إسلام ويب

الاسم الموصول لابد له من صلة يتم بها معناه، وهذه الصلة لا تكون اسماً مفرداً، بل جملة أو شبه جملة، ويلزم أن تشتمل على ضمير يعود إلى الموصول، وقد يحذف هذا العائد في بعض المواضع.

صلة الموصول وشروطها

وجوب صلة للموصول

ثم قال: (وكلها يلزم بعده صلة)

تقدم أن أسماء الموصول عشرة: ستة خاصة، وأربعة عامة، والعامة ثلاثة منها عند العرب كلهم، وواحد عند طيئ، وهذه الموصولات هي: الذي، والتي، واللذان، واللتان، والذين، واللاتي، ومن، وما، وأل، وذو، يقول المؤلف: هذه كلها يلزم بعدها صلة.

فأفاد المؤلف رحمه الله أنه لابد لكل موصول من صلة؛ فلو قلت: (جاء الذي) فلا يمكن أن يتم معناه إلا بصلته, ولهذا قال: (يلزم).

وقوله: (يلزم بعده صلة) سواء كان ذلك لفظاً أو تقديراً؛ لأنه قد تحذف الصلة وتكون مقدرة كقول الشاعر:

نحن الألى فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا

قال النحويون: التقدير: الألى عرفوا بالشجاعة.

ويصلح التقدير بقولنا: نحن الذين لا نخاف الموت فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا.

على كل حال يلزم وجود الصلة: إما لفظاً وإما تقديراً، لكن حذف الصلة قليل جداً، ولا يجوز أن تحذف إلا بقرينة تدل على أنها محذوفة.

وجوب تأخر الصلة عن الموصول

وقول المؤلف: (يلزم بعده) أفادنا أنه يشترط في الصلة أن تكون بعد الموصول، فلا تصح قط قبله، فلو قلت: جاء قام الذي، وأنت تريد أن تجعل (قام) صلة مقدمة للموصول، فهذا لا يصح.

وجوب اشتمال الصلة على ضمير مناسب للموصول

قال: (على ضمير لائق مشتملة)

أي: لا بد للصلة من ضمير، ولابد أن يكون هذا الضمير لائقاً: أي على حسب الموصول، يعني مذكراً إن كان الموصول مذكراً، مفرداً إن كان الموصول مفرداً، فالذي يكون ضميره مفرداً مذكراً، والتي مفرداً مؤنثاً، واللذان مثنى مذكراً، واللتان مثنى مؤنثاً، والذين جماعة ذكور، واللاتي جماعة إناث.

فتقول: جاء الذي قام، وجاءت التي قامت، وجاء اللذان قاما، وجاءت اللتان قامتا، وجاء الذين قاموا، وجاءت اللاتي قمن.

لو قلت: جاءني اللذان قاموا، فهذا خطأ؛ لأن الضمير هنا لم يناسب وليس بلائق.

لو قلت: جاءني اللذان قام، فهو خطأ.

ولو قلت: جاءني الذي قام أبوه، فهذا صحيح؛ لأن الهاء ضمير يعود على الذي.

ولو قلت: جاءني الذي قام أبٌ، فليس بصحيح؛ لأن الصلة خلت عن الضمير؛ فلا بد من ضمير يرجع إلى الموصول، ولابد أن يكون هذا الضمير لائقا بالموصول.

أما أسماء الموصول العامة مثل: ما، ومن، فما الذي يكون لائقاً بها من الضمائر؟

نقول: إن راعيت المعنى فأت بالضمير موافقاً للمعنى، وإن راعيت اللفظ فأت بالضمير مفرداً مذكراً.

وقد يتعين الضمير بحسب السياق؛ لو قلت: جاءني من أرضع، يصح هذا إذا اعتبرنا اللفظ، ويصح جاءني من أرضعت إذا اعتبرنا المعنى.

وإذا قلت: جاءني من قام؛ وهما اثنان، فيصح باعتبار اللفظ، وإذا أردت اعتبار المعنى تقول: جاءني من قاما.

فإذا قال قائل: هل يجوز أن يعتبر اللفظ مع خفاء المعنى؟

الجواب: لا يجوز إلا إذا قصد العموم، ولهذا إذا كنت تريد أن تبين المعنى فلا بد أن تأتي بضمير مطابق.

فلو قلت: أكرمت من أرضع ولده، نقول: هنا لا يناسب إلا أن تقول: أرضعت؛ حتى تبين المعنى.

فالحاصل أن: الضمير لابد أن يكون لائقا، وهو في الأسماء الموصولة الخاصة يجب أن يكون مطابقاً للفظ، واللفظ يدلنا على المعنى.

أما في الأسماء الموصولة العامة الأربعة فيجوز فيها اعتبار اللفظ واعتبار المعنى.

