إسلام ويب

التقوى هي أعلى درجات الإيمان، وهي الشجرة الطيبة التي تثمر الثمرات اليانعة؛ العاجلة في الحياة الدنيا والآجلة في الدار الآخرة، فبها ييسر الله للعبد كل أموره، ويحفظه من عدوه، ويبارك له في ذريته، وبها يرث العبد الجنان، وينال رضوان الملك الديان.

الثمرات العاجلة للتقوى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فشجرة التقوى شجرة طيبة، بل أطيب من الشجرة الطيبة، وهي شجرة الإيمان؛ لأن التقوى أعلى درجات الإيمان، فهذه الشجرة شجرة التقوى تثمر الثمرات اليانعة العاجلة والآجلة، فلها ثمرات في الدنيا وثمرات طيبة مباركة في الآخرة، فما هي الثمرات العاجلة والآجلة لهذه الشجرة المباركة؟

فمن الثمرات العاجلة لشجرة التقوى في الدنيا: أنها سبب لوجود المخرج للمؤمن من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

ومن ثمرات التقوى العاجلة: اليسر في كل أمور العبد، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

ومن ثمرات التقوى العاجلة كذلك: الحفظ من كيد الأعداء: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].

ومن ذلك: النجاة من عذاب الدنيا، كما قال عز وجل: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:17-18].

ومن ثمرات التقوى العاجلة كذلك: أن يحفظ الله عز وجل الذرية الضعاف، كما قال عز وجل: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].

فهذا التأمين الرباني بسبب تقوى الله عز وجل، يحفظ الله عز وجل بها الذرية الضعاف.

ومن ثمرات تقوى الله عز وجل في الدنيا: معية الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194].

ومن ثمرات التقوى العاجلة كذلك: البشرى في الدنيا والآخرة: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].

أهل التقوى لهم من الهيبة والشرف والكرامة والمحبة في نفوس الخلق، قال بعض الناس: قتلني حب الشرف، فقال له أحد العلماء، لو اتقيت الله شرفت.

وفي ذلك قيل:

ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم

وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم.

وقال من رأى الإمام مالك :

يدع الجواب فلا يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقانِ

نور الوقار وعز سلطان التقىفهو المهاب وليس ذا سلطانِ

يقول أبو الدرداء : يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين.

فكم من قائم محروم، وكم من نائم مرحوم، هذا قام وقلبه كان فاجراً، وهذا نام وقلبه كان عامراً.

فالذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين، والرجلان يكونان في صف واحد، وخلف إمام واحد، يكبران بتكبيره، ويسلمان بتسليمه، وما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض؛ لأن الأعمال تتفاضل بحسب ما في قلوب أصحابها من تقوى لله عز وجل.

الثمرات الآجلة للتقوى

أما الثمرات الآجلة لتقوى الله عز وجل: فأهل التقوى هم الورثة الحقيقيون لجنة الله عز وجل، والآخرة: وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35].

وقال عز وجل: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].

وقرأ: نُوَرِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].

فأهل التقوى هم الورثة الحقيقيون لجنة الله عز وجل، وهم يتمتعون بعز الفوقية على الخلائق يوم القيامة، كما قال عز وجل: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212].

فهم ينالون عز الفوقية على الخلائق يوم القيامة.

والتقوى عباد الله: تجمع بين أهلها يوم القيامة، حين تنقلب كل خلة وكل مودة وكل محبة وكل صداقة إلى عداوة ومشاقة، كما قال عز وجل: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

فالمتقون كانت محبتهم وخلتهم وأخوتهم في الله عز وجل، فدامت صحبتهم في الدنيا والآخرة.

أما غير المتقين فإن محبتهم تنقلب إلى عداوة ومشاقة في الدنيا قبل الآخرة.

ومن ثمرات التقوى الآجلة كذلك: أنهم ينالون أعلى درجات الجنة، كما قال عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31]، فأجمل المفاز، ثم فصل فقال: حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا [النبأ:33-36].

وقال: هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [ص:49]، فأجمل المآب الحسن وهو المرجع الحسن، ثم فصل فقال عز وجل: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ص:50-54].

وأخبر عن قربهم من الحضرة واللقاء، والرؤية والبهاء، فقال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].

والمتقون يساقون إلى جنة الله عز وجل زمراً زمراً، أي: جماعات جماعات، قيل: الأنبياء مع الأنبياء، والعلماء مع العلماء، والشهداء مع الشهداء، وقيل: كل جماعة وكل مجموعة كانت متعاونة على تقوى الله عز وجل، فإنها ينادى عليها يوم القيامة، وتكون زمرة من الزمر الطيبة التي تساق إلى جنة الله عز وجل، وإلى رحمة الله عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73].

فالله عز وجل يقرب لهم الجنة، لا يقول لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة، بل يقول عز وجل: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31].

يقرب الله عز وجل لهم الجنة لتحيتهم واستقبالهم، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وأن يحشرنا مع زمرتهم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ثمرات التقوى للشيخ : أحمد فريد

https://audio.islamweb.net