إسلام ويب

الموت باب كل الناس داخلوه، وكأس كلهم شاربوه، فمن مات له قريب أو حبيب فعليه الصبر وعدم الجزع، وليتجنب ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب، ونحو ذلك، ويسن تعزية المصاب والدعاء له ولمن مات من أقربائه.

الجلوس عند المصيبة

شرح قصة مقتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجلوس عند المصيبة.

حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما قُتِل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد يُعرف في وجهه الحزن..)، وذكر القصة ].

أورد أبو داود [باب الجلوس عند المصيبة]، أي: أن الإنسان يحصل له التأثر، وبدلاً من أن يكون منشرح الصدر ويذهب ويدخل ويخرج، يحصل له حُزن، فإنه يجلس لما أصابه من الهم والحزن.

وقد أورد أبو داود حديث عائشة : (أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه موت الأمراء الذين كانوا في غزوة مؤتة وهم: عبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، جلس في المسجد يُعرف في وجهه الحُزن) أي: أنه ظهر في وجهه التأثر لفقدهم ولموتهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

وليس في هذا الحديث دليل على الجلوس لاستقبال المعزين والزوار، وإنما فيه أنه جلس في المسجد متأثراً وحزيناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولعله جلس لأن الجلوس فيه راحة للإنسان، وهو أفضل لجسم الإنسان من أن يبقى قائماً.

تراجم رجال إسناد قصة مقتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ،وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سليمان بن كثير ].

سليمان بن كثير لا بأس به أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرة ].

هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية رحمة الله عليها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة مر ذكرها.

التعزية

شرح حديث ذهاب فاطمة رضي الله عنها إلى أحد البيوت للتعزية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بابٌ في التعزية.

حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا المفضل عن ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -يعني: ميتاً- فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذى بابه وقف فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت إذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخرجكِ يا فاطمة ! من بيتكِ؟ فقالت: أتيت يا رسول الله! أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فلعلك بلغت معهم الكدى، قالت: معاذ الله! وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر، قال: لو بلغت معهم الكدى.. فذكر تشديداً في ذلك)، فسألت ربيعة عن الكدى، فقال: القبور، فيما أحسب].

أورد أبو داود رحمه الله باباً في التعزية، ومعنى ذلك: تعزية المصاب بالميت، وذلك بأن يدعى له وللميت، فيدعى للميت بالمغفرة، ويدعى له بعِظَم الأجر، وبحصول الصبر والاحتساب، فيذكر له الشيء الذي يخفف عنه الحُزن والمصيبة التي حلت به، ومن أحسن ما يذكّر به أن يقال له الدعاء المعروف: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى) فهذا أحسن ما يقال في تسلية المصاب.

ولا يكون الدعاء للحي فقط، ويغفل عن الميت، وإنما يجمع بين هذا وهذا، فيدعى للميت ويدعى للحي.

ويطلب من الحي الصبر والاحتساب، وقد وعد الله بالأجر الجزيل والثواب العظيم من يصبر عند المصيبة.

ثم أورد رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع يقبرون ميتاً، فلما رجعوا وكانوا عند منزله رأى امرأة فعرفها، وإذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها: (من أين جئتِ؟ فقالت: إني ذهبت إلى أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به)، أي: أنها دعت له بالرحمة، أو عزتهم به، أي: أنها قالت هذا أو هذا.

فقال -وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة وهي التعزية- قال: (لعلكِ بلغتِ معهم الكدى؟ قالت: لا، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) قيل: إن الكدى هي القبور، وقيل لها: كدى لأنها تكون في مكان صلب، بحيث إذا حفر القبر لا ينهال التراب، بل يبقى على صلابته، فهذا هو المقصود بالكدى، وقولها: (وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) أي: من التشديد في النهي عن ذهاب المرأة إلى المقابر، وأنها لا تتبع الجنائز.

