إسلام ويب

إن المتتبع لألفاظ الحديث ودقة العبارات يجد أن الصحابة كانوا شديدي الحرص على نقل كل الكيفيات والأفعال التي كان يعملها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك نقلهم رضي الله عنهم لكيفية صلاة الاستسقاء، وماذا كان يعمل فيها، كالدعاء مثلاً ورفع اليدين حتى يرى بياض الإبطين، وأنه لم يصنع هذه الكيفية إلا في صلاة الاستسقاء وألفاظ الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.

ما جاء في رفع اليدين في الاستسقاء

شرح حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين في الاستسقاء.

حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن حيوة وعمرو بن مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عمير مولى بني آبي اللحم رضي الله عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب رفع اليدين في الاستسقاء ] يعني: عندما يدعو في الاستسقاء فإنه يرفع يديه، والترجمة معقودة لبيان أن رفع اليدين في الاستسقاء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المواضع التي ورد فيها رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين ثبت في مواضع عديدة منها في الاستسقاء.

وقد أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث عمير مولى بني آبي اللحم [ (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه)].

فهذا فيه الدليل على ما ترجم له المصنف من حصول رفع اليدين في الاستسقاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء وأنه يرفعهما قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه.

وهذا فيه المبالغة في رفع اليدين، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من شدة رفعه ليديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وهو واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو ثبوت رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء، وقوله: [ عند أحجار الزيت ] هو مكان في الحرة فيه حجارة سوداء كأنها طليت بالزيت لشدة سوادها.

قوله: [ (قبل وجهه) ].

يعني أنهما قبل وجهه، ما جاوز بهما رأسه، ومعناه أنه لا يرفعهما فوق رأسه.

تراجم رجال إسناد حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء...)

قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ].

هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب ].

ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حيوة ].

هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما مصري وهو في طبقة متقدمة يروي عنه ابن وهب ، وحيوة بن شريح الحمصي ، وهذا من شيوخ أبي داود في طبقة متأخرة.

[ وعمرو بن مالك ].

عمرو بن مالك لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن ابن الهاد ].

ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن إبراهيم ].

هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمير مولى بني آبي اللحم ].

عمير مولى بني آبي اللحم ، صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

وقوله: آبي اللحم هو اسم لصحابي هو عبد الله بن عبد الملك، وقد اختلف في اسمه، ولقبه آبي اللحم وقيل: إنه سمي آبي اللحم لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: إنه كان لا يأكل ما ذبح على النصب، فقيل له: آبي اللحم ، والذي يروي الحديث هنا عمير مولى آبي اللحم ، وكذلك -أيضاً- يرويه آبي اللحم، فهو من رواية هذا ومن رواية هذا.

شرح حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي خلف حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مسعر عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل. قال: فأطبقت عليهم السماء) ].

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: [ (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي) ] والمقصود بالبواكي النساء، يعني: باكيات من الضيق والشدة، فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [ (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل) ].

قوله: [ فأطبقت عليهم السماء].

يعني: نزل المطر كثيراً غزيراً، فأجاب الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، فحصل نزول المطر بغزارة وبكثرة.

والحديث ليس فيه دليل على رفع اليدين في الدعاء؛ لكن جاء في بعض الروايات: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي) قيل: والمواكاة هي كونه يعتمد على يديه في الدعاء، وفي رفعها والابتهال إلى الله عز وجل في الدعاء.

فهذا يطابق الترجمة على هذه الرواية، لأنه قال: [ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي ] وفسرت المواكاة بأنها الاعتماد على اليدين في الرفع، يعني: أنه اعتمد عليهما يدعو وقد رفعهما ومدهما يسأل الله عز وجل الغيث.

قوله: [ (اللهم اسقنا غيثاً) ].

الغيث هو المطر، و(مغيثاً) قيل: معناه: معيناً يحصل لنا به العون والفائدة.

[ (مريئاً) ].

يعني: هنيئاً.

[ (مريعاً) ].

مريعاً قيل: معناه: ذا مراعة، أي: خصب، وفي رواية: (مربعاً) أي: ينبت الربيع.

قوله: [ (نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل) ].

قوله: (غير ضار) تأكيد لـ(نافعاً)، و(غير آجل) تأكيد لقوله: (عاجلاً).

وقد حصل ذلك عاجلاً، فقد أطبقت عليهما السماء كما جاء في الحديث، ونزل المطر بغزارة، وتحقق ما طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزول الغيث.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار...)

