إسلام ويب

تجب الزكاة في البقر السائمة في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة، ومن منع الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً وشطر ماله تعزيراً له وزجراً لغيره.

تابع ما جاء في زكاة السائمة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا بهز بن حكيم ح، وحدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً، -قال ابن العلاء مؤتجراً بها فله أجرها- ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل، ليس لآل محمد منها شيء) ].

هذا الحديث وما قبله وما بعده من الأحاديث داخلة تحت ترجمة باب زكاة السائمة، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون) أي: أن زكاة الإبل -وكذلك الغنم والبقر- إنما هي في السائمة التي ترعى أكثر الحول، والتي لا يتعب عليها صاحبها ويتكلف لها ويخسر عليها، وإنما الزكاة فيما ترعى أكثر الحول.

قوله: (في أربعين بنت لبون) يعني: أن الأربعين فيها هذا السن بنت لبون، لكن لا يعني ذلك أن هذا الحكم خاص بهذا العدد الذي هو أربعون؛ لأنه جاء في الأحاديث المتعددة أن بنت اللبون تكون من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، فأي عدد بين هذين العددين فيه بنت لبون، فليس لقوله: (أربعين) مفهوم أن ما فوقه وما تحته يختلف، بل هذا العدد من جملة الأعداد التي تخرج فيها بنت اللبون؛ لأن بنت اللبون تخرج في الستة والثلاثين والسبعة والثلاثين والثمانية والثلاثين والتسعة والثلاثين والأربعين والواحد وأربعين والاثنين وأربعين والثلاثة وأربعين والأربعة وأربعين والخمسة وأربعين, فكل هذه الأعداد فيها بنت لبون.

إذاً: الأربعون فرد من أفراد تلك الأعداد التي في أي عدد منها بنت لبون، وعلى هذا فمفهومه ليس معتبراً تحت الأربعين وفوق الأربعين، بل المعتبر ما جاء فيه النص من أنه من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها بنت لبون, ولعله ذكر الأربعين لأنه العقد الذي يكون فيه بنت لبون، فهو من جنس ما سبق أن الدراهم إذا كانت مائة وتسعين فليس فيها زكاة؛ لأن هذا أعلى عقد تحت المائتين.

قوله: [ (ولا يفرق إبل عن حسابها) ] هذا كما تقدم أنه لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، لا من العامل ولا من المالك، كأن تكون مجتمعة فتفرق من أجل أن تزيد الزكاة إذا كان التفريق من العامل، أو من أجل أن تقل الزكاة إذا كان التفريق من المالك.

قوله: [ (من أعطاها مؤتجراً، قال ابن العلاء : مؤتجراً بها فله أجرها) ] ابن العلاء هو محمد بن العلاء الشيخ الثاني لـأبي داود ؛ لأن أبا داود روى الحديث من طريق موسى بن إسماعيل ومن طريق محمد بن العلاء ، فطريق موسى بن إسماعيل ليس فيها كلمة (بها), وإنما فيها كلمة (مؤتجراً) فقط, وأما طريق محمد بن العلاء -وهي الطريق الثانية- ففيها: (مؤتجراً بها) أي: محتسباً وطالباً الأجر والثواب من الله عز وجل.

وقوله: (فله أجرها) يعني: فله ما أدى وله ما نوى.

قوله: [ (ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله, عزمة من عزمات ربنا) ] أي: من منع إخراج الزكاة الواجبة عليه فإننا نأخذها منه، ونأخذ أيضاً شطر ماله بالإضافة إليها، وقد اختلف في المراد من هذه الجملة، فمن العلماء من قال إنه على ظاهره، وأنه تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ أيضاً نصف ماله، عقوبة على امتناعه، ويكون ذلك عقوبة مالية، (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا يكون من الأمور التي تؤخذ حقاً؛ لأنه جاء به الشرع، وجاء الإذن من الله عز وجل؛ لأن السنة وحي من الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى كما قال عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4-5]، فما يأتي به هو من الله عز وجل، فقوله: (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا الأخذ الذي نأخذه من الأمور العزائم أي: المحققة الثابتة.

