إسلام ويب

لقد حض الشرع على القصد في الأمور، بحيث لا يتجاوز الحد الذي يجعله يصم ويعمي لإخوانه على قضاء حاجاتهم، وذلك بمساعدتهم حتى يتمكنوا من قضاء الحاجات، والشفاعة في الخير يؤجر عليها الإنسان سواء أجيب الطلب أو لم يجب، فلا يبخل المسلم بجاهه على إخوانه، بل ينبغي أن يبذل وسعه بما فيه الخير لهم، والتنفيس عنهم.

ما جاء في الهوى

شرح حديث (حبك الشيء يعمي ويصم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الهوى.

حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن خالد بن محمد الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حبك الشيء يعمي ويصم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الهوى ].

والمقصود من هذه الترجمة أن الإنسان قد يحصل منهم أن يهوى شيئاً ويبالغ فيه، ولا ينتبه للحق فيه، بحيث يتجاوز الحد فيجعله يعمى عن الخير ويصم؛ وذلك لمبالغته في شيء يهواه، وتجده يمدحه وإن كان مذموماً، ويذم غيره ولو كان ممدوحاً.

أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حبك الشيء يعمي ويصم) أي: أن الاستغراق في محبة الشيء على غير هدى وعلى غير بصيرة يؤدي إلى أن الإنسان يعمى عن معرفة الحق، ويصم سمعه عن سماع الحق، فيكون بذلك مذموماً، وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن فيه أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وقد اختلط أيضاً، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (حبك الشيء يعمي ويصم)

قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ].

هو حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

وهناك حيوة بن شريح آخر وهو مصري، ولكنه متقدم على هذا، وهذا في طبقة متأخرة، وكل منهما ثقة، والمتأخر الذي يروي عنه أبو داود حمصي، والمتقدم الذي بينه وبين أبي داود وسائط مصري.

[ حدثنا بقية ].

هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي بكر بن أبي مريم ].

أبو بكر بن أبي مريم ضعيف وقد اختلط، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن خالد بن محمد الثقفي ].

خالد بن محمد الثقفي ثقة، أخرج له أبو داود .

[ عن بلال بن أبي الدرداء ].

بلال بن أبي الدرداء وهو ثقة، أخرج له أبو داود .

[ عن أبي الدرداء ].

أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في الشفاعة

شرح حديث أبي موسى (اشفعوا إليَّ لتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشفاعة.

حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن بريد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اشفعوا إلي لتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب في الشفاعة ] والمقصود من الشفاعة هنا الشفاعة في أمور الدنيا وفي إعانة الإنسان على ما فيه خير له في دنياه.

والشفاعة: هي شفاعة الإنسان للإنسان بأن يضم صوته إلى صوته، أو يضم جهده إلى جهده، من أجل وصول المشفوع له إلى ما يريده من الخير، وتكون في الخير وتكون في الشر، فإن كانت خيراً فصاحبها مأجور، وإن كانت شراً فهي من التعاون على الإثم والعدوان، وصاحبها مأزور.

أورد أبو داود حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا إلي لتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) يعني: كونوا عوناً لإخوانكم على قضاء حاجاتهم، وذلك بمساعدتهم عند من يتمكنون من أدائها وقضائها، وذلك بأن تضموا أصواتكم إلى أصواتهم ورغباتكم إلى رغباتهم للوصول إلى ما يريدون.

ومعنى ذلك أن الإنسان إذا شفع شفاعة فإنه يؤجر عليها إذا كانت في الخير، وسواء أجيب الطلب أو لم يجب، حققت الرغبة أو لم تحقق، ولهذا قال: (وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) يعني: قد يحصل بمشيئة الله وإرادته أن تحقق الرغبة، وقد يحصل بمشيئة الله وإرادته ألا تحقق الرغبة، لوجود ما يمنع من ذلك، إما لعدم وجود الحاجة، أو ما يمكن قضاؤها به، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد مر بنا قريباً أن الدال على الخير له مثل أجر فاعله.

والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يشفع الناس بعضهم لبعض، وأن يكون بعضهم لبعض عوناً على تحقيق مراده.

قوله: [ (وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) ] يعني: أن ما قدره الله وقضاه واقع، فإن قدر تحقيق الرغبة فإنها ستقع، وإن قدر عدم تحقيق الرغبة فإنها لا تقع، وكل شيء بقضاء الله وقدره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

وهذا الحديث يؤتى به في باب الشفاعة ويؤتى به في كتاب القدر؛ لأنه من أدلة القدر، وذلك لقوله: (وليقض الله على لسان نبيه ما شاء).

تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى (اشفعوا إليَّ لتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بريد بن أبي بردة ].

هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

وهو يروي عن جده أبي بردة ، وأبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

و أبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري وهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث معاوية (اشفعوا تؤجروا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه عن معاوية رضي الله عنه قال: (اشفعوا تؤجروا، فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اشفعوا تؤجروا) ].

أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما قال: (اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر) يعني: أريد تحقيقه.

قوله: [ (فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: اشفعوا تؤجروا) ]. وهذا يدلنا على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أحرص الناس على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولهذا يأمر معاوية بن أبي سفيان بالشفاعة ويرشد إليها كما أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستدل على ذلك بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقول: إنه يريد الأمر فيؤخره من أجل أن يشفعوا فيكون لهم نصيب من الأجر، وذلك بشفاعتهم.

أما المشفوع له فعليه أن يلجأ إلى الله عز وجل ويعلق آماله بالله سبحانه وتعالى، ويسأله أن ييسر أمره وأن يحقق له ما يريد من الخير الذي أراده عن طريق هذا الشخص الذي يملك قضاء حاجته.

تراجم رجال إسناد حديث معاوية (اشفعوا تؤجروا)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ وأحمد بن عمرو بن السرح ].

أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ].

سفيان بن عيينة مر ذكره.

و عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن وهب بن منبه ]

وهب بن منبه وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة فقد أخرج له في التفسير.

[ عن أخيه ].

هو همام بن منبه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاوية ].

هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي موسى (اشفعوا إليَّ تؤجروا...) من طريق أخرى وترجمة رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر حدثنا سفيان عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثله ].

أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه من طريق أخرى وقال: مثله، أي: أنه ذكر الإسناد ثم أحال على المتن المتقدم وقال: مثل متن الإسناد الأول ومطابق له، وهذا التعبير بكلمة (مثله) يكون إذا كانت المطابقة حاصلة بين المتنين، أما إذا كان المتن الثاني ليس مطابقاً فيقولون بدل مثله: (نحوه) وكذلك يقولون: المعنى أو بالمعنى أي: أن المطابقة والموافقة إنما هي في المعنى وليست في الألفاظ.

قوله: [ حدثنا أبو معمر ].

هو إسماعيل بن إبراهيم القطيعي وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا سفيان عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى ].

وقد مر هذا الإسناد.

الأسئلة

الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل

السؤال: هل طلب الشفاعة ينافي كمال التوكل؟

الجواب: لا ينافي التوكل؛ لأن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.

حقيقة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم (اشفعوا)

السؤال: هل الأمر في قوله: (اشفعوا) يدل على الوجوب؟

الجواب: الذي يظهر أنه ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب.

بيان من له الأولوية في الشفاعة

السؤال: ما توجيه فضيلتكم لمن يعلق شفاعته وتوسطه في الأمور لمن يوافقه في المذهب أو المعتقد؟

الجواب: لاشك أن من يكون سليماً ويكون على صراط مستقيم أولى من غيره، وأما غيره إذا كانت الشفاعة ستفيده وتكون سبباً في هدايته؛ فإن ذلك لا بأس به.

ما جاء فيمن يبدأ بنفسه في الكتاب

شرح حديث (أن العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي على البحرين فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يبدأ بنفسه في الكتاب.

حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين ، قال أحمد : قال مرة يعني هشيماً : عن بعض ولد العلاء : (أن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه كان عامل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على البحرين فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه) ].

أورد أبو داود [ باباً فيمن يبدأ بنفسه في الكتاب ].

يعني: أنه عندما يكتب كتاباً، يقول: من فلان -ويذكر اسمه- إلى فلان، وهو المكتوب إليه، يعني: المقصود من الترجمة أنه إذا كتب كتاباً منه إلى شخص آخر فإنه يبدأ بنفسه فيقول: من فلان إلى فلان.

وهذه المسألة اختلف فيها، وجمهور العلماء على القول بتقديم ذكر المرسل أو الكاتب على المكتوب إليه، بأن يقول: من فلان -ويسمي نفسه- إلى فلان، وهو المرسل إليه ويسميه.

وبعضهم قال: إنه يسوغ أن يقدم المرسل إليه والمكتوب إليه على الكاتب إذا كانت هناك مصلحة فيقول: إلى فلان من فلان، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من هديه عند مكاتبته أن يبدأ بنفسه، فيقول: من محمد رسول الله إلى فلان بن فلان.

أورد أبو داود حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه: أنه كان إذا كتب للنبي صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه.

أي: قال: من العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الحديث الذي أورده أبو داود هنا لم يثبت؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه.

تراجم رجال إسناد حديث (أن العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي على البحرين فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

منصور بن زادان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه بعض العلماء وأظنه هشيماً : لو قيل لـمنصور بن زادان إن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يزيد شيئاً من العمل.

