إسلام ويب

الأسماء الموصولة من المعارف، وتنقسم إلى موصولات خاصة وموصولات عامة، وفيها لغات مختلفة، ولبعضها أحوال مختلفة قد تشتبه على الطالب إذا لم يهتم بها ويعمل ذهنه في تفهمها.

الاسم الموصول

الموصولات الحرفية

قال المؤلف رحمه الله: [ الموصول ].

الموصول: اسم مفعول، وسمي موصولاً؛ لأنه لا يتم معناه إلا بصلته، فهو أصلاً مبتور يحتاج إلى صلة.

والموصول من المعارف كما سبق، ومرتبته في المعارف: الرابعة.

قال: (موصول الاسماء الذي الأنثى التي).

(موصول) يجوز في إعرابها أن تكون مبتدأً، و(الذي) خبر المبتدأ، وذلك حينما نريد أن نخبر عن موصول الأسماء ما هو، ويجوز أن تكون خبراً مقدماً، والمبتدأ (الذي) وما عطف عليه، وهذا إذا أردنا أن نبين أن الذي وما عطف عليه موصول الأسماء، وكلا الوجهين جائز.

وقال المؤلف: (موصول الاسماء) احترازاً من موصول الحروف، ومن موصول الأفعال، لكن موصول الأفعال لا وجود له، وإنما يوجد موصول الحروف.

وموصول الحروف كل حرف مصدري، أي: يسبك وما بعده بمصدر، وهي: (أنّ وأنْ، ولو، وكي، وما المصدرية) فهذه الخمسة موصولات حرفية؛ لأنها تسبك وما بعدها بالمصدر، وهذا الفعل الذي يحول إلى مصدر هو صلتها، فإذا قلت: ثبت عندي أنّ فلاناً قدم من السفر، فأن هنا موصول، حرفي لأنه يحول إلى مصدر، فتقول: ثبت عندي قدوم فلان.

يعجبني أن تقوم: (أن) موصول حرفي؛ لأنه يسبك وما بعده بالمصدر، فتقول: يعجبني قيامك.

و(لو) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] أي: ودوا إدهانك، فتكون (لو) هنا موصولاً حرفياً.

و(كي) جئت كي أتعلم، أي: جئت للتعلم، فتكون موصولاً حرفياً.

و(ما) المصدرية تقول: يعجبني ما تفعل، إذا جعلتها مصدرية، ويجوز أن تجعلها موصولة، لكن إذا جعلتها مصدرية فهو جائز، ويكون التقدير: يعجبني فعلك.

الموصولات الخاصة

اسم الموصول للمفرد

قوله: (موصول الاسماء الذي الأنثى التي).

الذي: للمفرد المذكر، وقوله: (الأنثى التي): هذه معطوفة على الذي، لكن ابن مالك رحمه الله يكثر إسقاط حرف العطف من أجل ضرورة الشعر والاختصار، وإلا فإن التقدير: الذي والأنثى التي، يعني: وموصول الأنثى التي.

فإذا قال قائل: أنت قلت: إن الذي موصول للمذكر، فبماذا عرفت ذلك؟

قلنا: عرفت ذلك بقول ابن مالك : الأنثى التي، فعلم منه أن الذي السابق للمذكر.

حذف الياء من الموصول المفرد إذا ثني

قوله: (والياء إذا ما ثنيا لا تثبت).

أي: الياء التي بعد الذال في (الذي) والتي بعد التاء في (التي) لا تثبت إذا ثنيا.

الياء: مبتدأ، ولا تثبت: والجملة خبر المبتدأ.

إذا ما ثنيا: شرط، و(ما) في قوله: (إذا ما ثنيا) زائدة، قال الراجز:

يا طالباً خذ فائـدة ما بعد إذا زائدة

فكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة، قال تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37] أي: وإذا غضبوا هم يغفرون.

قوله: (لا تثبت)، يعني: احذفها.

فمثلاً: إذا أردت أن تثني (الذي) فلا تقل: اللذيان، بل احذف الياء وقل: اللذان.

وإذا أردت أن تثني (التي) فلا تقل: اللتيان، بل احذف الياء وقل: اللتان.