وهناك أقوال أخرى قيلت في المراد منه، فقيل: إن هذا تهديد، وقيل: معنى قوله: (وشطر ماله) أن يشطر ماله شطرين: شطر حسان، وشطر دون ذلك، وتؤخذ الزكاة من شطر الحسان، وقيل غير ذلك.

ولكن ظاهر الحديث أن المراد به عقوبة مالية، وأنه يؤخذ الشطر عقوبة مالية, واختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن ذلك كان جائزاً ثم نسخ، ومنهم من قال: النسخ يحتاج إلى دليل، وهذا حكم ثابت وليس بمنسوخ، والله تعالى أعلم.

ثم قال: (ليس لآل محمد منها شيء) فالزكاة لا تحل لآل محمد كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من جملة الأدلة الدالة على أن الزكاة لا تحل لآل محمد، ولا يكون لآل محمد منها شيء، فإنما هي أوساخ الناس.

تراجم رجال إسناد حديث (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون...)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ]

هو ابن سلمة بن دينار البصري، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرنا بهز بن حكيم ].

بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ ح وحدثنا محمد بن العلاء ].

(ح) علامة التحول من إسناد إلى إسناد، ومحمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ أخبرنا أبو أسامة ].

حماد بن أسامه البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ].

بهز بن حكيم مر ذكره، وأبوه هو حكيم بن معاوية بن حيدة ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

وجده هو معاوية بن حيدة القشيري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

شرح حديث (من كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم -يعني محتلماً- ديناراً أو عدله من المعافر. ثياب تكون باليمن) ].

حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فيه دليل على أن نصاب البقر ثلاثون، وما قل عن الثلاثين لا زكاة فيه ولو كان تسعاً وعشرين، فالحد الأدنى الذي تخرج فيه زكاة من البقر ثلاثون، وهو النصاب، وفيه تبيع أو تبيعة، يعني ذكراً أو أنثى، والتبيع: هو الذي مضى من عمره سنة ودخل في السنة الثانية، وقيل له تبيع أو تبيعة لأنه يتبع أمه.

قوله: (ومن كل أربعين مسنة) يعني: إذا بلغ العدد أربعين فإنه يكون فيها مسنة، والمسنة: هي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة من عمرها.

قوله: [ (لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة) ].

يعني: أن نصاب زكاة البقر مبني على الثلاثين والأربعين، فإذا كانت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، وإذا كانت أربعين ففيها مسنة، والخمسون ليس فيها غير مسنة، وإذا صارت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وإذا صارت سبعين ففيها تبيع ومسنة، وإذا صارت ثمانين ففيها مسنتان، وهكذا في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة...

قوله: [ (ومن كل حالم -يعني: محتلماً- ديناراً) ] المقصود من ذلك الجزية على أهل الكتاب الذين كانوا في اليمن، فيؤخذ من الذي بلغ الحلم ديناراً جزية، وهذا يدل على أن الجزية إنما تؤخذ من المحتلمين البالغين الذكور، وهذه الجزية تؤخذ من اليهود والنصارى إذا فتحت البلاد فلم يقاتلوا المسلمين، وبقوا على دينهم، فتؤخذ منهم الجزية، ومقدارها دينار على كل محتلم.

قوله: [ (أو عدله من المعافر) ] أي: قيمته أو ما يساويه من المعافر، وهي أكسية وبرود تنسب إلى قبيلة مشهورة بهذا الاسم، فالجزية إما دينار أو ما يقابلها من الألبسة التي كانت تنسج وتصنع في اليمن، ويقال لها: معافر.

تراجم رجال إسناد حديث (من كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة)

قوله: [ حدثنا النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا أبو معاوية ].

أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي وائل ].

وهو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاذ ].

معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

إخراج الذكور في زكاة المواشي

قال الخطابي : ليس في أصول الزكاة مدخل للذكران في المواشي إلا في صدقة البقر ا.هـ. لكن الذي عنده غنم له أن يخرج من ذكورها، ولعل مقصوده أن النص إنما جاء فيما يتعلق بالبقر، ولكنه قد جاء أيضاً فيما يتعلق بالإبل في موضع واحد فقط، وهو ابن اللبون الذكر إذا لم توجد بنت مخاض، فتكون الزيادة التي في سن الذكر في مقابل الفضيلة التي في الأنثى، وإذا كانت الغنم ذكوراً يخرج منها ذكر, ولكن إذا كانت ذكوراً وإناثاً فإنه يخرج منها ذكور أو إناث، وسبق أن مر بنا أن تيس الغنم لا يأخذه المصدِّق إلا أن يشاء المتصدق، والواجب أن يخرج من الأوساط، وإذا كان الغالب الذكور فيخرج ذكر، وإذا كان الغالب الإناث فيخرج أنثى، ويؤخذ من الأوساط لا من الخيار ولا من الأشرار، وإنما يؤخذ من الوسط.

شرح حديث زكاة البقر من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة والنفيلي وابن المثنى قالوا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وقال: (مثله) أي: مثل الرواية السابقة التي جاءت عن أبي وائل عن معاذ .

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة .

[ والنفيلي وابن المثنى ].

النفيلي هو عبد الله بن محمد الذي مر ذكره، وابن المثنى هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم ].

إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مسروق ].

مسروق بن الأجدع، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاذ ].

مر ذكره.

شرح حديث زكاة البقر من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فذكر مثله، لم يذكر ثياباً تكون باليمن، ولا ذكر (يعني محتلماً) ]

أورد المصنف الحديث من طريق ثالثة عن معاذ وقال: (مثله) إلا أنه لم يذكر الثياب التي تكون باليمن وهي المعافر، ولا ذكر (يعني محتلماً) في التفسير، وإنما ذكر (حالماً) فقط بدون تفسير، فكلمة: (يعني محتلماً) ليست موجودة في هذه الرواية، وليس فيها ذكر الثياب اليمانية.

قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ].

هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، صدوق أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن أبيه ].

وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن سفيان ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل ].

مر ذكرهم.

ذكر أصحاب الأعمش الذين رووا عنه حديث زكاة البقر

[ قال أبو داود :ورواه جرير ويعلى ومعمر وشعبة وأبو عوانة ويحيي بن سعيد عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال: يعلى ومعمر عن معاذ مثله ].

ذكر المصنف رواية عدد من أصحاب الأعمش عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق ، وقال: إن يعلى ومعمر وهما من هؤلاء الستة الذين رووا عن الأعمش قالا: عن معاذ .

وجرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و يعلى بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و معمر بن راشد الأزدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة .

و يحيي بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق ].

مر ذكرهم.

شرح حديث سويد بن غفلة في النهي عن أخذ خيار المال في الزكاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال: (سار سرت، أو قال: أخبرني من سار مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألّا تأخذ من راضع لبن، ولا تجمع بين مفترق، ولا تفرق بين مجتمع) وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول: أدو صدقات أموالكم، قال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء -قال: قلت: يا أبا صالح! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام- قال: فأبى أن يقبلها قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله) ].

قوله: [ (فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني في كتابه.

[ (ألا تأخذ من راضع لبن) ] هذا الكلام موجه إلى المصدق، يعني: من ذات راضع لبن وهي الحلوب التي فيها لبن وترضع؛ وذلك لأنها من خيار المال.

