إسلام ويب

للزكاة مصارف معلومة نص عليها القرآن الكريم ويحرم صرفها في غير تلك المصارف، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة صرفها في بني هاشم، تكريماً لهم وتشريفاً؛ لأن الزكاة أوساخ الناس، ولاستغنائهم عنها بالفيء، ولكن إذا أعطي الفقير ونحوه من الزكاة، ثم أهدى منها لهاشمي، فإنها تجوز له.

الصدقة على بني هاشم

شرح حديث: (مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الصدقة على بني هاشم.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لـأبي رافع : اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة) ].

أورد أبو داود باب: الصدقة على بني هاشم وهاشم هو ابن عبد مناف ، وهو الجد الثاني لرسول صلى الله عليه وسلم، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فبنو هاشم هم الذين لا تحل لهم الصدقة، والمراد بهم: آل العباس، وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، فهؤلاء هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة، وقد قصر بعض أهل العلم المنع على بني هاشم، وألحق بهم بعضهم بني المطلب، والمطلب هو أخو هاشم، وهما من أولاد عبد مناف، ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من الخمس من سهم ذوي القربى.

وقد جاء في الصحيح أن عثمان بن عفان -وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف -و جبير بن مطعم النفيلي- وهو من بني نوفل بن عبد مناف- جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا: إنك أعطيت بني المطلب ولم تعطنا، ونحن وإياهم في القرب منك سواء؛ لأن أولاد عبد مناف أربعة: هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى بني المطلب من خمس ذوي القربى، فجاء عثمان بن عفان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا وبنو المطلب شيئاً واحداً لم نفترق في الجاهلية والإسلام) أي: أنهم كانوا يناصرونهم، ولما حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب كانوا معهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من الخمس كما يعطي بني هاشم، قالوا: ومن أعطي من الخمس فإنه لا يعطى من الزكاة، فلا يجوز أن تدفع الزكاة لا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي.

وأورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رجلاً من بني مخزوم قال له وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة: اصحبني حتى تصيب شيئاً، فقال: لا، حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه وسأله، فقال: (إن مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة)، فيدل هذا الحديث على أن مولى القوم منهم، وأن الموالي لا تحل لهم الصدقة، فمن العلماء من أخذ بمقتضى هذا الحديث وقال: لا تحل لمواليهما يعني: موالي بني المطلب وبني هاشم، ومنهم من قال: إن الموالي تحل لهم الصدقة، ولكن هذا الحديث يدل على أنها لا تحل لهم؛ لأنه قال: (مولى القوم من أنفسهم) أي: أن حكمه كحكمهم، وسبب عدم إعطاء آل البيت من الصدقة أنهم يعطون ما يكفيهم من الخمس، فعندهم شيء يغنيهم عن الصدقة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب له يتعلق بآل البيت: إذا لم يعطوا من الخمس فإن الصدقة تحل لهم، فيجوز لهم أن يأخذوا منها؛ لأنهم إنما منعوا لإعطائهم من الخمس ومن الفيء، فإذا لم يُعطوا من الخمس، ولم يجدوا ما يكفيهم فإنها تحل لهم الصدقة؛ لأن الأمر الذي لم يعطوا من الزكاة لأجله غير موجود، فيجوز إذاً أن يعطوا من الزكاة حينئذ.

تراجم رجال إسناد حديث: (مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

محمد بن كثير هو: العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحكم ].

الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي رافع ].

ابن أبي رافع هو: عبيد الله بن أبي رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي رافع ].

أبو رافع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الفرق بين النسبة الحقيقية ونسبة الولاء

قوله: (مولى القوم من أنفسهم) يعني: حكمه كحكمهم، وليس المراد أنه من أنفسهم حقيقة؛ لأن المراد بأنفسهم نفس القبيلة، والمولى ليس من القبيلة، ولهذا يفرقون بين المولى وبين كونه من أنفسهم، فعندما يذكر البخاري ومسلم رحمة الله عليهما، يقال في البخاري : محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي مولاهم، يعني: أن نسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء، وإذا ذكروا مسلماً قالوا: مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، يعني: أن نسبته إلى بني قشير نسبة أصل، فكلمة (من أنفسهم) تقابل فكلمة (مولاهم).

فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أنفسهم) يقصد أن حكمه حكم من كان من آل البيت، لا أنه منهم على الحقيقة؛ لأنه مولى وليس نسبه نسبهم.

شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حدثنا حماد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يمر بالتمرة العائرة) أي: الساقطة التي لا يعرف صاحبها، ولا يعرف هل هي من الصدقة أو من غير الصدقة، فصاحبها لا يعرف، وجهتها لا تعرف.

قوله: (فلا يمنعه من أخذها إلا أن تكون صدقة) أي: لا يمنعه من أخذها وأكلها إلا أن تكون صدقة، وهذا يدل على الورع، وعلى الاحتياط في الدين، وعلى ترك الشيء المشتبه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرئ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) .

وكذلك جاء في بعض الأحاديث: (لا يبلغ الرجل أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس)، فهو يدل على الورع.

وهناك فرق بين الورع والزهد، فالزهد أن يزهد الإنسان في أموال الناس، وما في أيدي الناس، وأما الورع فهو أن يتورع عن الأشياء التي فيها اشتباه، فالورع غير الزهد، فالزهد أن يكون عنده غنى نفس، وألا يكون عنده طمع أو جشع، وأما الورع فهو الاحتياط، فقول صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) هذا ورع، وليس زهداً.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة)

قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومسلم بن إبراهيم ].

مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ المعنى قالا: حدثنا حماد ].

قوله: المعنى أي أن الشيخين اللذين ذكر ألفاظهما روايتهما متفقة في المعنى، وإن كان بينها اختلاف في الألفاظ.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو: ابن سلمة، فإذا روى عنه موسى بن إسماعيل هكذا غير منسوب -ويسمى بالمهمل، وهو أن يذكر الشخص دون أن ينسب- فالمراد به حماد بن سلمة ، وإذا روى مسدد عن حماد غير منسوب، فالمراد به ابن زيد وقد ذكر المزي في (تهذيب الكمال) بعد ترجمة حماد بن سلمة أن الحمادين يتفقان في كثير من الشيوخ والتلاميذ، ثم ذكر أنه إذا روى عنه فلان وفلان غير منسوب فهو فلان، وإذا روى عنه فلان فلان وفلان فهو فلان، وهذا ضابط يعرف به إذا جاء مهملاً، وذلك من خلال التلاميذ، وقد ذكر هذا في (تهذيب الكمال)، بعد ترجمة حماد بن سلمة ، وهي تلي ترجمة حماد بن زيد مباشرة.

[ عن قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود .

شرح حديث (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجد تمرة فقال: (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها) ].

أورد أبو داود حديث أنس من طريق أخرى، وقال في هذه الرواية: (لولا أن تكون صدقة لأكلتها) ، فأخبر عن الشيء الذي يمنعه من أكلها وهو خشية أن تكون من الصدقة، فهو مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ].

هو: نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

وهوثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خالد بن قيس ].

خالد بن قيس وهو صدوق يغرب أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ عن قتادة عن أنس ].

قتادة وأنس قد مر ذكرهما.

[ قال أبو داود : رواه هشام عن قتادة هكذا ].

قوله: رواه هشام عن قتادة هكذا، يعني: كما مر في الرواية السابقة، وهشام هو: ابن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عباس: (بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة).

حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا محمد -هو: ابن أبي عبيدة- عن أبيه عن الأعمش عن سالم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، زاد أبي: (يبدلها له) ].

أورد المصنف حديث ابن عباس قال: (بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة) ، وزاد في الرواية الأخرى: (يبدلها له)، يعني: بعثه كي يبدلها له، وهذا الحديث يدل بظاهره على أنه أعطي من الصدقة، وقد مر في الأحاديث السابقة أن بني هاشم لا يعطون من الصدقة، وأن الصدقة لا تحل لهم، قال العلماء: ويُفسَّر هذا الحديث -حتى يتفق مع الأحاديث الأخرى- بتفسيرين:

الأول: أن يكون ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم.