فالمراد بالياء: الياء التي بعد الذال والياء التي بعد التاء، فإذا ثنيت فاحذف الياء؛ لأن علامة التثنية ساكنة، والياء ساكنة، والقاعدة في الساكنين ما أشار إليه ابن مالك في الكافية حيث قال:

إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق

(وإن يكن) أي: السابق، (ليناً) يعني: من حروف اللين، وهي: الواو والألف والياء، (فحذفه استحق) يعني: فقد استحق الحذف.

تقول: أخبرني الذي أثق به، وتقول: قرأت على الذي أثق به، وأكرمت الذي أثق به، فالياء لم تتغير، لا في الرفع ولا في الجر ولا في النصب؛ لأنها مبنية على السكون، وكذلك يقال في (التي).

تثنية الاسم الموصول

وعند التثنية يقول: (بل ما تليه أوله العلامة) يقول: الذي تليه (الياء) وهو الذال في الذي، والتاء في التي، أوله العلامة، يعني: اجعل علامة المثنى بعده مباشرة.

قوله: (والنون إن تشدد فلا ملامة).

يعني: في حال التثنية إذا شددت النون فلا ملامة عليك، وذلك لأن تشديد النون لغة عربية، والذي ينطق باللغة العربية لا يلام.

فتقول مثلاً: أكرمت اللذينّ أكرماني، وتقول: جاء اللذانّ أكرمهما، فتشدد النون في حال الرفع، وفي حال النصب، وفي حال الجر.

وذكر المؤلف من أسماء الموصول: ما للمفرد المذكر، وما للمفرد المؤنث، وما للمثنى المذكر، وما للمثنى المؤنث.

فللمفرد المذكر (الذي) دائماً، في حال الرفع والنصب والجر.

والمفردة المؤنثة (التي) دائماً، في الرفع والنصب والجر، فهما مبنيان على السكون.

والمثنى المذكر (اللذان) في حال الرفع، و(اللذين) فيما سواه.

قال الله تعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ [النساء:16] ، وقال تعالى: رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا [فصلت:29] الأولى: مرفوعة، والثانية: منصوبة.

والمثنى المؤنث: (اللتان) رفعاً، و(اللتين) نصباً وجراً.

فإذا كان اسم الموصول مثنى يبنى على الألف في حالة الرفع، وعلى الياء في حالتي النصب والجر، كما يبنى اسم الإشارة، وتكون النون زائدة لتحسين اللفظ.

تشديد النون في المثنى الموصول

قال المؤلف: [والنون من ذين وتين شددا أيضاً وتعويض بذاك قصدا].

ولكن لماذا لا نجعل المثنى من ذين وتين واللذين واللتين معرباً مع أن الإعراب ينطبق عليها تماماً، فهي تتغير باختلاف العوامل؟

وأيضاً التثنية تبعد مشابهتها للحرف الذي هو من أسباب البناء. والقول بإعرابها قد قيل، وليس ببعيد لأن المعرب هو الذي يتغير آخره لاختلاف العوامل، وهذا يتغير آخره باختلاف العوامل تماماً، تقول: جاء الزيدان، ورأيت الزيدين.

وعلى هذا يكون إعرابهما على القاعدة المعروفة للمثنى، لكن هنا لا تقول: النون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، لأنه لا يوجد تنوين في الاسم المفرد، بل نعربها زائدة لتحسين اللفظ.

قوله: (وتعويض بذاك قصدا) المشار إليه التشديد، كأن قائلاً قال: لماذا تشدد النون في ذين وتين واللذان واللتان؟

فقال: تشدد لأن المقصود بذلك التعويض عما حذف من الذي والتي وهذا وهذي.

(الذي) حذفت منها الياء، و(التي) حذفت منها الياء، و(هذا) إذا قلنا: هذان حذفنا الألف التي قبل ألف التثنية، وكذلك حذفنا الألف التي قبل ياء التثنية.

فيقول: إنه قصد بهذا التنوين التعويض، ولكن هذا التعليل عليل في الواقع لأمرين:

أولاً: لأنه لو كان المقصود التعويض لكان التشديد واجباً؛ لأنه إذا وجد السبب وجب وجود المسبب.

فلو قلنا: إن هذا تعويض عن الياء المحذوفة أو الألف المحذوفة في ذان لكان التشديد واجباً، ومع ذلك فليس بواجب.