وقول المؤلف: (مشتملة) يشمل ما إذا كان الضمير هو معمول فعل الصلة كجاء الذي أكرمته، أو له صلة بمعمول الصلة، مثل: جاء الذي أكرمت أباه، هنا (أكرم) الذي هو الصلة لم يسلط على ضمير الموصول؛ لكن سلط على ملابسه وهو المضاف إليه.

يعني: قد يكون الضمير معمولاً لصلة الموصول مباشرة مثل: جاء الذي أكرمته، الهاء معمول لأكرم الذي هو الصلة مباشرة، وقد يكون متصلاً بملابسه مثل: جاء الذي أكرمت أباه، فهنا الضمير لم يتصل بالصلة مباشرة لكن اتصل بمفعول الصلة.

ويشترط في هذه الصلة أن تكون مشتملة على ضمير مطابق للموصول؛ إن كان الموصول خاصاً، والموصولات الخاصة ستة: فالمفرد المذكر لابد أن يكون عائده ضميراً مفرداً مذكراً والمثال: جاء الذي أكرمته.

وإذا كان مفرداً مؤنثاً فالعائد مفرد مؤنث مثاله: جاءت التي أكرمتها.

وإذا كان مثنى مذكراً فعائده كذلك مثل: جاء اللذان أكرمتهما.

وإذا كان جماعة إناث: جاءت اللاتي قمن.

وإذا كان جماعة ذكور فمثاله في القرآن: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30].

وإذا كان الموصول من الموصولات العامة وهي أربعة: (ما، ومن، وأل، وذا بعد ما أو من الاستفهامية) هذه باتفاق العرب.

والخامس: ذو، عند طيئ جاز في عائده أمران:

أحدهما: مراعاة المعنى.

والثاني: مراعاة اللفظ.

فإذا راعينا اللفظ كان العائد مفرداً مذكراً، وإذا راعينا المعنى كان بحسب المراد؛ فإذا قلت: جاءت من أكرمتها، فقد راعيت المعنى، وإذا قلت: جاء من أكرمته، وأنت تريد جماعة فقد راعيت اللفظ.

وإذا قلت: جاء من أكرمته راكباً، فهذه مراعاة للفظ والمعنى؛ لأنه مفرد.

صلة الموصول يجب أن تكون جملة أو شبه جملة

إذاً: يشترط في جملة الصلة شروط:

الشرط الأول: أن تكون بعد الموصول.

الثاني: أن تكون مشتملة على ضمير مطابق.

والثالث: أن تكون جملة، أو شبه جملة؛ ولهذا قال:

[وجملة أو شبهها الذي وصل به].

جملة: خبر مقدم.

أو شبهها: معطوف عليه.

الذي: مبتدأ مؤخر.

وصل به: صلة الموصول.

ومعنى البيت: والذي وصل به جملة، أو شبه جملة، يعني: أن صلة الموصول تكون جملة، وتكون شبه جملة.

فالجملة: إما أن تكون جملة فعلية، وإما أن تكون جملة اسمية.

وشبه الجملة: إما ظرف، أو جار ومجرور.

ولا يمكن أن تكون اسماً مفرداً؛ فلا يجوز أن تقول: جاء الذي أبوه، لأنها لم تتم.

وضرب المؤلف مثالين فقال:

[ كمن عندي الذي ابنه كفل ].

(من) بمعنى الذي، و(عندي) ظرف، وهو صلة الموصول، فهو شبه جملة.

(الذي ابنه كفل) الذي: اسم موصول.

وابن: مبتدأ.

وجملة (كفل) خبره، والجملة صلة الموصول.

وفي المثالين مع ما سبقهما لف ونشر غير مرتب؛ لأنه في الأول قال: (جملة أو شبهها)، فبدأ بالجملة، وفي التمثيل بدأ بشبه الجملة، وهذا لف ونشر غير مرتب، والبلاغيون يقولون: لف ونشر مشوش، ولكننا نبعد التشويش، نقول: لف ونشر غير مرتب.

تأمل قوله: (من عندي) وقد تقرر في القواعد أن كل ظرف أو جار ومجرور لا بد له من متعلق؛ ولهذا سميناه شبه جملة، والمتعلق في شبه الجملة فعل محذوف ولابد، فمثلاً: من عندي، التقدير: من استقر عندي. تقول: جاء الذي عندي، يقدر المحذوف: جاء الذي استقر عندي.

وإن شئت أن تبين المتعلق الخاص فتقول: جاء الذي سكن عندي؛ لأن الاستقرار معنى واسع والسكنى معنى خاص، فلك أن تقدر المعنى الخاص، ولك أن تقدر المعنى العام.

وعلى كل حال فالمحذوف في شبه الجملة إذا وقعت صلة الموصول هو فعل ولابد.

فإذا قال قائل: أليس ابن مالك يقول:

[وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر]

وكائن ليست فعلاً، قلنا: هناك فرق بين هذا وهذا؛ لأن الأصل أن يكون الخبر غير جملة؛ ولهذا قال: (ناوين معنى كائن) فقدم الاسم.

