إسلام ويب

لقد منع الشرع من الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؛ لما في ذلك من وجود الشحناء والبغضاء التي تؤدي إلى القطيعة والتدابر بين الأقارب، وهذا من حكمة الشرع في سد أبواب الفساد والشر. وقد جاء أن علياً أراد أن ينكح بنت أبي جهل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً وبين أن فاطمة بضعة منه، وأنه يخاف عليها من ذلك أن تفتن في دينها، وهذا فيه أيضاً سد أبواب الفتن والفساد على العباد بلْهَ عن الأقارب.

ما يكره أن يجمع بينهن من النساء

شرح حديث: ( لا تنكح المرأة على عمتها )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا داود بن أبي هند عن عامر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى) ].

أورد أبو داود ما يكره من أن يجمع بينه من النساء، يعني: ما يحرم؛ لأن الكراهة عند المتقدمين بمعنى التحريم، كما قال تعالى: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38] بعد ذكر عدد من المحرمات. فقوله تعالى (مَكْرُوهًا) أي: محرماً.

وأما في اصطلاح الفقهاء فإنهم يجعلون المكروه هو الذي جاء النهي عنه على وجه لا جزم فيه، وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وطلب الشارع تركه طلباً غير جازم، والمحرم هو ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله، وطلب الشارع تركه طلباً جازماً، فالكراهة هنا بمعنى التحريم؛ لأن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها محرم وليس مكروهاً تنزيهاً بمعنى أنه يجوز أن يفعل مع الكراهة، وإنما هو ممنوع فلا يجوز الجمع، ولو حصل وجب التفريق، ولو أنه وجد ثم تبين أن هذه عمة أو خالة أو حصل جهل بذلك فإنه يجب التفريق بينهما، فتترك الأخيرة التي جاءت أخيراً؛ لأن العقد على الأولى صحيح، والعقد على الثانية غير صحيح، فتترك الأخيرة.

والمقصود من هذه الترجمة بيان ما يحرم أن يجمع بينه من النساء، والجمع المحرم إنما هو بين النساء القريبات المحرم الجمع بينهن، كأن تكونا أختين، كما جاء في القرآن: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] سواءٌ أكان في الزواج أم في ملك اليمين، فلا يُجمع بين الأختين في الزواج فإذا تزوج إحدى الأختين فلا تحل له أختها إلا إذا طلقها وانتهت من العدة، حتى في حال عدتها لا يجوز له أن يتزوجها؛ لأن المطلقة الرجعية زوجة، فلو تزوج أختها في حال عدتها فإنه يكون بذلك قد جمع بين الأختين، وإنما يتزوج بالثانية عندما تخرج الأولى من العدة، ومعلوم أن العدة على النساء، والرجال يعتدون في حالتين يطلق عليهما عدة على سبيل الإلغاز، فالرجل يعتد إذا كانت عنده امرأة فيريد أن يتزوج أختها، فليس له أن يتزوج أختها حتى تفرغ من العدة، فهو نفسه يتربص هذه المدة فلا يتزوج بأختها.

والمسألة الثانية: إذا كان عنده أربع وأراد أن يتخلص من واحدة وينكح مكانها أخرى، فليس له أن يتزوج بدل الرابعة إلا إذا فرغت الرابعة من العدة؛ لأنه لو تزوج بدلها وهي في العدة فقد جمع بين خمس، فالرجعية زوجة، فهاتان الصورتان يلغزون بهما ويقولون: الرجل يعتد.

وكذلك في ملك اليمين لا يجمع بين أختين في الوطء، وأما أن يجمع بينهما في الملك فجائز، لكن الوطء ليس له أن يجمع فيه بينهما.

وقوله تعالى بعدما ذكر المحرمات من النسب ومن الرضاعة ومن المصاهرة: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] يشمل إباحة الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، فجاءت السنة واستثنت من ذلك الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.