قوله: [ حدثنا ابن أبي خلف ].

ابن أبي خلف هو محمد بن أحمد بن أبي خلف ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ حدثنا محمد بن عبيد ].

محمد بن عبيد هو محمد بن عبيد الطنافسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا في طبقة شيوخ أبي داود ، وفي طبقة شيوخه اثنان: محمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن عبيد المحاربي ، فإذا جاء في طبقة شيوخه فيكون المراد إما محمد بن عبيد بن حساب وإما محمد بن عبيد المحاربي ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه كما هنا فالمراد به الطنافسي ، وهو من الطبقة الحادية عشرة وكانت وفاته سنة مائتين وأربعة.

ومعلوم أن هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الطبقة العاشرة، وإنما هذا يكون من التاسعة، وفي الغالب أنه يكون من التاسعة، وطبقة شيوخ شيوخ أبي داود إما من كبار العاشرة أو من الحادية عشرة، وإلا فإن طبقة الذين توفوا سنة مائتين وأربعة قبل ولادة أبي داود أو في السنة التي ولد فيها أبو داود والتي ولد فيها مسلم بن الحجاج ومات فيها الشافعي هي مائتين وأربعة. أي: أنه متقدم.

فذكر الطبقة الحادية عشرة هذه لاشك في أنه خطأ، فهو إما وهم من الحافظ أو من النساخ.

[ حدثنا مسعر ].

مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة.

[ عن يزيد الفقير ].

هو يزيد بن صهيب الفقير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، والفقير هذا لقب وليس -كما يتبادر للذهن- من الفقر، وإنما كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير .

[ عن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

اختلاف النسخ في لفظ (بواك)

جاء في بعض النسخ (بوادٍ) وفي بعضها: (هوازل) من الهزل، فهذه الألفاظ ذكرها في عون المعبود، وفي نسخة أخرى (بواك)، وابن الأثير يصحح ما وقع في معالم السنن، وهو (يواكي) بالياء.

يقول ابن الأثير : والذي جاء في السنن على اختلاف نسخها ورواياتها وبواكٍ والصحيح ما ذكره الخطابي .

وهو الذي يطابق الترجمة.

وفي رواية البيهقي التي أتت: (هوازل)، ومعناه: أنهن نساء هوازل جمع هزيلة، وبواكي جمع باكية.

يقول الإمام الخطابي : ثبت الاستسقاء بما ذكره أبو داود بالأخطاء المتقدمة، وإنما وجهه وتأويله أنه كان بإزاء صلاة يريد أن يصليها، فدعا في أثناء خطبته بالسقيا، فاجتمعت له الصلاة والخطبة، فجازت عن استئناف الصلاة والخطبة، كما يطوف الرجل فيصادف الصلاة المفروضة عند فراغه من الطواف فيصليها فينوب عن ركعتي الطواف، وكما يقرأ السجدة في آخر الركعة فينوب الركوع عن السجود .

وما ذكره في شأن الجمعة ليس فيه إشكال؛ لأنه جاء حديث صحيح فيها، فقد جاء في الصحيحين أنَّ رجالً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا)، فدعا صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا هو المراد فلا إشكال.

وما ذكره في شأن ركعتي الطواف صحيح، فلو أن إنساناً طاف وصلى فريضة بعد الطواف فإنها تغني عن ركعتي الطواف، وكذا تحية المسجد إذا جاء الإنسان فصلى الفريضة فإنها تغني عن تحية المسجد، أي: أنه لا يجلس إلا وقد صلى.

وأما إذا قرأ آية السجدة ثم ركع فالذي يبدو أنه لا يغني عن السجود، أقول: مثل هذا يبدو أنه لا يغني عن السجود، ولكن السجود ليس بلازم؛ لأنه إن سجد فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، لكن لا يقال: إن الركوع يغني عن السجود.

شرح حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) ].

هذا النفي الذي جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قيل: إنه منصب على الهيئة والكيفية، وهي كونه يبالغ في الرفع حتى يرى بياض الإبطين.

وليس المقصود منه أنه نفي الرفع مطلقاً، وبعض أهل العلم يقول: إنه يدل على النفي مطلقاً، ولكنه حكى عن الشيء الذي علمه وغيره قد علم غير ذلك فأظهره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذا قد قيل في التوفيق بين ما جاء في نصوص كثيرة من رفع اليدين، وما جاء من النفي في حديث أنس ، حيث قيل: إن هذا مبني على ما علمه أنس بن مالك رضي الله عنه، وغيره علم غير ذلك، فهو حدث بالشيء الذي علمه، فيكون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مواضع كثيرة وأنس رضي الله عنه إنما علم هذا الذي هو في الاستسقاء.