قوله: [ (ولا تجمع بين مفترق) ] أي: من أجل أن تكثر الصدقة، وهذا خطاب للمصدق، وذلك بأن يكون رجل عنده مثلاً مائة وواحدة، وآخر عنده مائة وواحدة، فيجمعها العامل من أجل أن يأخذ منهما ثلاث شياة؛ لأنه لو كان كل واحد منهما على حدة فكل واحد عليه شاة واحده؛ لأن أربعين شاة إلى مائة وعشرين ما فيها إلا شاة، فإذا زادت واحدة صار فيها شاتين إلى مائتين، فإن زادت واحدة صار فيها ثلاث شياة، فإذا كان الأول عنده مائة وواحدة، والثاني عنده مائة وواحدة، صارت مائتين واثنتين، فلو بقي كل على ما هو عليه فإنه لا يؤخذ إلا شاتين: شاة من هذا، وشاة من هذا؛ لكن إذا جمع بين الغنمين أخذ منها ثلاثاً.

وقوله: [ (ولا تفرق بين مجتمع) خطاب للعامل ألا يفرق بين مجتمع من أجل أن تكثر الصدقة، بأن يكون رجلان لكل واحد منهما أربعون شاة، وهم خلطة، فيفرق غنمهما، فيأخذ من هذا شاة، ومن هذا شاة، وإنما الواجب عليهما شاة واحدة.

قوله: [ (وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم) ] هذا فيه دليل على أن العامل يذهب إلى أصحاب المواشي على مياههم، ولا يجلس في مكان ويكلفهم أن يسوقوا غنمهم إليه حتى يزكي أموالهم، بل يأتي المياه، وإذا وردت الغنم أو الإبل أو البقر فإنه يأخذ الزكاة منها؛ حتى لا يشق على الناس أن يأتوا إليه لأخذ الزكاة.

قوله: [ (فيقول: أدوا صدقات أموالكم) ] وتكون من الوسط لا من الخيار ولا من الشرار؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، ولو أخذت من الشرار لكان في ذلك إضرار بالفقراء، ولكن يؤخذ الوسط كما سيأتي في الحديث: (إن الله لم يأخذ منكم خيره، ولم يأمركم بشره).

قوله: [ (فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء) ] أي: فعمد رجل من أصحاب المواشي، والكوماء فسرها بأنها الكثيرة الشحم السمينة، فأبى أن يأخذها المصدق؛ لأن الواجب هو الوسط وهذه من الخيار، ولكن سيأتي أنه لا بأس بذلك إذا رضي المتصدق بأن يدفع شيئاً أحسن من الوسط، وأدى الخيار بطواعية منه ورضا، ولكن المصدق لعله لم يكن عنده علم بجواز ذلك، وخشي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الناقة الحسناء السمينة يظن أنه عمد إلى خيار المال فأخذها.

قوله: [ (فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء، قال: قلت: يا أبا صالح ! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام، قال: فأبى أن يقبلها، قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي، قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها) ] خطم يعني: وضع الخطام على رأسها ليقودها به؛ لأن الإبل تقاد بالخطام، وأما إذا كانت في المراعي فلا تخطم؛ لأن الخطام قد يكون سبباً في ضررها بأن يعلق في شجرة فتنحبس بسبب ذلك، فيؤدي إلى انحباسها مدة طويلة وربما تهلك.

قوله: [ (وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله) ] وهذا يدل على أن هذه الإبل الثلاث كلها من الخيار، وأن كل واحدة أرفع من الثانية، وكان أعطى ناقة كوماء ثم أخرى دونها ثم الثالثة دونها، ومع ذلك فهو خائف أنه إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمدت إلى إبله وأخذت خيارها.

تراجم رجال إسناد حديث سويد بن غفلة في النهي عن أخذ خيار المال في الزكاة

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب ].

أبو عوانة مر ذكره، وهلال بن خباب صدوق أخرج له أصحاب السنن.

[ عن ميسرة أبي صالح ].

ميسرة أبو صالح مقبول أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن سويد بن غفلة ].

سويد بن غفلة تابعي مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسويد بن غفلة مثل المعرور بن سويد كلاهما مخضرم، وكل منهما معمر، والثاني كان عمره مائة وعشرين سنة وهو أسود شعر الرأس واللحية بدون أن يخضب بالسواد، وإنما كان ذلك خلقة، وسويد بن غفلة كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة!