قاعدة ما يحرم فيه الجمع بين النساء

القاعدة عند العلماء فيما يحرم من الجمع هي أنه لو فرض أن إحداهما ذكر لم يكن له أن يتزوج الأخرى، فهذه القاعدة توضح من لا يجوز له الجمع بينهن من النساء، فالمرأة وعمتها لو فرض أن العمة كانت رجلاً فإنها تصير بنت أخيه، فليس له أن يتزوجها.

وكذلك لو كانت بنت الأخ ابناً فليس له أن يتزوج عمته أخت أبيه؛ إذ هو ابن أخيها فليس له أن يتزوجها.

فالقاعدة هي أنه إذا فرض أن إحدى المرأتين اللتين لا يصح الجمع بينهما ذكرٌ لم يكن له أن يتزوج بالمرأة الأخرى، فهذه هي ضابط ما لا يجوز.

ويستثنى من ذلك الجمع بين ابنة الرجل ومطلقته غير أمها، فإن الجمع بينهما جائز، فالجمع بين امرأة وضرة أمها التي طلقها أبوها أو مات عنها جائز؛ لأنه ليس هناك قرابة نسبية بين هذه وهذه، مع أنه لو فرض أن البنت ذكراً لم يكن له أن يتزوج زوجة أبيه، فلو فرض أن إحداهما ذكر فإنه لم يكن له أن يتزوج الأخرى، فهذه مستثناة من القاعدة.

وأورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح المرأة على عمتها) يعني: إذا كانت العمة موجودة فلا تنكح ابنة أخيها عليها.

قوله: (ولا العمة على بنت أخيها)، يعني: أنه إذا كان متزوجاً ببنت الأخ أولاً فليس له أن يضيف إليها العمة.

قوله: [ (ولا المرأة على خالتها) ].

فإذا كانت الخالة أخت الأم عند الرجل فليس له أن يتزوج ببنت أختها، أو العكس، بأن تكون بنت الأخت موجودة عنده فليس له أن يتزوج عليها خالتها، فالأولى التي عنده لا يضيف إليها الثانية، سواءٌ أعنده الكبرى أو الصغرى، فإن كانت عنده الكبرى فلا يضف إليها الصغرى، وإن كانت عنده الصغرى فلا يضف إليها الكبرى، ثم أتى بعد ذلك بكلام يرجع إلى الاثنين، فلا الكبرى تنكح على الصغرى ولا الصغرى تنكح على الكبرى.

قوله: [ (ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى) ].

فقوله: [ (لا تنكح الكبرى على الصغرى) ] سواءٌ من العمات أو الخالات، أي: من جانب الأم أو من جانب الأب، [ (ولا الصغرى على الكبرى) ] كذلك من الجانبين.

تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تنكح المرأة على عمتها )

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي عن زهير ].

زهير هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا داود بن أبي هند ].

داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عامر ].

هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذؤيب رضي الله عنه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها، وبين المرأة وعمتها) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه النهي عن أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، والعمة هنا هي أي عمة سواءٌ أكانت عمة قريبة أم بعيدة، كأن تكون أخت الأب أو أخت الجد، أخت أبيها أو أخت جدها؛ لأن عمة أبيها عمة لها، فلا يجمع بينها وبين عمتها، ولا بينها وبين خالتها، سواءٌ أكانت أخت أمها أم أخت جدتها التي هي خالة أمها.

تراجم رجال إسناد حديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها )

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عنبسة ].

هو عنبسة بن خالد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود .

[ أخبرني يونس ].

هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني قبيصة بن ذؤيب ].

قبيصة بن ذؤيب له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أنه سمع أبا هريرة ].

أبو هريرة قد مر ذكره.

شرح حديث: ( كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين الخالتين والعمتين )

قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا خطاب بن القاسم عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين الخالتين والعمتين ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين العمتين والخالتين، والمقصود من الجمع -كما عرفنا- هو نسبة المرأة إلى المرأة، وعلى هذا فإن هذا الحديث مثل الذي سبق من الأحاديث، فمعناه مع ما قبله من الأحاديث أنه لا يجمع بين المرأة وعمتها أو عمتيها، ولا بينها وبين خالتها أو خالتيها.

