إسلام ويب

الجمل بعد النكرات صفات، فيجوز أن يكون النعت جملة بشرط أن يكون فيها رابط يربطها بالمنعوت، وقد يتعدد المنعوت فيفرق نعته حتى لا يلتبس الأمر، وقد يتعدد النعت لمنعوت واحد فتكون النعوت تابعة لمنعوتها، ويجوز القطع في بعض الحالات.

النعت بالجملة

الجمل تنعت النكرات

قال ابن مالك :

[ونعتوا بجملة منكرا فأعطيت ما أعطيته خبرا].

الجملة تكون اسمية وفعلية، ولا ينعت بها المعرفة إذ القاعدة: إذا جاءت الجملة بعد معرفة فهي حال، لكن إذا جاءت بعد نكرة فهي صفة.

فقوله: (ونعتوا بجملة منكرا) خرج به المعرف.

ومثال ذلك: رأيت طالباً يقلب كتابه.

فالجملة هي: يقلب كتابه، و(طالباً) نكرة، فيجوز أن ننعت النكرة بالجملة.

ونقول: (رأيت) فعل وفاعل، و(طالباً) مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، و(يقلب) فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو، و(كتابه) مفعول به، وهو مضاف والهاء مضاف إليه، وجملة (يقلب كتابه) في محل نصب صفة لرجل.

وكذلك مررت برجل يبيع خبزاً، فرجل نكرة، و(يبيع خبزاً) جملة، فتكون صفة لرجل.

فإذا قلنا: مررت بالطالب يقلب كتابه، فالجملة بعد معرفة فتكون في موضع نصب على الحال.

ومثال النعت بالجملة الاسمية: مررت برجل أبوه كريم.

فـ (مررت) فعل وفاعل، و(الباء) حرف جر، و(رجل) اسم مجرور بالباء، و(أبو) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة أو الستة على الخلاف، وأبو مضاف والهاء مضاف إليه، و(كريم) خبر أبوه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة لرجل.

ورأيت كاتباً خطه جميل: فـ (كاتباً) مفعول رأيت، و(خط)، مبتدأ، و(خط) مضاف والهاء مضافة إليه، و(جميل) خبر خط، والجملة في محل نصب صفة لكاتب.

وجوب ربط جملة الصفة بالموصوف

يقول المؤلف: (فأعطيت ما أعطيته خبراً) يعني: إذا نعت بالجملة فإنه يثبت لها ما يثبت للجملة الخبرية، وقد سبق في باب المبتدأ ما يلزم إذا وقعت الجملة خبراً، ومن أهم ذلك أنه يجب أن تشتمل على رابط يربطها بالمبتدأ، فلو قلت: مررت برجل عمرو قائم، لا يجوز؛ لأن (عمرو قائم) جملة اسمية لكن ليس فيها رابط يربطها بالموصوف.

وإذا قلت: مررت برجل ابنه كبير، فالرابط الهاء في (ابنه).

ومررت برجل ما أدراك ما الرجل، فالرجل هذه تعود على الأول، مثل: الحاقة ما الحاقة.

إذاً: تعطى ما تعطاه الجملة الخبرية من الأحكام، وهذه الإحالة من المؤلف إحالة على مليء، فكأنه يقول: ارجع إلى باب المبتدأ والخبر، وانظر ما هي شروط الجملة إذا وقعت خبراً فأت بها هنا، إلا ما استثنى.

لا تكون الجملة الطلبية صفة

قال المؤلف رحمه الله:

[وامنع هنا إيقاع ذات الطلبوإن أتت فالقول أضمر تصب ].

و(ا منع هنا) أي: في النعت، (إيقاع ذات الطلب) فلا تأتي الجملة المنعوت بها طلبية، وإنما تأتي خبرية، فلا تأتي فعل أمر، ولا تأتي مقرونة بلا الناهية، ولا تأتي مقرونة بأداة استفهام.

يقول المؤلف هنا: لا يمكن أن تأتي الجملة نعتاً إذا كانت طلبية، وتأتي خبرية.

وأخذنا ذلك من قوله: (وامنع هنا).