وقد جاء في بعض الروايات في حديث علقه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري : (أنه رفع يديه حتى رأى بياض إبطيه) يعني: في الدعاء في مناسبة من المناسبات.

وقال الحافظ ابن حجر : لعل المقصود من ذلك أنه رفعهما أكثر فيما يتعلق بالاستسقاء، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما ذكر الشيء الذي علمه، وهو مدى الرفع على هذه الهيئة والكيفية في الاستسقاء.

وعلى هذا فإن الحديث لا يدل على نفي رفع اليدين في المواضع الأخرى التي هي غير الاستسقاء، وإنما يدل على نفي المبالغة أو الهيئة والكيفية التي هي كون بطني اليدين من جهة الأرض، بخلاف رفع اليدين في الدعاء في المواضع الأخرى، فإن بطني اليدين من جهة السماء، وليستا إلى الأرض، فإن هذا إنما ورد في الاستسقاء، وهو إما أن يكون بالنسبة للمبالغة في الرفع، أو أن المقصود به الهيئة التي هي كون اليدين بطناهما إلى الأرض، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما نفى على حسب علمه وغيره علم ما لم يعلمه من المواضع المتعددة.

والإمام البخاري رحمه الله عقد ترجمة في كتاب الدعوات من صحيحه (باب رفع اليدين في الدعاء) والحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة التي لم يذكرها البخاري في هذا الباب، والتي هي في الصحيحين وفي السنن وفي غيرهما، وهي جملة عديدة من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين.

وكذلك أيضاً النووي رحمه الله قال: إنه جمع أحاديث كثيرة تبلغ ثلاثين حديثاً فيها رفع اليدين وأوردها في كتابه المجموع في آخر صفة الصلاة، وذكر الحافظ ابن حجر أن المنذري جمع في ذلك جزءاً، يعني الأحاديث التي اشتملت على رفع اليدين.

ويكون الجمع بين الأحاديث أن المراد بنفي رفع اليدين هو الكيفية والهيئة، وذلك أنه رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه، وأنه لعله يقصد هذه الهيئة، لا أنه يقصد نفي أصل الدعاء، وإنما ينفي هذه الكيفية وهذه الهيئة، فهذه الكيفية -كما أورد البخاري - رفع فيها حتى رئي بياض الإبطين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن هذا فيه حجة على من قال: إن الأيدي لا ترفع حتى يرى بياض الإبطين إلا في هذا الموضع؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع.

تراجم رجال إسناد حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء...)

[ حدثنا نصر بن علي ].

هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا يزيد بن زريع ].

هو يزيد بن زريع البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورفع اليدين في الدعاء له له ثلاث حالات: حالة ورد فيها رفع اليدين، فالحالة التي ورد فيها رفع اليدين ترفع الأيدي فيها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحالة الثانية: المواضع التي لم يرد فيها رفع اليدين، مثل خطبة الجمعة، كما جاء في حديث عمارة بن رؤيبة في كلامه على الأمير الذي كان يرفع يديه في الدعاء، وقد سبق أن مر بنا الحديث، وحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يزيد على أن يشير بأصبعه السبابة في حال خطبته، وما كان يرفع يديه، فهذا موضع لا ترفع فيه الأيدي، وكذلك بعد الصلوات المفروضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يصلي بالناس إماماً الصلوات كلها ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الصلوات يدعو.

الحالة الثالثة: ما عدا ما ذكر، فهذا الأمر فيه واسع: إن رفع فله ذلك، وإن لم يرفع فله ذلك.

شرح حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا -يعني: ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض- حتى رأيت بياض إبطيه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ويرفع يديه، ويجعل بطنيهما مما يلي الأرض، حتى رأى بياض إبطيه،) وهذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو كون الأيدي بطونها إلى الأرض، فقد كان يرفع يديه -كما سبق أن مر- حتى يقابل وجهه، فلا يجاوز بهما رأسه، ولكن تكون بطناهما إلى الأرض، وهذا خاص بالاستسقاء، فلم يأت على هذه الهيئة وهذه الصورة إلا في الاستسقاء.