ثانياً: نقول: إن التعليل الصحيح أن العرب نطقوا بهذا وبهذا، أما كون الياء لأجل التعويض فهذا منتقض فلا معول عليه.

اسم الموصول للجمع المذكر

ثم شرع المؤلف يبين اسم الموصول لجماعة الذكور، واسم الموصول لجماعة الإناث.

فقال: (جمع الذي الألى الذين مطلقاً).

(الألى) لنا أن نعربها على أنها مبتدأ وخبرها (جمع).

ولنا أن نعرب (جمع) على أنها مبتدأ وخبره: (الألى).

وأما قوله: (الذين) فهو معطوف على (الألى)، لكن بحذف حرف العطف، والأصل: جمع الذي الألى والذين.

فيستفاد من ذلك أن اسم الموصول لجماعة الذكور له صيغتان:

الصيغة الأولى: الألى، والثانية: الذين.

أما الألى فهي مبنية على السكون؛ لأن آخرها ألف.

وأما الذين فهي مبنية على الفتح؛ لأن آخرها مفتوح. وهي ملازمة للياء في كل حال.

تقول: جاء الذين، ورأيت الذين، ومررت بالذين، وجاء الألى، ومررت بالألى، وأكرمت الألى.

تقول مثلاً: أكرمت الطلبة الألى اجتهدوا، الألى هنا بمعنى: الذين.

وتقول: أكرمت الطلبة الذين اجتهدوا، وهما على حد سواء.

قال الشاعر:

فتلك خطوب قد تبلت شبابنا قديماً فتبلينا الخطوب وما نبلي

(الخطوب) نوائب الدهر.

(قد تبلت شبابنا) يعني: أفنته.

(فتبلينا الخطوب وما نبلي) يعني: تبلينا ولا نبليها.

إلى أن قال:

وتبلي الألى يستلئمون على الألى تراهن يوم الروع كالحدأ القبل

(تبلي الألى) أي: تفنيهم، و(يستلئمون): يلبسون لأمة الحرب، يعني: الشجعان.

(على الألى تراهن) يعني: على الخيل.

(يوم الروع) أي الخوف، (كالحدأ): الحدأ جمع حدأة، وهو طائر معروف مغرم بأكل اللحم.

(القبل) يعني التي مالت سواد أعينهن، فإذا مالت سواد الأعين من الحدأ إلى اللحم في الأرض انقضت بسرعة.

فهو يقول: إن الخطوب تبلي هؤلاء الشجعان الذين يلبسون لأمات الحرب، ويركبون هذه الخيل السريعة التي تراها يوم الروع مثل الحدأة التي أصغت بنظرها إلى اللحم فانقضت عليه بسرعة.

الشاهد قوله: (تبلي الألى يستلئمون) أي: تبلي الذين يستلئمون. (على الألى تراهن) أي: على اللاتي تراهن (يوم الروع كالحدأ القبل).

فصار اسم الموصول في جمع المذكر له صيغتان:

قال: [جمع الذي الألى الذين مطلقا وبعضهم بالواو رفعاً نطقا]

يعني: بعض العرب نطق الذين بالواو في حال الرفع، فتقول: قدم الذون جاءوا من السفر، وأكرمت الذين جاءوا من السفر، ومررت بالذين جاءوا من السفر.

وعلى هذه اللغة تكون معربة، لأنه يتغير آخرها باختلاف العوامل.

فصارت (الذين) فيها لغتان عن العرب: لغة (الذين) مطلقاً كما قال: (الذين مطلقاً)، ولغة أخرى: أنها تكون في حال الرفع بالواو، ومنه قول الشاعر:

نحن الذون صبحوا الصباحـا يوم النخيل غارة ملحاحا

ولو كان على اللغة الأخرى لقال: نحن الذين، كما قال الصحابة رضي الله عنهم:

نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً

اسم الموصول للجمع المؤنث

ثم قال:

(باللات واللاء التي قد جمعا).

جمع المؤنث في الاسم الموصول له صيغتان: اللاتي واللاء.

فتقول: جاء النساء اللاتي قمن، ورأيت النساء اللائي قمن، قال الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [النساء:15] وقال تعالى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4].

قال: (واللاء كالذين نزراً وقعا).

(نزراً) يعني: قليلاً، و(الذين) صيغة لجماعة الذكور.