قوله: [ (عن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم) ] هو غير مسمى، ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المجهول فيهم في حكم المعلوم، فلا تؤثر الجهالة في الصحابة؛ لأنهم عدول بتعديل الله وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.

[ قال أبو داود : ورواه هشيم عن هلال بن خباب نحوه إلا أنه قال: (لا يفرق) ].

هشيم مر ذكره، وهلال بن خباب مر ذكره.

وقوله: إلا أنه قال: (لا يفرق)، هذه الرواية يحتمل أن الخطاب فيها للعامل أو للمالك، أما الرواية الأولى فهي للعامل، فقوله: (لا تفرق) خطاب للعامل وحده، وقوله: (لا يفرق) تصلح للعامل الذي هو المصدِّق وتصلح للمالك الذي هو المصَّدِّق.

شرح حديث سويد بن غفلة من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن أبي ليلى الكندي عن سويد بن غفلة قال: (وكان مصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولم يذكر (راضع لبن)) ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه: (لا يجمع بين مفترق) ولم يذكر (راضع لبن).

قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن صباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شريك ].

شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق اختلط لما ولي القضاء، وهو يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عثمان بن أبي زرعة ].

عثمان بن أبي زرعة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن أبي ليلى الكندي ].

ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .

[ عن سويد بن غفلة ].

سويد بن غفلة مر ذكره.

شرح حديث مسلم بن ثفنة في اجتناب الخيار في الزكاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي عن مسلم بن ثفنة اليشكري قال الحسن : روح يقول: مسلم بن شعبة قال: (استعمل نافع بن علقمة أبي على عرافة قومه، فأمره أن يصدقهم قال: فبعثني أبي في طائفة منهم، فأتيت شيخاً كبيراً يقال له: سعر بن ديسم فقلت: إن أبي بعثني إليك -يعني لأصدقك- قال: ابن أخي! وأي نحو تأخذون؟ قلت: نختار حتى إنا نتبين ضروع الغنم، قال: ابن أخي! فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك، فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً، فأخرجتها إليهما فقالا: هذه شاة الشافع, وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نأخذ شافعاً، قلت: فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً جذعة أو ثنية قال: فأعمد إلى عناق معتاط -والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا) ].

قوله: [ استعمل نافع بن علقمة أبي على عرافة قومه فأمره أن يصدقهم ].

قوله: (أبي) هو والد مسلم بن ثفنة أو مسلم بن شعبة ، وقوله: (على عرافة قومه). يعني: جعله المسئول عن القبيلة، فالعريف هو المسئول عن القبيلة، الذي يرجع إليه في شأن القبيلة، وترجع إليه القبيلة، فهو مرجعها، وقد جاء في أحاديث ذكر العرفاء، ولكل جماعة عرفاء يعرفون بهم، ويكونون مرجعاً لهم، ومما جاء في ذلك الحديث الصحيح في قصة السبي في غزوة حنين حين جاء وفد هوازن وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد سبيهم عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قسمه فقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإننا نريد أن نرد عليهم سبيهم، فمن رضي وطابت نفسه فذاك، وإلا فإننا نعطيه بدلاً عنه من أول فيء يفيئه الله علينا فقالوا: طيبنا طيبنا) يعني: ارتفعت الأصوات فقال: (فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم من طيب منكم ممن لم يطيب) أو كما قال.

قوله: [ فأمره أن يصدقهم، قال: فبعثني أبي في طائفة منهم ].

يعني: أن الأب بعث ابنه الذي هو مسلم بن ثفنة أو مسلم بن شعبة .

قوله: [ فأتيت شيخاً كبيراً يقال له سعر بن ديسم فقلت: إن أبي بعثني إليك، يعني لأصدقك ] يعني: لآخذ زكاة مالك؛ لأن المصدق هو الذي يأخذ زكاة المال.

قوله: [ قال: ابن أخي! وأي نحو تأخذون؟ ].