مثال ذلك: زيد أكرمه، (زيد) مبتدأ، و(أكرمه) جملة خبر زيد.

وزيد لا تهنه، (زيد) مبتدأ، وجملة (لا تهنه) خبر.

ومررت برجل اضربه، فـ(اضربه) لا تصح أن تكون نعتاً؛ لأنها طلبية، والجملة الطلبية لا تقع نعتاً، وتقع خبراً.

ومررت برجل لا تكسر خاطره، لا تصح كذلك؛ لأنها طلبية.

ومررت برجل هل رأيته في السوق، لا تصح؛ لأنها طلبية.

وقال الشاعر:

حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

(بمذق) الباء حرف جر، و(مذق) اسم مجرور بالباء، و(هل) أداة استفهام، (رأيت) فعل وفاعل، و(الذئب) مفعول به، و(قط) ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب، وجملة (هل رأيت الذئب قط) يريد الشاعر أن تكون صفة لمذق، فكيف الجواب عن قول ابن مالك : (وامنع هنا إيقاع ذات الطلب)؟

نقول: الجواب من كلام ابن مالك قال: (وإن أتت فالقول أضمر تصب) إن أتت الجملة الطلبية صفة فأضمر القول، فتقول: جاءوا بمذق مقول فيه: هل رأيت الذئب قط؟ ويكون الوصف هنا هو المحذوف المقدر بـ (مقول)، وجملة: هل رأيت الذئب قط تكون مقول القول.

وإذا قلت: مررت برجل اضربه، فالتقدير: مقول فيه اضربه.

وهكذا كلما رأيت جملة طلبية واقعة نعتاً لمنكر فأضمر فيها القول.

لكن يفهم من قوله رحمه الله: (إن أتت) أنك لا تأتي بها، لكن إذا سمعت من العرب العرباء فأضمر القول.

فالقاعدة: أن الجملة تقع نعتاً لنكرة وتعطى حكم الجملة الواقعة خبراً إلا أنه هنا لا تأتي بجملة طلبية، وإن أتت وجب إضمار القول ليكون نعتاً وتكون الجملة الفعلية مفعولاً للقول المحذوف.

كلام ابن عقيل عن النعت بالمشتق والنعت بالجملة

حكم النعت بما هو مشتق

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ وانعت بمشتق كصعب وذرب وشبهه كذا وذي والمنتسب ]

قال ابن عقيل : [ لا ينعت إلا بمشتق لفظاً أو تأويلاً.

والمراد بالمشتق هنا: ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه: كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة باسم الفاعل وأفعل التفضيل.

والمؤول بالمشتق: كاسم الإشارة نحو: مررت بزيد هذا، أي: المشار إليه، وكذا ذو بمعنى صاحب، والموصولة نحو: مررت رجل ذي مال، أي: صاحب مال، وبزيد ذو قام، أي: القائم، والمنتسب نحو: مررت برجل قرشي، أي منتسب إلى قريش ].

مثال اسم فاعل: مررت برجل قائم.

واسم المفعول: رأيت لحماً مطبوخاً.

والصفة: مررت برجل حسن الوجه.

واسم التفضيل: مررت برجل أفضل من زيد.

وقوله: (كذا وذي) هما للإشارة، ولكن الأول للمذكر والثاني للمؤنث، وفات علينا (ذو) بمعنى صاحب مع أنها ليست اسم فاعل، ولكنه بمعنى اسم الفاعل، فيكون (ذا) اسم إشارة، و(ذي) التي بمعنى صاحب.

وقوله: (ذو قام) كما إذا قلت: مررت بالرجل الذي قام، فهي كقولك: مررت بالرجل القائم، فهو مشتق بصلته.

وإذا قلت: نظرت إلى اللحم مطبوخاً، فمطبوخاً حال؛ لكونها بعد معرفة.

أما إذا قلت: نظرت إلى لحم مطبوخ فجاء بعد نكرة فهو وصف لها.

وقوله: مررت برجل ذي مال، تمثيل لقوله: (ذو) بمعنى صاحب، وقوله: (ذو قام) تمثيل لذي الموصولة.