قوله: (قال: لو بلغت معهم الكدى، فذكر تشديداً في ذلك) أي: أنه كنى عن الشيء الذي ذكره، وجاء في بعض الروايات: (لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك)، وهو عبد المطلب الذي مات كافراً، وهذا من جنس قوله تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40].

وهذا الحديث غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث ذهاب فاطمة رضي الله عنها إلى أحد البيوت للتعزية

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ].

يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن المفضل ].

المفضل هو ابن فضالة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ربيعة بن سيف المعافري ].

ربيعة بن سيف المعافري له مناكير، وهو آفة هذا الحديث، فقد تفرد به، وقد أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ].

أبو عبد الرحمن الحبلي هو عبد الله بن يزيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[عن عبد الله بن عمرو بن العاص].

عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الأسئلة

حكم قول عظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك

السؤال: ما حكم قولهم في التعزية: عظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك؟

الجواب: لا بأس بذلك، فالمهم هو أنه يُدعى للحي وللميت.

عدم جواز زيارة النساء للمقابر

السؤال: أليس الحديث السابق يدل على عدم جواز زيارة النساء للمقابر؟

الجواب: لا؛ لأنه يتكلم على مسألة اتباع الجنائز، ثم هو حديث ضعيف لا يصح.

حكم التعزية في السرادقات وقراءة القرآن فيها وتوزيع الدخان على المعزين

السؤال: ما حكم التعزية في السرادقات التي يقرأ فيها القرآن، ويوزع فيها الدخان على المعزين؟ هل تترك أم أنها تفعل من باب تأليف قلوب أهل المصاب خصوصاً من طلاب العلم؟

الجواب: هذه من البدع المحدثة في الدين، فمن التكلف أن يصنع الطعام، ويجتمع الناس لأكله، وكأنهم في مناسبة فرح! وبعض الناس الذين هم بحاجة إلى الأكل قد يفرحون بمثل هذه المناسبات؛ من أجل أن يجدوا شيئاً يأكلونه! والحاصل أن هذا من الأمور المحدثة، فلا تُعمل سرادقات ولا تُعمل أنوار، وكل هذه الأشياء من الأمور المحدثة.

الصبر عند الصدمة

شرح حديث (إن الصبر عند الصدمة الأولى)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصبر عند الصدمة.

حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أتى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: اتقى الله واصبري، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟! فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتته فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله! لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أو عند أول صدمة) ].

الصدمة: هي الخبر الذي يحصل للإنسان لأول وهلة، أي: عندما يعلم بالمصاب ويعلم بالمصيبة، هذه أعظم حالة تكون عند الإنسان، أي: حال بلوغ الخبر أول مرةٍ إليه، وهذا هو الذي يكون فيه الصبر والاحتساب؛ لأن الذي لا يصبر ينطلق بالصياح، ولن يستمر على ذلك، بل لابد أن تأتي الأيام ويسلو كما تسلو البهائم، ولكن شدة وقع المصيبة هو فجأة حصول المصيبة عند الإنسان لأول مرة، هذه أعظم حالة تكون عند الإنسان، فعند ذلك يكون الصبر فيها، أما بعد ذلك فإنه لابد من السلوان، وإذا صبر الإنسان عند الصدمة الأولى فمن باب أولى أن يصبر فيما وراء ذلك.

وقد أورد المصنف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: (اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟!)، أي: أنت ما أصبت بمثل مصيبتي، فقد حصل لي شيء ما حصل لك، وهي لا تعرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمضى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها أُخبرت بأن هذا الذي خاطبها وخاطبته هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت إليه لتعتذر منه وقالت: إني ما عرفتك، ولم تجد عنده بوابين وحجبه، وهذا من تواضعه وكمال أخلاقه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فقال لها: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) أي: إن الصبر عند أول صدمة، فإذا وجد عند أول صدمة فهو موجود فيما بعدها من باب أولى، وهذا فيه إرشاد إلى أن الإنسان إذا حصلت له مصيبة، أو أخبر بها فإنه يصبر ويحتسب.