وصلة الموصول الأصل فيها أن تكون جملة ولا يوصل الموصول بمفرد؛ ولهذا فلو قال إنسان: جاء الذي عندي، فإذا قدرت: جاء الذي مستقر عندي؛ قلنا: لا يجوز، بل لا بد أن تقدر: جاء الذي استقر عندي، لتتم الجملة؛ لأنك لو قلت: جاء الذي مستقر عندي لزم أن تقدر مبتدأً يكون مستقراً خبره، فيكون عندنا محذوفان، وإذا قدرنا (استقر) فالمحذوف واحد؛ وكلما قل الحذف فهو أولى.

الخلاصة: صلة الموصول يجب أن تكون جملة، أو شبه جملة.

وشبه الجملة يجب أن يقدر لها فعل تتعلق به، فقوله: (من عندي) أصلها: الذي استقر عندي، وإذا قلت: جاء الذي في البيت، نقول: (في البيت) جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والتقدير: جاء الذي سكن في البيت، أو استقر في البيت، أو ما أشبه ذلك.

والجملة التي ذكرها المؤلف (الذي ابنه كفل) اسمية؛ لأن الجملة الاسمية هي التي تبتدأ باسم، والجملة الفعلية هي التي تبتدأ بفعل، والجملة هنا "ابنه كفل" ابن: اسم.

إذاً: المؤلف مثل لشبه الجملة بالظرف، ومثل للجملة بالجملة الاسمية، ومثال الجملة الفعلية قول الله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ [الزمر:33] جاء فعل ماض، فهذه جملة فعلية.

جملة الصلة خبرية لا إنشائية

والجملة في كلام المؤلف جملة خبرية وليست طلبية، فهل تمثيله يدل على أنه يشترط في جملة صلة الموصول أن لا تكون جملة طلبية بناء على أن التمثيل يحدد الشروط، لأن الكتاب مختصر تؤخذ شروطه من الأمثلة؟

الجواب: نعم، هذا هو المشهور عند النحويين، فلا يصح أن تقول: جاءني الذي اضربه، فإن وقع مثل هذا في كلام العرب -والعرب يحكمون علينا ولا نحكم عليهم- فإنه يقدر لهذه الجملة الطلبية جملة خبرية، فنقدر (جاء الذي اضربه) بقولنا: جاء الذي يقال في حقه اضربه، وجملة (يقال) خبرية.

ولا يصح أن أقول: جاء الذي هل قام؛ لأن الجملة إنشائية استفهامية ويشترط أن تكون جملة الصلة خبرية.

فإذا جاء في كلام العرب مثل هذا التعبير (جاء الذي هل قام؟) فلا نقول إنه لحن أو خطأ في اللغة، إنما نقول: لابد أن نقدر شيئاً يصح به الكلام، فنقول: جاء الذي يقال في حقه هل قام؟

ولهذا قالوا في رجل استضافه قوم، وتركوه في النهار كله فما أعطوه شيئاً، ولما كان في الليل جاءوا بلبن أكثره ماء، ما جاءوا به في النهار لئلا يراه، فقال:

حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

(المذق) المخلوط، بمذق: نكرة تحتاج إلى صفة، والصفة هي: (هل رأيت الذئب قط)، جملة استفهامية لا تصلح أن تكون صفة، قالوا: التقدير: جاءوا بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط. فصور أن لون هذا اللبن أشهب رمادي، والشاعر اختار الذئب لأنه سبع يأتي في الليل، فكأنه قال: هذا اللبن لونه لون الذئب، وزمن حضوره زمن حضور الذئب.

على كل حال هذا جئنا به ليعلم أنه إذا جاء في كلام العرب ما يخالف قواعد النحويين، فإن قواعد النحويين لا تحكم على كلام العرب، بل يجب أن نقدر ما يصح به الكلام على القواعد.

ولقائل أن يقول: ما دمنا أسسنا أننا لا نحكم على العرب فلماذا لا نقول: إنه إذا فهم المعنى فلا حرج أن تكون الجملة خبرية أو إنشائية؟

ولهذا لو قال قائل: جاء الذي ما أظرفه!

فإننا نقدر فنقول: جاء الذي يقال فيه: ما أظرفه.

وإذا قلت: حضر الطلبة الذين ما أفهمهم للنحو!

نقول: هذا -إن شاء الله- تعبير صحيح لفظاً ومعنى، لكن على القواعد نقدر: الذين يقال فيهم: ما أفهمهم!

حكم الفصل بين الموصول وصلته

قول المؤلف: (يلزم بعده صلة) وأتى بالصلة بعد الموصول يؤخذ منه أنه لابد ألا يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي؛ لأنها صلته لا تتم إلا به، فلو قلت مثلاً: جاء الذي زيد قائم في البيت، تريد أن تقول: (في البيت) صلة للذي، لا يصح، فلا يجوز أن يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي بينهما.