النعت للنكرات بالجمل

قال ابن مالك :

[ ونعتوا بجملة منكرا فأعطيت ما أعطيته خبراً ]

قال ابن عقيل : [تقع الجملة نعتاً كما تقع خبراً وحالاً، وهي مؤولة بالنكرة، ولذلك لا ينعت بها إلا النكرة نحو: مررت برجل قام أبوه، أو أبوه قائم، ولا تنعت بها المعرفة فلا تقول: مررت بزيد قام أبوه، أو أبوه قائم.

وزعم بعضهم: أنه يجوز نعت المعرف بالألف واللام الجنسية بالجملة، وجعل منه قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس:37]، وقول الشاعر:

ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

فنسلخ صفة لليل، و(يسبني) صفة للئيم، ولا يتعين ذلك لجواز كون نسلخ ويسبني حالين ].

هذا تأويل للآية فمنهم من أول أن الليل واللئيم بمعنى النكرة، وأن التقدير هو: آية لهم ليل نسلخ منه النهار، ولقد أمر على لئيم يسبني.

وحينئذ يكون هذا بمعنى النكرة؛ لأنه للجنس، والجنس عام في أفراده فهو كالنكرة المطلقة في أقوالهم، وكما علمنا مما سبق أن قوله (آية لهم الليل) ممكن أن نجعل (نسلخ) في موضع نصب على الحال، يعني: حال كوننا سالخين منه النهار، و(ولقد أمر على اللئيم يسبني) أي: حال كونه يسبني.

ويقولون: إن الدليل إذا ورد عليه احتمال بطل به الاستدلال.

فالخلاصة الآن: أننا فهمنا أن الجملة تكون نعتاً، لكن بشرط أن يكون المنعوت نكرة، كقولنا: مررت برجل يقرأ.

أما أن تقول: مررت بالرجل يقرأ، فإنها تجعل حالاً، ولهذا يقولون: إن الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال.

قال ابن عقيل : [ وأشار بقوله: (فأعطيت ما أعطيته خبراً)، إلى أنه لابد للجملة الواقعة صفة من ضمير يربطها بالموصوف، وقد يحذف للدلالة عليه كقوله:

وما أدري أغيرهم تناء وطول الدهر أم مال أصابوا

والتقدير: أم مال أصابوه، فحذف الهاء.

وكقوله عز وجل: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا [البقرة:48] أي: لا تجزي فيه، فحذف فيه، وفي كيفية حذفه قولان:

أحدهما: أنه حذف بجملته دفعة واحدة.

والثاني: أنه حذف على التدريج، فحذف (في) أولاً فاتصل الضمير بالفعل فصار تجزيه، ثم حذف هذا الضمير المتصل فصار تجزي ].

أي أن عندنا طريقين في حذفها، هل حذف الجار والمجرور رأساً -لا تجزي فيه- أو حذف الجار أولاً فاتصل الضمير بالفعل ثم حذف الضمير، والأول أسهل.

لكن هؤلاء فروا من كون الحرف يحذف، وقد سبق لنا في باب الموصول أن الحروف لا تحذف مع صلتها إلا بشروط، لكن المفاعيل تحذف بكثرة، ولكن مادام الأمر ظاهراً من السياق فنقول: حذف الجار والمجرور جميعاً دفعة واحدة.

حكم النعت بالجملة الطلبية

قال المؤلف رحمه الله: [ وامنع هنا إيقاع ذات الطلب وإن أتت فالقول أضمر تصب ].

قال ابن عقيل : [ لا تقع الجملة الطلبية صفة، فلا تقول: مررت برجل اضربه، وتقع خبراً خلافاً لـابن الأنباري ، فتقول: زيد اضربه.

ولما كان قوله: (فأعطيت ما أعطيته خبراً) يوهم أن كل جملة وقعت خبراً يجوز أن تقع صفة قال: (وامنع هنا إيقاع ذات الطلب) أي: امنع وقوع الجملة الطلبية في باب النعت، وإن كان لا يمتنع في باب الخبر، ثم قال: فإن جاء ما ظاهره أنه نعت فيه بالجملة الطلبية فيخرج على إضمار القول، ويكون المضمر صفة والجملة الطلبية معمول القول المضمر؛ وذلك كقوله:

حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

فظاهر هذا أن قوله: (هل رأيت الذئب قط) صفة لمذق، وهي جملة طلبية، ولكن ليس هو على ظاهره، بل (هل رأيت الذئب قط) معمول لقول مضمر هو صفة لمذق، والتقدير: بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط.