تراجم رجال إسناد حديث (إن الصبر عند الصدمة الأولى)

قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].

هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عثمان بن عمر ].

عثمان بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ثابت ].

هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء في بعض الروايات: أنها كانت تبكي على قبر صبي لها، وليس في هذا متمسك لمن قال بجواز زيارة النساء للمقابر؛ لأنه ربما كان قبل تحريم الزيارة للنساء.

حكم اتخاذ البوابين والحجبة على الأبواب

قوله: (فلم تجد على بابه بوابين)، استدل به بعض الفقهاء على عدم جواز وضع الحجاب على الأبواب، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه: أن رجلاً جاء إلى معاوية وقال له ما قال، ثم إنه وضع شخصاً يكون على حوائج الناس، فالمذموم أن يتخذ الحاجب لأجل منع الناس، وأما إذا كان من أجل تنظيم دخول الناس فهذا لا بأس به، فبدلاً من أن يدخل الناس دفعة واحدة ولا تقضى حوائجهم، فإنه يتخذ الحاجب ليدخلهم أرسالاً، فيتحدث معه كل أحد على حدة من غير حضور الناس، فإذا كان ذلك من أجل المصلحة فلا بأس بذلك، وإذا كان من غير حاجة، فإن ذلك لا يفعل.

البكاء على الميت

شرح حديث ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحدى بناته وبكاؤه عند وفاة ابنها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بابٌ في البكاء على الميت.

حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن عاصم الأحول سمعت أبا عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت إليه وأنا معه وسعد وأحسب أبياً رضي الله عنهم: أن ابني أو ابنتي قد حُضِر فأشهدنا، فأرسل يُقْرئ السلام فقال قل: لله ما أخذ، وما أعطى، وكل شيءٍ عنده إلى أجل، فأرسلت تقسم عليه، فأتاها فوضع الصبيُّ في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونفسه تقعقع، ففاضت عينا رسول الله صلى الله وآله وسلم، فقال له سعد : ما هذا؟ قال: إنها رحمة وضعها الله في قلوب من يشاء، وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء) ].

ثم أورد أبو داود باباً: في البكاء على الميت، والبكاء غير النوح، فالبكاء سائغ، والنياحة محرمة، والبكاء هو دمع العين، وحزن القلب، وهذا شيء لا يملكه الإنسان، فيخرج من غير اختياره، ولكن أن يصيح ويرفع صوته ويشق ثوبه، ويلطم وجهه، وما إلى ذلك، فهذه أمور منكرة محرمة لا تسوغ، وأما حزن القلب، ودمع العين، فهذا شيء يحصل للإنسان من غير اختياره، وهي رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وقد حصلت من سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وأورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما: (أن ابنةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وهي: زينب - أرسلت إليه، وعنده جماعة من أصحابه منهم: سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وأبي بن كعب ، فقالت: إن ابنها أو ابنتها قد احتضر، فترغب وتطلب مجيئه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اقرئها السلام، وقل لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمى، فأرسلت إليه مرة أخرى تقسم عليه أن يأتي؛ لحرصها الشديد على حضوره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فجاء ومعه هؤلاء الصحابة، فوضع الصبي على فخذه، وروحه تقعقع) أي: أنه في نهاية أمره، وعند خروج روحه، (ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أي: بالبكاء، (فقال له سعد : ما هذا؟) أي: ما هذا البكاء؟ فقد جاء عنه النهي عن النياحة، فقال: (إنها رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرُحماء) أي: إن هذا شيءٌ لا بأس به، ولا مانع منه؛ لأنه يحصل للإنسان من غير اختياره، فلا بأس به، وإنما المحذور ما وراء ذلك، من رفع الصوت، ولطم الوجه، وشق الجيب، وحلق الرأس، وما إلى ذلك من الأمور المحرمة المنكرة.