وبعض أهل العلم قال: إذا كان الدعاء لرفع ضرر فتكون بطونها إلى الأرض، وإذا كان لغير ذلك فتكون بطونها إلى السماء، لكن هذا غير مستقيم؛ لأنه ما جاء هذا إلا في الاستسقاء فقط، وليس كل دعاء لرفع ضرر يكون بهذه الطريقة، وإنما يقتصر على ما ورد به الدليل، وغير ذلك -سواءٌ أكان لرفع ضرر أم لتحصيل منفعة- إنما يكون بالهيئة المعروفة التي هي بجعل بطونها إلى السماء وظهورها إلى الأرض.

تراجم رجال إسناد حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء )

قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ].

الحسن بن محمد الزعفراني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا عفان ].

عفان هو: ابن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وعفان يروي عن الحمادين، وسليمان بن حرب يروي أيضاً عن الحمادين.

وقد ذكر الحافظ المزي بعد ترجمة حماد بن زيد وحماد بن سلمة في تهذيب الكمال فصلاً يبين فيه تمييز حماد إذا أهمل، فقال: إن بعض الرواة إنما روى عن حماد بن سلمة ، وبعضهم إنما روى عن حماد بن زيد ، وبعضهم روى عن هذا وهذا.

وذكر أن عفان إذا روى عن حماد مهملاً فهو ابن سلمة ، وإذا روى عن حماد بن زيد فإنه ينسبه، وعلى العكس من ذلك سليمان بن حرب ، فإنه إذا ذكر حماد بن سلمة ينسبه، وإذا ذكر حماد بن زيد يهمله، فيكون حماد المقصود هنا هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرنا ثابت ].

هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره.

شرح حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: (أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه) ].

أورد أبو داود حديث محمد بن إبراهيم التيمي عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت، وقد سبق أن مر أنه عمير مولى آبي اللحم كما ذكر ذلك الحافظ في التقريب.

تراجم رجال إسناد حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)

قوله [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد ربه بن سعيد ].

هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن إبراهيم ].

هو محمد بن إبراهيم التيمي ، مر ذكره.

شرح حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا خالد بن نزار قال: حدثني القاسم بن مبرور عن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الرحمن الرحيم مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب -أو حول- رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).

قال أبو داود : وهذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وإن هذا الحديث حجة لهم ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، أي: تأخر المطر، وحصول القحط والجدب، فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد لهم يوماً يخرجون فيه، ثم خرج حين بدا حاجب الشمس، أي أن خروجه كان عند ذلك الوقت، ولكن ليست صلاته في ذلك الوقت، وإنما كانت بعد ذلك، فلعل هذا ذكر بدء الخروج، وأنه عندما وصل كان وقت الصلاة قد حان.

ثم أمر بمنبر فأخرج، وهذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء يخطب فيها على منبر وعلى مكان مرتفع.

ثم كبر وحمد الله عز وجل وقال: [ (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم) يشير إلى قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فقوله: (ادعوني) أمر وقوله: (أستجب لكم) وعد من الله عز وجل ]. ثم قال: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته لنا قوةً وبلاغاً إلى حين) ].

وقولها: [ (ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه) ].

أي: بقي رافعاً يديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالتكبير والحمد لله عز وجل، ومخاطبتهم بأنهم شكوا جدب ديارهم، وتأخر المطر عن إبان نزوله، وأن الله عز وجل أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، ثم إنه حمد الله وأثنى عليه، وبدأ بهذه الجمل الثلاث التي هي من أول سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] وكان مما أتى به صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ملك) ولم يقل: (مالك) وهما قراءتان سبعيتان متواترتان: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] و مالك يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4].

قولها: [ (ثم حول إلى الناس ظهره) ].

أي: بدل أن كان مستقبلهم يخطب حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة، وبقي رافعاً يديه، وكان رافعاً يديه قبل ذلك وهو يخطب مستقبلهم، ثم تحول إلى جهة القبلة وحول رداءه ورفع يديه يدعو.

قولها: [ (ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين) ].

أي: بدل أن كان إلى جهة القبلة اتجه إلى جهة المأمومين، ونزل فصلى ركعتين، وهذا فيه أن الصلاة كانت بعد الخطبة.

وسبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على أنها قبل الخطبة وأنها بعد الخطبة.

قولها: [ (فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله)].