فإن قلت: هل يلزم هذا التقدير في الجملة الطلبية إذا وقعت في باب الخبر، فيكون تقدير قولك زيد اضربه: زيد مقول فيه اضربه؟

فالجواب: أن فيه خلافاً، فمذهب ابن السراج والفارسي التزام ذلك، ومذهب الأكثرين عدم التزامه ].

الصحيح أنه لا يحتاج إلى التزام.

النعت بالمصدر

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ونعتوا بمصدر كثيراً فالتزموا الإفراد والتذكيرا

ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف

ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء

وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن تبعت

واقطع أو اتبع إن يكن معينا بدونها أو بعضها اقطع معلنا

وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا

وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل ].

قول المؤلف رحمه الله: (ونعتوا بمصدر كثيراً)، إذاً: فالمسألة مسألة استعمال، فيعود الضمير في (نعتوا) على المستعملين وهم العرب، لا النحاة.

قوله: (بمصدر كثيراً)، كثيراً: مفعول مطلق لنعتوا، يعني: نعتوا نعتاً كثيراً بالمصدر، ولهذا يمر بكم في القرآن وفي السنة وفي كلام العرب وفي كلام الناس النعت بالمصدر كثيراً؛

فتقول مثلاً: هذا رجل عدل، فكلمة (عدل) هي مصدر عدل يعدل عدلاً.

كذلك تقول: هذا رجل ثقة، فـ (ثقة) مصدر وثق يثق ثقة كوعد يعد عدة، وتقول: هذا رجل رضا، ورضا مصدر رضى يرضى رضا.

فإذا نعت بالمصدر يقول المؤلف (فالتزموا الإفراد والتذكير)، أي: العرب الذين نعتوا بالمصدر التزموا الإفراد ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، والتزموا التذكير ولو كان المنعوت مؤنثاً، يعني أنهم أبقوا المصدر على حاله، فتقول: هذا رجل عدل، وهذه امرأة عدل، وهذان رجلان عدل، وهؤلاء رجال عدل، وهؤلاء نساء عدل، وهاتان امرأتان عدل.

فالتزموا الإفراد والتذكير؛ وذلك لأن المصدر لا يجمع ولا يثنى، بل يبقى على ما هو عليه، لكن كيف يكون تأويل هذا المصدر؛ لأننا نعرف أن المصدر نعت، والنعت صفة دالة على ذات، فالعدل غير العادل، والرضا غير المرضي؟

ذكروا في تأويله ثلاثة أوجه:

الأول: أن المصدر بمعنى اسم الفاعل إن كان قائماً بالمنعوت، أو بمعنى اسم المفعول إن كان واقعاً على المنعوت، فقولك: رضا بمعنى مرضي، وعدل بمعنى عادل، الأول بمعنى اسم الفاعل والثاني بمعنى اسم المفعول.

يعني أن المصدر مؤول بمشتق، إما اسم الفاعل أو اسم المفعول.

الثاني: أن المصدر على حاله وإنه على تقدير مضاف أي: ذو عدل، تقول: هذا رجل ذو عدل وهذان رجلان ذوا عدل، ورأيت رجلين ذوي عدل، قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2].

الثالث: أن هذا النعت دال على صفة وصاحبها، فقولك: مررت برجل قائم (قائم) دال على صفة وعلى ذات وهي صاحبة الصفة، فجعلنا هذا المنعوت نفس المصدر من باب المبالغة، وكأنه هو نفس ذلك المنعوت، فقولك: هذا رجل عدل، جعلت العدل كأنه هذا الرجل.