أما إذا كان غير أجنبي فلا بأس، مثاله: جاء الذي زيداً أكرم، تريد: جاء الذي أكرم زيداً؛ لأن زيداً مفعول للفعل الذي وقع صلة، فليس أجنبياً من الصلة.

إذاً: يشترط في الصلة ألا يفصل بينها وبين الموصول بأجنبي.

فأما قول الشاعر يخاطب الذئب:

تعش فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فالشاهد في (مثل من يا ذئب يصطحبان) فهنا فصله بالمنادى الأجنبي، وهذا خلاف الأصل.

صلة أل الموصولة

يقول المؤلف: [وصفة صريحة صلة أل].

(صفة) خبر مقدم، وصلة أل: مبتدأ مؤخر؛ وإنما اخترنا أن تكون صلة أل هي المبتدأ؛ لأنها معرفة وصفة نكرة، والأصل أن المعرفة هي المبتدأ؛ لأنه محكوم عليه فلابد أن يكون معلوماً، فإذا جاءت كلمتان كل واحدة تصح أن تكون مبتدأ فاجعل المبتدأ هو المعرفة لأنه محكوم عليه.

والصفة الصريحة هي التي لا يشوبها تأويل، وهي ثلاثة أشياء:

(اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة).

وخرج بقولنا (صريحة) الصفة التي ليست بصريحة، مثل أن تكون مصدراً، كأن يقال: فلان الرضا، فلان العدل.

هنا الرضا والعدل ليسا صفة صريحة، وعلى هذا فلا تكون (أل) موصولة؛ لأن (أل) الموصولة لا بد أن تكون صلتها صفة صريحة.

كذلك الأسد قد يوصف به، ولكنه ليس بالصفة الصريحة، فـ(أل) الداخلة عليه ولو في مقام الوصف لا تكون موصولة؛ لأن (أل) الموصولة لا تكون صلتها إلا صفة صريحة.

وأقرب من هذا أن نقول: (أل) التي تدخل على اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، موصولة، و(أل) التي تدخل على غير ذلك ليست موصولة.

وقوله: (وكونها بمعرب الأفعال قل).

يعني: كون (أل) توصل بمعرب الأفعال قليل، ومعرب الأفعال هو المضارع؛ لأن الماضي والأمر كلاهما مبني.

وأفادنا المؤلف رحمه الله بأن (أل) قد توصل بالفعل المضارع لكنه قليل عند العرب، وإذا كان قليلاً عند العرب فينبغي أن يكون عندنا أقل. وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:

ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

فمقتضى القاعدة في (أل) الشمسية والقمرية أن نقول: ما أنت بالحكم التُّرضى؛ لأن أل المقترنة بالتاء شمسية.

كما تقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفي القرآن التَّائِبُونَ [التوبة:112].

لكن هنا لا نجعلها شمسية، بل نجعلها قمرية؛ لأن (أل) الموصولة في منزلة المنفصل فيقال في النطق في البيت:

ما أنت بالحكم الترضى، بسكون اللام.

وكذلك قد توصل (أل) بالظرف، لكنه أيضاً قليل، وعليه قول الشاعر:

من لا يزال صابراً على المعه فهو حَرٍ بعيشة ذات سعه

(على المعه) يعنى: على الذي معه، أي: أن الإنسان الذي يصبر على ما معه من النفقة والعيش؛ فهو حرٍ بعيشة ذات سعة؛ لأن الله تعالى قال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7] والقناعة كنز لا يفنى.

إذاً توصل (أل) قياساً باسم فاعل مثل: الضارب، واسم مفعول مثل: المضروب، والصفة المشبهة مثل: البطل، وتوصل قليلاً بالفعل المضارع، وكذلك توصل قليلاً بالظرف.

أي الموصولة وشروط إعرابها

قال المؤلف:

[أي كما وأعربت مـا لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف]

(أيٌّ كما) يريد ابن مالك (ما) التي سبقت في قوله: (وما وأل تساوي ما ذكر).

أي: أن أياً تستعمل اسماً موصولاً عاماً مثل (ما) الموصولة.

ونحن نعلم أن أياً لها استعمالات: فهي تأتي استفهامية، وتأتي شرطية.

ومثال الاستفهامية أن تقول: أي الرجلين قام؟

والشرطية كقوله تعالى: أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110].

وجمهور النحويين على أنها تأتي موصولة، وعليه ابن مالك في قوله: (أي كما).

وقال بعض علماء النحو: إن أياً لا تأتي موصولة، إنما تأتي شرطية أو استفهامية، ولكن إذا وجد ما ظاهره أنها موصولة؛ فإنه عندهم يؤول حتى تكون للاستفهام.

قال: (وأعربت ما لم تضف).

