إسلام ويب

يعمل المصدر عمل فعله، فإن كان فعله لازماً فهو لازم، وإن كان فعله متعدياً فهو متعد.

إعمال المصدر

متى يعمل المصدر عمل فعله

هذا الفصل لإعمال المصدر، والمصدر تقدم لنا أنه اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل، مثل أمنٍ من أمن، ومثل ضربٍ من ضرب، وأكلٍ من أكل، وشربٍ من شرب ... إلى آخره.

والمصدر يعمل عمل فعله لكن بشروط؛ ولهذا قال:

[بفعله المصدر ألحق في العمل].

(المصدر) مفعول مقدم لقوله: (ألحق).

و(بفعله) جار ومجرور متعلق بألحق.

يعني: ألحق المصدر بفعله في العمل، فإن كان الفعل لازماً صار المصدر لازماً، وإن كان متعدياً لواحد صار متعدياً لواحد، وإن كان متعدياً لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر صار متعدياً لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر، أو كان متعدياً لاثنين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً فالمصدر كذلك.

فالمهم أن يكون حسب فعله، فتقول: يعجبني ضربك زيداً، فهنا متعدٍ لواحد هو (زيداً) والكاف هذه محل فاعل؛ لأنك أنت ضارب وزيداً مضروب فهو مفعول به. قال الله تعالى: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا [البلد:14-15]، فقوله: (يتيما) مفعول به للمصدر (إطعام).

المتعدي لاثنين ليس أصلهما المبتدأ والخبر مثاله: يعجبني كسوتك زيداً قميصاً.

نصب المصدر مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهما زيداً وقميصاً، فتقول: (كسوة) مضاف و(الكاف) مضاف إليه وهو هنا مضاف إلى فاعله، وزيداً مفعول أول، وقميصاً مفعول ثاني.

ومثال المتعدي لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر، تقول: عجبت من ظنك عيسى نائماً.

تقول: (ظن) مضاف، و(الكاف) مضاف إليه من باب إضافة المصدر إلى فاعله، (عيسى) مفعول أول منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، و(نائماً) مفعول ثان منصوب بالفتحة الظاهرة.

ولو كان الفعل ينصب ثلاثة مفاعيل فإن المصدر ينصب ثلاثة مفاعيل، مثاله: عجبت من إعلامك زيداً عمراً قائماً، ومعنى المثال: أنك معلم زيد أن عمراً قائم؛ فأنا عجبت من ذلك.

نقول: (إعلام) مضاف، و(الكاف) مضاف إليه، وهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، و(زيداً) مفعول أول، و(عمراً) مفعول ثان، و(قائماً) مفعول ثالث.

أحوال عمل المصدر

قال:

[بفعله المصدر ألحق في العمل مضافاً ومجرداً أو مع أل]

هذه ثلاث حالات للمصدر: يعمل مضافاً، ويعمل مجرداً من الإضافة ويمكن أن نقول: ومن (أل) أيضاً، وكلها يعمل فيها عمل فعله.

مثاله مضافاً: قول تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ [البقرة:251] فـ (دفع) مضاف والاسم الكريم مضاف إليه، والناس: مفعول لدفع.

ومثاله مجرداً قوله تعالى: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا [البلد:14-15]، فهنا (إطعام) مجرد عمل عمل فعله، لكن إذا كان غير مضاف ولا محلى بـ(أل) يجب تنوينه. مثاله مع أل قولنا: عجبت من الضرب عمراً، أو عجبت من الأكل طعاماً أي: من أكلك الطعام أو من ضربك عمراً.

ومثاله أيضاً قول الشاعر:

فإنك والتأبين عروة بعدما دعاك وأيدينا إليه شوارع

فالشاهد: (والتأبين عروة) حيث نصب عروة بالتأبين وهو مصدر محلى بأل.

وكذلك قول الشاعر:

لقد علمت أولى المغيرة أنني كررت لم أنكل عن الضرب مسمعا

والشاهد: (عن الضرب مسمعاً) حيث نصب مسمعاً بالضرب.

وهذا على كل حال قليل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[إن كان فعل مع أن أو ما يحل محله ولا اسم مصدر عمل]

مثال ذلك: عجبت من ضربك زيداً، فأجعل محله فعلاً مصدراً بأن، فأقول: عجبت من أن تضرب زيداً، أو (ما) المصدرية؛ عجبت مما تضرب زيداً، أي: من ضربك.

وقوله: (أو ما يحل محله) احتراز مما إذا لم يحل محله (أن) و(ما)، كما في قولك: ضربي شديد، فهنا لا يحل محله أن والفعل؛ لأنك لا تستطيع أن تقول: أن أضرب شديداً.

وإذا قلت: مثلاً: حمل البعير ثقيل، لا يعمل؛ لأنه ليس على تقدير أن ولا ما.