ولكن في كتب الفقه: (يثبت دخول الشهر غير رمضان بشهادة عدلين) فثني المصدر، وهذا من باب تسامح الفقهاء، والأصل أن يقال: بشهادة اثنين عدل أو ذوي عدل، مثلما قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ [الطلاق:2]، ولم يقل سبحانه وتعالى: وأشهدوا عدلين.

أحكام النعوت إذا تعددت

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ونعتوا بمصدر كثيراً فالتزموا الإفراد والتذكيرا

ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف

ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء

وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن تبعت

واقطع أو اتبع إن يكن معينا بدونها أو بعضها اقطع معلنا

وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا

وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل ].

قول المؤلف رحمه الله: (ونعتوا بمصدر كثيراً)، إذاً: فالمسألة مسألة استعمال، فيعود الضمير في (نعتوا) على المستعملين وهم العرب، لا النحاة.

قوله: (بمصدر كثيراً)، كثيراً: مفعول مطلق لنعتوا، يعني: نعتوا نعتاً كثيراً بالمصدر، ولهذا يمر بكم في القرآن وفي السنة وفي كلام العرب وفي كلام الناس النعت بالمصدر كثيراً؛

فتقول مثلاً: هذا رجل عدل، فكلمة (عدل) هي مصدر عدل يعدل عدلاً.

كذلك تقول: هذا رجل ثقة، فـ (ثقة) مصدر وثق يثق ثقة كوعد يعد عدة، وتقول: هذا رجل رضا، ورضا مصدر رضى يرضى رضا.

فإذا نعت بالمصدر يقول المؤلف (فالتزموا الإفراد والتذكير)، أي: العرب الذين نعتوا بالمصدر التزموا الإفراد ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، والتزموا التذكير ولو كان المنعوت مؤنثاً، يعني أنهم أبقوا المصدر على حاله، فتقول: هذا رجل عدل، وهذه امرأة عدل، وهذان رجلان عدل، وهؤلاء رجال عدل، وهؤلاء نساء عدل، وهاتان امرأتان عدل.

فالتزموا الإفراد والتذكير؛ وذلك لأن المصدر لا يجمع ولا يثنى، بل يبقى على ما هو عليه، لكن كيف يكون تأويل هذا المصدر؛ لأننا نعرف أن المصدر نعت، والنعت صفة دالة على ذات، فالعدل غير العادل، والرضا غير المرضي؟

ذكروا في تأويله ثلاثة أوجه:

الأول: أن المصدر بمعنى اسم الفاعل إن كان قائماً بالمنعوت، أو بمعنى اسم المفعول إن كان واقعاً على المنعوت، فقولك: رضا بمعنى مرضي، وعدل بمعنى عادل، الأول بمعنى اسم الفاعل والثاني بمعنى اسم المفعول.

يعني أن المصدر مؤول بمشتق، إما اسم الفاعل أو اسم المفعول.

الثاني: أن المصدر على حاله وإنه على تقدير مضاف أي: ذو عدل، تقول: هذا رجل ذو عدل وهذان رجلان ذوا عدل، ورأيت رجلين ذوي عدل، قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2].

الثالث: أن هذا النعت دال على صفة وصاحبها، فقولك: مررت برجل قائم (قائم) دال على صفة وعلى ذات وهي صاحبة الصفة، فجعلنا هذا المنعوت نفس المصدر من باب المبالغة، وكأنه هو نفس ذلك المنعوت، فقولك: هذا رجل عدل، جعلت العدل كأنه هذا الرجل.

ولكن في كتب الفقه: (يثبت دخول الشهر غير رمضان بشهادة عدلين) فثني المصدر، وهذا من باب تسامح الفقهاء، والأصل أن يقال: بشهادة اثنين عدل أو ذوي عدل، مثلما قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ [الطلاق:2]، ولم يقل سبحانه وتعالى: وأشهدوا عدلين.

نعت غير الواحد إذا اختلف العامل

قوله: (ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف).

يعني: عند نعت اثنين مختلفين يجب أن نفرق بين النعتين في العطف، فلا يصلح أن تقول: مررت بزيد وعمرو الكريمين البخيلين؛ لأنك تدخل في الصفة من لا يتصف بها، بل تقول: مررت بزيد وعمرو الكريم والبخيل، ويكون هذا من باب اللف والنشر المرتب.