أي: تحقق لهم ما أرادوا، واستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزل السحاب، ولم يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم إلا وقد نزل المطر، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم إلى الكن -أي: الأماكن التي يتقون بها المطر وهي البيوت- ضحك صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا مجدبين ويطلبون نزول الغيث، ولما نزل الغيث أسرعوا إلى الكن حتى يتقوا نزوله عليهم، وحتى يصلوا إلى أماكنهم ليستكنوا وليأووا إليها.

قولها: [ فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير) ].

وذلك حيث كان القحط أولاً ثم نزل المطر بعد قليل، وبعد زمن وجيز من هذا الدعاء الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يصل إلى مسجده إلا وقد نزل المطر صلى الله عليه وسلم.

فشهد صلى الله عليه وسلم أن الله على كل شيء قدير، إذ هو الذي أنزل الغيث بعد الدعاء بهذه الفترة الوجيزة، وهذا من قدرة الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير، وهذا عام لا استثناء فيه؛ لأن هذا من العمومات التي لا استثناء فيها؛ لأن هناك عام باقٍ على عمومه، وهناك عام يدخله التخصيص، وهذا لا يدخله تخصيص، فالله على كل شيء قدير، لا يستثنى من ذلك شيء.

ومثل ذلك أن الله بكل شيء عليم، فإنه لا يستثنى من ذلك شيء، ثم قال: [ (وأشهد أني عبد الله ورسوله) ] صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقد ذكر وصفه بالعبودية والرسالة، وهذا يذكره صلى الله عليه وسلم كثيراً، كما جاء في التشهد: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وقوله: (لا تطروني كما أطرت الناس عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) فهو عليه الصلاة والسلام عبد الله، ورسوله لا يكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

قوله: [ قال أبو داود : هذا حديث غريب ].

الغرابة من جهة التفرد، وليس هذا تضعيفاً، ولهذا قال: [ وإسناده جيد ]، فهذا حديث غريب لأنه جاء من طريق واحد ولم يأت من طرق، والحديث باعتبار وصوله إلى أهل الحديث له أربع حالات: إما متواتر، وإما مشهور، وإما عزيز، وإما غريب، والمتواتر: هو الذي جاء من طرق كثيرة، والمشهور: هو الذي جاء من ثلاث فأكثر، والعزيز: ما جاء من طريقين، والغريب: ما جاء من طريق واحد.

ولكن إذا كان التفرد يحتمل فإنه يصح الحديث، كما في أول حديث في صحيح البخاري : (إنما الأعمال بالنيات) فإنه غريب لأنه ما جاء إلا عن عمر بن الخطاب ، وعمر بن الخطاب لم يروه عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي ، ولم يروه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي ، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثم بعد ذلك كثر الرواة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو غريب إلى يحيى بن سعيد الأنصاري .

وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فإنه من رواية أبي هريرة ، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ولم يروه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع ، ولم يروه عن عمارة بن القعقاع إلا محمد بن الفضيل ، فهو غريب، حيث جاء من طريق واحد.

والحافظ ابن حجر لما جاء عند حديث ابن عمر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) قال: وهذا من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، يعني أنه من هذه الطريق لم يأت في مسند الإمام أحمد ، وهو من المتفق عليه الذي هو حديث ابن عمر : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) قال: هو من غرائب الصحيح. يعني: جاء من طريق واحد في الصحيح.

ولفظ (وجيد) من الألفاظ التي تدل على أن الحديث مقبولاً ومحتجاً به.

قوله: [ أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]وإن هذا الحديث حجة لهم ].

يعني: هذا يدل على هذه القراءة، لكن القراءة متواترة؛ لأن قراءة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]و مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] كلتاهما سبعيتان.

تراجم رجال إسناد حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...)

قوله: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ].

هارون بن سعيد الأيلي ، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا خالد بن نزار ].

هو خالد بن نزار ، وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أبو داود والنسائي .

[ قال: حدثني القاسم بن مبرور ].

القاسم بن مبرور ، صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن يونس ].

يونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هو هشام بن عروة بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) ].

يعني: قوة لنا، كما هو معلوم أن حصول المطر والغيث يحصل لهم به قوة ونشاط، ويحصل لهم به تمتع، [ (وبلاغاً إلى حين) ] يعني: شيئاً يتبلغون به إلى حين.