تراجم رجال إسناد حديث ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحدى بناته وبكاؤه عند وفاة ابنها

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو هشام بن عبد الملك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

شعبة مر ذكره.

[ عن عاصم الأحول ].

هو عاصم بن سلميان الأحول، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت أبا عثمان ].

هو النهدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أسامة بن زيد ].

أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم.. فذكر الحديث، قال أنس : لقد رأيته يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا بك يا إبراهيم لمحزونون) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم)، وهذا يدل على أنه يجوز التسمية في أول يوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم)، وفيه أيضاً: التسمية بأسماء الأنبياء؛ لأنه قال: (باسم أبي إبراهيم)، وفيه أيضاً: أن الجد وإن علا يقال له أب، فقد قال هنا: (سميته باسم أبي إبراهيم)، وإبراهيم هو أبٌ عالٍ، ومثله ابن الابن، فإنه يقال له: ابن وإن نزل، فأبو الأب أبٌ وإن علا، فهذا فيه إطلاق الأب على الجد وإن كان عالياً.

قوله: (لقد رأيته يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا عند موته، فقد ذكر الولادة أولاً، ثم ذكر الحديث حتى وصل إلى ما يتعلق بموته، وأنه كان يكيد بنفسه، أي: أن روحه تُنزع.

قوله: (فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذه رحمة من الله عز وجل جعلها في قلبه صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجعلها في قلوب من يشاء من عباده.

وقال: (تدمع العين، ويحزن القلب)، أي: أن هذا شيءٌ لا محذور ولا مانع فيه، (ولا نقول إلا ما يرضي ربنا)، أي: لا نتكلم بكلام إلا وهو يرضي الله عز وجل، وهذا يدل على أنه لا يتكلم بكلامٍ يسخط الله، أو بكلامٍ فيه دعاء على الإنسان نفسه، كالدعاء بالويل والثبور عند المصيبة، فكل ذلك لا يجوز.

قوله: (إنا بك يا إبراهيم لمحزونون)، يعني: بفراقك أصابنا الحُزن.

تراجم رجال إسناد حديث بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم

قوله: [ حدثنا شيبان بن فروخ ].

شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا سليمان بن المغيرة ].

سليمان بن المغيرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ثابت البناني عن أنس ].

ثابت البناني وأنس مر ذكرهما.

وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فبينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام فيها أربعة أشخاص فقط.

الأسئلة

صوم يوم عرفة في البلدان التي تتقدم على المملكة بثمان ساعات

السؤال: رجل سافر إلى أستراليا للعمل، ووافق هناك يوم عرفة، فأراد أن يصوم، مع العلم أنهم يتقدمون علينا بثمان ساعات، فكيف يصوم قبل عرفة بثمان ساعات؟

الجواب: يصوم نفس اليوم سواءً تقدم أو تأخر.

ليس المرض دليلاً على محبة الله دائماً

السؤال: هل عدم مرض الإنسان دليل على أن الله لا يحبه؛ لأن الله إذا أحب العبد ابتلاه؟

الجواب: لا يقال هذا، فالمهم هي الأعمال الصالحة، فإذا كان الإنسان في صحة وعافية، وعلى أعمال صالحة فهذا هو مناط المحبة، فإن مناط المحبة هو العمل الصالح: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

النّوح

شرح حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن النياحة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النوح.

حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا عن النياحة) ].

لما ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى الباب المتعلق بالبكاء، وأورد فيه بعض الأحاديث الدالة على أن ذلك لا محذور فيه، وأن هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، أورد بعد ذلك هذا الباب فقال: [بابٌ في النوح]، وهو رفع الصوت عند المصيبة بالصياح والبكاء، وهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز.