لما ذكر حكمها من حيث إنها تأتي موصولة، ذكر حكمها من حيث الإعراب، يعني: إذا جاءت موصولة فهل تكون مبنية كما هو شأن الموصولات أو تكون معربة؟

ذكر المؤلف أنها تكون معربة إلا بشرطين، وكونها تعرب إلا بشرطين يدل على أن الأكثر فيها الإعراب؛ لأن البناء وارد على الإعراب.

قال:

(وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف).

يعني: إذا لم تكن مضافة، وصدر صلتها محذوف فحينئذ تبنى.

إذاً تبنى بشرطين: الأول: أن تكون مضافة.

والثاني: أن يكون صدر صلتها ضميراً، وإذا كان صدر صلتها ضميراً صارت الصلة اسمية.

وقوله: (وصدر وصلها) الواو نعربها على أنها واو الحال، يعني: ما لم تضف والحال أن صدر وصلها ضمير انحذف.

وأفادنا قول المؤلف رحمه الله: (ما لم تضف) أنها قد تأتي غير مضافة، وأفادنا قوله: (وصدر وصلها ضمير) أنها تأتي ويكون صدر وصلها غير ضمير، وذلك إذا كانت صلتها جملة فعلية.

وأفادنا قوله: (ضمير انحذف) أنه إذا كان موجوداً فإنها تعرب، لأنها لا تبنى إلا بالشرطين: أن تضاف، وأن يكون صدر وصلها ضميراً محذوفاً.

فإذا قلت: يعجبني أيٌّ هو قائم، فهي في هذا المثال معربة؛ لأنه فات الشرطان؛ فهي ليست مضافة، وصدر وصلها ضمير موجود.

ويعجبني أيهم هو قائم، أي: معربة؛ لأن صدر الصلة لم يحذف.

يعجبني أيٌّ قائم معربة؛ لأنها لم تضف.

ويعجبني أيهم قائم، مبنية؛ لأنها مضافة وصدر وصلها ضمير محذوف.

ويعجبني أيهم قام، هذه معربة؛ لأنها وإن كانت مضافة، لكن ليس صدر صلتها ضميراً محذوفاً.

ويعجبني أي هو قائم، معربة؛ لأنها ليست مضافة، وصدر وصلها ليس ضميراً محذوفاً، ففات الشرطان.

ويعجبني أيهم هو قائم، معربة أيضاً.

ويعجبني أيٌّ قائم، معربة؛ لأنها لم تضف.

ويعجبني أيهم قائم، مبنية؛ لأنها مضافة وصدر الصلة محذوفة والتقدير يعجبني أيهم هو قائم.

وإذا قلت: أكرم أياً هو قائم، معربة، ولذلك صارت منصوبة.

ومررت بأيٍ هو قائم، معربة.

ومررت بأيُّهم قائمٌ فهنا أي مضافة وصدر الصلة ضمير محذوف فتكون مبنية على الضم.

وقال تعالى: ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا [مريم:69].

فأي مضافة و(أشد) خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: أيهم هو أشد، فتكون مبنية؛ ولهذا هي مضمومة مع أن الفعل واقع عليها، ولو كانت معربة لقيل: ثم لننزعن من كل شيعة أيَّهم أشد على الرحمن عتياً.

قال: (وبعضهم أعرب مطلقا).

إذاً: فيها خلاف حتى في البناء لو تم الشرطان، يعني: لو كانت مضافة وصدر وصلها ضميراً محذوفاً فبعضهم أعربها مطلقا.

لكن كلمة (بعضهم) راجعة إلى أهل اللغة، فهم الذين ينطقون، أما النحويون فإنهم يوجهون فقط.

حذف صدر صلة الموصول غير أي

ثم قال:

[ وبعضهم أعرب مطلقا وفي ذا الحذف أيا غير أي يقتفي

أن يستطل وصل وإن لم يستطل فالحذف نزر وأبوا أن يختزل ]

أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يحذف العائد المرفوع إلا إذا كان صدر الصلة، لقوله: (وصدر وصلها ضمير انحذف)

إما إذا كان فاعلاً فلا يمكن أن يحذف، وكذلك نائب الفاعل واسم كان، فلا يحذف إلا إذا كان صدر صلة، ولا يكون صدر صلة إلا وهو ضمير.

لكن هل يحذف صدر الصلة المرفوع في غير أي؟

يقول: يحذف لكن بشرط أن يستطيل الوصل، يعني: إن كانت الصلة طويلة، أما إذا كانت غير طويلة؛ فإن الحذف قليل.

فإذا قلنا: جاء الذي قائم، فالذي اسم موصول، (قائم) خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: جاء الذي هو قائم، فالصلة ليست طويلة، إنما هي كلمة واحدة، إذاً: فلا تحذف (هو) لأن الصلة غير طويلة، فيجب أن تقول: جاء الذي هو قائم.