يعني: ما هو النوع الذي تأخذون؟

قوله: [ نختار حتى إنا نتبين ضروع الغنم ].

يعني: نختار في الزكاة حتى نتبين ضروع الغنم لننظر هل ضرعها كبير فيه لبن كثير، ومعناه أنهم يأخذون الخيار، فأخبره أن الأمر بخلاف ذلك.

قوله: [ قال: ابن أخي! فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً فأخرجتها إليهما، فقالا: هذه شاة الشافع ].

أي: كان في شعب من الشعاب، فجاء رجلان من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبا منه إخراج الزكاة، فقال: (ما الذي علي فيها؟) يعني: ما مقدار الزكاة الواجبة علي؟ (قالا: شاة، قال: فعمدت إلى شاة في الغنم أعرف مكانها ممتلئة محضاً وشحماً) يعني: لبناً وشحماً، (فقالا: هذه شاه الشافع) هي الحامل كما سيأتي، ويحتمل أنها التي قد ولدت، وصار ولدها شفعاً بها؛ لأنه يتبعها فصارت به شفعاً، فبدلاً من كونها واحدة صارت بولدها شفعاً، وهي مثل بنت المخاض التي أمها بنت اللبون، فبنت المخاض التي في بطن أمها ولد، وأما بنت اللبون فهي التي أمها قد ولدت فصارت ذات لبن.

وسواء كانت ذات لبن أو صارت ذات حمل فإنها لا تؤخذ في الزكاة؛ لأن ذات اللبن من خيار المال، وقد مر حديث: (راضع لبن) يعني: ذات رضاع، وكذلك الحامل التي في بطنها حمل من خيار المال، فلا تؤخذ هذه ولا هذه.

قوله: [ فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً جذعة أو ثنية ].

هذا فيه بيان أن الشاة تطلق على الذكر والأنثى من الضأن والماعز، فكلاهما يقال له شاة؛ ولهذا يأتي كثيراً في الأضاحي وفي الهدي ذكر الشاة، وليس المقصود بها الضأن، وإنما المقصود بها الضأن والماعز، فكل ذلك يطلق عليه شاة.

والعناق هي التي لم تكمل سنة، وهي لا تجزئ في الأضحية، والثنية من الماعز هي التي أكملت سنة، وهي التي يضحى بها ويهدى، والجذعة من الضأن هي التي لها ستة أشهر، والثنية هي التي أكملت سنة، والضأن في الأضحية يجزئ فيه الجذع، وأما بالنسبة للماعز فلا يجزئ إلا الثني.

قوله: [ فأعمد إلى عناق معتاط -والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا ].

يعني: ما سبق أن ولدت، وجاء وقت كونها تحمل، فقالا: ناولناها؛ لأنهما كانا راكبين. ثم ذهبا بها.

تراجم رجال إسناد حديث مسلم بن ثفنة في اجتناب الخيار في الزكاة

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زكريا بن إسحاق المكي ].

زكريا بن إسحاق المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي ].

عمرو بن أبي سفيان الجمحي ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن مسلم بن ثفنة اليشكري ].

وهو مقبول أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن سعر بن ديسم ]

وهو مخضرم، وقيل: له صحبة، أخرج له أبو داود والنسائي .

والحديث ضعيف، فيه مسلم بن ثفنة ، وفيه أيضاً رجل مختلف في صحبته، والحديث ضعفه الألباني .

بيان خطأ وكيع في اسم مسلم بن ثفنة

[ قال أبو داود : رواه أبو عاصم عن زكريا قال أيضاً: مسلم بن شعبة كما قال روح ].

يعني: أن وكيعاً غلط في الإسناد عندما قال: مسلم بن ثفنة وإنما هو مسلم بن شعبة .

و روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق بإسناده بهذا الحديث قال: مسلم بن شعبة قال فيه: والشافع التي في بطنها الولد ].

قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ].

محمد بن يونس ثقة، أخرج له أبو داود.

[ حدثنا روح عن زكريا بن إسحاق ].

مر ذكرهما.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [190] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net