فقوله: [ (بين العمة) ] يعني: بين المرأة وعمتها، [ (والخالة) ] أي: بين المرأة وخالتها، وليس المقصود من ذلك أنه يجمع عمة امرأة وخالتها؛ لأنه قد تكون هذه أجنبية عن هذه؛ لأن أمها من قبيلة وعمتها من قبيلة، فيمكن أن يأتي رجل أجنبي ويأخذ عمتها ويأخذ خالتها؛ لأن خالة المرأة من جهة وعمتها من جهة، فالجمع بينهما لا مانع منه.

فالمقصود بالنسبة إلى المرأة التي يجمع بينها وبين امرأة أخرى، أي: بين المرأة ومن هي عمة لها، وبين المرأة ومن هي خالة لها، أو بين المرأة ومن هما خالتان لها، أو المرأة ومن هما عمتان لها، والخالتان هما خالة المرأة وخالة أمها، فخالة أمها خالتها، أي: أخت أمها وأخت جدتها، فلا يجمع بين المرأة وخالتيها.

وكذلك لا يجمع بين المرأة وعمتيها، سواء بين عمة واحدة أو عمتين، وهما العمة القريبة والعمة البعيدة، هذا هو الذي يظهر في معنى الحديث، وأن الجمع إنما يكون بين المرأة وبين نساء ينسبن إليها.

إذاً فالحديث معناه متوافق مع القاعدة المعروفة والأحاديث التي تقدمت أنه لا يجمع بين المرأة وعمتها إذا كانت عمتها واحدة، ولا مع عمتيها حيث يكون لها عمتان: أخت أبيها وأخت جدها، ولا بين المرأة وخالتها حيث يكون لها خالة واحدة، ولا بينها وبين خالتيها حيث يكون لها خالتان: أخت أمها وأخت جدتها أم أمها.

ويتضح الأمر بأن تنسب المرأة إلى المرأة، فالمرأة التي كانت عنده لا يضيف إليها واحدة قريبة لها، سواءٌ أكانت عمة أم عمتين، وخالة أم خالتين، أو عمة وخالة بأن يجمع إليها عمتها وخالتها، فكل واحدة منهما على انفرادها لا تجوز، فكذلك عند اجتماعهما من باب أولى لا يجوز ذلك؛ لأنه فعل المحرم من جهتين: من جهة العمة ومن جهة الخالة.

وأما مسألة الأجنبية فليس فيها إشكال، فيجوز لأخيك من أبيك أن يتزوج أختك من أمك، وذلك في مثل امرأة تزوجها رجل وولدت له بنتاً، ثم مات عنها أو طلقها فتزوجها رجل آخر وجاءت منه بولد، فيكون أخاً لأولاد أمه من الأم وأخاً لأولا أبيه من الأب، فأخوه من أبيه يجوز أن يتزوج أخته من أمه، وأخوه من أمه يجوز أن يتزوج أخته من أبيه؛ لأنهم أجانب فيما بينهم، فأخوك من أبيك يجوز له أن يتزوج أختك من أمك، وتصير أنت عمّاً وخالاً في آن واحد، عماً من جهة الأب وخالاً من جهة الأم، أي أن الزوج أخوك من أبيك، والمرأة أختك من أمك.

تراجم رجال إسناد حديث: ( كره أن يجمع بين العمة والخالة, وبين الخالتين والعمتين )

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا خطاب بن القاسم ].

خطاب بن قاسم ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن خصيف ].

هو خصيف بن عبد الرحمن ، وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث ضعفه الألباني ولعله من جهة خصيف بن عبد الرحمن ، وقد عرفنا معنى الحديث والمراد به.

شرح تفسير عائشة لقوله تعالى: (( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى... ))

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] قالت: يا ابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثلما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

قال عروة : قالت عائشة : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله عز وجل: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127]، قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله سبحانه فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، قالت عائشة : وقول الله عز وجل في الآية الآخرة: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] هي رغبة أحدكم من يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن.

