؤدي ما عليه بارتياح وطمأنينة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً ..)

قوله: [ حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي ].

وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأبو داود .

[ عن أبيه ].

هو عبد الرحمن بن صخر الوابصي، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن شيبان ].

هو ابن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حصين بن عبد الرحمن ].

هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هلال بن يساف ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن وابصة ].

هو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ].

وهي أخت عكاشة بن محصن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، حيث جاء في آخره أن عكاشة بن محصن قال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة).

وأم قيس صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في النهي عن الكلام في الصلاة

شرح حديث النهي عن الكلام في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الكلام في الصلاة.

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ].

أورد أبو داود رحمه الله النهي عن الكلام في الصلاة، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي شمت رجلاً وهو يصلي، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نظروا إليه، فتعجب من نظرهم إليه، وأنه رآهم يسكتونه فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله عز وجل)، فكانوا قبل ذلك يتكلمون في صلاتهم.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنهم قبل أن ينزل قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرجل يطلب حاجته ويقول: ائتني بكذا واذهب بكذا واعمل كذا، وكانوا في الصلاة، وهذا مثلما يكون في الطواف فالطواف مثل الصلاة يحتاج إلى طهارة ولكن أبيح فيه الكلام.

قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أي: ساكتين، والقنوت يأتي لمعان عديدة ومنها السكوت، والمقصود هنا أنهم يكونون ساكتين في صلاتهم لا متكلمين، وإنما يتكلمون بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والتسبيح وما إلى ذلك من الأمور المطلوبة، ولهذا فإن العاطس إذا عطس يحمد الله؛ لأن حمد الله ذكر لله عز وجل، ولكن المشمت لا يشمت لأن التشميت خطاب، حيث يقول: يرحمك الله، فهو يخاطب شخصاً، والذي يقول: الحمد لله، لا يخاطب أحداً، وإنما يذكر الله عز وجل، فيجوز للعاطس أن يحمد الله عز وجل ويكون ذلك سراً، ومن سمعه ليس له أن يشمته؛ لأن التشميت كلام، والكلام ممنوع في الصلاة.

وعلى هذا فإن الكلام كان سائغاً في الصلاة وبعد أن نزل قول الله عز وجل وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام).

وإذا كان هناك أمر فإنه يكون بالإشارة كما تقدم في باب الإشارة في الصلاة.

وعلى هذا فإن الكلام في الصلاة لا يسوغ ولا يجوز وإنما يكون فيها قراءة القرآن وذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وغير ذلك مما ورد في الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الكلام في الصلاة

قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ].

محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ عن هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحارث بن شبيل ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن أبي عمرو الشيباني ].

واسمه سعد بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن أرقم ].

زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].

إذا قال الصحابة: (أمرنا ونهينا) فإن الآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا قال أمرت ونهيت فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى، كما مر في الحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.).

ولكن في هذه الآية الكريمة: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين في الوحي الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي يتلى، حيث أمروا بالقيام قانتين، أي: ساكتين غير متكلمين.

ولهذا قال الصحابي الجليل: [ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].

ما جاء في صلاة القاعد

شرح حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلاة القاعد.

حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال -يعني ابن يساف - عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالساً، فوضعت يدي على رأسي فقلت فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب صلاة القاعد، وهي إما أن تكون في فرض وإما أن تكون في نفل، فالفرض لا يجوز للإنسان أن يصليه قاعداً إلا إذا عجز عن القيام: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه وهو نائم على فراشه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وسيأتي حديث عمران بن الحصين في ذلك.

وإذا صلى المريض جالساً وهو لا يستطيع أن يصلي قائماً فإن أجره لا ينقص عن حال صحته وعافيته؛ لأنه لم يصل جالساً إلا بسبب المرض والعذر الذي أقعده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم).

والحديث أورده البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، وهو حديث واضح الدلالة على أن المريض الذي يصلي الفرض قاعداً له الأجر كاملاً.

أما بالنسبة للنافلة فإذا كان الإنسان يصلي النافلة وهو عاجز فله الأجر كاملاً، أما إذا كان يصلي النافلة وهو قادر على أن يقوم فإنه يجوز له ذلك، ولكن أجره على النصف من أجر القائم، وقد جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه هذا الذي أورده أبو داود في سننه قال: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) يعني: له نصف الأجر، وهذا إنما هو في النافلة.

وقوله: [ حُدثت ].

إذا قالب: الصحابي (حدثت) فالذي يحدثه بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى مرسل صحابي، وهو أن يروي الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه، ومراسيل الصحابة حجة.

وقد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي قاعداً، فوضع يده على رأسه متعجباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له الأجر الكامل وله الأجر العظيم، فكيف يصلي جالساً مع أن أجر من يصلي جالساً على النصف من أجر الذي يصلي قائماً، فقال: ( مالك يا عبد الله بن عمرو ) أي: مالك وضعت يدك على رأسك للتعجب؟ فقال: إني حُدثت أنك قلت كذا، وإني رأيتك تصلي قاعداً، قال: (نعم، ولكني لست كأحد منكم) فهذا يدلنا على أن من قدر على القيام وصلى جالساً في النوافل فإن صلاته صحيحة وله أجر نصف القائم في الصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له الأجر كاملاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)

قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ].