شرح حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه ويونس بن عبيد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله! هلك الكراع، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا. فمد يديه ودعا، قال أنس : وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عزاليها، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فجاء رجل وقال: هلك الكراع والشاء)، والكراع المراد به الخيل، والشاء: الغنم، قال: [ (فادع الله أن يسقينا ) ] فرفع يديه صلى الله عليه وسلم يدعو، فنزل المطر وبقي نزوله حتى جاءت الجمعة الأخرى، والمطر ينزل عليهم، فحصل تضرر بنزول المطر وبكثرته حتى تهدمت بعض البيوت، فجاء رجل يوم الجمعة الثانية والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب -إما الذي سأل أولاً أو غيره- وقال: (يا رسول الله! تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه) أي: أن يحبس المطر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كون الناس في الجمعة الماضية يسألون نزول المطر وفي هذه الجمعة يسألون حبسه.

والرسول صلى الله عليه وسلم لكمال أدبه ما سأل أن يحبس، ولكن قال: [ (حوالينا ولا علينا) ] فالمطر ينزل ويستفاد منه في البراري من النواحي التي هي قريبة من المدينة، ولكن النزول على البيوت هو الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب، فقال: (حوالينا ولا علينا) يعني: اللهم اجعله يكون حوالينا ولا يكون علينا.

وتصدع السحاب هو أنه تشقق وصار يتمزق حتى صار حول المدينة كالإكليل، وصار ما فوق المدينة صحو والسحاب حولها كالإكليل الذي يحيط بالرأس من جميع الجوانب ويكون أعلاه مكشوفاً، فصار السحاب حول المدينة كالدائرة المحيطة بها؛ لأن ما فوق البيوت تقشع، وما كان على النواحي المختلفة حول المدينة بقي، فصار كما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (فمد يديه ودعا، قال أنس : وإن السماء لمثل الزجاجة) ].

يعني: صافية نقية ما فيها شيء، فما هناك سحاب، فهو يصف السماء بحال ذلك الوقت الذي طُلِبَ فيه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو وهي صافية ليس فيها سحاب.

قوله: [ (فاجتمعت ثم أرسلت السماء عزاليها) ].

يعني أنه نزل المطر بغزارة وبكثرة كأفواه القرب، والعزالي: هي أفواه المزادات، والمزادة هي القربة الكبيرة التي تكون من قطعتين في زاد حتى تكبر، فيقال لها: مزادة، يعني: كأن أفواه المزادات قد فتحت، وإذا كانت أفواه المزادات مفتوحة يكون انصباب الماء منها بغزارة.

ولهذا عندما يشار إلى كثرة المطر يقال: (كأفواه القرب). أي: كالقرب المفتوحة، فإنه ينزل منها الماء بغزارة.

قوله: [ (فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا) ].

معناه أن المطر نزل قبل أن يصلوا إلى بيوتهم، فكانوا يخوضون المطر في طريقهم من المسجد إلى بيوتهم.

تراجم رجال إسناد حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

هو حماد بن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد العزيز بن صهيب ].

عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس رضي الله عنه قد مر ذكره.

وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود .

[ ويونس بن عبيد ].

هذه طريق أخرى عن حماد بن زيد ، فـحماد بن زيد له فيه طريقان: الطريق الأولى التي مرت، والطريق الثانية عن يونس بن عبيد .

ويونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ثابت عن أنس بن مالك ].

ثابت بن أسلم البناني مر ذكره، وأنس مر ذكره.

شرح حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أنه سمعه يقول، فذكر نحو حديث عبد العزيز ، قال: (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه بحذاء وجهه فقال: اللهم اسقنا) وساق الحديث نحوه ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى: وهو نحو الأول وقريب منه.

تراجم رجال إسناد حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا)

قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد ].

هو عيسى بن حماد التجيبي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد المقبري ].

هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ].

شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، صدوق يخطئ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة ، أي: أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه أخرج له في الشمائل.

و شريك بن عبد الله بن أبي نمر هذا هو الذي روى حديث الإسراء الطويل، وهو الذي أورده البخاري في صحيحه، وكان فيه أغلاط وأخطاء ذكروها، ذكرها ابن كثير في تفسيره وذكرها الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث في كتاب التوحيد من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر في أغلاط متعددة، وهي من الأشياء التي في صحيح البخاري ، ولا جواب عنها؛ لأن أكثر الانتقادات التي انتقدت على البخاري عليها جواب، وبعضها -وهو القليل- لا جواب عنه، ومنه هذه الأخطاء التي انفرد بها شريك ، والتي أوردها البخاري في صحيحه من رواية شريك عن أنس .