قال يونس : وقال ربيعة في قول الله عز وجل: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] قال: يقول: اتركوهن إن خفتم؛ فقد أحللت لكم أربعاً ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في نزول قول الله عز وجل: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، وأنهم كانوا إذا كان الرجل عنده ابنة عم وهي ذات جمال ومال فهو لا يريد أن يزوجها غيره رغبة في مالها وأن يتزوجها، ويكون هو الذي يستفيد من مالها، ولا يعطونهن ما يستحققن من المهر، فيرغب فيها من أجل مالها ولا يعطيها حقها، فأنزل الله هذه الآية فقال: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] يعني: بأن لا تعطوهن ما يستحققن من المهر فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن مثنى وثلاث ورباع، فجواب الشرط: (إن خفتم) محذوف دل عليه ما قبله، وقد جاءت الإشارة إليه في الحديث: (اتركوهن وانكحوا ما طاب لكم) أي: اتركوهن لا تتزوجوهن، وكما أنكم إذا كن قليلات المال لا ترغبون فيهن فكذلك إذا كن كثيرات المال لا تتزوجوهن إلا إذا أعطيتموهن ما يستحققن، ثم أيضاً لابد من أن ترضى به أن يتزوجها ويعطيها ما تستحق من المهر.

وعلى هذا فمعنى الآية الأولى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3] إذا كان عند الواحد منكم امرأة هو وليها أو هو ابن عمها ولها مال وهي جميلة وأراد أن يتزوجها ولا يريد أن يتزوجها غيره فإنه إذا تزوجها وكان ذلك بموافقتها أن يعطيها المهر كاملاً ولا ينقصها، وكما أنها لو كانت غير ذات مال وغير ذات جمال يرغب عنها فكذلك إذا رغب فيها عليه أن يعطيها ما تستحق، وفي الآية الثانية: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127]، ومعناها محتمل أن يكون المراد به: (ترغبون عنهن) أو (ترغبون فيهن)، فهم يرغبون فيهن إذا كن ذات مال وجمال، ويرغبون عنهن إذا كن مقلات وغير جميلات، فكما أنكم لا ترغبون فيهن إذا كن مقلات وغير جميلات فكذلك إذا كن ذات أموال وجميلات إن تزوجتموهن فأعطوهن ما يستحققن من المهر، وإلا فاتركوهن وتزوجوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، أو أربعاً أربعاً.

والحديث ليس واضحاً في الدلالة على الترجمة.

تراجم رجال إسناد تفسير عائشة لقوله تعالى: (( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ...))

قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري ].

أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير ].

مر ذكرهم.

[ أنه سأل عائشة ].

عائشة رضي الله تعالى عنها مر ذكرها.

شرح خُطبته صلى الله عليه وسلم حين أراد علي نكاح بنت أبي جهل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن أبي الوليد بن كثير حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسين رضي الله عنهما حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما لقيه المسور بن مخرمة رضي الله عنهما فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا، قال: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله! لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً حتى يبلغ إلى نفسي، إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم، فقال: (إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها)، قال: ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: (حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً، ولكن والله! لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً) ].

أورد أبو داود حديث مسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما قدم المدينة بعد مقتل الحسين لقيه المسور وقال: [ هل لك إلي من حاجة؟ ] أي: أنه يعرض عليه، وهذا مثلما يعرضون اليوم فيقولون: أي خدمة، أي: هل من خدمة تريد أن أقوم بها؟

فقال المسور: هل لك من حاجة تكلها إلي؟ فقال: لا، فقال: [ هل أنت معطيَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ] يعني: حتى أحافظ عليه، فأنا أخشى أن يخلص إليه وأنك لا تستطيع الإبقاء عليه، فأنا أحفظه وأخفيه فلا يصل إليه أحد، ثم إنه أتى بقصة كون علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل ، فقال: [ إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال: (إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها) ].