قوله: (لا إذا ائتلف) أما إذا ائتلف فإننا لا نفرقه بعطف، فإذا كانا كريمين فإننا نقول: مررت بزيد وعمرو الكريمين؛ لأنه مادام حصر الكلام ممكناً واختصاره ممكناً فهو الواجب.

ويجوز لنا في النعت المختلف أن نولي كل نعت صاحبه، فنقول: مررت بزيد الكريم وعمرو البخيل، لو قلت: مررت بزيد وعمرو الكريم البخيل، لم يصلح؛ لأنه يحتمل أن الكريم البخيل وصفان لكل منهما، فإذا قلت: والبخيل، فالعطف يقتضي المغايرة ويوزع على ما سبق.

حكم نعت معمولين لعاملين مختلفين عملاً أو معنى

قوله: (ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء)

أي: متحدي معنى وعمل.

(أتبع بغير استثناء) يعني: لا تستثن شيئاً، أي: إذا كان النعت لاثنين معمولين لعاملين متفقين في العمل والمعنى، فأتبع بغير استثناء.

فعندنا الآن معمولان لعاملين متحدين في المعنى والعمل، فإنه حينئذ يقول المؤلف: أتبع بغير استثناء، أي: أتبعه المعمولين بغير استثناء.

والآن لابد أن نأتي بعامل وعامل آخر ثم نسلطهما على معمولين، ثم نأتي بالنعت، فمثلاً: رأيت زيداً وأكرمت عمرواً الكريمين، لا يصلح لأن العاملين وإن كان عملهما واحداً وهو النصب، لكن المعنى مختلف، فيجب أن نفرق.

لكن يجوز: رأيت زيداً وأبصرت عمرواً الكريمين؛ لأن رأيت بمعنى أبصرت وعملهما واحد، والمعمولان كلاهما منصوب، فإذاً: يجوز أن نتبع بغير استثناء.

فإن اختلف العاملان عملاً أو اختلفا معنى أو اختلفا لفظاً -لكن المؤلف ما ذكر إلا المعنى فقط- فإنه لا يقبل، فلا تقول: جاء زيد وأكرمت عمراً المجتهدين؛ لأن الأول مرفوع والثاني منصوب، فإن رفعت مراعاة لزيد خالفت عمراً، وإن نصبت مراعاة لعمرو خالفت زيداً، إذاً: صف كل واحد على حدته، فتقول: جاء زيد المجتهد وأكرمت عمرواً المجتهد.

وكذلك إذا اختلفا في المعنى مثل أن تقول: نجح زيد وفشل عمرو المحبوبان، فلا يصلح لاختلاف المعنى، وابن مالك يقول: (وحيدي معنى وعمل).

ففي مثل هذا المثال أفرق، وأجعل نعت كل واحد يليه ولا أجمعهما؛ وذلك لاختلافهما في المعنى.

وإذا اختلفا في اللفظ دون المعنى كأن تقول: سار زيد ومشى عمرو الكريمين، فظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز؛ لأن المعنى واحد والعمل واحد، فيقول: (أتبع بغير استثناء).

فالحاصل أنه إذا تعدد المنعوتان وعاملهما مختلف في المعنى أو في العمل فإنه يجب التفريق، وأما إذا اتفق العاملان عملاً ومعنى فإنه يجوز الإتباع، ويجوز التفريق، وهو الأصل، فقول المؤلف هنا: (أتبع) هذا على سبيل الإباحة وليس على سبيل الوجوب واللزوم؛ لأن لي أن أتبع كل واحد نعته ولا أجمعهما.

تعدد النعوت لمنعوت واحد

ثم قال المؤلف:

(وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن أتبعت)

إذا تكررت النعوت وكان المنعوت لا يتعين بدونها وجب الإتباع وهذا معنى قوله: (وقد تلت).

قوله: (أتبعت) هذا جواب الشرط.

أي أن المنعوت إذا نعت بأكثر من نعت وكان لا يتعين إلا بها كلها فإنه يجب الإتباع ولا يجوز القطع؛ تقول مثلاً: رأيت عيسى الفاضل المجتهد الكريم.