وأما مسلم رحمه الله فإنه روى الحديث من طريق ثابت عن أنس ، ثم رواه من طريق شريك ولكنه ما ساق لفظه، بل قال: (فزاد ونقص وقدم وأخر). ولم يسق لفظه، والبخاري ساق لفظه وفيه أغلاط متعددة هي مما انتقد على البخاري .

شرح حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، ح: وحدثنا سهل بن صالح حدثنا علي بن قادم أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)هذا لفظ حديث مالك ].

مرت الأحاديث الكثيرة الدالة على أن الأيدي ترفع في الاستسقاء وفي خطبة الاستسقاء وكذلك في الدعاء عندما يتحول الإمام إلى القبلة ويدعو، وكذلك المأمومون يحولون أرديتهم كما يحول الإمام، ويدعون مستقبلي القبلة رافعي أيديهم، وكذلك تكون الأيدي بطونها إلى الأرض، ويبالغ في رفعها حتى تكون مقابل الوجه.

كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود هذا الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: [ (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) ].

قوله: [ (اللهم اسق عبادك) ] الذين هم الإنس، هؤلاء الذين هم عباد الله عز وجل.

قوله: [ (وبهائمك) ] الحيوانات والحشرات التي هي بحاجة إلى الماء.

قوله: [ (وانشر رحمتك) ] يعني: ابسطها.

قوله: [ (وأحي بلدك الميت) ] يعني: أحي الأرض بعد موتها، أحي هذا البلد الذي أصابه الموت والقحط والجدب بالخصب والغيث والبركة، وإخراج النبات من الأرض الذي فيه قوت الناس وقوامهم وحياتهم.

وهذا الحديث ورد فيه هذا الدعاء، ولكن ليس فيه ذكر رفع اليدين، فالترجمة معقودة لرفع اليدين، ولكنه ليس فيه ذكر رفع اليدين، ولكن الأحاديث المتقدمة الكثيرة العديدة دالة على ما ترجم له المصنف، وهو رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن شعيب ].

عمرو بن شعيب ، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

وهذا مرسل؛ لأن عمرو بن شعيب هو الذي رفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الحقيقة منقطع؛ لأن عمراً متأخر، وجده الذي هو محمد أيضاً تابعي، فـعمرو وشعيب ومحمد كل هؤلاء متأخرون عن زمن النبوة، فهو مرسل أو منقطع أو معضل، لكن الطريق الثانية التي فيها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده موصولة.

[ وحدثنا سهل بن صالح ].

سهل بن صالح ، صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا علي بن قادم ].

علي بن قادم ، صدوق أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ أخبرنا سفيان ].

سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه ].

يحيى بن سعيد وعمرو بن شعيب مر ذكرهما، وأبوه: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن.

[ عن جده ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن عمرو ليس من السبعة ولكنه مكثر، ولم يصل إلى حد السبعة، وهو الذي قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ليس هناك أحد أكثر حديثاً مني إلا عبد الله بن عمرو ؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، ولكن مع هذا الذي قاله أبو هريرة فإن الذي حفظ من الأحاديث عن أبي هريرة كثير، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ إذ بلغت أحاديثه ما يزيد على خمسة آلاف حديث في الكتب الستة.

قوله: [ هذا لفظ حديث مالك ].

يعني: لفظ الطريق الأولى، فساقه على لفظ الطريق الأولى المرسلة.

الأسئلة

نصيحة للشباب الذين ينشغلون عن الدرس بالكلام

السؤال: بعض الطلاب بارك الله فيهم يتكلمون أثناء الدرس فيشغلوننا عن سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فماذا يقول شيخنا حفظه الله مع العلم أنهم قد نبهوا ولكنهم لم يتركوا هذا الأمر؟

الجواب: أرجوا أن لا يكون ذلك صحيحاً، فمعلوم أن الحضور مع الانشغال عن الدرس يكون وجوده مثل عدمه، وإنما الحضور مع الانتباه والمتابعة هذا هو الذي ينفع الإنسان، وإذا كان الأمر يتعلق بسؤال عن شيء فيمكن أن يؤخر إلى ما بعد انتهاء الدرس، أعني: إذا كان الكلام من أجل استثبات أو من أجل التحقق من فائدة فيمكن للإنسان أن يؤجلها إلى ما بعد الدرس، وإن كان الاشتغال بالكلام في أمر آخر خارج عن الدرس فهذا مما لا يليق ولا ينبغي، وكون الإنسان يحضر ويستمع ويمكن غيره من الاستماع لاشك في أن هذا خير له ولغيره، وكونه ينشغل فإنه يضر نفسه ويتسبب في إضرار غيره.