هو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة ].

[ عن جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هلال يعني ابن يساف ].

وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي يحيى ].

وهو الأعرج ، واسمه مصدع وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، وهم من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهؤلاء الأربعة صحابة أبناء صحابة.

شرح حديث جواز التنفل قائماً وقاعداً ومضطجعاً

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: (صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً، وصلاته قاعداً على النصف من صلاته قائماً، وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: (صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً..) وهذا إنما هو في النوافل، وأما الفرائض فليس فيها مفاضلة بل القيام لازم لابد منه في حق القادر عليه.

فهو يدلنا على جواز الصلاة في النافلة جالساً ولكن الصلاة قائماً تكون أفضل؛ لأن فيها تحصيل الأجر الكامل، وأنه إذا صلى جالساً فهو على النصف من صلاة القائم، أي أن له نصف أجر صلاة القائم.

ثم قال: (وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً) أي: أنه على الربع بالنسبة للصلاة قائماً.

وهذا الحديث يدل على أن للإنسان أن يتنفل وهو مضطجع على فراشه، وقد قال بذلك بعض أهل العلم، وبعض أهل العلم لم يقل به.

ولكن الأولى والخير للإنسان والأكمل له أن يعمد وأن يقصد إلى ما هو الأتم والأفضل والأكمل، ألا وهو الصلاة قائماً حتى يحصل على الأجر كاملاً.

تراجم رجال إسناد حديث جواز التنفل قائماً وقاعداً ومضطجعاً

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

[ عن يحيى ].

هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حسين المعلم ].

هو ابن ذكوان المعلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن بريدة ].

هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمران بن حصين ].

وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو نجيد ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عمران بن حصين في صلاة المريض

قال المصنف رحمه اللهتعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين قال: كان بي الناصور، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) ].

أورد أبو داود حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وهو يتعلق بصلاة الفريضة؛ لأنها لابد فيها من القيام في حق من يقدر عليه، وليس له أن يصلي قاعداً، ولابد من القعود في حق من يقدر عليه ولا يقدر على القيام، وليس له أن يصلي على جنبه إذا كان يقدر على أن يصلي جالساً، فكما يروي عمران بن الحصين أنه كان به الناصور، وفي بعض الروايات (البواسير) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب).

يعني: لا ينتقل من القيام إلى الجلوس إلا عند عدم استطاعته على القيام، ولا ينتقل من الجلوس إلى أن يصلي على جنبه إلا إذا كان لا يستطيع أن يجلس، وهذا من فضل الله عز وجل وتيسيره في شرعه، حيث إنه شرع للناس ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

فالأمر قيد بالاستطاعة والنهي لم يقيد باستطاعة؛ لأن النهي مستطاع مطلقاً، والأمر قد يستطاع وقد لا يستطاع؛ لأن فيه تكليفاً و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

فإذا قال قائل: احمل هذه الصخرة، فهذا أمر، والصخرة قد يستطيع الإنسان حملها وقد لا يستطيع، لكن إذا قيل: لا تدخل من هذا الباب فإنه يستطيع ألا يدخل؛ لأنه ترك فلا يقال إنه لا يستطيعه.

تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في صلاة المريض

قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ].

هو صدوق، أخرج له أبو داود .

[ عن وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم بن طهمان ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين ].

وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

كيفية صلاة القاعد

الحديث هنا مطلق في كيفية القعود، قال بعض أهل العلم: ولكون الحديث مطلقاً لم يقيد فإن للإنسان أن يصلي متربعاً وهو جالس، وله أن يجلس مفترشاً ومتوركاً.

ومن المعلوم أنه في حالة الجلوس بين السجدتين وفي التشهد يكون على هيئة ذلك في حق الذي يصلي قائماً، بحيث يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى إذا كان في التشهد الأول، ويتورك إذا كان في التشهد في الثاني.

وفي المسألة خلاف، فقال بعض العلماء: يصلي متربعاً، ومنهم من قال: يصلي متوركاً، ومنهم من قال: يصلي مفترشاً، والحديث مطلق وليس فيه بيان كيفية القعود، فقال بعض أهل العلم: إن الأمر في ذلك واسع، وقد جاء عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً والعلماء إنما اختلفوا في الأفضل، هل الأفضل أن يصلي متربعاً أو يصلي مفترشاً أو يصلي متوركاً.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه صلى متوركاً، أورد ذلك الحديث الحافظ في (بلوغ المرام) وعزاه إلى النسائي وقال: صححه ابن خزيمة ، أن عائشة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً، وذكر في الرواية أن حالة الجلوس للتشهد وبين السجدتين تختلف عن حالة القيام، ولكن بعض أهل العلم قال: إطلاق الحديث يدل على أن الأمر في ذلك واسع.