أي: أنه على صلة بالله وأعمال صالحة، وليس عنده فرق في جميع أيامه وبين آخر يوم من حياته؛ لأنه مستمر على الطاعة ومداوم عليها، ولو قيل له: إن ملك الموت بالباب قادم ليقبض روحه لم يكن بإمكانه أن يزيد عملاً من الأعمال رحمة الله عليه.

[ عن ابن سيرين ].

هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أحمد : قال مرة يعني: هشيماً : عن بعض ولد العلاء ].

أحمد هو ابن حنبل شيخ أبي داود ، قال مرة : أي: قال هشيم الذي هو شيخه: عن بعض ولد العلاء .

يعني: بإبهامه وعدم تعيينه.

وجاء في بعض الروايات كما سيأتي ابن العلاء، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، أخرج حديثه أبو داود .

[ أن العلاء بن الحضرمي ].

العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث العلاء بن الحضرمي في الكتابة إلى النبي من طريق ثانية وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا المعلى بن منصور أخبرنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين عن ابن العلاء عن العلاء -يعني ابن الحضرمي - رضي الله عنه: (أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ باسمه) ].

ذكر أبو داود الحديث من طريق أخرى عن العلاء بن الحضرمي أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وبدأ باسمه في الكتاب الذي كتبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم ].

محمد بن عبد الرحيم الملقب صاعقة وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا المعلى بن منصور ].

المعلى بن منصور وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين عن ابن العلاء عن العلاء ].

وهذا الإسناد مثل الذي قبله؛ إلا أن الإسناد الأول أعلى؛ لأن فيه: حدثنا أحمد بن حنبل عن هشيم ، وهذا بين أبي داود وبين هشيم واسطتان.

كيف يُكتب إلى الذمي

شرح حديث (أن النبي كتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هرقل...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف يكتب إلى الذمي؟

حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب إلى هرقل : من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، قال ابن يحيى عن ابن عباس : أن أبا سفيان رضي الله عنه أخبره قال: فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد) ].

أورد أبو داود [ باب كيف يكتب إلى الذمي ] أي: كيف تكون مكاتبته؟ وكيف يذكر؟ وكيف يسلم عليه؟ أي: طريقة الكتابة إليه.

أورد أبو داود حديث ابن عباس الذي فيه قصة هرقل عظيم الروم، وما رواه أبو سفيان من قراءة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، وكان ذلك قبل أن يسلم أبو سفيان رضي الله عنه، وقد كان مع جماعة في الشام، ولما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب إلى هرقل طلب من كان من العرب في الشام ليسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجيء بـأبي سفيان وبجماعة معه إليه، فأجلسهم أمامه وسأل عن أقربهم نسباً إليه، فقالوا: أقربهم أبو سفيان ، فقدمه عليهم والباقون وراءه وقال: إني سائله فإن كذب فكذبوه، يعني: إن قال شيئاً وهو غير صادق فيه فأخبروني بكذبه، فكان يسأله عن أمور متعددة، وبعدها استنتج من أجوبة أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي، وأن هذه هي صفات الأنبياء.

حكم تحمل الكافر والصغير للحديث وتأديته بعد الإسلام وحال الكبر

أبو سفيان رضي الله عنه تحمل هذا في حال كفره وأداه في حال إسلامه.

وهذا من الطرق التي يعول عليها العلماء فيما يتعلق بالتحمل والأداء، فإنهم قالوا: يجوز التحمل في حال الكفر ثم يؤدي في حال الإسلام، ويكون ذلك معتبراً.

ومثل ذلك الصغير الذي تحمل في حال صغره وأدى في حال كبره فإن ذلك أيضاً يكون معتبراً، كما جاء ذلك في حق عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا من صغار أصحابه، ومع ذلك يروون الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤدونها وهم كبار، وكانوا قد تحملوها وهم صغار، كما حصل من النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، فإنه الذي روى الحديث المشهور: (إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) وقد قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.

وكان عمر النعمان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات، فتحمل في حال صغره وأدى في حال كبره، وكذلك أبو سفيان تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه، وكل ذلك معتبر عند العلماء.

وجه تبويب أبي داود كيف يكتب إلى الذمي

و أبو داود رحمه الله ترجم وقال: [ كيف يكتب إلى الذمي؟ ] ومن المعلوم أن وصف هرقل بأنه ذمي غير واضح؛ لأن المعروف أن الذمي هو الذي يكون بينه وبين المسلمين عهد، ومعلوم أن هرقل والروم لم يكن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، وإنما كتب إليهم كتاباً يدعوهم إلى الإسلام كما كتب إلى غيرهم.

والتبويب الذي ذكره غير أبي داود وهو الترمذي قال: باب الكتابة إلى أهل الشرك، أو كيف يكتب إلى أهل الشرك؟ وهذا هو الذي يطابق المعنى، وأما التعبير بالذمي فهذا غير واضح.