فإذا كان يتعين بدونها جاز القطع، لأنه متعين بدون هذه النعوت، فنقول (الفاضل) تابع وما بعده يجوز أن يكون تابعاً ويجوز أن يكون مقطوعاً، فتقول: رأيت عيسى الفاضلَ المجتهدُ الكريمُ، هذا قطع.

ونقول: جاء غانم الدءوب الكريم الشجاع، فيجوز القطع لأنه لا يوجد عندنا إلا غانم واحد.

فالقاعدة: أنه إذا كان هذا المنعوت متعيناً بدون النعوت فإنه يجوز فيما عدا الأول القطع، وأما إذا كان لا يعرف إلا بها وجب الإتباع.

فإذا كان عندنا رجلان كل منهما اسمه محمد وهو كريم وشجاع، فيجب الإتباع فتقول: جاء محمدٌ الكريمُ الشجاعُ المجتهدُ؛ لأنه لا يعرف بدونها، أما إذا كان يعرف بأول نعت أو بدونها فإنه يجوز القطع فيما عدا الأول.

والقطع معناه ألا تجعله تابعاً له في الإعراب، بل تجعله مرفوعاً على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو منصوباً على أنه مفعول لفعل محذوف، مثاله: جاء محمدٌ الفاضلُ المجتهدَ الكريمَ: نقول: الفاضل: نعت.

المجتهدَ مفعول به لمحذوف والتقدير: أعني المجتهد.

أو تقول: رأيت محمداً الفاضلَ الكريمُ المجتهدُ، فتقول: الكريمُ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو.

والحاصل: أن النعوت إذا كثرت والمنعوت واحد فلا يخلو من حالين: إما أن يفتقر إليها وإما ألا يفتقر، ومعنى كونه مفتقراً إليها أنه لا يتعين بدونها ولا يعرف بدونها، كما لو قلت مثلاً: جاء زيد الكريم الشجاع القرشي، وكان يوجد زيد كريم شجاع تميمي، فعندنا ثلاثة نعوت، لكنه لا يتعين إلا بالثالث؛ لأنك إذا قلت: جاء زيد الكريم الشجاع لا ندري أهو التميمي أم القرشي، وإذا قلت: القرشي، تعين، وعلى هذا فيجب الإتباع في كل هذه النعوت؛ لأنه لا يتعين بدونها، ولهذا قال:

(وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن أتبعت).

حكم القطع والإتباع عند تعدد النعوت

ثم قال: (واقطع أوَ اتبع) بفتح الواو؛ لأن الهمزة في قوله (أتبع) همزة قطع، و(أوْ) واوها ساكنة، فنقلت حركة همزة القطع إلى الواو الساكنة وسهلت الهمزة.

إذا قال قائل: كيف تسقطون همزة القطع وهي لا تسقط؟

قلنا: من أجل ضرورة الشعر، وقد قال الحريري رحمه الله في ملحة الإعراب:

وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف

ويجوز للشاعر أن ينصب المرفوع لضرورة الشعر، ذكر السيوطي في ألفيته أنه أجازه بعضهم.

(واقطع أو اتبع)؛ مِنْ: أَتَبَع يُتبع، والأمر منها أَتبِعْ .

(واقطع أو اتبع إن يكن معيناً بدونها) فإذا كان معيناً ومعروفاً بدونها فلك القطع حتى في أول واحد منها، كما هو ظاهر كلام المؤلف.

يقول: (أو بعضها اقطع معلناً) يعني: أو اقطع بعضها إن تعين بالبعض الآخر:

فإذا قلنا: جاء زيد الكريم الشجاع التميمي، وهناك رجل يسمى زيد الكريم، لكنه قرشي، فإن الذي يجوز فيه القطع من هذه الصفات التميمي، والسبب أنه يتعين بدونه، أما الشجاع فلابد أن يكون تابعاً؛ لأنه لا يتعين بدونه.