وأورد فيه حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها، وفيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ علينا عند البيعة ألا ننوح)؛ لأنه عندما كان يبايع النساء كان من جملة ما يأخذ عليهن ألا ينحن، وإنما أخذ ذلك عليهن لأن الغالب أنه يحصل منهن لشدة جزعهن، وأنهن لا يملكن أنفسهن كما يملكها الرجال، ولهذا منع النساء من اتباع الجنائز، وكذلك من زيارة القبور؛ لأن ذلك قد يكون سبباً في نياحتهن، فقد أخذ في المبايعة على النساء ألا ينحن لأنهن مظنة ذلك، ولهذا جاءت الأحاديث التي فيها لعن الصالقة والحالقة والشاقة، بذكر المرأة، وبذكر الضمير، وهو تاء التأنيث، فقد جاء في الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصالقة والحالقة والشاقة)، ومثلها من حصل منه ذلك من الرجال، فالرجال إذا حصل من أحدٍ منهم شيء من ذلك فله ذلك الحكم، ولكنه أُتي بذلك في حق النساء، لأنه يقع منهن أكثر من الرجال، والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، فقد أُتي بهذه الأوصاف مضافة إلى النساء؛ لأنهن مظنة لذلك، ولضعفهن وجزعهن.

تراجم رجال إسناد حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن النياحة

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الوارث ].

هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حفصة ].

هي حفصة بنت سيرين، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم عطية ].

أم عطية رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن ربيعة عن محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النائحة والمستمعة) ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة)، والنائحة: هي التي تنوح وتظهر صوتها عند المصيبة، والمستمعة: هي التي تستمع لها وتوافقها على ذلك، وتكون معها على ذلك من غير كراهية ولا إنكار، وجاء هنا ذكر المستمعة لأنها هي التي تصغي وتتجه إلى ذلك، بخلاف السامعة أو السامع، وبهذا يفرق بين المستمع والسامع، فالمستمع هو الذي ينصت ويكون قلبه وذهنه مشدوداً مع من يتكلم، وأما السامع فهو الذي يسمع الصوت ولا يتابع ولا يتأمل، ولهذا يقول الفقهاء: إذا كان هناك قارئ يقرأ القرآن فقرأ آية سجدة فعلى الذي يستمع أن يسجد معه، وأما السامع فلا يلزمه السجود؛ لأنه لم يكن متابعاً.

فالمستمعة هي التي تنصت، وتتابع النائحة وترضى بذلك، ويعجبها ذلك، ولا تنكره ولا تكرهه، فجعل اللعن لهما جميعاً، وبالنسبة للنائحة قد جاءت فيها أحاديث أخرى مثل الحديث الذي أشرنا إليه.

والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ثلاثة رجال متكلماً فيهم، وفيهم ضعف، وفيهم من هو مجهول أو ضعيف.

تراجم رجال إسناد حديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة)

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ].

هو إبراهيم بن موسى الرازي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا محمد بن ربيعة ].

محمد بن ربيعة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن محمد بن الحسن بن عطية ].

محمد بن الحسن بن عطية صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود .

[ عن أبيه ].

أبوه ضعيف أخرج له أبو داود .

[ عن جده ].

جده هو عطية بن سعد العوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبي سعيد الخدري ].

هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث ضعيف؛ ففي سنده محمد بن الحسن بن عطية وهو متكلم فيه، وكذلك أبوه وجده.

شرح حديث (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن عبدة وأبي معاوية المعنى، عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه)، فذُكر ذلك لـعائشة فقالت: وَهِلَ -تعني ابن عمر - إنما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبر فقال: (إن صاحب هذا ليعذب وأهله يبكون عليه)، ثم قرأت: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، قال عن أبي معاوية : على قبر يهودي ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)، ولما بلغ ذلك عائشة رضي الله عنها قالت: وَهِلَ، أي: أنه حصل له ذهول وعدم ضبط للأمر، وحقيقة الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ وقال: (إنه يعذب وأهله يبكون عليه)، وفي بعض الروايات: أن الميت كان يهودياً، ومعنى ذلك: أنه في الوقت الذي يبكي فيه أهله عليه فهو يعذب، ولكن جاء في حديث ابن عمر : (يعذبُ الميت بما نِيْحَ عليه) يعني: بسبب النياحة عليه، وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قالت: وهِل، وأشارت إلى ذلك الذي ذَكرته في قصة الرجل الذي مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُعذب وأهله يبكون عليه، ولم يقل: إنه ببكاء أهله عليه، وفي بعضها: أنه يهودي، ولما بلغها ذلك أنكرت، وقالت ما قالت، ثم استدلت بقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