فيقول: إن اللاء قد تحل محل الذين، أي: تأتي لجماعة الذكور، وبناءً على ذلك يكون جماعة الذكور لهم ثلاث صيغ: الألى والذين واللاء، لكن هذا الأخير قليل، ومنه قول الشاعر:

فما آباؤنا بأمن منه علينا اللاء قد مهدوا الحجورا

الشاهد قوله: (اللاء قد مهدوا)، أي: الذين قد مهدوا الحجور.

فاسم الموصول الموضوع للمفرد المذكر (الذي) مبني على السكون، ومثله (التي) للمؤنث.

والموضوع للمثنى المذكر (اللذان) في حال الرفع، و(اللذين) في حال النصب والجر.

والموضوع للمثنى المؤنث (اللتان) في حال الرفع، و(اللتين) في حال النصب والجر، وتكون معربة على الراجح. وجماعة الإناث (اللات واللاء) وهما مبنيان على الكسر.

وجماعة الذكور (الذين) مطلقاً، وفي لغة ترفع بالواو، يعني يقال: (الذون).

وإعراب (الذين) مبنية على الفتح، وعلى اللغة الأخرى (الذون) مرفوع وعلامة رفعه الواو، فهو اسم معرب، والذي جعله معرباً تغيره باختلاف العوامل.

مما يذكر هنا أن (اللات واللاء) يجوز فيهما الإشباع، بأن تمد الهمزة اللائي، أو تمد التاء: اللاتي، وهذا تغير صفة للأداة، وليس تغيراً جوهرياً.

إما أن تمد الهمزة حتى يتولد منها ياء، أو تمد التاء حتى يتولد منها ياء، وحينئذ تكون أربع صيغ.

يقول المؤلف:

(واللاء كالذين نزراً وقعا) يعني: قليلاً.

وقول المؤلف: (وقعا) بالألف، والألف هنا ليس للتثنية، لكنه لإطلاق الروي.

وقوله: (واللاء كالذين نزراً وقعا) له تفسير آخر، وهو أن اللاء تأتي بالياء والنون، كما أتت الذين. فتستعمل للمذكر لكن بالياء والنون على صيغتها الأصلية، فيقال: اللائين، كما يقال: الذين.

فيكون في قول ابن مالك رحمه الله هذا وجهان:

الوجه الأول: أن اللاء بصيغتها هذه تحل محل الذين.

والوجه الثاني: أن اللاء تستعمل بمعنى الذين لكن تغير وتجعل بالياء والنون.

وعلى هذا قول الشاعر:

وأنا من اللائين إن قدروا عفوا أو أتربوا جادوا وإن تربوا عفّوا

فاللائين بمعنى الذين.

(إن قدروا عفوا) يعني: عفوا عمن ظلمهم بعد القدرة، وهذا هو العفو الذي يحمد.

(أتربوا) يعني: اغتنوا حتى كانت أموالهم كالتراب من كثرتها.

(جادوا ) يعني: تكرموا على الناس بالجود.

(وإن تربوا) يعني: افتقروا.

عفوا: فلا يسألون الناس شيئاً، وهذا فخر عظيم، وهذه ثلاث خصال كلها كريمة.

الموصولات العامة

الكلام على من وما الموصولتين

ثم قال: [ومن وما وأل تساوي ما ذكر وهكذا ذو عند طيئ شهر]

ما سبق من الموصول يسمى الموصول الخاص؛ لأنه خصص لكل شيء صيغة: المفرد المذكر، المفردة المؤنثة، المثنى المذكر، المثنى المؤنث، جماعة الذكور، جماعة الإناث. وهناك موصولات عامة تصلح لكل نوع من هذه الأنواع، وهي التي ذكرها في قوله:

(ومن وما وأل تساوي ما ذكر ...) إلخ.

تساوي ما ذكر، أي: من الصيغ السابقة، وهي الذي والتي، واللذان واللتان، والذين واللاء، فتأتي للمفرد المذكر، وللمفردة المؤنثة، وللمثنى المذكر، وللمثنى المؤنث، ولجماعة الذكور، ولجماعة الإناث.

فإن قال قائل: ما الذي يعلمنا أنها للمفرد المذكر دون المفردة المؤنثة ولفظها واحد؟

قلنا: الصلة هي التي تعين ذلك.