وإذا قلنا: جاء الذي راكب بعيراً جاز؛ لأن الصلة طويلة، و(بعيراً) تكون مفعولاً به، ويجوز أن تقول: جاء الذي هو راكب بعيراً.

والضابط: إذا كان كلمة لها متعلق فهي طويلة، مثل: جاء الذي هو جالس عندك فهذا طويل يجوز أن تقول: جاء الذي جالس عندك، فتحذف الضمير؛ لأن الصلة طويلة.

قال الله تعالى: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ [الأنعام:154] وفي قراءة: (تماماً على الذي أحسنُ)، فهذه من القليل، والتقدير: تماماً على الذي هو أحسن، حذفت هو لكن على وجه القلة مع أنه قليل، لكن القراءة المشهورة: (تماماً على الذي أحسنَ).

الآن عرفنا الحكم، والسؤال: هل يحذف صدر الصلة إذا كان الموصول أيّاً؟

الجواب: إن طالت الصلة فنعم، وإن لم تطل الصلة فالحذف قليل.

نرجع إلى كلام ابن مالك رحمه الله:

قال: (وفي ذا الحذف أياً غير أي يقتفي).

ذا: اسم إشارة، والمشار إليه حذف صدر الصلة وهو الضمير.

أياً: مفعول مقدم ليقتفي.

غير أي: (غير) مبتدأ، وجملة يقتفي خبرها.

وتقدير هذا الشطر: وغير أي يقتفي أياً في هذا الحذف.

ثم قال: (إن يستطل وصل) يعني: إن كان الوصل طويلاً.

(وإن لم يستطل فالحذف نزر)، أي: قليل.

معناه: أنه إذا طالت الصلة فالحذف كثير.

فمثلاً: إذا قلنا: جاء الذي هو راكب سيارته.

الصلة طويلة، فيجوز الحذف، فتقول: جاء الذي راكب سيارته.

وإذا قلنا: جاء الذي هو ذكي.

فالصلة قصيرة فيجوز حذف (هو) فتقول: جاء الذي ذكي؛ لكنه قليل.

حذف العائد

حذف العائد المرفوع

هل يحذف صدر الصلة إذا كان الموصول غير أي؟

الجواب: إن طالت الصلة جاز الحذف، وإن لم تطل فالحذف قليل، والضابط في طول الصلة وقصرها أن ما زاد على ركني الجملة الموجودين تكون به الصلة طويلة.

قال ابن مالك :

[إن يستطل وصل وإن لم يستطل

فالحذف نزر ..].

والسؤال: عرفنا الآن أن صدر الصلة يحذف بشروطه التي ذكر المؤلف، فهل يحذف غيره، أعني: هل يحذف الفاعل أو نائب الفاعل أو اسم كان؟

والجواب: لا يجوز؛ ولهذا إنما يجوز الحذف في المرفوع إذا كان صدر صلة.

متى لا يجوز حذف صدر الصلة

ثم قال المؤلف: (وأبوا أن يختزل).

(أبوا) الضمير يعود على العرب، ويجوز أن يكون يعود على النحاة؛ لأنه ممكن أن يقول النحويون: هذا ممنوع؛ لأنه لم يسمع، وهذا هو الأقرب؛ لأن العرب لا يقال عنهم: يأبون أو يوافقون، إنما يتكلمون فقط.

(أبوا أن يختزل) أي: (أن يحذف إن صلح الباقي لوصل مكمل).

ووجه ذلك: أنه إذا صلح الباقي لوصل مكمل لم يكن هناك دليل على المحذوف، مثاله: جاء الذي هو في البيت، فصدر الصلة (هو) موجود، فلو حذفت وقلت: جاء الذي في البيت، لم يصح؛ لأن (في البيت) تصلح أن تكون صلة، فإذا كان الباقي بعد الحذف يصلح أن يكون صلة فإنه لا يجوز حذف صدر الصلة.

فإن قال قائل: أي فرق بين أن تقول: جاء الذي هو في البيت، أو: جاء الذي في البيت؟

قلنا: الفرق بينهما التخصيص. فقولنا: جاء الذي هو في البيت يعني لا غيره، وجاء الذي في البيت، قد يكون معه غيره وفي المثال الأول الصلة جملة اسمية وفي الثاني شبه جملة.

فإذا قال قائل: جاء الذي هو في البيت، وأراد أن يحذف (هو)، قلنا: لا يصح؛ لأن الباقي لا يصلح للصلة على الوجه الذي نريده مع بقاء صدر الصلة، فهو لا يدل على ما تدل عليه الصلة إذا كان صدرها موجوداً.

وخلاصة الكلام: أنه يجوز حذف العائد المرفوع بشرط أن يكون صدر الصلة، وأن تكون الصلة طويلة إلا في (أي)، فإنه يجوز حذف صدر صلتها وإن لم تكن الصلة طويلة، وهو في (أي) كثير، وفي غيرها قليل.