والحديث ثابت عن عبد الله بن عمر ، وفيه: أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وقد ذكر العلماء أجوبة عن كون الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، والله عز وجل قد قال: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأن الإنسان لا يعذب بجريرة غيره، وبذنب غيره، وإنما يُعذب بعمله، فمن الأجوبة التي أجاب بها العلماء: أنه إذا أوصى بأن يُناح عليه فإنه يُعذب بسبب ذلك، ويكون هذا من عمله، وأنه يُعذب بشيءٍ من سببه، وأنه ما نهى عن ذلك، وإنما أمر بذلك وأوصى به، وهذا معلوم أنه لو أوصى فإنه يُعذب، أو أنه يستحق العذاب على ذلك، ولو لم ينح عليه؛ لأنه فعل أمراً منكراً، وهو الوصية بالأمر المحرم.

ومن العلماء من قال: إذا كان معروفاً من عادة الناس ومن طريقهم أنهم ينوحون ولم يحذر من ذلك، ولم ينه عن ذلك، فإنه يعذب بسبب ذلك، ومنهم من قال: إن المقصود أنه يعذب مثلما جاء عن عائشة أنه إنما يُعذب في الوقت الذي كان أهله ينوحون عليه، ولكن هذا ليس فيه ذكر أن العذاب بسبب النياحة.

والوجه الرابع من الوجوه التي أجاب بها العلماء: أنه ليس المقصود بكونه يُعذب في قبره أنه يُعاقب على فعلٍ فعله غيره، وهو النياحة، وليس هذا العذاب عقوبة على فعلهم ذلك الذي هو النياحة، وإنما المقصود: إخبار عن شيءٍ يحصل له وهو التألم والتأثر من فعلهم ذلك، وقد رجح هذا ابن القيم في تهذيب السنن، وقال: إنه قد جاء في الحديث الصحيح أنه يقال له بعد نوحهم عليه بقولهم: واجبلاه! واكذا! واكذا! فيقال: أنت كذلك؟ أنت كذا؟ أنت كذا؟ فيتألم بذلك الشيء وإن لم يكن عقوبة له على فعلٍ حصل منه، وقال: هذا من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب)، وليس معنى ذلك أن الإنسان يُعذب على ما يحصل له في سفره من تعبٍ ونصب، وإنما هذا إخبار عن شيءٍ قد حصل له، فيكون هذا من جنسه، وهذا هو الذي رجحه ابن القيم في تهذيب السنن .

تراجم رجال إسناد حديث (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه...)

قوله: [ حدثنا هناد بن السري ].

هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبدة ].

عبدة بن سليمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وأبي معاوية ].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه هو عروة بن الزبير ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قول ابن القيم في المراد بتعذيب الميت ببكاء أهله عليه

قال ابن القيم رحمه الله: المسلك الرابع: أن المراد بالحديث: ما يتألم به الميت ويتعذب به من بكاء الحي عليه، وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، فإن التعذيب هو من جنس الألم الذي يناله بمن يجاوره مما يتأذى به ونحوه، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (السفر قطعة من العذاب)، وليس هذا عقاباً على ذنب وإنما هو تعذيب وتألم، فإذا وبِّخ الميت على ما يُناح به عليه لحقه من ذلك تألم وتعذيب، ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: أُغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه! واكذا! واكذا! تَعُد عليه، فقال حين أفاق: ما قلتِ شيئاً إلا قيل لي: أأنت كذلك؟! وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن ثابت : (فإذا وجب فلا تبكين باكية)، وهذا أصح ما قيل في الحديث.