والثاني: أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه من الصدقة، فقد مر في حديث عمر الذي فيه: (منع العباس) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي علي ومثلها) ، وجاء في بعض التفسيرات: أنه استسلفها منه، فيكون هذا وفاءً وسداداً، أي: أنه سدد له من إبل الصدقة، وليس معنى ذلك أنه أعطي من الصدقة؛ لأن الصدقة لا تحل لآل محمد، ومنهم آل العباس ، وقد سبق الحديث الذي فيه: أن الفضل بن عباس جاء ومعه أحد أولاد الحارث بن عبد المطلب يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما على الصدقة؛ حتى يحصلا شيئاً يتزوجان به، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لا تحل لآل محمد) ، فعلى هذا فما جاء في هذا الحديث يحمل على أحد هذين الأمرين: إما أن يكون هذا قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، أو أن هذا تسديد ووفاء لشيء استلفه منه صلى الله عليه وسلم كما جاء في بعض روايات الحديث السابق في أمر العباس .

إهداء الفقير للغني من الصدقة

شرح حديث: (هو لها صدقة ولنا هدية)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة.

حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بلحم، قال: ما هذا؟ قالوا: شيء تُصُدِّق به على بريرة ، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية) ].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة.

أي أن ذلك سائغ وجائز؛ لأن الصدقة إذا تُصدِّق بها على الفقير صارت ملكاً له يتصرف فيها كيف يشاء، فله أن يهديها، وله أن يدعو لأكلها، وإلى أكل طعامه الذي تصدق عليه به؛ فإن الشيء إذا تصدق به على الفقير فإنه يدخل في ملكه، وتصير ملكاً له، وإذا أكلها غني بعد ذلك، أو أكلها من لا تحل له الصدقة؛ فإن ذلك لا بأس به، ولا محذور فيه، وقد سبق أن مرت بعض التراجم التي تماثل هذه الترجمة، وهنا جاءت بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الترجمة: باب الفقير يهدي إلى من لا تحل له الصدقة، لكان أولى.

وسبق أن مرت بعض التراجم التي فيها أن فقيراً يهدي إلى غني، وفي بعض الأحاديث أنه يدعوه، فسواء أهدى إليه، أو دعاه لحضور وليمة، أو إلى أن يأكل من طعامه؛ فكل ذلك لا بأس به، لكن هذه الترجمة كان الأولى أن تكون كما ذكرت آنفاً.

أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قُدِّم إليه لحم فقال: (ما هذا؟ قالوا: لحم تصدق به على بريرة ، فقال عليه الصلاة والسلام: هو لها صدقة، ولنا هدية). يعني: أنه وصل إليها عن طريق الصدقة فملكته، ثم وصل إلينا هدية، والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل من الهدية ويقبلها، ولكنه لا يأخذ الصدقة صلى الله عليه وسلم، فوصول الصدقة إلى الفقير يصيرها ملكاً له، فيتصرف فيها كيف يشاء، فإذا شاء أن يهديها إلى من لا تحل له الصدقة فله ذلك، وإن شاء أن يدعو إليها من لا تحل له الصدقة فله ذلك، فقد خرجت عن كونها صدقة؛ لكونها صارت ملكاً للذي تُصدِّق بها عليه، فيتصرف فيها كيف شاء.

ويدل هذا الحديث أيضاً على سؤال الرجل عما يحصل في بيته مما يكون غريباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما هذا؟) ، وذلك أنه رأى اللحم، وكان حصول اللحم ليس معتاداً لهم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام سأل عنه، فأُخبر عن حقيقته، وأنه تُصدِّق به على بريرة ، وأعطتهم بريرة إياه هدية، فقال عليه الصلاة والسلام: (هو لها صدقة، ولنا هدية) .

تراجم رجال إسناد حديث (هو لها صدقة، ولنا هدية)

قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ].

عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود .

[ أخبرنا شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فليس عنده ثلاثيات، بل إن أعلى شيء عنده هي الرباعيات، وهي ما كان بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص، وهم هنا عمرو بن مرزوق ، وشعبة ، وقتادة ، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

الفرق بين الصدقة والهدية

والفرق بين الصدقة والهدية أن الصدقة -كما هو معلوم- يراد بها الثواب من الله عز وجل، وأما الهدية فهي مثل العطية، فيمكن أن تعطيها لغني، ويمكن أن تعطيها لفقير، وقد تكون الهدية على سبيل المكافأة، فقد يهدي للإنسان هدية فيكافئه بمثلها، وهذا بخلاف الصدقة فإنها يطلب بها الثواب، فلا يكون فيها مكافأة، ولا يكون فيها رد تلك المنة بما هو أحسن منها، أو بما هو مثلها؛ فإن الصدقة إنما هي إحسان ومنة من المحسِن إلى المحسَن إليه، وهي صدقة من المتصدِّق على المتصدَّق عليه، بخلاف الهدية، فإن الهدية تمليك كالعطية، وقد يكون المراد بها تحصيل المقابل أو تحصيل الثواب أو تحصيل المكافأة والمقابلة عند الحاجة.

من تصدق بصدقة ثم ورثها

شرح حديث: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها.

حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة رضي الله عنه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث) ].

أورد أبو داود باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها، أي: أن رجوعها إليه بالميراث معتبر ولا إشكال فيه، وليس من العود في الصدقة؛ لأن الإرث هو انتقال من غير اختيار، فالميت إذا مات فإن ماله ينتقل مباشر من ملك إلى ملك، فهو أمر ليس للإنسان فيه دخل من حيث كونه يتسبب فيه، فإذا حصل أن رجعت الصدقة إلى المتصدق عن طريق الإرث فإن أجره ثابت؛ لكونه تصدق وأحسن، ورجوعها إليه بالميراث حق ثابت لا إشكال فيه ولا مانع منه، وليس من قبيل العود في الصدقة؛ فالإنسان لم يعد في صدقته، ولكنها هي التي عادت إليه بحكم الله عز وجل في الميراث، والميراث لا اختيار فيه لأحد، وإنما هو حكم الله عز وجل فيمن توفي، فإن أمواله تنتقل إلى الذين يرثونه على القسمة التي بيّنها الله عز وجل في كتابه العزيز، وبينها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة.

أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها تصدقت على أمها بوليدة) ، والوليدة هي الأمة الشابة، (وأنها ماتت) أي: أنها تسأل عن حكم رجوعها إليها بالميراث، وكأنها استشكلت أن ذلك يكون من العودة في الصدقة، وقد جاءت أحاديث تدل على المنع من ذلك، وكذلك العود في الهبة والعطية مذموم أيضاً، والعائد في ذلك: (كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في قصة الفرس الذي حمل عليه عمر رضي الله عنه في سبيل الله، ثم وجده يباع، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (لا تشتره، ولا تعُد في صدقتك)، فهذا يرجع إلى اختيار الإنسان، وأما أن تصل إليه بالميراث فهذا شيء خارج عن إرادته، والأجر ثابت له، فقد عادت إليه بحكم الله عز وجل، وذلك بالإرث الذي فرضه الله عز وجل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا: (قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث) أي: أن ما حصل منك من الإحسان والتصدق على والدتك قد ثبت به لك الأجر من الله عز وجل على ذلك، وهي قد رجعت إليكِ بالميراث، فيدلنا هذا على أن رجوع ما تصدق به الإنسان أو ما أعطاه الإنسان هبة إذا رجع إليه بالميراث فإن هذا ليس من العود في الهبة، وليس من العود في الصدقة، فإن هذا شيء لا اختيار للإنسان فيه.

تراجم رجال إسناد حديث: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)

قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ].

أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الإمام أحمد : إنه شيخ الإسلام.

[ حدثنا زهير ].

زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الله بن عطاء ].

عبد الله بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن بريدة ].

عبد الله بن بريدة بن الحصيب ثقة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

بريدة وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [201] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net