فأخبر المسور أن علياً رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: (إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها)، وذلك أنها إذا تزوج عليها علي ابنة أبي جهل فقد يحصل لها الغيرة ويحصل لها شيء من الضرر، وقد يحصل لها فتنة في دينها، وهي بضعة منه يريبه ما رابها، ويسره ما سرها، وأنها لا تجتمع هي وبنت عدو الله، وعدو الله هو أبو جهل ، وهذا فيه بيان أن السوء الذي يحصل من الآباء فإنه مذمة وإن كان الابن أو البنت في حالة الاستقامة وفي حالة السلامة، إلا أن ذلك فيه ضرر، والنسبة إليه نسبة مذمومة؛ لأنه شخص مذموم، فلا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في واحد.

ومعنى: [ (أن تفتن في دينها) ] أي: أن يحصل لها من الغيرة وغيرها ما يؤثر عليها في دينها ودنياها.

قال: [ ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: (حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي) ].

وهذا الصهر هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب رضي الله عنها، وهو الذي أثنى عليه، وكان من بني عبد شمس، وكان قد أسر يوم بدر وأطلق، وطلب منه النبي أن يرسل ابنته فأرسلها إليه؛ لأنه وعده وصدقه في وعده، ثم إنه جاء مسلماً وأعادها إليه بالزواج الأول، فأثنى على ذلك الصهر الذي عامله معاملة طيبة.

قوله: [ (وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً) ].

يعني: أن زواج علي سائغ، ولكن فاطمة بضعة منه يريبه ما أرابها.

قوله: [ (ولا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً) ]، وقد كانت بنت أبي جهل مسلمة، فخطبها وهي مسلمة.

تراجم رجال إسناد خُطبته صلى الله عليه وسلم حين أراد علي نكاح بنت أبي جهل

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ].

يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبي ].

أبوه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الوليد بن كثير ].

حدثنا الوليد بن كثير صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة ].

محمد بن عمرو بن حلحلة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ أن ابن شهاب حدثه ].

ابن شهاب مر ذكره.

[ أن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما حدثه ]

هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

والمسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

إسناد آخر لحديث خطبة علي لبنت أبي جهل، وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة، وعن أيوب عن ابن أبي مليكة بهذا الخبر، قال: فسكت علي عن ذلك النكاح ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: [فسكت علي عن ذلك النكاح] أي: الذي كان يفكر فيه، وأعرض عن ذلك.

قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].

هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهوثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري عن عروة، وعن أيوب عن ابن أبي مليكة ].

الزهري وعروة مر ذكرهما، وأيوب هو ابن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ بهذا الخبر، قال: فسكت علي عن ذلك النكاح ].

أي: بالخبر الذي مر ذكره في السياق السابق، وفيه الزيادة: [ فسكت علي عن ذلك النكاح ] يعني: أنه أعرض عنه لما سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.

طريق أخرى لقصة خطبة علي السابقة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس وقتيبة بن سعيد المعنى، قال أحمد : حدثنا الليث حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي أن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر يقول: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها) والإخبار في حديث أحمد ].

أورد أبو داود حديث مسور بن مخرمة من طريق أخرى، وفيه أن مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أن بني هشام بن المغيرة استأذنوه، وهم آل تلك المرأة التي خطبها علي ، فقد جاءوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في أن يزوجوا علياً ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: [ (لا آذن، ثم لا آذان، ثم لا آذن، إلا إذا أراد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها) ].

وقول المصنف: [الإخبار في حديث أحمد ]، يعني به: قوله أحمد بن يونس : [حدثنا الليث ]، أي أنه رواه بلفظ التحديث، ومعنى هذا أن حديث قتيبة إنما هو بالعنعنة، فالإخبار موجود في رواية أحمد بن يونس، وهو شيخه الأول.

قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أحمد : حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري ، هو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أن المسور بن مخرمة ].

قد مر ذكرهما.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [238] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net