قوله: إذا وجب، أي: أنه بعد حصول الموت، وهذا أصح ما قيل في الحديث، وهو الذي اختاره ابن القيم من المسالك الأربعة.

ويقول: ابن القيم : ولا ريب أن الميت يسمع بكاء الحي ويسمع قرع نعالهم، وتعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء، فإذا رأى ما يسوءه تألم له، وهذا ونحوه مما يتعذب به الميت ويتألم، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. انتهى.

هذا الكلام غير واضح، أي: كون الميت يسمع بكاء أهله وغير ذلك، فهذا الكلام غير واضح؛ لأن هذه من أمور الغيب التي لا يقال فيها إلا بدليل، وأما ما يتعلق بقرع النعال فقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه يسمع قرع نعالهم، فأمور الغيب يقتصر فيها على ما ورد، وما لم يرد يُسْكت عنه، ومما يدل على أن الميت لا يعلم ما يجري بعده، ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يذاد أناس عن الحوض فيقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك فلا حاجة لأن يقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إذا كان يدري، فقولهم له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، يدل على أن أمور الغيب لا يثبت منها شيء إلا بدليل.

شرح حديث (ليس منا من حلق ومن سلق ومن خرق)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن يزيد بن أوس قال: دخلت على أبي موسى رضي الله عنه وهو ثقيل -أي مريض- فذهبتْ امرأته لتبكي أو تهُمَّ به، فقال لها أبو موسى : أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: بلى، قال: فسكتت، فلما مات أبو موسى قال يزيد : لقيت المرأة فقلت لها: ما قول أبي موسى لكِ: أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سكت؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من حلق، ومن سلق، ومن خرق) ].

أورد أبو داود حديث امرأة أبي موسى ، وكذلك أبي موسى ، إلا أن حديث أبي موسى مجمل، ولكن زوجته هي التي روت وفصلت الحديث، ويقال لها أم عبد الله ، وفي هذا الحديث: أن يزيد بن أوس قال: دخلت على أبي موسى وهو ثقيل، أي: أنه مريض مرضاً شديداً، فذهبت امرأته لتبكي أو لِتُهمَ بالبكاء، فقال لها: أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسكتت، ثم لما تُوفي أبو موسى الأشعري لقيها يزيد وقال لها: ما الذي يعنيه أبو موسى عندما قال لك: أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سكت؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من حلق، ومن سلق، ومن خرق) أي: ليس من أهل طريقتنا وسنتنا ومنهجنا، وهذا وعيدٌ شديد في حق من حصل منه ذلك، والمقصود بقوله: (ليس منا من سلق) أي: من رفع صوته بالمصيبة، (وحلق) أي: حلق الرأس بسبب المصيبة، (وخرق) أي: خرق الثوب وشقه بسبب المصيبة، وهو مثلما جاء في الحديث الآخر: (لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة).

تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من حلق ومن سلق ومن خرق)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي ، فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة).

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

هو منصور بن المعتمر الكوفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم ].

إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يزيد بن أوس ].

يزيد بن أوس مقبول أخرج له أبو داود والنسائي .

[ قال: دخلت على أبي موسى ].

هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وامرأته هي أم عبد الله بنت أبي دومة ، وهي صحابية أخرج لها مسلم وأبو داود والنسائي .

شرح حديث (كان فيما أخذ علينا رسول الله.. ألا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا حميد بن الأسود حدثنا الحجاج -عامل لـعمر بن عبد العزيز على الربذة- حدثني أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: (كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المعروف الذي أخذ علينا ألا نعصيه فيه: ألا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، وألا ننشر شعراً) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث امرأة من الصحابيات المبايعات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان فيما أخذ علينا الرسول عليه الصلاة والسلام في المعروف الذي أخذ علينا ألا نعصيه فيه -أي: عن البيعة- ألا نخمش وجهاً) أي: ألا تخمش المرأة وجهها، أو تضرب وجهها، أو تضرب خدها.