الحكم إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة

السؤال: إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة فهل يجاب إلى هذا؟

الجواب: نعم يجاب إذا حصل، وبعض أهل العلم قال: إنه ليس لها وقت معين، ولهذا حصل الاستسقاء في خطبة الجمعة، فإذا أمر الوالي فإنه يجاب لذلك؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الصلاة تكون في وقت معين.

حكم من اشترى عقاراً بماله ولم يخبر والده

السؤال: رجل اشترى عمارة بالتملك ووالده حي، ولم يستشره في شرائها، فهل من حقه أن يتملكها بدون رضا والده أم لابد من استشارة والده؟ وهل يشترك فيها الأولاد الباقون إذا رضي الوالد؟

الجواب: المال الذي اشتريت به العمارة إن كان للولد فالنقود للولد، والعمارة التي في مقابلها للولد، وإن كان من مال الوالد وكان الولد وكيلاً مطلقاً للوالد فله أن يبيع ويشتري كما يريد، ولكن الذي ينبغي هو الاستشارة والرجوع إليه، وكذلك لو كانت النقود له، فكونه يستشيره من أجل أن يطيب خاطره لا بأس بذلك.

وأما من حيث الحق والملك فإذا كان اشتراها بنقوده وماله الخاص فهي ماله، وإخوانه الآخرون لا يشتركون معه إلا إذا تبرع لهم أو أشركهم أو تنازل عن شيء من حقه لهم، فعند ذلك يمكن أن يشتركوا معه.

أما والمال ماله والنقود نقوده، واشتراها بنقوده فهي ملكه، وإن منح غيره أو تنازل عن شيء منها لغيره فله ذلك؛ لأن له أن يعطي من ماله ما يشاء.

حكم مس المصحف والقراءة فيه من غير طهارة

السؤال: ما حكم مس المصحف والقراءة فيه بغير طهارة؟

الجواب: لا يجوز ذلك؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79]، أي: في السماء.

ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما نقله عنه ابن القيم في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) - إن القرآن كما أنه في السماء لا يمسه إلا المطهرون فكذلك في الأرض ينبغي أن لا يمسه إلا المطهرون يعني: من طريق القياس والإلحاق.

لكن قد جاء في حديث في كتاب عمرو بن حزم : (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) فلا يجوز للإنسان أن يمس القرآن مباشرة إلا إذا كان طاهراً، أما إذا مسه مع حائل فلا بأس بذلك، كأن يكون معه قلم أو عود أو في يده كساء أو ما إلى ذلك لا بأس بذلك.

حكم امرأة تريد لبس الحجاب وزوجها يمنعها

السؤال: نحن عندنا لكثرة التبرج والسفور بعض الأزواج لا يسمحون لزوجاتهم بلبس الحجاب حتى ولو أرادت الزوجة أن تفعل ذلك، فأختي تريد أن تلبس الحجاب وزوجها يمنعها من ذلك، وقد يؤدي إصرارها إلى الطلاق، فماذا تفعل علماً بأنها أنجبت منه تسعة أولاد؟

الجواب: طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوقين، وهي إذا التزمت طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يكون من أسباب تحصيل الخير لها، وتحصيل السعادة، ولاسيما وجود هذا العدد من الأولاد، وإنما هي تريد طاعة وتريد شيئاً فيه التقرب إلى الله عز وجل، وفيه بعد عن المحظور وعن الأمور المحرمة، فلعل ذلك يكون من أسباب الإبقاء والحرص عليها، لا أن يكون سبباً في طلاقها، لكن هذا من حيل الشيطان ومن الوساوس التي يأتي بها الشيطان، أعني كون الإنسان يخوف، ولاشك في أن هذا من جنس قوله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175].

الهجر بعد إقامة الحجة

السؤال: إذا تبين لنا خطأ شخص ما، وأقمنا عليه الحجة وناقشناه وبينا له الحق فلم يقبل ذلك، وأصر على موقفه؛ فهجرناه، فهل لنا أن نخبر غيرنا لكي يهجره؟

الجواب: الهجر لا يصلح إلا إذا انبنت عليه مصلحة أو فائدة، أما إذا لم يترتب عليه فائدة ولا مصلحة فلا يصلح، ثم إنه ليس كل الناس يحصل منهم إقامة الحجة، فقد يكون بعضهم عنده شيء من الجهل.

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [146] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net