وقد يقال: أيهما أفضل: أن يصلي المريض قاعداً على كرسي أو على الأرض؟

والجواب: أن الأمر في ذلك واسع؛ لأن بعض الناس قد يسهل عليه أن يجلس على الكرسي، إذ قد يكون من مرضه أنه لا يقدر على ثني رجليه، فإذا كان يشق عليه الجلوس على الأرض صلى جالساً على كرسي، وإذا كان يستطيع القيام ولكنه لا يستطيع السجود صلى وهو قائم، وإذا جاء إلى حالة السجود يجلس على كرسي أو يجلس على الأرض.

شرح حديث عائشة في الجلوس في صلاة النفل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً قط، حتى دخل في السن فكان يجلس فيها فيقرأ، حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية قام فقرأها ثم سجد) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل جالساً قط، ومعناه أنه كان يصلي الليل قائماً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقد مر بنا أن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد، وكون الإنسان يحصل الأجر الأكمل مع قدرته عليه هو الذي ينبغي، ولكن لما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسن كان عليه الصلاة والسلام يصلي وهو قاعد ويقرأ ما يقرأ من القرآن قاعداً، وإذا بقي مقدار ثلاثين آية أو أربعين آية قام وقرأها وهو قائم، ثم ركع وسجد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على أن مثل هذه الحالة سائغة وأن الإنسان له أن يصلي بعض الركعة وهو قائم وبعضها وهو جالس، وله أن يبدأ الصلاة جالساً ثم يقوم، وله أن يبدأ الصلاة قائماً ثم يجلس.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الجلوس في صلاة النفل

قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ].

هو المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي لقبه الإمام أحمد بشيخ الإسلام.

[ عن زهير ].

هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

هو عروة بن الزبير ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، هي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث صلاة النبي قائماً وقاعداً في صلاة الليل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد و ابن النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو جالس، وإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك)، قال: أبو داود رواه علقمة بن وقاص عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ].

ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها من طريق آخر، وهو مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي قائماً وقاعداً في صلاة الليل

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

عن [ عبد الله بن يزيد ].

هو مولى الأسود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وابن النضر ].

هو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.

[ قال أبو داود : رواه علقمة بن وقاص ]

أي: علقمة بن وقاص الليثي .

[ عن عائشة نحوه ] أي: نحو الحديث المتقدم، يعني أنه قريب منه في الألفاظ، وأما المعنى فهو متفق معه؛ لأنه إذا قيل: مثله، فهو مطابق في اللفظ والمعنى، وإذا قيل: نحوه، فهو متفق في المعنى ومختلف في بعض الألفاظ.

و علقمة بن وقاص الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار التابعين؛ لأنه هو الذي يروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث (إنما الأعمال بالنيات..)، وفي سنده ثلاثة من التابعين واحد من كبارهم وواحد من أوساطهم وواحد من صغارهم فـعلقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين.

شرح حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد قال: سمعت بديل بن ميسرة و أيوب يحدثان عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً) ].

أورد حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً).

أي: أنه يحصل منه القيام ويحصل منه القعود، فإذا قائماً وهو قائم ركع وهو قائم، وإذا صلى جالساً ركع وهو جالس بالإشارة وبالإيماء، وقد عرفنا أن هذا إذا صلى قاعداً واستمر في قعوده، أما إذا صلى قاعداً ثم قام فإنه يركع وهو قائم كما مر في حديث عائشة المتقدم، وأنه كان إذا بقي عليه ثلاثون آية أو أربعون آية قام وركع.

فكان إذا صلى قائماً ركع وهو قائم، وإذا صلى جالساً ركع وهو جالس، أي: بالإشارة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً)

قوله: [ حدثنا مسدد عن حماد بن زيد ].

مسدد قد مر ذكره، وحماد بن زيد هو البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بديل بن ميسرة ].

و بديل بن ميسرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ وأيوب ].

هو ابن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن شقيق ].

هو عبد الله بن شقيق العقيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عائشة ].

وقد مر ذكرها.

شرح حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً حين حطمه الناس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن شقيق قال: (سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة في ركعة؟ قالت: المفصل، قال: قلت: فكان يصلي قاعداً؟ قالت: حين حطمه الناس) ].

أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن شقيق العقيلي رحمة الله عليه سأل عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة في الركعة؟ فقالت: المفصل. تعني: من المفصل، والمفصل من سورة (ق) إلى آخر القرآن، هذا هو حزب المفصل؛ لأن القرآن سبعة أحزاب كما كان الصحابة يقسمونه.

(قال: قلت أكان يصلي جالساً ؟ قالت: حين حطمه الناس).

تعني: لما كبر وحصل له الهموم والأعباء التي تحملها، فإنه عند ذلك كان يصلي جالساً صلى الله عليه وسلم، ويقال: حطم فلاناً أهله، إذا تحمل من أعبائهم ما تحمل وجعله ذلك منهكاً متعباً، فهذا هو المقصود من قولها (حطمه الناس) فلما حصل له ذلك كان يصلي جالساً صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يصلي جالساً قط كما قالت عائشة إلا لما أسن وكبر صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً حين حطمه الناس

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[ عن يزيد بن هارون ].

هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن كهمس بن الحسن ].

كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن شقيق عن عائشة ].

وقد مر ذكرهما.

والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [120] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net