(ولا ندعو ويلاً) وهذا هو محل الشاهد، ومنع ذلك لأنه من النياحة، وهو رفع الصوت بالويل والثبور وغير ذلك.

(ولا نشق جيباً) وهذا أيضاً عند المصيبة.

(وألا ننشر شعراً) أي: أن ينفش الشعر من أجل المصيبة.

تراجم رجال إسناد حديث (كان فيما أخذ علينا رسول الله.. ألا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد مر ذكره.

[ حدثنا حميد بن الأسود ].

حميد بن الأسود صدوق يهمُ قليلاً، أخرج به البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا الحجاج ، عامل لـعمر بن عبد العزيز ].

قيل: هو ابن صفوان ، وهو عامل لـعمر بن عبد العزيز ، وهو صدوق له أخرج أبو داود .

[ عن أسيد بن أبي أسيد ].

أسيد بن أبي أسيد صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.

[ عن امرأة من المبايعات ].

قال ابن حجر : لا يعرف اسمها، ومعلومٌ أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر، فالمجهول فيهم في حكم المعلوم كما عرفنا ذلك مراراً وتكراراً.

صنعة الطعام لأهل الميت

شرح حديث (اصنعوا لآل جعفر طعاماً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صنعة الطعام لأهل الميت.

حدثنا مسدد حدثنا سفيان حدثني جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمرٌ شغلهم).

ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب صنعة الطعام لأهل الميت]، أي: أن أهل الميت قد حصل لهم ما يحزنهم وصارت نفوسهم متأثرة، فليس عندهم انشراح ولا استعداد للطبخ وصنع الطعام، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أن يصنعوا لهم الطعام، وأن يرسلوه إليهم؛ لأنه قد جاءهم ما يشغلهم عن صنع الطعام، فهذا يدل أن على أقارب الميت سواء كانوا القريبين جداً أو غير ذلك أن يصنعوا لهم طعاماً، وأن يرسلوه إليهم، ويكون ذلك الطعام لهم، وليس المقصود من ذلك أن تكون هناك ضيافة، وأن يجتمع الناس بمناسبة الموت، فيأتي لهم أهل الميت بالطعام أو غيرهم، ويُدعى الناس إليه، ويتجمعون عند أهل الميت من أجل الأكل، كما يُفعل ذلك في هذا الزمان في بعض البلاد من بناء السرادقات، ووضع الأنوار، وجلب أناس يقرءون، ثم يتجمع الفقراء ويُصنع لهم طعام لعدة أيام، فيأكل الناس منه، فيصير الأمر وكأنه مناسبة فرح وسرور، وليس مناسبة حُزن وألم وتأثر بسبب الميت الذي فقدوه، ولهذا فإن مثل ذلك من الأمور المحدثة المبتدعة التي أحدثها الناس، وأما الذي جاءت به السنة فهو أن بعض أقارب أهل الميت يصنعون لهم طعاماً على قدرهم.

وأورد أبو داود حديث عبد الله بن جعفر ، وفيه: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنه قد جاءهم ما يشغلهم)، وجعفر هو ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد استشهد في غزوة مؤتة، وهو أحد الأمراء الثلاثة الذين قُتلوا في سبيل الله، وهو الذي قُطعت يداه، وأصابته سِهام كثيرة حتى أثرت في جسده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـعبد الله بن جعفر : (هنيئاً لأبيك رأيته يطير مع الملائكة)، ويقال له: ذو الجناحين، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري إذا لقي عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين! والمقصود أنه عوّض بجناحين بدلاً من يديه اللتين قطعتا في سبيل الله، فكان يطير مع الملائكة كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (اصنعوا لآل جعفر طعاماً...)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان ].

مسدد مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني جعفر بن خالد ].

جعفر بن خالد ثقة أخرج له أصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

أبوه هو خالد بن سارة ، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن جعفر ].

هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [364] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net