أما الفاعل ونائب الفاعل واسم كان؛ فإنها لا تحذف فلا يحذف إلا العائد المرفوع الواقع صدر الصلة.

حذف العائد المنصوب

[.............. والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب

بفعل أو وصف كمن نرجو يهب]

(والحذف عندهم) أي: عند العرب.

(كثير منجل) أي: واضح.

في عائد متصل منصوب بفعل أو وصف. فإذا كان العائد منصوباً بفعل أو وصف وكان متصلاً فإنه يجوز حذفه.

مثاله: (كمن نرجو يهب)، (من) هنا ليست شرطية، بل هي اسم موصول بمعنى الذي، أي: كالذي نرجوه يهب لنا.

و(يهب) مرفوعة في الأصل لكن سكنت للروي؛ لأنه آخر البيت.

و(من نرجو يهب) أصلها من نرجوه يهب، أي: يهب لنا، الضمير في (نرجوه) متصل منصوب والناصب له فعل. فانطبقت عليه الشروط.

ولو قلت: الذي إياه نرجو يهب. لا يجوز؛ لأن الضمير منفصل.

فإذا قال المتكلم: أنا أريد ضميراً متصلاً، قلنا: إذا أردت الضمير المتصل فاتت الفائدة في الضمير المنفصل؛ لأن قولك: كالذي إياه نرجو، ليس كقولك: كالذي نرجوه.

فالجملة الأولى تفيد التخصيص والحصر، أما الثانية لا تفيد التخصيص والحصر.

ولهذا نقول: كالذي إياه نرجو، لا يجوز أن تحذف العائد فيها؛ لأنك لو حذفت العائد فيها اختل المقصود بالكلام وهو الحصر.

وإذا قلت: الذي لا نرجو إلا إياه يهب، فحذفت وقلت: الذي لا نرجو إلا يهب، لا يجوز.

فصار حذف العائد المنصوب يشترط فيه شرطان:

الشرط الأول: أنه متصل.

والشرط الثاني: أنه منصوب بفعل أو وصف.

فإذا قلت: جاء الذي إنه قائم، وحذفت العائد وقلت: جاء الذي إنّ قائم، فالعائد منصوب ومتصل، لكنه منصوب بغير الفعل ولا الوصف، فلا يجوز حذفه.

وقد أتى المؤلف للفعل بمثال: كمن نرجو يهب، ومثال الوصف: جاء الذي راجوه يهب، بمعنى: نرجوه، فهنا يصح أن يحذف لأنه منصوب بوصف.

فإذا نصب بوصف أو فعل فإنه يجوز حذفه، أما إذا نصب بغيره فلا يجوز.

وإذا قلت: الذي أنا معطيكه درهم، وحذفت الهاء، وقلت: الذي أنا معطيك درهم، يجوز؛ لأنه منصوب بوصف، وهو معط.

وخلاصة ما سبق: أنه يجوز حذف العائد المنصوب بشرط أن يكون متصلاً، وأن يكون ناصبه فعلاً أو وصفاً.

والمؤلف يقول: إنه كثير، ولكنه ليس بأكثر، فالأكثر وجوده، لكن حذفه كثير.

حذف العائد المجرور بالوصف

ثم قال: [كذاك حذف ما بوصف خفضا كأنت قاضٍ بعد أمر من قضى]

الآن انتقل إلى حذف العائد المجرور، والمجرور قد يجر بوصف، وقد يجر بحرف، ولكل منهما شروط.

فيقول: (كذاك حذف ما بوصف خفضا) يعني: أن العائد المجرور يحذف، لكن أحياناً يجر بوصف، وأحياناً يجر بحرف وخرج ابن مالك عن قاعدة البصريين في هذا البيت لكونه أطلق على (الجر) الخفض.

فإذا جر بوصف؛ فإنه يجوز حذفه، مثاله: قوله تعالى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] وهو المراد بقول المؤلف: (كأنت قاض بعد أمر من قضى) فهو يشير إلى الآية، والأمر من قضى اقض.

(ما أنت قاض) (ما) اسم موصول، و(قاض) وصف، وأصل الكلام: اقض ما أنت قاضيه، فحذف الضمير المجرور؛ لأنه مجرور بوصف.

ولو قلت: أكرم الذي غلامه في البيت، وأردت أن تحذف الهاء من (غلامه)، وتقول: أكرم الذي غلام في البيت، لا يجوز الحذف؛ لأنه جر بالإضافة إلى غلام، وهو ليس وصفاً؛ فالعائد المجرور يحذف، لكن بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون مجروراً بوصف.

والشرط الثاني: أن يكون مجروراً بوصف مستقبل.

وأخذنا هذين الشرطين من قوله: كأنت قاض بعد أمر من قضى.