فإذا قلت: يعجبني من قام، فهي للمفرد المذكر.

وإذا قلت: تعجبني من قامت، فهي للمفردة المؤنثة.

وإذا قلت: يعجبني من قاما، فهي للمثنى المذكر.

وإذا قلت: تعجبني من قامتا، فهي للمثنى المؤنث.

وإذا قلت: يعجبني من قاموا، فهي لجماعة الذكور.

وإذا قلت: تعجبني من قمن، فهي لجماعة الإناث.

إذاً (من) صورتها وصيغتها واحدة مهما كان المراد بها، والذي يعين المراد بها هو الصلة.

وقوله: (وما) نقول فيها مثل ما قلنا في (مَنْ): تصلح للمفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجماعة الذكور، وجماعة الإناث، والذين يعين واحداً منها هو الصلة.

فإذا قيل: هل تأتي (مَنْ) في محل (ما) و(ما) في محل (مَنْ) أو لكل واحدة منهما محل لا تأتيه الأخرى؟

فالجواب: أن الأصل لكل واحدة منهما محل لا تأتي فيه الأخرى، لكن قد يخرج عن هذا الأصل لسبب، فالأصل في (من) أن تكون للعاقل.

هكذا عبر أكثر النحويين، ولكن ابن هشام قال: ينبغي أن نقول: إنها للعالم؛ لأنها تأتي ويراد بها الرب عز وجل، والرب لا يقال عنه: عاقل، كما في قوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: الله. فلا تقول: مَنْ للعاقل في هذا المحل؛ لأن الله عز وجل لا يوصف بالعقل، فلهذا اختار ابن هشام رحمه الله أن يعبر بالعالم بدلاً عن العاقل، والله يوصف بالعلم.

على كل حال هي لا تكون إلا للعالم الذي يعلم ويتصرف باختياره، هذا الأصل.

و(ما) الأصل أن تكون لغير العالم على تعبير ابن هشام ، أو لغير العاقل على تعبير أكثر النحويين، فتكون في الجمادات، وفي المعاني، لأن المعاني أوصاف، لكن قد تأتي (من) محل (ما)، كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ [النور:45] فمن هنا لغير العالم؛ لأن بني آدم لا يمشون على بطونهم، إنما يمشون على أرجلهم.

فجاءت (من) هنا في محل (ما)، لكن لماذا جاءت؟

يقول بعضهم: إنها جاءت من أجل المشاكلة، وتغليباً للعالم على غيره، مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ [النور:45]

وفي قوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109] ، وفي آية أخرى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرعد:15] فجاءت (من) وجاءت (ما) وكلها في السموات والأرض، لكن انظر: يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ [الرعد:15] جاءت من، وفي آية أخرى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النحل:49].

إذاً: فهمنا من هذا أن كل واحدة منهما تأتي في مكان الأخرى، لماذا؟

قالوا: للتغليب، أي تغليب العالم على غيره، وتغليب الأكثر على غيره، فإذا عبر بـ(ما) وأريد بها الجميع فهو تغليب لغير العالم على العالم لأنه أكثر، هذا فيما نرى والعلم عند الله، وقد يكون هناك مخلوقات أخرى ذات علم أكثر من هذا.

وإذا عبر بمَنْ للعموم فهو من باب تغليب العالم على غيره لشرفه.

فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] فنحن ننكح العالمات، وما طاب وصف فنقول: جاءت (ما) في محل (من)؛ لأن المرأة إنما تنكح لأوصافها، والأوصاف معان غير عاقلة، فالإنسان لا ينكح المرأة لذات المرأة فقط، إنما تنكح المرأة لأربع. إذاً جاءت (ما) في محل (من) من أجل هذه النكتة البلاغية، وهي أن المرأة إنما تنكح لأوصافها لا لأنها بشر مخلوق من لحم وعظم وعصب وما أشبه ذلك.

الكلام على أل الموصولة

أل: هل (أل) تأتي اسماً موصولاً؟

يقولون: نعم، كل (أل) في اسم الفاعل واسم المفعول اسم موصول.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هذه في اسم المفعول، وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] في اسم الفاعل.

أما إذا أتت في جامد فليست موصولة، فإذا قلت: قام الرجل، فأل هذه غير الموصولة.