وقولك: عجبت من ضربك العبد مكتوفاً، الذي يحل محله: أن تضربه.

قال: (ولاسم مصدر عمل).

جار ومجرور خبر مقدم، و(عمل) مبتدأ مؤخر.

والمعنى: أن اسم المصدر يعمل كما يعمل المصدر، لكن الفرق بينهما أن اسم المصدر ما كان فيه معنى الفعل دون حروفه، والمصدر ما كان فيه حروف الفعل.

فالكلام اسم مصدر؛ لأن المصدر تكليم.

والسلام اسم مصدر؛ لأن المصدر تسليم.

وأخرجته خروجاً، فخروجاً اسم مصدر؛ لأن المصدر إخراج. وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا [نوح:17]، (نباتاً) اسم مصدر.

وتقول: عجبت من كلامك زيداً، فهذا اسم مصدر، عمل عمل الفعل.

فـ(عجبت) فعل وفاعل.

و(من): حرف جر، (كلامك) كلام: اسم مجرور بمن، وهو مضاف، والكاف ضمير مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.

و(زيداً) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

جواز مراعاة اللفظ أو المحل فيما أضيف إليه المصدر

ثم قال:

[وبعد جره الذي أضيف لـه

كمل بنصب أو برفع عمله]

قول المؤلف: (بعد جره الذي أضيف له) أي: بعد جر المصدر الذي أضيف له، فهنا (جره) مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله: (الذي أضيف له) مفعول به في محل نصب.

يعني: إذا أضفت المصدر إلى اسم فإنه يكون في محل جر.

يقول: (كمل بنصب أو برفع عمله) أي: كمل بنصب إن أضيف إلى الفاعل، أو برفع إن أضيف إلى المفعول.

فأفادنا المؤلف رحمه الله من هذا البيت قاعدة وهي: أن المصدر يضاف إلى فاعله فينصب مفعولاً، ويضاف إلى مفعوله فيرفع فاعله، فإذا كان الفعل ينصب مفعولين؛ فإن مصدره ينصب المفعولين، مثل أن تقول: عجبت من ظنك زيداً قائماً، فظنك يضاف إلى الفاعل، و(زيداً) مفعول أول، و(قائماً) مفعول ثاني.

وعجبت من إعلامك زيداً عمراً واقفاً، نصب المصدر ثلاثة مفاعيل.

ومثال إضافته إلى المفعول ويأتي بعده الفاعل قول الشاعر:

تنفي يداها الحصى في كل هاجرة

نفي الدراهيم تنقاد الصياريف

(الهاجرة) هي شدة حر الشمس، فهو يصف ناقته بأنها قوية تمشي، إذا ضربت الحصاة فإنها تنفيها.

(نفي الدراهيم تنقاد الصياريف) الدراهيم جمع درهم، وتنقاد بمعنى: نقد، والصياريف يعني: الصيارفة، فالصيارفة عندما يعدون الدراهم يعدونها بسرعة فائقة.

وقوله: (نفي الدراهيم)، نفي مصدر مضاف إلى مفعوله، (تنقاد) فاعل نفي، و(تنقاد) مضاف و(الصياريف) مضاف إليه.

إذاً: نقول: إن المصدر يضاف إلى فاعله فينصب مفعوله أو مفاعيله، ويضاف إلى مفعوله فيرفع فاعله.

يقول:

[وجر ما يتبع ما جر ومن

راعى في الاتباع المحل فحسن]

إذا جر فإن الذي يتبع المجرور يجوز فيه وجهان:

أحدها: مراعاة اللفظ، وإذا راعينا اللفظ صار التابع مجروراً.

والثاني: مراعاة المحل، وحينئذ يكون مرفوعاً أو منصوباً.

تقول: عجبت من ضرب زيدٍ الطويل عمراً.

فهنا أضيف المصدر إلى الفاعل، والفاعل محله في الأصل الرفع، لكنه مجرور لفظاً بالإضافة، فيجوز أن تقول: من ضرب زيد الطويلِ عمراً، ويجوز: من ضرب زيد الطويلُ عمراً.

والأحسن مراعاة اللفظ إلا إذا حصل لبس، فلو قلت: عجبت من ضرب زيدٍ القويَّ عمراً، بالجر احتمل أن تكون (القوي) صفة للضرب، وأن تكون صفة للضارب فحينئذ تترجح مراعاة المحل، فنقول: عجبت من ضرب زيدٍ القويُّ عمراً.

إذاً: الأصل مراعاة اللفظ، لكن إذا كان هناك لبس فالأفضل مراعاة المحل؛ ولهذا قال: (من راعى في الاتباع المحل فحسن) فجعله حسناً، ثم هو قد يكون أحسن وقد يتعين أحياناً أن نراعي المحل إذا خيف اللبس.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك[44] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net