ولو قال: جاء الذي مضروبه في البيت، وأراد أن يحذف الهاء فقال: جاء الذي مضروب في البيت، لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يكون الوصف اسم فاعل، وأيضاً بمعنى الحال أو الاستقبال، فعلى هذا إذا قلت: جاء الذي مضروب في البيت، فإنه لا يستقيم.

قد يقول قائل: جاء الذي هو مضروب في البيت، نقول: يختلف المعنى اختلافاً كبيراً، إذا قلت: جاء الذي هو مضروب في البيت، صار الجائي هو الذي ضُرب في البيت.

وإذا قلت: جاء الذي مضروبه في البيت، كان الذي في البيت ليس الجائي ولكنه من ضربه الجائي، فيكون الجائي هو الضارب.

فما جر بالإضافة: إن جر باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال جاز حذفه، ومثاله: قوله تعالى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72].

وإن جر بحرف أو باسم جامد أو جر بوصف غير اسم الفاعل فإنه لا يجوز.

لكن ما جر بالحرف يقول المؤلف فيه:

[كذا الذي جر بما الموصول جر

كمر بالذي مررت فهو بر]

(كذا الذي جر): كذا يعني الضمير الذي جر (بما الموصول جر)، أي: بحرف جر الموصول.

وعلى هذا فنعرب (الموصول) على أنه مفعول جر مقدماً، وتقدير البيت: كذا الذي جُرّ بحرف جَرّ الموصول، بحيث يكون الموصول مجروراً بالباء، والعائد مجروراً بالباء، فإن اختلف الجار فلا حذف.

فيحذف العائد المجرور بالحرف بشرط أن يجر بالحرف الذي جر الموصول، يؤخذ الشرط من قول المؤلف:

(بما الموصول جر).

ثم مثل قال: (كمر بالذي مررت فهو بر) (فهو بر) تكميل للبيت.

(مر بالذي مررت) أصلها مر بالذي مررت به، فحذف الضمير المجرور بالباء، وحذف حرف الجر؛ لأنه لا يمكن أن يبقى حرف الجر بدون مجرور.

قال الله تبارك وتعالى: يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون:33] وأصله: مما تشربون منه، لكن حذف العائد وهو الضمير المجرور بمن، وحذف حرف الجر لأنه لا يمكن أن يبقى وحده، وصارت الآية: مِمَّا تَشْرَبُونَ .

فإن اختلف حرف الجر فإنه لا يحذف المجرور، فإذا قلت: رغبت فيما رغبت عنه، أي: رغبت أنا فيما رغبت عنه أنت، فلا يمكن أن نحذف الهاء في قوله: عنه؛ لاختلاف الحرف، فيتعين أن يوجد الحرف والعائد، ولا يجوز الحذف.

ويشترط أيضاً أن يكون العامل الذي تعلق به حرف الجر مطابقاً للعامل الذي جر الموصول لفظاً ومعنى. مثال ذلك أن تقول: مررت بالذي مررت به، فهنا العاملان متفقان، كلاهما مر، والحرفان متفقان، وكلاهما باء، والمعنى واحد.

فإن اختلف الحرف امتنع الحذف، مثاله: رغبت فيما رغبت عنه، وإن اختلف اللفظ في العاملين امتنع الحذف، فلو قلت: وقفت على ما قمت عليه، أي: وقفت أنا على ما قمت عليه أنت، أي: وقف، امتنع الحذف؛ لاختلاف العاملين لفظاً مع اتحاد معناهما.

ولو قلت: وقفت على من وقفت عليه، تريد بالأول القيام، وتريد بالثاني الوقف الذي هو التحبيس والتسخير، فلا يجوز الحذف؛ لاختلاف العاملين معنى.

فصار الشرط في العائد المجرور بالحرف اتفاق الحرفين، واتفاق العاملين لفظاً ومعنى، والمثال في كتاب الله عز وجل: يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون:33].

الخلاصة في حذف العائد

فصار العائد: إما مرفوعاً وإما منصوباً، وإما مجروراً.

والمرفوع: إما ضمير (هو) صدر الصلة، فيجوز حذفه، وسبق التفصيل فيه، هل هو كثير أو قليل.

وإما غير ضمير الصدر فإنه لا يجوز حذفه، مثل: مررت باللذين قاما، لا يصح أن أقول: باللذين قام، أو: مررت بالذين قاموا، فلا يصح أن أقول: بالذين قام. لأن الضمير المرفوع ليس صدر صلة.

والمنصوب: إما أن ينصب بفعل أو بوصف، وحذفه جائز بشرط أن يكون متصلاً.

المجرور: إما أن يكون مجروراً بالإضافة، وإما أن يكون مجروراً بالحرف.

والمجرور بالإضافة يشترط أن يكون مجروراً باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال.

والمجرور بالحرف يشترط فيه اتفاق العاملين لفظاً ومعنى، واتفاق الحرفين لفظاً ومعنى.

وبهذا ينتهي الكلام على حكم الضمير الذي هو العائد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [14] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net