أكرمت الطالب، فهذه موصولة لأنها دخلت على اسم الفاعل.

ونصرت المظلوم موصولة، لأنها جاءت في اسم المفعول.

لكن إذا جعلنا أل اسماً موصولاً كيف نعربها وهي على صيغة الحرف؟

قالوا: إنه ينقل إعرابها إلى صلتها لتعذر ظهور الإعراب عليها؛ لأنها بصورة الحرف، فإذا قلت: نصرت المظلوم، أي: الذي ظلم، فإنك تقول: أل مفعول به لنصرت، ونقل إعرابها إلى ما بعدها لتعذر ظهوره عليها.

هذا مذهب البصريين، ومذهب البصريين دائماً يكون أقرب للقواعد، لكنه فيه صعوبة وتعقيد.

ولا تقول: المظلوم مفعول به منصوب على المفعولية.

لكن المذهب السهل الطيب اللين أن تقول:

نصرت: فعل وفاعل.

المظلوم: مفعول به منصوب.

وهذا الرأي هو الصواب: أن أل هذه وإن دلت على اسم موصول فإنها لا يكون عليها إعراب، ولا يمكن أن يظهر عليها الإعراب، فالإعراب ننقله رأساً إلى نفس اسم الفاعل أو اسم المفعول.

أنواع الاسم الموصول وألفاظه

والاسم الموصول ستة أنواع:

المفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجمع المذكر وجمع المؤنث، وله ست كلمات:

فللمفرد المذكر الذي ومثاله من القرآن: قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245].

وللمفردة المؤنثة التي ومثاله: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا [النحل:92].

وللمثنى المذكر اللذان، ومثاله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ [النساء:16].

وللمثنى المؤنث اللتان، مثل: رأيت اللتين اجتهدتا.

ولجماعة الذكور الذين، مثل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30].

ولجماعة الإناث اللاتي مثل: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [النساء:15]

القسم الثاني من أقسام الموصول: العام: من وما وأل.

والغالب في مَنْ أن تستعمل للعاقل، وقال ابن هشام : للعالم.

ومن الغالب في القرآن وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ [النور:45]. ومن غير الغالب: وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ [النور:45].

والغالب في (ما) أنها لغير العاقل، أو لغير العالم.

مثل: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ [النحل:96].

(أل تساوي ما ذكر) يعني: أل تأتي للمفرد المذكر، للمفردة المؤنثة، للمثنى المذكر، للمثنى المؤنث، لجماعة الذكور، لجماعة الإناث.

تقول: يعجبني الفاهم زيد، هذه للمفرد المذكر.

تعجبني العابدة هند، للمفرد المؤنث.

يعجبني القائمان: مثنى مذكر.

يعجبني القائمتان، مثنى مؤنث.

يعجبني القائمون، جماعة ذكور.

يعجبني القائمات، جماعة إناث.

الكلام على ذو الطائية

قال المؤلف: (وهكذا ذو عند طيئ شهر).

طيئ: قوم من العرب، ويسكنون في الغالب عند جبال طيئ في حائل وما حولها، يجعلون (ذو) بمعنى الذي، وبمعنى الذين، فتكون عامة، وهذه لغة عند بعضهم.

وعند آخرين: يجعلون ذات للمفردة المؤنثة، وذوات: لجماعة النساء، فكان في (ذو) لغتان عند طيئ: اللغة الأولى: ذو تساوي من، أو ما، أو أل، يعني أنها عامة.

واللغة الثانية: يجعلون ذو عامة إلا في المفردة المؤنثة فيجعلون لها (ذات)، وجماعة الإناث يجعلون لهن (ذوات).

وما سواهم من العرب لا يستعملون هذه الكلمات الثلاث استعمال الموصول.

مثاله: قول الشاعر منهم:

فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت

يريد أن يدافع عن مائه الذي يسقي منه إبله، يقول: إن الماء ماء أبي وجدي، ورثته كابراً عن كابر.

وبئري: يعني وإن البئر بئري.

ذو حفرت وذو طويت: يعني التي حفرت، والتي طويت.

إذاً: ذو بمعنى التي، وتقول في جماعة الذكور: جاءني ذو قاموا، يعني: الذين قاموا، وفي جماعة الإناث: جاءني ذو قمن.