فتبين أنه إذا كان المنعوت لا يتعين بدون النعوت الكثيرة فإنه يجب فيها الإتباع، وإذا كان يتعين ببعضها جاز قطع ما يتعين بدونه وجاز الإتباع أيضاً؛ لأن الإتباع هو الأصل، وإذا كان يتعين بدونها كلها جاز قطعها كلها وجاز الإتباع.

قوله: (وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأ أو ناصباً لن يظهرا).

مضمراً: حال من فاعل ارفع أو انصب.

وقوله: (إن قطعت) هذه جملة شرطية معترضة، يعني: وارفع أو انصب مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا، فقوله: (مبتدأً أو ناصباً) على التوزيع وهو ونشر مرتب، أي: ارفع مضمراً مبتدأ، انصب مضمراً ناصباً، ولا يظهر المبتدأ ولا الناصب، أي: يجب ألا يظهرا؛ لأنهما إن ظهرا صار النعت بالجملة.

مثال ذلك: مررت بزيد الكريمِ الشجاعِ، وزيد يتعين باسمه، فيجوز القطع في الكريم وفي الشجاع، ويجوز القطع في واحد منهما والإتباع في الثاني، ويجوز الإتباع في الجميع، فتقول: مررت بزيدٍ الكريمِ الشجاعِ، وهو الأصل، ويجوز: مررت بزيد الكريمَ الشجاعُ، ولكن يكون بعاملين.

إذاً: يجوز جرهما على الإتباع، ورفعهما على إضمار المبتدأ، ونصبهما على إضمار فعل، ورفع الأول ونصب الثاني، ونصب الأول ورفع الثاني، وجر الأول ورفع الثاني أو نصبه أو جره..

إذاً: (وارفع أو انصب إن قطعت) يعني: إذا صرنا إلى القطع، فكيف نعرب؟ نقول: إما أن نضمر مبتدأً أو نضمر فعلاً، أو أن نضمر فعلاً ومبتدأً، فنقول: مررت بزيدٍ الكريمُ الشجاعَ.

مررت: فعل وفاعل.

والباء حرف جر.

وزيد: اسم مجرور بالباء.

الكريمُ: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو الكريم.

والجملة تكون في محل نصب على الحال.

الشجاع: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعني الشجاع، والجملة بيانية لا محل لها من الإعراب.

والحاصل: أنه إذا قطعت فلك النصب على تقدير فعل ولك الرفع على تقدير مبتدأ، وحينئذ إن كان المنعوت معرفة فالجملة بعده حال، وإن كان نكرة فالجملة الأولى بعده صفة، والجملة الثانية يجوز أن تكون صفة ويجوز أن تكون حالاً، لأن النكرة إذا خصصت جاز أن تقع منها الحال.

حذف النعت أوالمنعوت

قال:

(وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل).

هذه قاعدة معروفة تقدمت في باب المبتدأ والخبر في قوله: (وحذف ما يعلم جائز) وهي في الحقيقة ضابط من ضوابط النحو، وهنا يقول: (ما من المنعوت) يعني: والذي من المنعوت، فـ (ما): اسم موصول مبتدأ.

وقوله: (عقل) أي علم، وهي صلة الموصول.

وقوله: (يجوز حذفه) خبر المبتدأ.

حذف المنعوت كثير في القرآن وفي غير القرآن؛ لأن المنعوت بمجرد ما تقرأ النعت تعرفه، لكن النعت إذا حذفته لم يعلم، ولهذا كان حذف النعت قليلاً، لأنه يراد به بيان صفة المنعوت، وإذا كان المراد به بيان الصفة فلا يحذف.

مثال حذف المنعوت قوله تعالى: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:71] أي عملاً صالحاً.

ومثل قوله: أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ[سبأ:11]، أي: دروعاً سابغات.

ومثال ما حذف من النعت قوله تعالى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا[الكهف:79]، قالوا: إن هذا على تقدير نعت محذوف، والتقدير: كل سفينة صالحة، وعلمنا أن هناك نعتاً محذوفاً تقديره (صالحة) أنه خرقها، والخرق إفساد، وإنما أفسدها لئلا يأخذها الملك، إذاً: فالذي يأخذه الملك كل سفينة صالحة، فعلم من السياق أن هناك حذفاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [50] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net