تقديم الرسول لاسمه عند كتابة الكتب منه إلى غيره وصفة سلامه على الكفار

والرسول صلى الله عليه وسلم لما كتب بدأ باسمه وقال: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم) فذكره باسمه وهو هرقل ، ووصفه بوصفه وهو أنه عظيم الروم؛ لأنه عظيم عند الروم.

قوله: [ (سلام على من اتبع الهدى) ] من المعلوم أن الكفار لا يبدءون بالسلام، بأن يقال: السلام عليكم، ولكن بمثل هذا الكلام وبمثل هذا السلام؛ لأن هذا سلام بالكناية وسلام بهذا الوصف، وذلك بأن يكون السلام والدعاء لمن اتبع الهدى، وأولئك إذا أسلموا ودخلوا في الإسلام فإنهم يتبعون الهدى، فيكون لهم نصيب من ذلك.

ثم قال: (أما بعد) وذكر دعوته إليه صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أسلم تسلم) إلى آخر الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هرقل...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ ومحمد بن يحيى ].

هو محمد بن يحيى الذهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].

هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً هو يروي عن أبي سفيان وهو: صخر بن حرب، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

الأسئلة

عدم صحة إسلام هرقل

السؤال: هل صحيح أن هرقل أسلم؟

الجواب: هرقل لم يسلم، صحيح أنه ظهر منه كلام يدل على احتفائه بالرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه له، ولكنه آثر الدنيا على الآخرة، وآثر الرئاسة والملك على ما فيه سعادة الدنيا والآخرة.

دلالة حديث كتابة الرسول إلى هرقل على البدء باسم المرسل قبل المرسل إليه

السؤال: هل يمكن أن يعد كتاب النبي إلى هرقل شاهداً لما تقدم، أعني أن يبدأ الإنسان بنفسه عند الكتابة؟

الجواب: لاشك أنه يدل على أن الإنسان يبدأ بنفسه عند الكتابة، وهو حديث متفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأما الحديث الذي فيه أن الكاتب إلى رسول صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه ففيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إذا كان يكتب لمن هو أعلى منه منزلة فإنه يبدأ به، وإذا كان غير ذلك فإنه يبدأ بنفسه، وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه أعلى الناس منزلة، وهو خير الناس وأفضل الناس، ولاشك أنه كما قال الجمهور، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، لكن الخلاف موجود وقائم في أن البدء بالنفس هو الأصل.

وفي عون المعبود ذكر عن بعض السلف: أنهم كانوا يقدمون المرسل إليه، لكن المشهور والمعروف ما جاء في حديث هرقل ، وكذلك الموجود في كتب العلماء، وهو الذي كان يفعله بعض مشايخنا مثل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، فإن كتاباته: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى فلان، وكذلك كان يفعل الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، وكذلك قبلهما الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهم الله، كانوا يبدءون بذكر أسمائهم.

ذكر الحكمة من البدء باسم المرسل قبل المرسل إليه

السؤال: ما الحكمة من ذكر اسم المرسل أولاً قبل المرسل إليه؟

الجواب: يبدو -والله أعلم- أنه من أجل أنه هو البادي فيكون البدء بمن حصل منه الابتداء، فيكون أول ما يقع عليه بصر المرسل إليه من الكتاب أن يرى اسم المرسل.

عدم دلالة حديث كتاب النبي إلى هرقل على جواز مس القرآن بدون وضوء

السؤال: هل هذا الحديث دليل على أن قراءة القرآن دون الوضوء جائزة؛ حيث إن هرقل قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم؟

الجواب: هو لم يقرأ قرآناً، وإنما قرئ الكتاب عليه، وهذا كما هو معلوم بعض من آية.

حكم قول الشخص لأخيه المسلم سلام على من اتبع الهدى

السؤال: هل يجوز أن يقول المسلم لأخيه: سلام على من اتبع الهدى؟

الجواب: لا يصلح ولا يليق حتى وإن كان من أهل البدع، بل يقول: السلام عليكم، وإنما يقال: سلام على من اتبع الهدى للكفار إذا بُدئوا بالسلام؛ لأن هذا ليس سلاماً عليهم، وإنما هو سلام على من اتبع الهدى، وهم إذا اتبعوا الهدى صار لهم نصيب من هذا الدعاء.

حكم قول فخامة الرئيس في الرسائل التي ترسل إلى رؤساء الكفار

السؤال: ما حكم المراسلات التي ترسل إلى الرؤساء الكفار ويقال فيها: فخامة الرئيس! وهل هي مثل قوله صلى الله عليه وسلم: عظيم الروم؟

الجواب: نعم إذا قيل: فخامة الرئيس! فهي مثل: عظيم الروم، أو عظيم القوم الفلانيين، أي هي من جنسه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [583] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net