وفي المثنى: جاءني ذو قاما، وجاءني ذو قامتا.

وفي المؤنثة: جاءتني ذو قامت، أي: التي قامت.

وعلى كل اللغات فهي مبنية لا معربة، فذو بلفظ الواو في حال الرفع والنصب والجر، فتقول: أعجبني ذو أكرمني، وأكرمت ذو أكرمني، ومررت بذو أكرمني، بخلاف (ذو) التي بمعنى صاحب فإنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء كما سبق، أما هذه فهي مبنية على سكون الواو دائماً.

ذات: مبنية على الضم في حال الرفع والنصب والجر.

فتقول: يعجبني ذاتُ قامت، وأكرمت ذاتُ اجتهدت، ومررت بذاتُ اجتهدت.

وذوات أيضاً مبنية على الضم.

إذاً الخلاف بين طيئ في المفردة المؤنثة والجمع المؤنث فقط، ولذا قال:

وكالتي أيضاً لديهم ذات وموضع اللاتي أتى ذوات

سوف نعرب المشكل في أبيات الألفية، يقول:

وكالتي أيضاً: أيضاً مصدر آض يئيض إذا رجع، وهي منصوبة دائماً على المصدرية وعاملها محذوف، فأنت مثلاً إذا قلت: عندي لك عشرة ريالات وأيضاً خمسة ريالات، يعني: ورجوعاً إلى إقراري: عندي لك خمسة ريالات، ولهذا تأتي أيضاً لبناء ما بعدها على ما قبلها، فهي بمعنى الرجوع، منصوبة على أنها مصدر لفعل محذوف دائماً تقديره: آض. ومنه أحد ألفاظ الحديث في كسوف الشمس: (فانصرف وقد آضت الشمس) يعني: رجعت إلى حالها قبل الكسوف.

قوله: (وموضع اللاتي أتى ذوات):

موضع: منصوبة على أنها ظرف عامله أتى، يعني: وأتى موضع اللات ذوات.

وذوات: فاعل أتى، يعني: أتى ذوات موضع اللات، واللات معروف أنها لجماعة الإناث.

الكلام على ذا الموصولة

ثم قال: [ومثل ماذا بعد ما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام]

هذا الرابع من صيغ الموصول العام.

ومثل ما ذا: مثل خبر مقدم، وذا مبتدأ مؤخر، والتقدير: وذا مثل ما، يعني أنها موصولة عامة، لكن متى؟

قال: (بعد ما استفهام)، أي: بعد ما الاستفهامية، فإذا أتت ذا بعد ما الاستفهامية فهي اسم موصول.

(أو من): يعني: أو أتت بعد مَنْ الاستفهامية أيضاً.

(إذا لم تلغ في الكلام) الضمير يعود على ذا، يعني: إذا لم تلغ ذا في الكلام، ومعنى إلغائها: أن تجعل كلمة واحدة مع ما أو مع من.

يعني: أن من الأسماء الموصولة العامة كلمة (ذا) بشرط أن تقع بعد (ما) الاستفهامية أو (من) الاستفهامية، هذا شرط.

الشرط الثاني: ألا تلغى في الكلام، ومعنى إلغائها: أن تجعل مع ما أو من كلمة واحدة.

ويتعين الإلغاء إذا أتى بعدهما اسم موصول، مثل: (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ ))[البقرة:255] فهنا نجعل (من ذا) كلمة واحدة، لأنك لو جعلتها بمعنى الذي وقلت: من الذي الذي يشفع، لكان الكلام ركيكاً.

وإن وقعت بعد (ما) النافية فلا تكون اسماً موصولاً، وإذا ألغيت فإنها لا تكون موصولاً؛ لأنها سوف تكون تابعة لما أو من، وتجعل الكلمتان كلمة واحدة استفهامية، فتقول في: من ذا الذي: (منذا) كله اسم استفهام.

وبعضهم يقول: من اسم استفهام، وذا: ملغاة لا محل لها من الإعراب، وهذا ظاهر كلام ابن مالك حيث قال: (إذا لم تلغ في الكلام).

متى تكون ذا موصولة ومتى تكون ملغاة

والذي يدلنا على أن (ذا) ملغاة أو أنها اسم موصول هو الجواب.

فهذه آية من القرآن فيها قراءتان: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوُ) (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوَ) فعلى أي القراءتين كانت ملغاة، وعلى أي القراءتين كانت موصولة؟

والجواب: على قراءة النصب تكون ملغاة، لأن اسم الاستفهام مفعول مقدم لينفقون، سواء كانت (ماذا) كلمة واحدة، أو (ما) اسم استفهام و(ذا) ملغاة زائدة، وهذا كما لو قلت: من رأيت؟ فمَنْ مفعول مقدم لرأيت.

ويكون الجواب: العفوَ، يعني: قل أنفقوا العفوَ.

وإذا قرأت: (العفوُ) بالرفع صار تقدير الكلام: ما الذي ينفقونه؟ فصارت (ما) مبتدأ، والذي اسم موصول خبره، وجملة (ينفقون) صلة الموصول، والعفو: خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الذين ينفقون العفو، أو هو العفو .

ولزيادة التوضيح أقول: ذا التي تأتي بعد من أو ما الاستفهاميتين تكون اسماً موصولاً ويجوز إلغائها.

ومعنى إلغائها أن يكون وجودها كالعدم ، فإما أن تجعل مع (ما) كلمة واحدة، وإما أن يقال: هي زائدة ولا محل لها من الإعراب.

فإذا جعلناها اسماً موصولاً صارت (ما) الاستفهامية مبتدأ، و(ذا) اسم موصول خبر، فإذا قلت: ماذا فعلت؟ وجعلتها اسماً موصولاً؛ يكون تقدير الجملة: ما الذي فعلت؟ وتعرب ما مبتدأ، والذي خبر، وفعلت صلة الموصول، والعائد محذوف والتقدير: ما الذي فعلته.

إذا قلت: ماذا فعلتَ؟ وكان التقدير: ما فعلت؟ فإن ذا ملغاة ومعنى ملغاة: زائدة مركبة مع (ما) أو (من)، فنعرب (ماذا) اسم استفهام مفعول مقدم، أو نقول: (ما) اسم استفهام مفعول مقدم و(ذا) زائدة، وفعلت: فعل وفاعل والمفعول هو (ما) المقدمة.

فإن أجاب المسئول فقال: خيراً، حمل (ذا) على أنها ملغاة لأن الفعل تسلط عليها والتقدير على جوابه: فعلت خيراً.

وإذا قال: خيرٌ، عرفنا أنه حمل (ذا) على أنها اسم موصول، وأن التقدير: ما الذي فعلت، فنعرب (ما) مبتدأ و(ذا) خبره، وفعلت: صلة الموصول، ويكون تقدير الكلام في جوابه: هو خير، أو: الذي فعلته خير.

فصارت (ما) و(من) إذا جاء بعدها (ذا) يجوز فيها وجهان:

الوجه الأول: أن تلغى (ذا) في الكلام وتعتبر زائدة أو مركبة مع (ما) أو (من).

والوجه الثاني: أن تكون اسماً موصولاً.

يتعين الإلغاء إذا أتى بعدها اسم موصول مثل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] .. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] لئلا يجتمع موصولان في كلام واحد.

وقول بعضهم: إنه جائز، ونعرب الذي بدلاً من (ذا) غير صحيح؛ لأن البدل معناه أننا حملنا الكلام على أمر زائد وهو خلاف الأصل.

لكن أحياناً تأتي (ذا) اسم إشارة، وهي بعد ما أو من، مثل أن يأتي رجل يقرع الباب فتقول: (من ذا)، فذا اسم إشارة، ولم يذكرها ابن مالك ؛ لأنها معلومة ولا توجد صلة ولا خبر، فإذا قلت (من ذا) فـ من: اسم استفهام مبتدأ أو خبر مقدم، وذا اسم إشارة خبر أو مبتدأ مؤخر. ومما سبق يكون التقسيم:

أولاً : تأتي (ذا) على أنها اسم إشارة مثل: من ذا؟ أي: من هذا؟

ثانياً: تأتي اسماً موصولاً، ويجوز إلغاؤها في مثل: من ذا قام، أو ماذا فعلت.

ثالثاً: تأتي ملغاة -ولابد- إذا وقع بعدها اسم موصول، وتكون إما زائدة، وإما مركبة مع (ما) أو (من).



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [13] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net